Search - للبحث فى مقالات الموقع

Tuesday, March 8, 2011

تونس من مهد الحضاره الى الثوره



منذ القرن XII ق م ومن موقع تونس المتميز بين إفريقيا وأروبا والشرق والغرب تشكلت علاقات وخاصة تجارية مع مختلف البلدان المتوسطية . إن إشعاع قرطاج وتاثيرها كمدينة كبيرة تأسست سنة 814 ق م لم يقف عند حدود روما بل تعداها إلى مجالات أوسع .إن سقوطها في القرن الثاني ق م 146 ق م أشر لبداية هيمنة رومانية استغرق 700 عام أثناءها كانت فيها البلاد مؤثرة حضاريا بل وقد كانت تدعى " مطمورة روما " إن تعاقب الحفريات وامتداد الآثار على مجال شاسع في البلاد التونسية اليوم لخير دليل على موقعها الهام المؤثر في الحضارة الرومانية أثناء القرنين الخامس والسادس م تعرضت تونس للزحف الوندالي الذي ظهر مع البيزنطيين وفي القرن السابع م اندمجت تونس في العالم الإسلامي منذ 50 هـ وقد أصبحت القيروان عاصمة وقلب الحياة الدينية إنها المدينة التي يوجد بها جامع عقبة بن نافع مؤسسها وهو الأقدم ببلاد المغرب. أثناء القرن الثامن شهدت الحضارة العربية الإسلامية ذروة قمتها وقد أثر ذلك على البلاد ثم تعاقبت عدة مراحل شهدت بروز عدة ممالك متعاقبة منها الأغلبية ثم الفاطمية ثم الزيرية الصنهاجية مرورا بتونس كولاية موحدية ثم الدولة الحفصية وصولا الى الوجود العثماني ثم فترة الحسينيين .من أهم الاحداث إنشاء جامع الزيتونة والنمو الحضري للبلاد وبروز العلامة بن خلدون كمؤرخ وأب علم الاجتماع الحديث كما سجل نزوح المطرودين المسلمين واليهود من الأندلس بعد حروب "الاسترداد" التي شنها المسيحيون في إسبانيا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر .خلال القرن السادس عشر ألحقت تونس بالإمبراطورية العثمانية .خلال القرنXIX كانت تونس أول دولة عربية عرفت دستورا كما منعت العبودية لكن الصعوبات الاقتصادية وسياسة البايات المهيمنة والضغوطات الخارجية أقحمت البلاد في أزمة حادة مالية وسياسية . ومنذ 1881 فرضت فرنسا حمايتها على تونس مما أدى إلى ردود فعل ومقاومة عنيفة ضد هذا الاحتلال.منذ 1920 أنشأ الحزب الحر الدستوري التونسي من قبل ثلة من الوطنيين .كما انشأ الحزب الحر الدستوري الجديد سنة 1934 وقد أصبح سريعا من أهم القوى الوطنية المطالبة باستقلال البلاد . بعد سنوات من المقاومة بأشكالها السياسية والمسلحة والنقابية شهدت البلاد استقلالها في 20 مارس1956. وفي هذه السنة 2006 احتفلت البلاد بخمسينية الاستقلال . في 25 جويلية 1957 أعلن النظام الجمهوري وفي 1 جوان 1959 تمت المصادقة على دستور الجمهورية . في 7 نوفمبر 1987 وبمقتضى الدستور أصبح زين العابدين بن علي رئيسا للجمهورية .
909-1159 م 800- 909 م 647-698 م 533 م 439 م 146 ق م إلى 439 م 264 - 146 ق م 814 ق م
فترة ماقبل التاريخ
العهد الفاطمي العهد الأغلبي الحقبة العربية الإسلامية تأسيس القيروان سنة 670 م/ 50 هـ الحكم البيزنطي الوندال العهد الروماني الحروب البونيقية تأسيس قرطاج الحضارة القبصية
15 أكتوبر 1963 1 جوان 1959 25 جويلية 1957 20 مارس 1956 1881-1956 1705 1574 1236 1159-1230 م
الجلاء الفرنسي من بنزرت دستور الجمهورية إعلان الجمهورية الاستقلال الحماية الفرنسية الدولة الحسينية الحكم العثماني بداية حكم الحفصيين العهد الموحدي
7 نوفمبر 1987
زين العابدين بن علي رئيس للجمهورية بمقتضى الدستور
تقع مدينة قَرْطَاج في البلاد التونسية بالقرب من مدينة تونس . أسسها الفينيقيون، وأصبحت مركز إمبراطورية كبيرة حكمت شواطئ المغرب الكبير وصقلية وإسبانيا حتى سقوطها إثر الحروب البونيقية.كلمة قرطاج كلمة فينيقية الأصل ( قرت- حدشت ) و معناها المدينة الجديدة.
أسست الأميرة عليسة قرطاج عام 814 قبل الميلاد، حسب رواية المؤرخين القدماء. وجاءت الأميرة هاربة مع أصحابها من مدينة صور في لبنان، وسموا المدينة "قَرْتْ حَدَشْتْ"، وتعني "مدينة جديدة"، فأصبح الاسم "قرطاج" عن طريق النطق اللاتيني . تحتل موقعا استراتيجيا هاما بين شرق وغرب البحر الأبيض المتوسط، سهل عليها التجارة، فذهبت سفنها إلى كل أنحاء البحر، من المشرق حتى أبعد من موريتانيا،خاصة بعد رحلتي خيملك وحنون الاستكشافيتين نحو غرب افريقيا جنوبا ونحو شمال الأطلسي وأسسوا مدنا صغيرة على شواطئ صقلية والمغرب وسرداينيا واسبانيا. كما توسعوا بالبلاد التونسية، فكانوا أصلا يسكنون السواحل خوفا من هجمات البربر السكان الأصليين. فأصبحت المركز التجاري لغرب البحر الأبيض المتوسط كله قبل القرن الخامس قبل الميلاد.

التاريخ السياسي :

المرحلة الأولى : من عام 814- 550 ق.م و هي المرحلة الملكية وكانت عبارة عن امتداد للنظام الفينيقي في بلاد الشام حيث تقوم الأسر الغنية باختيار الملك والإنفاق على الجيش والأسطول و حملات الاستكشاف للبحث عن المواد الخام و الأسواق الجديدة. وكانت الإمبراطورية الفينيقية لا تزال تؤسس المستعمرات في سردينيا وايبيريا وشمال إفريقيا وقامت قرطاج برد الهجوم اليوناني على إقليم طرابلس ومن أشهر ملوك هذه الفترة الملكة عليسة(814-760 ق.م).

المرحلة الثانية : من(550-480 ق.م) وهي فترة أسرة (ماقون) التي تتابع أفرادها على حكم قرطاج طيلة ثلاثة أجيال من ماقون حتى ولديه أميلكار ثم صدر بعل. وجرت خلالها معارك صقلية. وقد بسطت قرطاج نفوذها على مساحات واسعة قبل أن تتحطم قواتها قرب هيميرا. وفي هذه الفترة نشات في قرطاج طبقة جديدة من ملاك الأرض الذين ما لبثوا أن حولوا أراضيهم إلى إقطاعيات شبه مستقلة و شرعوا يضغطون لتقليص سلطة الملك و إرغامه على مشاركتهم في الحكم.

المرحلة الثالثة : من( 480-290 ق.م) و هي مرحلة الثورة الشاملة التي شهدت تقويض الحكم الفردي المطلق، وقيام الحرب الأولى بين روما وقرطاج، وإنسحاب الأسطول من جبهة البحر المتوسط، وظهور خمس هيئات سياسية جديدة تولت أمور الدولة بدلا من أسرة ماقون وهذه الهيئات هي:

1.الملكان أو السبطان (الشفطان): تتركز السلطة المباشرة في ايديهما. يسميان ملكان أو سبطان ويتم انتخابهما من أسرتين مختلفتين على غرار الملكين الذين كانا يحكمان إسبارطا في اليونان، والقنصلين الذين كانا يتقاسمان السلطة في روما. يقوم الملكان خدمتهما مدة سنة كاملة (تعرف بأسمهما) ويجمعان كثيرا من الوظائف و السلطات التنفيذية في مختلف الميادين السياسية و العسكرية والقضائية، فهما اللذان يرئسان مجلس الشيوخ، ويعينان جدول أعماله ويقودان جيوش البر و البحر، وينظران في أمور القضاء.
2. مجلس الشيوخ: يتكون من 300 عضو يتم اختيارهم مدى الحياة من بين الطبقة الثرية. وهو أبرز الهيئات و أعلاها شأنا ، و يتولى جميع شؤون الإدارة العليا، ويقرر أمور السلام و الحرب و يولي قواد الجيش ويعزلهم ، وله الحق –في حالة الضرورة-أن يعقد جلسات سرية و لا يذيع نتيجة التصويت أو يؤجل إذاعتها.
3. محكمة المائة: تلي في الأهمية مجلس الشيوخ . تتكون من 104 أعضاء يتم انتخابهم حسب الكفاءة . مهام المحكمة و سلطاتها مراقبة الملوك و جميع الحكام وتقديمهم للقضاء إذا أخلوا بواجباتهم.
4.الجمعيات: وهي جمعيات سياسية و دينية تعتبر أقساما و شعبا انتخابية . كل عضو في أي من هذه الجمعيات ينتخب داخل شعبته ، لكن رأي الأغلبية يعتبر رأي الشعبة كلها و يحسب صوتا واحدا في الانتخاب العام. وينظر أعضاء هذه الجمعيات في شؤون الدولة، وفي أعمال المجالس الشعبية.
5. مجلس الشعب: هيئة منتخبة من المواطنين تعرض عليها جميع المسائل التي لم يحصل في شأنها الاتفاق بين الملكين من جهة وبين مجلس الشيوخ من جهة أخرى ، وتكون لها الكلمة النهائية. و كانت قرطاج بذلك من الدول الأولى في العالم القديم التي عاشت تجربة النظم الشعبية الخالصة.

المرحلة الرابعة : من عام 290 ق.م حتى سقوط قرطاج سنة 146 ق.م. جمعت هذه الفترة بين مظاهر المرحلتين الثانية و الثالثة، فتركزت السلطة في يد آل برقة، إلى جانب المجالس الهيئات و المجالس السياسية في نظام ملامحه على النحو التالي:

1.السلطة العليا: في يد برقة الذين حكموا بمثابة ملوك. و إذا كان لفظ ملك قد زال لفظا، فقد ظل وظيفة، إذ أن نوعية سلطة آل برقة كانت سلطة ملكية.
2.مجلس الشيوخ: شبيه بمجلس الشيوخ في المرحلة السابقة ، لكن صلاحياته و سلطاته هذه المرة كانت أضيق نطاقا، و تقلص صلاحيات المجلس الشيوخ يعود إلى أن حكام هذه الفترة كانوا يعتمدون على قاعدة شعبية و واسعة بدل الطبقة الثرية و أصحاب الإقطاعيات، وهذا المجلس هو الذي بادر إلى عقد المعاهدة المميتة مع سقيبيو بعد موقعة زاما، وهو الذي شهد بعد ذلك تدمير قرطاج.
3.الهيئات الشعبية: و هي التنظيمات الشعبية التي أعتمد عليها آل برقة- من أميلكار إلى حنبعل- في مواجهة لمواصلة القتال ضد روما ، وأبرزها هيئتان: الأولى مجلس الثلاثين الذي يتولى فرض الضرائب و الموازنة المالية، والثانية مجلس العشرة الذي يتولى شؤون المعابد والقضاء والداخلية. وصف أرسطو حكومة قرطاج في 340 ق م وقال أنها كانت أساسا حكومة أغنياء المدينة، وأن أساس نجاحها كانت نموها الاقتصادي المتواصل وتوسعها، فهكذا كل مواطن رأى أن حاله كان يتحسن. وكان أكبرهم الـ"شوفط"، قاض القضاة، وقائد الجيوش الذي لم يدخل في حكومة المدينة، وفي القديم أيضا كان لهم ملوك. تحتهم كان مجلس الشيوخ وتحتهم مجلس المدنيين. واختيار الشفطين أو القائدين والملوك كان حسب قراتهم ودرجة ذكائهم ومالهم، ولا يرتبط بعائلتهم. وذكر أرسطو أن من أراد أن يجادل رأي الملوك والشوفطين يستطيع أن يفعل ذالك لما خاطب الملوك والشوفطين الشعب. ولمعظم تاريخهم كان جنودهم أجراء وليس حلفاء، وأحيانا أصبح هذا مشكلة كبيرة كما رأينا.

المرأة في العهد البونيقي

لم تدخل منطقة شمال إفريقيا في التاريخ إلا بفضل مجيء الفينيقيين منذ ما بعد منتصف الألف الثانية ق.م، خصوصا ابتداء من سنة 814 ق.م التي توافق تاريخ تأسيس قرطاج ، التي قامت تحت راية امرأة تُدعى (عليسة)، تلك الأم المؤسسة والمرأة التي أظهرت تعلقا شديدا بوطنها. وتتيح لنا عدة وثائق أثرية، ولا سيّما النقائش المكتوبة، سواء كانت نذرية أم جنائزية، استكشاف عالم المرأة خلال عهد قرطاج البونيقية. وإلى جانب نسائها بمجموعة ثرية من النقائش المكتوبة، وخاصة تلك النقائش النذرية التي وهبتها بعض النساء إلى الآلهة، دون أن يغفلن تدوين أسمائهن وسلالتهن.
وبفضل المرأة تمكنت قرطاج من التشبع بالثقافة اللوبية وتمثلها وذلك من خلال الزيجات المختلطة. وكثيرة هي أمثلة النساء القرطاجيات اللائي كنّ يحملن أسماء لوبية أو كان أحد أسلافهن يلقب باسم بربري، علاوة على النساء اللائي كن يحملن أسماء مشتقة من الجذر الثلاثي العرقي اللوبي " ل ب ت ". وعلاوة على العنصر اللوبي يعود الفضل إلى المرأة أيضا في نقل عناصر ثقافية أخرى كالعنصر اليوناني والسرديني، والمصري وغيرهم كثيرون إلى قرطاج ، عاصمة الحوض الغربي من البحر الأبيض المتوسط الخاضع للسيطرة البونيقية.

الفئات الاجتماعية القرطاجية

بفضل النقائش المكتوبة البونيقية، التي عُثر عليها في بقرطاج، أمكن للأخصائيين أيضا الكشف عن وجود عدة فئات اجتماعية، انتمت إليها نساء وهبن أنصابا نذرية للآلهة. وقد ذكر بعضهن في سلسة نسبهن جدا أو أكثر كانوا يشغلون وظيفة أو مهنة " شَفْط" أو "رب". وتحيل العبارتان إلى مناصب إداريّة ـ وبالتالي اجتماعيّة ـ رفيعة لعلها تقابل اليوم منصب كبير القضاة. ولا شك في أن هؤلاء النساء كنّ ينتمين إلى الطبقة الأرستقراطيّة القرطاجية. ويوجد من بينهن نساء كنَّ يمارسن وظائف كهنوتيّة وهنّ على التوالي: تسع كاهنات ورئيستان للكهنة. ونعثر، من بين واهبات الأنصاب النذرية على نساء ينتمين إلى طبقة الصنّاع الحرفيين والموظفين مثلما يُستشفّ من مهنة آبائهن (فهذا طبيب والآخر طبّاخ والثالث نجّار والرابع مَسّاح والخامس عطّار إلى غير ذلك من المهن). ويحسن التذكير بأن النقائش الكتابية التي عثر عليها بقرطاج هي التي سمحت لنا بالتعرف على فئتين من النساء وهن المعتوقات والإماء. وفي جلّ النقائش تُنسب النساء إلى أبائهن ثم إلى سلالتهن، وقلّما يكون الانتساب إلى الآباء والأزواج معا أو إلى الأزواج فقط. وهكذا تسمح مصادرنا الوثائقية بالقول إن المرأة كانت تتمتّع بمقدار من الحريّة، حيث كانت غالبا ما تتولى تقديم القرابين بنفسها. ونلمس هذه الحريّة في نقائش أخرى تُثبت أن النساء كن يشاركن الرجال في القيام بهذه الطّقوس، علما بأننا نلمس هذا النوع من الحريّة حتى على صعيد الطبقات البسيطة من النساء كالإماء والمعتوقات.

مهن ووظائف دينيّة قرطاجية

تشهد عدّة وثائق، ومنها ما هو عبارة عن كتابات ومنها ما هو عبارة عن وثائق تصويرية على أنّ المرأة القرطاجيّة، تماما مثل الرجل، تعاطت عدّة مهن في المجتمع. ففي مجال الوظائف الدّينيّة كانت إحداهن " تنتمي إلى رهبانية الإلهة "عشتروت" و كانت أخرى "سادنة الإله" ؛ بالإضافة إلى كاهنات وحتّى "كبيرة كاهنات" و"كبيرة كُهّان". وفي المجال التجاري تشير وثيقة واحدة إلى امرأة كانت تتعاطى هذا النشاط : " شبلت تاجرة المدينة". إن لفظة " س ه ر ت" التي جاءت نعتا لهذه المرأة لا تعني تاجرا أو بائعا لمنتوج معيّن بل تعني التاجر المتنقّل من حيث هو مستورد ومصدّر في آن واحد. وهكذا نلاحظ أنّ المرأة القرطاجيّة كانت تتعامل على قدم المساواة مع الرجل، تدير ممتلكاتها وتمارس سلطة هامّة في المجتمع. إلى جانب هذه الفئة من النساء اللائي كنّ يتعاطين مهنا تزاحم مهن الرجال، كان المجتمع القرطاجي بدون شك يَعُدّ نساء مغمورات لم تخلِّد النقائش ذكرهن، وكنّ، بكل بساطة، زوجات ُمثليات أو مرشّحات للزواج، يسهرن على رعاية بيوتهن وتربية أطفالهن وتعليمهم ويتوليّن غزل الصوف ونسج الأقمشة وإعداد الخبز والطعام وصنع الفخار اليدوي، الذي تعج متاحفنا بنماذج منه.
وفي مجال النسيج ورثت قرطاج التقنيات الفينيقيّة المشهورة. ألمْ تمجّد القصائد الهوميريّة تلك " الأشغال الجميلة" (الأوديسة، الفصل 15 ص.418) و"الخمارات ذات الزخارف الفنيّة المتنوعة" (هوميروس، الإلياذة ، الفصل6، ص. 291-289) التي صنعتها مطرّزات صيدا. و ممّا لا شك فيه من ناحية أخرى، أنّ اللوبيين سكان شمال إفريقيا، الذين عُرفوا باهتمامهم الكبير بتربية الماشية، كانوا يتقنون صناعة الُمنْتجات الصوفية. ويمثل الغزل أوّل مرحلة في صناعة النسيج. وقد تمّ العثور في مقبرة قرطاج وغالبا في قبور نساء، على مجموعة هائلة من أدوات الغزل ولا سيما المغازل. وإن وجود هذه الأدوات بالقبور لدليل قاطع على أهميّتها في الحياة اليومية للمرأة البونيّة. وكان الغزل نشاطا نسائيا بالأساس. و كان، في العصور القديمة، يُعتبر "أنبل رمز للفضائل المنزلية للمرأة". وورد في التوراة أن المرأة الفاضلة تمسك "الكيزور" " وتحرك "البلك" بكفوفها. وقد يكون "الكيزور" ساق المغزل و"البلك" ثقّالة المغزل التي تدفعها المرأة بحركة دورانيّة لفتل الخيط. و كغيرها من النساء، لم تكن المرأة القرطاجيّة تستنكف من غزل الصوف. والأغلب على الظن أنه كان يمثّل أبرز الأعمال في حياتها اليوميّة، إلى حدّ جعل المغازل ترافقها حتّى في القبر. كما أنّ موضوع المرأة الغازلة قد استعمل في زخرفة المشارط التي كانت تُستعمل في الحلاقة. وفي مجال الخياطة والنسيج والتطريز، عُثر في قبور قرطاجة على بعض الأدوات، خصوصا الإبر المصنوعة من العظم والعاج والبرنز، إلى جانب صفيْحات من العظام تتخلّلها أسنان، وقد كانت تستخدم كمشط للنسيج. كما تمّ اكتشاف ثقّالات مصنوعة من الفخار والحجارة والجبس ذات أشكال مختلفة. وهذه الثقّالات المستعملة في ميدان الصيد تستخدم كذلك كثقّالات للنّول العمودي. وكثيرا ما تعاطت النساء القرطاجيّات النسيج في بيوتهن، حيث كنّ ينسجن الملابس العائلية والأغطية وغيرها من الأقمشة المتداوَلة في الحياة اليومية. على أن ذلك لا يتعارض مع وجود مصانع نسيج يديرها الرجال، كما تشهد على ذلك النقائش الكتابية. والى جانب الأقمشة العادية المستعلمة في الحياة اليوميّة، كانت تُنسج بقرطاجة عدّة ُمنتجات رفيعة كالزرابي(السجاد) والوسادات المطرّزة. وكانت قرطاجة تزاحم أكبر المراكز الشرقية لإنتاج السجاد. كما نشطت صناعة الحلي حيث يضم المتحفان الوطنيان التونسيان بباردو وقرطاج مجموعة من أجمل مجموعات المصوغ التي عُثِر على جلّها في مقبرة قرطاجة، وذلك بالرغم مما تعرضت له العاصمة البونيقية من نهب على أيدي الرومان وانتهاك لحرمة القبور. وقد قدّمت لنا وريثة " صُور"، الواقعة بالحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسّط أطقم مصوغ تكشف بجمالها وأسلوب إنجازها وأصالتها، عن حيوية هذا القطاع الحرفيّ وبراعة التّقنيات المستخدمة فيه. وكان القرطاجيون، شأنهم شأن الفينيقيين، يمتلكون المعادن الثمينة بكميات وفيرة، ومن بين الشّهادات الأدبية على ذلك، نذكر ما أورده المؤرخ الإغريقي"توسديد" الذي أكّد أنّ القرطاجيين كانوا "يملكون من الذهب والفضة الشيء الكثير".
وكان الذهب يُجلب من إفريقيا والفضة من شبه الجزيرة الأيبيرية. وكانت القرطاجيات يمتلكن كنوزا حقيقية في شكل حُلي. ويذكر التاريخ أنهنّ وهبنها للدولة قبيل تدمير قرطاجة بقليل لمساعدتها على مواجهة أعباء الحرب ضد الغزاة الرومان. ورغم صعوبة تقدير القيمة الحقيقية للغنيمة التي استولى عليها القائد الروماني"شبيون" في عام 209 ق. م. بقرطاجنّة عاصمة آل برقة في شبه الجزيرة الأيبيرية، فإنّنا نعلم أن القطع المصنوعة من المعادن الثمينة كانت وفيرة للغاية. وإنه لمن المؤكد أن القطاع الحرفي المتصل بصناعة المصوغ كان على غاية من التّطوّر. ولا سيّما بسبب الطابع الوقائي للموضوعات المطروقة في زخرفة قطع المصوغ التي وصلتنا من تلك الفترة. وتشير بعض الكتابات البونيقية إلى صانعي الحلي حيث يحمل بعضها عبارة " ن س ك ح ر ش" التي يمكن ترجمتها إلى " سبّاك الذهب". ونعثر أيضا على عبارة " ف ع ل ح ر ش" أي "صانع الذهب" أو الصائغ. وكان الصائغ أحيانا يبيع مشغولاته بنفسه ، على أن ذلك لا يتنافى مع وجود بائع الذهب "م ق ا ر ح ر ش" أي الشخص الذي يزوّد السوق بالسبائك من المعادن الثمينة أو يبيع المصوغ الجاهز. ويبدو أن الصائغين القرطاجيين قد نجحوا في الإستجابة لمطالب ورغبات زبائن أثرياء لم يكن من اليسير إرضاءهم. ولعل ذلك ما يفسّر وفرة العقود العائدة إلى العهود البونيقية العتيقة ( القرنان السادس والسابع ق.م)، وكثرة الخواتم والأقراط بداية من القرن الرابع ق.م. وكانت أطقم الحلي القرطاجيّة ثريّة ومتنوّعة ومنها العقود، وخاصة في القرون الأولى لقرطاج البونيقية، والأقراط والتيجان، بالإضافة إلى دبابيس الشعر وأقراط الأنف والخواتم من ذات الفص الثابت أو المتحرك والخرصان (حلقات الأذنين) ومحافظ التّمائم. ويشكّل جميعها مجموعة في غاية التّنوّع. وكانت سبائك الذّهب تُعالج بالتّطريق، الذي يتيح الحصول على صفائح وأسلاك ذهبية. وكانت الطريقتان الفّنيتان الأساسيتان المتّبعتان في صنع المصوغ القرطاجي هما التطريق والطرق بالبارد للحصول على زخارف ناتئة. وبفضل اللّحام ، كانت الزخرفة تقوم أساسا على الخيوط المعدنية والحبيبات. وعلاوة على الترصيع بعجين الزجاج المتعدّد الألوان أو بالأحجار شبه الكريمة، كان الحفر والنقش يمكّنان الصائغين القرطاجيين من انجاز زينة وزخارف ذات مواضيع متنوّعة، مستلهمة من مختلف التيارات الفنية بالبحر الأبيض المتوسّط. وكانت العقود في العهد العتيق، أي أوائل العصر البونيقي، تعتمد على تقنيات صنع معقدة تجمع بين التحبيب والخيوط المعدنية. وكانت هذه العقود تُنظَم من خرز مصنوعة من أحجار شبه كريمة ومن عجين صواني مطلي أو من معدن كريم ذي زينة محفورة أو على شكل حبيبات. وبدءا من القرن الرابع ق.م أصبحت زخرفة اللآلئ وأشكالها أكثر بساطة. أمّا المناجد )المدلَّيّات( فكانت تُصنع وفق أشكال متنوعة جدّا. وعلاوة على العقود، كان طاقم حلي المرأة القرطاجية يحتوي على علب لحفظ التمائم التي تُستعمل للوقاية من الشر. وتتخذ هذه العلب شكل المسلّة أو الهرم أو التمثال الصغير. وكانت في أغلب الأحيان على هيئة اسطوانة نُقشت عليها صورة حيوان (كبش أو أسد مثلا). وانطلاقا من القرن الرابع وإلى غاية القرن الثاني ق.م، لم تعد العقود متماشية مع ذوق العصر وحلت محلّها موضة أقراط الأذنين وحلقات شد الشعر والخواتم الجميلة ذات الفصوص الثابتة، التي تنقش عليها رسوم مختلفة. وبالإضافة إلى الأقراط وحلقات الشعر يحتفظ متحفا قرطاج وباردو بمجموعة ثرية من الخواتم، أقدمُها من ذات الفصوص المتحركة المصنوعة من حجر شبه كريم، وهي في الأغلب من أصل مصري وخواتم من ذات الفصوص الثابتة تمثل زخارف منقوشة. وتمّ العثور على خواتم رُسمت عليها صورة الإله بعل حمون وبعض الآلهة الأخرى المُستعارة من مجمع الآلهة المصرية أو الفينيقية أو الشرقية أو الهلنستية. إيزابيلا ملكة إسبانيا كان ثلث بحارتها من العرب ويعتمد على خرائط وأدوات عربية، أما أول من وصل إلى القارة الأميركية فهو الملاح الفينيقي(ماتو عشتروت) عام 508 ق.م ثم الملاح القرطاجي (روتان)عام 504 ق.م.

تاريخ قرطاج الثقافي

الفنون القرطاجية

لم يبق أي كتاب بونيقي (ولا فينيقي) إلا ترجمة يونانية لكتاب ماجون حول الزراعة. لكن يذكر الكاتب الروماني سالوست في كتابه حرب يوغرطان أن قرطاج كانت فيها كتب عديدة تاريخية وجغرافية، وأنه لم يحترقوا في تدمير قرطاجة، بل أخذهم بعض أمراء نوميديا. يبدو من ما اكتشف في رأس الشمرة أن أساطيرهم كانت طويلة ومتنوعة. كانوا يتقنوا صناعة الزجاج، والفينيقيون هم الذين اكتشفوا الزجاج، واشتهروا أيضا بصبغ الملابس.

اللغة و الثقافة

اللغة البونيقية هي اللهجة الإفريقية للغة الفينيقية, ومن تأسيس قرطاج حتى نهاية الإمبراطورية الرومانية كانت من أهم لغات شمال إفريقية. إنها لغة سامية مثل العربية الفصحى, ولذا معظم مفرداتها شبيهة بها, لكنها أقرب إلى العبرية القديمة, ومن أراد أن يتقن البونيقية فيجب أن يتقن العبرية. الأبجد البونيقية هي التالي:
كتب القديس أوغسطينوس في القرن الخامس م أي بعد ستة قرون مرت على تدمير قرطاج و مسحها من الخريطة ،(( إذا سألت أحد سكان هذا البلد عن هويته ، سيقول لك بلسانه البونيقي أنه كنعاني ...)) . اللسان البونيقي الذي يشير إليه القديس أوغسطين هو التسمية الرومانية للغة الكنعانية ،أي لغة قرطاج الفينيقية، فقد دأب الرومان على تسمية الكنعانيين الذين استوطنوا الشواطئ البحر الأبيض المتوسط الغربية بدءاً من القرن الثالث عشر ق.م بالبونيقيين ترجمة للكلمة اليونانية الفينيقيين ، ومازالت التسمية اليونانية شائعة حتى اليوم على الرغم أن من يشار إليهم بهذه التسمية لم يستخدموها حتى بعد أن أصبحت بلادهم على ساحل المتوسط الشرقي تحت الهيمنة اليونانية بدءاً من عام 332 ق.م ، وأصبحت بلادهم على ساحل أفريقيا الشمالي تحت الهيمنة الرومانية بدءا من عام 146 ق.م . وللأسف الشديد لم يتبقى أي كتاب بونيقي (ولا فينيقي) ولكن لدينا أرقام مؤكدة عن عدد من النصوص البونيقية التي ترجمت إلى اللغتين اليونانية و اللاتينية خصوصا ، رحلة حانون الملاح ، الترجمة اليونانية لكتاب ماغون حول الزراعة ، لكن يذكر الكاتب الروماني سالوست في كتابه (حرب يوغرطا) أن قرطاج كانت فيها كتب عديدة جغرافية وتاريخية ، و أنها لم تحرق في تدمير قرطاج ، بل أخذها بعض أمراء نوميديا. يقول أميانوس (إن الملك جوبا الثاني ،يقول نسبة للمراجع البونيقية أن نبع نهر النيل يقع على جبل في موريتانيا ويطل على المحيط ). ويذكر سالوست أيضا أن الملك النوميدي هيمبسال الثاني كان قد كتب عملا أو أكثر باللغة البونيقية . و يقال إن حنبعل برقة نفسه كان قد ألف أعمالا باللغتين البونيقية و اليونانية .
إن القرطاجيين قاموا بنسخ نموذج الملك الآشوري (آشوربانيبعل) من القرن السابع ق.م ففي قرطاج، ما إنفكّ الإعتراف بالآخر من تقاليد السلف والخلف، فلقد كانت قرطاج، وهي ملكة في المتوسط، تترك أبوابها مفتوحة على مصراعيها أمام قصّادها والذين يبغون الإقامة فيها، فآوت جاليات لوبية ومصرية وأتروسكانية وإغريقية وأخرى كثيرة وإن لم تذكرها النصوص المتوفّرة. وكان القرطاجيون لا يتعففون من الزواج المختلط بل يقبلون على مصاهرة المقيمين عندهم : فمن بين القادة العسكريين في جيش حنبعل ضابطان يشعران بالانتماء إلى قرطاج دون ما تنكّر لجدّهما الإغريقي علّه جاء إلى العاصمة البونيقية مهاجرا. ولمّا استطاب العيش فيها تزوّج قرطاجية أنجبت له طفلين ترعرعا في قرطاج وفيها تعلّما ثم انخرطا في سلك الجيش الحنبعلي وكان أحدهما يسمى (أيْفيقيدس) والثاني (هيبُّقراتس) .
وتجدر الإشارة أيضا إلى فيلسوف قرطاج اسمه (عزربعل) وكان يسمّى في الأوساط الإغريقية) اقليتوماكوس) وهو من أمّ قرطاجية لم يحتفظ التاريخ باسمها ومن أب إغريقي يسمّى ديوجنيتوس ولعلّه من الجالية الإغريقية التي كانت تقيم بقرطاج وفيها تشتغل ، لاسيما وقد توفّرت لها ظروف إقامة طيّبة، تنعم بالسّلم والرّخاء وقد تمكّنت تلك الجالية من إنشاء مقدس تمارس فيه عبادة الإلهة ديمتره السيراكوسية. ولم تكن هذه الشعائر الإغريقية تزعج عباد الإلهة القرطاجية تانيت بل كان احترام متبادل بين عباد الإلهتين. هذا مع العلم أنّ محفل الآلهة البونيقية يضمّ آلهة مصرية نذكر منهم الثالوث أوزوريس وإيزيس ورع. وممّا يثبت قبول هؤلاء الآلهة المصرية وجود أسمائهم في أسماء القرطاجيين والقرطاجيات : فكثيرون من كانوا يتسمّون عبد إيزيس أو عبد رع وهو ما يثبت أنّ القرطاجيين لم يقبلوا على ترجمة أسماء الآلهة الذين يدخلون ديارهم. فالإلهة إيزيس المصرية تحافظ على إسمها في قرطاج. ولئن تمت الاشارة إلى هذه الظاهرة، فذلك لأنّ الإغريق لا يعترفون إلاّ بقوالب لسانهم ومقاييسه، حتّى أنّهم إذا تحدثوا عن تانيت أو عشتروت رأيتهم يذكرون هذه أو تلك مستعملين اسما إغريقيا يعتبرونه مناسبا. ففي النصوص الإغريقية لا تجد اسم تانيت لأنّه يحجب ويعوّض باسم( هيرا)أمّا في النصوص اللاتينية فقد تتوارى تانيت خلف الإلهة( يونو) . ولم تكن تلك المعادلات من باب الاعتباط بل لها أصول وقواعد لايتسع المجال للخوض فيها .
شرّعت الإمبراطورية الرومانية حق استقبال اللاجئين السياسيين. وهو بخاصة ملتقى حضارات الشرق الأدنى. واورد عن المؤرخ فيلوستراتس وصفا جميلاً لمدينة قادش التي أسسها أبناء صور في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد - نتباهى بمثله اليوم بعد أربعة آلاف سنة - قال:(( إن فيها معبداً للعصور القديمة إلى جانب معابد للفكر والفن، ومعبد مكرس للحكمة في جميع أنحاء الأرض، من دون عصبية أو تمييز عرقي أو ديني أو لغوي)).
في مدينة كركوان بالوطن القبلي وهي مدينة بونيقية قرطاجية تقع بين قليبية والهوارية .توجد قبور نقرت في الصخر من المدرج إلى الغرفة الجنائزية مرورا بمعبر ضيق طويل، تأوي رفات شخصين دفن أولهما كالجنين، وهي طريقة إقبار شائعة في الأوساط اللّوبية عاينها علماء الآثار في شمال إفريقيا منذ أقدم العصور القديمة. وامرأة وذلك على أساس الظّهرة الجنائزية ومنها مرءاتان من برونز، والجدير بالذكر أيضا أنّها أقبرت ترميدًا وجمعت عظامها المحروقة في تابوت من الحجر الجيري.
ففي هذه الغرفة الجنائزية تواجد نوعان من طرق الإقبار : الدفن على هيأة الجنين والترميد، واستنادا إلى معطيات مادية ثابتة أمكن استخلاص النتائج التالية : يعود هذا القبر القرطاجي البونيقي إلى ما بين القرن الرابع والقرن الثالث ق.م. تأوي الغرفة الجنائزية رفات رجل أصوله إفريقية وقد يكون من أرومة محليّة. وإلى جانبه رفات زوجته المرمّدة.
تواجد طريقتي إقبار مختلفتين في نفس الغرفة الجنائزية وهو ما يجعلنا نفترض أنّ الرجل الإفريقي تزوّج من امرأة أجنبية قد تكون إغريقية أو أتروسكية مع العلم أنّ الإغريق والأتروسكيين كانوا يرمّدون أمواتهم في غالب الأحيان. تمكّنت المرأة من الحفاظ على هويتها الدينية ولم ير أهلها حرجا من ترميدها وإقبار عظامها المحروقة في نفس الغرفة الجنائزية التي آوت رفات زوجها الإفريقي. كان الزوجان على مستوى من الحب والوئام جعلهما يتقاسمان بيت الحياة وغرفة الممات دون أن يفرّطا في الهوية الثقافية ولا في العقيدة والطقوس. فهو الحب والاعتراف بالخصوصية. إنّها روعة حضارية.
هكذا كان المجتمع القرطاجي البونيقي متفتّحا لا يعرف التعصّب ولا يعمل على إقصاء الآخر بل يفتح ذراعيه استعدادا لمعانقته دون أن يتنافى ذلك مع المنافسة الشريفة والمزاحمة في كل ما يتعلق بشؤون المادّة من صناعة وتجارة وتوسيع مناطق النفوذ. وأيّا كان الأمر، فالقرطاجيون يعترفون بالآخر. ولمّا أشعّت الرّومنة بعد عنف الحروب وضراوتها، توفرت لروما وقرطاج ظروف سلم ووئام، تلك التي ترنّم بها الشاعر اللاتيني ورجليوس Virgile تمجيدا للإمبراطور أوجستوس Auguste ومآثره. على أن الأفريقيين، يعتبرون قصيدة أنّيوس Enée أهزوجة تراقص أفريقة وتعانقها وترفع ذكرها. لقد ترومن الأفريقيون، ولا أدلّ على ذلك من مشاهدة المواقع والمعالم وهي عديدة في مختلف أقطار المغرب الكبير. وفضلا عن المعالم والمواقع مثل دقّة Dougga وتاوسدرة Thysdrus وجميلة Cuicul بالجزائر وليلى Volubilis بالمغرب الأقصى وسبراطة ولبدى Lepcis بليبيا، لا بّد من ملاقاة الرجال وقراءة مآثرهم، سياسية كانت أو عسكرية، ولآخرين مآثر أدبية روحية أو فلسفية وفنية : فهذا أبوليوس المداورشي وذاك افرونتون الكرتي و آخر يدعى كلوديوس ألبينوس الهدرمي، فنحن مدينون لبول مونسو Paul Monceau بكتاب أفرده إلى أدباء وشعراء وفلاسفة من أبناء أفريقية الذين أبدعوا باللّغة اللاتينية، ثم لا بدّ من إشارة إلى سبتميوس سيويروس وهو من عظماء الأباطرة.
تسلط النقائش والتماثيل وكتابات المؤرخين الضوء عن ملامح الديانة الوثنية القرطاجية ومن أهم ملامحها :
* تعدد الآلهة : مجتمع وثني حيث عبد القرطاجيون كغيرهم من الشعوب القديمة مجموعة من الآلهة على رأسها بعل حمون كبير الآلهة وحامي القرطاجيين رمز الخصب والرخاء وإله الشمس والمطر . ثم تانيت آلهة الخصوبة وهي الآلهة الأم ثم عشتارت الآلهة الكنعانية رمز الحب والبحر والموت ويشكل الثلاثة مايسمى بالثالوث الإلهي كظاهرة قديمة منتشرة . إضافة الى ذلك عبد القرطاجيون آلهة دخيلة مثل ديمترة الإغريقية ألهة الزراعة التي دخلت في القرن 4 ق م وملقرط حامي المشاريع البحرية والمستوطنات وإله صور ويبرز ذلك من جهة أولى تدين المجتمع القرطاجي ومن جهة أخرى تواصله عقائديا مع أبرز شعوب العالم القديم .
* أهمية العبادة والطقوس : خصص القرطاجيون فضاءات للعبادة من أبرزها معبدي التوفاة مقر بعل حمون وآشمون ولم تكن هذه المعابد مقتصرة فقط على المجال العقائدي الوثني بل هي مجال لتعلم القراءة والكتابة والعلوم ومجالس للأدب كما تعقد فيها الاجتماعات السياسية المصيرية .
ضمن معتقداتهم يقدم القرطاجيون قرابين وأضاحي للآلهة يحرقها الكاهن المشرف على المعبد ويضعها في جرار أو قوارير تدفن في المعبد ويوضع عليها نقيشة تضم إسم صاحب القربان وعلى العكس مما ذهب إليه عديد المؤرخين فإن القرطاجيين لم يقدموا ذبائح بشرية حية في معبد التوفاة بقرطاج .

فنون قرطاج

إهتم البونيون بالأدب والفنون التي شملت عدة ميادين منها النحت والنقش وسبك المجوهرات كما اعتنوا بالموسيقى . يعتبر فن العمارة عريقا ذا جذور كنعانية من حيث الشكل الشطرنجي المتعامد للمدينة جلبه الفينيقيون من الشرق ومن أبرز مايدل على ذلك مخطط مدينة كركوان بالوطن القبلي . تتكون المدينة البونية من فضاء يحيط به سور مثل سور قرطاج وهي أسوار عريضة تتعدى المترين كسور كركوان تتخلله أبراج ومدارج ومساكن ومن مكونات العمارة السكنية انتشر البيت الموسط كنمط معماري شرقي متأثر بالفن الإغريقي الهلنستي خاصة في زخرفة الأروقة والسواري والأعمدة . كما تأثر المعمار بالفن المصري في شكل الزخارف الجصية البديعة المقورة والمجوفة التي تزين جدران الغرف .
أدرك الزخرف والنحت مستوى رفيعا مع الاهتمام بزخرفة الأوعية الفخارية والبرنز وعجين الزجاج وقد ازدانت بألوان زاهية وأشكال هندسية ونباتية وحيوانية مع انجاز التماثيل والأقنعة الطينية . أدرك فن النحت في كل المدن البونيقية مستوى راقيا انسجمت فيه الجذور الكنعانية مع الإغريقية والمصرية وغيرها ومن أبرزها توابيت محلاة بصور آدمية من رخام .
أيضا نجد سبك الحلي والمجوهرات كالخواتم والأخراص والأسورة جمعت بين بريق الذهب وروعة الأحجار الكريمة كالزمرد والفيروز والياقوت ... إكتست بعدا فنيا جماليا وعقائديا .

الحروب الصقلية

الحرب الصقلية الأولى:

كان هدف معظم المدن اليونانية هدف قرطاج نفسه - السيطرة على التجارة في البحر الأبيض المتوسط. ولهذا أصبحت بينهما عداوة دائمة. وكلاهما بدأ باستعمار جزيرة صقلية منذ زمن، ولما رأت قرطاج أن جيلون، دكتاتور مدينة سيراكوزا، كان يحاول توحيد المدن اليونانية في صقلية، قررت محاربته في عام 480 قبل الميلاد. فأرسلت جيشا كبيرا بقيادة أميلكارر، ولكن الكثير من الجيش غرق مع سفنه، فهزم في هيميرا قرب باليرمو، وعليه انتحر هملقار وتحولت حكومة قرطاج من أرستقراطية إلى جمهورية.

الحرب الصقلية الثانية:

بعد أقل من سبعين عام رجعت قرطاج إلى قوتها الأصلية. أنشأت مدن كثيرة في شمال تونس. ففي عام 409 ق م ذهب حنبعل ماجو حفيد حملقار ليحارب ضد مدن صقلية اليونانية وفتح مدن سلينونتي وهيمبرا. كلها، وخاصة المدينة الأقوى سيراكوزا، لكن دخل الطاعون في جيشه، فماتوا الكثير ومنهم حنبعل ماجو. استنمر القائد حملكو الحرب، واحتل مدينة جيلا، لكن أثر الطاعون عليهم كثير فاتفقوا مع ديونيزيوس ديكتاتور سيراكوزا رجعوا.
بعد قلبل - في عام 398 ق م - رفض ديونيزيوس اتفاقهم وهاجم على المدينة القرطاجية موتيا في صقلية، فدافع عليها القائد حملكو وبعد نجاحه احتل المدينة اليونانية مسينا أيضا. أخيرا هاجم على سيراكوزا طول عام 397، لكن عاد الطاعون في 396 فهربوا.
بعد ذالك حاربوا مرات عديدة طول 60 سنة، وانتهت الحروب في 340 ق م بتقسيم الجزيرة بين قرطاج في الجنوب الغربي والمدن اليونانية على الشواطئ الأخرى.

الحرب الصقلية الثالثة:

في عام 315 ق م أخذ اغاثوقليس (دكتاتور سيراكوزا) مدينة مسينا، ثم رفض اتفاق السلام بينه وبين قرطاج وهاجم على الجزء القرطاجي لصقلية، وأيضا مدينة اكراغاس. فأرسلت قرطاج حملقار حفيد حنى الطيار ليحاربهم، وكان نجاح عظيم، ففي عام 310 ق م كان يحكم تقريبا كل الجزيرة وكان جيشه حول سيراكوزا نفسها. لكن اغاثوقليس ذهب سرا مع جيش 14000 جندي ليهاجم عن قرطاج نفسها، فدعى مجلس قرطاج حملقار ليعد ويدافع المدينة. فربحت قرطاج جزء كبير من صقلية، لكن حتى بعد نصره على جيش اغاثوقليس لم يقدر على سيراكوزا.

حروب بيروس الأبيري:

كان بيروس الأبيري ملك يوناني في البانيا دعته المدن اليونانية في جنوب ايطاليا وصقلية ليحكمهم ويدافع عنهم، فبين الأعوام 280 و 275 ق م، حارب عدويه اللدودين روما وقرطاج. خسر في حروبه، فرجعت صقلية إلى ما كانت وحكمت روما كل جنوب ايطاليا، فقربت إلى قرطاج للمرة الأولى.

الحروب البونيقية الرومانية

الحرب البونية الأولى : 264 - 241 ق م

لما مات الطاغية اليوناني اغاثوقليس عام 288 ق م، كان الأجراء الإيطاليون في جيشه قد فقدوا خدمتهم، فغضبوا وحكموا مدينة مسينا اليونانية في صقلية وسموا أنفسهم "ماميرتين" يعني "تابعي اله الحرب" وأخذوا يحاربون على كل مدن صقلية. فبعدما أصبح هييرون الثاني طاغية سيراكوزا في عام 265 ق م هجم عليهم، فأرسل الماميرتين سفير إلى روما ليطلب عونهم، وسفير ثان إلى قرطاج. وأجابت قرطاج وأرسلت جيشا إلى مدينة مسينا اليونانية ومجلس أعيان روما لم يزل يبحث عن مخرج . لكن بعد فترة اتفق القرطاجيون مع سيراكوزا، فطلب الماميرتين عون روما ليخرجوا جيش قرطاج. قبل الرومان الطلب المامرتيني لأن روما لم تقبل كون دولة قوية مثل قرطاج في مسينا لأنها قريبة جدا إلى جنوب إيطاليا (اليونان الكبرى التي أصبحت تحت السيطرة الرومانية)، فقرروا أن يبعثوا بجيش لتأييد الماميرتين، وبدأت الحرب البونيقية الأولى.
لم يربح الجيش الروماني الأول المعركة، لكن في عام 263 ق م، بعثت روما جيشا ثان يقدر ب 40,000 ألف مقاتل ، لترهيب و تخويف هييرون الثاني طاغية سيراكوزا ، الذي سرعان ما نقض تحالفه مع قرطاج و تحالف مع الرومان وعقد معهم معاهدة عدم إعتداء لمدة 15 سنة. أخذ الرومان يعدون لمهاجمة قرطاج نفسها إنطلاقا من جزيرة صقلية حيث ثبتوا أقدامهم. فتمكنوا من إعداد أسطول كبير تألف من 250 سفينة حربية، فضلا عن 80 سفينة نقل . ولما علمت قرطاج بالأمر أخذت هي الأخرى بالاستعداد و إن كان أسطولها الباقي أقل من الروماني بقليل.
في سنة 256 ق.م بعد أبحار الرومان نحو قرطاج التقى الأسطول الروماني بالأسطول القرطاجي عند رأس أقنوموس جنوب صقلية حيث أشتبكا و انتهت المعركة بهزيمة القرطاجيين ، تابع بعدها الاسطول الروماني ابحاره بقيادة القنصل مرقس اتيليوس رجولوس و نزل على الشاطىء الأفريقي حيث أنزل عدة هزائم متتابعة بالقرطاجيين مكنته من التوغل بعيدا عن الشاطىء لقضاء فصل الشتاء في مكان قريب من قرطاج مما جعل الأخيرة تطلب الصلح منه . عرض القنصل الروماني مرقس شروطا قاسية على قرطاج فرفضتها ثم أخذت تستعد للقتال في نهاية الشتاء باستقدام فرقة من المرتزقة المشهود لهم في القتال و التدريب و على رأسهم قائد إسبارطي محترف هو زانتيبوس الذي عمل على فوره على تدريب الجيش القرطاجي وفقا لأفضل الأساليب القتالية الإغريقية.
وفي ربيع عام 255 ق.م بعد ان أنهى الجيش القرطاجي تدريباته ، أشتبك مع الجيش الروماني الذي هزم و أسر قائده القنصل مرقس . ولكن الأسطول القرطاجي تصدى للأسطول الروماني الذي كان قادما بتعزيزات لمرقس قد مني بخسارة فادحة شلت قدرة قرطاج البحرية لمدة 5 أعوام التالية. وكان الأسطول الروماني وصل بعد أنتهاء المعركة البرية فأنقذ فلول جيشه تجاه شاطىء صقلية الجنوبي و لكن تحطمت أكثر من 250 سفينة– من بينها 100 سفينة قرطاجية كان الرومان قد اغتنموها فلم يتبق من الأسطول الروماني الناجي سوى أكثر من 100 سفينة فقط.
أعاد الرومان بسرعة كبيرة بناء أسطولهم الذي دمرت معظمه الأنواء و ركزوا هجومهم على القواعد القرطاجية في غرب صقلية . فسقطت مدينة بانورموس (باليرمو) في أيدي الرومان عام 254 ق.م لتتوقف الحرب بين الطرفين لمدة سنتين فقد أشتعلت الحرب بين قرطاجة و نوميديا في شمال أفريقيا عام 253 ق.م. في سنة 250 ق.م حاولت قرطاج إستعادة بانورموس و لكنها منيت بالفشل مما شجع الرومان في العام التالي على مهاجمة مدينة ليلوبايوم و محاصرتها برا وبحرا. إلا أن القرطاجيين تمكنوا من هزيمة الرومان برا و بحرا هذه المرة و أستعادوا سيادتهم البحرية مؤقتا. ووصل إلى صقلية في عام 247 ق.م القائد القرطاجي حملقارت برقا الذي اسندت إليه القيادة القوات القرطاجية في صقلية يعاونه القائدان أذربعل و قرتالو الذان كانا يقومان بتخريب سواحل إيطاليا . كما كان حملقارت يشن حرب عصابات أقضت مضاجع الرومان و أوقعتهم في مأزق مالي بسبب الخسائر و ازدياد النفقات و استولى حملقارت على موقعين منيغين هما جبل هرقيتي قرب بانورموس و جبل إيريكس قرب دربانا و أإتخذ منهما قاعدتين لشن الغارات على القوات الرومانية.
كاد القرطاجيون أن يححقوا نصرا حاسما في صقلية لولا قرارها المبهم في إستدعاء أسطولها من صقلية لتجمع قواتها للتحكم في مناطق شمال أفريقيا الداخلية جنوب غرب قرطاجة بسبب الحرب مع نوميديا.
أستغل الرومان الفرصة فأعادوا بناء أسطولهم حيث أنزلوا 200 سفينة إلى البحر بقيادة القنصل لوتاتيوس كاتولوس ليضيق الحصار حول مدينتي دربانا و ليلوبايوم القلعتين القرطاجيتين. عجزت قرطاج عن إعداد أسطول لإنقاذ هاتين القلعتين . ولم تستطع سوى إرسال حملة بحرية هزمها الرومان قرب دربانا في ربيع 241 ق.م أضطر القرطاجيون إلى قبول الصلح مع الرومان في معاهدة(قاتولوس) أو معاهدة سنة 241 ق م .

حرب الأجراء:

خسر القرطاجيون مالا كثير للرومان كجزء من اتفاقهم، فلم يكن لهم مال لقبض أجرائهم، ففضبوا وبدأوا حربا ضد قرطاج بعون نوميديا في عام 241 ق م. كان قائدا الأجراء ماثوس اللوبي وسبينديوس العبد الروماني، ويقال أنهم رجموا كل من تكلم عن هدنة، ولهذا أيضا تسمى "حرب لا هدنة". وبعد سنين ربح القائد القرطاجي العظيم حملقار برقة بجند 10000 مواطني قرطاج (وكان معظم الجيش القرطاجي قبل ذالك أجراء وليس مواطنين). وبعد نصره أصبح حملقار برقة على رأس قرطاج متجها إلى شبه الجزيرة الإبرية.

احتلال إسبانيا أو شبه الجزيرة الإبرية:

في عام 236 ق م هاجم حملقار برقة على اسبانيا، وحارب هناك حتى موته في القتال في عام 228. وبعده قاد جيشه عزربعل، وكان أميلكار برقة قبل موته في 228 ق م قد فتح اسبانيا حتى نهر الايبرو واتفق مع روما ألا يعبر ذلك النهر. وبعده أصبح قائد الجيش حنبعل ابن أميلكار برقة المشهور. كان حنبعل يكره الرومان وظن أنه على قرطاج أن تحتل روما وإلا فستفشل بالكامل. وفي عام 219 هاجم على ساغونتوم، مدينة مستقلة وراء نهر الايبرو، وكذالك رفض اتفاق عزربعل، فبدأ الحرب البونيقية الثانية.

الحرب البونية الثانية: 218-201 ق م

بعد ما عبر إبيريا وجبال البيريني الوعرة سار حنبعل وجيشه بسرعة، وعبروا جبال الألب في 218 ق م. لما وصلوا إلى روما دخل في جيشهم كثير من الأجراء والحلفاء من قبيلة الگول وهزم الجيوش الرومانية في المنطقة بسهولة، ولما رأوا هذا حالفه الكثير من مدن ايطاليا ومنهم سيراكوزا. في نفس الوقت كان جيش روماني يحارب في اسبانيا. وقرب إلى روما حتى وصل إلى ميناء كابوا في 211 ق م، لكن بعد موت أخيه عزربعل في عام 207 رجع إلى مدينة بروتيوم في جنوب ايطاليا. وأخيرا حالف الرومان الملك النوميدي ماسينيسا وأرسلوا جيشاً ليهجم على افريقيا نفسها،وقد نجحت روما في هزم قرطاج وأجبرتها على امضاء معاهدة سلم ، ومنعتها من أي حرب - حتى ولو كانت دفاعا عن نفسها - إلا بإذن روما.

إندلعت هذه الحرب بعد فترة من السلم دامت 23 سنة وقد تواصلت على مدى 17 سنة واقترنت ببطولات حنبعل ومن أسبابها العميقة تخوفات روما من القوة القرطاجية التي نمت بشبه الجزيرة الإبرية وقد كانت روما مهتمة إلى أبعد الحدود بتطور الأوضاع بهذه المنطقة وقد أرسل السيناتوس أي مجلس الشيوخ الروماني سنة 231 ق م بعثة كلفت بالتعرف على أهداف عبد ملقرط البرقي من إحتلال شبه الجزيرة الإبرية كما إزدادت تخوفاتها بعد سنة 228 ق م . بعد تأسيس مدينة قرطاجنة كعاصمة ثانية بالمنطقة أبرمت روما سنة 226 ق م معاهدة مع عزربعل قائد الجيش القرطاجي تقضي بأن لا يتجاوز الجيش القرطاجي نهر الإبيروس الواقع شمال الأراضي القرطاجية بإبيريا أما قرطاج فقد كانت تخطط لإستعادة مكانتها بالحوض الغربي للمتوسط وقد بينت الأحداث التي تلت معاهدة 226 ق م أن القائد الجديد للجيش القرطاجي حنبعل كان حريصا على استعادة مجد قرطاج بفضل إستغلال ثروات شبه الجزيرة الإبرية حيث أنهى الدفعات المالية الباهضة التي فرضتها روما على قرطاج في المعاهدة الأولى بين سنتي 241 و 237 ق م .
تعتبر حادثة صاغنتوم السبب المباشر الذي أشعل الحرب بين الجانبين حيث هاجم حنبعل سنة 219 ق م مدينة صاغنتوم الواقعة جنوب نهر الإبيروس وقد رأت روما في ذلك خرقا لبنود معاهدة سنة 241 ق م أبرزها عدم مهاجمة قرطاج لحلفاء روما بإعتبار أن المدينة من حلفائها وأشهرت الحرب ضد قرطاج وأعلمت قادة قرطاج سنة 218 ق م بقرارها .
أطوار الحرب الثانية : من إنتصارات حنبعل بروما إلى الهزيمة في واقعة زاما بقرطاج
إشتملت هذه الحرب على 3 مراحل كبرى تميزت اولا بإنتصارات حنبعل على الأراضي الرومانية ثم بإنهزامه في واقعة زاما
حنبعل يخطط للحرب و يكسب انتصارات كبرى في بدايتها : انطلق من مخطط حنبعل واختياره للطريق البرية لمهاجمة روما من الشمال في أراضيها انطلاقا من المقاطعة القرطاجية بشبه الجزيرة الإبرية وذلك لاعتقاده أن ميزان القوى في المجال البحري لم يكن لصالح قرطاج في حين أن القوات البرية المتكونة من الفرسان والمشاة والفيلة أظهرت فاعليتها في عدة مناسبات حربية حيث تصدت لحملات روما على الأراضي القرطاجية في الحرب الأولى والقضاء على انتفاضة المرتزقة واحتلال شبه الجزيرة الإبرية . استغل حنبعل عنصر المباغتة واستمال قبائل بلاد الغال بفرنسا التي كان بعضها معاديا لروما كما كان ينوي الى عزل روما عن حلفائها في وسط ايطاليا وجنوبها .
انتصارات حنبعل من 218 الى 212 ق م : بعد عبور جبال البيريني ونهر الون وجبال الآلب تمكن حنبعل من كسب إنتصارات كبرى ضد الجيش الروماني الذي حاول اعتراضه فكانت أولى الانتصارات في معركتي تسنوس وتربيا ثم انتصار معركة بحيرة ترازمنوس بعد سنة حيث تمكنت الجيوش القرطاجية من محق فيلقين من الجنود الرومانيين وبعد سنة حقق الجيش القرطاجي انتصارا جديدا في معركة كانيئ . لم تكن الخسائر القرطاجية كبيرة في هذه المعارك مقارنة بخسائر روما رغم تفوقها العددي والى جانب هذه الإنتصارات اتخذ حنبعل بداية من 216 ق م مبادرا سياسية ترمي الى عزل روما حيث نجح في كسب ولاء عدة مدن واقعة بوسط وجنوب إيطاليا مثل كبوا و طرنطوم كما نجح في استمالة مدينة سرقوسة وأبرم سنة 215 ق م حلفا مع الملك المقدوني فليبوس .
بين سنتي 212 و 206 ق م قلبت روما ميزان القوى لفائدتها حيث اختارت بعد هزائمها التكررة طريقة جديدة لمواجهة جيش حنبعل وذلك بمنع وصول المدد العسكري القادم من شبه الجزيرة الابرية ومحاصرة جيشه في جنوب ايطاليا والاكتفاء باستعادة ماأمكن من أراضي ومدن فتم إخضاع مدينة كبوا سنة 211 ق م وسرقوسة سنة 212 ق م . إضافة الى تحويل ساحة القتال الى شبه الجزيرة الإبرية فبداية من سنة 216 ق م تمكن الرومان من كسب ولاء عدة قبائل شمال شبه الجزيرة الإبرية ووسطها فتقلص بذلك النفوذ القرطاجي الذي إقتصر على الشريط الساحلي الجنوبي والشرقي وقد تمكنت من عزل جيش حنبعل وقطع الإمداد البحري الإغريقي والقرطاجي عن جيش حنبعل خاصة بعد ما نجح القائد الروماني ببليوس سقيبيو سنة 209 ق م في إحتلال مدينة قرطاجة عاصمة المقاطعة القرطاجية بشبه الجزيرة الإيبرية وبعد التصدي للجيش القرطاجي بقيادة عزربعل أخ حنبعل وهو بصدد ايصال المدد إلى أخيه تم القضاء نهائيا على الحضور القرطاجي بشبه الجزيرة الإبرية سنة 206 ق م .
نهاية الحرب بعد نزول الجيش الروماني بإفريقيا ومعركة زاما بين 204 و 202 ق م حيث أنه في سنة 204 ق م وافق السيناتوس الروماني على تحويل الحرب الى الأراضي القرطاجية بإفريقيا وأوكل المهمة إلى القائد بيبلوس سقيبيو والي صقلية الذي جهز جيشا كبيرا أرسى به قرب مدينة أوتيكا خلال صيف 204 ق م وقد تمكن من كسب انتصارات منها هزم جيش الملك النوميدي سيفاكس حليف قرطاج وتعويضه بداية من سنة 203 ق م بمسينسان على عرش مملكة نوميديا بعد اتفاق بينهما . وإلحاق هزائم بالجيش القرطاجي مما أجبر حنبعل عل العودة من إيطاليا الى افريقيا ومواجهة التحالف بين الطرفين النوميدي والروماني وقد أرسى حنبعل بجيشه في مدينة هدرمتوم (سوسة ) ثم تقابل الجيشان قرب مدينة جاما حيث انهزم حنبعل واضطرت قرطاج الى امضاء معاهدة صلح ثانية سنة 201 ق م قضت على القوة القرطاجية حيث تخلت عن جيشها وفيلتها واسطولها وأراضيها بشبه الجزيرة الابرية والالتزام بعدم دخول أي حرب الا بعد موافقة روما ومنح ماسينيسا حق استرجاع الأراضي النوميدية الخاضعة لقرطاج .

حرب ماسينيسا : في سنة 195 ق م، بعد أن طرد الرومان حنبعل من قرطاج، أخذ ماسينيسا ملك نوميديا جزءا كبيرا من ما كان ملك قرطاج في افريقيا، من عنابة في الجزائر حتى لفقي في ليببا، وهو يعرف أنهم لا يستطيعون أن يدافعوا على أنفسهم إلا بإذن حليفه روما. في 160 أخذ المزيد من أراضي قرطاج، فبعثت قرطاج سفير إلى روما لتطلب إذنهم الحرب، وأمر روما ماسينيسا أن يرد لقرطاج بعض المدن، لكن لم يكفي في رأي قرطاج، ففي عام 151 ق م، حاربوا ضد ماسينيسا وخسروا بسرعة. وكان فريق كبير في روما يريد تدمير قرطاج شامل - وأشهرهم مارقوس كاتون الذي زار قرطاج في عام 155 ق م وبعد زيارته كان يكمل كل خطاب له في المجلس بصرخة "Carthago delenda est" "علينا أن ندمر قرطاج" - فقالوا أن قرطاج نقضت الاتفاق وتم الهجوم والقضاء عليها.

حرب بونيقية ثالثة : 149 - 146 ق م

كانت روما تبحث عن الذرائع لتشن الحرب على قرطاج من جديد لكن حكام قرطاج بعد الحرب البونيقية الثانية (218-202 ق.م) كن همهم الحفاظ على السلام مع روما و الاهتمام بإنعاش الاقتصاد المتضرر من الحربين السابقتين . ولم يمض كثير من الوقت حتى غدت قرطاج ثاني أكبر مركز تجاري في غرب البحر المتوسط . كما أصبحت أرضها منتجة من جديد . مما جعلها تعرض على روما أن تدفع الأقساط الباقية جميعها دفعة واحدة ، وأن تتبرع لروما و في العام نفسه و في عدة مناسبات تالية بكميات كبيرة من القمح دون مقابل.
نظرت روما إلى نجاح ونهوض قرطاج من عثرتها بعدم الرضا و القلق الشديد الذي مرجعه الغيرة و الحسد من ناحية و الخوف من أن تعيد قرطاج بناء قوتها مما حذا بالسناتوس الروماني انتظار الفرصة المناسبة لتدمير قرطاج . كان ماسينيسا ملك نوميديا يطمع في أن يسيطر على أراضي قرطاجية كثيرة لذلك كان دائما يزرع الخوف عند الرومان من قدرات قرطاج . فكان يعتدي مرات كثيرة على ألأراضي القرطاجية فترفع قرطاج الأمر للرومان و لكنهم يقفون مع حليفهم الملك ماسنيسا . و حدث أن طلب ماسينيسا من قرطاج السماح له بدخول طرابلس بحجة ملاحقة ثائر فر إلى برقة وعندما رفضت هذا الطلب هاجم إقليم طرابلس و أحتل سهل الجفارة لكنه عجز عن الاستيلاء على مدن طرابلس الثلاث.
أرسلت روما سفارة إلى قرطاج بشأن الموضوع بقيادة كاتو الكبير فعاد إلى روما محرضا على شن الحرب على القرطاجيين بحجة تكديسهم للأخشاب في الميناء لبناء أسطولهم و أن الجيش الذي حاربوا به ماسينيسا هو نواة جيش الانتقام من روما.أرسلت روما بعثة أخرى إلى قرطاج طلبت من قرطاج تسليم مدن طرابلس الثلاث لماسينيسا مما أثار القرطاجيين و أشعل نار الغضب فيهم لدرجة أن البعثة فرت من قرطاج خوفا على حياتها. و أستمر كاتو في تحريضه ضد قرطاج حيث كان يقول في مجلس السيناتوس (يجب أن تدمر قرطاج، يجب أن تدمر قرطاج). وأنحاز الرومان لماسينيسا الذي تشجع على الخوض في شؤون قرطاج الداخلية فبين عامي 151-150 ق.م ظهرت الخلافات السياسية داخل قرطاج فطرد الحزب الموالي لماسينيسا من المدينة فطلب هذا الأخير بإعادة مواليه إليها الأمر الذي رفضته قرطاج فقامت الحرب بينهما و أنتهت بإنتصار ماسينيسا. قامت قرطاج بعد ذلك بإعدام القادة العسكريين و أرسلت شكوى إلى روما من تصرفات ماسينيسا لكن الرومان أستغلوا الفرصة. وفي عام 149 ق.م استسلمت أوتيكا للرومان فأعلنوا الحرب على قرطاج . في ذلك الوقت توجهت بعثة قرطاجية إلى روما تطلب الاستسلام دون شرط أو قيد كما أورد السيناتوس بأنه سيسمح ببقاء حرية القرطاجيين وقوانينهم و إقليمهم و ممتلكاتهم العامة و الخاصة شرط أن يسلموا ثلاثمائة من أبرز رجالهم كرهينة و أن يطيعوا الأوامر التي يصدرها القنصلان الرومانيان المتوجهان إلى أوتيكا. فوافق القرطاجيون على كل ذلك . و عند وصول القنصلين إلى أفريقيا كشفا هدف السيناتوس الحقيقي بأن طلبوا من القرطاجيين أن يخلوا مدينتهم و أن يبتعدوا عن الشاطئ لـ16 ميلا وكان ذلك الشرط المفاجئ المخادع بقصد تدمير إقتصاد قرطاج. لكن القرطاجيين لم يتخلوا عن مدينتهم و بدؤوا بالتحصن فيها إلى أن سقطت و أحرقت نهائيا ودمرت بعد حصار ثلاثة أعوام متتالية (149-146 ق.م).
كانت الحرب البونيقية الثالثة أسرع من الحروب التي كانت قبلها. أولا حاصر جنود روما قرطاج طول 3 سنين، وأخيرا نجحوا ودمروا قرطاج تدميرا شاملا. ذبحوا معظم المدنيين وباعوا الآخرين كعبيد، وحرقوا المدينة ودمروا جدرانها، ويقال أنهم حرثوا الأرض بالملح لكي لا ينمو فيها أي نبات أبدا ولا يسكنها أحد. وانتهت شهرة قرطاج وثبتت إمبراطورية روما.

قرطاج الجديدة

لم يبق شيء من قرطاج، لكن موقعها لم يزل من أفضل أماكن البحر الأبيض المتوسط لبناية مدينة. وبعد قرون، قرر يوليوس قيصر في عام أن يبني هناك قرطاج جديدة ليسكنها الرومان. وأصبحت قرطاج الجديدة عاصمة افريقية الرومانية. في عام 439 م أخذ غيسريك ملك قبيلة الفاندال الألمانية قرطاج، وحكموها حتى عودة الرومان البيزنطيين 15 أكتوبر 533 بقيادة بيليساريوس. لكن في أواخر سنين الإمبراطورية الرومانية قل عدد سكان افريقية الشمالية، وبعد فتح قرطاج في 698 م أصبحت مدينة قريبة منها تسمى تونس أهم منها، وأخيرا رجع قرطاج أثر غير مسكون، يبنون بها سكان تونس بيوتهم.
من الواضح وما نستخلصه من تلك الحروب التي وقفت فيها قرطاج مدافعة عن كينونتها ضد الغطرسة الرومانية كانت قرطاج خير مثال على روح التصدي والمقاومة والتنظيم والحضارة والنمو ولعل ذلك ما أثار تخوفات روما التي بقيت عاجزة عن مواكبة التحولات الحضارية التي شهدتها قرطاج ورغم ذلك تموت حضارة القوة وتبقى قوة الحضارة مستمرة فقرطاج التي كانت قوة يحسب لها ويهاب جانبها بقيت آثارها الى اليوم شاهدا على الاستمرارية في الزمن كحضارة متميزة استهوت أقلام المؤرخين والادباء والفنانين وغيرهم من كافة أنحاء العالم كما بقي تاريخها وملاحمها يدرسان إلى اليوم بأرقى المعاهد والجامعات عالميا .

الفترة النوميدية

نوميديا هي مملكة امازيغية قديمة قامت في غرب شمال افريقيا ممتدة من غرب تونس لتشمل الجزائر وجزء من المغرب الحالي, وكانت تسكنها مجموعتين كبيرتين, احداهما تسمى: المازيليون, في الجهة الغربية من مملكة نوميديا, وهم قبيلة تميزت بمحالفة الرومان والتعاون في ما بينهم ضد قرطاج, اما القبيلة الأخرى فكانت تسمى بالمسايسوليون وهم على عكس المازيليين كانوا معادين لروما متحالفين مع قرطاج وكان موطنهم يمتد في المناطق الممتدة بين سطيف والجزائر العاصمة ووهران الحالية. وكان لكل قبيلة منهما ملك يحكمها اذ حكم ماسينيسا/ماسينيزا على القبيلة المزيلية في حين حكم سيفاكس على المسايسوليين.

تاريخ تأسيس نوميديا

لا يعرف تاريخ تأسيس مملكة نوميديا على وجه التحديد, فبعض المصادر القديمة سواء المصرية الفرعونية او اللاتينية اشارت الى وجود ملوك امازيغ في شمال افريقيا, بحيث تروي بعض الروايات الأسطورية او التأريخية ان الأميرة الفنيقية أليسا المعروفة بديدو ابتسمت باغراء لأرضاء الملك الأمازيغي النوميدي يارباس ليسمح لها بالأقامة في مملكته, وهو ما رواه المؤرخ اللاتيني يوستينيوس نقلا عن غيره. كما اشارت بعض المصادر اللاتينية ان كلا من الملكين الأمازيغيين: يارباس ويوفاس رغبا في التزوج بالأميرة الفينيقية أليسا, كما اشار الشاعر فيرخيليوس الى ان يارباس كان يفرض زواجه على أليسا كما كان يقدم القرابين لأبيه جوبيتر-آمون في معابده الباهرة ليحقق له امنيته. غير ان هذه الأساطير ليست دقيقة فالأستاذ محمد شفيق يتساءل عما اذا كان المقصودون هنا هم زعماء القبائل. وحسب الأستاذ نفسه فأنه من المحقق انه كان هناك ملوك للأراضي النوميدية, وان جل المؤرخين يعتقدون ان أيلماس هو المؤسس لمملكة نوميديا, وللأشارة فان الملك ماسينيسا الذي ينتمي الى اسرة أيلماس كان يطالب باسترداد اراضي اجداده في حربه ضد قرطاج ومملكة موريطانيا مدعوما بروما.

نوميديا في عهد ماسينيسا

يعتبر ماسينيسا اشهر الملوك النوميديين, اذ تميز بقدراته العسكرية بحيث تمكن من هزم خصمه الأمازيغي سيفاكس, كما تمكن من هزم حنبعل القرطاجي اعظم الجنيرالات التاريخيين, في معركة زاما بتونس الحالية سنة 202 قبل الميلاد. ولربما لأسباب عاطفية تكمن في تزويج القرطاجيين خطيبته : صوفونيسا لخصمه المسايسولي سيفاكس, رافعا شعاره الشهير: افريقيا للأفارقة, متحالفا مع روما, عاملا على تأسيس دولة امازيغية قادرة على مواجهة التحديات الخارجية. وفي عهده برزت نوميديا في ميادين عسكرية وثقافية متبعا التقاليد الأغريقية في ما يتعلق بالطقوس الملكية, ومتبنيا الثقافة البونيقية في الميادين الثقافية. كما جهز الأساطيل ونظم الجيش وشجع على الأستقرار وتعاطي الزراعة وشجع التجارة الشيء الذي جعله يعتبر ابرز الملوك الأمازيغ القدماء.

نوميديا بعد ماسينيسا

ماسينيسا الذي بلغ من الكبر لم يأخذ بالحسبان القوة الرومانية , كما انه لم ينظم امور الملك, فبعد وفاته قامت صراعات بين ابنائه لحيازة العرش, فتدخل الرومان ووزعوا حكم نوميديا التي اصبحت الخطر القادم بعد انهيار قرطاج, على ثلاثة من ابنائه, ونصبوا مسيبسا حاكما لنوميديا وعمل على مد جسور العلاقات الودية مع روما, في حين جعل اخوه غيلاسا قائدا للجيش, بينما جعل الأخ الثالث: ماستانابال القائد الأعلى في مملكة نوميديا, غير ان ميسيسا سينفرد بالملك بعد وفاة اخوته في وقت مبكر.

نوميديا بعد ميسيبسا

بعد وفاة ميسيبسا سيندلع ايضا صراع بين ابناء ميسيبسا وهم: هيمبسل وأدهربل واحد ابنائه الذي هو حفيد لماسينيزا, وعلى غرار التجربة الأولى عملت روما على التدخل لتوزيع مملكة نوميديا قصد اضعافها غير ان يوغرطا تميز بقوميته على غرار جده ماسينيسا حالما بأنشاء مملكة نوميدية امازيغية قوية, بعيدة عن تأثير القوة الرومانية.

نوميديا في عهد يوغرطا

بعد الصراع بين ابناء ميسيبسا تمكن يوغرطا من القضاء عليهم, ومن مدينته سيرطا التي اختارها كمنطلق لحروبه ضد الرومان كبد روما خسائر كبيرة في جنودها حتى بدا وكأن الفوز سيكون لا محال من نصيب يوغرطا, غير انه وحسب الروايات المتداولة قام احد ملوك موريطانيا الأمازيغ التي وجدت في منطقة المغرب الحالي وهو بوخوس بالغدر به في فخ روماني, وبذلك تم القبض عليه وسجن ومات في سجنه.
حرب الرومان ويوغرطان : 110 ق م - 105 ق م شهدت طورين كبيرين فبعد محاولة الصلح الفاشلة طلب السيناتوس الروماني من الملك النوميدي يوغرطا الحضور الى روما قصد التحقيق معه مباشرة وقد أقام يوغرطا في روما وعرف كيف يدافع عن سياسته الا أن أعداءه نجحوا في استفزازه بابراز شخصية نوميدية منافسة له وهي الأكير ميفسان فلم يتردد الملك النوميدي في تدبير عملية اغتيال لخصمه وتنفيذها في روما بالذات حيث كان الأمير يقيم منذ سقوط قيرطة .
أجمع الرومان على إدانة هذا الإغتيال الذي إعتبر تحديا لروما وسلطتها حيث عبر السيناتوس عن غضبه الشديد وأمر يوغرطا بمغادرة المدينة فورا وكانت تلك الحادثة سببا مباشرا في قيام الحرب سنة 110 ق م بدأت بطور أول من 110 الى 109 ق م انتصر فيه يوغرطا حيث في شتاء 109 ق م كانت المعارك لفائدته حيث هزم الجيش الروماني بقيادة أولوس ثم انتصارات أخرى سنة 108 ق م ضد القائد الروماني ميتلوس . وكان الملك النوميدي يباشر الحرب شخصيا معتمدا على عنصر المباغتة والحركة المستمرة لهجماته مما دفع الرومان الى التخلي عن المعارك التقليدية والدخول في حرب مناوشات وعصابات مع مداهمة المدن الهامة مثل جاما وسقا بشمال تونس الغربي وقد حاول ميتلوس تدبير المكائد ليوغرطا بإغراء عدد من أعضائه المقربين لكن دون جدوى ولم يمنع ذلك يوغرطا من تحقيق انتصار جديد في واقعة واقة أي باجة حاليا حيث أوقع بالحامية الرومانية المرابطة قرب هذه المدينة مستفيدا من مساعدة السكان .
بعد 108 ق م تغيرت الحرب لفائدة روما حيث عقب مؤامرة ثانية تخلص يوغرطا من ظباط متواطئين مع روما وبعد معركة دامية لم يتمكن من المحافظة على موقع قالة كقلعة محصنة صمدت طويلا في وجه القائد الروماني ميتلوس بعد انسحاب يوغرطا وفي نفس السنة سقطت مدن أخرى في يد روما مثل العاصمة النوميدية قيرطة اتخذ منها ميتلوس قاعدة عملياته الحربية مما جعل يوغرطا يتجه الى المناطق القاحلة جنوبا ويتصل بالقبائل البدوية لضمها الى جيشه كما ربط علاقات متينة مع ملك موريطانيا بخوس الذي زوجه ابنته وتحالف معه ضد روما .
في هذه المرحلة عين القائد الروماني الجديد قايوس ماريوس بعد أن كان مساعد ميتلوس وكون وحدات المرتزقة الأفارقة المنتسبين الى قبائل الجيتوليين ثم ركز خطته الحربية على عزل يوغرطا عن قواعد التموين بالمدن النوميدية لكن لم يتوصل إلى الانتصار .
التحم الجيشان المتحاربان في وقائع منها واقعة قبصا (قفصة) في أواخر صيف 107 ق م انتهت بسقوط المدينة بيد الرومان الذين أحرقوها وقتلوا سكانها وأسروهم سعيا من القائد الروماني بهذه الأخلاق المنافية لقواعد القتال الى النيل بمعنويات الأفارقة المناصرين ليوغرطا . أما في معركة قلعة الملوية التي جرت في ربيع سنة 106 ق م فإن يوغرطا وجد الدعم من الجيش الذي التحق بالقتال فهزم جيش الرومان في مناسبتين تمكن من خلالها يوغرطا استرجاع مواقع نوميدية هامة منها العاصمة قيرطة لكنه لم ينجح في المحافظة عليها طويلا بعد هجمات ماريوس القوية والمركزة في خريف سنة 106 ق م .
أخيرا ملك موريطانيا بخوس يغدر بيوغرطا ويسلمه لروما حيث تخوف من الخطر الروماني الذي وصل الى مشارف مملكته ودخل في محادثات سرية مع ماريوس أدت الى الغدر والايقاع بصهره يوغرطا وهكذا تمكن القائد الروماني ماريوس وبالغدر والمكائد لا في ساحة القتال وجها لوجه من الايقاع بخصمه اللدود يوغرطا في مفاوضات سلم وهمية استغل فيها بخوس ثقة صهره وسلمه الى أعدائه وبذلك انتهت الحرب بعد أن أعدم يوغرطا بطريقة وحشية في سجن التليانوم بروما يوم 1 جانفي 104 ق م ليتدعم الحضور الروماني بشمال افريقيا ليسجل التاريخ نهاية مأسوية جديدة لصراع الأفارقة ضد الرومان ويضل يوغرطا على غرار سلفه حنبعل رمزا للصمود والتحدي وقد اقترن اسمه بوحدة نوميديا والتصدي للغطرسة وسياسة الهيمنة والتقسيم التي سعت روما الى اقرارها بالمنطقة منذ سنة 146 ق م أي من سقوط قرطاج .

نوميديا بعد هزيمة يوغرطا

بعد هذه الهزيمة أصبحت شمال إفريقيا غنيمة في يد الرومان, وبدل جعلها عمالة تابعة لروما, نصبوا ملوكا امازيغا على شرط قيامهم بمد روما بالثروات الأفريقية, وبذلك تم تقسيم مملكة نوميديا الى ثلاثة مماليك, استأثر فيها بوشوس بالجزء الغربي جزاء عمالته, في حين حصل غودا على الجزء الشرقي, اما ماستانونزوس فقد حصل على الجزء الأوسط من مملكة نوميديا الموزعة.
مراحل التوسع الروماني على انقاض الدولة القرطاجية :
التوسع الإستيطاني : باحداث المستوطنات بولايتي افريقا القديمة وافريقيا الجديدة : فبعد فشل احداث مستوطنة رومانية بقرطاج أثناء العهد الروماني الجمهوري اتجه يوليوس قيصر عندما حل بولاية افريقيا في 47 و 46 ق م ببعثها من جديد لكنها لم تتأسس إلا في سنة 40 ق م على يد أقتاويانوس الذي واصل تأسيس المستوطنات الرومانية ببلدان المغرب وقد استقرت أفواج المحاربين الرومان القدامى بمدن جديدة مثل وذنا ووزعت عليهم الحقول في أريافها كما استقرت أفواج المستوطنين بمدن أخرى مثل أوتيكا وشمتو وغيرها وقد وقع الاختيار خاصة على الاراضي الخصبة بقراها ومدنها بوادي مليان بتونس حاليا ووادي مجردة والسواحل القريبة من قرطاج .
أحدثت المستوطنات غرب إفريقيا البروقنصلية في نهاية القرن 1 وبداية القرن 2 موطن قبيلة الموزولاميين حيث نمت مدن مثل مادوروس وسفيطلة والقصرين وبلاريجيا وحيدرة بالكاف حاليا

نوميديا في عهد يوبا الأول

بعد خلفاء بوخوس ملك موريطانيا الذين تميزوا بإقامة علاقات ودية مع روما, ظهر ملك امازيغي نوميدي آخر, وهو حفيد ليوغرطا وكان اسمه يوبا الأول. هذا الأخير حلم على نهج أجداده يوغرطا وماسينيزا لبناء دولة امازيغية نوميدية مستقلة تكفيهم التدخلات الأجنبية. وفي سنة 48 قبل الميلاد بدت الفرصة سانحة لتحقيق هذا المأرب, ذلك ان صراعا قام بين بومبيوس وسيزر حول حكم روما. واعتقد يوبا الأول ان النصر سيكون حليفا لبوميوس وراهن على حلف بينهما غير ان النصر كان مخالفا لتوقعات يوبا الأول وتمكن سيزر من هزم خصمه بومبيوس. ففي سنة 48 قبل الميلاد تمكن الجنود الرومان وجنود كل من بوخوس الثاني وبوغود الثاني من تحقيق نصر مدمر ضد جيوش يوبا الأول وبومبيوس. وعلى الرغم من تمكن يوبا الأول من الفرار الى انه انتحر بطريقية فريدة دعا فيها احد مرافقيه من القادة الرومان الى مبارزة كان الموت فيها لكل منهما.

نوميديا كمقاطعة رومانية

بعد هزيمة يوبا الأول فقدت نوميديا استقلالها السياسي, وكانت نهايتهاعام 46 ق.م بعد مرور مائة سنة على ذكرى قرطاج سنة 146 ق.م وبهذا دخلت نوميديا فترة جديدة وهي فترة الحكم الروماني.
تحولت تونس بعد تحطيم قرطاج تدريجيا ضمن المد الروماني ببلاد المغرب إلى مستوطنة رومانية وخلال الفترة الرومانية كان لها أثرا كبيرا على الحضارة الروماني التي أسهمت في بنائها في كافة الميادين.
يشرف والي إفريقيا البروقنصلية على مختلف المصالح الإدارية والمالية والاقتصادية يتولى القضاء ويكلف مفوضين جهويين بتسيير الشؤون الإدارية
1- والي البروقنصلية يعينه مجلس السيناتوس : منذ انتهاء الحكم الجمهوري لم يحتفظ مجلس السيناتوس الا بالسلطة التي كان يمارسها في بعض الولايات الهادئة ، ومن بينها ولاية افريقيا البروقنصلية
تكثيف شبكة المدن والمستوطنات لنشر الرومنة :
تهيئة المجال الحضري للمدن الإفريقية
وظائف المدينة وأمثلة من المدن :
العمـــــــران :
إزدهار الفلاحة بولاية افريقيا البروقنصلية :
النشاط الصناعي والتجــــــاري :
1 - الإنتاج الفكري والأدبي بقرطاج في العهد الروماني :
2- الفنـــــــون :
العهد الإسلامي
انتهى الوجود البيزنطي مع حلول الفاتحين المسلمين ويعتبر إنشاء القيروان سنة 670 م /50 هـ كقاعدة إستراتيجية متقدمة للمسلمين غرب الدولة الإسلامية بمثابة التحول الهام في تاريخ المنطقة التي شهدت ومنذ الفتح الإسلامي تعاقب عدة فترات .
كانت افريقية وهي تونس حاليا في بداية القرن 7 م ترزح تحت النفوذ البيزنطي منذ أن استرجعها جيوش جوستنيان سنة 533 م على حساب الوندال وكانت السلطة البيزنطية منحصرة في كل من البروقنصلية والمزاق بينما كانت المناطق المغربية الأخرى غير موحدة سياسيا تحكمها أحلاف قبلية بربرية متعددة .
بدأت العمليات الاستطلاعية الأولى في عهد الخليفة عثمان بن عفان الذي جمع الناس في المدينة لفتح افريقية واسند قيادة الحملة لعبد الله بن أبي سرح والي مصر آنذاك وتسمى الغزوة غزوة العبادلة انتصر فيه الجيش العربي الإسلامي سنة 27 هـ / 647 م على الجيش البيزنطي بقادة جرجير في موضع يسمى عقوبة . توقفت العمليات العسكرية بافريقية إلى حين ما بعد الفتنة الكبرى .
في خلافة معاوية بن أبي سفيان قام معاوية بن حديج السكوني بحملتين سنة 41 هـ/661 م ثم سنة 45 هـ / 665 م تمكن من خلالها المسلمون من الاستقرار في جبل القرن وأرسلت عدة سرايا باتجاه سوسة وجلولاء قرب القيروان لكن ابن حديج عاد إلى مصر دون ترك حامية بالبلاد .
قبل الخليفة معاوية ابن ابي سفيان أن يعين عقبة بن نافع الفهري على رأس افريقية سنة 50 هـ / 670 م الذي كان مقيما ببرقة بليبيا شارك في عدة حملات ضد البيزنطيين والبربر وقد وصل افريقية عبر الصحراء على رأس جيش كثيف بلغ 10000 مقاتل واتخذ قيروانا أي معسكرا تتجمع فيه كل صفات التمصير وقد دامت عملية بناء القيروان 4 سنوات وفي الأثناء كان يوجه السرايا لتوطيد الحكم الإسلامي ونشر الإسلام بين البربر . لكنه عزل وعوض أبو المهاجر دينار سنة 55 هـ /674 م الذي تمكن من هزم كسيلة زعيم البربر البرانس الذين عارضوا التواجد العربي الإسلامي بافريقية ثم صالحه وحالفه غير أن سياسة أبي المهاجر المرنة تجاه البربر قلصت حجم الغنائم التي تصل مركز الخلافة بدمشق مما جعل الخليفة الأموي يزيد بن معاوية يعزله ويعوضه بعقبة الذي رجع ثانية الى افريقية سنة 62 هـ / 682 م حيث تمكن من هزيمة البربر والروم باتجاه المحيط الأطلسي غربا ومع رجوعه الى القيروان على راس كتيبة صغيرة فوجئ بمنطقة بسكرة من طرف كسيلة وحلفائه الروم فقتل وأصحابه في موضع يسمى تاهودا سنة 64 هـ / 684 م . ومن نتائج ذلك هزيمة المسلمين وخروجهم من القيروان التي استقر بها كسيلة ضمن كيان سياسي تواصل الى 69 هـ / 689 م كما استعاد الروم نفوذهم على مناطق الزاب وافريقية .
في الهد الأموي المرواني مع عبد الملك بن مروان أرسل زهير بن قيس البلوي لمواصلة الصراع ضد البربر والروم فتم له استرجاع القيروان وقتل كسيلة سنة 69 هـ / 688 م الا أن الروم قد أرسلوا أسطولا بحريا سنة 71 هـ / 690 م الى مدينة برقة لسبي المسلمين وقتل البلوي في مواجهتهم .
من جديد أرسل الخليفة عبد الملك بن مروان جيشا يتكوم من 40 ألف مقاتل بقيادة حسان بن النعمان الغساني وأسند إليه ولاية كل المغرب سنة 75 هـ / 694 م تمكن من دخول قرطاجنة سنة 76 هـ / 695 م وطرد الروم منها كما كرس كل جهوده لمواجهة البربر البتر بقيادة الكاهنة دهياء بنت ثابت بن تيفان من قبيلة جراوة تلقب بملكة الأوراس . لكن المسلمين انهزموا في واقعة وادي العذاري بجبال الأوراس مما جعل حسان يتراجع بجيوشه نحو قابس ومنها الى برقة بينما سيطرت الكاهنة على أجزاء هامة من بلاد المغرب كما خربت البلاد متبعة سياسة الأرض المحروقة لمنع المسلمين من الاستقرار لكن حسان بن النعمان نجح سنة 82 هـ / 701 م من القضاء عل مقاومة البربر وقتل الكاهنة ثم عاد من جديد الى القيروان للسيطرة على افريقية نهائيا .
قام حسان بن النعمان بتنظيم البلاد المفتوحة وأدخل البربر في شكل منظم في الجيش مما سهل عملية اندماجهم مع العرب في إطار الإسلام غير أن الخليفة الوليد بن عبد الملك عزله وعوضه بموسى بن نصير الذي اتخذ القيروان عاصمة له واصبحت بلاد المغرب ولاية مستقلة عن مصر باية من سنة 86 هـ / 705 م وكانت القيروان قاعدة الانتشار نحوبقية بلاد المغرب ونحو الاندلس .
الزيريون، بنو زيري، الصنهاجيون : (في شمال إفريقية): سلالة بربرية حكمت في تونس و شمال الجزائر مابين 971-1152 م.مقرها المنصورية بالقيروان منذ 971 م ثم القيروان منذ 1048 م ثم المهدية منذ 1057 م.
كان بنو زيري و كبيرهم "زيري بن مناد" من أتباع الفاطميين منذ 935 م. تولى الأخير سنة 971 م الحكم في قلعة آشير (الجزائر). تمتع ابنه من بعده بلكين بن زيري (971-984 م) باستقلالية أكبر عندما حكم بلاد تونس و الشمال الجزائري (شرق اليلاد ابتداءا من قسنطينة)، تمكن من أن يمد في دولته غربا حتى سبتة.
دخل الزيريون بعدها في صراع مع أبناء عمومتهم. منذ 995 بدأت تتفرع عنهم سلالات أخرى، كفرع الزيريين الذي حكم في غرناطة، ثم الحماديين سنوات 1007-1015 م. قام المعز بن باديس (1016-1062 م) سنة 1045 م بالدعوة للخليفة العباسي في بغداد. كرد فعل، قام الفاطميون و منذ 57/1058 م بتشجيع قبائل بني هلال و بني المعقل و بني سليم العربية على غزو إفريقية. انحصرت رقعة الدولة أثناء عهد تميم (1062-1108 م) في المناطق الساحلية حول تونس.
منذ 1148 م و مع غزوات روجر الثاني (النورمندي، ملك صقلية) فر آخر الملوك الحسن (1121-1148/52 م) عند أقربائه من حكام الجزائر. ثم قام بتسليم المدينة عند مقدم الموحدين سنة 1152 م.
هجرة القبائل الهلالية إلى شمال إفريقية
تأسست دولة الحفصيين على يد أحد الولاة الموحدين بإفريقية هو أبو زكرياء يحي بن أبي حفص عمر الهنتاتي الذي استغل ضعف الحكم الموحدي والصراع القائم على السلطة بمراكش وخاصة اقدام الخليفة المأمون على قتل شيوخ الموحدين المساندين لابن أخيه يحي بن الناصر ومن بينهم أصيلي قبيلة هنتاتة التي ينتسب اليها الحفصيون ، وإسقاط اسم المهدي محمد بن تومرت من الخطبة والسكة سنة 626 هـ / 1236 م . رشح أبو زكرياء نفسه للحكم الموحدي الذي أصبح في نظره شاغرا وغير شرعي بمراكش وادرج إسمه في خطبة الجمعة على منابر افريقية وتلقب بالأمير فكانت الخطوة الحاسمة في استقلال افريقية وتأسيس الدولة الحفصية بها .
انتصبت الدولة الحفصية بالجزء الشرقي من بلاد المغرب متخذين من مدينة تونس عاصمة لهم بعد ان اتخذها الموحدون مركز ولايتهم وتراجع دور القيروان وقد امتدت من بجاية غربا الى حدود برقة شرقا ودامت قرابة 3 قرون ونصف عرفت خلالها فترات من الاستقرار والازدهار وفترات من الاضطراب والتراجع وقد سقطت على أيدي الأتراك العثمانيين سنة 982 هـ / 1574 م .
أقام الحفصيون دولة مستقلة ذات نظام وراثي أما عن ألقابهم فقد اقتصر أبو زكرياء الأول على لقب الأمير ثم اتخذ من بعده ألقابا مختلفة كالسلطان والمولى والملك إلى جانب الألقاب الشرفية كالتي اتخذها بنو العباس مثل المستنصر بالله والواثق بالله والمتوكل على الله . كما ظهرت تسمية أمير المؤمنين منذ أن بويع المستنصر بن ابي زكرياء الأول بالخلافة سنة 657 هـ /1259 م من قبل جل مناطق العالم الإسلامي وضلت هذه التسمية متداولة عند الحفصيين .
تتكون السلطة المركزية مما يلي :
* السلطان : يحتل أعلى هرم السلطة يتمتع بنفوذ مطلق سياسيا ودينيا وعسكريا كما يعتمد في ممارسة الحكم على كبار رجال الدولة من شيوخ الموحدين وعلى كفاءات أخرى من الاندلسيين الذين شرعوا في الهجرة إلى إفريقية أومن أصيلي البلاد أو من العبيد المعتقين وقد أسندوا لهم الوظائف الهامة في الدولة .
* الوزارة والحجابة : استعان سلاطين بني حفص في تسيير دواليب الدولة بوزراء يكونون المخزن أو الحكومة وكانوا في البداية 3 وزراء يتقدمهم الوزير الأكبر الذي يسمى كبير الدولة وينتمي إلى سلك الموحدين كما أسندت له وزارة الجند وكان ينوب الأمير أثناء غيابه عن الحاضرة تونس ثم يأتي في المرتبة الثانية وزير المال أو صاحب الأشغال ثم وزير الفضل أو المشرف على ديوان الإنشاء . بمرور الزمن تطور هذا الجهاز الحكومي فازداد عدد الوزراء وتغير ترتيبهم التفاضلي كما شهدت خطة الوزير الأكبر تراجعا أمام خطة الحجابة التي أصبح مع الحاجب "ابن تافراجين " في منتصف القرن 8 هـ / 14 م من أرقى الخطط وأكثرها نفوذا ثم أخذت في التراجع إلى أن أصبحت في نهاية القرن 15 وبداية القرن 16 في المرتبة السادسة في سلم الوظائف الحفصية .
* الدواوين : ينتظم فيها موظفوا الإدارة السلطانية في مصالح مختصة ومن أهمها ديوان الجند يهتم بالأمور المتعلقة بالجيش من حيث التنظيم والحاجيات والرواتب وقد اسند الحفصيون لفترة طويلة وزارة الجند إلى الوزير الأكبر ثم أصبح المشرف عليها يسمى "المزوار" ويحتل المرتبة الثانية في سلم وظائف الدولة . ثم ديوان الأشغال يشرف عليه وزير يسمى صاحب الأشغال وهو بمثابة وزير المالية يمسك الحسابات ويعنى بالتصرف في المداخيل والمصاريف وقد تداول على هذه الخطة في بداية العهد الحفصي شيوخ الموحدين والأندلسيين قبل أن تتحول إلى خطة إدارية يتولاها أصحاب الاختصاص من أهل البلاد وغيرهم . ثم ديوان الإنشاء يشرف عليه وزير يسمى وزير الفضل ويسمى صاحب العلامة ويعتني بكتابة المراسيم والأوامر السلطانية ويضع عليها الأختام والعلامات وقد أسندت هذه الوظيفة إلى أشخاص ينتسبون عادة إلى أهل الأدب من الأندلسيين وغيرهم ممن يجيدون الترسيل ويؤتمنون على الأسرار حسب ابن خلدون . ثم ديوان البحر وهو عبارة عن إدارة للجمارك تشرف على استخلاص الآداءات الجمركية الموظفة على التجارة البحرية في ميناء تونس وبقية موانئ افريقية وكان يرأسها صاحب الديوان .
* السلطة الجهوية : تتكون من الولاة على الجهات يكونون من الأمراء أبناء السلاطين أو من أفراد الأسرة الحاكمة ومن مشائخ الموحدين وكانت للأمراء الولاة وخاصة في المدن الغربية الكبرى مثل بجاية وقسنطينة إدارة مكونة من الموظفين المختصين في تسيير شؤون الولاية أو جباية الضرائب تحيط بهم حاشية وهي عبارة عن صورة مصغرة للبلاط السلطاني ثم تطور الأمر في القرن 9 هـ / 15 م وأصبح الولاة يعينون من بين العبيد المحررين وكانوا يسمون بالقواد وذلك للحد من ظاهرة الانفصال عن السلطة المركزية . ثم رؤساء القبائل الذين فرض بهم بنو حفص سلطتهم على مناطق البدو الذين كانو يستخلصون الجباية ويوفرون المدد العسكري للسلطان وقد كانوا قد اشترطوا في فترة ضعف الحفصيين على السلطة المخزنية الحصول على امتيازات واقطاعات مقابل مساندتهم للدولة .
* من أبرز دعائم السلطة القضاء والجيش . أما القضاء فكان يكتسي طابعا دينيا سياسيا لذا فقد ولي أهمية كبرى من قبل السلاطين الذين اضطلعوا بمهمة الرئاسة العليا للقضاء وباشروا بأنفسهم رد المظالم وأشرفوا كل أسبوع على مجلس قضاء أعلى للنظر في القضايا الكبرى والشائكة . اما مهمة فصل النزاعات بين الناس فقد اهتم بها قضاة متضلعين في الشريعة الإسلامية كما عينوا القضاة في الولايات وقاضي الجماعة بتونس ويوازي قاضي القضاة بالشرق يكون من مشاهير الفقهاء الموالين للسلطة .
أما الجيش الحفصي فيتألف من جيش نظامي تكونت نواته الأولى من القبائل الموحدية ثم انضمت إليها كتائب من سكان البلاد سواء كانوا جنودا قارين أو فرسانا مجمعين من القبائل الموالية للسلطة مقابل الإقطاعات ويتكون أيضا من المرتزقة ومنهم الناشبة والرماة من الأندلسيين والمشرقيين والزنوج والموالي المعتقين وكذلك المسيحيين الذين كانوا يكونون الحرس الخاص للسلطان ويتعزز هذا الجيش في حالات الحرب ضد النصارى بفرق من المتطوعين . أما الأسلحة المعتمدة فقد اقتصرت على السيوف والرماح والخناجر ولم تستعمل الأسلحة النارية إلا في أواخر القرن 14 م كما لم يول الحفصيون عناية كافية بتحصين المدن وتطوير أسطولهم البحري الذي وان عاضد الجيش البري في عدة مناسبات أثناء التصدي للقوات النصرانية في نطاق ردود الفعل الحفصية على هجمات النصارى فإنه لم يقو على مواجهة الأساطيل الأوربية التي شهدت تطورا نوعيا مطردا مكن هذه الدول من التفوق العسكري البحري على حساب دول الغرب الإسلامي .
انطلقت منذ 1574 تاريخ انطلاق فترة الغلبة التركية حيث حول الموفد العثماني سنان باشا تونس إلى إيالة خاضعة لمركز الإمبراطورية العثمانية وعادت السلطة العليا إلى الباشا الذي يمثل السلطان مع الاستعانة بسامي ضباط الجيش الانكشاري الذين شكلوا مجلس الديوان والقاضي أفندي الحنفي الذي تولى النظر في المسائل القضائية والدينية وقد طبع هذا النظام بسمة عسكرية طاغية نظرا لموقع البلاد المجاور للقوى النصرانية الأوربية ولم يفرض الباب العالي إتاوات مالية منتظمة على غرار الايالات المشرقية وقد كان لإسراف المستفيدين من هذا الأسلوب العثماني المباشر في ممارسة الحكم وتعويلهم على تواطؤ أعوان الإدارة المركزية بالآستانة معهم في عمليات نهب ثروات البلاد دورا حاسما في دخول العناصر السفلى من ضباط الوجق الانكشاري أي الدايات في حركة تمرد سنة 1591 استهدفت تصفية كبار الضباط أو البلكباشية وإرساء حكم عسكري جماعي لم يعمر سوى بضع سنوات انفرد على إثره عثمان داي بالسلطة بعد ان تعهد بلعب حلقة الوصل بين الأتراك ومصالح أصحاب البلاد .
نجح عثمان داي 1594- 1910 الذي استفاد من ثقة الانكشارية واتساع ثروته المتأتية من إسهامه في التجهيز للقرصنة في الانفراد بالحكم وسن القوانين وحصن البلاد ونشط الحياة الاقتصادية بالمدن والأرياف مشجعا وفود المماليك والمهاجرين الموريسكسسن أي مهاجروا الأندلس وقد تواصل هذا الرخاء النسبي مع خلفائه المباشرين طيلة النصف الأول من القرن 17 مع يوسف داي (1610-1637) وأسطا مراد (1637- 1640 ) وأحمد خوجة (1640-1648) ويعزى ذلك الى ارتفاع مردود القرصنة البحرية الذي استفاد من الصعوبات التي واجهتها أروبا خلال حرب الثلاثين من سنة 1618- 1648 كما عاينت هذه المرحلة تباينا في المصالح بين حكام أوجاق الغرب الثلاثة واتصل ذلك بمسألة ضبط الحدود مما ساعد على تشكل المجال الترابي لكل إيالة .
انطلق من حكم وراثي اتصلت تجربته السلالية بملوك من أصول كورسيكية نسبة الى جزيرة كورسيكا ويدعى المؤسس مراد كورسو امتلكه رمضان باي ( 1598 - 1613 ) وهو أول من تولى قيادة المحلة ذلك الجهاز الجبائي والعسكري الموروث عن الحفصيين يجمع ضرائب مفروضة على دواخل البلاد وقد تمكن كورسو من قيادة المحلة خلال عشرينات القرن السابع عشر وقام بتوريثها لابنه الوحيد محمد بن مراد باي المعروف بحمودة مكتفيا بمنصب الباشا الذي جد في طلبه من الباب العالي وتحصل عليه سنة 1631.
سلك المراديون سياسة ملكية أعادت الحياة للتقاليد السياسية الحفصية فقد توارثوا خطة قيادة المحلة واعتمدوا على مداخيل الجباية وانفتحوا على رؤساء التجمعات الداخلية ومتنوا روابطهم المصلحية بهم وتحالفوا مع عدة قبائل ذات تقاليد عريقة في الخدمة المخزنية مثل قبيلة دريد وذلك لاخضاع القبائل الخارجة عن سلطة الدولة وبذلك تراجعت سلطة الدايات لتقوم سلطة البايات المراديين .
شهد النظام المرادي خلال الربع الأخير من القرن 17 أزمة حادة تضافرت على تعميقها عدة عوامل اقتصادية واجتماعية نذكر من بينها تراجع المبادلات وتدني الانتاج وظهور المجاعات والأوبئة من 1676 - 1689 واندلاع الصراعات الداخلية التي أججها تنافس الأخوين محمد وعلي إبني مراد الثاني للإنفراد بالحكم وقد تسببت تلك الأزمة الحادة في أعلى هرم السلطة في تدخل "أوجاق الغرابة " أي الفيالق العسكرية الخاصة بإيالة الجزائر ويتعلق الأمر بإنكشارية الجزائر وقسنطينة أساسا . في ثلاث مناسبات وذلك خلال أقل من عقدين من الزمن في سنوات 1686-1694و 1705 واستفحلت الفوضى نتيجة لسياسة الباي مراد الثالث (1699 - 1702 ) المزاجية والدموية وقد إستغل أغا الصبايحية داخل الوجق إبراهيم الشريف تلك الفرصة لإزاحة جميع أفراد البيت المرادي وإعادة الحكم بعد استئصالهم بيد ممثلي الوجق التركي .
الحسينون: سلالة من البايات حكمت في تونس سنوات 1705-1957 م.مقرها تونس (قصر باردو).كان مؤسس السلالة الحسين بن علي تركي(1705 - 1735 م) الذي ينتسب والده الى مدينة كنديا بجزيرة كريت اليونانية استقر والده سنة 1669 م وانخرط في الخدمة بالجيش الانكشاري متزوجا من امرأتين تنتسبان الى فصيلة بدويتين محليتين هما بني شنوف وشارن فكان ابناه حسين ومحمد كورغليان محسوبان على الأتراك وقد دخل حسين بن علي خدمة البلاط المرادي صغيرا وتقلد عدة مناصب كخزنة دار أغا الصبايحية وقايد الاعراض كاهية للباي ثم قائدا على فرقة الخيالة في الجيش العثماني. بعد اضطراب الأوضاع السياسية في تونس، استولى على الحكم على حساب المراديين بعد مقاومة أتراك الجزائر بعد وقوع الباي ابراهيم الشريف في أسر عسكرهم أخذ يستقل بالأمر حتى أصبحت دولته كيانا قائما بذاته (على حساب الأتراك العثمانيين) . هذا وقد نجح في توطيد حكم السلالة الجديدة باحداث توازن سياسي واداري بين مختلف العناصر الفاعلة في البلاد من كورغليين وأعيان وأتراك الذين أشركهم في الاستفادة من مخزنه في استغلال خيرات البلاد عن طريق اللزم والوكالات والوظائف والمناصب السامية غير أن تطويره لسياسة الاتجار مع البلدان الأروبية خلال عقد المعاهدات مع فرنسا (1710 - 1728 ) وانجلترا سنة 1716 واسبانيا سنة 1720 والنمسا سنة 1725 وهولندا سنة 1728 قد دفعه الى ممارسة سياسة " المشترى" المتمثلة في الحصول عل جانب من المنتوج الزراعي باسعار متدنية وذلك قصد الاستفادة من بيعه الى التجار الأجانب وهو ما آثار غضب سكان البوادي وجعلهم يقفون في صف ابن أخيه علي باشا بمجرد قيامه ضده بعد أن تراجع عن تعيينه وليا للعهد لفائدة ابنه محمد الرشيد .
أدت الحروب العائلية التي عرفتها دولة الحسينيين في تونس من 1728 الى 1756 في عهد (ابن أخ المؤسس) علي باشا (1735-1756 م) إلى غزو البلاد سنة 1756 م، ثم قيام وصاية على تونس من طرف حكام الجزائر (دايات الجزائر).حيث ثار ولي العهد المخلوع وهو باي الأمحال ضد عمه والتجأ الى جبل وسلات مع حلول شهر فيفري سنة 1728 وانقسمت البلاد الى شقين متنازعين الأول حسيني مع الباي حسين بن علي وقسم باشي مع ابن أخيه وترتبط الأحداث بعدة أسباب منها التركيبة المجزئة للمجتمع وتقاليده القبلية المتواصلة وتأثر الجهاز السياسي للدولة بهذا الواقع المحلي تبعا لمحدودية تجذره مع سياسة الباي حسين الاستغلالية التي أخطأت في تقييم غضب سكان المناطق الداخلية ولم يتوصل علي باشا الى إزاحة عمه الا بمساعدة الأتراك دايات الجزائر مقابل دفعه غرامة مالية هامة كما ان انفراده بالسلطة لم بخل من القهر كما اعتمد نفس الأساليب التي أضعفت سلفه لذلم استغل أبناء حسين بن علي محمد الرشيد وعلي باي خروج ابن الباشا علي يونس عن طوع والده سنة 1751 لاستعادة الحكم بدعم من عسكر الجزائر .
خلفت الحرب الأهلية عدة نتائج خاصة منها عودة الانقسام وتعدد تدخل الأجانب من أتراك الجزائر سنوات 1705 -1735 -1746 - 1756 اتسم بفضاعته الشديدة ارتبط به مصير حكام البلاد بمصير محكوميهم واختلافهم عن أجوارهم الجزائريين
استعادت الدولة عافيتها أثناء عهد علي باي بن حسين (1759-1782 م) ثم حمودة باشا بن حسين بن علي (1782 - 1814 م)، سميت هذه الفترة بالفترة الذهبية . اكتمل استقلال تونس سنة 1807 م وأصبحت دولة كاملة السيادة. بدأت في نفس الفترة عملية تعريب البلاد، من خلال إحياء الثقافة، كما تم إدخال نظام تعليمي أشرفت عليه الدولة. بعد أن قامت فرنسا باحتلال الجزائر سنة 1830 م، أصبحت تونس تحت رحمة القوى الأوروبية، كما أصبح اقتصادها مرتبطا بها أكثر. حاول أحمد باي (1837-1855 م) ثم محمد الصادق بن حسين (1859-1882 م) القيام بإصلاحات على الطريقة الأوروبية.
خير الدين باشا نموذجا
مستوحى من التنظيمات العثمانية الخيرية المتمثلة خاصة في مرسومي هاميون وشريف كلخانة . تضمن عهد الآمان الذي أعلنه محمد باشا باي يوم 9 سبتمبر 1957 جملة من الحقوق والمبادئ السياسية والاجتماعية وردت ضمن 11 مادة من أهم ما جاء بها مبدأ المساواة أمام القانون والجباية كما أقر عهد الأمان حرية ممارسة الديانات وحرية التجارة وسمح للأجانب امتلاك العقارات بعد أن حرموا من ذلك في عهد حمودة باشا الحسيني . وجاء عهد الأمان في مجمله كإجراء سياسي يوفر الأمن لسائر السكان ويضع حدا للإستبداد والظلم والتفرقة بين سكان الايالة أو المملكة التونسية ولما تبين لقناصل الدول الأروبية من جهة وللبعض من المصلحين امثال أحمد بن أبي الضياف وخير الدين باشا محدودية عهد الآمان دفعوا محمد الصادق باشا باي الى إصدار الدستور .
أول دستور في التاريخ العربي الإسلامي تولت لجنة من رجال الدولة وبعض العلماء إعداده وأعلن عنه محمد الصادق باي يوم 29 جانفي 1861 وحدد يوم 26 أفريل من نفس السنة كتاريخ ابتداء العمل به . لقي الإعلان استحسان النخبة التي سعت من خلاله الى تجسيد التنظيمات السياسية الأوربية وإصلاح نظام الحكم بتونس كما سعت الدول الاروبية وعلى رأسها فرنسا وانجلترا من وراء حث الباي على هذه الإصلاحات إلى ضمان مصالح جالياتها بتونس وفتح أسواق البلاد لبضائعها ورؤوس أموالها .
احتوى الدستور 114 فصلا حددت حقوق وواجبات العائلة المالكة والوزراء والموظفين والرعية كما أقر مبدأ الفصل بين السلطات الثلاثة ونظم العلاقات بينها . فأعطى السلطة التنفيذية للباي لكن جرده من عدة حقوق كالتصرف في أموال الدولة وأصبح الياي مسؤولا أمام المجلس الأكبر الذي بوسعه خلع الباي إذا خالف القانون . أما السلطة التشريعية فجعلها الدستور مشتركة بين الباي والمجلس الأكبر الذي يتألف من 60 عضوا ثلثيه من أعيان البلاد والثلث الآخر من رجال الدولة وللمجلس الأكبر النظر في ميزانية الدولة وله مراقبة الوزراء ومحاسبتهم . أما السلطة القضائية فقد أصبحت مستقلة عن الباي وأسندت إلى 10 مجالس جنايات وأحكام عرفية بمثابة المحاكم الابتدائية ومجلس التحقيق بتونس العاصمة بمثابة محكمة استئناف واسندت مشمولات محكمة التعقيب الى المجلس الأكبر . انبثق عن الدستور إحداث مجالس كمجلس التجارة ومجلس الحرب ومجالس الضبطية ( الحكم في الجنايات الخفيفة ) .
ابتدءا من سنة 1869 م أصبحت الدول الأوروبية تتدخل مباشرة في تدبير الشؤون المالية الدول (الخزينة) كما تم تعطيل الإصلاحات السابقة. سنة 1881 م وبموجب اتفاقية باردو، أصبحت تونس تحت الحماية الفرنسية. تأرجحت سياسة البايات بين الإملاءات الفرنسية ورغبتهم في دعم المطلب الشعبي والمتمثل في الاستقلال، كان الحزب الدستوري يتزعم القوى الشعبية. قام الفرنسيون سنة 1943 م بخلع الباي منصف باي بن الناصر باي بعد أن أبدى نزعة وطنية. مع قيام الجمهورية سنة 1957 م، قام الحبيب بورقيبة بدوره بخلع آخر البايات الحسينيين الأمين باي بن محمد الحبيب (1943-1957م).

قائمة البايات

البايات
فترة حياتهم
فترة حكمه
1
حسين بن علي
1669-1740
1705-1735
2
علي باشا
1689-1756
1735-1756
3
محمد الرشيد بن حسين
1710-1759
1756-1759
4
علي باي بن حسين
1712-1782
1759-1782
5
حمودة باشا بن علي
1759-1814
1782-1814
6
عثمان بن علي
1763-1814
1814-1814
7
محمد باي بن حمودة
1757-1824
1814-1824
8
حسين باي بن محمد
1784-1835
1824-1835
9
مصطفى باي بن محمد
1786-1837
1835-1837
10
أحمد باي بن مصطفى
1806-1855
1837-1855
11
محمد باي بن حسين
1810-1859
1855-1859
12
محمد الصادق بن حسين
1814-1882
1859-1882
13
علي باي بن حسين
1817-1902
1882-1902
14
محمد الهادي باي بن علي
1855-1906
1902-1906
15
محمد الناصر بن محمد باي
1855-1922
1906-1922
16
محمد الحبيب
1858-1929
1922-1929
17
أحمد باي بن علي باي
1862-1942
1929-1942
18
منصف باي بن الناصر باي
1881-1948
1942-1943
19
الأمين باي بن محمد الحبيب
1881-1962
1943-1957
التاريخ
أشكال العمل الوطني
الظروف الداخلية
الظروف الخارجية
1881
- احتلال البلاد التونسية :
* الباي محمد الصادق يمضي معاهدة باردو (12 ماي 1881)
* ثورة قبائل الوسط والجنوب بقيادة علي بن خليفة (جوان - ديسمبر 1881).
- قبول المدن وأعيانها للنّظام الجديد ومناهضة القبائل له.
- الحيرة تسود البلاد.
- ليون قانبطّة(1838 - 1882) وجول فيري (1832 - 1893)يتزعماء السياسة الاستعماريّة بفرنسا. ومناهضة الرأي العام لتلك السياسة.
1881-1890
- تنظيم "الحماية" بتونس من النّاحية السياسية (الاحراز على تخلي الدول الاروبية الاجنبية عن امتيازاتها بتونس لفائدة فرنسا).
- تنظيم الادارة التونسية الداخلية : دواليب "المراقبة" على الادارة التونسية وانشاء ادارات فنية فرنسية بحتة - تقنية الاطارات المحلية من العناصر المناهضة للاستعمار الفرنسي وتعويضها باطارات موالية.
* تهيئة الاطار القانوني للاستعمار الاقتصادي : القانون العقاري (1885).
- انسجام جانب قليل من الاعيان الاهالي مع الأوضاع السياسية والاقتصادية النّاتجة عن الاستعمار.
- استيلاء الشركات الراسمالية الفرنسية على جانب وافر من الاراضي التونسية (لا سيما بالشمال).
- تدعم جانب الجالية الفرنسية وبداية هيمنتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل البلاد
- تأسيس أول صحيفة اصلاحية بتونس : الحاضرة (1888) وظهور أوّل صحيفةاخبارية الزهرة (1890).
- 1882 - احتلال انجلترا لمصر
- بداية "الثورة الصناعية" الثانية ونمو وتدعم السياسة الامبريالية.
- السياسة الاستعمارية الفرنسية : احتلال الهند الصنية (1885) وفرض معاهدة حماية بمدغشقر (1885).
- بداية حركة النّهضة الاسلاميّة : جمال الدين الافغاني ومحمد عبده (1882-1885).
1890-1914
- انتصار السياسة الاستعمارية بتونس :
* الادارة المباشرة
* الاستعمار التجاري والعقاري
* هيمنة الحزب الاستعماري الفرنسي

- ردود الفعل التونسية :
* حركة الاصلاح الثقافية (تأسيس الخلدونية في 1896- تأسيس جمعية قدماء الصادقية في 1905 - الصحافة التونسية)
* حركة الاصلاح السياسية : "الشباب التونسي" وعلي باش حانبة (1907-1912)
* حوادث الجلاز (7 نوفمبر 1911) وحادثة الترامواي (فيفري - مارس 1912)
- تشتيت حركة "الشباب التونسي" (مارس 1912)
- الجالية الفرنسية وهيمنتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
- ظهور نخب محلية متفتحة على العالم العصري : المثقفون المتتلمذون على الغرب (بوشوشة) وانصار النّهضة (بوحاجب)
- بداية انحطاط المجتمع التقليدي (القبائل أهل الصنائع التقليدية)
- أوج الهيمنة الامبريالية الأوروبيّة في العالم (حوالي 1900).
- بداية حركات مقاومة الهيمنة الأوروبية (حوالي 1905) بالشرق الأقصى.
- حركة "الحزب الوطني" بمصر.
- التّطاحن بين الدّول الامبريالية : فرنسا وانقلترة (حوالي 1898 - 1900) وفرنسا وألمانيا (مسألة المغرب الأقصى : (1905-1911)
- استيلاء ايطاليا على ليبيا (1911) واستيلاء فرنسا على المغرب الأقصى (1912).
الحرب العالمية الأولى (1914-1918)
- تحجير كل نشاط سياسي - ايقاف "الوطنيين" (الجزيري - أحمد توفيق المدني ...)
- حركة المقاومة المسلّحة بالجنوب (1916-1917)
- نمو طبقة الفلاحين الكبار (الطاهر بن عمار) ورجال الأعمال (محمد شنيق) من بين التونسيين.
- العساكر التونسيين بفرنسا.
- أوت 1914 : اندلاع الحرب بين فرنسا وألمانيا - تحالف تركيا مع ألمانيا
* الدعاية الدينية ضدّ الاستعمار الفرنسي والانقليزي.
* ردود الفعل الانقليزية : ثورة العرب في الشرق ضدّ الاتراك .
- نوفمبر 1918 : انتهاء الحرب بانهزام ألمانيا وحلفائها.
- تصريح ويلسون رئيس الولايات المتّحدة حول حق الشّعوب في تقرير مصيرها (1917).
- الثّورة البولشفية في روسيا (1917)
1919-1925
- الحزب الحر الدستوري (أواخر 1919 وبداية 1920) - نشاطه : الوفود لدى السّلط.
- بداية 1921 : تنظيم الحركة واوج قوّتها
- أفريل 1922 : الازمة السياسية وانتصار المقيم (بضغطه على الناصر باي).
- 1923 : مغادرة الثعالبي لتونس
- 1924-1925 : محمد علي والحركة العمالية
* تأسيس "جامعة عموم العملة التونسيين"
* فيفري 1925 : ايقاف محمد علي وتعطيل التجربة النقابية التونسية الاولى.
* أواخر 1925 : "القوانين الخادعة" وإخماد الحركة السياسية.
- تغييرات المجتمع التونسي : القطاعات المتدهورة (الفلاحون الصغار - أصحاب الصناعات التقليدية) والقطاعات النامية (الفلاحون الكبار- رجال الاعمال-النخب المثقفة ثقافة عصرية-العمال ...)

- "تونس الشهيدة" المنسوبة لعبد العزيز الثعالبي (1920)
- بداية النّهضة الثقافية التونسية
- مساندة الشيوعيين لكفاح الشعوب الاسلامية ضد الامبريالية مؤتمر باكو : (1920)
- ثورة كمال اتاترك (1919-1923)
- انتصارات حزب الوفد (1919-1922) والاستقلال الشكلي بمصر
- احتلال الدول الاستعمارية لسوريا والعراق وفلسطين (1919-1920)
- حرب الريف (1921-1926) محمد بن عبد الكريم وتأسيس "الجمهورية الريفية"
منعرج الثلاثينات
- الأزمة الاقتصادية العالمية
- الاستفزازات الاستعمارية
- تجذّر التغييرات الهيكلية للمجتمع التونسي :
* الفئات المتدهورة ("تونس الجائعة")
- انتصار الاستعمار الظاهري (قبيل 1930).
- الازمة الاقتصادية العالمية (1929-1935).
- ردود فعل التونسيين : يقظة الحركة الوطنية :
* "الدستوريين الشبان" : "العمل التونسي" (نوفمبر 1932).
* الحملة ضد التجنيس (1932-1933)
* مؤتمر الحزب الدستوري وميثاق ماي 1933 أوت - نوفمبر 1933 : الانشقاق بين القادة الشبان (بورقيبة - الماطري) واللجنة التنفيذية للحزب الدستوري.
* 2 مارس 1934 : مؤتمر قصر هلال وتأسيس الحزب الدّستوري الجديد.
- سياسة القمع ضد الدستوريين الجدد (سبتمبر 1934- مارس 1936).
* الفئات الناشئة ومنها النخبة المثقفة "تونس العصرية".
- الظرفية الاقتصادية القاسية بالنسبة للمنتجين (فلاحي الساحل - أصحاب الصنائع ...)
- النهضة الثقافية :
* تأليف الحداد : العمال التونسيون (1927) وامرأتنا في الشريعة والمجتمع (1930).
* "جماعة تحت السور" الفنية.
* الجمعيات الرياضية ...
- تأثيرات الأزمة العالمية في البلاد التونسية ابتداء من 1932- تدخل النخب لتوسيع الافاق وتجذير العمل)
- استفحال الفاشيّة والنازية في أوروبا
- حركات مناهضة الاستعمار في العالم.
1936-1938
- الافراج عن القادة الدستوريين المعتقلين والسماح لهم باستئناف عملهم السياسي (مارس - ماي 1936).


- سياسة "اليد الممدودة" : البرنامج الأدنى الذي قدمه الحزب الدستوري الجديد والامال المعلقة على تحقيقه (جوان 1936- جوان 1937).
- رجوع الثعالبي وصراعه مع بورقيبة (صائفة 1937)
- تأزّم العلاقات بين الحزب الدستوري الجديد والسلط الفرنسية (صائفة 1936- جانفي 1937)
- التطاحن (فيفري - أفريل 1938) وانتفاضة 9 أفريل.
- ايقاف رؤساء الحزب الدستوري الجديد واطاراته.
- غلو المعيشة وتذمر قطاعات الاجراء والمستهلكين.
- تنظيم الحركة السياسية وانتشارها داخل البلاد على يد الحزب الدستوري الجديد.
* يقظة التشكيلات السياسية الاخرى.
- تعاظم الحركة العمالية والنقابية وانقسامها الى نزعة نقابية بحتة ونزعة نقابية - قومية).
- انتصار أحزاب اليسار بفرنسا ووصول الجبهة الشعبية الى الحكم (ماي 1936).
- الترضيات الى وطنيي مصر وسوريا
- تعثر الجبهة الشعبية بفرنسا وفشلها (صائفة 1937- افريل 1938)
- سياسة القمع بالمغرب والجزائر (صائفة 1937).
- تعاظم الخطر النازي باوروبا (1935-1939) والمسيرة نحو الحرب.
1939-1942
- حركة المقاومة السرية وسياسة القمع العسكري
- انتصاب المنصف باي على العرش (جوان 1942) وتبنّيه للمطالب الدستورية.
- احتلال قوات المحور (الالمان والايطاليين) للبلاد التونسية (نوفمبر 1942)
- انعكاسات الاوضاع العالمية على البلاد التونسية.
- اندلاع الحرب العالمية الثانية (سيتمبر 1939) وانتصارات المحور
- احتلال القوات الالمانية لفرنسا (جوان 1940).
- دخول الولايات المتحدة ثم الاتحاد السوفياتي الحرب ضد قوات المحور (1942).
نوفمبر 1942- ماي 1943
- تونس في فترة الاحتلال الألماني - الايطالي
* اطلاق سراح المساجين ومنح الاحزاب التونسية حريتها.
* الباي المنصف يتزعم الحركة الوطنية - وزارة شنيق والقرارات المتّخذة لفائدة الاهالي.
* رجوع بورقيبة الى تونس (افريل 1943).
- انتصار الحلفاء على جيوش المحور وافتكاكهم البلاد التونسية (ماي 1943).
* فرض اللطة الفرنسية هيمنتها من جديد على البلاد التونسية.
* عزل المنصف باي ونفيه (ماي 1943)
* اعلان بورقيبة عن مناصرته للحلفاء ودعوة الشعب التونسي للعمل في هذا السبيل (جوان 1943).
- آلام الحرب
- اغتنام ظروف الاحتلال لممارسة الحرية
- شعور معظم الشعب بالتعاطف مع الالمان.
- منعرج الحرب : بداية تقهقر قوات المحور (ستالنقراد في جانفي 1943- انهزاماتها في ليبيا ثم في تونس).
1945-1949
- يقظة الحركة الوطنية ذات النزاعات المتشعبة :
* الحزب الدستوري الجديد وعودته الى نشاطه
* الحزب الشيوعي الناشئ.
* الحركة "المنصفية" المطالبة برجوع المنصف باي الى عرشه.
* تأسيس "الاتحاد العام للعمال التونسيين" (جانفي 1945)
* تكوين الجبهة التونسية المطالبة بالاستقلال الذاتي (فيفري 1945).
- ظروف اقتصادية صعبة
- اختلال التوازن بين عدد السكان وموارد الرزق.
- سرعة تطور المجتمع التونسي تحت تأثير رجة الحرب العالمية والعوامل الخارجية :
* تضخم عدد السكان في المدن وتغيّر عاداتهم.
* توحيد المجتمع في تقدم محسوس.
- انتصار الحلفاء ولا سيما الدولتين العملاقتين (الولايات المتحدة والتحاد السوفياتي) المناهضتين للاستعمار الاوروبي.
- تأسيس جمعية الامم المتحدة المعلنة عن مبدإ حرية تقرير المصير (1945).
- تأسيس الجامعة العربية (1945)
- تحرر المستعمرات الأوروبية :
* احراز سوريا ولبنان على استقلالهما
* مغادرة الحبيب بورقيبة التراب التونسي لمواصلة الكفاح من الخارج (مارس 1945)
* ظهور حركات شعبية مسلحة : "فلاقة" "المرازيق" (1943-1944) و"فلاقة زرمدين" (1945-1948)
* كل التشكيلات التونسية تقوم بحملة مطالبة بالاستقلال (صائفة 1946)
* الاصلاحات الفرنسية ورفض المواطنين لها (1947)
* "الاتحاد العام للعمال التونسيين" تصديه لسياسة القمع (اوت 1947).
* نشاط الحركة "المنصفية" (1946-1948)
* موت المنصف باي (سبتمبر 1948)
* تحمس التونسيين للمسألة الفلسطينية (1947-1948).
- تغلغل الفكرة القومية في أعماق المجتمع التونسي.
* استقلال الهند (1947)
* استقلال اندونيسيا (1949)
* اعلان جمعية الامم المتحدة عن استقلال ليبيا بعد عامين (1949)
* حوادث مقاطعة قسنطينة الدامية (ماي 1945)
- فشل المفاوضات الفرنسية - الفياتنام وبداية الحرب الهند الصينية (1946)
- حرب فلسطين (1947-1948)
- انتصار الشيوعيين بالصين (1949).
1949-1951
- رجوع بورقيبة الى تونس (سبتمبر 1949) واسترجاع الحزب الدستوري مكانته الاولى في حركة مقاومة الاستعمار.
- التجربة الفرنسية - التونسية الثانية - وزارة شنيق/ صالح بن يوسف المتفاوضة من أجل الوصول الى الاستقلال الذاتي أوت 1950- 15 ديسمبر 1951.
* احتداد حرب الهند الصينية
* اندلاع حرب كوريا
* ضعف الحكومة الفرنسية أمام الحزب الاستعماري.
1952-1954
- ايقاف بورقيبة وبداية المقاومة العنيفة (18 جانفي 1952)
- الحكم العسكري بتونس وسياسة القمع بالساحل والوطن القبلي بالخصوص (فيفري 1952)
- اغتيال فرحات حشاد من قبل "اليد الحمراء" 5 ديسمبر1952) ثمّ اغتيال الهادي شاكر (سبتمبر 1953)
- وزارة فوازار (سبتمبر 1953) ووزارة مزالي (مارس 1954)
- المقاومة المسلّحة في الأرياف (بالسّاحل ونفزاوة والأعراض والشّمال) - توسيع ميدان كفاحها (ربيع 1954)
- حلول رئيس الحكومة الفرنسية - منداس فرانس - بقرطاج والإعلان عن الاستقلال الدّاخلي (31 جويلية 1954).
- انتهاء حرب كوريا (1953)
- انقلاب نجيب وعبد النّاصر بمصر (جويلية 1952).
- عزل السّلطان محمد الخامس بالمغرب (أوت 1953).
- انهزام الامبريالية الاستعمارية الفرنسية بالهند الصينية : هزيمة ديان بيان فو (10 ماي 1954)
- تشكيل حكومة منداس فرانس (18 جوان 1954) ودخولها في المفاوضات مع المقومين الفيتماميين ومع قيادة الحركة الوطنيّة التونسيّة.
- اندلاع الثّورة الجزائريّة (غرّة نوفمبر 1954).
1954-1956
- المفاوضات التونسية الفرنسية (صائفة 1954 20 مارس 1956)
* وزارة الطاهر بن عمّار - المنجي سليم
* ايقاف الحركة المسلّحة (نوفمبر 1954)
* رجوع بورقيبة من المنفى (1 جوان 1955)
* رفض صالح بن يوسف الاستقلال الداخلي والانشقاق داخل الحزب.
* مؤتمر صفاقس وتغلّب النزعة البورقيبية (15 نوفمبر 1955)
* المفاوضات والاحراز على الاستقلال التام 20 مارس 1956).
- انتصار الوطنيين بالمغرب - الاعلان عن الاستقلال وانتصار السلطان محمد الخامس (نوفمبر 1955- فيفري 1956).
- انتصار أحزاب اليسار بفرنسا (جانفي 1956).
أ- التسرب الاقتصادي الأوربي : عجز الباي على تسديد ديون الإيالة التونسية نتيجة الإعاقة التامة التي شملت مؤسسات المملكة وهو ما أدى الى تكوين لجنة مالية دولية تسمى الكومسيون المالي في 5 جويلية 1869 للتحكم في الخزينة التونسية وتوزيع مواردها على الدانين . مع مرور الزمن تبين للأجانب بأن المراقبة الجماعية غير مجدية في وقت أصبح فيه التنافس قائما حول الاستثمار والأعمال المباشرة . وقد اختلفت استفادة الأطراف المتنافسة حسب الظرفية حيث تجلت الاستفادة الانجليزية بتركيز عدة مؤسسات اقتصادية لكن الأوضاع انقلبت لفائدة فرنسا منذ أن عين تيودور روسطان قنصلا لها بتونس سنة 1874 ليتحصل على عدة امتيازات للفرنسيين مثل الخط الحديدي بجهة مجردة لفائدة شركة الباتينيول ومن أهم العقبات هنشير النفيضة الذي اشترته الشركة المرسيلية للقرض في إطار تصفية ممتلكات خير الدين باشا الا أن اصطدمت بالشفعة التي قام بها الوزير الأكبر مصطفى بن إسماعيل لفائدة رجل الأعمال الإنجليزي ليفي فتعذر الإستغلال وطالبت الشركة الفرنسية تدخل حكومتها بصفة مباشرة . لكن مصير البلاد تحدد خاصة بعد مؤتمر برلين الاستعماري في جوان وجويلية 1878 الذي مكن فرنسا من الضوء الأخضر لاحتلال تونس.
ب - القرار السياسي والحملة العسكرية: بعد مؤتمر برلين أصبح احتلال فرنسا لتونس مسألة وقت خاصة بعد الحصول على موافقة ألمانيا وانجلترا وما يدل على ذلك هو الرسالة التي وجهها سان فاليي سفير فرنسا بألمانيا الى وود ينغتون وزير الخارجية الفرنسي من برلين بتاريخ 5 جانفي 1879 وتمثلت في مايلي : " تناول بيسمارك عفويا منذ بداية حديثنا"حسنا ... إني أعتقد أن الإجاصة التونسية قد نضجت وآن لكم وقت قطافها ، (إن ) قلة أدب الباي كانت بمثابة شمس أوت لهذه الثمرة الإفريقية التي يمكنها الآن أن تتعفن أو تسرق من طرف آخر إذا تركتموها كثيرا على الشجرة ... رغبتي هي تمكينكم من ضمانات في الإرادة الطيبة حول المسائل التي تمسكم والتي لا تتناقض فيها مصالح ألمانيا مع مصالحكم ..."
لذلك وجب الإسراع بالقرار السياسي الذي يقتضي توفير الأغلبية البرلمانية . كما أن موقف ليون قامبطا رئيس مجلس النواب الفرنسي قد تغير باتجاه ترجيح الخيار الاستعماري خاصة وأن رجال الأعمال الفرنسيين بتونس أثروا جيدا على الأوساط البرلمانية والحكومية الفرنسية للتعجيل بالعملية . لم يبق لحكومة جول فيري الا البحث عن الذريعة لتبرير التدخل أمام الرأي العام الفرنسي والأوربي لذلك وضعت الخطة القاضية باكتساح الشمال التونسي انطلاقا من الجزائر ثم فرض معاهدة الحماية على الباي . بحجة تأمين الحدود الجزائرية استغلت فرنسا المناوشات الحدودية البسيطة بين الجنود الفرنسيين وبعض التونسيين من قبائل خمير علما وأن الفترة المتراوحة بين 1870 و 1880 حصل فيها 2365 حادثا مماثلا وقع حلها سلميا لكي تنطلق الحملة العسكرية تحت غطاء حماية الحدود الجزائرية .
حاول الباي عبثا رفض طلب فرنسا تتبع القبائل المغيرة في الأراضي التونسية ولم يمنع ذلك القوات الفرنسية من اقتحام التراب التونسي برا واحتلال المناطق الشمالية والتقدم نحو العاصمة كما أن الباي بعد أن وجه جيشا للتصدي للغزاة تراجع في قراره بسرعة آمرا قائده بالعودة الى تونس وتسريح الجنود . ولدعم ماكانت تقوم به القوات الفرنسية برا نزلت ببنزرت في 3 ماي 1881 القوات البحرية بقيادة الجنرال بريار الذي توجه الى الحاضرة تونس لفرض معاهدة الحماية على محمد الصادق باي وقد كان وصوله الى باردو في 12 ماي 1881 ولم يكن للباي سوى الاختيار بين امضاء المعاهدة والمحافظة على عرشه أو التخلي عن العرش لفائدة أخيه الذي أحضره قنصل فرنسا بتونس بين 1878 و 1881 تيودور روسطان لتقديمه عند الضرورة . اختار محمد الصادق باي امضاء المعاهدة والحفاظ على عرشه تلك المعاهدة التي سميت بمعاهدة قصر السعيد بمقتضاها توجهت القوات الفرنسية الى داخل البلاد فأخضعته واستكملت هيمنتها على الإيالة بمعاهدة ثانية هي معاهدة المرسى بين بيار بول كامبون الوزير الفرنسي المقيم بتونس وعلي باي (1882-1902) في 8 جوان 1883 حيث ركزت فرنسا الإطار القانوني لمباشرة الشؤون الداخلية للبلاد وتمّ الإخضاع تحت الإدارة الفرنسية تدريجيا بعد استكمال السيطرة العسكرية على كامل البلاد. واعتمدت الإدارة الفرنسية على الاتفاقية الأخيرة التي وضعت الإطار القانوني الذي لم يتوفر ضمن معاهدة باردو والذي تحتاجه فرنسا كي تدير الشؤوون الداخلية للبلاد التونسية كما تشاء. فاستعملت عبارة "الحماية" في الاتفاقية بوضوح تعريفا للمؤسسة المحدثة. وهدفت الاتفاقية إلى إعلان السلطة المطلقة لفرنسا في البلاد التونسية. ومن جهة أخرى واصلت الضمانات في الموارد المالية التي تريدها فرنسا لتسديد الديون وخاصة "مصاريف الحماية" بما يثقل تكاليف استعمار البلاد على جباية أهلها. .
وبالتالي فقد اندرج الاستحواذ الاستعماري على إيالة تونس ضمن ظاهرة عامة ميّزت تاريخ العالم خلال القرن التاسع عشر وهي التوسع الأوروبي لاقتسام العالم والهيمنة عليه. وقد انجرّ عن الأطماع والضغوطات الخارجية، إثر التسرّب التجاري والمالي الأوروبي، تدهور أوضاع البلاد إلى درجة الأزمة السياسية وتعرّض جلّ محاولات التقدّم والإصلاح إلى الصعوبات والتعطيل. واستعدّت فرنسا لإلحاق الإيالة بتحويل السيطرة المالية إلى هيمنة كاملة بعد الاحتلال العسكري.
انطلقت مقاومة الأهالي للتدخل العسكري الفرنسي منذ اقتحام القوات المسلحة الفرنسية القادمة من الجزائر الحدود التونسية في 24 أفريل1881. وتواصلت هذه المقاومة بعد معاهدة باردو في جميع جهات البلاد واستشهد الكثير من التونسيين، إلاّ أن ميزان القوى العسكرية كان غير متكافئ بدرجة مطلقة بين قوة عظمى معتدية ومقاومة منفردة قليلة العدد والعدة نسبيا حتى وإن عظمت إقداما واستبسالا.
تندرج المقاومة في اطار الواقع الاستعماري الذي بلغت فيه فرنسا أوج قوتها حيث امتلكت أحدث التكنولوجيات الحرية أنذاك من دافع وبوارج وغيرها بالمقابل عاشت البلاد التونسية وهنا كبيرا على كافة الاصعدة كما أن الباي الذي لم يستفد من نجدة الباب العالي العثماني بتركيا لم يبد أي مقاومة بتأثير من الوزيرمصطفى اسماعيل الذي عله يأمر بتسريح الجنود من الجبهة وكنتيجة لهذا الوضع التردي كان دور الفئات الشعبية من المدن والارياف بارزا في المقاومة ودور الجنود الذين وقع تسريحهم فقاموا بالانضمام الى المقاومين وأطروهم وكان من الطبيعي أن تناهض تلك المقاومة السياسة الجبائية المجحفة التي فرضها البيليك على الاهالي عقب انتفاضة علي بنغذاهم سنة 1864 . رغم اعتماد المقاومة على الفئات الاجتماعية الفقيرة الا أن ذلك لم يمنع بعض الاعيان من شيوخ وعمال (عمالات الإيالة ) كما ان مقاومة المدن الكبرى كانت بسيطة بقابس وصفاقس .
بالشمال الغربي برزت المقاومة منذ التدخل العسكري الفرنسي الاول وقد استهدفت الغزو الفرنسي خاصة بعد موقف الباي المتخاذل فكانت الاشتباكات المتتالية وأهمها معركة بن بشير في 30 أفريل 1881 والتي اسفرت عن استشهاد 150 تونسيا وجرح مايماثلهم عددا . بعد هدنة نسبية عادت المقاومة من جديد ليقوم علي بن عمار عامل قبيلة أولاد عيار بمهاجمة محطة السكة الحديدية بواد الزرقاء وقتل من كان موجودا فيها من عمال وفنيين فرنسيين وعدد هم 9 قتلى ورغم اصابته بجرح بليغ في معركة عين تونقة فانه واصل المقاومة الى حدود آخر نوفمبر تاريخ انطلاقه بالمقاومين في الجنوب .
في بقية أنحاء البلاد واكبت المقاومة أيضا أولى أيام الغزو الفرنسي حيث قام أولاد سعيد بمهاجمة عمال وإداريي شركة مرسيليا بهنشير النفيضة الذين فروا الى العاصمة وبحكم انتشار تجارة البارود في وسط البلاد وجنوبها بواسطة المهربين الايطاليين والمالطيين نمت حركة المقاومة خاصة بعد اجتماع القيروان في جوان 1881 كما كان لعلي بن خليفة النفاتي عامل نفات دور هام في المقاومة لما عرف به من حماس وحسن قيادة خاصة لمعركة صفاقس التي سيطر عليها المستعمر في 16 جويلية 1881 وقد عارض رضوخ الباي للمعاهدة وتسريحه للجنود المقاومين كما لم يبارك مثل بعض القياد للباي إمضاءه تلك المعاهدة . وبعد سقوط مدينة سوسة في بداية سبتمبر تواصلت المعارك الى أن سقطت القيروان يوم 26 أكتوبر دون قتال حيث أجبرت الظروف المقاتلين على التقهقر نحو الجنوب للاستعداد للقتال من جديد لكن اجتماع الحامة قرب قابس قرر الهجرة الى ايالة طرابلس حيث تم الاستقرار بالمناطق الغربية الليبية ومنها أغار المقاومون على المصالح الفرنسية والمتعاونين مع فرنسا . مع مرور الزمن ونتيجة للضغوط الاقتصادية ساءت أحوال المهاجرين كثيرا وتبين لهم عدم الجدوى من الهجرة وقد بدأت جموعهم في العودة منذ أواخر 1882 خاصة بعد وفاة على بن خليفة النفاتي يوم 16 نوفمبر 1884 كما كان للأمر الصادر عن سلطات الحماية في 29 ديسمبر 1884 والقاضي بحجز ممتلكات غير العائدين للوطن في ظرف 3 أشهر انعكاسه على تنشيط حركة العودة ولو أن بعض المهاجرين قد خيروا الاستقرار بايالة طرابلس .
وبعد السيطرة العسكرية الفرنسية على إيالة تونس وتركيز هياكل الحكم الاستعماري في مؤسسة الحماية تصاعد الاستغلال الاقتصادي والمالي للبلاد التونسية، فظهرت نتائج الاستعمار في مطلع القرن العشرين. وتنظّمت مقاومة الاستعمار ثقافيا وسياسيا وتعدّدت أشكالها في مختلف الميادين. أما المقاومة المسلحة فقد تواصلت حلقاتها متفرقة في الزمان والمكان إلى أن تكثفت من جديد في منتصف القرن العشرين بغية الحصول على الاستقلال.
* معاهدة باردو والهيمنة المحدودة : نصت معاهدة باردو أو قصر السعيد على تجريد دولة الباي من سيادتها الخارجية التي أصبحت من صلاحيات فرنسا كما أبقت على سلطة البايات الداخلية على أن يمارسها تحت مراقبة الوزير المقيم المباشرة مع انتشار القوات العسكرية في الجهات لضمان الأمن بصفة وقتية مبدئيا وقد اختارت فرنسا هذا النظام عوض الحاق الإيالة بالتراب الفرنسي مثلما فعلت بالجزائر وكان ذلك تحت تأثير كل من قنصلها بتونس تيودور روسطان حتى سنة 1882 وبول كامبون وزيرها المقيم منذ 1882 ولعدة اسباب خاصة تفادي تأزم الأوضاع مع منافستها انجلترا وإيطاليا والحفاظ على خزينة الدولة اتعاضا بالتجربة الجزائرية المكلفة لكن معاهدة باردو التي ارتبطت بظرف سياسي مؤقت سرعان ما وقع تجاوزها بإبرام اتفاقية المرسى .
* اتفاقية المرسى وتطور الحماية إلى حكم مباشر : كان للمقيم العام بول كامبون ( شغل الخطة من فيفري 1882 الى نوفمبر 1886 ) دور أساسي في تحول نظام الحماية من هيمنة محدودة الى هيمنة سياسية وإدارية كاملة وذلك بفرض :
- معاهدتين سريتين على كل من محمد الصادق باي في 8 جويلية 1882 وعلى خلفه علي باي في 30 أكتوبر 1882 قصد تدعيم مركز فرنسا بالايالة وتمكين الوزير المقيم العام من بسط نفوذه على حكومة الباي .
- اتفاقية المرسى في 8 جوان 1883 التي تخول لفرنسا امكانية اجراء اصلاحات ادارية وقضائية ومالية تراها لازمة وبذلك تسلب الباي سلطاته الداخلية بعد أن سلبته سلطاته الخارجية في معاهدة باردو . مع فض مسألة الديون التونسية بضمان قرض يعقده الباي للغرض حتى يمكنها إلغاء اللجنة المالية الدولية والاستئثار بالايالة سنة 1884 وبمقتضى اتفافية المرسى تحول نظام الحماية الى حكم مباشر من خلال الهياكل الإدارية التي أرستها السلط الاستعمارية .
ب- هياكل نظام الحماية الإدارية : أقام المقيم العام بول كلمبون نظاما يخول له حكم البلاد باسم الباي من أعلى مستوى الى أدناه حسب تعبيره وذلك بتركيز ادارة فرنسية موازية للادارة التونسية لكنها تمارس السلطة الفعلية .
* الإدارة المركزية : ازدواجية تخفي الهيمنة الفرنسية :
- جهاز تنفيذي يهيمن عليه المقيم العام والكاتب العام فقد بموجبه الباي نفوذه واقتصر دوره على ختم الأوامر وأصبح المقيم العام الحاكم الفعلي وكذلك مصير الوزير الأكبر الذي أصبح مركزه شرفيا وانتقلت مهامه الى الكاتب العام للحكومة وهو فرنسي .
- بعث ادارات مركزية حلت محل الوزارات السابقة يديرها موظفون فرنسيون وتشمل الاشغال العامة والمالية والتعليم العمومي والفلاحة . أما وزير القلم التونسي فهو الوحيد الذي يشرف على الموظفين التونسيين تحت مراقبة الكاتب العام .
- الجمعية الشورية : وهي جهاز مثل في البداية المعمرين الفرنسيين منذ 1896 ثم أضيف له قسم تونسي من 16 عضوا يعينهم المقيم العام . دور هذا الجهاز استشاري ويخدم مصالح الفرنسيين فحسب.
- النظام القضائي : تميز بالازدواجية كبقية الهياكل حيث أحدثت محاكم فرنسية وأخرى مختلطة الى جانب القضاء التونسي الذي كان تحت نفوذ الكاتب العام ولم تعمل سلطات الحماية على تطويره وتمويله رغم سوء تنظيمه وقلة امكانياته .
- حرصت سلطات الحماية على تطويع الهياكل العقارية التونسية للاستعمار الزراعي باحداث محكمة عقارية مختلطة لتسجيل العقارات في جويلية 1885.
* على المستوى الجهوي والمحلي : أبقت الحماية على الادارة التونسية المتكونة من القياد والخلفاوات والمشايخ الذين واصلوا عملهم على الطريقة القديمة التي اعتادوا عليها سابقا . كما عينت مراقبين مدنيين فرنسيين مهمتهم مراقبة الموظفين الجهويين والمحليين وامداد المقيم العام بالمعلومات السياسية والأمنية التي تخص المناطق الراجعة اليهم بالنظر ، بينما ضلت مناطق الجنوب خاضعة للادارة العسكرية .
ج سياسة نظام الحماية الاقتصادية والتعليمية : هدفها استغلال موارد البلاد الزراعية والمنجمية وخدمة مصالح الجاليات الأروبية في ميدان التعليم على حساب التونسيين .
*الاستغلال الاقتصادي :
* الاستعمار الزراعي : من أهم قواعد سياسة الاستغلال الاقتصادي وتوطين المعمرين الاروبيين . قامت فرنسا بالاستحواذ على الأراضي الفلاحية وافتكاكها من التونسيين وذلك بسن القانون العقاري لسنة 1885 والقاضي بتسجيل العقارات لتوفير الأمن للملاكين الفرنسيين . أيضا سن قانون الإنزال لتمكين الفرنسيين باقتناء أراضي الأحباس بواسطة عقد تسويغ مقابل دفع كراء مؤبد . ثم توسيع مساحة الملك العمومي لفائدة المستعمر الفرنسي وذلك بضم أراضي العروش والقبائل . كما سلكت سلك الحماية سياسة وفرت للشركات الرأسمالية والمستوطنين الأوروبيين مساحات هامة من أخصب أراضي الإيالة . اضطرت الغالبية من الفلاحين التونسيين الى أن تصبح قوة عمل أجيرة في أرضها والبعض نزح الى المدن أو المناطق المنجمية . وقد تطورت مساحة الأراضي التي شملها الاستعمار الزراعي من 114000 هكتار قبل الاستعمار أي 1881 الى 560000 هكتار سنة 1914
* استغلال الموارد المنجمية : وجدت الشركات الرأسمالية الفرنسية خير مجال للاستثمار في استخراج الفسفاط (أنظر تاريخ الفسفاط بالبلاد التونسية ) والحديد والرصاص والزنك ومن ورائها بنوك روتشيلد وميرابو وغيرها ، ومن أحل الإيفاء بحاجياتها أنجزت سلطات الحماية عدة تجهيزات أساسية تخدم مصالحها طبعا من سكك حديدية بلغ طولها سنة 1918 1800 كلم وموانئ عصرية وطرقات بلغ طولها 8000 كلم بتمويلات تحملتها ميزانية الإيالة التونسية .
* سياسة تعليمية في خدمة الجالية الأوربية والمصالح الاستعمارية :
قامت هذه السياسة على :
- اهمال المؤسسات التعليمية التقليدية بالابقاء على الكتاتيب على حالتها القديمة .
- معارضة اصلاح التعليم الزيتوني وعدم دعمه باعتمادات اضافية .
- إعطاء الأولوية المطلقة للجاليات الأروبية في التعليم بشتى مستوياته مما تسبب في تراجع عدد التونسيين المتعلمين من 4656 تلميذا سنة 1879 الى 3289 سنة 1906 علما أن المدارس المزدوجة الفرنسية العربية كانت تهدف الى توفير الاطارات الضرورية لنظام الحماية .
- الحد من المعاهد الثانوية ومن عدد التونسيين فيها مثل معهد كارنو الذي كان حكرا على الاروبيين ولايضم الا 40 تونسيا من جملة 900 تلميذا. ثم المدرسة الصادقية التي تراجع مستواها وتناقص عدد تلاميذها من 150 الى 60 تلميذا . ثم الحد من التعليم المهني والعالي رغم بعث المدرسة المهنية إميل لوبي التي تعد 8 تونسيين من جملة 165 سنة 1906 .
- استهداف الذاتية التونسية بتلقين التلاميذ أسس الحضارة الفرنسية المتعالية
3- نشأة الحركة الوطنية التونسية :
تاكدت حاجة التونسيين الى صحيفة تهتم بمشاغلهم كما هو الحال بالنسبة الى الصحف الاستعمارية أو صحف الجاليات الأروبية ، فظهرت بين 1888 و 1897 ثلاث صحف تونسية هي الحاضرة نسبة الى العاصمة تونس والزهرة وسبيل الرشاد .
صدر العدد الأول من جريدة الحاضرة بتاريخ 2 أوت 1888 . يعتبر على بوشوشة (1859 - 1917) وهو من أبرز مؤسسي جماعة الحاضرة والبشير صفر رائد حركة النضال الثقافي التونسي (1863 - 1917 ) المساهمين في بروز جريدة الحاضرة التي اتخذت من يوم الثلاثاء موعدا اسبوعيا لصدورها وظهرت لقرائها في ما لايقل عن 1111 مناسبة حتى موعد إيقاف صدورها في نوفمبر 1911 . لم يكتف جماعة الحاضرة بالنضال الصحفي بل ساهموا أيضا في تنشيط الجمعيات الموجودة وبعث جمعيات جديدة .
* جمعية الخلدونية : بحثا عن إذكاء تجربة المصلح الوزير خير الدين باشا (1873-1877) المتمثلة في تطوير مناهج التعليم الزيتوني بتدريس العلوم الحديثة استقر الرأي على إنشاء جمعية وطنية ثقافية تونسية تهدف إلى التعريف بالحضارة العربية الإسلامية وبث العلوم الحديثة وتم الاتفاق على تسميتها بالخلدونية نسبة الى العلامة عبد الرحمان بن خلدون وقد حضي المشروع بدعم المقيم العام لويس ريني ميي 1895 - 1900 Louis Réné Millet الذي كان معجبا بالحضارة العربية الإسلامية كما حضي برعاية الباي وكبار أعوانه لذلك وافقت الحكومة على تأسيس هذه الجمعية أواخر ديسمبر 1896 وتم افتتاحها في 15 ماي 1897 وقد أقبل على الدروس الليلية للخلدونية طلبة جامع الزيتونة المتعطشين للعلوم العقلية كالفلسفة والجغرافيا والتاريخ والطب والرياضيات .. وأدرك التونسيون من خلال إقدامهم على إنجاز هذه التجربة فضل الإسهام في هذا المجال لذلك أنشئوا جمعيات أخرى من أبرزها جمعية قدماء الصادقية في ديسمبر 1905 وقد ساهمت الأنشطة الجمعياتية في نمو الوعي الوطني من خلال التعرف على مبادئ الحرية وأفكار التنوير والوقوف على سلبيات نظام الحماية التي تم التنديد بها في عدة مناسبات من أبرزها خطاب البشير صفر بمناسبة افتتاح دار المعوزين أو التكية في 24 مارس 1906 والمشاركة في المؤتمر المنعقد بمرسيليا حول الاستعمار بين 5 و 9 سبتمبر 1906 مما أشر لبناء حركة جديدة وهي حركة الشباب التونسي
ظهرت هذه الحركة الإصلاحية في بداية القرن العشرين وبعد أن قضى الجيش الإستعماري على المقاومة المسلحة. وتمثلت في الفترة الأولى من مناهضتها للوجود الفرنسي في عمل نخبوي سرعان ما تحول من حركة مطالبة ذات صبغة ثقافية واجتماعية إلى عمل ذي بعد سياسي. واعتبرت سنة 1907 تاريخ انبعاث حركة الشباب التونسي وقد ساعد على تأسيسها عمل توعوي بعد سنوات قليلة من انتصاب الحماية بقيادة جريدة "الحاضرة" التي تأسست سنة 1888 وساهمت في ظهور جمعية الخلدونية (1896) وجمعية قدماء الصادقية (1905).
ورغم أن القانون الأساسي لكل من الجمعيتين "الخلدونية" و"قدماء الصادقية" كان ينص على عدم الخوض في المسائل الدينية والسياسية فقد كانت المحاضرات والمناقشات التي تليها تتناول العديد من المسائل السياسية مما ساهم في فتح الأذهان على عهد التنوير والمطالبة بوضع حد للسياسة الإستعمارية التي حولت معاهدة باردو من نظام حماية إلى استعمار مباشر كثرت فيه المظالم والتجاوزات على حساب المواطنين. بهذا النشاط تحولت الحركة الثقافية ضمن هذين الجمعيتين إلى حركة مطلبية معتدلةتمثل جريدة "Le Tunisien " (التونسي) والدفع الجديد لحركة "الشباب التونسي" .
كان لحركة الشباب التونسي برنامجها ووسائل عملها ومن بينها جريدة "" Le Tunisien (التونسي) الناطقة باللغة الفرنسية. وكان العدد الأول منها الصادر في 7 فيفري 1907 بقلم مديرها علي باش حانبة. وقد احتوى هذا البرنامج كل طلبات حركة الشباب التونسي بما فيها الطلبات والمسائل المطروحة منذ الخطاب الذي ألقاه البشير صفر، رئيس الأوقاف آنذاك، في 24 مارس 1906، بمناسبة تدشين مأوى العجز (دار التكية) بحضور المقيم العام. وتتلخض تلك الطلبات في جعل التعليم إجباريا ومجانيا وضمان تغطية اجتماعية واسعة وإرساء نظام قضائي عصري وعادل وحياة سياسية تضمن لكافة التونسيين ممارسة حقوقهم بواسطة تمثيل شعبي منتخب وهياكل دستورية. ورغم الفشل في التوصل إلى تحسين حالة التونسيين في نطاق علاقة مشاركة بين "الحامي" و"المحمي" لم يتوقف الشبان التونسيون عن نشاطهم بل دخلوا في مرحلة جديدة شهدت تصعيدا للحركة المطلبية. وحاولوا قصارى جهدهم توعية التونسيين وخاصة شباب العاصمة بشتى وسائل الدعاية : عن طريق الصحافة وعن طريق الاجتماعات بالمقاهي والمنتديات والنوادي الصيفية في ضواحي العاصمة في فصل الصيف والاقتراب تدريجيا من الجماهير.
مقال أصدرته الحركة بجريدة التونسي في العدد 32 بتاريخ 27 جوان 1910 : التونسيون والضرائب
تحدث المناضل عبد الجليل الزواش عن أزمة الضرائب في زمن الاستعمار :
" لا ينكر أحد أنه حدث تأثير كبير بين الوطنيين منذ عهد الاقتراع على إصلاح الضرائب وخصوصا حين تم البدء في تحصيل الصنتيمات الإضافية وقد عم هذا التأثير سائر طبقات المزارعين الذي صادف توحيد الأعشار وتقرير الضريبة على العقارات البلدية . وقد اتفق أن محصول الحبوب والزيتون في أواسط العمالة والجنوب في هذا العام كان قليلا جدا ولذلك فإن سكانها يوجدون في حالة قلق شديدة وصار المزارعون الذين شق عليهم الآن دفع الضرائب الموظفة عليهم يتساءلون كيف يمكنهم أن يؤدوا هذه الضرائب الإضافية .
أما أصحاب العقارات سواء الذين يسكنون العاصمة أو الذين انضموا إليهم من أعيان مزارعي جربة وصفاقس والمهدية فإنهم قد عهدوا بالدفاع عن مصالحهم إلى لجنة شكلوها من 5 أعضاء كلفوهم بمفاتحة الحكومة في هذا الموضوع بعد أن درسوا آراء كثير من المزارعين وبالأخص صغارهم حرروا عريضة ودفعوها إلى المقيم العام . وفي السبت الماضي دعا المقيم العام أعضاء الجمعية الشورية المقيمين بالعاصمة كي يتذاكر معهم في المسائل المختلفة المتعلقة بالضرائب ولما حضروا تلى عليهم المكلف بالإجابة على ملاحظات اللجنة السابقة وقد نشرناه في غير هذا المكان ثم بعد أن عرج لهم على تاريخ المجبى قال إن كافة مقرري ميزانية حكومة الحماية قد كانوا يرون لزوم إصلاحها وقد طلب ذلك جورج كوشري مرتين وكذلك النواب الوطنيون بالجمعية الشورية أثناء انعقادها خلال جلسات 1908 .
ثم قال إن حكومة الجمهورية كانت تود التخفيف من أثقال ما يتحمله السكان غير أنه لا سبيل إلى القيام بهذا الإصلاح مع بقاء العجز في الميزانية لأن للايالة مشروعات عديدة يستلزم القيام بإتمامها وهي قد شرعت في أشغال كثيرة لا يمكنها تركها قبل أن تنجزها ونحن لكي نحصل على 2500000 فرنك التي نقصت من مداخيل المجبى فاننا استعملنا أولا لسد هذا العجز 1000000 فرنك المتحصل من شركة فسفاط قفصة وكذا من الزيادة في المعاليم المختلفة التي تجبى من المواطنين والأوروبيين معا وهي تقدر بـ 1400000 فرنك فرأت الحكومة أنها بإمكانها أن تستوردها من المالكين وهذا هو السبب في توظيف الصنتيمات الإضافية وتوحيد الأعشار وقد صممت الإدارة على أن لا تأخذ من هذه الموارد الجديدة إلا المقدار الموازي لمبلغ العجز الناشئ عن تخفيض مقدار المجبى وإذا وجدت فواضل فإنها سوف تستعمل في تخفيض مبلغ الصنتيمات الزائدة.
والوزير يعتقد اعتقادا جازما بان هذه الصنتيمات الإضافية هي ثقيلة جدا لاسيما المضافة إلى الأعشار والقانون إلى أن قال ويمكننا من العام المقبل التنقيص نسبيا في مبلغ الصنتيمات الإضافية الموظفة على الأعشار والقانون وذلك بالنظر إلى الزيادة المقدرة بنحو 200000 فرنك المحصلة من الصنتيمات الإضافية المقررة على ضريبة عائدات الأملاك . و بالإمكان أننا سنحصل على زيادة من نفس توحيد الأعشار لكننا لا يمكننا أن نعتمد عليها في هذا العام بالنظر إلى قلة محصول الصابة في أغلب الجهات .
-مرحلة التصعيد والمجابهة : شهدت الساحة التونسية في هذه المرحلة تحولا في التفكير وفي طرق العمل وتصعيدا في مجابهة الاستعمار. وقد مكنت القضايا المطروحة في هذه المرحلة الحركة الوطنية التونسية من تحقيق ما اعتَزمته. - وقع الغزو الإيطالي لولاية طرابلس على البلاد التونسية . اهتز التونسيون وفي مقدمتهم حركة الشباب التونسي بقرار إيطاليا ضم طرابلس في 5 نوفمبر 1911 واعتبروه تعديا على إحدى ولايات السلطان العثماني. كما نددوا بحكومة الحماية بعدم التزامها بموقف الحياد، كما نظموا حملات لتقديم الدعم المادي والبشري للسلطان العثماني. وكان في سقوط الشريط الساحلي من ولاية طرابلس بين أيدي الإيطاليين وقعه الشديد وساهم في تفجير أحداث الزلاج سنة 1911.
- أحداث الزلاج : انفجرت أحداث الزلاج إثر طلب تقدمت به بلدية العاصمة لدى إدارة الملكية العقارية لتسجيل مقبرة الزلاج باسمها، لحمايتها من محاولات الاغتصاب التي يقوم بها جيران إيطاليون من مستغلي مقاطع الحجارة. وكان على جمعية الأوقاف القيام بهذه المبادرة بنفسها لأن أرض المقبرة حبس لكن الباي كلف البلدية منذ 1884 بالقيام بصيانة المقبرة وحراستها. لذلك فإن طلب التسجيل كما جاء قد أحدث ضجة لدى سكان العاصمة لأنه لم يصدر عن جمعية الأوقاف ولا عن شيخ المدينة وهو تونسي ومسلم، بل صدر عن نائب رئيس البلدية وعن مديرالأشغال فيها، وهما فرنسيان. . وتجمع الأهالي أمام باب المقبرة صبيحة يوم 7 نوفمبر 1911 للحيلولة دون وضع علامات التسجيل. وكانت المجابهة مع رجال الشرطة ثم مع الجيش. وحصلت مجابهات في مساء ذلك اليوم وفي الغد في عدة أحياء من العاصمة. ووضعت هذه المجابهات قرابة 3000 من الأهالي ومئات الجنود والشرطة الاستعمارية وجها لوجه، وأدت إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى في صفوف المنتفضين، وكذلك 10 قتلى من الأوروبيين أغلبهم من الإيطاليين. وحاولت السلطة الاستعمارية إدانة بعض الأعضاء من حركة الشباب التونسي ظنا منها أنهم وراء هذه الانتفاضة ومن مدبريها . لكن ذلك لم يثبت وبرأت ساحتهم. أما الأسباب العميقة لهذه الانتفاضة فهي بالأساس اقتصادية واجتماعية وتمثّلت في تدهور أوضاع التونسيين إثر توخي سياسة انتزاع الأراضي من أصحابها وإغراق السوق التونسية بالمنتوج الأجنبي. ولئن برأ علي باش حانبة ساحته وساحة أصحابه من تهمة تدبير هذه العملية فقد تبنى كامل المسؤولية في قيادة عملية مقاطعة "الترامواي".
- عملية مقاطعة "الترامواي"
انطلقت عملية مقاطعة الترامواي في 8 فيفري 1912 على اثرحادث تعرض له طفل تونسي بعد ان داسته عربة يقودها سائق ايطالي أودت بحياته بين السكة الرابطة بين باب سويقة وباب سعدون.وقد عملت السلطة الإستعمارية على البحث عن حل للأزمة بتكليف وزير القلم الطيب الجلولي باستدعاء بعض الأعيان ممن رأت فيهم الرأس المدبر لهذه المقاطعة ومنهم علي باش حانبة الذي كان يقود هذه العملية. وكان هذا التدخل فرصة للمطالبة بعدة حقوق تتعلق بأوضاع العمال التونسيين بشركة الترامواي.وأدت هذه المقاطعة إلى الحصول على العديد من التنازلات من قبل الشركة وإلى إدخال بعض التحسينات على وضع العمال التونسيين. غير أن إضافة طلب جديد على الطلبات السابقة يتمثل في تمكين التونسيين من حق الاقتراع هو الذي زاد من سخط السلطة الاستعمارية التي عمدت إلى إيقاف 7 من العناصر الذين رأت أنهم وراء هذه المقاطعة وإلى نفي أربعة منهم. ومنهم علي باش حانبة ثم حاولت بعد مدة تهدئة الوضع باتخاذ عدة إجراءات لتحسين وضع الأهالي ووضع العمال التونسيين بالشركة وكذلك إلغاء ضريبة المَجْبى. كما قررت العفو عن الموقوفين وعن المبعدين الذين عادوا كلهم إلى حياتهم العادية سوى علي باش حانبة الذي بقي في اسطنبول يساند كل عمل مناهض للهيمنة الإستعمارية إلى أن توفي هناك سنة 1918.
* النضال السياسي : * من تأسيس الحزب التونسي سنة 1919 الى الحزب الحر الدستوري التونسي سنة 1920
ساعدت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الداخلية إضافة الى الأوضاع العالمية على توفير المناخ الملائم لنشأة الحزب الحر الدستوري التونسي .
* الظرفية الداخلية والعالمية : استغلت النخبة المثقفة الأوضاع الداخلية المتأزمة لانتقاد السياسة الاستعمارية الجديدة في محاولة لتحسيس الرأي العام التونسي بخطورة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي باتت تهدد المواطن التونسي دون غيره . ولم يقتصر غضب التونسيين على ضعفاء الحال فقط بل شمل حتى الأعيان وكبار الملاكين العقاريين الذين تأثروا بدرهم بالأزمة المذكورة . كل ذلك ساعد على نمو الشعور الوطني لدى جميع شرائح المجتمع التونسي .
كان أيضا لبعض العوامل الخارجية دورها في دعم هذا الشعور من ذلك نجاح الثورة البلشفية في أكتوبر 1917 مع مجموعة المبادئ التي أعلنها الرئيس الأمريكي ويلسن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى من أهمها حق الشعوب في تقرير مصيرها مع تطور النضال الوطني في كل من تركيا بقيادة مصطفى كمال أتاترك ومصر بقيادة سعد زغلول كل هذه الأحداث وفرت الاطار الملائم الذي شجع بعض أعضاء حركة الشباب التونسي على العودة الى الساحة السياسية والتفكير في تأسيس حزب جديد .
* من الحزب التونسي الى الحزب الحر الدستوري التونسي : تمثلت الخطوة الأولى في تأسيس الحزب التونسي في ربيع 1919 من قبل ثلة من المحامين والاطباء والصحفيين وبعض قدماء حركة الشباب التونسي . بادرت هذه المجموعة التي تصدرها عبد العزيز الثعالبي ببعث رسالة الى الرئيس الأمريكي توماوودرو ويلسن في مارس 1919 هذا نصها " ... ففي خضم المطامع الامبريالية المختلفة الأغراض رفعتم صوتكم للدفاع عن الشعوب المضطهدة والمطالبة بحقها في الحياة الحرة ... لقد ضحى الشعبان الجزائري والتونسي بدمائهما السخية في سبيل فرنسا ورغم ذلك فهو محروم دائما من حقوقه المشروعة ومستعبد من طرف قلة من المعمرين . لهذا فإن مواطنينا يطالبون بحقوقهم في إرسال ممثلين عنهم لحضور مؤتمر السلم ليدافعوا عن قضيتهم ويظفروا بما يمكنهم قانونيا من ممارسة حقوقهم كاملة ... إن الشعبين الجزائري والتونسي يضعان آمالهما فيكم سيدي الرئيس لاسترجاع حقهما في التحكم في مصيرهما بنفسهما ." ثم رسالة الى مؤتمر الصلح الملتئم أنذاك بباريس مطالبين بتطبيق مبدأ حرية الشعوب في تقرير مصيرها بالنسبة الى تونس . كما سعى الحزب التونسي الى كسب عطف الأحزاب اليسارية الفرنسية . وكلف الثعالبي بمعية أحمد السقا بالقيام باتصالات في فرنسا لبلوغ الأهداف.
في بداية 1920 صدر في باريس كتاب تونس الشهيدة باللغة الفرنسية بغية التنديد والتعريف بالنتائج السلبية لنظام الحماية مركزا على تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين بسبب افتكاك أراضيهم واقصائهم من المناصب الإدارية والتمييز بينهم وبين الجاليات الأخرى . وعلى المستوى السياسي أكد الثعالبي على تردي الأوضاع السياسية بسبب تعدد انتهاك الحريات الأساسية وقام الثعالبي بمقارنة هذا الوضع وما كانت عليه البلاد التونسية قبل انتصاب الحماية كما قارن بين وضع التونسيين ووضع المعمرين الذين تحسنت ظروفهم على حساب الأهالي . وبتأكيده على التجربة الدستورية التي عرفتها تونس سنة 1861 أراد الثعالبي أن يضفي نوعا من الشرعية التاريخية على المطالب التونسية التي من أهمها المطالبة بدستور للبلاد .
إن الأفكار الواردة في كتاب تونس الشهيدة مهدت لنشأة الحزب الحر الدستوري التونسي في مارس 1920 ووضوح برنامجه انطلاقا منها مع بعض التعديلات لجعل المطالب متناغمة مع الظرفية الجديدة المتمثلة في فشل الأحزاب اليسارية الفرنسية بعد سنة 1919 وعدم اعتبار المبادئ الويلسنية في مقررات مؤتمر الصلح بباريس .
توخى الحزب الحر الدستوري التونسي استراتيجية جديدة تمثلت في توسيع قاعدته لتشمل كل الشرائح الاجتماعية على خلاف الحزب التونسي الذي اعتمد على النخبة المثقفة .
* برنامج الحزب الحر الدستوري التونسي ونشاطه : كانت للحزب أهداف بعيدة تتمثل في تحقيق استقلال البلاد ودستور لها إلا أن الظروف التي أحاطت بنشأته جعلت قادته يعدلون مطالبهم لتبدو وكأنها مطالب إصلاحية في ضل الحماية . غير أنه رغم هذا التوجه الإعتدالي المطلبي فقد اعتبرت السلطات الفرنسية أن الثعالبي أصبح يشكل خطرا على فرنسا ومصالحها .
- برنامج الحزب الحر الدستوري التونسي : اتصف بالشمولية حيث تطرق إلى مختلف الميادين الهامة المؤثرة في حياة التونسيين :
- سياسيا : المطالبة بتعديل نظام الحماية المنبثق من معاهدتي باردو والمرسى وتوسيع تمثيل التونسيين داخل المجلس التفاوضي مع التركيز على مبدأ الفصل بين السلطات وضمان الحريات الأساسية .
- اقتصاديا : المطالبة بعدم إقصاء التونسيين من اقتناء الأراضي المخصصة للمعمرين .
- اجتماعيا : تحسين أجور الموظفين التونسيين وتعميم التعليم الإجباري...
* طريقة العمل : عمل الحزب من خلال اعتدال مطالبه على كسب عطف وتفهم الباي وكذلك السلطات الفرنسية بتونس وفرنسا . لذلك اعتمد نشاط الحزب على إعداد عرائض ممضاة من طرف التونسيين وتقديمها من طرف وفود تشكل للغرض سواء الى الباي محمد الناصر( وفد الأربعين في 18 جوان 1920 ) أو المقيم العام لوسيان سان بقيادة أحمد الصافي في جانفي 1921 . كما تشكلت وفود أخرى توجهت في عدة مناسبات إلى فرنسا للتعريف بالقضية التونسية لدى الرأي العام الفرنسي وبرلمانه وبعض أوساطه السياسية ( سافر الوفد يوم 6 جوان 1920 ووصل يوم الخميس 10 جوان لباريس ثم في يوم 31 جويلية باتجاه وزارة الخارجية التي قدمت لها المطالب ) .
اعتمد الحزب أيضا على الصحافة التي تعددت عناوينها منذ ربيع 1920 وساهمت في نشر الوعي بين التونسيين ليرتفع عدد المنخرطين بالحزب الى 45000 سنة 1924 تؤتطرهم 70 شعبة دستورية . أما على مستوى القيادة فقد تكونت اللجنة التنفيذية للحزب في 29 ماي 1921 وأعضاءها كانوا من العاصمة ينتمون إلى الشرائح الاجتماعية الميسورة بينما القواعد تنتمي إلى فئات اجتماعية مختلفة موزعة على كامل البلاد .
* النتائج وردود فعل سلطات الحماية : تمكن الحزب من كسب عطف الباي محمد الناصر وابنه المنصف على اثر مقابلة وفد الأربعين الباي .
في فرنسا لم يتمكن الوفد الدستوري الأول من مقابلة المدير المساعد للشؤون الافريقية بوزارة الخارجية الا يوم 31 جويلية 1920 بعدما قدم عريضة الى رئيس مجلس النواب ولم يضفر هذا الوفد بما يستحق الذكر بل ان سلطات الحماية قد عمدت الى إيقاف الشيخ الثعالبي وقدمته الى المحاكمة بتونس بتهمة التآمر على أمن الدولة .
أيضا أوقفت السلطات الاستعمارية عن العمل كل الموظفين الذين كانوا ضمن وفد الأربعين الذي قابل الباي .
أما الوفد الثاني الذي توجه الى باريس في أواخر 1920 والذي ترأسه الطاهر بن عمار فقد استقبل من طرف رئيس الحكومة الفرنسية وقد تحصل على بعض الوعود باصلاحات سيتولاها المقيم العام الجديد لوسيان سان الذي رفض فكرة الدستور . فكان ذلك حافزا على مراجعة طريقة عمل الحزب الذي سعى الى توسيع قواعده وتوعيتها بشرعية المطالب التونسية .
أمام كثرة المضايقات التي انتهجتها السلطات الاستعمارية اضطر الثعالبي الى مغادرة البلاد في جويلية 1923 متجها نحو الشرق كما وقع ايقاف العديد من قادة الحزب وسن مجموعة من القوانين الزجرية وقع عليها الباي محمد الحبيب في 29 جانفي 1926 منها الحد من حرية الصحافة وايقاف عدة صحف ناطقة باسم الحزب والحد من حرية التعبير والاجتماعات ... وهكذا دخلت الحركة الوطنية فترة ركود تواصلت حتى نهاية العشرينات .
* انطلاق النضال النقابي مع نشأة جامعة عموم العملة التونسيين الأولى وردود الفعل الاستعمارية :
تكونت المنظمة والتي تعتبر أول مركزية عمالية في العالم العربي نتيجة الظروف الصعبة التي كان يعيشها الأجراء . ولم تكن السلطات الفرنسية ولا النقابات الفرنسية (س.ج.ت) لترضى بوجودها وذلك تخوفا من احتمال انتمائها الى الأممية الشيوعية الثالثة بموسكو .
* ظروف النشأة : تميزت ظرفية أواسط العشرينات بنمو الوعي السياسي الذي تجسم في تزايد عدد المنخرطين بالحزب الحر الدستوري الذين كان جلهم من الطبقات المتوسطة والضعيفة من عمال وحرفيين تأثروا أكثر من غيرهم من جراء تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بعد الحرب العالمية الأولى خاصة من جراء سياسة التمييز بين الأهالي والجاليات الأجنبية التي توختها فرنسا والتي لم تزدها اصلاحات جويلية 1922 الا تناقضا فقد ساهم الارتفاع المشط في الأسعار في اندلاع اضرابات كان العديد منها عفويا شارك فيها العمال غير المنخرطين في النقابات الفرنسية ومن أهم هذه الاضرابات اضراب عمال الرصيف بتونس يوم 13 أوت 1924 .
* تأسيس جامعة عموم العملة التونسية : تأكد العمال التونسيون اثر التحركات المذكورة من عنصرية النقابات الفرنسية وعدم اهتمامها بقضاياهم ومطالبهم . من ناحية أخرى أعطى التحرك العمالي الفرصة لبعض المثقفين التونسيين أمثال محمد علي الحامي والطاهر الحداد قصد تأطير حركات الاعتصام العمالية . التي اتسعت لتشمل عملة مرسى بنزرت وعديد المعامل الأخرى . يعتبر إضراب 13 أوت 1924 بداية تأسيس النقابة المستقلة إذ تحولت لجنة الإضراب التي |أطرته الى نقابة مستقلة عن النقابة الفرنسية يوم 17 أوت 1924. وتشكلت اللجنة التنفيذية للجامعة النقابية من عناصر تمرست على العمل النقابي في الاتحاد الإقليمي س . ج . ت للنقابة الفرنسية أمثال المختار العياري .
* تنظيم الجامعة وطريقة عملها : استمدت الجامعة طرق عملها من الـ س . ج . ت الفرنسية . كما أعلنت أنها مفتوحة لكافة الأجراء دون استثناء أما في ما يتعلق بمنخرطيها فيمكن اعتبار قطاع النقل أهم قطاع وفر نسبة كبيرة من قواعد الجامعة النقابية التونسية ( عمال رصيف تونس وبنزرت وسوسة وصفاقس وعمال السكك الحديدية ) كما تمكنت الجامعة من استيعاب العديد من الحرفيين فيما عجز محمد علي عن تأطير عمال المناجم رغم تنقله شخصيا إلى قفصة والمتلوي وذلك بسبب العراقيل التي وضعتها السلط الاستعمارية .
وبالتالي لم تشمل هذه التجربة النقابية التونسية الأولى سوى مناطق محدودة نسبيا وهي المنطقة الصناعية بتونس وبنزرت مع تواجد محدود جدا بسوسة وصفاقس حيث اقتصرت على عمال الرصيف . ارتبط هذا الضعف بمحدودية نمو علاقات الإجارة على المستوى الاجتماعي مع ضيق الوقت باعتبار أن التجربة لم تعمر طويلا .
* نهاية جامعة عموم العملة التونسية: وقع التصريح بنشأة الجامعة في 31 أكتوبر 1924 خلال اجتماع عام دعت إليه الـ س.ج.ت وحضره ليون جوهو كاتب عام الكنفدرالية الذي أتى خصيصا لتجنب بروز هذه النقابة التونسية وفي 3 ديسمبر 1924 تكونت لجنتها التنفيذية وفي 5 فيفري ألقي القبض على أهم قادتها محمد علي الحامي الذي نفي إلى خارج الوطن وتوفي في ظروف غامضة سنة 1926 .
نجحت السلط الاستعمارية في عزل المنظمة النقابية التونسية بعدما فقدت تأييد الحزب الحر الدستوري التونسي الذي كان من أبرز مؤيديها ودخل الحزب تكتلا مكونا من المعتدلين مثل الحزب الإصلاحي والجامعة الاشتراكية طمعا في الفوز ببعض الإصلاحات من طرف حكومة كتلة اليسار التي وصلت إلى الحكم بفرنسا منذ جوان 1924 .
ج - الحركة الوطنية في الثلاثينات وتأسيس الحزب الحر الدستوري الجديد:
تعتبر فترة الثلاثينات هامة في تاريخ تونس المعاصرة والحركة الوطنية وذلك لما شهدته من تحولات نوعية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا مما أثر وبصفة واضحة على العمل السياسي بشكل خاص .
* الظروف الداخلية والخارجية : انعكاسات أزمة الثلاثينات العالمية على الأوضاع في تونس
كانت تونس في أوائل الثلاثينات تحت وطأة أزمة محلية اجتاحت القطاع الفلاحي بالخصوص تفاقمت مع انعكاسات أزمة الثلاثينات العالمية لارتباط الاقتصاد التونسي بالاقتصاد الفرنسي
تتمثل أسباب الأزمة في انعكاسات أزمة 1929 على المستوى الداخلي خاصة على القطاع الفلاحي الذي كان يعاني في نفس الوقت من بعض الكوارث الطبيعية كالجفاف وزحف الجراد فنتج عن ذلك تراجع في الانتاج وأيضا تراجع في أسعار المواد الفلاحية . أما مظاهرها فقد شملت الازمة مختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى فتأثر قطاع المناجم مع تراجع انتاج الفسفاط والحديد والرصاص بين 1930 و 1932 وتراجع عدد عمال المناجم حوالي 3 مرات بين 1930 و 1935 . كذلك الحرف ( تراجع عدد عمال الشاشية ) من 350 عاملا سنة 1928 إلى 80 عاملا سنة 1933 . وتبعا لذلك تقلص حجم المبادلات التجارية وتراجعت قيمة الصادرات إلى النصف بين 1928 و 1933 فيما كسدت السوق الداخلية خاصة مع منافسة البضائع الأجنبية للبضائع التونسية . أما نتائج الأزمة فتتمثل في تغيرات عديدة شملت المجتمع والاقتصاد وظروف العيش ... فقد تضررت أغلبية المجتمع التونسي باعتباره مجتمعا فلاحيا ريفيا بالأساس كما شملت البطالة سكان المدن والمناطق المنجمية كما تراجعت الطاقة الشرائية وانتشرت المجاعة والأوبئة ومات الكثير من التونسيين سنة 1932 خاصة بتونس وقرمبالية والساحل . كما عمت ظاهرة النزوح وانتشار ظاهرة الأحياء القصديرية حول المدن الكبرى .
هذه الظروف أنتجت مناخا ملائما لتحولات اجتماعية وسياسية جديدة .
* التحولات الاجتماعية والثقافية : - التحولات الاجتماعية : تأثرت مختلف الفئات الاجتماعية بفعل أزمة الثلاثينات إضافة إلى الأزمة التقليدية بسبب الكوارث الطبيعية وقد كان هذا التأثر متباينا حسب الأوساط المهنية والاجتماعية . تأثر صغار الفلاحين من جراء انخفاض أسعار الحبوب والزيت وعجزوا عن تسديد ديونهم والتجأ بعضهم إلى بيع ممتلكاتهم خاصة بالساحل. كما تسبب انتشار الأزمة في القطاع الحرفي في إفلاس عديد الحرفيين وصغار التجار واستفحلت البطالة في صفوف العمال فقد قدر عدد العاطلين عن العمل بالعاصمة تونس سنة 1935 بـ 30000 . فيما عرف بقية العمال انخفاضا هاما في أجورهم . نتيجة لذلك تدهورت المقدرة الشرائية وأصبحت المجاعة تهدد أغلب السكان فتعددت عمليات النهب بتونس والقيروان وباجة ...
لم تتخذ السلطات الاستعمارية الإجراءات اللازمة لتخفيف وطأة الأزمة عن التونسيين مما صعد نقمتهم على الأوروبيين الذين لم يتأثروا كثيرا من الأزمة نظرا إلى الدعم الذي قدمته السلطات الاستعمارية لهم دون غيرهم ومن خيرات البلاد .
- التحولات الثقافية : لم تكن الحركة الفكرية والأدبية والفنية بتونس في الثلاثينات في معزل عن ذلك الواقع المتأزم لغالبية الشعب التونسي بل ان تلك الحركة باتت تعكس بأمانة مشاغل ومعاناة هذا الشعب الذي أصبح واعيا أكثر بواقعه ومتطلعا إلى الانعتاق ومقاومة الركود فظهرت الجمعيات والنوادي الأدبية وتعددت الصحف وتنوعت وساهمت في تثقيف عامة الشعب وتوعيتها وكانت بذلك عرضة إلى إجراءات قمعية فهناك على سبيل المثال صحيفتان ناطقتان باللغة العربية هما " النهضة (يومية) والوزير (أسبوعية ) تم منعهما بقرار من المقيم العام صادر في ماي 1931 وصحيفة ثالثة ناطقة بالعربية هي الزهرة تلقت انذارا مع تهديد بالمنع ...
- ظهور الجمعيات والأندية الثقافية : عبرت النخبة المثقفة أدبيا وفنيا عن الواقع في مقالات أدبية وأشعار وموسيقى ومسرح فتأسست جمعيات ونوادي من أهمها جماعة تحت السور . كما ظهر العديد من المبدعين تناولوا وعالجوا قضايا وطنية دقيقة من أبرزهم على سبيل المثال الشاعر أبو القاسم الشابي شاعر الحرية والإنعتاق مؤلف قصائد الجبار وإرادة الحياة
" إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي *** ولابد للقيد أن ينكسر
ومن لم يعانقه شوق الحياة *** تبخر في جوها وأندثر
وخاطب المستعمر قائلا :
ألا أيها الظالم المستبد *** حبيب الظلام عدو الحياة
سخرت بأنات شعب ضعيف *** وكفك مخضوبة بدماه
كما حرك جمود الشعب قائلا : أيها الشعب ليتني كنت حطابا *** فأهوي على الجذوع بفأسي .... ليتني أهد القبور رمسا برمس ... أيها الشعب أنت طفل لاعب بالتراب والليل مغس
فأشعاره الوطنية ألهبت حماسة شعب طامح إلى التحرر وكسر قيود مستعمر كبله وقيد فيه إرادة الحياة .
أيضا من الأدباء الروائيين علي الدوعاجي والطاهر الحداد وزين العابدين السنوسي ومحمد بيرم التونسي وعبد الرزاق كرباكة وأحمد خير الدين وغيرهم ...
- دور الصحف في نشر الإنتاج الفكري والأدبي : إضافة الى الجرائد السياسية التي كانت تخصص مساحات للانتاج الفكري والأدبي وهو من أشكال النضال الذي كان هدفه المحافظة على الهوية التونسية ، استطاع بعض الأدباء إصدار جرائد أخرى مثل جريدة السرور لعلي الدوعاجي سنة 1936 ومجلة العالم الأدبي التي أسسها زين العابدين السنوسي والتي تواصل صدورها بين 1930 و 1936 . كانت تلك الصحف والمجلات تشكل حافزا هاما للانتاج الفكري والادبي الملتزم بالقضايا الوطنية الذي تصدى إلى محاولات المستعمر طمس الهوية العربية الاسلامية ومحاولات الاعتداء على الشعور الوطني .
* السياسة الاستعمارية وتحدي المشاعر الوطنية :
- المؤتمر الأفخاريستي:
- الاحتفال بخمسينية الحماية :
* موقف الحزب الحر الدستوري من هذه السياسة الاستعمارية
* قضية التجنيس والحركة الوطنية :
* انشقاق الحزب الحر الدستوري التونسي ونتائجه :
- بوادر الانشقاق بين الدستوريين :
- مؤتمر قصر هلال ونشأة الحزب الحر الدستوري الجديد:
* إحياء العمل النقابي مع جامعة عموم العملة الثانية :
- علاقة الجامعة العمالية الجديدة بالحزب الحر الدستوري الجديد :
- نشاط جامعة عموم العملة الثانية :
* تجذر الحركة الوطنية وأحداث 9 أفريل 1938 :
- المقيم العام بيروطون وسياسته المتصلبة :
- من الانفراج السياسي الى أحداث 9 أفريل 1938 :
أحداث 9 أفريل 1938 والمطالبة ببرلمان وحكومة وطنية واسقاط الامتيازات الاستعمارية
بادر الحزب الدستوري الجديد بتوزيع روزنامة الجولات الدعائية على كافة أعضاء الديوان السياسي والمجلس الملي الذين سرعان ما شملهم القَمع الإستعماري. وتم اعتقال عدد من أعضاء المجلس الملي ومن أعضاء الديوان السياسي نظمت على إثره مظاهرة احتجاجية ضمت قرابة 2500 متظاهر يوم 7 أفريل 1938 توجه على إثرها المنجي سليم عضو المجلس الملي إلى قصر الباي بحمام الأنف لالتماس التدخل لدى السلط الاستعمارية والإفراج عن المعتقلين. وفي نفس اليوم تم تعطيل جريدة "العمل" واعتقال 10 مناضلين بقنطرة الفحص.
مظاهرات 8 و9 أفريل 1938
وإثر ذلك قرر الديوان السياسي تنظيم إضراب عام يوم 8 أفريل 1938. وانطلقت في نفس اليوم مسيرتان بالعاصمة تجمع المتظاهرون فيهما أمام الإقامة العامة رافعين شعارات تطالب "ببرلمان تونسي" و"حكومة وطنية" وبسقوط الامتيازات. وقد بلغ عددهم بين 7 و10 آلاف شخص.
ونظمت يوم 9 أفريل مظاهرة أمام قصر العدالة احتجاجا على دعوة المناضل علي البلهوان المثول أمام قاضي التحقيق. وبمجرد وصول الجماهير إلى مكان المحاكمة وقع إطلاق النار على المتظاهرين وسقط العديد من الشهداء والجرحى (22 قتيلا وحوالي 150 جريحا) إثر إطلاق النار من طرف قوات الأمن كما سقط العديد من قوات الأمن إثر هذه الاشتباكات الدامية. وما إن سيطرت السلطات الإستعمارية على الوضع حتى استصدر المقيم العام من الباي أمرا لإعلان حالة الحصار على ثلاث مراقبات كما تم اعتقال بورقيبة والمنجي سليم وأحيل القادة الدستوريون على المحكمة العسكرية بدعوى التآمر على أمن الدولة وتم حل الحزب الدستوري الجديد في 12 أفريل 1938. وبالرغم من هذه الإجراءات القمعية قرر مناضلو الحزب مواصلة النضال متوخين أساليب العمل السري.
وتمثلت المقاومة الوطنية السرية في تكوين لجنة سرية تولت إصدار المناشير لحث الشعب على المقاومة وعلى المطالبة بالإفراج عن المساجين السياسيين.
عند اعتلاء المنصف باي العرش (19 جوان 1942) – وقد عُرف بتعاطفه مع الحزب الدستوري منذ صغره – قام بجملة من الإصلاحات تمثلت في تقديم مذكرة إلى الحكومة الفرنسية (2 أوت 1942) تضمنت 16 نقطة من أهمها تكوين مجلس استشاري تونسي وإطلاق سراح المساجين السياسيين وإلغاء أمر 1898 الذي يخول للمعمرين الإستحواذ على أراضي الأوقاف.
وآل الأمر إلى إطلا ق سراح المعتقلين السياسيين. فانتقلوا إلى الخارج لمواصلة العمل الدعائي وتمكن بعضهم من تأسيس مكتب المغرب العربي ببرلين (جوان 1943) للتعريف بالقضية التونسية.
بعد رحيل هؤلاء القادة الوطنيين إلى الخارج طلب الجنرال "جوان" من المنصف باي الإستقالة والتخلي عن الحكم، وتم عزله وإبعاده إلى الجزائر لما رفض ذلك. وبعد تنازله عن الحكم وقع إبعاده إلى مدينة "بو" بفرنسا إلى أن توفي سنة 1948.
- تكوين جبهة وطنية والمطالبة بالاستقلال
بالرغم من اعتقال العديد من التونسيين بتهمة التواطؤ مع المحور ومغادرة البعض الآخر البلاد تمكنت القيادات الوطنية من التحرك. وسعى الحزب الدستوري الجديد إلى مد قنوات الحوار مع السلطة الفرنسية وخاصة بعد ندوة "برازافيل" جانفي (1944) التي اعترفت بحق الشعوب بتسيير شؤونها بنفسها ضمن اتحاد فرنسي يعوض الإمبراطورية. وقد وجه الوطنيون مذكرة في الغرض إلى الحكومة الفرنسية (8 مارس 1944) يعبرون فيها عن رفضهم لمشروع الإتحاد الفرنسي.
وكثف الحزب نشاطه السياسي موظفا انتصار الحلفاء يوم 8 ماي (1945)، بتحرير العرائض وتنظيم المظاهرات. فأقدمت الإدارة الفرنسية منذ سبتمبر 1945 على إجراء بعض الإصلاحات، لكن الحزب الدستوري اعتبر هذه الإصلاحات محدودة وطالب بإلغاء الرقابة على الصحف وإرساء الحريات العامة.
وأمام السياسة القمعية التي انتهجها المقيم العام الجنرال ماست (1943-1947) سعى الوطنيون إلى تدويل القضية الوطنية وإخراجها من نطاق العلاقات الثنائية الفرنسية التونسية، خاصة بعد تأسيس جامعة الدول العربية (22 مارس 1945) فقرر الديوان السياسي إيفاد الزعيم الحبيب بورقيبة إلى مصر (26 مارس 1945) للتعريف بالمسألة التونسية. وقد حرص الوطنيون أثناء هذه الفترة أيضا على إبراز البعدين، المغاربي والعربي. فتناولت كتاباتهم التعاون والتضامن بين مختلف الدول العربية والمغاربية وساعد تأسيس جامعة الدول العربية على إنماء هذه المشاعر. كما وجد الوطنيون مرجعا أمميا لمطالبهم وحقهم في التحرر إثر توقيع الميثاق الأممي (26 جوان 1945) الذي أقر بصفة رسمية بعث منظمة الأمم المتحدة 24 أكتوبر 1945.
- إستراتيجية الحزب الدستوري الجديد
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية شرع الحزب الدستوري الجديد في استرجاع دوره الريادي. ففي الداخل سعى الديوان السياسي بإشراف أمينه العام صالح بن يوسف إلى تأطير التحركات الجماهيرية مشجعا على بعث المنظمات المهنية والشبابية.
فقد تم تأسيس الإتحاد العام التونسي للشغل (جانفي 1946). وقدم كل الدعم الأدبي والسياسي لفرحات حشاد. وانخرط عديد المناضلين في صلب المنظمة النقابية التونسية الجديدة. وتبلورت ملامح المعركة الحاسمة، وبمناسبة مؤتمر ليلة القدر (23 أوت 1946) رفعت فصائل الحركة الوطنية شعار الاستقلال التام.
وكان من نتائج السياسة التحررية التي انتهجها المقيم العام جان مونس (Jean Mons)، (1947-1948) أن شهد الوضع الداخلي انفراجا حيث تم رفع الرقابة عن الصحافة الوطنية (أفريل 1947)، فكانت مناسبة لبروز العديد من الصحف والمجلات.
وعلى الصعيد المغاربي ساهمت الجامعة العربية في توثيق العلاقات بين مختلف حركات التحرر المغاربية.
وفي الفترة ما بين 1948 و1951 استرجع الحزب الدستوري الجديد زمام المبادرة وأصبح يمثل الثقل الرئيسي داخل الحركة الوطنية.
وإثر فشل جامعة الدول العربية وهزيمة الدول العربية في حربها ضد إسرائيل (ماي 1948) تراجع السند الأنقلوساكسوني للقضية الوطنية. فعاد الزعيم بورقيبة من القاهرة إلى تونس وعمل على ضبط إستراتيجية جديدة. كما تم الشروع في الإعداد للمعركة الحاسمة.
اثر عودة الزعيم بورقيبة من الشرق، شرع في الاتصال بدواخل البلاد مكثفا من اجتماعاته بالقواعد الحزبية داعيا كافة الحساسيات إلى توحيد صفها حول برنامج واقعي. ثم تحول إلى فرنسا في 12 أفريل 1950 لكسب الأنصار داخل اليسار الفرنسي وعرض بالخصوص على السلطة الفرنسية مشروع إصلاحات ذي سبع نقاط يرمي مجموعها إلى الحكم الذاتي. ويتلخص مجموع هذه النقاط في تشكيل حكومة تونسية صرفة مسؤولة عن الأمن العام يترأسها وزير أكبر يتولى رئاسة مجلس الوزراء بصورة فعلية مع إلغاء كل من خطة الكاتب العام للحكومة وخطط المراقبين المدنيين والجندرمة وإحداث بلديات منتخبة تمثل فيها المصالح الفرنسية حيث توجد أقلية من الفرنسيين، وبعث مجلس وطني منتخب بالاقتراع العام وتكون أولى مهامه إعداد دستور ديمقراطي يضبط العلاقات بين تونس وفرنسا على أساس احترام السيادة التونسية ومصالح فرنسا المشروعة.
واقترن النشاط الوطني في الداخل وفي الخارج بالمناهضة التي أبداها "حزب المتفوقين" (Les prépondérants) ضد حكومة شنيق مرغما الحكومة الفرنسية على التراجع في وعودها. ووجه وزير الخارجية الفرنسي بتاريخ 15 ديسمبر 1951 مذكرة إلى الوزير الأول التونسي يعلن فيها تمسك الحكومة الفرنسية بالسيادة المزدوجة. وقد أثارت هذه المذكرة استياء كافة الأوساط الوطنية التونسية. ورد عليها الزعيم الحبيب بورقيبة بالتأكيد على ضرورة الصمود والتضحية.
وتم شن إضراب عام احتجاجي جمع كافة المنظمات الوطنية واستمر ثلاثة أيام من 21 إلى 23 ديسمبر 1951.
إنطلاق معركة التحرير الحاسمة 5 ديسمبر 1952 اعتمدت استراتيجية تحرير تونس على تعبئة الجبهة الوطنية وكسب تأييد الرأي العام الفرنسي والعالمي مع إزدواج العمل السياسي والنضال حسب ما تتطلبه طبيعة المعركة وميزان القوى وظروف المقاومة الشعبية. وهو ما يبرز أولوية البعد السياسي في هذه المعركة غير المتوازنة وأهمية الخطة الشمولية التي اعتمدت. وقد انطلقت المعركة يوم 15 ديسمبر 1951 وكانت بمثابة رد فعل مباشر علي المذكرة الصادرة في نفس اليوم والتي رفضت فيها الحكومة الفرنسية مطالب الشعب التونسي بتطوير نظام الحماية بطريقة سلمية. وفي 16 ديسمبر 1951 أرسلت المنظمات الوطنية برقية احتجاج إلى الحكومة الفرنسية وقررت الإضراب العام لمدة ثلاثة أيام. وأظهر نجاح الإضراب استعداد الشعب لرفع التحدي. وكانت الاجتماعات الشعبية التي نظمها الحزب الحر الدستوري الجديد والمنظمات الوطنية ترمي إلى تعبئة الشعب التونسي وتهيئته للمواجهة.
وأمام توالي مظاهرات الاحتجاج في عدد من أنحاء البلاد أقرت السلطات الفرنسية العزم على قمع كل حركة شعبية وأوقفت يوم 18 جانفي 1952 رئيس الحزب الزعيم الحبيب بورقيبة كما أوقفت في نفس اليوم حوالي عشرين مناضلا وقع إبعادهم إلى الجنوب. فبلغ الغضب الشعبي أوجه إذ نظمت مظاهرات صاخبة في المدن والقرى التونسية وكانت الانطلاقة الحاسمة للكفاح الوطني.
وكان الديوان السياسي السري الذي عينه إذاك الحزب ينظم العمل النضالي ويوجه الرأي العام وينظم المظاهرات والاضرابات ويوجه خطة الكفاح. وقد إلتحقت بالجبال فرق من المتطوعين وواصلت الجبهة الوطنية تجنيد المواطنين في سائر الجهات والتنسيق بين مختلف أنشطة المقاومة. وانتظمت بعديد المدن والقرى التونسية أيام 22 و 23 و24 جانفي 1952 مظاهرات ومواجهات مع قوى الشرطة والجيش الفرنسي سقط فيها العشرات من الشهداء من بين المتظاهرين والعشرات من الجرحى. وكانت السلطات الفرنسية تلاحق الوطنيين منظمة حملات متواصلة من الاعتقالات. وقد غصت السجون ففتحت محتشدات في سائر أنحاء البلاد. وقد بلغ عدد الموقوفين حوالي عشرة آلاف شخص.
مثل اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد (5 ديسمبر 1952)، في الوقت الذي كانت فيه اللجنة السياسية للأمم المتحدة تدرس القضية التونسية، تجاوزا لكل معايير السلوك الدولي إضافة لما يمثله من تصعيد سياسة التصلب والقمع وإطلاق العنان لاستبداد رجال الإقامة العامة وحلفائهم في المنظمة الإرهابية الفرنسية "اليد الحمراء".

وتمثل هذه المأساة بالنسبة للمقاومة الشعبية منعرجا حاسما. وقد تكثفت في هذه الفترة العصيبة حركة المقاومة المسلحة التي كانت تهدد الأمن الاستعماري˜ وتلاحق المعمرين والمتعاونين مع نظام الحماية وتواجه القوات العسكرية الفرنسية. وسعيا إلى تجاوز الانتقادات التي كانت تعترض سياستها تجاه تونس أعادت الحكومة الفرنسية فتح ملف الاصلاحات المرفوضة التي لا تستجيب لمطالب الشعب إذ تكرس مفهوم السيادة المزدوجة˜ وقررت تنظيم انتخابات مجالس العمال ابتداء من يوم 10 أفريل 1953 والانتخابات البلدية ابتداء من يوم 3 ماي 1953 دون إعارة أي اهتمام لمعارضة التونسيين. إلا أن الحركة الوطنية تمكنت بالرغم من حملات الاعتقالات من إفشال مهزلة الانتخابات.
قامت الحكومة الفرنسية في 2 سبتمبر 1953 بتعيين مقيم عام جديد في محاولة لإقناع الرأي العام العالمي بأن فرنسا تنتهج سياسة جديدة في تونس في إطار مناقشة القضية أمام الأمم المتحدة التي أدرجت القضيتين التونسية والمغربية في جدول أعمالها أثناء جلستها العمومية يوم 18 سبتمبر 1953. وتواصلت مناقشة القضية التونسية طيلة شهر إلا أن المنظمة الأممية لم تنجح في اتخاذ قرار لصالح تونس بأغلبية الثلثين. واتخذت الحكومة الفرنسية مجموعة من القرارات في نطاق ما سمته بسياسة التهدئة من بينها استرجاع السلطة الأمنية للشرطة وإلغاء الرقابة وإلغاء المضايقات بالساحل (28 أكتوبر 1953) والإفراج عن عدد من المبعدين والمساجين. وخمد لهيب الكفاح في هذه الفترة التي اتسمت بالمراوغة. ولكن الحركة الوطنية اعتمدت خطة الصمود وجندت قواها لاستئناف الكفاح بعد تفطن الجميع إلى أن مشروع السلطات الفرنسية الجديد يقود إلى طريق مسدود ويضحي بمطالب الشعب من أجل استرجاع سيادته. وعادت حركة المقاومة للنشاط وتواصلت عمليات المقاومة خلال شهر جوان 1954. وبعثت هذه العمليات الرعب في قلوب المعمرين الذين أيقنوا بأن المقاومة تهدد الوجود الإستعماري وتعرقل أنشطتهم ومصالحهم كفئة محظوظة في البلاد. فاستعد بعضهم للاعتراف بالواقع وجنح غلاة الاستعمار إلى التشدد والإصرار على الدفاع عن امتيازاتهم. وغيرت الهزيمة الكبرى التي منيت بها فرنسا في ديان بيان فو Dien Bien Phu يوم 7 ماي 1954 مجرى الأحداث ودعمت في فرنسا القوى المساندة لسياسة التحرر والاتجاهات المعتدلة، وسقطت حكومة جوزاف لانيال Joseph Laniel يوم 12 جوان 1954.
1- بناء الدولة العصرية : تمثل في انجازين هامين
- إعداد الدستور : كان الدستور من أهم المطالب الوطنية إبان فترة الكفاح اقترنت به تسمية الحزبين القديم والجديد وحين حصول البلاد على الاستقلال سارعت الدولة بتطبيق مطلب الدستور وقد صدر أمر من الباي بإنشاء المجلس القومي التأسيسي يوم 29 ديسمبر 1955 مهمته إعداد دستور البلاد وفي يوم 25 مارس 1956 تمت الانتخابات وأسفرت عن فوز قائمة الجبهة القومية بقيادة الحبيب بورقيبة . منذ شهر أفريل 1956 شرع المجلس القومي التأسيسي في إعداد الدستور الذي وقع الإعلان عنه يوم 1 جوان 1959 ومن أبرز مبادئه فصل السلطات واحترام حقوق الإنسان والمواطن .
- إعلان الجمهورية : ألغي النظام الملكي من قبل المجلس القومي التأسيسي الذي أقر النظام الجمهوري في 25 جويلية 1957 وقد كلف الحبيب بورقيبة برئاسة الدولة في انتظار الإعلان عن الدستور وقد جرت أولى الانتخابات الرئاسية والتشريعية اعتمادا على الدستور الجديد يوم 8 نوفمبر 1959 فازت فيها الجبهة القومية برئاسة الحبيب بورقيبة الذي منح سلطات واسعة في اطار نظام جمهوري رئاسي .
- على المستوى السياسي : - تونسة الإدارة : من خلال بعث إطار إداري جديد منذ جوان 1956 تمثل في انشاء الولايات والمعتمديات والاستغناء عن خدمات الموظفين الفرنسيين ( 12000 موظف بين 1956 و 1960 ) وتعويضهم بموظفين تونسيين .
- تونسة السياسة الخارجية : وذلك بالانخراط في منظمة الأمم المتحدة يوم 12 نوفمبر 1956 وفي جامعة الدول العربية يوم 1 أكتوبر 1958 ويعتبر تولي المنجي سليم لرئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 20 سبتمبر دليلا على إشعاع تونس دوليا .
- تونسة الأمن والقضاء : وذلك ببعث وحدات الشرطة والحرس الوطني يوم 18 أفريل 1956 كما بعثت نواة الجيش الوطني يوم 24 جوان 1956 لضمان سلامة البلاد ووحدتها كما تم حذف المحاكم الفرنسية وتعويضها بمحاكم تونسية بداية من 1 جويلية 1957.
- على المستوى الاقتصادي : السعي الى الحد من التبعية الاقتصادية وذلك بتأميم القطاعات الحيوية بين 1956 و 1960 وقد شمل السكك الحديدية والمواني وإنتاج وتوزيع المياه والكهرباء والغاز . مع بعث دواوين وشركات جديدة منها شركة فسفاط قفصة وديوان الصناعات التقليدية وديوان الصيد البحري وديوان المناجم وديوان الأراضي الدولية وديوان الزيت ... أيضا الإستقلال النقدي بتونسة الجهاز البنكي بإحداث البنك المركزي التونسي في 18 سبتمبر 1958 وبعث وحدة نقدية تونسية وهي الدينار في 18 أكتوبر 1958 وكذلك الانخراط في صندوق النقد الدولي والبنك العالمي في أفريل 1958 كما بعثت 3 بنوك شبه حكومية مثل الشركة التونسية للبنك والبنك القومي الفلاحي والشركة القومية للتمويل مهمتها تمويل المشاريع الاقتصادية الكبرى وتقليص هيمنة البنوك الفرنسية بالسماح لفروع بنكية أجنبية أخرى بالتركز . إضافة الى ذلك تم الغاء الوحدة الجمركية مع فرنسا يوم 20 أوت 1959 وانشاء دواوين دولية للقيام بالتوريد والتصدير كديوان التجارة وديوان الحبوب وديوان الزيت ...
* الجلاء العسكري : رفضت فرنسا مطلب الحبيب بورقبية المتمثل في جلاء القوات الفرنسية عن التراب التونسي في جوان 1956 وذلك لحماية مصالحها المتبقية بتونس ومحاصرة الثورة الجزائرية حيث تعددت الاعتداءات الفرنسية على القرى التونسية المحاذية للدود مع الجزائر منها أحداث ساقية سيدي يوسف يوم 8 فيفري 1958 خلفت 68 شهيدا تونسيا وجزائريا أغلبهم من الأطفال قوبل باحتجاج شديد من قبل الحكومة التونسية حيث نشبت بين القوات التونسية والفرنسية معركة رمادة بالجنوب في ماي 1958 كما قبلت فرنسا بعد الشكوى التونسية الى مجلس الأمن إجلاء قواتها عن التراب التونسي باستثناء قاعدة بنزرت التي جدت فيها معركة الجلاء خلال جويلية 1961 أوقعت ضحايا تونسيين لعدم تكافؤ موازين القوى لكن أمام الصمود الشعبي ومساعي السياسة الخارجية وتعاطف الأقطار العربية والآسيوية والإفريقية رضخت فرنسا للأمر الواقع وأجلت قواتها من القاعدة في 15 أكتوبر 1963 .
* الجلاء الزراعي: قدرت مساحة الأراضي التي استقر بها المعمرون الفرنسيون بـ 850000 هكتار سنة 1956 وهي أكثر أراضي البلاد خصوبة تم السعي إلى استرجاعها على مرحلتين الأولى تمثلت في شراء جزء من هذه الأراضي باتفاق مع فرنسا وضم أراضي المعمرين الفارين بعد أحداث بنزرت إلى أملاك الدولة . والثانية تمثلت في إصدار قانون 12 ماي 1964 القاضي بتأميم ما تبقى من أراضي المعمرين الأوربيين بتونس قوبل برد فرنسي تمثل في إلغاء المساعدات التي التزمت بتقديمها الى تونس والامتناع عن شراء فوائض الإنتاج الفلاحي ولم تستأنف هذه المساعدات إلا سنة 1968 .
* توحيد القوانين وتعصيرها: - الإنجازات التشريعية : كان الجهاز القضائي زمن الاستعمار مشتتا اذ وجدت المحاكم الشرعية التونسية ومجالس الأحبار اليهودية والمحاكم العصرية التونسية والمحاكم الفرنسية وبعض المحاكم المختلطة لذلك تمت المبادرة بتوحيد القضاء وتعصيره إعتمادا على الشريعة الإسلامية والاستنباط من القوانين الوضعية الحديثة وتمثلت أبرز الانجازات في الغاء المحاكم الشرعية يوم 3 أوت 1956 واصدار مجلة الأحوال الشخصية في 13 أوت 1956 التي اهتمت بقضايا المرأة حيث منعت تعدد الزوجات واقرار الطلاق بحكم عدلي وتحديد سن الزواج وتمكين المرأة من حق الانتخاب . واجبارية التسجيل في دفاتر الحالة المدنية في 18 جويلية 1957 واصدار عدة مجلات قانونية مثل مجلة التجارة والطرقات والشغل ....
* تطوير التعليم وتوحيده : قبل الاستقلال لم يكن التعليم موحدا فتنوعت البرامج والمدارس فمنها التقليدي ومنها العصري ومنها المختلط كما اقتصر التعليم الزيتوني على تدريس العلوم الشرعية واللغة العربية وفق مناهج تلقينية قديمة أما المدرسة الصادقية فتحولت الى مدرسة لتكوين المترجمين لكنها كونت أجيالا من المقاومين الذين أطروا الحركة الوطنية كما عمل المستعمر على الحد من انتشار التعليم فارتفعت نسبة الأمية بشدة وقد كان نشر التعليم وتعصيره أحد أبرز مطالب الحركة الوطنية .
تمثل إصلاح التعليم في اصدار قانون 4 نوفمبر 1957 الذي نص على توحيد التعليم وتعصيره ومجانيته للجميع ونشره كما الغيت المرحلتان الابتدائية والثانوية من التعليم الزيتوني وأصبحت مرحلته العليا من مشمولات كلية الشريعة وأصول الدين التابعة للجامعة التونسية التي تأسست في مارس 1960 كما رصدت ميزانية ضخمة للتعليم قدرت بربع ميزانية الدولة مما ساهم في تراجع نسب الأمية وتثقف السكان .
1- النظام السياسي : * الدستور : أهم المبادئ والتنقيحات
* تحول 7 نوفمبر 1987 ونتائجه المباشرة : في 7 نوفمبر 1987 أصبح زين العابدين بن علي ثاني رئيس للجمهورية وكان البيان الذي ألقاه على الشعب التونسي صبيحة ذلك اليوم يحمل وعودا صريحة بإدخال إصلاحات جوهرية من شأنها أن تنتشل البلاد من الأوضاع المتأزمة التي بلغت اقصاها في منتصف الثمانينات من القرن الماضي وفي 25 جويلية 1988 تم تنقيح دستور 1959 فكان بذلك التنقيح السابع الذي أدخل عليه منذ صدوره وهو أهم تعديل بالنظرالى الفصول التي شملها وخاصة الفصلين 39 و 40 بحيث تم الغاء الفقرة المتعلقة بالرئاسة مدى الحياة للحبيب بورقيبة وتحديد السن القصوى للترشح لرئاسة الجمهورية بـ 70 سنة كما شمل التنقيح فصولا أخرى كالتخفيض في السن الدنيا للمترشحين لمجلس النواب وتكليف رئيس مجلس النواب لمدة زمنية معينة في حال شغور منصب رئيس الدولة اضافة الى اجراءات أخرى متتالية تهم مختلف جوانب الحياة سمحت يتوفير مناخ ملائم لمواصلة المجهودات التنموية .

اضطرابات تونس 2010-2011، الثورة التونسية [3][4][5]، ثورة الياسمين[6][7][8]، هي سلسلة من الاضطرابات بدأت في 17 ديسمبر 2010 في مختلف المدن التونسية، وانتهت في 14 يناير 2011 بإقالة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي[9] . وكان إحتجاج المتظاهرون على انتشار البطالة، ارتفاع أسعار السلع الغذائية، الفساد[10] وسوء الظروف المعيشية. تحولت المظاهرات التي بدأت في ديسمبر 2010 إلى سلسلة من أعمال العنف والاعتقالات من جانب الشرطة والجيش التونسي تجاه المتظاهرين[11][12] وأسفرت المظاهرات عن عشرات القتلى وآلاف من الجرحى.
بدأت في ولاية سيدي بوزيد بعد أقدم محمد البوعزيزي شاب جامعي يعمل بائع متجول على الانتحار في مدينة منزل بوزيان بولاية سيدي بوزيد وسط تونس، احتجاجا على مصادرة عربته التي يستخدمها لبيع الخضر والفواكه. وأعقبها حادث آخر مشابه لشاب جامعي يعاني من الفقر والبطالة.[13] وامتدت تلك الاحتجاجات إلى مدن أخرى منها صفاقس والقيروان وسوسة ومدنين. وأدت تلك المظاهرات التي شملت مدن عديدة في تونس عن سقوط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن، وأجبرت الرئيس زين العابدين بن علي على إقالة عدد من الوزراء بينهم وزير الداخلية وتقديم وعود لمعالجة المشاكل التي نادى بحلها المتظاهرون، كما أعلن عزمه على عدم الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2014[14] وتم بعد خطابه فتح المواقع المحجوبة في تونس كاليوتيوب بعد 5 سنوات من الحجب، كما تم تخفيض أسعار بعض المنتجات الغذائية تخفيضًا طفيفًا. لكن الانتفاضة توسعت وازدادت شدتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية مما أجبر الرئيس بن علي على التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد بشكل مفاجئ بحماية أمنية ليبية إلى السعودية يوم الجمعة 14 يناير 2011[15] فأعلن الوزير الأول محمد الغنوشي في نفس اليوم عن توليه رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة وذلك بسبب تعثر أداء الرئيس لمهامه وذلك حسب الفصل 56 من الدستور، مع إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول. لكن المجلس الدستوري قرر بعد ذلك بيوم اللجوء للفصل 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس، وبناءً على ذلك أعلن في يوم السبت 15 يناير 2011 عن تولي رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة من 45 إلى 60 يومًا. وفي 17 يناير 2011 أعلن الغنوشية عن تشكيلة الحكومة الجديدة والتي تضمنت 9 رؤساء من الحكومة السابقة و3 من المعارضة. في اليوم التالي انسحب اثنان من وزراء المعارضة اعتراضا على سيطرة أفراد الحكومة القديمة على أهم المناصبة والوزارات في الحكومة الانتقالية.[16]

معرض الصور


مرئيات


أسماء المعتقلين من عائلة الطرابلسي


كلمة القذافي للشعب التونسي بعد ثورة 2011