الحميريون من القبائل العربية القديمة في جنوب الجزيرة العربية، فقد جاء في تقرير من فترة حملة «أيليوس غالوس» على اليمن سنة 24ق.م، أن أكبر القبائل عدداً في هذه البلاد هم: الحميريون والمعينيون. وقد كان للحميريين زمن «غالوس» كيان سياسي، وإن لم يكونوا آنذاك القوة الأولى.
كان اليونان والرومان يدعون هذه القبائل في مطلع التاريخ الميلادي باسم Homeritai وبـ Omeritae ونحو ذلك. وترد أقدم إشارة إلى الحميريين عند «بليني Pliny»، الذي يقول: «إنهم يسكنون بين سبأ وحمير، وبذلك يكونون من سكان البلاد التي سماها سترابو Strabon قتابانيا، واسمهم في النقوش «حميرم».
كثر ذكر الحميريين بعد ذلك بألفاظ واضحة، وإن اختلفت الحروف ولم يتغير سوى لقب الملوك من: «ملك سبأ وذي ريدان»، إلى «ملك سبأ وحمير»، كما جاء في النقوش.
ذهب أغلب العلماء الذين اعتنوا بدراسة تاريخ العربية الجنوبية إلى أن بداية حكم ملوك سبأ وريدان - الحميريين - تعود إلى سنة 115ق.م، أو سنة 109ق. م، وينتهي هذا الدور باستيلاء مملكة أكسوم الحبشية على أجزاء من اليمن، إذ يظهر في النقوش اللقب الذي اتخذه ملك أكسوم «ايزناس» Aezanas «ملك الحميريين وأهل ريدان».
إن أقدم من جاء ذكرهم من الملوك في هذا الدور «يسرم يهصدق» أو ياسر يهصدق»، وملك بعده ابنه «ذمر علي يهبر» . ومن هذه السلالة التي حكمت سبأً وريدان الملك «شمريهرعش الأول» في أواسط القرن الثاني الميلادي، أما «شمريهرعش الثاني» فجعله «فون ويزمن» معاصراً لملك أكسوم «زوسكالس»، نحو عام 220م.
أما الدور الثاني للتاريخ الحميري، فيبدأ نحو عام 300م، حيث امتد سلطان ملك سبأ وريدان ليشمل معظم الأقاليم اليمنية: حضرموت، ويمنات، والجبال والتهائم، وعرف ملوك هذا الدور في المصادر العربية «بالتبابعة». ويذكر كل من «فون ويزمن» و«ماريا هوفنر»، أن يمنات في هذا اللقب الجديد تعني النصف الجنوبي من مملكة «حضرموت»، والتي كانت «ميفعة» عاصمة له في عهد «بطلميوس» .
وأول من حمل هذا اللقب الجديد هو الملك «شمر يهرعش الثالث»، وهو الذي ذاع ذكره عند الإخباريين العرب، وبالغوا في نسج القصص التاريخية حوله لحروبه وتوسعاته، وتجمع المصادر على أن آخر ملوك هذا الدور هو «ذونواس» آخر التبابعة، الذي تهوّد وحمل قومه على ذلك، نكاية بالنصرانية التي أوقع باتباعها، بوصفهم يمثلون النفوذ الحبشي والبيزنطي. ويأتي بعد ذلك الدور الحبشي الذي امتد ما بين 525-575م، ثم استعان سيف بن ذي يزن بالفرس لإخراج الأحباش من بلاده، وكان له ذلك، إلا أن اليمن وقعت تحت حكم الفرس، واستمر ذلك حتى دخول اليمن في الإسلام في العام التاسع من الهجرة الموافق 630م.
نجح الحميريون قبل الغزو الحبشي «525م» في السيطرة على الطرق التجارية البحرية، من مصر إلى الهند، وورثوا اللغة والثقافة السبئية، ومن عاصمتهم ظفار توسعت سلطتهم شرقاً حتى الخليج العربي، وشمالاً داخل الصحراء العربية، وفي بداية القرن الرابع الميلادي، انتقلت عاصمتهم شمالاً إلى صنعاء، وبعد ذلك تسربت النصرانية واليهودية إلى اليمن، ودخلت بلاد الحميريين في اضطرابات سياسية واقتصادية، مما مكن الأحباش أن يغزو اليمن ويسيطروا عليها مدة من الزمن، ويبدو أنهم أخفقوا في السيطرة على الطريق التجاري البري المحاذي للبحر الأحمر، كما أخفقوا في الحصول على ولاء العرب، وتحويلهم إلى النصرانية، الأمر الذي دفع الأحباش إلى القيام بالحملة المشهورة باسم «الفيل» بقيادة «أبرهة الأشرم» (570م) إلى مكة للاستيلاء على الطريق التجاري والقضاء على مكة - المحج الوطني للعرب - غير أن حملة أبرهة أخفقت، فقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الحدث بصورة جلية في «سورة الفيل».
تكلم الحميريون اللغة السبئية وهي من اللهجات العربية، وتتميز عن عربية الشمال بخصائص نحوية معينة «التمويم بدلاً من التنوين، واستبدال أن بأداة التعريف، وهفعل بأفعل من الفعل الرباعي»، كما تتميز عنها أيضاً بالمفردات .
إن المصادر الوطنية التي تحدثت عن الحياة الاقتصادية والتشريعية والإدارية للممالك العربية الجنوبية، عبارة عن نقوش فقط، وقد أظهرت هذه النقوش للعالم، قوانين وأنظمة ومعلومات عامة، ووثائق تتصل بالإهداء، والبناء، والعمل، كما وصلت وثائق أخرى تتصل بالزراعة وجباية الأموال، وتحدثت حديثاً غير مباشر عن التشريع والأنظمة التي كانت سائدة في تلك البلاد.
القلم الحميرى يشبه الكتابه الامزاغيه
وتبين الوثائق أن الزراعة كانت العمود الفقري للحياة الاقتصادية والسياسية في العربية الجنوبية، كما تتضمن النقوش أخباراً تتصل بالحاجة إلى العناية بالمسائل العسكرية، كما تحدثت قليلا عن اللاهوت وأثر الآراء الدينية على الحياة العامة في الدولة.
وعلى الرغم من أهمية النقوش كمصادر أساسية لتاريخ بلاد العرب الجنوبية، إلا أنه يؤخذ عليها عبارتها الموجزة، فهي تعطي الخطوط الرئيسة للحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية، وهي لا تعطي إلا القليل من التعرفة الجمركية والقوانين التجارية، ومع ذلك يوجد فيها ما يشير إلى ذكر أشخاص من الحجاز «العلا» ومن عمون «عمان» ومؤاب وعجر وقيدر وصيدا ومصر وغيرها. وفيما يتعلق بالمعبودات الحميرية وما ترمز إليه والطقوس التي تقدم لها، فهي نفسها المعهودة عند السبئيين، فمن بين عشرات المعبودات يُذكر الإله «المقه» و«ذوسماوي»، وعلى رأي «هومل» فإن جميع شعوب بلاد العربية الجنوبية كانت تدين بمجمع إلهي واحد ولم يكن لكل شعب مجمعه الخاص.
أوردت النقوش أسماء كثيرة لملوك سبأ عامة، وملوك الدور الحميري خاصة، ونشر عدد من علماء العربية الجنوبية قوائم بأسماء ملوك كل مرحلة، وهي قوائم غير متطابقة، مما يشير إلى أن ترتيب الملوك ترتيباً متتابعاً، ما يزال محفوفاً بالمصاعب، لتشابه الأسماء والسلالات الحاكمة، ونقص بعضها الآخر.