أسد بن الفرات بن سِنان
(142ـ 213هـ/ 759ـ 828م)
أبو عبد الله، أسد بن الفرات بن سِنان من موالي بني سُليم، فقيه قاض مصنّف وأحد القادة الفاتحين. ولد بحرّان، وكان أبوه خراسانياً من أفراد الجيش الذي أرسله الخليفة العباسي المنصور إلى إفريقية بقيادة محمد بن الأشعث الخزاعي، فاصطحب الأب ابنه وعمره سنتان إلى القيروان فنشأ فيها ثم رحل إلى تونس وفيها قرأ القرآن وتلقى مبادئ العلوم واستكمل دراسته على يد زياد العبسي.
وفي سنة 172هـ رحل ابن الفرات إلى الشرق، وفي الحجاز لقي مالك بن أنس [ر] الذي كان شيخاً شارف على الثمانين فأمضى سنوات يشهد حلقاته ويكتب عنه، ثم رحل إلى العراق فلقي أبا عبد الله محمد بن الحسن الشيباني [ر] الذي عني به وتفقد حاجاته في العيش والدرس، فاطّلع على مذهب أهل الرأي الحنفي في بغداد. وهكذا قدّر لابن الفرات أن يدرس المذهبين الكبيرين السائدين في العالم الإسلامي إذ ذاك: المذهب المالكي والمذهب الحنفي، وفي طريق عودته إلى القيروان قابل في مصر أئمة الفقه من أصحاب مالك: كعبد الله بن وهب، وعبد الله بن الحكم، وعبد الرحمن بن القاسم، فأقام معهم صلة، وكانت صلته الوثيقة مع ابن القاسم الذي كان واسع العلم نافذ البصيرة، فكتب عنه ابن الفرات في جميع أبواب الفقه، وأنتجت هذه الصلة الوثيقة في القيروان أثراً من الآثار الخالدة في تاريخ المذهب المالكي وهو تأليف كتاب «الأسدية»، نسبة إليه، وهو أساس الفقه المالكي، وفيه يبدو أثر ابن القاسم أول تلامذة الإمام مالك. وقد شرح الكتاب وبوّبه ونظّمه الإمام سحنون وعرف باسم «المدوّنة».
وفي القيروان أقبل الناس على ابن الفرات يتلمّسون حصيلة الرحلة العلمية الطويلة، فكان يجلس إليه أتباع المذهب المالكي والمذهب الحنفي، فيأخذ في عرض مذهب أبي حنيفة وشرح أقوال العراقيين، فإذا فرغ منها صاح صائح من جانب المجلس: أوقد المصباح الثاني يا أبا عبد الله، فيأخذ في عرض مذهب مالك وشرح أقوال أهل المدينة المنوّرة. فكان هذا منهجاً جديداً في دراسة الفقه المقارن اتسعت دراسته في القيروان.
ولاّه الأمير زيادة الله الأغلبي منصب القضاء إلى جانب أبي محرز الكتّاني سنة 204هـ وذلك بتوصية من الوزير علي بن حُميَد. وقد نشأت بين القاضيين خصومة في الرأي من غير إسراف.
وقد حظي ابن الفرات عند الأمير زيادة الله حتى صار الأمير يستشيره في شؤون الملك كلها، وكان مسموع الكلمة محبوباً إليه وإلى العامة، وهو الذي زين للأمير أن يزحف إلى صقليّة بأسطوله وجيوشه. ثم وجد ابن الفرات في نفسه رغبة ملحة في التقرب إلى الله وهي أن يقود المجاهدين على الرغم من تقدمه في السن، وذلك خوفاً من أن يكتفي غيره بكثرة الغنائم والسبايا فلا تصل الحرب إلى نتيجة حاسمة، فرفض الأمير الأغلبي طلبه في البدء، ولكنه ألّح في التماس تحقيق رغبته، وكان يقول وقد تجاوز السبعين من عمره: «وجدوني رخيصاً فلم يقبلوني، وقد أصابوا من يجري لهم مراكبهم من النوتيّة، فما أحوجها إلى من يجريها لهم بالكتاب والسُنَّة». وأجابه الأمير زيادة الله إلى طلبه وولاه قيادة أسطول لفتح جزيرة صِقِلِّيِّة، وأقلعت القوات من سوسة في عام 212هـ/ 827م بتسعمئة فارس وعشرة آلاف راجل غير البحّارة. وبعد مسيرة خمسة أيام وصل إلى شواطئ صقليّة ونزل في مدينة مازارا وهزم بلاطة القائد البيزنطي، ثم حاصر سَرَقوسة، وجاءته إمدادات من إفريقية كما جاءته سرايا المجاهدين من الأندلس على أسطول أندلسي.
واستطاع ابن الفرات دحر حامية بَلَرْم (بالرمو) في البداية، وحين اشتد الحصار على سرقوسة براً وبحراً وكادت تستسلم انقلب الوضع، فأصيب عدد كبير بالأمراض، وأضر الجوع بالناس، وجرح ابن الفرات في أثناء الحصار ثم مات متأثراً بجراحه، ودفن تحت أسوار سرقوسة.
واستطاع المسلمون بعد موته بثلاث سنوات أن يفتحوا بَلرَم.
مراجع |
ـ عبد الله بن محمد المالكي، رياض النفوس في طبقات علماء القيروان، ج1 (نشر حسين مؤنس، القاهرة 1951).
ـ ابن خلكان، وفيات الأعيان (دار صادر، بيروت 1978)
ـ الحميري، الروض المعطار (دار القلم، بيروت 1975).