ثورة فبراير:
Февральская революция)
Февральская революция)
الاحتجاجات
كانت ثورة فبراير البرجوازية التي أطاحت بالأتوقراطية، خطوة مهمة على طريق ثورة أكتوبر، حيث بُذلت المحاولات لإصلاح النظام القيصري، وذلك باستبداله نظاماً دستورياً، لكن عدم استجابة القيصر لطلب الدوما (البرلمان الروسي) بعزل وزير الداخلية المكروه شعبياً، أدى في مطلع فبراير إلى التذمر والاحتجاج العام، فأضرب العمال في عدد كبير من المؤسسات الصناعية في پتروگراد، وخرج إلى الشوارع أكثر من 90 ألف متظاهر رافعين شعارات معادية للحرب وللنظام القيصري. [1]
عودة القيصر وتنازله
ونتيجة لارتفاع عدد المتظاهرين وحدوث صدامات مع الشرطة، طلب القيصر نيقولا الثاني من الجنرال خابالوف وضع حد لهذه الأعمال، فقامت فصيلة من السيارات المصفَّحة بفتح النار على المتظاهرين، كما اعتقلت الحكومة في ليلة 25-26 فبراير عدداً كبيراً من الثوار، لكن المظاهرات استمرت واستولى الثوار على بعض مراكز الشرطة، وممَّا أضعف السلطة انضمام بعض فصائل الجيش إلى الثوار، ولم يتمكن خابالوف من قمع الثورة، وانتقلت الثورة إلى المدن الأخرى، وأعلن الإضراب العام في موسكو واستولى الثوار على السجون وأطلقوا سراح المعتقلين السياسيين وتم توقيف القيصر والوزراء، وفرضت الإقامة الجبرية على العائلة القيصرية، وقام مجلس الدوما الذي يضمُّ الأغلبية من البرجوازية بتشكيل حكومة مؤقتة برئاسة لفوف أحد كبار الإقطاعيين، كما شغل ممثلو الحزبين البرجوازيين «الكاديت» حزب الدستوريين الديمقراطيين والأكيتابريين حزب البرجوازية الكبيرة جميع المناصب الحساسة. وقامت إلى جانب الحكومة في جميع أنحاء البلاد مجالس «سوفييتات» تضم ممثلي العمال والفلاحين والجنود، وكوَنت هذه المجالس كتائب مسلحة راحت تمارس السلطة الفعلية في المدن والأرياف.
الحكومة المؤقتة وپتروگراد السوڤيتية تتقاسمان السلطة
وهكذا قامت في البلاد سلطتان: سلطة الحكومة البرجوازية المؤقتة وسلطة السوفييتات، وازدواجية السلطة هذه كانت من أبرز خصائص ثورة شباط. وفي الأشهر الأولى من الثورة، لم يظهر التناقض بين هاتين السلطتين، ذلك أن المناشفة والاشتراكيين الثوريين الذين تمتعوا بالأغلبية في السوفييتات، كانوا سنداً للحكومة المؤقتة لأنهم اعتقدوا أن هذه الثورة هي ثورة ديمقراطية برجوازية، تتمثل مهمتها في القضاء على الحكم القيصري وإجراء بعض الإصلاحات الليبرالية، وكانوا يرون أن روسية لم تنضج بعد للثورة الاشتراكية. وبما أن الثورة الحالية ذات طابع ديمقراطي برجوازي، فإن الطبقة البرجوازية هي التي يجب أن تتولى قيادتها، أمَّا البلاشفة فقد عدوا أن هذه الثورة ليست سوى خطوة على طريق الثورة الاشتراكية، وأن استلام البرجوازية السلطة سيكون عائقاً أمام تحقيقها.
عودة لينين من المنفى
اتصف ربيع وصيف 1917 بتفاقم الصراع الطبقي، وتعاظم الروح الثورية، فقد تأسَّست لجان الجنود في الوحدات العسكرية المرابطة على الجبهة وفي المواقع الخلفية، كما تململ العمال والفلاحون وضاقوا ذرعاً من الجمود الذي خيّم على الحكومة البرجوازية المؤقتة، لأن إجراءات الحكومة اقتصرت على توفير بعض الحريات الديمقراطية، كالسماح للأحزاب بالنشاط العلني ومنح العفو السياسي العام، وطرحت شعار متابعة الحرب، وتجاهلت مطالب الفلاحين بالحصول على الأرض، ومطالب العمال بزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل، كما أنها لم تقم بجهد فعّال لتوفير المواد التموينية والغذائية للشعب. في الوقت نفسه، رفضت مجالس السوفييتات التي يهيمن عليها ممثلو البرجوازية الصغيرة (المناشفة والاشتراكيون الثوريون والفوضويون) أخذ زمام السلطة بيدها، لذلك تعاظم نشاط البلاشفة الثوري في طول البلاد وعرضها.
وفي مطلع أبريل، عاد لينين من منفاه في سويسرا، ونشر موضوعات الاستراتيجية والتكتيك للبلاشفة، التي أقرت في المؤتمر الثاني للحزب البلشفي الروسي المنعقد أواخر يونيو 1917، أشارت الموضوعات، المعروفة بموضوعات يونيو، إلى أن الثورة البرجوازية قامت وانتهت من دون أن تنتصر، لأنها لم تحل المسائل الديمقراطية، وأن الانتقال للثورة الاشتراكية في روسية لم تعد فكرة وحسب، بل صارت واقعاً ملموساً، نظراً لتوافر الشروط الموضوعية بدءاً بالصراع الطبقي والاضطهاد القومي، وانتهاءً بمستوى لا بأس به من التطور الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، فضلاً عن وجود الحزب الثوري حزب العمال والفلاحين.
تضمنت موضوعات أبريل أيضاً خطة للسلام، وخطة لتطوير الثورة سلمياً، وخطة لمعالجة الوضع الاقتصادي المتأزم، وذلك بتأميم المصارف والتروستات وتنفيذ المحاسبة والمراقبة على الدخل والإنتاج، وحل مسألة الأرض لصالح الفلاحين. هاجم المناشفة والاشتراكيون الثوريون موضوعات نيسان، ورأوا أن الانتقال للثورة الاشتراكية يحتاج لمدة طويلة، وقال بليخانوف: «إن الحبوب في روسية لم تنضج بعد لخبز الاشتراكية». وفي مطلع حزيران، عند انعقاد المؤتمر الأول لسوفييتات عموم روسية، عمَّت المظاهرات مدينة پتروگراد تحت شعارات: «سلم، خبز، حرية»، ولعب البلاشفة دوراً واضحاً في قيادتها وتوجيهها بما يخدم استراتيجيتهم. وتجدَّدت هذه المظاهرات في تموز، ولكن ممثلي المؤتمر الذين كانوا في غالبيتهم من المناشفة والاشتراكيين الثوريين، وقفوا إلى جانب الحكومة البرجوازية.
ما بعد الثورة
وفي خريف 1917 أوصلت سياسة الحكومة المؤقتة البلاد إلى حافة كارثة وطنية، فقد اتسعت أعمال التخريب في الصناعة ووسائط النقل وتناقصت المواد الخام والوقود، مما تسبب في إغلاق مئات المصانع وانتشرت البطالة وازدادت الإضرابات العمالية، واختفت معظم السلع التموينية وارتفعت أسعارها، وفي أواخر آب سقطت ريغا بيد الألمان، واستغل الجنرال «كورنيلوف» القائد العام للجيش الروسي هذه الفرصة وحاول القيام بانقلاب عسكري لإقامة دكتاتورية عسكرية، لكن المؤامرة أُحبطت بتضافر جهود البلاشفة مع الحكومة، وأُلقي القبض على كورنيلوف وعين «كرينسكي» قائداً عاماً للجيوش الروسية. وفي الوقت نفسه وافقت سوفييتات پتروگراد على مشروع قرار قدمه البلاشفة، يقضي بنقل السلطة إلى السوفييتات، فسارع كرينسكي في أول أيلول إلى تشكيل حكومة مديرين من خمسة أعضاء وأعلنت الجمهورية الروسية، ثم اتخذت سوفييتات موسكو قراراً مماثلاً لقرار پتروگراد، وتوالت بقية السوفييتات في تبني قرارات مماثلة تقضي بنقل السلطة إلى السوفييتات، وانحازت حاميتا پتروگراد وموسكو إلى صف البلاشفة في الوقوف ضد الحرب الاستعمارية، ومن أجل إقرار السلام، وحدث الشيء نفسه مع أسطول البلطيق وجنود الجبهتين الشمالية والغربية، وتعاظمت حركة التحرر القومي في الأقاليم. وفي تلك الأثناء كانت الحكومة تعاني أزمة مستمرة، وعمَّت الفوضى صفوف المناشفة، وانفصل عنهم فريق يطالب بضرورة التحالف مع البلاشفة، وظهر جناح يساري من الاشتراكيين الثوريين بادر إلى التحالف مع البلاشفة، وهكذا أصبح البلاشفة في موقع القوة السياسية والعسكرية
ثورة أكتوبر
تعد ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسية لعام 1917، من أهم الأحداث وأبرزها في تاريخ العالم للقرن العشرين، لما حقَّقته من تغييرات مهمة في مصلحة العمال والفلاحين وسائر الفئات الكادحة، وما قامت به من دعم ومساندة لحركات التحرر الوطنية والعمالية في العالم. أحدثت هذه الثورة برأي معظم المؤرخين أول ثغرة في النظام الإمبريالي الاستعماري، ودشَّنت بداية عصر جديد هو عصر قيام الاشتراكية وتحرُّر الشعوب من الاستعمار. وضع استراتيجية هذه الثورة وقادها زعيم البلاشفة (الأكثرية) في الحزب العمالي الديمقراطي الروسي لينين F.I. Lenin، الذي أكَّد أهمية الثورة الاشتراكية في روسية وضرورة قيامها معتبراً أن جميع الأوضاع في البلاد مواتية لانتصارها، وذلك خلافاً لرأي المناشفة (الأقلية) وبعض الماركسيين الذين كانوا يرون أن الأوضاع لم تنضج بعد للثورة الاشتراكية.
أدَّى اشتراك النظام القيصري في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء إلى تفاقم الأوضاع العامة في روسية سوءاً واحتدام الصراع السياسي، كما أن الهزائم المتتالية للجيش الروسي على جبهات القتال دفع بالقوى السياسية المناهضة للنظام القيصري والفئات الاجتماعية، وفي مقدمتها العمال والفلاحون إلى الانخراط في الأعمال المسلحة من أجل الثورة والعمل على إسقاط القيصر والفئات الأرستقراطية والبرجوازية الملتفة حوله.
أعار لينين موضوع الحرب اهتماماً كبيراً، فبين أن هذه الحرب هي حرب استعمارية هدفها تقاسم مناطق النفوذ بين الدول الرأسمالية الكبرى، وأن مشاركة روسية فيها هو لصرف الأنظار عن الأوضاع المتردية في البلاد وخنق الحركة الثورية الناهضة. كما أشار إلى الفرق بين الحرب الإمبريالية والحرب العادلة المتمثلة في الحروب التي تخوضها الشعوب من أجل تحرُّرها، وكذلك الطبقة العاملة في مواجهة البرجوازية لتصفية الاستغلال وبناء الاشتراكية.
إلى جانب ذلك طرح لينين بعض الأفكار والرؤى حول الثورة، ورأى أن انتصار الاشتراكية في بلد واحد أو عدة بلدان يكوِّن بداية انتقال البشرية من المرحلة الرأسمالية إلى الاشتراكية، ولم يربط الثورة الاشتراكية بالطبقة العاملة فقط، بل عدَّ أن حركة التحرر الوطني جزء لا يتجزأ من الثورة العالمية.
سبقت ثورة أكتوبر الاشتراكية ثورة شباط 1917 البرجوازية، التي أطاحت بالأتوقراطية، وكانت خطوة مهمة على طريق أكتوبر، حيث بُذلت المحاولات لإصلاح النظام القيصري، وذلك باستبداله نظاماً دستورياً، لكن عدم استجابة القيصر لطلب الدوما (البرلمان الروسي) بعزل وزير الداخلية المكروه شعبياً، أدى في مطلع شباط إلى التذمر والاحتجاج العام، فأضرب العمال في عدد كبير من المؤسسات الصناعية في بتروغراد، وخرج إلى الشوارع أكثر من 90 ألف متظاهر رافعين شعارات معادية للحرب وللنظام القيصري. ونتيجة لارتفاع عدد المتظاهرين وحدوث صدامات مع الشرطة، طلب القيصر نيقولا الثاني من الجنرال «خابالوف» وضع حد لهذه الأعمال، فقامت فصيلة من السيارات المصفَّحة بفتح النار على المتظاهرين، كما اعتقلت الحكومة في ليلة 25-26 شباط عدداً كبيراً من الثوار، لكن المظاهرات استمرت واستولى الثوار على بعض مراكز الشرطة، وممَّا أضعف السلطة انضمام بعض فصائل الجيش إلى الثوار، ولم يتمكن «خابالوف» من قمع الثورة، وانتقلت الثورة إلى المدن الأخرى، وأعلن الإضراب العام في موسكو واستولى الثوار على السجون وأطلقوا سراح المعتقلين السياسيين وتم توقيف القيصر والوزراء، وفرضت الإقامة الجبرية على العائلة القيصرية، وقام مجلس الدوما الذي يضمُّ الأغلبية من البرجوازية بتشكيل حكومة مؤقتة برئاسة «لفوف» أحد كبار الإقطاعيين، كما شغل ممثلو الحزبين البرجوازيين «الكاديت» حزب الدستوريين الديمقراطيين و«الأكيتابريين» حزب البرجوازية الكبيرة جميع المناصب الحساسة. وقامت إلى جانب الحكومة في جميع أنحاء البلاد مجالس «سوفييتات» تضم ممثلي العمال والفلاحين والجنود، وكوَنت هذه المجالس كتائب مسلحة راحت تمارس السلطة الفعلية في المدن والأرياف.
وهكذا قامت في البلاد سلطتان: سلطة الحكومة البرجوازية المؤقتة وسلطة السوفييتات، وازدواجية السلطة هذه كانت من أبرز خصائص ثورة شباط. وفي الأشهر الأولى من الثورة، لم يظهر التناقض بين هاتين السلطتين، ذلك أن المناشفة والاشتراكيين الثوريين الذين تمتعوا بالأغلبية في السوفييتات، كانوا سنداً للحكومة المؤقتة لأنهم اعتقدوا أن هذه الثورة هي ثورة ديمقراطية برجوازية، تتمثل مهمتها في القضاء على الحكم القيصري وإجراء بعض الإصلاحات الليبرالية، وكانوا يرون أن روسية لم تنضج بعد للثورة الاشتراكية. وبما أن الثورة الحالية ذات طابع ديمقراطي برجوازي، فإن الطبقة البرجوازية هي التي يجب أن تتولى قيادتها، أمَّا البلاشفة فقد عدوا أن هذه الثورة ليست سوى خطوة على طريق الثورة الاشتراكية، وأن استلام البرجوازية السلطة سيكون عائقاً أمام تحقيقها.
اتصف ربيع وصيف 1917 بتفاقم الصراع الطبقي، وتعاظم الروح الثورية، فقد تأسَّست لجان الجنود في الوحدات العسكرية المرابطة على الجبهة وفي المواقع الخلفية، كما تململ العمال والفلاحون وضاقوا ذرعاً من الجمود الذي خيّم على الحكومة البرجوازية المؤقتة، لأن إجراءات الحكومة اقتصرت على توفير بعض الحريات الديمقراطية، كالسماح للأحزاب بالنشاط العلني ومنح العفو السياسي العام، وطرحت شعار متابعة الحرب، وتجاهلت مطالب الفلاحين بالحصول على الأرض، ومطالب العمال بزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل، كما أنها لم تقم بجهد فعّال لتوفير المواد التموينية والغذائية للشعب. في الوقت نفسه، رفضت مجالس السوفييتات التي يهيمن عليها ممثلو البرجوازية الصغيرة (المناشفة والاشتراكيون الثوريون والفوضويون) أخذ زمام السلطة بيدها، لذلك تعاظم نشاط البلاشفة الثوري في طول البلاد وعرضها.
وفي مطلع نيسان، عاد لينين من منفاه في سويسرة، ونشر موضوعات الاستراتيجية والتكتيك للبلاشفة، التي أقرت في المؤتمر الثاني للحزب البلشفي الروسي المنعقد أواخر حزيران 1917، أشارت الموضوعات، المعروفة بموضوعات نيسان، إلى أن الثورة البرجوازية قامت وانتهت من دون أن تنتصر، لأنها لم تحل المسائل الديمقراطية، وأن الانتقال للثورة الاشتراكية في روسية لم تعد فكرة وحسب، بل صارت واقعاً ملموساً، نظراً لتوافر الشروط الموضوعية بدءاً بالصراع الطبقي والاضطهاد القومي، وانتهاءً بمستوى لا بأس به من التطور الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، فضلاً عن وجود الحزب الثوري حزب العمال والفلاحين.
تضمنت موضوعات نيسان أيضاً خطة للسلام، وخطة لتطوير الثورة سلمياً، وخطة لمعالجة الوضع الاقتصادي المتأزم، وذلك بتأميم المصارف والتروستات وتنفيذ المحاسبة والمراقبة على الدخل والإنتاج، وحل مسألة الأرض لصالح الفلاحين. هاجم المناشفة والاشتراكيون الثوريون موضوعات نيسان، ورأوا أن الانتقال للثورة الاشتراكية يحتاج لمدة طويلة، وقال بليخانوف: «إن الحبوب في روسية لم تنضج بعد لخبز الاشتراكية». وفي مطلع حزيران، عند انعقاد المؤتمر الأول لسوفييتات عموم روسية، عمَّت المظاهرات مدينة بتروغراد تحت شعارات: «سلم، خبز، حرية»، ولعب البلاشفة دوراً واضحاً في قيادتها وتوجيهها بما يخدم استراتيجيتهم. وتجدَّدت هذه المظاهرات في تموز، ولكن ممثلي المؤتمر الذين كانوا في غالبيتهم من المناشفة والاشتراكيين الثوريين، وقفوا إلى جانب الحكومة البرجوازية.
وفي خريف 1917 أوصلت سياسة الحكومة المؤقتة البلاد إلى حافة كارثة وطنية، فقد اتسعت أعمال التخريب في الصناعة ووسائط النقل وتناقصت المواد الخام والوقود، مما تسبب في إغلاق مئات المصانع وانتشرت البطالة وازدادت الإضرابات العمالية، واختفت معظم السلع التموينية وارتفعت أسعارها، وفي أواخر آب سقطت ريغا بيد الألمان، واستغل الجنرال «كورنيلوف» القائد العام للجيش الروسي هذه الفرصة وحاول القيام بانقلاب عسكري لإقامة دكتاتورية عسكرية، لكن المؤامرة أُحبطت بتضافر جهود البلاشفة مع الحكومة، وأُلقي القبض على كورنيلوف وعين «كرينسكي» قائداً عاماً للجيوش الروسية. وفي الوقت نفسه وافقت سوفييتات بتروغراد على مشروع قرار قدمه البلاشفة، يقضي بنقل السلطة إلى السوفييتات، فسارع كرينسكي في أول أيلول إلى تشكيل حكومة مديرين من خمسة أعضاء وأعلنت الجمهورية الروسية، ثم اتخذت سوفييتات موسكو قراراً مماثلاً لقرار بتروغراد، وتوالت بقية السوفييتات في تبني قرارات مماثلة تقضي بنقل السلطة إلى السوفييتات، وانحازت حاميتا بتروغراد وموسكو إلى صف البلاشفة في الوقوف ضد الحرب الاستعمارية، ومن أجل إقرار السلام، وحدث الشيء نفسه مع أسطول البلطيق وجنود الجبهتين الشمالية والغربية، وتعاظمت حركة التحرر القومي في الأقاليم. وفي تلك الأثناء كانت الحكومة تعاني أزمة مستمرة، وعمَّت الفوضى صفوف المناشفة، وانفصل عنهم فريق يطالب بضرورة التحالف مع البلاشفة، وظهر جناح يساري من الاشتراكيين الثوريين بادر إلى التحالف مع البلاشفة، وهكذا أصبح البلاشفة في موقع القوة السياسية والعسكرية.
وفي السابع من تشرين الأول، عاد لينين من فنلندة إلى بتروغراد، وهناك ترأس عدة اجتماعات للجنة المركزية للحزب، ناقشت فيها الاستعدادات للثورة وخطوات تنفيذها، ثم انتخبت مكتباً سياسياً من سبعة أعضاء، وانبثقت عن هذه الدورة أيضاً اللجنة العسكرية، التي ترأسها لينين بنفسه، وانتشر مندوبو اللجنة المركزية للحزب في المناطق الصناعية الروسية بهدف قيادة الانتفاضة، وفي الرابع والعشرين من تشرين الأول حسب التقويم الروسي القديم (6تشرين الثاني حسب التقويم الميلادي)، دعا لينين قوى الثورة إلى حسم الأمر، واتجه من مكان اختبائه في فيبورغ إلى قصر سمولني، حيث يجتمع سوفييتات بتروغراد وأعضاء اللجنة المركزية للحزب البلشفي وأعضاء اللجنة العسكرية الثورية، وما أن وصل لينين إلى مكان الاجتماع حتى أعطت اللجنة العسكرية الأوامر بشن الانتفاضة المسلحة.
وفي ليلة 24-25 تشرين الأول بحسب التقويم الروسي القديم، اكتظت شوارع العاصمة بتروغراد بفصائل الحرس الأحمر والجنود البحارة الثوريين والمواطنين المسلحين، وبناء على أوامر اللجنة العسكرية احتل الثوار محطات السكك الحديدية والجسور ومراكز المواصلات ومحطات الكهرباء ودوائر الحكومة ومصرف الدولة. وهكذا وفي صباح 25 تشرين الأول، كانت أغلب مناطق العاصمة في أيدي الثوار، وهرب رئيس الحكومة سراً من بتروغراد، وبقي قصر الشتاء، مقر الحكومة، محاصراً حتى الساعة التاسعة مساءً، عندما احتلته قوات الثورة واعتقلت الوزراء وأودعتهم سجن قلعة بولس وبطرس، الذي كان القيصر يسجن فيه الثوار.
وفي مساء 26 تشرين الأول (بحسب التقويم الروسي القديم)، افتُتحت جلسة المؤتمر الثاني لسوفييتات عموم روسية الذي كانت غالبية مندوبيه من البلاشفة، واتخذ المؤتمر أولى قراراته بانتقال السلطة كلها إلى السوفييتات، وبذلك أُعلنت السلطة السوفييتية رسمياً في روسية، كما أقر مرسوم السلام الذي جاء فيه: «إن حكومة العمال والفلاحين المنبثقة عن ثورة أكتوبر، تقترح على جميع الشعوب المتحاربة وعلى حكوماتها أن تسرع على الفور بمفاوضات في سبيل صلح ديمقراطي عادل»، وأقر المؤتمر أيضاً مرسوم الأرض الذي ينص على مصادرة جميع أراضي الملاّك والأديرة وأملاك العائلة القيصرية بلا تعويض وتمليكها للشعب، وأقر المؤتمر أيضاً تأليف الحكومة السوفييتية برئاسة لينين، والتي حملت آنذاك اسم «مجلس مفوضي الشعب».
لم تستسلم قوات الثورة المضادة للهزيمة، فقام كرينسكي مع الجنرال كراسنوف بقيادة وحدات من القوزاق باتجاه بتروغراد بهدف استردادها، لكن الحرس الأحمر وفصائل الثورة استطاعت صدها وانتصرت عليها، وفي الوقت نفسه أحبط الثوار البلاشفة أيضاً تمرد طلبة المدرسة العسكرية في بتروغراد، كما تصدت فصائل الثورة لقوات الثورة المضادة في موسكو، ونجح الثوار بالاستيلاء على الكريملين والمواقع الهامة في المدينة، وأعلنت اللجنة الثورية انتصار السلطة السوفييتية في باكو وبسكوف. وفي حين نشب الكثير من المعارك والمواجهات المسلحة من أجل إقامة السلطة السوفييتية في بعض المناطق، تم انتقال السلطة إلى البلاشفة والسوفييتات في مناطق أخرى في روسية بشكل سلمي.
وفي نهاية عام 1917 وفي عام 1918، تمَّ تأميم الشركات الصناعية والمصارف والنقل والتجارة الخارجية، وحرَّرت السلطة السوفييتية شعوب روسية من القهر القومي، وأعلنت المساواة والسيادة الكاملتين لشعوب روسية كلها، وفي آذار 1918 توصلت السلطة السوفييتية إلى السلام، وانسحبت روسية من الحرب العالمية الأولى بعد عقد معاهدة «بريست ليتوفسك».
ولكنَ الحرب الأهلية ما لبثت أن اندلعت في روسية السوفييتية، ففي صيف عام 1919، اجتاحت القوات المسلحة لأربع عشرة دولة، من دون إعلان مسبق للحرب، أراضي روسية السوفييتية، وكانت هذه الدول هي: بريطانية، فرنسة، اليابان، ألمانية، إيطالية، تشيكوسلوفاكية، صربية، فنلندة، اليونان، بولونية، رومانية، تركية، الولايات المتحدة الأمريكية، واستمر التدخل الأجنبي والحرب الأهلية في روسية حتى صيف سنة 1921، وانتهت أخيراً باندحار قوات المتدخلين وحلفائهم الروس البيض وهزيمتهم.
وهكذا انتصرت ثورة أكتوبر الاشتراكية، وقضت على التدخل الأجنبي وضمنت استقلال روسية، وحطمت النظام الإمبريالي الروسي الذي طالما عانته الشعوب التابعة لروسية القيصرية، كما أمنت الشروط اللازمة للقضاء على تخلف البلاد وتأخرها، وفتحت صفحة جديدة في تاريخ العالم، إذ انقسم النظام العالمي بعد الثورة إلى نظامين متعارضين متناقضين، النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي.
جثمان لينين قد ينقل إلى بيلاروسيا
قال مصدر روسي رفيع أمس الأول إنه قد يتم نقل جثمان الزعيم الشيوعي الراحل وأبي الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 فلاديمير
لينين، إلى العاصمة البيلاروسية مينسك إذا قرّرت موسكو نقله من الساحة الحمراء.
وذكرت وكالة الانباء الروسية ( نوفوستي) أن جثمان لينين محنّط وموضوع داخل صندوق من الزجاج في ضريحه في الساحة الحمراء بالعاصمة موسكو، منذ وفاته جرّاء إصابته بسلسلة من الجلطات الدماغية في عام 1924. ومنذ تفكّك الاتحاد السوفياتي في عام 1991 لا يزال الجدل مستمراً بشأن مصير الجثمان، وسط دعوات لدفنه في مقبرة وطنية عسكرية يخطط لبنائها في عام 2011 في روسيا، ودعوات أخرى لابقائه في مكانه، فيما أظهر استطلاع أجري أخيراً أن ثلثي الروس يؤيّدون الرأي الاخير.
وقال مصدر مقرّب من الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو إنه على استعداد لاصدار أمر بتشييد ضريحٍ لوضع جثمان لينين فيه، في حال قرّرت روسيا نقله من مكانه الحالي، مشيراً إلى أن هذا الموضوع قد تمت مناقشته على أعلى المستويات بين قيادتي البلدين في الآونة الاخيرة، وكان وزير الثقافة الروسي الكسندر أفدييف قال إن جثمان لينين لا يمثل 'قيمة ثقافية' لروسيا.