Search - للبحث فى مقالات الموقع

Sunday, March 27, 2011

المؤامره الاوربيه التركيه على مصر للحد من القوى العسكريه المصريه القويه فى القرن ال19



خسرت مصر حوالي ثلاثين ألف جندي، وفقدت معظم أسطولها البحري، بعد الضربة القاصمة التي أنزلها التحالف الأوروبي بالأسطول المصري والعثماني في موقعة "نفارين" البحرية سنة (1243هـ = 1827م)، فأحجم محمد علي باشا والي مصر عن الاستمرار في مجابهة الأوروبيين، ورجعت بقايا الأسطول المصري المحطم إلى الإسكندرية، تاركة خلفها الدولة العثمانية لتواجه الدول الأوروبية الكبرى التي أرادت إخراج العثمانيين نهائيا من أوروبا.

وساءت العلاقات بين السلطان العثماني "محمود الثاني" ومحمد علي باشا، وعملت الدول الأوروبية على إذكاء روح هذا العداء فكانت فرنسا تشجع محمد علي على إعلان الاستقلال التام عن الدولة العثمانية، والمناداة بأن الخلافة من حق العرب أولا، أما الإنجليز فكانوا ينقلون إلى السلطان العثماني رغبة محمد علي في الاستقلال، ووضعوا أسطولهم القوي في خدمة العثمانيين لاستخدامه ضد مصر؛ لأنهم رأوا في مصر القوية تهديدا لطرق تجارتهم مع الهند.
وتصور محمد علي باشا أن الصراع بين فرنسا وإنجلترا صراع إستراتيجي، لا يوحي بإمكانية وجود تفاهم بينهما على اقتسام الغنائم على حساب البلدان الأخرى، ولم يدرك الرجل أن التناقض بين الدول الاستعمارية هو تناقض مصلحي لا إستراتيجي.
الحرب بين العثمانيين ومحمد علي باشا
محمد على يستعرض الاسطول المصري
سعت الدول الأوروبية وبخاصة إنجلترا إلى إثارة الحرب والصراع بين العثمانيين ومحمد علي، وسعت أيضا إلى إطالة أمد هذه الحرب بين الجانبين لإضعافهما واستنزاف قوتهما المالية والبشرية حتى تتحقق الأطماع الأوروبية الاستعمارية في اقتسام تركة الرجل الأوروبي المريض (الدولة العثمانية).
وكانت بداية الحرب بين الدول العثمانية ومصر، عندما منح السلطان العثماني جزيرة "كريت" لمحمد علي كتعويض عما فقدته مصر في الحرب اليونانية، لكن هذا التعويض لم يكن ذا قيمة، ورأى محمد علي أن يضم بلاد الشام إلى دولته الشابة حتى يظفر بمواردها من الخشب والفحم والنحاس، ويجنّد شبابها في جيشه فيزداد بهم قوة، وساعده على ذلك ضعف الدولة العثمانية بعد الحرب اليونانية، ثم الحرب الروسية سنة (1245هـ = 1829م) وكثرة الثورات والاضطرابات داخل الدولة المترامية الأطراف، وانتشار الفوضى داخل الجيش العثماني بعد إلغاء فرقة الإنكشارية سنة (1242هـ = 1826م) التي كانت قوام الجيش العثماني، يضاف إلى ذلك أن محمد علي استطاع أن يجذب إليه الأمير "بشير الشهابي" كبير أمراء لبنان، وبذلك لم يخش مقاومة الشاميين للجيش المصري.
واستغل محمد علي إيواء والي صيدا "عبد الله باشا" لعدد من الفلاحين المصريين الهاربين من السخرة والضرائب والخدمة العسكرية، ليجرد حملة عسكرية لتأديبه بقياده ابنه إبراهيم باشا في جمادى الأولى (1247هـ = أكتوبر 1831م).
واستطاعت القوات المصرية أن تحقق انتصارات عظيمة في بلاد الشام، فسيطرت على غزة ويافا وحيفا، وصور وصيدا وبيروت طرابلس والقدس، وفشلت محاولات الدولة العثمانية في وقف الزحف المصري لذا حشد العثمانيون عشرين ألف مقاتل وزحفوا لملاقاة المصريين، والتقى الجمعان في سهل الزراعة قرب حمص في ذي القعدة (1247هـ = إبريل 1832م) وانتصر المصريون، ثم فتحوا مدينة عكا الحصينة، ثم دمشق، وانتصروا على العثمانيين في موقعة حمص (صفر 1248هـ = يوليه 1832م) وكانت خسائر الجيش العثماني في هذه المعركة 2000 قتيل و2500 أسير، ولم تزد خسائر الجيش المصري عن 102 قتيل.. وتعتبر هذه المعركة من أهم المعارك الجيش المصري؛ لأنها أول معركة يتقاتل فيها المصريون ضد الأتراك وجها لوجه، وأظهرت تفوق الجيش المصري الحديث.
وبعد هذه المعركة تقدم الجيش المصري فاحتل حماة وحلب، وانتصر على العثمانيين في موقعة بيلان جنوبي الإسكندرونة، واجتاز حدود سوريا الشمالية، ودخل إبراهيم باشا بقواته ولاية أدنه في بلاد الأناضول، وعبر نهري جيحون وسيحون، ودخل طرطوس وأوروفا، وعينتاب ومرعش وقيصرية.
كانت ولاية أدنه مفتاح الأناضول، وصلة المواصلات البحرية بين مصر وجيشها. لم تنكسر عزيمة السلطان محمود أمام الهزائم التي حاقت بجيشه، وأعد جيشا جديدا بقيادة الصدر الأعظم "محمد رشيد باشا"، وبلغ قوام هذا الجيش 53 ألف مقاتل، ونشبت معارك شرسة بين الفريقين، انتصر فيها المصريون، وكان أهمها موقعة قونية (27 رجب 1248هـ = 21 ديسمبر 1832م) التي فتحت الطريق أمام المصريين إلى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية، التي لا تبعد عنهم سوى مسيرة ستة أيام من البوسفور، في طريق ليس به جيش ولا مقاومة.
الموقف الأوروبي
استفادت الدول الأوروبية من حالة العداء بين الدولة العثمانية ومحمد علي باشا، فلم يبد الإنجليز في البداية رغبة في مقاومة الفتوحات المصرية السريعة، بل زودوا المصريين بالذخيرة، أما فرنسا فكانت مرتاحة لاحتلال محمد علي لسوريا، بل حضته على إعلان الاستقلال والانفصال وتشكيل نظام سياسي وثيق الصلة بها، ولم تتدخل أية دولة أوروبية في هذا الصراع.. فالكل كان في حالة انتظار وترقب.
ولما استحكم الأمر وظهرت القوة المصرية المتنامية أصبحت الدول الأوروبية موضوعيا في صف الدولة العثمانية، حتى إن قيصر روسيا العدو اللدود للعثمانيين عرض على "الباب العالي" تقديم مساعدة عسكرية لقتال محمد علي.
وتدخلت الدول الأوروبية بثقلها في المسألة المصرية، ودعت محمد علي إلى التفاوض والتخلي نهائيا عن فكرة احتلال الأستانة، وعقدت معه صلح "كوتاهية" في ذي الحجة (1248هـ = مايو 1833م) الذي ضمن لمحمد علي حكم بلاد الشام وإقليم أدنه مع تثبته على مصر وكريت والحجاز، مقابل أن يجلو الجيش المصري عن باقي الأناضول، وبذلك أصبحت حدود مصر الشمالية تنتهي عند مضيق كولك بجبال طوروس.
واستفاد الأوروبيون بالامتيازات والتنازلات التي حصلوا عليها من العثمانيين فحصل الإنجليز على امتيازات ملاحية في نهر الفرات، ووقّعت روسيا مع الأستانة معاهدة "هنكار أكسله سي" الدفاعية الهجومية التي استطاع من خلالها الأسطول الروسي أن يصل إلى مياه البحر الأسود ومنها إلى مياه البحر المتوسط.
أما السلطان العثماني فسعى إلى نقض اتفاقية كوتاهية؛ لأنه رأى أن الخطر الذي يهدد سلطانه يأتي من ناحية مصر




الحكم المصري في بلاد الشام
دخلت الشام في حكم الدولة المصرية بعد صلح كوتاهية، وصار إبراهيم باشا حاكما عاما للبلاد السورية وقائدا للجيش المصري، ووطد مركزه الحربي والسياسي بهذه البلاد، وبلغ عدد الجيش المصري المرابط في الشام حوالي سبعين ألف مقاتل، معظمه في الجهات الشمالية وقد اعترض الحكم المصري في الشام عقبتان هما:
- استياء الأهالي من تدابير الإدارة المصرية، ومنها التجنيد الإجباري، ومصادرة السلاح.
- تدخل قناصل الدول الأجنبية في الشئون المحلية، وادعاؤهم حماية بعض الطوائف في الشام.
واشتعلت الثورات ضد الحكم المصري، وألّب العثمانيون والأوروبيون الشوام ضد المصريين، ودعموا حركات احتجاجهم التي لم تهدأ طيلة سبع سنوات استنزفت خلالها طاقات المصريين العسكرية والمادية، حتى إن خسائرهم في معركة واحدة ضد الدروز بلغت أربعة آلاف مقاتل بين قتيل وجريح، ولجأ إبراهيم باشا إلى قمع هذه الثورات فازدادات اشتعالا، حتى إن بعض الطوائف المتعادية مثل المارونيين والدروز اتحدت ضد الحكم المصري، وعم السخط السهل والجبل.
الحرب السورية الثانية
بدأت الحرب بين الطرفين بهجوم عثماني في (1 ربيع الثاني 1255هـ = 24 يونيو 1839م) على مواقع الجيش المصري في نصيبين، وانهزم العثمانيون بعد ساعتين من بدء المعركة، وكانت خسائرهم فادحة فقد قُتل وجرح 4 آلاف، وأسر حوالي 15 ألفا، وقضت هذه المعركة على قوة العثمانيين الحربية، وكانت أكبر انتصار لمحمد علي باشا.
كانت الهزيمة قاسية على العثمانيين ولم يتحملها السلطان الذي توفي بعدها بعدة أيام، ورأى الأوروبيون أن هناك اتجاهات بين بعض العثمانيين للالتفاف حول محمد علي باشا بوصفه منقذ الدولة العثمانية من التفكك، وأن مستقبل نهضتها على يديه، وفي (26 ربيع آخر (1255هـ = 9 يوليو 1839م) انضمت جميع وحدات الأسطول العثماني إلى محمد علي باشا في الإسكندرية، وفي الوقت نفسه احتل الجيش المصري ميناء البصرة وتقدم باتجاه الأحساء، والقطيف، فأحدث هذا الأمر إرباكا في السياسة الدولية للدول الاستعمارية الكبرى، ورأت أن تتدخل بقوة وحزم قبل أن تفلت أزمّة الأمور من يديها، لذلك وجهوا إنذارا إلى محمد علي وعقدوا تحالفا أوروبيا ضده، قابله محمد علي باستنكار شديد، خاصة بعد ترحيب الأستانة بهذا التحالف.
فكتب محمد علي رسالة إلى الصدر الأعظم "خسرو باشا" يدعوه فيها لعدم الخضوع لسياسات الدول الكبرى التي تصر على بقاء السلطنة في حالة من الضعف الدائم؛ حتى تتمكن في اللحظة المناسبة من تفكيكها والسيطرة عليها.. والطريف أن خسرو باشا أطلع الدول الأوروبية على هذه الرسالة السرية.
وانتهى الأمر بإبرام معاهدة "لندرة" في 15 من جمادى الأولى (1256هـ = 15 يوليو 1840م) بين إنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا وتركيا، والتي خولت لمحمد علي وخلفائه من بعده حكم مصر حكما وراثيا، وأن يكون له مدة حياته حكم المنطقة الجنوبية من سوريا، وأن يدفع جزية سنوية للباب العالي.. وفي حالة رفض محمد علي لهذه الشروط فإن الحلفاء سيلجئون إلى القوة لتنفيذها.
كان هدف المعاهدة إخراج مصر من الشام، أما فرنسا فأبدت الرغبة في عدم الخروج عن الإجماع الأوروبي، وكانت تلك قاصمة الظهر لمحمد علي باشا.
وقد انعكس التحالف الأوروبي العثماني بعد اتفاقية لندرة حربا على المصريين في بلاد الشام، فأصبحت جميع الموانئ الشامية تحت الحصار الأوروبي، وثار السوريون ضد الحكم المصري وكذلك اللبنانيون، وعمت الثورات بلاد الشام، وأصدر بطريرك المارون مرسوما بحرمان كل من لا يشارك في الثورة ضد المصريين، وأمضى إبراهيم باشا وقواته عاما في قمع الثورات الشرسة فتكبد خسائر فادحة في قواته وعتاده، وتهاوت موانئ بيروت وحيفا وصور وصيدا وسقطت عكا ويافا ونابلس.
وفي هذه الأثناء عزل السلطان العثماني محمد علي عن مناصبة في سوريا ومصر، وأدرك محمد علي أن دفة الأحداث قد تغيرت فأصدر أوامره لإبراهيم باشا بإخلاء سوريا والعودة إلى مصر، وتحول انسحاب القوات المصرية إلى ما يشبه الهزيمة، ولولا عزيمة وكفاية إبراهيم باشا لتحوّل الانسحاب إلى كارثة.
ونتيجة لتنافس الدول الأوروبية تراجع السلطان العثماني عن عزل محمد علي باشا الذي عاد إلى وضعه الطبيعي كوالٍ تابع للسلطان في الأستانة، وبذلك انتهت الحملة المصرية على بلاد الشام بتصفية أعداد كبيرة من القوة العسكرية المصرية، وانصرف محمد علي بعد معاهدة لندرة إلى معالجة الشئون الداخلية بنفسه، ولم يبق له غير مصر والسودان ميدانا لنشاطه، فأنشأ بنكا للدولة، وعمل على استكشاف منابع النيل، ووضع حجر الأساس للقناطر الخيرية، وأرسل كثيرا من البعثات الدراسية إلى أوروبا.

التبعية Sujetion =Suzerainty  شكل من أشكال السيادة الناقصة للدول، صار في ذمة التاريخ. هي رابطة بين دولتين، تابعة Vasselstat =Etat vassal ومتبوعة Etat Suzerain=Suzerainتخضع الأولى بموجبها للثانية وتواليها. ولحالة التبعية هذه درجات متفاوتة، على أنها تفترض إجمالاً حرمان الدولة التابعة من ممارسة سيادتها في الخارج مع احتفاظها بتصريف كل شؤونها الداخلية أو بعضها. ويترتب على ذلك أن الدولة التابعة لا تشغل مركزها Status  في المجتمع الدولي إلا عن طريق الدولة المتبوعة التي تتولى تمثيلها قبل الغير، وتقوم عنها بتصريف الشؤون الخارجية. وقد برهن التاريخ على أن علاقة التبعية علاقة غير طبيعية، لذا كان عليها أن تزول إما باندماج الدولة التابعة في الدولة المتبوعة، كما حصل لكورية حين اندمجت في اليابان عام 1910، قبل أن تنفصل عنها وتستقل نهائياً، بعد الحرب العالمية الثانية، وإمّا بانفصال الدولة التابعة عن الدولة المتبوعة واستقلالها بنفسها. وهذا ما حدث لرومانية والصرب والجبل الأسود وبلغارية ومصر، فقد أُتبعت الصرب ورومانية والجبل الأسود للامبراطورية العثمانية منذ معاهدة باريس عام 1856 حتى معاهدة برلين عام 1878، التي وحدت مولدافية وفلاشية فتألفت منهما رومانية التي أُعلن استقلالها، كما أُعلن استقلال صربية والجبل الأسود. كذلك عرفت بلغارية التبعية لاصطنبول منذ معاهدة برلين ذاتها حتى عام 1908 حين أعلن استقلالها. أمّا مصر فقد جاء عليها وقت كانت فيه في مركز الدولة التابعة للامبراطورية العثمانية، ويرجع ذلك إلى عام 1840 حين تدخلت إنكلترة والنمسة وروسية وبروسية إلى جانب تركية ضد محمد علي، وأدى هذا التدخل إلى إبرام اتفاق لندن في 15/7/1840، وقد حدد فيه مركز مصر دولة تابعة لتركية كالآتي:
1ـ يحكم محمد علي وذريته من بعده باسم سلطان تركية، على أن يتمتع بالاستقلال الذاتي  Self Government في الشؤون الداخلية.
2ـ يعد الجيش والأسطول المصريان جزءاً من القوات المسلحة التركية.
3ـ تحمل العملة المصرية على أحد وجهيها صورة سلطان تركية وعلى وجهها الآخر صورة خديوي مصر.
4ـ تدفع مصر لتركية جزية سنوية مقدرة.
5ـ تكون مباشرة مصر لشؤونها الخارجية بوساطة الحكومة التركية، ويلتزم الخديوي المعاهدات التي تعقدها هذه الحكومة.
على أنه صدرت بعد ذلك «فرامانات سلطانية» أباحت لمصر أن تتولى بعض الشؤون المتصلة بالسيادة الخارجية، كأن تبعث قناصل لدى الدول الأجنبية، وأن تبرم مع هذه الدول معاهدات تجارية وجمركية، وأن تقترض منها أو تقرضها من دون تدخل تركية أو رقابتها، إلا أن معاهدة القسطنطينية  لعام 1888 التي تنظم الملاحة في قناة السويس المصرية، وقعتها تركية بصفتها دولة متبوعة مع كلٍّ من فرنسة وبريطانية وألمانية والنمسة وإسبانية وإيطالية وروسية وهولندة. وفي هذه المعاهدة التي خلفت مصر فيها تركية بعد تحررها ما فيها افتئات على السيادة المصرية [ر.البحار (قانون ـ)]. وقد بقيت مصر في مركز التبعية للسلطة العثمانية زهاء نصف قرن إلى أن قامت الحرب العالمية الأولى، فسُلخت مصر عن تركية نهائياً، وأعلنت عليها الحماية البريطانية [ر. الحماية (نظام ـ)]، وانتقلت بذلك من مركز الدولة التابعة إلى مركز الدولة المحمية protectorate. مما تقدم يتضح أن نظام التبعية كان ترتيباً قانونياً وضع من أجل بعض مستعمرات الامبراطورية العثمانية، وقد ابتدعته الدول الأوربية للقضاء تدريجياً على حياة «الرجل المريض».