Search - للبحث فى مقالات الموقع

Sunday, March 27, 2011

التأويل Hermeneutics - Interpretation


التأويل Hermeneutics - Interpretation في اللغة «الترجيع»، والتأويل عند علماء اللاهوت هو تفسير الكتب المقدسة تفسيراً رمزياً أو مجازياً يكشف عن معانيها الباطنة. وهو عند ابن رشد[ر] «إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية من غير أن يخلّ في ذلك بعادة لسان العرب في التجوز من تسمية الشيء بشبيهه أو سببه أو لاحقه أو مقارنه أو غير ذلك من الأشياء التي عددت في تعريف أصناف الكلام المجازي».
لجأ كثير من الفرق الكلامية إلى التأويل إضافة إلى أخوان الصفا والصوفية والفلاسفة. فعمدت الفرق الباطنية إلى تأويل النصوص الظاهرة في التوراة والإنجيل والقرآن بمعان باطنة، وعدّت النصوص والشعائر الدينية رموزاً لحقائق خفية. وكان فيلون[ر] Philon اليهودي الاسكندري رائد النزعة التأويلية، واضطره إلى ذلك النقد الشديد الذي تعرضت له قصص التوراة من الفلاسفة اليونانين، فشرح التوراة كما شرح الإغريق هوميروس منذ زمن بعيد، وفق المنهج الرمزي المجازي، وكذلك على غرار شرح الفيثاغوريين والأفلاطونيين والرواقيين لقصص الميثولوجية وعبادات الأسرار. فألّف عدداً كبيراً من الكتب الفلسفية والشروح التوراتية، وجميعها باليونانية، أهمها «في خلق العالم»، و«تأويل سفر التكوين». وانطلق من مقدمة منهجية كبرى، وهي وحدة الحقيقة الفلسفية، كما تجلّت عند أفلاطون، والحقيقة الدينية الواردة في التوراة. وكان يقف في تأويله للإلهيات عند حدود الشريعة لا يتعداها، ولذلك أقبل فلاسفة المسيحية على كتبه بوصفها تقويماً دينياً للفلسفة اليونانية، ومحاولة جديرة بالمحاكاة لتأويل الأناجيل والقرآن تأويلاً فلسفياً. وقد أثّرت نظريته عن اللوغوس (الكلمة) في العقيدة المسيحية، وظهرت آثارها في إنجيل يوحنا[ر:الإنجيل]، فتابعه المسيحيون في التأويل، وغالوا فيه بغية التوفيق بين العقل والوحي، بين الفلسفة والدين.
فقد شرع آباء الكنيسة الأوائل وفي مقدمتهم اللاهوتي كليمنت الاسكندري Clement إلى حماية العقيدة المسيحية وتسويرها بمنظار العقل، فوضع كتاب «الطنافس»، مؤكداً ضرورة التفكير العقلي سبيلاً للإيمان وتنقية العقيدة من المؤثرات الغنوصية الوثنية. فالفلسفة لاتتعارض مع الدين وليست عدوة للإيمان، بل هي خير أداة لتفقه الدين. ثم تبعه تلميذه أوريجينالاسكندري Origin، اللاهوتي الناقد والمفسر الروحي للكتاب المقدس، الذي قدّم أول عرض فلسفي منظم للعقيدة المسيحية في كتابه «المبادئ». فقد استعان بالفلسفة اليونانية لتفسير الدين المسيحي، فعالج مشكلة الألوهية وقال بنظرية الخلق من العدم التي تجمع بين قدم المادة (التصور اليوناني) وحدوث العالم (سفر التكوين). كما كانت لكتب ديونيسيوس المجهول Pseudo - Dionysius  ـ الأسقف السوري الذي قدّم نفسه بأنه تلميذ بولس الرسول ـ  وخاصة «اللاهوت الصوفي» أهمية بالغة التأثير في الفلاسفة واللاهوتيين والمتصوفين اللاحقين في العصور الوسطى. وكان يوحنا الدمشقي وتوما الإكويني Aquinas من بين الذين طبعهم ديونيسيوس بطابعه، واعترف بفضله بطرس اللومباردي وروبرت جروستيت وألبرت الكبير.
كما تطوّر مع القديس أوغسطين[ر] منهج التأويل وأنتج، على حد تعبير جيلسون وكوبلستون، نظريات اختلطت بها الفلسفة مع العقيدة الدينية، وكونت علم اللاهوت الوسيط الذي يوفق بين العقل والوحي، فقد وثق أوغسطين العلاقة بين الإيمان الديني واليقين العقلي بعبارته الشهيرة: «اعقل كي تؤمن وآمن كي تعقل»، مبيناً أن الإيمان لا يلغي العقل ولا يعفي من البحث ولا يقتل الفكر. وهذا المثال الثقافي الذي ارتسم بشكل صورة توراتية ـ إنجيلية سار على نهجه أشهر لاهوتي العصر الوسيط مثل  جون سكوت إريجينا Erigena، الشارح الأكبر لإنجيل يوحنا، فقد قدّم الكثير من المؤلفات أهمها كتاب «تقسيم الطبيعة» عالج فيه موضوع المعرفة والخلاص، فوازى بين العقل والدين بقوله: «ليست الفلسفة الحقة إلا الدين الحق، وبالمقابل فإن الدين الحق ما هو إلا الفلسفة الحقة.... فلا يدخل أحد السماء، ما لم يكن ذلك عن طريق الفلسفة». وأكمل القديس أنسلم في مؤلفه «بروسلوجيون» هذا النموذج التأملي في تعقل الإيمان، فقدم برهانه الأنطولوجي لوجود الله الذي تأثر به فيما بعد ديكارت. كما اتبع موسى بن ميمون Maimonides اليهودي الإسباني في كتابه «دلالة الحائرين» منهج التأويل، وكذلك فعل يوهانس إيكارت[ر] Eckhart الصوفي الدومنيكاني الألماني في «كتاب التفسيرات». وتلاه القديس بونافنتورا[ر]. ثمّ القديس توما الإكويني[ر] الذي أفرد علماً خاصاً باللاهوت الطبيعي لمعالجة قضايا الدين والفلسفة، فوضع مؤلفيه الكبيرين «خلاصة الرد على الأمم» و«الخلاصة اللاهوتية»، لتأويل القضايا الدينية وتسويغها وفهم الألغاز والأسرار الإيمانية كالثالوث المقدس والتجسد والخلق والصفات الإلهية، مؤكداً بذلك مبدأ وحدة الحقيقة وأنه «يستحيل إثبات ما يضاد الحق بالبرهان»، فالمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه فلسفته التوفيقية هو «الفلسفة خادمة للدين»، وأن الدين هو معيار الحقيقة واليقين ويتمتع بالأولوية على العقل، لذلك يكون العقل عوناً على بناء الإيمان وليس سلاحاً هداماً.
وتعد المعتزلة أكثر الفرق الكلامية تمسكاً بالتأويل لقيام منهجهم على العقل والمنطق. وكذلك بعض الصوفيين أمثال الحلاج وابن عربي. في حين يقف الأشاعرة والغزالي موقفاً سلبياً من التأويل، ويتمسكون بظاهرة النص والإجماع. أما للفلاسفة، فقد ارتبط التأويل بمحاولتهم التوفيق بين الدين والفلسفة، أو بين العقل والنقل فكانت محاولة فلاسفة المغرب: ابن طفيل مثلاً في مؤلفة «حي بن يقظان»، وابن رشد في كتابه «فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة في الاتصال». دافع ابن رشد عن التأويل، فانتقد موقف أهل الظاهر والحشوية، كما دحض الكثير من آراء الأشاعرة والغزالي التي لا تقوم على التأويل والقياس البرهاني «فالحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة ... هما المصطحبتان بالطبع المتحابتان بالجوهر والغريزة».