Search - للبحث فى مقالات الموقع

Tuesday, March 29, 2011

ثوره القذافى اول سبتمبر 1969


ثورة قادتها مجموعة من الضباط الصغار في الجيش الليبي عام 1969، بقيادة الملازم أول معمر القذافي (سرت 1942) الذي كان معروفاً للحكومة الليبية باتجاهه الناصري، وكان قد بدأ بتنظيم هؤلاء الضباط منذ 1964 مع التركيز على هدف الوحدة العربية وإعلان النظام الجمهوري. وتأجَّل تنفيذ الحركة عدة مرات حتى تمت في 1/9/1969.

دعمها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد اطلاعه على اتجاهها الوحدوي، ثم دعمتها سورية والعراق والسودان والجزائر. وكان ملك ليبية إدريس السنوسي خارج ليبية حين قيام الثورة، ولذا تم كل شيء بهدوء وبلا صعوبات أو مقاومة حقيقية، ونادت الثورة بمقاومة الفساد والتمسك بالقيم والمبادئ والوحدة، ولقيت تأييداً كما لقيت معارضة. تمت ترقية القذافي لرتبة العقيد التي احتفظ بها حتى اليوم بصفته قائد ثورة لا قائد سلطة أو جيش، كما تمت ترقية ضباط مجلس الثورة أيضاً.

جرى تنظيم العمل وقيام المؤسسات في شهر بعد قيام الثورة، وتشكَّلت حكومة ومجلس ثورة ومجلس وزراء ومخابرات عامة، واستبدل فيما بعد أسماء الوزارات بأسماء أمانات شعبية عامة كون الذين يديرون البلد ليسوا حكومة (تقليدية)، واتخذت الثورة مدينة بنغازي، التي لُقبت بمدينة «البيان الأول»، مقراً لها، وتمَّ إعلان الدستور.

وكان جمال عبد الناصر ورجاله يراقبون تطور الوضع في ليبية باهتمام حفاظاً عليها، وقبل القذافي اقتراح جمال عبد الناصر إقامة الملك السابق إدريس السنوسي في القاهرة، حتى لا يصبح عرضة للتأثير الأمريكي في أثينة. وركَّز مجلس قيادة الثورة كلَّ السلطات بيده، ووزَّعت داخله الاختصاصات، بالاعتماد على مساعدة الخبرة المصرية.

حاول بعض قادة الجيش من العام نفسه القيام بانقلابات عسكرية على الثورة في تشرين الثاني 1969 وحزيران 1970، وكذلك في أيار من العام نفسه ولكنها أخفقت وقُبض على منظميها، وتعرضت الثورة فيما بعد أيضاً لمحاولات انقلابية فاشلة.

القواعد الأجنبية

كان لبريطانية قاعدتان عسكريتان في ليبية، جوية وبحرية، وكان للولايات المتحدة الأمريكية قاعدة جوية في الملاحة (ويلز)، واتصلت الدولتان مع قيادة الثورة بشأن القواعد، وأعلنت الحكومة الأمريكية اعترافها بالثورة مقابل احتفاظها بقواعدها في ليبية بحسب الاتفاقيات السابقة واستمرار التعاون بين البلدين. وكانت بريطانية تقدمت بطلب مماثل، لكنَّ قيادة الثورة طلبت الجلاء عن القواعد، وتمَّ الاتفاق على ذلك بلا معوقات فعلية أو مقاومة عسكرية، وتمَّ جلاء البريطانيين باحتفالات شعبية عظيمة في 30 آذار 1970، كما جلت القوات الأمريكية عن قاعدتها في 5 أيار من العام نفسه، وتحرَّرَت ليبية من القواعد الاستعمارية.

فكر الثورة وأسلوب الحكم

بعد استقرار الأمور، أدخل العقيد القذافي أسلوباً جديداً في الحكم، وكان بحسب رأيه، لا يخصُّ ليبية وحدها ولا العرب أو المسلمين، وإنَّما هو نظام عالمي جديد قائم على نظرية شاملة تبناها ورآها حلاً لمشكلات العالم أجمع، وسُمِّيت «النظرية العالمية الثالثة» إذ إنَّ النظرية الأولى تخصُّ الرأسمالية والنظرية الثانية تخصُّ الشيوعية والاشتراكية، أمَّا النظرية الثالثة، فتقوم على الإسلام والاشتراكية والإنسانية والتقدُّم، وهي أسس المجتمع الجديد للتحرر من أدوات الحكم القديمة.

ودُوِّنتْ هذه النظرية في الكتاب الأخضر، وهو كتاب صغير مؤلف من ثلاثة فصول هي:

1- الفصل الأول: وفيه الحل للمشكلة الديمقراطية، ويسميها بسلطة الشعب، وينص على رفض أدوات الحكم التقليدية كالمجالس النيابية والأحزاب والطبقات والانتخابات، والاعتماد على المؤتمرات الشعبية التي تُصعِّد لجاناً شعبية، وتشكِّل في مجموعها المؤتمر الشعبي العام، مع التأكيد على أن شريعة المجتمع هي العرف والدين وما عداهما باطل.

2- الفصل الثاني: وفيه حلُّ المشكلة الاقتصادية، وينصُّ على تحرير العمال من عبودية العمل، ووجوب مشاركتهم في إدارة العمل وإنتاجه، وينصُّ على أنَّ الحاجة تكمن في الحرية، والبيت لساكنه، والأرض ليست ملكاً لأحد، والمنزل يخدمه أهله، ولا أُجَرَاءَ في المجتمع الاشتراكي.

3- الفصل الثالث: وفيه حلُّ المشكلة الاجتماعية، ووجوب اعتماد الأسرة والقبيلة والأمة والمرأة والأقليات والتعليم والفنون والرياضة.

وأُعلن قيام سلطة الشعب ما بين 13-14 تشرين الثاني 1976، وتتمثَّل في:

1- يكون الاسم الرسمي لليبية «الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية»، ثمَّ أُضيف إليها «العظمى».

2- القرآن الكريم شريعة المجتمع.

3- السلطة الشعبية المباشرة هي أساس النظام السياسي، فالسلطة للشعب يمارسها عن طريق المؤتمرات الشعبية وصولاً إلى المؤتمر الشعبي العام.

4- الدفاع عن الوطن مسؤولية كل مواطن، وعلى المواطنين ممارسة التدريب العسكري وإعداد الأطر اللازمة لذلك.

الاتفاقات الوحدوية

ركَّزت قيادة الثورة الليبية، خاصةً القذافي، على الوحدة العربية، ولم تترك فرصةً أو مناسبةً إلا وعقدت اتفاق وحدة مع دولة عربية، وأهمُّ هذه الاتفاقيات: ميثاق طرابلس بين ليبية ومصر والسودان في 6/6/1970 لإقامة اتحاد بين الدول الثلاثة، ثمَّ الاتفاق على قيام اتحاد الجمهوريات العربية الثلاث ما بين ليبية ومصر وسورية في 17 نيسان 1971، الذي بقي قائماً بين الأقطار الثلاثة حتى زيارة السادات للقدس وسيره في طريق الصلح المنفرد مع الكيان الصهيوني. ووقَّع القذافي «اتفاق وجده» مع تونس لقيام اتحاد بين الدولتين في 12/1/1974، لكنه تعثَّر ولم يستمر أيضاً، كما قام اتحاد دول  المغرب العربي بين ليبية وتونس والجزائر والمغرب وموريتانية في 17/12/1989، وهو مُعطَّل منذ مدة طويلة، بسبب الخلافات السياسية والحدودية. ومع أن القذافي قد أعلن أنَّه لا ييأس من تحقيق الوحدة العربية، فقد حول جهوده نحو الوحدة الإفريقية، وكان له دور مهم في توقيع ميثاق الاتحاد الإفريقي عام 2002.

الحروب والنزاعات

كان هناك خلاف بين ليبية وتشاد على منطقة أوزو الحدودية، وقامت حروب متتالية بين الطرفين، ثم استعادتها تشاد سنة 1994. وكانت المشكلة الأخرى هي قضية الغارة الأمريكية على ليبية مستهدفة بيت القذافي في طرابلس في 15 نيسان 1986 بأمر الرئيس الأمريكي ريغان، والسبب هو موقف الثورة المعادي لأمريكة العدوانية الإمبريالية ضد العرب والعالم.

وتعرَّضت ليبية لمشكلة سقوط طائرة ركاب فرنسية في إفريقية اتُّهمت بها ليبية، وحُلَّتْ القضية سلماً، ثم كانت حادثة سقوط طائرة ركاب أمريكية فوق «لوكربي» في اسكتلندة في 2/12/1988، وضغطت أمريكة كثيراً على ليبية وفرضت عليها حصاراً اقتصادياً وسياسياً، حتّى سَلَّمت رجلين ليبيين متهمين بالحادثة، وحَكمتْ محكمة اسكتلندية في هولندة على واحد بالجرم، وعلى الآخر بالبراءة، ومازالت القضية قائمة.

مشاريع الثورة وإنجازاتها

يُعدُّ النَّهر الصناعي العظيم لجر المياه الجوفية من مكامنها في الصحراء الليبية إلى المنطقة الساحلية في الشمال، من أعظم الإنجازات، بدأ العمل به سنة 1984 ومازال، وكلف مبالغ ضخمة وأعداداً هائلة من الأنابيب العملاقة، وسيكون له أثر كبير في تطوير الزراعة وتزويد السكان بمياه الشرب. كما تمَّ تنفيذ عدد من المشروعات الزراعية الكبيرة في منطقتي الجبل الأخضر وواحات فزان في نطاق ثورة زراعية تسعى إلى الاكتفاء الذاتي بالمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية.

وشَهد القطاع الصناعي تطوراً كبيراً وأُقيم كثير من المشروعات والمنشآت الصناعية الغذائية والتحويلية والكيميائية والبترولية والمعدنية والكهربائية، وعلى رأسها إقامة مجمع الحديد والصلب في مدينة سرت.

أمَّا في قطاع التعليم، فطُبق التعليم المجاني في جميع مراحل التعليم، والإلزامي منه في المرحلة الابتدائية، وأُنشئت مئات المدارس في الأرياف والمناطق النائية، وانخفضت نسبة الأمية في ليبية. كما أُنشئت الجامعات والمعاهد والمدارس الصناعية والفنية في سائر أنحاء الجماهيرية.

وشَهد قطاع الصحة تطوراً كبيراً، فأُقيمت المشافي والمستوصفات والعيادات الطبية العامة في كل مكان، لتقدم الخدمات الصحية المجانية للجميع. كما نُفِّذَتْ الكثير من المشاريع في قطاع السكن والنقل والاتصالات والطرقات والمطارات والمرافئ.

تمكَّنت ثورة الفاتح من تحقيق الكثير من الإنجازات والتحولات الأخرى في شتى المجالات.