يطلق مصطلح «الأصم» deaf، بوجه عام، على الفرد حين تكون حاسة السمع لديه عاجزة عن القيام بوظيفتها كما يلزم من أجل أغراض الحياة العادية. ولكن الدراسات الحديثة التي تناولت الأصم، وبينها تلك التي اهتمت بمستوى العجز في الحاسة، وأثر العجز في تكوّن اللغة، والقيود التي يفرضها العجز، دعت إلى ظهور تفريق بين الصُّمِّ، وإلى بروز مصطلحات جديدة. فقد اتجهت عدة دراسات إلى إطلاق كلمة «الأصم» على الشخص الذي أصابه العجز في الحاسة قبل السنة الثانية أو الثالثة من العمر ونجم عنه عدم اكتسابه اللغة اكتساباً طبيعياً. أما من ظهر العجز لديه بعد ذلك فيوصف بأنه ثقيل السمع hard of hearing. وانتهت بحوث حديثة إلى الكلام عن الصُّمِّ على أنهم «المعوقون سمعياً» لأن الصمم يعوق صاحبه عن الاستفادة من الحاسة استفادة تعادل استفادة السليم المتوسط منها. وقد ذهبت بحوث أخرى إلى اعتماد القياس واعتماد «وحدات ديسيبل» Decibels في التفريق بين الصُّمِّ إذ إن درجة الصفر تعبر عن أول درجة سمع عند الإنسان السليم أو بدء السمع. وانطلاقاً من هذا الأساس يكون «متوسطاً وسوياً» من وقعت خسارته في درجة السمع ما بين 0 - 25 درجة ديسيبل، ويكون بسيط الصمم من كانت خسارته ما بين 26 -54، ومعتدل الصمم من كانت خسارته ما بين 55- 65، وشديد الصمم من كانت خسارته ما بين 70- 89 أما من تكون خسارته 90 فما فوق فيكون عميق الصمم. ولا ينفي هذا التحديد وجود دراسات أخرى تأخذ المنطلق ذاته ولكنها تصل إلى أرقام قريبة من المذكورة.
إن وضع الصمم في فئات استناداً إلى درجة العجز في السمع ليست المحاولة الوحيدة في هذا الاتجاه، إذ وجد من يعتمد، في تحديد فئات الصمّ، العمر الذي حدثت فيه الإصابة، ومن يعتمد العوامل الأساسية في الصمم. فقد ذهب باحثون إلى الكلام عن فئات الصم قبل الولادة أو معها أو بعدها، أو قبل السنة الثالثة من العمر أو بعدها. والعوامل في حدوث الصمم قبل الولادة متعددة: وفيها تدخل المورثات، وما يمكن أن تمر به الأم الحامل من الأمراض مثل الحصبة الألمانية. والعوامل في أثناء الولادة متعددة وترتبط بنوعية العسر في الولادة أو درجته أو بإصابات تقع في أثنائها. وقد يحدث الصمم بعد الولادة وقبل السنة الثالثة من العمر، أو بعدها، والعوامل هنا كثيرة. وقد ذهب باحثون آخرون إلى وضع الصم في فئات استناداً إلى ذلك الجزء من الأذن الذي أصيب ثم تسبب في حصول الصمم: فقد يكون ذلك الجزء الأذن الخارجية، وقد يكون الوسطى أو الداخلية، وقد يكون في المراكز العصبية، وقد تتعدد العوامل هنا.
وتميل الدراسات الإحصائية إلى القول إن نسبة الإصابة بالصمم تكون في حدود 15- 18% من مجموع المعوقين بالإعاقات المختلفة العقلية والجسدية وغيرها.
والغالب في الصمم وقوع الإصابة في سن مبكرة، ومن هنا اتجه الاهتمام البالغ نحو هذا الطفل الأصم مبكراً الذي آذى الصمم قدرته على الكلام وأسماه بعضهم «الأصم الأبكم». ولكن، لما كانت عمليات التوعية واسعة النطاق والأثر في المجتمعات المتطورة، فقد كثرت إجراءات الوقاية والتشخيص المبكر وانخفضت نسبة الإصابات بين الأطفال وغدت تراوح بين 0.15 - 0.25% من الأطفال ممن هم في عمر المدرسة في الكثير من البلاد المتطورة. وفي دراسات في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر السبعينات وُجد أن واحداً من كل ألفين من المواليد الجدد مصاب بالصمم إصابة كلية أو جزئية.
ويقود البحث في عمليات التوعية إلى التنويه بتطور العناية بالأصم عامة. فقد لقي الأصم عناية ضعيفة في الحضارات القديمة وحضارات القرون الوسطى، وكثيراً ما نظر إليه كأنه انتقام من الوالدين جاءهما من السماء. ولكن العناية غدت منظمة تدريجياً بعد عصر النهضة وعملت فيها جمعيات ومؤسسات اجتماعية وخيرية مختلفة. وقد عقد أول مؤتمر عالمي لمعلمي الصم سنة 1878 في باريس، كما عقد أول مؤتمر للاتحاد العالمي للصم عام 1951 في رومة. ثم توالت المؤتمرات وظهور الجمعيات والاتحادات العاملة في رعاية الصم. وقد ظهر في البلاد العربية عدد من الجمعيات والاتحادات الوطنية في النصف الأول من القرن العشرين وبعده، وتأسس سنة 1972 الاتحاد العربي للهيئات العاملة في رعاية الصم ويضم عدداً كبيراً من الجمعيات والاتحادات الوطنية في البلاد العربية، ومركز الاتحاد في دمشق منذ تأسيسه.
اللغة والتفكير والذكاء لدى الطفل الأصم
الشكل (1) الحروف العربية لأبجدية الإشارة بالأصابع أقرها المؤتمر العربي الخامس للهيئات العامة في رعاية الصم ـ عمان من 5-8/10/1986 |
يرتبط تكون اللغة المنطوقة لدى الإنسان ارتباطاً كيانياً بالسمع لديه والمحاكاة وبالخبرات السمعية في وقت مبكر من حياته. من هذه الزاوية يصعب جداً تكون الكلام من درجة واضحة أو قريبة من ذلك لدى الطفل الذي بدأ صممه قبل الثالثة أو الثانية من العمر. أما من بدأ صممه بعد هذه المدة، فتساعد خبراته السابقة في إنضاج عملية التدريب على الكلام مساعدة مناسبة وملحوظة.
إن العجز في تكوّن اللغة المنطوقة لدى الأصم لا يعني عجزاً في تكون نظام ترميز لديه للدلالة على الأشياء والمفاهيم قائم على معطيات حاسة البصر والحواس الأخرى (وعلى مستوى بقايا السمع في بعض الحالات). ومن هذه الزاوية اتجهت العناية بالأصم إلى العناية بلغة الإشارة وكان من ثمرات هذه العناية الوصول إلى أحرف الهجاء اليدوية (أو ألفباء الأصابع) manual alphabet المعتمدة على حركة الأصابع في اليد الواحدة أو في الاثنتين، وإلى لغة الإشارة sign language التي تتألف من عدد كبير، ما يزال يتطور، من إشارات يدوية تضاف إليها إيماءات، في حالات، للتعبير عن أشياء متنوعة ومفاهيم مجردة. وقد أنجز الاتحاد العالمي للصم عدداً كبيراً من هذه الرموز اللغوية، كما أنجز الاتحاد العربي وعدد من الاتحادات الوطنية العربية المهتمة بالصم أحرف هجاء يدوية وإشارات للأعداد يدوية. وما تزال هذه الاتحادات تقوم بجهود مستمرة لإخراج لغة الإشارات اليدوية العربية وتطويرها لتشمل الكثير من الأشياء والمفاهيم.
واستناداً إلى أثر اللغة في الفكر، وأثرها في مستوى الذكاء، فقد اهتمت بحوث متعددة بموضوع التفكير لدى الصمّ وموضوع مستوى الذكاء لديهم. والنتائج في هذه البحوث ما تزال تنطوي على خلافات وما تزال تتطلب المزيد من الدراسة والتقصّي. ولكن الاتجاه الغالب يذهب إلى أن نظام الترميز الذي يصل الأصم إليه يكفي لدفع تفكيره إلى مستوى من الجودة يتناسب فيه مع غير الأصم. كذلك يكون الاتجاه الغالب أن مستوى الذكاء لدى الصم لا يختلف في أصله عن مستوى الذكاء لدى السامعين، وأن أي تقصير يوجد يكون مرده إلى التقصير في تكوين الخبرات وتوفير الفرص للأصم لينمي إمكاناته من حيث الذكاء التي لا تكون في الأصل مختلفة عن إمكانات السامع إلا من زاوية الفروق الفردية بين الناس عامة.
تربية الطفل الأصم
يقوم تنظيم عملية تربية الطفل الأصم على عدد من القواعد الرئيسة في مقدمتها ما يلي:
ـ العمل على الكشف المبكر للصمم والبدء المبكر في استغلال البقايا السمعية وفي توفير شروط محيطية غنيّة تساعد على إغناء خبرته المرتبطة بحواسه الأخرى.
ـ العمل على تدريب الوالدين في وقت مبكر من حياة الأصم على التعامل معه تعاملاً موجهاً بهدف اكتسابه خبرة غنية، وتعلّمه الإفادة من حاسة البصر، بوجه خاص، لاستخراج دلالة ما يشير إليه وجه الآخرين وحركات شفاههم عند الكلام. والعمل كذلك على توجيه الوالدين لتوفير جوّ يساعد على شعور الأصم بالطمأنينة والأمن والتكيف مع قيود الإعاقة لديه.
ـ التعامل معه وفق نظام اتصال متكامل يجمع بين: لغة الإشارة (وما فيها من أحرف هجاء يدوية)، وطريقة قراءة الشفاه lip reading القائمة على استطلاع الأصم ما يريده أو يقوله الشخص الذي يخاطبه وجهاً لوجه وذلك اعتماداً على حركة شفتي ذلك الشخص، وطريقة الكلام المدعم أو الموجه بحركات أو إيماءات في الوجه أو في طريقة عمل الحنجرة cued speechوهي حركات متنوعة يظهر بعضها على المتحدث مع الأصم، كما يظهر بعضها الآخر في تلمس حركات الوجه أو الحنجرة لدى الأصم ذاته [ر. التربية الخاصة]. إن هذا النظام المتكامل هو أصل في تنظيم تربية الأصم داخل الأسرة وفي مؤسسات التربية ما قبل المدرسية ثم في التربية المتوافرة في المدرسة العامة أو الخاصة بالأصم.
ـ القيام بتنظيم العملية التربوية داخل المؤسسات التربوية على أساس من نظام الاتصال المتكامل المذكور في الفقرة السابقة، وأساس دمج الطفل الأصم في الحياة الاجتماعية التي توفرها المدرسة للأطفال السامعين. إن مثل هذا الدمج يساعد على تقديم خبرات اجتماعية متنوعة للأصم تلزمه في تنشئته الاجتماعية وحسن تكيفه، ويساعد السامعين كذلك ليغدو تفاعلهم معه أكثر إنسانية وأكثر نفعاً لنضجهم.
ـ إن تنظيم العملية التربوية على الأساس المذكور في الفقرة السابقة يقتضي مناهج دراسية تساير المناهج الموضوعة للسامعين ليكون الأصم قادراً على متابعة السير في السلّم الدراسي ما قبل الجامعي ثم في الجامعة. ولكن تقنيات التعليم يجب أن تكون منظمة ومتكيفة مع إمكانات الأصم وحاجاته، ويدخل في ذلك غنى المؤثرات غير السمعية التي يجب أن توفرها هذه التقنيات.
ـ لما كان صمم الطفل على درجات، بينها ما يعبر عن إمكان الوصول إلى إفادة جيدة من مستوى السمع لديه، فإن من اللازم اعتماد وسائل أو أجهزة توسع مدى السمع لديه عن طريق تغيير مستوى شدة الصوت الوارد إلى أذنيه لتكون المحصلة ارتفاعاً أو تضخيماً في ذلك الصوت. إن هذه الوسائل، أو «المساعدات السمعية» أو «السماعات»، كثيرة ومتنوعة وهي آخذة بالتطور لتقدم مزيداً من الخدمات للأصم.
ـ لما كانت المنتجات الصناعية الخاصة بالاتصال بين الأشخاص في تطور سريع ومستمر، فإن من اللازم في التربية الخاصة التي يتم تنظيمها للطفل الأصم أن تهتمّ بهذه المنتجات وتأخذ باستخدامها بأسرع ما يمكن بعد توافرها وذلك ليفيد منها الطفل الأصم في مؤسسة التربية الخاصة وليعتاد استخدامها في حياته اليومية. هذا مع العلم أن استخدام ما هو متطور منها يتطلب تكوّن مهارات لدى الأصم تحتاج إلى بعض الوقت ليغدو تمكّنه منها كافياً من الناحية الوظيفية.