الحمى التيفية typhoid مرض خمجي حاد يتظاهر على شكل حالة انسمامية عامة تشمل الحمى والصداع والضعف العام والشعور بالإنهاك، إضافة إلى بعض الأعراض الهضمية كألم البطن والغثيان وأحياناً الإقياء، كما قد يترافق غالباً بالإمساك.
العامل المسبب للحمى التيفية جرثوم يسمى السالمونيلة التيفية وهو أحد أفراد جنس كبير من الجراثيم تدعى السالمونيلات يسبب الكثير من أفراده أمراضاً مختلفة للإنسان. ويتصف جرثوم السالمونيلة التيفية بمقاومته النسبية للعديد من العوامل التي تؤثر عادة على الجراثيم وتقتلها كالحموضة والمطهرات المختلفة، وتستطيع جراثيم السالمونيلة البقاء حية في الماء أو التراب أو الرواسب المائية والطينية لأسبوعين أو أكثر أحياناً، كما تستطيع البقاء حية على سطح الخضار والفواكه الملوثة بها بين خمسة أيام وعشرة، ولكنها تبقى في اللحوم والبيض والحليب ومشتقات الألبان كالقشدة والزبدة مدة قد تزيد على ثلاثة أشهر أحياناً. وتقاوم جرثومة السالمونيلة الحرارة بدرجة 50 ْ مدة ساعة تقريباً لكنها تموت بالغليان في عدة دقائق.
جراثيم السالمونيلة التيفية لا تصيب إلا الإنسان، ويقوم الشخص المريض أو الناقه من المرض أو ما يدعى بحامل الجرثوم بطرحه عن طريق البراز أو البول فترات قد تطول أحياناً. ويمكن للجراثيم عندها أن تلوث المياه والأتربة والخضراوات والأيدي وغيرها إذ يصل الجرثوم إلى الإنسان السليم عندما يشرب ماءً ملوثاً أو يبتلع بعض الماء الملوث في أثناء السباحة وخاصة في البرك الراكدة، أو عندما يتناول حليباً ملوثاً دون غليه أو يتناول مشتقات الحليب الملوث غير المغلية كالقشدة النيئة والجبنة المصنعة دون غلي الحليب. ولا يستبعد وصول الجرثوم إلى الإنسان عن طريق تناول الخضراوات المروية بمياه المجاري وغير المغسولة جيداً أو تناول الأطعمة المحضرة بأيدي أشخاص حملة للجرثوم ولو كانوا لا يشكون من أي أعراض مرضية. وفي حال غياب طرق الصرف الصحي المغلق للمفرغات البشرية يمكن للذباب أن يؤدي دوراً كبيراً في نقل السالمونيلة بعد أن يحط على المفرغات البشرية المكشوفة ويحمل معه جزيئات دقيقة من البراز حاوية على الجراثيم وينقلها إلى الأغذية المكشوفة التي يحط عليها، كما قد تشكل أدوات المريض وحاجياته ذات الاستخدام الشخصي مصدراً إضافياً للعدوى.
بعد دخول السالمونيلة إلى الجسم مع الغذاء أو الماء الملوثين أو بوساطة الأيدي الملوثة تجتاز المعدة بسبب مقاومتها للحموضة وتصل إلى الأمعاء حيث تتكاثر في العقد اللمفاوية المعدية ثم تنتشر منها إلى الدم، ويموت في هذه الأثناء قسم كبير من الجراثيم وتنحل خلاياها فتنطلق منها مادة سامة تدعى الذيفان الداخلي endotoxin، وهي ذات تأثير رافع للحرارة وسامللكثير من أجهزة الجسم وأعضائه وخاصة القلب والأوعية الدموية والجهاز العصبي. تتكاثر السالمونيلات التيفية في الجسم في بداية المرض دون أعراض واضحة في فترة تدعى فترة الحضانة، وهي تستمر في الحمى التيفية من عشرة أيام إلى أسبوعين يبدأ بعدها المرض غالباً تدريجياً، إذ يشعر المريض بتعب عام وشعور بالإنهاك وارتفاع متدرج في درجات الحرارة،
ويرافق ذلك صداع يشتد مع الوقت مع إمكانية حدوث أعراض هضمية على شكل غثيان ونقص في الشهية وآلام بطنية مختلفة الشدة مع شعور بانتفاخ البطن وإمساك في معظم الأحيان، ويتأثر نوم المريض عادةً إذ يصبح أرقاً، كما تتأثر قدرته على العمل بسبب الحالة العامة السيئة، وقد تصل درجة حرارة المريض إلى 40 ْ أو 41 ْ في اليوم الرابع أو الخامس للمرض، ومع الوقت تزداد الحالة سوءاً حيث يستلقي المريض منهكاً دون حراك. وفي الحالات الشديدة للمريض قد يظهر عند بعض المرضى فقدان جزئي أو كلي للوعي وهذيان أو هلوسات سمعية أو بصرية ويكون منظر مريض الحمى التيفية في الحالات النموذجية للمرض وصفياً: إعياء شديد ونظرات دون معنى وجفاف في الجلد مع شحوب وسخونة وانتفاخ في البطن. وقد تظهر عند معظم المرضى في الأيام الأولى للمرض بقع صغيرة وردية اللون على الجلد تزول فيعدة أيام. كما يلاحظ عند فحص نبض المريض تباطؤ واضح فيه على الرغم من ارتفاع الحرارة.
إلى جانب هذا الشكل من الحمى التيفية والذي يسببه جرثوم السالمونيلة التيفية هناك شكلان آخران من الحمى التيفية يدعيان الحمى نظيرة التيفية A والحمى نظيرة التيفية Bويسببهما جرثومان شبيهان بالسالمونيلة التيفية يدعيان السالمونيلة نظيرة التيفية A والسالمونيلة نظيرة التيفية B. وتختلف الحمى نظيرة التيفية عن الحمى التيفية قليلاً إذ يكون بدء الأعراض فيها أكثر سرعة، وتكون الأعراض العامة للمرض عامة أخف وطأة مع إمكانية ظهور أعراض تنفسية كالزكام وألم البلعوم أو السعال أحياناً، وتلاحظ أعراض هضمية واضحة كالإسهال في أغلب الحالات، ويحدث الشفاء عادة بشكل أسرع من الحمى التيفية.
تتراجع الأعراض عند معظم مرضى الحمى التيفية بعد ثلاثة أسابيع أو أربعة على بدايتها إذ يشفى غالبية المرضى دون مضاعفات، إلا أنه يمكن أن يحدث عند بعض المرضى مضاعفات للمرض قد تكون خطرة على الحياة كانثقاب الأمعاء أو نزفها أو القصور القلبي الوعائي أو ما يسمى التهاب العضلة القلبية التيفي، وفي حالات نادرة قد تحدث مضاعفة خطيرة أخرى هي التهاب الدماغ التيفي. ويبدو في السنوات الأخيرة أن حالات الحمى التيفية ونظائرها غير النموذجية والتي لا تظهر فيها أعراض المرض الوصفية التي ذكرت سابقاً آخذة في الازدياد، وقد يكون سبب ذلك تناولالصادات المبكر أو المعالجات الناقصة للمرض.
بعد شفاء المريض من الحمى التيفية تتخلص أجسام معظم المرضى من جرثوم السالمونيلة التيفية إلا أن 5-10% من المرضى يبقى الجرثوم موجوداً في أجسامهم في فترة النقاهة أو بعدها بفترات مختلفة ويدعى هؤلاء «الحملة المزمنون للجرثوم» وغالباً ما يتوضع الجرثوم عند هؤلاء الأشخاص الحملة في المرارة والأمعاء، ويصبح هؤلاء الحملة المزمنون مصدراً هاماً من مصادر نشر الجرثوم في الوسط المحيط إذ يطرحونه مع البراز لفترات قد تمتد لأشهر وربما لسنوات.
تُشخص الحمى التيفية من الأعراض التي يشكو منها المريض، وفحص المريض من قبل الطبيب. ويتم تأكيد الإصابة بالحمى التيفية بالكشف عن الجرثوم في دم المريض وخاصةفي الأسبوع الأول والثاني للمرض، وذلك بإجراء ما يسمى بزرع الدم وهو إجراء مخبري هام للتشخيص، وهناك طريقة أخرى للتشخيص تعتمد على كشف الأجسام المضادة النوعية التي يكونها الجهاز المناعي للمريض تجاه السالمونيلة التيفية، وتدعى هذه الطريقة (تفاعل فيدال)، وهي لا تفيد إلا إذا أجريت بعد عشرة أيام أو أكثر على بدء المرض، كما يمكن التأكد من بقاء الجرثوم في الجسم بعد شفاء المريض أو زواله منه بالبحث عنه في براز المريض أو بوله، وهو إجراء منوالي يُجرى عادة للكشف عن الحملة المزمنين للجرثوم، وخاصة عند الأشخاص الذين يعملون في مجال التغذية وتهيئة الطعام للآخرين كعمال المطاعم وعمال المطابخ في المشافي وغيرها من المؤسسات الكبيرة.
يجب أن تتم معالجة الحمى التيفية، وخاصة الحالات الشديدة منها، في المشفى إذ يجب عزل المريض ولو جزئياً عن الآخرين وتوفير الراحة والحمية المناسبة له، فتستبعد من أطعمته الأطعمة الدسمة والمقلية والحريفة. ويعطى المريض الأدوية المناسبة كخافضات الحرارة والأدوية المضادة لجرثوم السالمونيلة التيفية (الصادات). وقد استخدمت في السابق ولعشرات السنين مادة الكلورامفنيكول لهذا الغرض لكنها استبدلت في السنوات الأخيرة بمضادات جراثيم أخرى تفيد في القضاء على السالمونيلة التيفية وليس لها تأثيرات الكلورمفنيكول الضارة على الجسم يذكر منها السولفاميتوكزازول والتري ميتوبريم.
ينصح مرضى الحمى التيفية بعد الشفاء بالابتعاد عن الأعمال المجهدة والمتعبة أو التعرض للحرارة أو البرودة المفرطتين، ويفضل استبقاؤهم لشهر أو أكثر على حمية مناسبة تحوي غذاءً متوازناً سهل الهضم.
يمكن الوقاية من الحمى التيفية بتشخيص الحالات المرضية جيداً وعزل المرضى وإعطائهم العلاج المناسب مبكراً مدة زمنية كافية من أجل تخليص أجسامهم من الجرثوم تماماً، كما يفضل مراقبة الأشخاص الذين كانوا على تماس مع المريض مدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. ومن الإجراءات التي تفيد في الحد من انتشار المرض وتقي من الإصابة به التقيد الصارم بقواعد النظافة الشخصية كغسيل الأيدي جيداً بعد الخروج من المرحاض وقبل تناول أي طعام، وغسل الخضار والفواكه جيداً، وعدم شرب الماء المشكوك بتلوثه قبل غليه، وعدم شرب الحليب النيئ أو المشتقات المصنعة من حليب نيئ غير مغلي، وعدم السباحة في المياه المشكوك بتلوثها، ومراقبة أحواض السباحة وتطهيرها دورياً. وثمة لقاح خاص للحمى التيفية يعطى عادة للأشخاص المعرضين للإصابة، وخاصة في المناطق التي يتوطن فيه المرض بصورة دائمة. وقد كانت الحمى التيفية حتى منتصف القرن العشرين مرضاً منتشراً في معظم بقاع الأرض إلا أن تحسن الظروف الصحية والمعيشية وتطور طرق الصرف الصحي في معظم دول العالم واكتشاف الأدوية القاتلة للسالمونيلة التيفية، كل ذلك جعل معدل الإصابة بهذا المرض ينخفض كثيراً في الدول المتقدمة، إلا أن الحمى التيفية لا زالت مرضاً متوطناً وكثير المشاهدة (وإن كان بنسب مختلفة) في الدول الفقيرة والمتخلفة ولاسيما في المناطق الريفية التي تفتقر إلى مياه الشرب النظيفة وإلى طرق الصرف الصحي السليم، حيث تكثر الإصابات في فصل الصيف، ولاسيما عند الطبقات ذات المستوى الصحي والمعيشي المتدني.