Search - للبحث فى مقالات الموقع

Monday, March 28, 2011

ثورة 1936 في فلسطين







لم تأت ثورة 1936 في فلسطين من فراغ، بل جاءت حلقة في سلسلة الثورات التي قام بها الفلسطينيون منذ فُرض الانتداب على بلادهم في أعقاب الحرب العالمية الأولى، كثورات 1920 و1929 و1935 التي قادها عز الدين القسام[ر]، وجميع هذه الثورات كان هدفها الحيلولة دون إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، والحفاظ على عروبتها، والخلاص من الانتداب البريطاني وإيقاف الهجرة اليهودية.
إنَّ هذه الأهداف بمجملها تشكل الأسباب العميقة للثورة التي مرت بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى
وتتلخص أسبابها المباشرة بما يلي:
1- تدفق اليهود على فلسطين وعلى مرأى وتشجيع من السلطة المنتدبة التي لم تتخذ تدبيراً للحد من ذلك.
2- تغاضي هذه السلطة عن تهريب الأسلحة والذخائر لليهود.
3- السماح للصهاينة بإنشاء تشكيلات ومنظمات صهيونية ذات صفة عسكرية.
4- حادثة عَنَبَا التي أسفرت عن مقتل يهودي وجرح آخر، فعمد اليهود إلى قتل عربيين في إحدى البيارات، فأعلنتيافا الإضراب، وامتدَّ إلى بقية أنحاء فلسطين.
وهناك عوامل أخرى ساعدت على قيام الثورة منها:
1- رغبة الفلسطينيين في الثأر للشيخ عز الدين القسام ومن استشهد من جماعته.
2- تشكيل اللجنة العربية العليا بزعامة الحاج أمين الحسيني[ر] مفتي القدس، بعد أن وحدت الكتل والأحزاب كلمتها، وقد دعت اللجنة الفلسطينيين إلى الإضراب، وعملت على توحيد جميع التشكيلات والتنظيمات السرية تحت اسم «جيش الجهاد المقدس»، والمؤلَّف بأغلبيته من الفلسطينيين، وأُسندت قيادته لعبد القادر الحسيني، وانضم إليه عدد من المجاهدين منسورية والأردن ولبنان، ومن أبرز المقاتلين السوريين سعيد العاص الذي استُشهد في معركة الخضر 1936. وانضمت إلى الثورة كذلك القوة العسكرية التي شكَّلها العراق، وجعل قيادتها لفوزي القاوقجي وانضمَّ إليها كثير من المجاهدين، وشكَّلت لجان وجمعيات سواء في البلاد العربية أو أوربة والمهجر لجمع التبرعات للثورة والدعاية لها.
بدأت أحداث الثورة بمهاجمة عبد القادر الحسيني وفصائل المجاهدين ثكنات الجيش الإنكليزي ومخافر الشرطة والمستعمرات اليهودية، ولاقت هذه الأعمال دعماً وتجاوباً من الشعب في فلسطين، فبادر إلى حمل السلاح والمشاركة في القتال. حقَّق جيش الجهاد المقدس وقوات فوزي القاوقجي عدة انتصارات في معارك عديدة منها: معركة نور شمس، معركة الجاعونة ومعركة بلعة...، وهاجموا عدة مدن مثل القدس، يافا، عكا، بئر السبع، الخليل، غزة، صفد...، وقتلوا عدداً من الموظفين البريطانيين والعملاء والجواسيس وسماسرة الأراضي وباعتها.
فأعلنت السلطة البريطانية وضع قوانين الطوارئ والدفاع موضع التنفيذ، واستعانت بعدد من كبار الضباط لقمع الثورة، ولكن دون طائل. وأخيراً لجأت بريطانية إلى أصدقائها من الحكام العرب وطالبتهم بالتوسط لدى اللجنة العربية العليا لإنهاء الحرب وإيقاف الثورة.
وساطة الملوك والأمراء العرب لإيقاف الثورة: وجَّه الملك عبد العزيز آل سعود رسالة إلى اللجنة العربية العليا، يعلمها فيها موافقة بريطانية على توجيه ملوك العرب وأمرائهم نداءً إلى الفلسطينيين لإيقاف الإضراب وإنهاء الثورة، وأنها على استعداد للنظر في مقترحاتهم في مصلحة العرب بالنظر اللائق.
ثم وردت نداءات أخرى من الملك غازي ملك العراق، والإمام يحيى حميد الدين حاكم اليمن والأمير عبد الله أمير شرقي الأردن، تطالب الفلسطينيين بالإخلاد إلى السكينة اعتماداً على حسن نوايا صديقتهم بريطانية، فقبلت اللجنة العربية العليا تلك الوساطة، وأصدرت بياناً دعت فيه إلى إنهاء الإضراب وإيقاف الثورة، كما أوقف فوزي القاوقجي الأعمال العسكرية، وبذلك انتهت المرحلة الأولى من عمر الثورة.
المرحلة الثانية (1936 ـ 1937)
أرسلت بريطانية لجنة ملكية لتقصي الحقائق ومعرفة أسباب الثورة، عُرفت باسم «لجنة بيل»، فقامت بعدة اتصالات واستمعت إلى مئات الشهادات، ثم وضعت تقريرها الذي نشرته الحكومة البريطانية في 7/7/1936، وجاء فيه أن سبب الأحداث يعود إلى رغبة العرب في الاستقلال، وإلى كره العرب وسخطهم من موقف بريطانية الهادف لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وأوصت اللجنة بتقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق من خلال:
أ - إنشاء دولة يهودية في المناطق التي فيها أكثرية يهودية.
ب- وضع القدس وما حولها وحيفا ومنطقتها تحت الانتداب البريطاني الدائم.
ج- إنشاء دولة عربية في ما تبقى من فلسطين وضمها إلى شرقي الأردن.
وأعلنت بريطانية أمام مجلس العموم البريطاني أنَّها تتعهَّد بتنفيذ وعد بلفور.
أعلنت اللجنة العربية العليا رفضها للتوصيات ودعت لمقاومتها، كما رفضها اليهود، فعادت الاصطدامات من جديد، وفشلت السلطة البريطانية باعتقال الحاج أمين الحسيني، إلا أنها عزلته من منصب الإفتاء وأعلنت الأحكام العرفية.
المرحلة الثالثة (تشرين الأول 1937-1939)
شملت أحداث الثورة في هذه المرحلة جميع أنحاء فلسطين، وتمكن الفلسطينيون من احتلال بعض المدن إثر معارك ضارية، منها معركة بيت لحم، بئر السبع، القدس، عكا....، وأجبرت بريطانية على إعادة اعترافها باللجنة العربية العليا، ودعتها مع ممثلي الدول العربية المستقلة، لعقد مؤتمر في لندن 1939، عُرف باسم «مؤتمر المائدة المستديرة»، وكانت بريطانية أصدرت كتاباً أبيض في تشرين الثاني 1938، تراجعت فيه عن مشروع التقسيم، وما لبثت أمام الضغط الفلسطيني والعربي أن عدَّلته ونشرته في أيار 1939، وتضمَّن:
- وعداً بإنهاء الانتداب بعد عشر سنوات.
- ربط الاستقلال بشروط تضمن استمرار النفوذ البريطاني.
- إدخال 75 ألف يهودي إلى فلسطين خلال خمس سنوات.
- عدم السماح بالهجرة بعد ذلك إلا بموافقة المندوب السامي، وكذلك الأمر في انتقال الأراضي من العرب إلى اليهود.
- لوَّحت بريطانية بإقامة دولة يكون ثلثاها من العرب.
رفض العرب واليهود هذا الكتاب وحالت الظروف الدولية دون استئناف المفاوضات، بسبب قيام الحرب العالمية الثانية1939، والتي ستفرز معطيات وأوضاعاً جديدة متغيرة في فلسطين والمنطقة العربية.