Search - للبحث فى مقالات الموقع

Tuesday, March 29, 2011

ثوره بلا فوضى






أوضاع مصر قبل الثورة

وقعت مصر تحت الاحتلال الإنكليزي عام 1882م، نتيجة المطامع الاستعمارية وسوء تصرف ولاتها، ومحاولتهم الانفراد بالحكم عن سلطة الباب العالي. وما إن جاءت الحرب العالمية الأولى حتى أعلنت بريطانية الحماية على مصر، وتحويلها إلى سلطنة وطرد الخديوي وتعيين أحد أفراد الأسرة (فؤاد) سلطاناً عليها، ثم ملكاً بعد الحرب حتى خلفه ابنه فاروق. وكانت مصر قد وقّعت معاهدة 1936م التي أنهت تقريباً سيطرة بريطانية المباشرة عليها.

وعقب نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) حدثت تغيرات عالمية عدة أثرت في الأوضاع الداخلية لكثير من الدول، ففي المنطقة العربية ذاتها كان إنشاء الكيان الصهيوني ذا تأثير كبير على الأوضاع فيها، ومن ثم قيام الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948م، والتي كشفت ضعف الأنظمة العربية، وأدى ذلك إلى نمو الوعي الوطني والقومي للتخلص من الاستعمار.

وكانت مصر تعاني بقاء الاحتلال الإنكليزي في منطقة القناة، لذلك كان شعار (الجلاء) يتردد في مصر، وقامت مقاومة مسلحة ضد الإنكليز. ولما جاءت حرب فلسطين وما ذكر عن صفقة الأسلحة الفاسدة لتحميل الحكم الملكي في مصر مسؤولية الهزيمة العسكرية، كل ذلك أدى إلى تنشيط دور العسكريين في الأمور السياسية، وبدأت المنشورات السرية تتوالى للاحتجاج على الأوضاع، مما أدى إلى قيام حركة الجيش في 23 تموز 1952، هذا الجيش الذي شارك رجاله في حرب 1948 ضد اليهود، وكشفوا الفساد في أحوال البلاد.

تنظيم الضباط الأحرار

كان رجال الجيش يشعرون بما تعانيه البلاد من استعمار وضعف وفساد حكم، وخاصة في أثناء حرب فلسطين التي ألهبت جذوة الثورة، وكوَّن مجموعة من الضباط جماعة باسم (الضباط الأحرار)، دخلت طور التنظيم منذ عام 1949م، وكان لها هيئة تأسيسية ضمت البكباشي جمال عبد الناصر والصاغ عبد الحكيم عامر وغيرهما. وفي عام 1950م انتخبت جمال عبد الناصر رئيساً لها. وفي سنة 1952، تم اختيار اللواء محمد نجيب قائداً للحركة في يوم تنفيذها. وهذه الهيئة هي قوام ثورة 23 تموز، وصارت فيما بعد مجلس قيادة الثورة. ولم تكن رتب الضباط كبيرة، إذ كانوا شباناً، وكانت اجتماعاتهم سرية.

حركة الجيش (الثورة)

قرر الضباط الأحرار تنفيذ حركة الجيش صباح يوم الأربعاء 23 تموز 1952م، فقاموا باحتلال المراكز الهامة واعتقال كبار الضباط القدامى، كما احتلت دار الإذاعة في قلب العاصمة. وأذاع أنور السادات البيان الأول للثورة الذي تحدث عن الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم وهزيمة فلسطين، وأن عملهم تطهير البلاد، وفي ظل الدستور، وتتابعت البيانات، ولم تذكر فيها كلمة ثورة بل حركة.

استقالت وزارة الهلالي المعينة في اليوم السابق لقيام الحركة، وعين الملك علي ماهر رئيساً جديداً للوزراء، بناء على طلب قيادة الجيش، وذلك يوم 24 تموز، وتم تعيين اللواء محمد نجيب قائداً عاماً للقوات المسلحة. وفي 26 تموز 1952م، طلب قادة الحركة من فاروق (ملك مصر والسودان) النزول عن العرش لولي عهده أحمد فؤاد، الذي كان قاصراً، وعين له مجلس وصاية، وغادر فاروق البلاد وودعه سفير الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك اللواء محمد نجيب، وبدأت التهاني لقادة الحركة من بعض رؤساء الأحزاب.

فلسفة الثورة ومبادئها

لم يكن لحركة الجيش قبل قيامها منهج معلن أو كتابات تتحدث عن أهدافها، ولكن الحركة كانت تكوِّن أهدافها تدريجياً. يمكن عدّ كتاب «فلسفة الثورة» الذي كتبه جمال عبد الناصر فيما بعد بياناً عما تم التوصل إليه من مبادئ أولية، وقد قال جمال في مقدمته «ليس هذا كتاب محاولة شرح أهداف ثورة 23 يوليو وحوادثها ..».

لقد استعرض الكتاب بعض القضايا التاريخية لمصر وقضية فلسطين التي ألهبت مشاعر الضباط للتفكير في قضايا الوطن، فقدموا أنفسهم كمنقذين له معتبرين أن الشعب كان على وشك الثورة على أوضاعه الفاسدة وركام العهود السابقة، ثم حدد الكتاب الدوائر التي تنتسب إليها مصر وهي العرب والإسلام وإفريقية، وحدد الأفكار التي يجب على الثورة العمل بها لتطوير البلاد.

التغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية

أحدثت حركة الجيش (التي سميت ثورة 23 تموز فيما بعد) تغييرات على مختلف المستويات وفي جميع مجالات الحياة المصرية الداخلية وعلاقاتها، فعلى الصعيد السياسي بدأت بمهاجمة الأحزاب السياسية القائمة وطالبتها بتطهير نفسها، ووعدت بإجراء انتخابات في شهر شباط 1953م، وقاوم الجيش بعض الحركات المناوئة، وأصدر أحكاماً بحق مرتكبيها.

وحينما تباطأت وزارة علي ماهر بإصدار أول قانون للإصلاح الزراعي، أُجبر على الاستقالة في شهر أيلول، وبدأت حركة اعتقالات جديدة، وتم تأليف وزارة برئاسة اللواء محمد نجيب، إضافة إلى منصبه قائداً عاماً للقوات المسلحة، فأصدرت قانون الإصلاح الزراعي في 9/9/1952م وقانون تنظيم الأحزاب السياسية.

ولا ريب أن قانون الإصلاح الزراعي وتحديد الملكية الزراعية محاولة هامة للحياة الاقتصادية القائمة على الإنتاج الزراعي بالدرجة الأولى، وتقليل الفوارق بين الطبقات. أما قانون تنظيم الأحزاب السياسية، فقد ألزم الأحزاب وعددها 16 حزباً على تقديم بيانات عن أوضاعها وأموالها وغير ذلك. وكانت أهم الأحزاب هي الوفد وجماعة الإخوان المسلمين والحزب الوطني والحزب السعدي.

كما صدر قانون إلغاء الوقف، وتخفيض إيجار المساكن، وإصدار بعض قرارات العفو، وأُنشئت وزارة الإرشاد القومي.

ثم أعلنت الوزارة إسقاط دستور 1923م والعمل على إنشاء دستور جديد بهدف إلغاء النظام الملكي والتحول إلى النظام الجمهوري، وجرى حل الأحزاب السياسية في 18/1/1953م، ماعدا جماعة الإخوان المسلمين التي دعمت الثورة، وصدر دستور فترة الانتقال في 10/2/1953.

ولم ينجح قادة حركة الجيش بإبقاء السودان مرتبطاً بمصر، فتم في 12/2/1953م توقيع اتفاق (بشأن الحكم الذاتي وتقرير المصير) والذي أدى إلى انفصال السودان نهائياً بدعم الإنكليز، وهو ما يعني إلغاء «الحكم الثنائي» المصري الإنكليزي للسودان الذي بدأ عام 1898م. وسارع قادة الحركة إلى إعلان الجمهورية في 18/6/1953م وإنهاء الحكم الملكي الذي كانت تتولاه أسرة محمد علي باشا منذ العهد العثماني في عام 1805م ومصادرة أموالهم، وعين محمد نجيب رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزارة ونائبه جمال عبد الناصر وزيراً للداخلية أيضاً. وصدر قرار تشكيل محكمة الثورة ثم محاكم الشعب، وجرت محاكمات كثيرة مختلفة الأسباب والعقوبات، وعلى إثر محاولة اغتيال جمال عبد الناصر الفاشلة أصدرت الحكومة في 14/1/1954م قرار حل جماعة الإخوان المسلمين التي اتهمت بتدبيرها، وجرى اعتقال عدد كبير من أفرادها بتهم مختلفة ومحاكمتهم في محكمة الثورة، وأصبح الحكم بيد قادة حركة الجيش حتى تم عزل اللواء محمد نجيب وتولى جمال عبد الناصر الرئاسة، وقاد مصر في مرحلة جديدة كان لها تأثيرها الكبير في العالم العربي.

إنجازات الثورة عربياً وعالمياً

أحدثت حركة الجيش في مصر تأثيراً كبيراً في البلاد العربية، فقد اعتبرت ثورة على النظام القائم، بإلغائها النظام الملكي وفي مواقفها من الأحزاب، أو في القوانين الجديدة التي أحدثتها كقانون تحديد الملكية الزراعية أو إلغاء المحاكم الشرعية، وحركت المشاعر الشعبية القومية في تحديها للوجود الإنكليزي في قناة السويس الذي أُنهي عام 1956م باتفاقية الجلاء، وكذلك في تصديها لحلف بغداد الذي أراد عزل مصر، مما دعاها إلى العمل على عقد مؤتمر باندونغ عام 1955 وتأسيس حركة عدم الانحياز، ومن ثم رفع راية التحرر من الاستعمار، والعمل على تطوير قدرة مصر العسكرية بكسر احتكار السلاح والتقارب مع الكتلة الشيوعية، والتصدي للكيان الصهيوني المغتصب في حينه لقسم كبير من أرض فلسطين.

وفي عام 1956م صدر دستور جديد لمصر أعلن أنها جزء من الأمة العربية، وجرى الاستفتاء على جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية، ثم جرى تأميم قناة السويس الذي أدى إلى العدوان الثلاثي (إنكلترة وفرنسة وإسرائيل) ووقوف الشعب العربي، وخاصة سورية، إلى جانب مصر التي خرجت منتصرة على العدوان.

مكانة ثورة 23 تموز وأهميتها

مع أن الانقلابات العسكرية لم تكن جديدة في الدول العربية التي استقلت بعد الاحتلال الأجنبي، إلا أن حركة الجيش في مصر كان لها دور خاص لأهمية مصر وموقعها ووجود قناة السويس فيها، فكانت هذه الحركة ثورة حقيقية في نظام الحكم الداخلي وفي العلاقات مع البلاد العربية ودول العالم.

ومن أهم إنجازاتها تحقيق الوحدة المصرية السورية عام 1958م التي استمرت ثلاث سنوات وسبعة أشهر (1961)، والتي رد عليها الهاشميون باتحاد العراق والأردن، ودورها في الدفاع عن القضية الفلسطينية، ودعم نضال الشعب العربي في الجزائر وعدن والخليج العربي للتحرر من الاستعمارين الفرنسي والإنكليزي، وكذلك دعمها لثورة 14 تموز 1958 التي أنهت النظام الملكي في العراق. كما كان للثورة دور كبير في تحويل فكرة القومية العربية إلى حقيقة واقعية في تاريخ العرب الحديث