Search - للبحث فى مقالات الموقع

Tuesday, March 29, 2011

الثورة الفرنسية La Révolution Française


الثورة الفرنسية La Révolution Française هي مجموعة من التحركات الثورية التي حدثت بين عامي 1789-1799 ووضعت حداً للنظام الملكي في فرنسة. وكانت البداية عقد اجتماع مجلس طبقات الشعب في 5 أيار من عام 1789 في بلدة فرساي Versailles، وظهور خلافات بين ممثلي الطبقات، أدت بالتالي إلى إعلان قيام الجمعية الوطنية L’Assemblée nationaleفي 17حزيران من العام نفسه. وقد تم كل ذلك بسرعة غير عادية لأن الجو العام في فرنسة كان مهيأً فكرياً من قبل عدد من كبار الكتاب الفرنسيين، أمثال فولتير (1694-1778)Voltaire ، الذي كان يدعو إلى إقامة نظام ملكي مستنير في فرنسة على غرار إنكلترة، ومونتسكيو (1689-1775)Montesquieu ، الذي انتقد مساوئ الحكم الاستبدادي المطلق في كتابه «روح القوانين»، وجان جاك روسو (1712-1778) J.J.Rousseau  صاحب كتاب «العقد الاجتماعي» Le Contrat Social. كما كانهناك تيار فكري آخر، عُرف بـ«التيار الطبيعي» أو الاقتصادي متأثراً بالاقتصادي الإنكليزي الكبير آدم سميث A.Smith في كتابه «ثروة الأمم»، وحمل لواء هذا التيار فرانسوا كيسناي (1694-1794) F.Quesnay  صاحب كتاب «المخطط الاقتصادي»، الذي رأى فيه الكثيرون الدواء لمتاعب فرنسة الاقتصادية. أما تيار الموسوعيين (الأنسكلوبيديين) فكان من أشهر مفكريه ديدرو (1713-1784) Diderot، وألمبير (1717-1783) Alembert، فقد فتح أعين الفرنسيين على النظام الجائر لحكومتهم وأوضاعهم السيئة، وهيأ الجو المناسب للتغيير الجذري. كما كان هناك أسباب أساسية تمثلت بالنظام الملكي الذي يستند إلى نظرية «الحق الإلهي» بالحكم، ويعدّ نفسه المصدر الأساسي لكل التشريعات والقوانين والمرجع الأول والأخير في الدولة.
أما الأسباب الاجتماعية، فتمثلت في النظام الطبقي البعيد عن أبسط قواعد العدالة، فالمجتمع الفرنسي كان يتألف من ثلاث طبقات يأتي على رأسها طبقة النبلاء يليها رجال الدين وأخيراً الطبقة الثالثة La Tiers وهي الطبقة الوسطى (عمال وفلاحين)، وعليها كل الواجبات، وكان لطليعة هذه الطبقة البرجوازية المتنورة النصيب الأكبر في تحريك الثورة وقيادتها، خصوصاً في الأدوار الأولى من قيامها. وتأتي الأسباب الاقتصادية التي تمثلت في الأزمة المالية، والتي تعود إلى عهد الملكين لويس الرابع عشر (1643-1715) ولويس الخامس عشر (1715-1774)، ثم حدوث أزمة اقتصادية خانقة في عام 1788 بسبب سوء المحاصيل، أدت إلى حصول مجاعة، وأخيراً جاء تردد الملك لويس السادس عشر Louis XVI، الذي كان في بداية حكمه (1774) شديد الرغبة في الإصلاح، إلا أنه كان ضعيف الشخصية والإرادة بعكس زوجته النمسوية الأصل الملكةماري أنطوانيت التي كانت حديدية الإرادة وافرة الذكاء، كما اتصفت بسيطرتها على زوجها الذي كانت تدعوه بـ«الرجل المسكين».
حاول الملك التصدي للجمعية الوطنية التي سيطر عليها نواب الطبقة الثالثة الفقيرة بقيادة البرجوازية المثقفة، فاستدعى على عجل في بداية شهر تموز 1789 قوات المرتزقة من السويسريين والألمان إلى فرساي، وأقال في 11 تموز وزير المالية المحبوب نيكر Nécker. أدت هذه الخطوة إلى انتشار الشائعات عن مؤامرة أرستقراطية هدفها تجويع الشعب، حيث أن سعر الخبز ارتفع في 14 تموز إلى درجة لم تعرفها فرنسة من قبل. استغل هذا الوضع عدد من القادة الثوريين أمثال مارا Maratوديمولان Desmoulins وقادة الجماهير لمهاجمة مخازن الأسلحة في مستودعات الأنفاليد الحكومية. وعمت الفوضى مدينة باريس، فنُهبت مخازن السلاح الخاصة من قبل العامَّة الذين سيطروا على دار البلدية واتخذوها مركزاً لحركتهم، وشكلوا الحرس الأهلي تحت قيادة الجنرال لافاييت[ر] La Fayette، ثم هاجموا رمز الظلم «سجن الباستيل» في 14 تموز 1789، وبعد استسلام حاميته وقتلها وتحرير ما وجدوه من سجناء، انتقلت عدوى الثورة التي كانت عفوية وغير موجهة ضد النظام الملكي، والتي كانت تطالب بالإصلاح، إلى المقاطعات الفرنسية، فهاجمت الجماهير قصور النبلاء وبعض الأديرة، ودمرت وأحرقت كل ما يثبت امتيازات الكنيسة في مناطقهم ومكاتب الضرائب، وشكلت حرساً أهلياً على غرار باريس.
أجبرت هذه الأحداث الملك على إبعاد الجيش عن مدينة باريس وإعادة الوزير نيكر، واعتمد علم الثورة الفرنسية المثلث الألوان، وأبعد عدداً من الوزراء المكروهين من الشعب، وزار باريس في 17 تموز حيث قوبل بالهتاف والترحاب على موقفه المعتدل. وفي 4 آب 1789، صدرت عن الجمعية الوطنية قرارات من أجل تثبيت الثورة وامتصاص نقمة الشارع، كان أهمها إلغاء الحقوق الإقطاعية، التي تمثلت بضريبة العشر الكنسية والعدالة الإقطاعية، ونظام السخرة، وإعلان المساواة التامة في الحصول على الوظائف العامة بين جميع المواطنين، وكان هذا يعني انهيار النظام القديم وتدشين مجتمع فرنسي جديد، مجتمع الحرية والمساواة والإخاء. ثم توالت الخطوات الثورية، فأعلنت الجمعية الوطنية الفرنسية في 26 آب وثيقة حقوق الإنسان، كحق الحرية والأمن والملكية ومقاومة الظلم، وبأن الأمة الفرنسية هي مصدر السلطات. ورفض الملك التوقيع على هذه القرارات الثورية، واستدعى قوات المرتزقة الأجانب، إلى فرساي من جديد، واختفى الخبز من الأسواق، فقررت ربات  المنازل الزحف على فرساي في 5 تشرين أول، وكادت تدخل القصر الملكي لولا تدخل الحرس الوطني، وهكذا أجبر الملك والملكة بطلب من الجنرال لافاييت على العودة إلى باريس في 6 تشرين الأول، ولحقت به الجمعية الوطنية بعد بضعة أيام، وهذا معناه وضع الجمعية والملك تحت أنظار الشعب.
أدت هذه الأحداث المتلاحقة بعدد كبير من النبلاء ورجال الدين المعادين للثورة، وعلى رأسهم شقيق الملك الكونت دارتوا (الملك شارل العاشر فيما بعد)، إلى الهجرة إلى الحدود الإيطالية والألمانية والبلجيكية، حيث بدؤوا من هناك يتآمرون ضد الثورة مع البلدان المضيفة لهم لإعادة النظام القديم وامتيازاته إلى فرنسة. وفي 21 حزيران 1791، قام الملك وعائلته بالهرب من باريس سراً، إلا أنه اكتُشف أمره، وأُعيد تحت حراسة مشددة إلى باريس، وأُوقف عن ممارسة أعماله من قبل الجمعية الوطنية الفرنسية حتى إعلان الدستور الجديد. إضافة إلى الجمعية الوطنية والملك والبلاط، كان هناك بعض التيارات السياسية ممثلة بالنوادي السياسية التي كان أهمها نادي اليعاقبة Les Jacobins، وأشهر قادته روبسبير Robespierre ونادي الكوردلييه Club des Cordeliers، وكان أكثر يسارية من النادي السابق في بدايته، ومن أشهر قادته دانتون Danton.
دستور 1791: أُقر دستور عام 1791 من قبل الجمعية الوطنية في 14 أيلول، وأهم ما جاء فيه أن «السيادة مصدرها الأمة التي تمارسها بوساطة جمعية تشريعية وحيدة من جهة، ومن قبل السلطة التنفيذية التي يمارسها الملك من جهة ثانية، كما أقر الدستور مبدأ فصل السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية. وبعد إجراء انتخابات جديدة في نهاية أيلول 1791، اجتمع أعضاء الجمعية التشريعية التي تمثل مختلف الاتجاهات السياسية، إذ سيطر على الزعامة فيها من البداية الجيرونديون Les Girondins، وكانوا يؤمنون بفكرة الجمهورية ونشرها في جميع بلدان أوربة. استمرت هذه الجمعية التشريعية سنة تقريباً حتى أيلول 1792، حيث واجهتها منذ البداية ثلاث مهمات رئيسة، وهي:
1- العمل على تنفيذ ما جاء في دستور عام 1791.
2- العمل على صيانة المكاسب التي حققتها الثورة عام 1789.
3- العمل على حماية فرنسة من الأخطار الخارجية والمهاجرين الفرنسيين الرجعيين.
أوربة والثورة الفرنسية: إن شعارات ثورة 1789 الفرنسية الممثلة في الحرية والمساواة والإخاء Liberté-Égalité-Fraternité، أفزعت دول أوربة المجاورة لفرنسة، والتي كانت تحكمها أنظمة حكم ملكية استبدادية مشابهة لما كان في فرنسة باستثناء إنكلترة، وازداد خوف هذه الدول الرجعية بعد تحرر مدينة أفينيون Avignon الفرنسية من سلطة البابا وانضمامها لفرنسة، إضافة إلى ذلك وجود أسر حاكمة في إسبانية وإيطالية ترتبط بصلة الدم مع الأسرة الحاكمة في فرنسة، وهي أسرة آل بوربون Bourbons، التي كانت تخشى لقاء المصير نفسه. ومن هنا توسل الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت إلى شقيقها إمبراطور النمسة بالتعجيل بإنقاذهما من الخطر الذي كان يتهددهما.
في 27 آب عام 1791، صدر عن إمبراطور النمسة وملك بروسية إعلان بلينتز Pillinitz بأنهما لن يترددا في استخدام كل الوسائل لإعادة الملكية إلى قوتها في فرنسة، مما كان له صدى طيباً لدى المهاجرين الفرنسيين الذين تشجعوا وأرسلوا منشور كوبلنز Coblenz، توعدوا فيه قادة الثورة الفرنسية. أدت هذه التهديدات إلى هياج الرأي العام الفرنسي الذي دفع الملك إلى إعلان الحرب على كل من النمسة وبروسية في 20 نيسان 1792، على الرغم من انقسام فرنسة الثورة على نفسها بين مؤيد للحرب كالجيرونديين، والمحافظين بزعامة الجنرال لافاييت والمؤيدين للدستور الذين كانوا يرون أن النصر العسكري سيجمع صفوف الشعب الفرنسي في ولاية دستورية، ومعارض للحرب كاليعاقبة، وحجتهم في ذلك بأن الحرب ستلحق الدمار بفرنسة وتعيد النظام الملكي إلى سابق عهده. وهذا ما كانت تعتقده أيضاً ماري أنطوانيت، التي شجعت زوجها الملك لويس السادس عشر على إعلان الحرب.أما النمسة وبروسية فأرسلتا جيشاً قوامه 80ألف جندي أوكلت قيادته إلى الجنرال البروسي الهرم برنسويك Brunswick. مني الفرنسيون في البداية بسلسلة من الهزائم العسكرية، سمحت للقوات المهاجمة بالتقدم باتجاه باريس، وهذا ما أدى إلى حدوث انتفاضة فيها ضد الملك في 20 حزيران 1792، عندما هاجم المتظاهرون القصر الملكي في التويلري Tuillerie، لكن الملك والملكة وأسرتهما لم يصابوا بأذى. هذا التحرك الشعبي قابله بلاغ برنسويك الذي أعلنه في 25 تموز 1792، توعد فيه باريس بالتدمير إذا أصاب الأسرة المالكة الفرنسية أي سوء.
في 10 آب، قامت انتفاضة ثورية تم على أثرها تشكيل كومونة باريس[ر] Commune de Paris، التي اتخذت مقراً لها بلدية باريس برئاسة مارا Marat المتطرف، وتم السيطرة على قيادة الحرس الوطني وقتل قائده، وتعيين قائد جديد، وكانت نتيجة هذه الحركة وضع الملك وأسرته في «الهيكل القديم» تحت الحراسة بانتظار دعوة مؤتمر وطني للبت في مسألة بقاء العرش. وعلى إثر ذلك، تم تشكيل لجنة ثورية أو هيئة تنفيذية لإدارة البلاد، يترأسها دانتون Danton أحد زعماء اليعاقبة والمحرض الرئيسي للأحداث التي مرت.
مذابح أيلول: في 2 أيلول وعلى أثر سقوط مدينة فردان Verdun، وصلت معنويات الفرنسيين إلى أدنى مستوياتها، مما أدى إلى حملة إعدامات بين مؤيدي الملكية في باريس والمدن الفرنسية الأخرى، أشرف عليها دانتون شخصياً، ومن هنا أخذ لقبه «سفاح الثورة الفرنسية» ومارا، وعمدة باريس بيتون Biton، وذهب ضحيتها ما يقرب من 1400 قتيل، وقد حاولت الجمعية التشريعية أن تضع حداً لهذه المذابح التي دامت حتى 5 أيلول، لكنها لم تفلح. في أثناء هذا الوضع المتردي داخلياً في فرنسة، حاول الجنرال لافاييت الزحف على باريس لإنقاذ الملك وأنصاره، إلا أن قواته لم تنفذ أوامره.
انتصار فالمي: على إثر تسلم الهيئة التنفيذية برئاسة دانتون الحكم، تم تجهيز جيش لملاقاة برنسويك، وجرت المعركة على هضبة فالمي Valmy في 20 أيلول 1792، وهناك ولأول مرة سجلت الجيوش الفرنسية الثورية انتصاراً ساحقاً على الغزاة البروسيين والنمسويين، خلده الشاعر الألماني غوته Goethe الذي كان يراقب المعركة بقوله: «من هذا المكان، وفي هذا اليوم افتتحت حقبة جديدة من تاريخ العالم». وكان من أهم نتائج انتصار فالمي، تثبيت دعائم العناصر المتطرفة في فرنسة، وتقرير مصير النظام الملكي.
المؤتمر الوطني وإعلان الجمهورية الأولى: بعد حملة الإعدامات حَلّت الجمعية التشريعية نفسها، وجرت انتخابات جديدة تمخض عنها المؤتمر الوطني، الذي استهل جلساته بإلغاء النظام الملكي في 21 أيلول 1792 وإعلان قيام الجمهورية، كما قرر إعدام لويس السادس عشر، حيث نُفذ فيه حكم الإعدام في ميدان الجمهورية في باريس بالمقصلة في 21 كانون الثاني 1793، وذلك بضغط من اليعاقبة وزعيمهم روبسبيير، وكان لهذا الإعدام نتائج خطيرة أدت إلى انقسام داخلي هدد بقيام حرب أهلية. لقد أثبتت الجمهورية الأولى قوة وكفاية في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية بعد تشكيل لجنة السلامة العامة ومحكمة ثورية، وتعيين «ممثلين مبعوثين» لمراقبة القادة العسكريين في ساحات القتال من قبل المؤتمر الوطني، هذه الأجهزة الثلاث ستُستخدم من قبل اليعاقبة لتصفية خصومهم الجيرونديين، وقدر عدد من أعدموا بالمقصلة فيباريس وحدها بــ5000 من بينهم الملكة ماري أنطوانيت. شدد روبسبيير قبضته، وبدأ بإعدام زملائه بالمقصلة وعلى رأسهم دانتون. وحكم فرنسة حكماً ديكتاتورياً. ولكن زعماء المؤتمر الوطني وجهوا إليه في 28 تموز 1794 تهمة الخيانة، وحاول روبسبيير البطش بهم، لكن أنصاره انفضوا من حوله، فأُلقي القبض عليه، واقتيد إلى المقصلة ليواجه مصير ضحاياه.
حكومة الإدارة: بعد إعدام روبسبيير سيطر المعتدلون على الحكم، وأصدروا عفواً عاماً عن كل الذين اضطهدهم حكم الإرهاب، وعلى رأسهم الجيرونديين، وأُعيد تنظيم أجهزة الدولة. وقد حاول اليعاقبة مرتين استعادة سلطتهم بالقوة عام 1795، ولكن قائد قوات الأمن في باريس تمكن من سحقهم.
سلّم دستور عام 1795 السلطة التنفيذية إلى لجنة مؤلفة من خمسة أعضاء عُرفت باسم «حكومة الإدارة» التي بقيت في الحكم حتى عام 1799، في هذه المرحلة واجهتها مشكلات داخلية عدة تم سحقها كفتنة بابوف Babeuf، كما تم حل الأزمة المالية. أما خارجياً، فقد اكتسحت الجيوش الفرنسية هولندة، وضمت بلجيكة وجميع الأراضي الألمانية حتى حدود الراين إلى الجمهورية الفرنسية، وعلى أثر صلح بازل مع روسية أُعطيت فرنسة الضفة اليسرى لنهر الراين، وكان هذا الصلح بمثابة انتصار لفرنسة.
الحملة على إيطالية: على أثر الحوادث الداخلية التي تعرضت  لها حكومة الإدارة، ظهر الجنرال بونابرت كمنقذ لها بعد قضائه على اليعاقبة والملكيين في مدينة باريس، وقد ازدادت شعبيته مما جعل حكومة الإدارة تسعى للتخلص منه بإرساله على رأس حملة إلى إيطالية في عام 1796. وقد برز نابليون في هذه الحملة محققاً عدداً من الانتصارات العسكرية والدبلوماسية على القوات النمسوية في شمالي إيطالية، وعقد العديد من المعاهدات وأشهرها معاهدة كامبوفورميو Campoformioمع الإمبراطور النمسوي.
الحملة الفرنسية على مصر: اكتسب نابليون بعد انتصاراته في إيطالية شعبية هائلة، وأصبح خطراً يهدد حكومة الإدارة، فقررت توجيه ضربة لإنكلترة التي كانت الدولة الوحيدة التي لا تزال في حالة حرب مع فرنسة من ناحية، وإبعاد نابليون بتكليفه بقيادة الحملة الفرنسية على مصر من ناحية ثانية، إذ أقلع الأسطول الفرنسي في 19 أيار من عام 1798 باتجاه مصر، واحتل في طريقه جزيرة مالطة، وفي أول تموز 1798 وصلت الحملة إلى الساحل المصري، ثم جرت في 21 تموز معركة أمبابة الشهيرة بالقرب من الأهرام انتصر فيها نابليون على المماليك، ومن ثم سيطر على مصر، وخلال ما يقرب من سنة ونصف من وجوده في مصر ساءت أوضاع فرنسة في ظل حكومة الإدارة، وخاصة بعد قيام تحالف جديد ضدها بقيادة إنكلترة، عندها قرر نابليون العودة، فأبحر من الإسكندرية سراً ووصل فرنسة في 19 تشرين الأول، فتوجه إلى باريس وقام بانقلاب عسكري ضد آخر حكومة للثورة الفرنسية وهي حكومة الإدارة التي يرأسها باراس في 10 تشرين الثاني من عام 1799 التي اضطرت للاستقالة.
وهكذا أُسدل الستار على الثورة الفرنسية ليبدأ عهد جديد، وهو عهد حكم نابليون بونابرت، وتحويل فرنسة بالتدريج من الجمهورية إلى القنصلية ومن ثم إلى الإمبراطورية في عام 1804.
من كل ما تقدم يمكننا الاستنتاج بأن الثورة الفرنسية، التي كانت عفوية في البداية، أي لم يُخطط لقيامها ولم تكن موجهة ضد النظام الملكي أو شخص الملك لويس السادس عشر، قد غيرت وجه فرنسة بعد تحول مجلس طبقات الأمة إلى جمعية وطنية فرنسية، فقد تم تحرير الشعب من النظام الطبقي، وذلك بإلغاء كل الامتيازات التي كانت تتمتع بها طبقتا النبلاء ورجال الدين، ووزعت الأراضي على الفلاحين وتحرروا من نظام السخرة، وتم القضاء على أسس النظام القديم l’ancien régime، وحل محله النظام الثوري الجديد المرتكز على مبادئ الحرية والإخاء والمساواة.
أما تأثير الثورة على أوربة والعالم فكان كبيراً، فقد أوجدت مبادئها التي طُبقت في فرنسة هوة كبيرة بين الشعوب المقهورة وحكامها المستبدين الذين حاولوا بأي ثمن القضاء على الثورة ومبادئها ونصرة النظام الملكي الفرنسي خوفاً من تسرب شعارات الثورة إلى تلك البلدان الملكية المطلقة المحيطة بفرنسة، كالإمبراطورية النمسوية وبروسية، وهذا ما قاد إلى حروب طاحنة تمكنت فيها الثورة بعد جهود مضنية من تثبيت أقدامها والانتصار على أعدائها، ولكن ذلك كلف فرنسة الكثير من الخسائر إذ فقدت نحو 5.5% من سكانها. ولكن الأنظمة الملكية الأوربية ألّفت من جديد جبهة متحدة بإمكانيات هائلة تمكنت آخر الأمر من هزيمة نابليون بونابرت وإعادة أسرة آل بوربون إلى الحكم في فرنسة (1815-1830).
لكن شعارات ومبادئ الثورة 1789 أدت إلى الإطاحة بالحكم الملكي مجدداً حين قامت ثورة باريس عام 1830 التي انتقلت عدواها عبر الحدود إلى بلجيكة التي ثارت ضد الاحتلال الهولندي وإلى ثورة 1830 في بولندة ضد روسية، ثم أعقبتها مجموعة الثورات التي قامت في أوربة عام 1848، والتي استوحت كثيراً من شعاراتها ومبادئها من شعارات ومبادئ الثورة الفرنسية الأم.