التشويش brouillage اضطراب طبيعي أو عَرَضي أو متعمَّد يقود إلى إضعاف رسالة مبثوثة أو الإساءة إلى وضوحها إساءة بالغة بحيث يتعذر فهمها.
الضجيج الصوتي والضجيج المرئي
إنَّ مصادر التشويش لا حصر لها، وهو في الحقيقة لا يقتصر على الضجيج الصوتي، وإنما يتعدّاه إلى الضجيج المرئي الذي يظهر مثلاً على شاشة التلفاز بصورة بقع عابرة مضيئة كندف الثلج أو بصورة أخيلة متعددة تحدث لدى مرور عربة نقل مثلاً. وقد يأخذ الضجيج شكل اهتزاز في الصورة على الشاشة متواقت مع الصوت.
تعتمد درجة وضوح رسالة هاتفية أو مبثوثة إذاعياً أو بالتلفاز على نسبة الإشارة signal إلى الضجيج bruit أي على النسبة ش/ج . وهي نسبة ينبغي أن تكون عالية بقدر الإمكان، ويصعب تحديدها تحديداً دقيقاً وذلك لاحتمال كون الضجيج مستمراً أو متقطعاً. ويظهر الضجيج على هيئة خشخشة صوتية أو صوت صفير بأنواع مختلفة أو تشويهات متنوعة تتحدد بما يسمى بـ «عامل الضجيج» facteur de bruit. ويكون مصدر الضجيج داخلياً أو خارجياً. ففي جهاز الاستقبال حتى في حال غياب أيِّ إشارة مُسْتَقْبَلة يوجد مستوى أدنى للضجيج يدعى «الضجيج الحراري» bruit thermique ومصدره التهيُّج التلقائي لجزيئات المكونات الإلكترونية في جهاز الاستقبال. ولتخفيف هذا النوع من الضجيج ومن ثم لتحسين نسبة الإشارة إلى الضجيج، يُلجأ إلى استخدام درجات الحرارة المنخفضة في أجهزة الاستقبال العالية الجودة كما هي الحال في «المازر» Maser وهو جهاز لتضخيم الأمواج الكهرمغنطيسية بطريقة الإصدار المحثوث للإشعاع.
التشويش الطبيعي
1ـ التشويش ذو المنشأ الكوني: تحدث لدى استخدام الترددات العالية جداً آثار أخرى للتشويش تدعى بالضجيج الكوني Bruit Cosmique وهو ضجيج متعدد المصادر. وبوجود هذا النوع من الضجيج يصعب بل يتعذر الاتصال بالمذياع عن بعد، ولاسيما أثناء النشاط الشمسي أو عند تشكُّل الشفق القطبي الشمالي aurores boreales، كما أن هناك ضجيجاً منشؤه بين النجومinterstellaire يحدث لدى تهيُّج الذّرات المعزولة، أو تسبِّبه إصدارات راديوية عن «الكازارات» quasars في أعماق الفضاء، وليست الكازارات إلا أجراماً سماوية شبيهة بالنجوم إلا أن الإشعاع الصادر عنها منزاح نحو الأحمر انزياحاً كبيراً.
2ـ الانفراغات الكهربائية الطبيعية: من أنواع التشويش الطبيعي المتقطع الانفراغات (التفريغات) الكهربائية التي تحدث في الجو بين الغيوم مثلاً، والتي يرافقها إصدار أمواج كهرمغنطيسية، ويخضع هذا النوع من التشويش إلى دراسات مستفيضة، ذلك لأنَّ حدوث ما يقارب 1500 عاصفة متواقتة على سطح الكرة الأرضية أمر في غاية الأهمية بالنسبة للأرصاد الجوية.
انتشار الأمواج المتوسطة إن الأمواج الصادرة عن المرسل E لا تبلغ المستقبِل R1 نهاراً إلا عن طريق الأمواج الأرضية/ فإذا جَنَّ الليل انعكست هذه الأمواج عن الطبقات المتأينة C وتبلغ المستقِبل R2 الذي يتجاوز المستقبِلR1بمسافات شاسعة. إن تغير كثافة الطبقات المتأينة وارتفاعها هو السبب في أنواع الخفوت والاضطراب الإذاعي في المنطقة ZP |
3ـ خفوت الصوت وأسبابه: إنَّ تشكُّل طبقات متأيِّنة في أعالي الغلاف الجوي يعد مصدراً للتشويش الطبيعي له أثره الواضح في البثِّ الإذاعي، فكثافة هذه الطبقات وارتفاعها يتغيَّران بتغيُّر الإشعاع الشمسي الساقط على سطح الكرة الأرضية، وهذا ما يؤثر في انتشار الأمواج. أضف إلى ذلك أن هذه الطبقة المتأيِّنة غير مستقرة في الحالة الطبيعية، ويؤدي اضطرابها وتشتُّتها إلى الحدِّ من الانتشار الأمثل للأمواج. ففي حالة الأمواج الهكتومترية التي تنتشر نهاراً فإنها لا تغطي إلا المنطقة المعروفة بمنطقة الهدوء. فالتغيرات في الطبقات المتأيِّنة قد تقود إلى انخفاض مستوى الاستقبال وهذا ما يعرف بالخفوت fading، ويكون هذا الخفوت بطيئاً أو سريعاً أو وامضاً، بل ويؤدي أحياناً إلى انزياح طور الإشارة dephasage وهذا ما يسبب تشويهاً شديداً فيها وهو ما يعرف باسم الخفوت الاصطفائي fading selectif ويلاحظ المرء حدوث هذه الظاهرة الأخيرة في الأمواج الإذاعية الطويلة أي الأمواج الكيلومترية (الشكل ـ1).
التشويش العَرَضي
1ـ ازدواجية محطات البحث:ينشأ التشويش العرضي نتيجة تداخل الأمواج الصادرة عن محطتي بث تعملان على موجتين حاملتين متقاربتين. فمن الناحية النظرية ينبغي أن يكون الفارق بين طولي الموجتين الحاملتين بين المحطتين مساوياً KHZ 11، إذا كانتا تعملان بنظام التعديل السعوي وKHZ 25 إذا كانتا تعملان بنظام التعديل الترددي، وهذا ما لا تلتزمه محطات البث التزاماً دقيقاً، فينتج عن ذلك تشويش متعدد الأشكال. ومما يزيد الأمر سوءاً عمل أجهزة البث المتباعدة جغرافياً على طول موجة واحدة مما يؤدي إلى حدوث الخفوت الاصطفائي أو الخفوت الوامض أو السريع fading scintillants.
2ـ التشويش الصناعي: لعل أهم أنواع الضجيج هو الضجيج الصناعي، فحضارتنا ضاعفت هذا النوع من الضجيج أضعافاً كثيرة، فوصل تيار كهربائي أو قطعه تعديل شدته يؤدي إلى صدور أمواج متخامدة تمتد على مجال ترددي واسع، ومن ثم فهي تعد مصدر اضطراب مزعج لأن شبكة التمديدات الكهربائية تنقله على خطوطها. وليس التخلص من التشويش الصناعي بالأمر السهل، إذ ينبغي في الحقيقة معالجته في المنبع ذاته باستخدام المرشِّحات filters التي تشتمل على تحريضيات تعيق مردود مركِّبات معينة، إضافة إلى مكثِّفات تفيد في تحرير المركِّبات إلى الأرض. وفي الحالات البالغة الخطورة التي يكون فيها طيف التشويش على هيئة طيف مستمر كما هو الحال في أنابيب الانفراغ فإن المرشِّح يصير أكثر تعقيداً إلا أنه يعمل دوماً على المبدأ ذاته، وثمة طريقة أخرى متممة للطريقة السابقة تقضي بوضع جملة المرشح ضمن قفص فارادي متصلٍ اتصالاً جيداً بالأرض على النحو المبين في الشكل 2.
مرشِّح مضاد للتشويش مؤلف من: تحريضية L ومكثفة C إنَّ التحجيب B يشكِّل قفص فارادي وهــو يحيـط بالنظام من كامل جوانبه وموصول وصلاً وثيقاً بالأرض. |
وتُستخدم هذه الطريقة في المختبرات التي يراد عزلها عما يحدث خارجها من اضطرابات كهربائية، وهذا ما يتم عملياً في الكابلات المحورية المحجَّبة المضادة لظاهرة التحريض.
التشويش المتعمَّد
يُعَدُّ التشويش المتعمَّد وسيلة من الوسائل المضادّة أو التدابير المعاكسة، فهو يؤدي دوراً سياسياً أو عسكرياً هاماً، بهدف الإساءة إلى وضوح الرسالة المبثوثة من قِبَل العدو أو الخصم، ومن ثم تخفيض نسبة الإشارة إلى الضجيج تخفيضاً كبيراً.
كان كافياً في بداية عهد التشويش بثُّ أمواج مخمدة على الطول الموجي ذاته. وهذا ما تمَّ فعله إبَّان الحرب العالمية الثانية، باستخدام مهتز دوَّار oscillateur cyclique، فتدوير المكثِّف في الدّارة المهتزَّة في المرسل باستمرار كان يُوَلِّدُ أمواجاً ذات نطاق تردُّديٍّ واسع. وعلى هذا ما يزال هذا النَّوع من أجهزة التشويش قيد الاستخدام، فقد طُوِّرت أنواع أخرى عديدة تعتمد في عملها على المبدأ ذاته. فكل خصم يَعلم أنَّ غريمه يستخدم وسائل متعددة لبثِّ رسائله اللاسلكية كأنظمة التشفير بالأمواج العادية أو بالأمواج التربيعية، أو بالأمواج المعدَلة سعوياً أو المعدلة تردُّديَّاً أو نبضيَّاً، ولذا فإن عليه أن يشوِّش جميع هذه الطرائق حتى يجني ثمار التشويش على اتصالات عدوّه. وتستخدم وسائل مضادة مماثلة على الرادار. وممّا يزيد من فعالية التشويش هنا تصميم حجرة القيادة في الطائرات الحديثة بحيث تكون انعكاسيتها للأمواج الكهرمغنطيسية ضئيلة جداً أو معدومة.