Search - للبحث فى مقالات الموقع

Monday, March 29, 2010

الجبهة الإسلامية للإنقاذ هي حزب سياسي جزائري أُنشأ في مارس 1989 بعد التعديل الدستوري وإدخال التعددية الحزبية الذي فرضتهما الانتفاضة الشعبية في 1988


Front Islamique du Salut واختصارها الشائع حتى بالعربية: FIS

Dr Usama Shaalan(Papyrus) برديه الدكتوراسامه شعلان

الجبهة الإسلامية للإنقاذ هي حزب سياسي جزائري أُنشأ في مارس 1989 بعد التعديل الدستوري وإدخال التعددية الحزبية الذي فرضتهما الانتفاضة الشعبية في أكتوبر 1988. واعترفت الحكومة الجزائرية رسميا بالـ ج.إ.إ في مطلع شهر سبتمبر 1989 و يترأس الـ ج.إ.إ. منذ تاريخ تأسيسها الشيخ المدني عباسي، وينوب عنه الشيخ علي بلحاج.

تنتمي الـ ج.إ.إ. تاريخيا إلى الحركة الإسلامية الجزائرية والحركةالوطنية التي عملت على تحرير الجزائر من وطأة الاستعمار وإقامة دولة مستقلة عادلة على أسس الإسلام. وتسعى الـ ج.إ.إ. إلى إقامة نظام حكم مدني تعددي يرتكز على مبدأ الحاكمية لله والسلطة للشعب.

خاضت الـ ج.إ.إ. أول انتخابات محلية حرة عرفتها الجزائر في 12 يناير وفازت فيها بـ 853 بلدية من بين 1539 بلدية و 32 ولاية من بين 48ولاية. كما خاضت الـ ج.إ.إ. الانتخابات التّشريعية الحرة الوحيدة التي عرفتها الجزائر إلى يومنا هذا وكان ذلك في 26 ديسمبر 1991. و نتيجة لقانون الإانتخابات فازت الـ ج.إ.إ. فوزا ساحقا في هذه الانتخابات التي ألغيت بعد الانقلاب العسكري الذي صادر خيار الشعب في 11 يناير 1992.

اتخذت الحكومة قراراً بحل الـ ج.إ.إ. في مارس 1992، غير أنّ الـ ج.إ.إ. لا تعترف بهذا القرار وتعتبره تعسفي وتعتبر ان النظام الذي اتخذه نظام مستبدّ وغير شرعي.

إلغاء الانتخابات نتج عنه إشعال حرب أهلية منذ 1991 حتى الآن


التعريف
هذه الجبهة هي حركة إسلامية سلفية في جوهرها، تنادي بالعودة إلى الإسلام، باعتباره السبيل الوحيد للإصلاح والقادر على إنقاذ الجزائر مما تعانيه من أزمات اجتماعية، واقتصادية، واستعمار فكري وثقافي، والمؤهل للحفاظ على شخصية الشعب الجزائري المسلم بعد احتلال دام 132 سنة وترك انعكاسات حضارية عميقة لفّت البلاد كلها بظاهرة التغريب والفَرْنَسة.

التأسيس وأبرز الشخصيات
• قبل إعلان تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في عام 1989م كانت هناك أنشطة دعوية وأحداث وتجمعات إسلامية عُدَّتْ إرهاصات لقيام جبهة الإنقاذ:

ـ في نهاية السبعينات بدأ الظهور العلني لشباب الإسلام في الجامعات الجزائرية وغيرها وتقاسم العمل الإسلامي المنظم في مدة ما قبل 1988م ثلاث جماعات وهي: جماعة الإخوان الدوليين بقيادة الشيخ محفوظ نحناح وجماعة الإخوان المحليين بقيادة الشيخ عبد الله جاب الله، وجماعة الطلبة أو جماعة مسجد الجامعة المركزي أو أتباع مالك بن نبي بقيادة الدكتور محمد بوجلخة ثم الشيخ محمد السعيد.

ـ في 12 نوفمبر 1982م اجتمع مجموعة من العلماء منهم: الشيخ أحمد سحنون والشيخ عبد اللطيف سلطاني والدكتور عباسي مدني ووجهوا نداءً من 14 بنداً يطالب بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية ويشجب تعيين نساء وعناصر مشبوهة في القضاء، ويدعو إلى اعتماد توجه إسلامي للاقتصاد، ويرفض الاختلاط في المؤسسات، ويدين الفساد، ويطالب بإطلاق سراح المعتقلين ويندد بوجود عملاء أعداء للدين في أجهزة الدولة.

• الشيخ أحمد سحنون، أحد تلاميذ الإمام عبد الحميد بن باديس، وقد شارك في حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، ودعا بعد الاستقلال إلى تحكيم الإسلام؛ لأن الجزائر دولة إسلامية، وتولى تخريج مجموعات من الدعاة والعلماء. وبعد توقيعه على البيان الآنف الذكر. اعتقل ووضع رهن الإقامة الجبرية حتى عام 1984م.

• ثم تم تأسيس (رابطة الدعوة) 1989م برئاسة الشيخ أحمد سحنون وذلك لأنه أكبر الأعضاء سناً حيث كان عمره 83 عاماً وكانت الرابطة مظلة للتيارات الإسلامية كلها، ومن بين أعضاء رابطة الدعوة: محفوظ نحناح، وعباسي مدني، وعبد الله جاب الله، وعلي بلحاج، ومحمد السعيد.

ومن أبرز أهداف رابطة الدعوة ما يلي: ـ إصلاح العقيدة. ـ الدعوة إلى الأخلاق الإسلامية. ـ تحسين الاقتصاد المنهار في الجزائر. ـ النضال على مستوى الفكر.

• دارت حوارات عديدة في (رابطة الدعوة) كان من نتيجتها بروز تيارات متعددة أهمها:

ـ دعوة الشيخ الشاب علي بلحاج إلى تشكيل (الجبهة الإسلامية الموحدة) إلا أن الدكتور الشيخ عباسي مدني اقترح لها اسماً آخر هو (الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، معللاً هذه التسمية: بأن الجبهة تعني المجابهة، والاتساع لآراء متعددة، وهذه الجبهة (إسلامية) لأنه هو السبيل الوحيد للإصلاح والتغيير (وإنقاذ) مأخوذ من الآية (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) [سورة آل عمران، الآية: 103).

ـ بينما رفض الشيخ محمد السعيد تشكيل الجبهة ابتداء ثم التحق بها بعد الانتخابات البلدية.

ـ ورفض محفوظ نحناح أيضاً فكرة الجبهة (الحزب) في البداية.. ثم أسس حركة المجتمع الإسلامي كما أسس عبد الله جاب الله حركة النهضة الإسلامية.

• وتم الإعلان الرسمي عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مطلع عام 1989م، وذلك بمبادرة من عدد من الدعاة المستقلين من بينهم الدكتور عباسي مدني الذي أصبح رئيسًا للجبهة ونائبه الشيخ علي بلحاج.

• الدكتور عباسي مدني: ولد سنة 1931م في سيدي عقبة جنوب شرقي الجزائر، ودرس في المدارس الفرنسية في صغره إبان الاستعمار الفرنسي، ثم في مدارس جمعية العلماء، وتخرج من كلية التربية، ثم انخرط في جهاد (*) المستعمر الفرنسي، واعتقل وقضى في السجن سبعة أعوام، وبعد الاستقلال وخروجه من السجن أرسلته الحكومة إلى لندن 1975 ـ 1978م ليحصل على الدكتوراه في التربية المقارنة. ثم عاد إلى الجزائر ليقوم بالتدريس في الجامعة، وقد شارك العلماء في النداء الذي وجهوه إلى الحكومة في 1982م، مطالبين بالإصلاح وتطبيق الشريعة الإسلامية (*).. وشارك في الأحداث في العام نفسه فاعتقل وسجن.. وقد شكل مع بعض العلماء رابطة الدعوة، ثم الجبهة (*) الإسلامية للإنقاذ، بعد مظاهرات الخبز عام 1988م ـ كما أطلق عليها. وأخيراً اعتقل مرة أخرى هو وكثير من العلماء. ثم أطلق سراحه أخيرًا .

• الشيخ علي بلحاج: ولد في تونس عام 1956م، ثم استشهد والداه في الثورة ضد الاستعمار الفرنسي. درس العربية ودرَّسها، وشارك في الدعوة الإسلامية منذ السبعينات وسجن خمس سنوات 1983م/ 1987م بتهمة الاشتراك وتأييد حركة مصطفى بويعلي الجهادية. تأثر بعلماء من الجزائر ومنهم عبد اللطيف سلطاني وأحمد سحنون وكذلك درس كتابات الشيخ حسن البنا وسيد قطب وعبد القادر عودة وغيرهم.

ـ انتمى إلى التيار السلفي (*)، ولذلك لم يتحمس للثورة الإيرانية، وانتقد كتابات الخميني، واعتبر تشيع بعض الجزائريين خطراً على الدعوة الإسلامية يجب التصدي له. انتخب نائباً للرئيس في الجبهة الإسلامية للإنقاذ واعتقل بعد المظاهرات التي قامت في الجزائر سنة 1988م. ثم أطلق سراحه ثم اعتقل مرة أخرى بعد الإضراب العام الذي دعت إليه الجبهة (*).

• خاضت الجبهة الانتخابات البلدية في عام 1990م، وحققت فوزراً كبيراً في 856 بلدية، وبعد هذا الفوز بدأ الحزب الحاكم في الجزائر وهو ـ جبهة التحرير ـ يشعر بخطر الجبهة على وجوده في الحكم. وبدأت حكومة الجزائر تضع العراقيل في طريق تقدم الجبهة وأصدرت نظاماً جديداً للانتخابات.

• على إثر ذلك قامت مظاهرات كبيرة تطالب بالإصلاح، انتهت بمصادمات دامية بعد أن قابلتها بإطلاق النار، واعتقل على إثرها عباسي مدني ونائبه بلحاج بتهمة التآمر على أمن الدولة.

• وعلى الرغم من اعتقال زعماء الجبهة، خاضت الجبهة الانتخابات التشريعية لاختيار مجلس الشعب في الجزائر في 26/12/1991م، وحصلت على 188 مقعداً من أصل 228 في المرحلة الأولى، بينما لم يحصل الحزب الحاكم إلا على 16 مقعداً فقط.

ـ عد فوز الجبهة في الانتخابات التشريعية خطراً يهدد الغرب كله (انظر الصحف الفرنسية والإنجليزية في 1990م).

ـ بدأت المؤامرات تحاك في الخفاء ضد الجبهة من قبل القوى الصليبية، وبدأت وسائل الإعلام حملة تشويه مركزة على جبهة الإنقاذ.. والمستقبل الأسود الذي ينتظر الجزائر إن حكم رجال الجبهة.

ـ وكان أهم أهداف القوى المعادية للإسلام عدم إتمام المرحلة الثانية من الانتخابات.

• اعتقل الشيخ عبد القادر حشاني الرئيس المؤقت للجبهة في 18 رجب 1412هـ (22/1/1992م) بتهمة تحريض الجيش على التمرد.

ـ ثم بدأت اعتقالات عامة في الجبهة حيث تم اعتقال الآلاف، وهنا دخلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في محنة وصراع مع القوى المعادية للإسلام في الجزائر وخارجه.

• ومن رجال الجبهة أيضاً الذين برزوا خلال الأحداث:

ـ رابح كبير رئيس اللجنة السياسية بالمكتب التنفيذي المؤقت لجبهة الإنقاذ.

ـ الشيخ محمد السعيد وقد برز كخليفة لعباسي مدني وقد اعتقل أيضاً.

ـ الشيخ زبدة بن عزوز عضو مجلس الشورى.

ـ الشيخ يخلف شراطي وهو من خريجي جامعة أم القرى ، قتل رحمه الله في سجن سركاجي.

الأفكار والمعتقدات
• تعتقد جبهة الإنقاذ أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ويشمل جميع مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها... وتلتقي الجبهة مع حركة الإخوان المسلمين في بعض مبادئها. • تؤكد الجبهة أن إطار حركتها ودعوتها هو الكتاب والسنة، في مجال العقيدة والتشريع والحكم. لذا فإن نموذج فكرها هو التيار السلفي في التاريخ الإسلامي. • قدمت الجبهة مذكرة إلى رئيس الجزائر في 7 آذار مارس 1989م تتضمن مبادئها وبرنامجها السياسي والاجتماعي، وتحوي المذكرة ما يلي:

ـ ضرورة التزام رئيس الدولة بتطبيق الشريعة الإسلامية طالما أنه يحكم شعباً مسلماً.

ـ استقلال القضاء بغرض الحسبة.

ـ إصلاح النظام التعليمي.

ـ حماية كرامة المرأة الجزائرية وحقوقها في البيت ومراكز العمل.

ـ تحديد مجالات للإصلاح، ووضع جدول زمني لذلك.

ـ حل الجمعية الوطنية، والدعوة إلى انتخابات في غضون ثلاثة أشهر.

ـ تشكيل هيئة مستقلة لضمان نزاهة الانتخابات المحلية.

ـ إعادة الاعتبار لهيئة الرقابة المالية.

ـ إعادة النظر في سياسة الأمن.

ـ إلغاء الاحتكار (*) الرسمي لوسائل الإعلام.

ـ وقف عنف الدولة ضد المطالب الشعبية.

ـ وضع حد لتضخم البطالة (*) وهجرة الكفاءات وانتشار المخدرات.

ـ حماية المهاجرين الجزائريين وضمان التعليم الإسلامي لهم وتسهيل شروط عودتهم.

ـ التدخل لدى الصين والهند والاتحاد السوفيتي (سابقاً) وبلغاريا لوضع حد لاضطهاد المسلمين.

ـ وضع خطة لدعم الانتفاضة الفلسطينية ونجدة المجاهدين الأفغان.

• وتتضح أفكار الجبهة ومبادئها في النداء الذي وجهه بعض العلماء كالدكتور عباسي مدني قائد الجبهة (*)، وهو ما أطلق عليه (نداء 12 نوفمبر 1989م)، وكذلك من بيانات الجبهة الموجهة للحكومة وللشعب الجزائري، ويمكن إيجازها فيما يلي:

ـ ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والتربوية وغيرها.

ـ توفير الحرية للشعب ورفع الظلم والاستبداد.

ـ اعتماد الاقتصاد الإسلامي ومنع التعامل بالحرام.

ـ إعمال الشريعة في شأن الأسرة ورفض الأسلوب الفرنسي الداعي إلى التحلل.

ـ المطالبة بالاستقلال الثقافي، والتنديد بتزوير مفهوم الثقافة.

ـ إدانة إفراغ التربية والثقافة من المضمون الإسلامي.

ـ شجب استخدام الإعلام من قبل الدولة في مواجهة الصحوة الإسلامية.

ـ معاقبة المعتدين على العقيدة وفق أحكام الشريعة الإسلامية.

ـ النهوض بالشعب إلى النموذج الإسلامي القرآني السني.

ـ الإشعاع على العقول بأنور الهداية وإنعاش الضمائر بالغذاء الروحي الذي يزخر به القرآن والسنة، وشحذ الإرادة بالطاقة الإيمانية الفعّالة.

ـ العمل بالدين القويم لإنقاذ مكاسب الشعب التاريخية وثرواته البشرية والطبيعية دون إضاعة للوقت. ـ العمل على وحدة الصف الإسلامي، والمحافظة على وحدة الأمة.

ـ تقديم بديل كامل شامل لجميع المعضلات الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية، والاجتماعية في نطاق الإسلام.

ـ الإنقاذ الشامل.

ـ تشجيع روح المبادرة وتوظيف الذكاء والعبقرية وجميع الإرادات الخيرة في البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحضاري.

• وقفت الجبهة في وجه مصالح الغرب عامة وفرنسا خاصة وهذه المصالح تتمثل في:

ـ إبعاد الإسلام عن السياسة تماماً.

ـ فتح الأسواق للبضائع الأوروبية والأمريكية.

ـ جر المجتمع الجزائري المسلم للتغريب والإبقاء على الثقافة الفرنسية بكل أشكالها.

• من هنا كان فوز الجبهة في المجالس التشريعية خطراً حقيقيًّا من وجهة نظر الغرب على هذه المصالح، وصرح سيد أحمد غزالي عندما وصلته نتائج الاقتراع "إن الشعب صوّت ضد الديمقراطية " فكان من نتيجة ذلك إلغاء الانتخابات لأنهم يريدون ديمقراطية بدون إسلام، وكذلك تدخل الجيش وفرض الارتداد عن نهج تسليم السلطة سلميًّا للطرف الفائز في الانتخابات وتشكيل جهاز جديد للحكم وتشكيل سلطة مدعومة عسكريًّا، وبدأ اعتقال عناصر الجبهة القيادية والشبابية وإيداعهم في سجون نائية في قلب الصحراء حتى يتوقف المد الإسلامي. وأصدرت المحكمة الإدارية قراراً بحل الجبهة وسحب البساط من تحت أقدامها حتى يمكن اتخاذ كافة الإجراءات لمصادرة نشاطها، ولكن قادة الجبهة يعلنون أن الدولة الإسلامية في الجزائر قائمة لا محالة بهم أو بغيرهم اليوم أو غداً ، وقد استقال الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد بعد الفوز الساحق للجبهة، وتولى الحكم الرئيس محمد بوضياف الذي اغتيل ولا زالت الأحداث تتوالى سراعاً ؛ حتى تولى الحكم أخيرًا عبدالعزيز بوتفليقة الذي هدأت الأمور في عهده .

الجذور الفكرية والعقائدية
تعد آراء جمعية العلماء في الجزائر منذ ابن باديس وحتى الإبراهيمي الجذور الفكرية لجبهة الإنقاذ من حيث الرجوع إلى الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح، وكذلك كتابات حسن البنا وسيد قطب وغيرهما من القواعد الفكرية للنهضة الإسلامية التي تعتمدها الجبهة

Thursday, March 25, 2010

جمعيه الاتحاد والترقى شعارها اسلام واصلاح الى الماسونيه وتسليم فلسطسن لليهود القصه الحقيقيه لنمازج جماعات اليوم ظاهرها الحماس والاخوه وباطنها العماله




Dr Usama Shaalan(Papyrus) برديه الدكتوراسامه شعلان



- كانت أوربا تترقب، وكان يهود العالم ينتظرون بفارغ الصبر وفاة دولة ( الرجل المريض ) لتقسيم ميراثها وتوزيع ارثها، وللاستيلاء على فلسطين وإقامة دولة يهودية على أراضيها مركزها القدس.

- في هذا الوقت الحرج من عمر الدولة العثمانية أطلق السلطان عبد الحميد الثانى رحمه الله صيحته : يا مسلمي العالم اتحدوا، واستصرخ بلاد العالم الإسلامي للالتفاف حول دولة الخلافة وإنقاذها وحمايتها من السقوط والانهيار.

- وفى الوقت الذي كان يجمع السلطان حوله الغيورين من أبناء الأمة المشفقين على دينهم وأوطانهم، كان اليهود يجمعون حولهم أعضاء حركات التمرد ودعاة الانفصال عن الدولة وأصحاب النفوس المريضة ممن كانوا على استعداد لبيع أوطانهم لمن يدفع أكثر.

- والاتحاد والترقي نموذج لحركات التمرد والخيانة والعمالة المنتشرة في أوطاننا اليوم، والتي تتعامل مع نفس العدو وتعمل لصالح نفس القوى ؛ والأساليب واحدة والطرق متشابهة، والهدف واحد وان اختلفت الأفكار والعقائد.

- يقول الدكتور محمد حرب في نشأة هذه الجمعية:

- " الاتحاد والترقي هو أول حزب سياسي في الدولة العثمانية.. كان ظهوره عام 1890م وكان سريا مكونا من خلايا طلبة الحربية والطبية العسكرية، وكان تأسيسه يهدف إلى معارضة حكم عبد الحميد والتخلص منه، في عام 1897م تم اكتشاف هذا الجهاز فنفى عديد من أعضائه وفر بعضهم إلى باريس، وأرسل السلطان عبد الحميد مدير الأمن لاستمالة أعضاء المعارضة من الاتحاديين، فنجح في استمالة أكثرهم، ومنحهم عبد الحميد مناصب كبيرة في الدولة إلا أن المعارضين وعلى رأسهم أحمد رضا بك ظلوا على معارضتهم " ( مذكرات السلطان عبد الحميد – المقدمة ).

- أما أفكارهم فتقليد ببغاوي للفكرة القومية الأوربية، فقد عملوا على سلخ تركيا من إسلامها وعزلها عن محيطها الإسلامي، واستبدال الرابطة الإسلامية بوشائج العرق والدم التركي تحت عنوان ( ينى توران ) أو الطورانية الجديدة.

- وكانوا يعتبرون الإسلام هو المصيبة التي حلت بالترك فجعلتهم أمة متخلفة لا عمران فيها، تنتمي إلى الشرقيين الرجعيين.

- وكانوا يعتقدون أن نهضة تركيا وتقدمها مرهون بتغريبها ؛ أي جعلها غربية خالصة، ومرهون أيضا بتحريرها من كل ما يمت إلى الإسلام والعروبة بصلة من لغة وتراث وثقافة وتقاليد.

- يقول الأستاذ أنور الجندي في كتابه عن السلطان عبد الحميد :

- " المحافل الماسونية في سالونيك وتركيا الفتاة التي سميت بعد ذلك (الاتحاد والترقي) والتي ضمت مجموعة من المثقفين ثقافة غربية ومن أصحاب الولاء الفكري الغربي وخاصة الفرنسي، ومن الذين أغروا عن طريق المستشرقين وكتاب الغرب بأنه لا سبيل أمام الدولة العثمانية لكي تصل إلى التحرر والقوة إلا بالتماس مناهج الغرب التماسا كاملا، وطرح فكرها وأسلوبها ومنهجها الإسلامي القديم والتخلص منه إلى غير رجعة ".

- ولذلك كانت من أهم مطالبهم وغاياتهم ومخططاتهم إعلاء العنصرية التركية وكتابة اللغة التركية بالأحرف اللاتينية، وتنفيذ نظام سياسي واجتماعي غربي لا ديني منفصل عن الإسلام وشريعته وقيمه وأخلاقه.

- وعن انتماءاتهم الفكرية والعقائدية يقول محمود ثابت الشاذلي:

- " الانقلابيون ماسون تزكيهم الجمعيات والمعابد الإسرائيلية، منهم اليهودي الأصل أو الدونمة أو مجهولو النسب أو مغفلون مغرورون، والاجتماعات تعقد في بيوت اليهود المنتمين إلى الجنسية الايطالية في حماية المحاكم القنصلية الأجنبية، متمتعين بما يسمى بحصانة الأجانب، أو تعقد في الأوكار التلمودية المسماة بالمحافل الماسونية، أو في حانة القبو الداخلي لمقهى جنوجنو في سالونيك " (المسألة الشرقية صفحة 124)

- ويقول المؤرخ التركي الدكتور رضا نور في مذكراته : " كنت خائفا من الاتحاديين لسرقاتهم واغتصاباتهم من ناحية، ولإفساحهم المجال لليهود من ناحية أخرى، وكان الآمر الناهي في الاتحاديين ثلاثة أشخاص : جاويد (من يهود الدونمة) وطلعت (ماسونى) وقراصو (يهودي دونمة ) " (مذكرات رضا نور الحلقة الرابعة).

- ويقول الشاذلي في كتابه (المسألة الشرقية) معرفا بأعضاء الاتحاد والترقي البارزين:

- "وأما التنظيم الذي أفرز الانقلاب أي ( جمعية الاتحاد والترقي ) فكان يهوديا مسخرا من الدائرة الإسرائيلية العالمية مرتبطا بالقوى الصليبية والدول الاستعمارية.

- وزعماء الحركة وقادة التنظيم أمثال أنور وجمال ونيازى الألباني المتوحش وطلعت الدب الكبير الذي كان موظفا صغيرا في مصلحة البريد، وجافيد وقرة صو اليهوديين، وناظم السلانيكى، وأحمد رضا من الدونمة، والدكتور إسحاق سكوتي، والانجليزي الجاسوس ليون فهمي والدكتور بهاء الدين شاكر والدكتور إبراهيم تيمو والدكتور عبد الله جودت من الدخلاء مجهولي النسب، فكانوا من المنتسبين إلى المحافل الماسونية الفرنسية والايطالية والانجليزية والألمانية ".

- ويقول برنارد لويس – وهو كاتب يهودي مشهور - في كتابه (مولد تركيا الحديثة) : " لقد كانت المحافل الماسونية أكثر من كونها غطاء ثانويا أو عرضيا لاجتماعات الضباط الشبان ؛ ذلك أنه في نوفمبر 1911م حدث أن جافيد الذي عبر في مناسبات عديدة عن اهتماماته وعلاقته بالصهيونية قد ربط للمرة الأولى المحافل الماسونية بالأهداف اليهودية".

- وينقل الدكتور محمد حرب في تقديمه لمذكرات السلطان عبد الحميد شهادة كاتب يهودي آخر وهو أورام غالانتى من كتابه ( الأتراك واليهود ) يقول :

- " إن الجماعات اليهودية خارج نطاق نفوذ عبد الحميد أيدت جمعية الاتحاد والترقي، وكان هذا التأييد مفيدا أثناء ما كانت الجمعية تعد العدة للانقضاض على عبد الحميد ".

- ويقول الشيخ رشيد رضا رحمه الله : " لقد كان السلطان عبد الحميد عدوا للجمعية الماسونية لاعتقاده أنها جمعية سرية وأن غرضها هو إزالة السلطة الدينية من حكومات الأرض، وقد تنفس الزمان للماسون بعد الانقلاب الذي كان لهم فيه أصابع معروفة، فأسسوا شرقا محفلا عثمانيا أستاذه الأعظم طلعت بك ناظر الداخلية، وأركانه جمعية الاتحاد والترقي وأنصارها من اليهود وغيرهم، ولأجل هذا نرى طلعت بك لا يبالى بسخط الأمة ولا برضاها في إدارته التي استغاثت منها المملكة بولاياتها الستة كلها، ما عدا ولاية سلانيك، وسلانيك هي مقر السلطة الحقيقية في المملكة " ( المنار م 14 صفحة 80 ).

- إذن تربى أعضاء الاتحاد والترقي على تلك الأفكار في أوكار الماسونية والصهيونية وفى قنصليات الدول الاستعمارية.

- كانوا والسلطان عبد الحميد على طرفي نقيض ؛ فهم مخدوعون بالغرب منبهرون بحضارته الزائفة، والسلطان يقول : " يجب ألا ندع الغرب يبهرنا فان الخلاص ليس في المدنية الأوربية وحدها "

- كانوا يعملون على خلع تركيا من قلب أمتها الإسلامية، والسلطان يقول : " أن تركيا هي نافذة الإسلام التي سيشع منها النور الجديد "

- وجدت دعوة السلطان لاجتماع كلمة المسلمين أصداء واسعة، ووصل تأثيرها إلى روسيا وشمال أفريقيا والهند والصين، ولكن الانقلابيين كانوا في ذروة نشاطهم، وبذل اليهود والأوربيون كل ما يطلبه العملاء والخونة ويحتاجونه في سبيل إتمام المهمة القذرة.

- تحركت الدمى بنشاط منقطع النظير على مسرح الأحداث تردد وتطلق الشعارات الخادعة، وهى ذاتها الشعارات التي تطلقها حركات التمرد من الانفصاليين الخونة والعملاء اليوم ؛ فقد طالبوا بالتتريك واللامركزية والحكم الذاتي والدستور والحرية والمساواة والعدالة.

- يقول الجنرال التركي ( جواد رفعت أتلخان ) :

- " منذ مدة تزيد على سبعين سنة والكوارث تتوالى على بلادنا لإزالة الخلافة العثمانية واحتلال فلسطين وإقامة دولة يهودية مركزها القدس، وقد دبرت الأيدي الخبيثة تقديم ملايين من الجنيهات الذهبية إلى السلطان عبد الحميد الثانى مقابل سماحه لاستيطان اليهود في فلسطين إلا أنه رفض بشدة، وأدى الرفض إلى إثارة دعاية يهودية عالمية ضد الطبقة الحاكمة في الدولة العثمانية متخذة من الافتراءات والأكاذيب سلاحا لها، وكانت هذه الأكاذيب والافتراءات من القوة بحيث لا يمكن للإنسان أن يقف أمام تيارها الجارف، وكانت تتضمن أمثال هذه الكلمات :

- (لا حرية في الدولة العثمانية) (الاستبداد يخيم عليها) (السلطان يفتك بالعناصر المثقفة ويرميهم من نوافذ القصر إلى البحر) " (أسرار الماسونية – الجنرال جواد رفعت آتلخان ).

- والآن السؤال هو: هل حقق الانقلابيون العملاء لوطنهم الرخاء والتقدم بعد أن انسلخوا عن الإسلام وانعزلوا عن العرب ؟

- لقد نجحوا بمساعدة الصهاينة والقوى الاستعمارية الكبرى في تقويض الخلافة الإسلامية، ولكن هل وضعوا بلادهم حقا في مصاف الدول المتقدمة، وهل حرروها فعلا من التخلف والرجعية؟

- هذا السؤال يجيبنا عليه السلطان عبد الحميد بنفسه في مذكراته حيث يقول متهكما ساخرا من انجازات هؤلاء (المجاهدين) :

- " لقد سلمت الحكومة في 1908م – 1326هجرية الى هؤلاء ( المجاهدين ) وفى السنة التالية سلمت السلطنة الى صاحب الشوكة والجلالة أخي.. كانت حدودنا العثمانية فى عهدي ممتدة من أشقودرة إلى خليج البصرة، ومن البحر الأسود إلى صحارى إفريقيا، وإذا عقدنا مقارنة بين (تقويم) المانق دو غوطة الصادر عام 1908م والعدد الصادر هذا العام، فسيتضح لخلفائي أنني لم أخلف حريقا وإنما تركت منطقة هائلة تضم أكثر من ثلاثين مليون نسمة، كما تركت جيشا.

- مضى على هذا ( منذ تدخلهم في الحكم ) عشر سنوات كاملة، فهل استطاعوا عمل ثلث ما عملته أثناء مدة سلطنتي؟ دعنا من الثلث فالثلث كثير، فلنقل : العشر، فهل استطاعوه ؟ " ( مذكرات السلطان عبد الحميد صفحة 68).

- بالطبع لن يستطيعوا ولن يقدروا على انجاز شئ لصالح أوطانهم ؛ لأنهم لا يعملون في الأساس لحساب الوطن إنما لحساب أعدائه.

- يقول السلطان في المذكرات : "عندما توليت الحكم كانت ديوننا العمومية تقرب من ثلاثمائة مليون ليرة، وفقت إلى تخفيضها إلى ثلاثين مليون ليرة أي العشر، وذلك بعد دفع ما تطلبته حربان كبيرتان وسحق بعض تمردات داخلية.

- أما ناظم بك ورفاقه، فقد رفعوا هذا الرقم (بعد تولى الاتحاد والترقي الحكم بعدى) من ثلاثين مليون ليرة حيث كان حينما تركت الحكم إلى أربعمائة مليون ليرة يعنى إلى ثلاثة عشر أمثاله.

- يعنى أن خلفائي – ولا أقصد هنا أخي السلطان رشاد لأنه لا يملك من أمر السلطنة شئ – ولذلك أقول أن خلفائي أعضاء جمعية الاتحاد والترقي أظهروا فعالية ونجاحا عظيمين في زيادة ديوننا " (مذكرات السلطان عبد الحميد صفحة 68).

- وفوق الديون المتراكمة والاقتصاد المنهار، والى جانب حركة التغريب التي شملت كل النواحي السياسية والاجتماعية، فقد كان من (انجازات) الانقلابيين من الاتحاد والترقي أن استسلموا لبريطانيا استسلاما كاملا، وسلموا طرابلس الغرب لايطاليا، وفتحوا الطريق أمام اليهود الى فلسطين

كانت سياسات الحكومة الاتحادية بعد خلع عبد الحميد قد مهدت لأمرين هامين : أولهما : تحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين و ثانيهماً : تفكيك الدولة العثمانية والعمل على إضعافها وتمثلت هذه السياسات والقرارات بما يلي :

1.بدؤوا تغيرات إدراية في فلسطين بعد الانقلاب الأول مباشرة فقبل عام 1908 م / 1326 هـ كان مجلس مدينة القدس الإداري (البلدي) يتكون من تسعة أشخاص، ستة من المسلمين وأثنان من المسيحيين ويهودي واحد، غير أن هذا المجلس البلدي للقدس تغيرت تركيبته في نفس العام 1908 م / 1326 هـ حيث ارتفعت نسبة تمثيل اليهود في المجلس إلى عضوين.
2.تأسست مباشرة بعد الانقلاب عام 1908 م / 1326 هـ في فلسطين (شركة التطوير الانجلو-فلسطينية) وهي مؤسسة يهودية في يافا ،و دخلت مباشرة في مفاوضات مع أطراف شبه رسمية بغرض الحصول على أراضي في رفح على الجانب المصري، من أجل إقامة مستعمرة زراعية يهودية هناك .
3.بعد الانقلاب وفي نفس العام عين فيكتور جيكبسون وهو صهيوني روسي المولد وكان يعمل مديراَ لفرع الشركة الانجلو - فلسطينية ببيروت ،عين ممثلاً للمنظمة الصهيونية باستانبول، حيث أصبح مقره (وكالة صهيونية)في العاصمة العثمانية ويصف أحمد النعيمي دور هذه الوكالة بأنه أصبح مراقبة النظام السياسي الجديد وموقفه من الصهيونية ،إلى جانب مراقبة النواب العرب ونشاطهم في البرلمان العثماني ،والمساهمة في كل الأنشطة الإعلامية التي تخدم الصهيونية إضافة إلى التنسيق مع كبير الحاخامات والبرلمانيين اليهود الأربعة أو الخمسة في العاصمة لصالح المشروع الصهيوني.
4.سمح قائمقام طبرية العثماني لليهود بتكوين حرس خاص بهم (أي جيش صهيوني جديد) بدعوى إن الخطر الذي بات يهدد اليهود لم يقتصر على غزوات البدو للمستعمرات - كما كان في الماضي- ولكن كما ذكر فرانك - امتد مع زيادة الهجرة فأصبح هذا الخطر موجوداً في كل أنحاء فلسـطين، وقد لاحظت جريدة (نهضة العرب) ذلك واتهمت الاتحاديين بالتفاهم مع اليهود.
5.في عام 1909م /1327 هـ بدأ اليهود بدعم من روتشيلد أحد أكبر البيوتات اليهودية التي تسيطر على اقتصاديات العالم وتوجه السياسات العالمية، بتشييد أول مدينة يهودية كبيرة في فلسطين هي مدينة (تل أبيب), إلى جانب الميناء الغربي لمدينة يافا وقد وصفتها المؤرخة الإنجليزية المنصفة كارين آرمسترونج بأنها ((أصبحت "واجهة عرض" يهوديتهم الجديدة)).
6.قامت حكومة الاتحاد والترقي بتعطيل عدد من الصحف العربية المعارضة للهجرة اليهودية إلى فلسطين في عام 1909 م /1327 هـ ،وهي صحيفة الكرمل بحيفا التي قدم رئيس تحريرها إلى المحاكمة بتهمة سب اليهود، وصحيفة المقتبس بدمشق وصحيفة فلسطين قي يافا .
7.أصدر اليهود طوابع بريدية تحمل اسم هرتزل ونوردو، وزاد نفوذهم بفلسطين، دون اتخاذ اجراءات لإبطال خطواتهم .
8.بعد الانقلاب الذي أعاد الاتحاد والترقي للحكم عام 1913 م / 1331هـ نشط الصهاينة مرة أخرى بعد أن خاطب الحاخام اليهودي باستانبول والذي انتخب حاخاماً أكبر لتركيا بعد الانقلاب في عام 1908 م، خاطب وزير العدل والثقافة، طالباً إلغاء جواز السفر الأحمر الذي يعطى لليهود غير الأتراك عند دخولهم فلسطين، وإزالة القيود ضد حيازة اليهود لمساحات شاسعة من الأرض خارج المـدن والقرى الفلسطينية، بدعوى أن هذه الإجراءات ((تجرح وبعمق الحس الوطني والديني اليهودي)). وقد استجاب الوزير وألغيت كذلك مهلة ثلاثة الأشهر التي كانت تحدد مدة بقاء اليهود الزوار لفلسطين، بحجة أن ولاة القدس وبيروت العثمانيين قرروا أن هذه الإجراءات لم تحقق الغرض منها .

Wednesday, March 24, 2010

جلاد دنشواى شقيق الزعيم سعد زغلول



أحمد فتحي زغلول
أحمد فتحي زغلول (رمضان 1279 هـ = فبراير 1863م - 29 ربيع أول 1332هـ= 27 مارس 1914م) قاضي مصري حكم بالإعدام على الفلاحين في قضية دنشواي أمام أهاليهم. وهو الشقيق الأصغر للزعيم سعد زغلول. وكان أحمد فتحي من رجال القانون والقضاء، ورواد الترجمة في مصر، بجانب اهتماماته السياسية والتعليمية والصحفية.

ولد "فتح الله زغلول" في ربيع الأول 1279هـ = فبراير 1863م بقرية إبيانة التابعة لمديرية الغربية. وكان أصغر أنجال الشيخ ابراهيم زغلول من أعيان ابيانة. ومات أبوه إذ كان رضيعاً وكان شقيقه سعد زغلول فطيماً، خلفهما أبوهما في حضانة والدتهما التي هي أحد عقائل عائلة بركات الشهيرة بالغربية، وكانت وقت وفاة زوجها لا يتجاوز عمرها العشرين، فقامت على وليديها وأوقفت نفسها على تربيتهما تحت إشراف أخيهما الكبير لأبيهما الشناوي افندي زغلول الذي عني بتعليمهما على أحسن ما تعلم به أبناء الأعيان. تعلم "فتح الله" الصغير في كـُتـّاب البلد ثم في مدرسة رشيد ثم في المدرسة التجهيزية ثم في مدرسة الألسن. وفي الألسن، اتفق أن زارها أحمد خيري باشا ناظر المعارف العمومية فأعجب بذكاء الشاب "فتح الله" وأعطاه سم "أحمد" ونحت من "فتح الله" "فتحي" وأصدر أمراً رسمياً بتسميته "أحمد فتحي" وبأن يـُرد إليه ما دفعه من المصاريف المدرسية، وأن يتعلم على نفقة الدولة.

شارك في الثورة العرابية وكان من خطباء هذه الثورة، وعندما فشلت واحتل الإنجليز مصر رفت من المدرسة بقرار من وزير المعارف، فقام بتغيير اسمه والتحق بمدرسة الألسن عام (1301هـ = 1883م)، وسافر في تلك السنة لدراسة القانون في اوربا، وعاد في سنة (1305هـ = 1887م) حيث عين في القضاء وتدرج في مناصبه حتى أصبح رئيسا لمحكمة مصر.

ربطت أحمد فتحي زغلول علاقة قوية باللورد كرومر -المعتمد السامي البريطاني في مصر- وشارك كقاض في محكمة دنشواي سنة (1324هـ = 1906م) التي قضت بإعدام عدد من الفلاحين أمام أهليهم؛ وهو ما هز الوجدان الشعبي المصري، وكان هو الذي صاغ حيثيات الحكم، وكان لهذه الحادثة المؤلمة أثرها القاتم على تاريخه وسيرته وأعماله، وإذا ذكر اسمه اقترن بما ارتكبه في دنشواي.

لم تكن تربطه علاقة جيدة بأخيه سعد، ترجع إلى عوامل الغيرة والتنافس، وكان يرى أن أخاه سبب في الحيلولة دون ترقيه إلى الوزارة، وكان يعتقد أنه يتمتع بمواهب وقدرات تفوق سعدا، وقد أورد سعد في مذكراته جانبا من شخصية أخيه.

ساهم مع أحمد لطفي السيد في إنشاء جريدة الجريدة، وكان عضوا مؤسسا في "الجمعية الخيرية الإسلامية"، وساهم في وضع نظم المعاهد الدينية الأزهرية.

توفي في (29 ربيع أول 1332هـ= 27 مارس 1914م) عن 51 عاما.




أعماله
كان أحمد فتحي زغلول من رواد حركة الترجمة في مصر، وكان يرى أن حركة الترجمة تسبق حركة التأليف في نهضة الأمة المصرية، وكان يتقن اللغتين الإنجليزية والفرنسية بجانب امتلاكه ناصية اللغة العربية.

ومن أعماله الكبرى في الترجمة:

"سر تقدم الإنجليز السكسون" لإدمون ديمولان،
"سر تطور الأمم "لجوستاف لوبون،
"روح الاجتماع" لجوستاف لوبون،
"أصول الشرائع" لجيرمي بتنام،
إضافة إلى تأليفه لبعض الكتب مثل "المحاماة" و"شرح القانون المدني" و"الآثار الفتحية".


Monday, March 22, 2010

الملك فيصل استغل تحريض الملك سعود على اغتيال عبد الناصر بطائره سوريه والانقلاب على الملك سعود بواسطه الامراء السعودين الناصرين الشبان



Dr Usama Shaalan(Papyrus) برديه الدكتوراسامه شعلان


















الملك فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، (1906 / 1324 هـ-25 مارس 1975 / 1395 هـ) ملك المملكة العربية السعودية للفترة 1384 هـ الموافق 2 نوفمبر 1964 وحتى 1395 هـ الموافق 25 مارس 1975. وهو الإبن الثالث من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود الذكور، وأمه هي طرفه بنت عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ من ذرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وقد ولد في مدينة الرياض.
النشأة
تربى الملك فيصل في بيت جدية لأمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ وهيا بنت عبد الرحمن ال مقبل وتلقى على يديهما العلم وذلك بعد وفاة والدته رحمها الله. وقدأدخله والده الملك عبد العزيز في السياسة في سن مبكر، وأخذ يرسله إلى زيارات لبريطانيا وفرنسا في نهاية الحرب العالمية الأولى وكان بعمر 13 سنة، وقاد وفد المملكة إلى مؤتمر لندن بعام 1939 بخصوص القضية الفلسطينية المعروفة بمؤتمر المائدة المستديرة. كرئيس وفد المملكة مثله في توقيع أ. إن . تشارتر أيضا في سان فرانسيسكو في عام 1945.

وعلى المستوى المحلي قاد القوات السعودية لتهدئه وضع متوتر في عسير في عام 1922. كما شارك في الحرب السعودية اليمنية في عام 1934. واستلم عدد من الوظائف الكبيرة أثناء عهد والده الملك عبد العزيز، فقد عين نائباً للملك في الحجاز في عام 1926، ورئيس مجلس الشورى في عام 1927. وكان في عام 1925 قد توجه جيش بقيادته لمنطقة الحجاز وتحقق النصر للجيش وتمت السيطرة على الحجاز، وبعد عام تولى مقاليد الإمارة في الحجاز. ومع تطور الدولة تم تقليده منصب وزير الخارجية وذلك في عام 1932 بالإضافة إلى كونه رئيساً لمجلس الشورى، وقد ظل وزيراً للخارجية حتى وفاته بعام 1975 عدى فترة قصيرة.

وبعد قرار هيئة الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، طلب من أبوه قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة ولكن طلبه هذا لم يجاب. وكان قد زار القدس لأول مرة في حياتة بعد حيازة الأردن لها بعد حرب 1948 وذلك في عام 1385هـ الموافق 1965م من القرن العشرين وأكد على نيته في زيارة القدس للمرة الثانية بعد تحريرها من الصهيونية والصلاة في المسجد الأقصى. وكان قد هدد الغرب بإغلاق جميع آبار النفط إذا لم تعد القدس للمسلمين.

وعمل في عام 1973 على تعزيز التسلح السعودي، كما قام على تصدر الحملة الداعية إلى قطع النفط العربي عن الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل في نفس العام. وقامت مجلة التايم الأمريكية بتسميته «رجل العام» لسنة 1973.

وكان هو صاحب المقولة المشهورة التي صرّع بها كيسينجر وزير خارجية أميركا حيث قال:"هل ترى هذه الأشجار.. لقد عاش آبائي وأجدادي مئات السنين على ثمارها. ونحن مستعدون أن نعود للخيام ونعيش مثلهم، ونستغني عن البترول، إذا استمر الأقوياء وأنتم في طليعتهم في مساعدة عدونا علينا". [بحاجة لمصدر]

الصراع على السلطة بين سعود وفيصل
المرحلة الأولى : فيصل يستولي على السلطة مارس 1958 – ديسمبر 1960
إثر انبثاق الجمهورية العربية المتحدة اتهم الملك سعود علنا بالتآمر لاغتيال الرئيس عبد الناصر . فقد ذكر عبد الحميد السراج المدير السابق للمباحث السورية أنه قد عرض عليه مبلغ مليوني جنيه استرليني مقابل إرسال طائرة مقاتلة سورية لإسقاط طائرة كان على متنها عبدالناصر . ونشرت الصحف صورا لثلاثة صكوك محولة من الرياض إلى بنك في بيروت وقيمتها مليونا جنيه استرليني تقريبا.

في معرض الحديث عن احتمال لجوء الملك إلى مثل هذه الأساليب في السياسة الخارجية ذكر باحثون أمريكان في كتابهم : (العربية السعودية: السكان والمجتمع والثقافة) إن (الاغتيال والكذب والخيانة أمور معتادة في السياسة الخارجية للعرية السعودية. فالرشوة والقتل سلاح يكاد يكون معترفا به ... تعقد معاهدة ثم يضرب بها عرض الحائط دون إلغائها شكليا. وتشجع كل الأطراف المتنازعة الانتفاضات الداخلية لدى جيرانها لتغيير سياستهم الخارجية).

بلغت شعبية الرئيس عبد الناصر مدى كبيرا بحيث أن نبأ الموامرة السعودية الهادفة إلى اغتياله أدى إلى تأزم الوضع داخل العربية السعودية ذاتها ، مما أثار قلقا بالغا لدى آل سعود وكبار علماء الدين . واتفق أنه في هذا الوقت بالذات كان البلد يعاني من أزمة مالية فادحة بسبب إفراط الملك وحاشيته في تبذير الأموال وانخفاض عوائد النفط . وقبل فترة قصيرة من ذلك جرت اضطرابات عمالية في المنطقة الشرقية كما بدت إمارات التذمر بين أوساط الموظفين والمثقفين وبعض الضباط.

يمكن تكوين انطباع عن ميول مطالب المستائين من خلال رسالة ناصر السعيد إلى الملك سعود التي نشرت عام 1958 . وكان كاتب الرسالة من الزعماء العماليين في المنطقة الشرقية وصار بعدئذ قائدا لاتحاد شعب الجزيرة . وفي عام1953 اعتقل مع مجموعة من الزعماء العماليين الآخرين ، وأطلق سراحه بعد الإضراب ثم نفى إلى الحائل . وعند زيارة سعود إلى جبل شمر عام 1953 طالبه السعيد علينا بسن الدستور وإجراء الانتخابات نيابية وإلغاء مجلس الشرى ومنح حرية التنظيم النقابي . ورضوخا لمطالب العمال أعيد السعيد إلى عمله في أرامكو ، ولكنه اضطر إلى الهرب من السعودية عام 1956 لكيلا يتعرض للتصفية الجسدية . علاوة على المطالب المذكورة آنفا ، أورد السعيد في رسالته عددا من مطالب العمال الاقتصادية ودعا إلى منح حريات ديمقراطية واسعة ، بينها حرية التظاهر والإضراب والصحافة والمعتقد ، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء العقوبات الهمجية مثل قطع اليد ، والاعتراف بحرية الشيعة ومساواتهم مع الآخرين ، وإزالة القاعدة الأمريكية في الظهران وحظر الرق وتحديد نفوذ آل الشيخ وإلغاء جماعة الأمر بالمعروف ووقف نشاط الهيئات الخاصة الأمريكية والمراكز الدعائية لأرامكو.

دفعا لما هو أعظم أخذ جزء كبير من آل سعود وكبار العلماء يميلون إلى ضرورة إجراء انقلاب في القصر يتسلم إثره ولي العهد فيصل السلطة الفعلية.

تحصن سعود في قصر الناصرية بالرياض محاطا بالحرس الوطني والحراس الشخصيين ، وكان فيصل في البداية يتفاوض مع شيوخ البدو.

طالب فيصل بمنحه السلطة كاملة كرئيس للحكومة وبعدم تدخل الملك في شئون الحكومة . ولما لم يحصل على رد استقال.

يقول بروشين أن العائلة المالكة الكثيرة العدد كانت دائما غير متجانسة : إذ يتفاوت أفرادها تفاوتا كبيرا من حيث المركز الاجتماعي والأموال التي يحصلون عليها من خزانة الدولة . غير أن الحزازات داخل العائلة لم تتحول إلى عداء سافر إبان حياة ابن سعود . فقد كان الأمراء يخافون ابن سعود لأن بوسعه حرمانهم من المخصصات كما فعل مرارا مع المتمردين . وبعد وفاة ابن سعود انفرطت العائلة المالكة وصارت كتلا متباينة يسعى كل منها إلى نيل حصة الأسد من عوائد الامتيازات وتبوء مناصب حكومية عامة.

جمع ولي العهد فيصل، وهو سياسي محنك وذكي، من حوله أنصاره المستائين من تزايد نفوذ أبناء سعود في البلاط ز ودأب على تكوين انطباع بأن الملك غير مؤهل لمهمته. وحاول فيصل الذي تربطه علاقات قديمة ووثيقة بالأمريكان التظاهر بأنه من أنصار الإصلاحات والتقارب مع الرئيس عبدالناصر، وبدا بعد خفية لانقلاب في القصر.

وفي 24 آذار (مارس) 1958 قامت مجموعة من الأمراء على رأسها فهد بن عبدالعزيز بتقديم إنذار إلى الملك يطالب فيه بتسليم السلطة إلى فيصل. كما طالب الأمراء بحماية بيت المال من النهب وتنحية مستشاري الملك الضالعين في محاولة اغتيال عبدالناصر، ومنح أشقاء الملك حقوقا مماثلة لحقوق أبنائه.

حاول سعود الاستنجاد بالأمريكان ولكنه لم يلق منهم العون، كما أنه لم يجد ركيزة في الجيش لأن غالبية آل سعود كانوا ضد الملك فاضطر في مثل هذه الظروف إلى قبول إنذار الأمراء.

وصدر في 23 آذار (مارس) 1958 مرسوم ملكي يمنح رئيس الوراء المسئولية التامة للاشراف على تنفيذ جميع السلطات الإدارية فيما يتعلق بالشئون الداخلية والخارجية والشئون المالية. كما أصبح فيصل القائد العام للقوات المسلحة السعودية.

إن التنكر السياسي الذي قام به ولي العهد بادعائه أنه قومي ومع أنصار الاصلاحات كان متقنا إلى حد بحيث أن رد الفعل الأول لوسائل الإعلام الغربية على أحداث السعودية كان سلبيا. فقد كتبت (نيويورك هيرلد تريبون) في 25 آذار 1958 تقول (إن هذه الخطوة تمثل ضربة موجعة بمواقع الغرب في الشرق الأوسط). ومن المحتمل أن هذا التقييم كان تضليلا معتمدا. فبعد بعض الوقت صرح وزير الخارجية الأمريكي دالاس بأ، تسلم حكومة فيصل مقاليد السلطة يدل على أن الاحداث تسير في مجرى طبيعي وأنه لن يحدث تغيرات في العلاقات السعودية الامريكية.

لقد انطلت مراوغات فيصل ليس على وسائل الإعلام الغربية وحدها ، اذ أن ممثلي المعارضة الديمقراطية الثورية علقوا عليه بعض الامال . فقد اصدرت جبهة الاصلاح الوطني في العربية السعودية نداء في دمشق وجهته إلى فيصل وضمنته مقترحات مماثلة لتلك التي وردت في رسالة ناصر السعيد إلى الملك سعود . هكذا كانت أوهام مممثلي الفئات الوسطى السعودية من المثقفين وصغار الموظفين والضباط وإيمانهم الساذج بإمكان قيام آل سعود بإصلاحات.

في إبريل قررت قيادة جبهة الإصلاح الوطني أن تؤسس ، اعتماد على تنظيمها ، منظمة جديدة باسم جبهة التحرير الوطني في السعودية. وسرعان مارفضت هذه المنظمة المعارضة تأييد فيصل ونددت بأعماله.

في 18 إبريل ألقى فيصل خطابا من الإذاعة كرسه للسياسة الخارجية. و أعرب عن الرغبة في اقامة علاقات الصداقة مع كل دولة لا تعادي الحكومة السعودية وتؤمن بالحياد الايجابي ولا تنتمي لأي كتلة عسكرية ويبدو أن المقصود هو حلف بغداد.

ادخل المرسوم الملكي الصادر في 11 مايو 1958 بعض التغييرات الجزئية على نظام مجلس الوزراء الصادر في عام 1954 ، وفصل بين صلاحيات النمجلس وصلاحيات الملك. فقد منح رئيس ملجس الورزاء السلطة الادارية ولكنالسلطة السياسية ظلت للملك. وطرح المرسوم مهمة تنظيم المالية ومكافحة الرشوة والفساد. وخظر على أعضاء مجلس الوزراء تولي أي وظيفة جديدة داخل الحكومة أو خارجها دون استحصال موافقة رئيس الوزراء . كما حظر عليهم تملك أموال الدولة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وان يكونوا أعضاء في مجالس ادارة الشركات التجارية.

انضمت العربية السعودية إلى صندوق النقد الدولي عام 1957. وبناء على توصية خبراء الصندوق أقر فيصل في يونيو 1958 برنامجا للإستقرار المالي. ونص البرنامج على خفض نفقات الدولة الى مستوى وارداتها واجراء اصلاح للنظام النقدي وقصر الاستيراد على المواد الغذائية والمنسوجات والأدوية. كما تقرر وقف أعمال البناء في عدد من القصور الملكية ومنع استيراد السيارات لمدة سنة. وقلصت الحكومة الى حد كبير الانفاق على التنمية الاقتصادية والتعليم والصحة. وفي عام 1959 توقفت الدولة عن تحصيص أموال لتنمية الصناعة والزراعة.

خفضت قيمة الريال السعودي ، فأصبح الدولا الواحد يعادل 4.5 ريال مقابل 3.75 في الماضي. واعتمدت الحكومة النقود الورقية المغطاة بالذهب والعملة الأجنبية القابلة للتحويل ، لتعوض بها عن وصولات الحجاج والنقود الذهبية التي سحبت تدريجيا من التداول. وقسم الريال الجديد إلى عشرين فلسا عوضا عن 22 فلس.

عند حلول عام 1960 كان احتياطي الذهب والعملة الصعبة قد ازداد إلى عدة أضعاف. وبفضل تحسن ميزان الدفوعات تمكنت الحكومة أن تلغي في مطلع عام 1960 أهم التقيدات المفروضة على الاستيراد وتحويل العخملة وتصدير الرساميل إلى الخارج.غير أن سياسة التقشف ادت إلى فتورالنشاط التجاري وتعطيل الأعمال العامة وازدياد حالة البطالة. وتكبدت البرجوازية الغصيرة والمتوسطة والمقاولون خسائر. ودفع السكان ثمن الإنعاش الإقتصادي.

لم يلق الملك سعود سلاحه ، بتنازله عن السلطة الفعلية لوي العهد. فقد احتفظ الملك بعلاقات طيبة مع الارستقراطية العشائرية جزء من علماء الدين. وظل يؤكد على وفائه للتقاليد ويوزع العطايا بسخاء. وزار سعود مصر صيف عام 1959 محاولا أن يدفع عن نفسه شبهات العداء لعبد الناصر.

امضى سعود عام 1960 بأكمله متنقلا في أرجاء البلاد ، وكان أحيانا يتغيب عن العاصمة عدة أسابيع ، ويقيم الولائم لشيوخ البدو ويجزل لهم العطاء. وطبقا لعادات الحكام الكرماء العادلين كان سعود يدفع ديون الفقراء فينقذهم من الحبس ،ويعطي المرضى مالا للتداوي ، وكان الملك يلتقي مع علماء الدين باستمرار ويشارك في غسل الكعبة عشية موسم الحج. وقام سعود ، بين حين وآخر ، بالتبرع بأموال لتعمير وبناء مساجد داخل السعودية خارجها ، ويوزع بإسمه أموالا إنشاء أسالة المياة في البلدات وشق الطرق وما الى ذلك.

وظل الملك وأبناؤه يسيطرون على مبالغ طائلة من المال . فإن إبن الملك أو أخاه ، إذا لم يكن يتبوأ منصبا رسميا ، يحصل من بيت المال على عشرة ملايين ريال سنويا ان كان متزوجا ، ومليونين ان كان أعزب. أما سائر الأمراء فقد كان مخصصاتهم تتحدد طبقا لدرجة قرابتهم من الملك.

كان الأمر الحاسم في الصراع بين سعود وفيصل ، ظهور مجموعة من الأمراء السعوديين الشباب المثابرين المتأثرين بالأفكار الناصرية والداعين الى الإصلاحات. وأقام سعود صلات بهم ووعد ، بيصيغ حذرة ، بمؤازرتهم. وتحاشى الملك التعهد بإلتزامات محددة ، لأنه لم يكن من أنصار الإصلاح ولخشيته من نفور علماء الدين. وقد ألمح الأمير نواف بن عبد العزيز في تصريح له بالقاهرة في مايو 1960 إلى وجود ميل لإقامة أول جمعية دستورية واعداد أول دستور للدولة وتأسيس محكمة عليا ولجن عليا للتخطيط. وكان هذا تعبير عن رأي مجموعة الأمراء الشباب الذين كان أبرزهم طلال بن عبد العزيز. كان طلال واحدا من الأخوة الصغار لسعود ، وثمة درزينة كاملة من الأمراء الأخرين تبعده عن الأمل في أن يأتي دوره ليكون ملكا. لذا فقد شرع انطلاقا من طموحاته الشخصية – وهذا ما أثبتته الأحداث فيما بعد – يبشر بفكرة الحكم الدستوري أملا في الإقتراب من السلطة عن طريق الإصلاحات. وفي يونيو 1960 اقترح ظلال اقامة نظام ملكي دستوري فرفض فيصل الاقتراح وابعد عنه طلال وجماعته.

في أغسطس ومطلع سبتمبر عرض الأمراء الشباب مشروع الدستور على الملك ، فرفضه بإعتباره متطرفا ولكنه حاول الاحتفاظ بصلاته مع المجموعة.

وفي مايو 1960 اعتزم فيصل التوجه إلى أوروبا للعلاج وعين الأمير فهد بن عبد العزيز وكيلا له ، ولكن سعود رفض المصادقة على هذا التعيين. أيد عدد من الأمراء فيصل بينما وقف عدد آخر ، وبينهم طلال ونواف ، إلى جانب الملك ولم يجرؤ فيصل على مغادرة البلاد.

وفي نوفمبر من العام نفسه أخذ سعود يطالب فيصل باحاطته علما بجلسات الحكومة ، وعدم تعيين أمراء للمناطق والمدن والبلدات وقضاة الا بموافقته ، وبأن يمتنع معن نشر الميزانية دون مصادقته عليها ، كما طالب بزيادة نفقات البلاط وان تدفع لأولاده الصغار مخصصاتهم كاملة.

في 18 ديسمبر قدم فيصل للملك مسودة مرسوم ملكي حول الميزانينة ، فرفض الملك توقيعه بحجة أنه لا يحتوي على تفاصيل. وفي مساء اليوم نفسه رفع فيصل رسالة احتجاج الى الملك اعتبرها سعود طلب استقالة.

المرحلة الثانية: سعود يعود الى السلطة 1960 – 1962

الأمير فيصل (حوالي 1941)في 21 ديسمبر وافق سعود على استقالة فيصل ، وبالتالي حكومته ، وتولى مهمات رئيس الحكومة وعين وزراء جدد. وضمت الحكومة الأميرين طلال بن عبد العزيز ومحمد ابن سعود اللذين اسندت اليهما على التوالي وزارتا المالية والدفاع. وكان محمد يعتبر واحدا من أبناء سعود الذين تعقد عليهم آمال كبار ووليا محتملا للعهد. وعين أحد أنصار طلال وهو عبد المحسن وزيرا للداخلية بينما عين بدر وزيرا للمواصلات. واسندت وزارة النفط والمعادن الى الوجه القومي المعروف الشيخ عبد الله الطريقي. ولأول مرة في تاريخ البلد استلم أشخاص لا ينتسبون الى العائلة المالكة غالبية الحقائب – وان لم تكن سياسية- في الوزارة.

ان عودة الملك سعود في دسيمبر 1960 كانت تعني الانبعاث المؤقت للميول المناوئة للغرب التي كانت سائدة في فترة 1954 – 1956. وقد اقترنت شكوك سعود ازاء الأمريكان بالنزعة القومية "للأمراء الأحرار". وفي مارس 1960 أعملت السعودية الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لن تجدد إتفاقية القاعدة الجوية في الظهران التي كان سينتهي مفعولها بعد سنة. وأعلن الملك سعود أن السبب الرئيسي لذلك هو مساعدة الولايات المتحدة إسرائيل. وفي ابريل 1962 سلمت الولايات المتحدة قاعدة الظهران للحكومة السعودية. وبذا صار لدى هذه الحكومة واحد من أكبر المطارات في العالم. هذا علما بأن العسكريين الأمريكان عادوا إلى القاعدة بعد ستة أشهر تقريبا اثر أحداث اليمن.

في 25 ديسمبر 1960 أعلنت اذاعة مكة ان مجلس الوزراء وافق على تشكيل مجلس وطني منتخب جزئيا ، وقرر وضع مسودة للدستور . ولكن الاذاعة عادت بعد ثلاثة أيام لتنفي الخبر. وكان من الواضح أن الملك سعود لا يعتزم التنازل لحلفائه المؤقتين من الأمراء الشباب. ولكن تلمحيات الى الاصلاحات اخذت تظهر في الصحف السعودية.

نشرت الجريدة اللبنانية نص مسودة الدستور المؤلفة من مائتي مادة والتي وضعها حقوقيون مصريون بتكليف من طلال وزملائه من مجموعة الأمراء الشباب. ويبدو أن هذه المسودة سربت إلى الخارج عن قصد. ولكن مدير الإذاعة والصحافة السعودي نفى الخبر الزاعم بأن الملك هو الذي عرض مسودة الدستور.

تكونت داخل الأسرة السعودية الحاكمة ثلاث مراكز متصارعة على السلطة. فقد كان الملك سعود يستند إلى مجموعة من الأمراء وبعض شيوخ القبائل ، بينما يحظى فيصل بمساندة مجموعة أخرى من الأمراء والكثير من علماءالدين وتجار الحجاز المتنفذين ، أما المركز الثالث فقد تزعمه طلال المتمتع بتأييد فئة المثقفين الناشئة من خريجي الجامعات الأجنبية وعدد من الموظفين.

ظل الصراع داخل الأسرة المالكة السمة الرئيسية للحياة السياسية في البلد طيلة عام 1961. وكان الانتقال من معسكر إلى آخر أمرا طبيعيا. فان عبد الله بن عبد الرحمن وعددا اخر من اخوان الملك وأعمامه سرعان ما انتقلوا الى جانب فيصل. ومن مجموعة الأمراء الأحرار انضم طلال وبدر وعبد المحسن الى مجلس الوزراء وعين فواز حاكما للرياض. واستقال نواف من منصب وزير الداخلية وظل محايدا ، وسرعان ما عين رئيسا للديوان الملكي.

أسس الملك لجنة عليا للتخطيط وأصبح طلال أول رئيس لها. وكان من الواضح أن طلال يرمي الى تعزيز سلطته مما نفر منه أبناء سعود وأقربائه المقربين.

تزايدت البطالة في البلد عام 1961. وحاول طلال تنفيذ أشغال عامة لزيادة العمالة ، ولكن الإعتمادات لم تكن كافية، وكانت تنهب الأموال المعتمدة.

في الثامن من يونيو اسست وزارة العمل والشئون الاجتماعية وحاولت أن تخظر العمل الأضافي وتحد من تشغيل الوافدين.

في 25 يوليو صدر مرسوم ملكي بتأسيس المجلس الأعلى للدفاع برئاسة الملك ويتألف من وزير الدفاع والطيران نائبا للرئيس ، والمفتش العام للجيش ورئيس الأركان ووزراء الداخلية ، والمالية والاقتصاد ، والمواصلات ،والخارجية. وحدد المرسوم الملكي مهمة المجلس بوضع سياسة دفاعية طويلة الأمد للجيش السعودي.

نظرا لتنامي المعارضة صدر ايعاز خاص لحماية النظام الملكي نص على أن تكون عقوبة الجرائم المرتكبة ضد الأسرة المالكة والدولة الإعدام أو السجن المؤبد. وصارت عقوبة الإعدان تهدد كل من يحاول تغيير النظام الملكي أو يتطاول على أمن الدولة أو يسعى لشق القوات المسلحة.

ركزت مجموعة فيصل هجومها على طلال متحاشية المساس بالملك. وأخذ الذين يناصرون فيصل سرا أو علانية يوجون للملك بأن التجديدات سوق تؤدي به إلى الهلاك وخذروه من الوزراء الجدد. وفي الوقت ذاته عمل أنصار فيصل على عرقلة اجراءات الأمراء الأحرار. وكان المحافظون من آل سعود وكبار الموظفين يحتالفون في نشاطاتهم مع الأوساط الدينية التي خشيت من ان تؤدي الاصلاحات الى الانتقاص من دور علماء الدين في البلد.

بدأ الهجوم رجال الدين وعلى رأسهم مفتي الديار السعودية محمد بن ابراهيم آل الشيخ ورئيس جماعة الأمر بالمعروف الشيخ عمر بن حسن. فقد وجه المفتي رسالة الى الملك يذكره فيها بحقه في الاطلاع على كل القوانين الحكومية وايعازاتها قبل تطبيقها للبت فيما اذا كانت مطابقة لأحكام الشرع. وقال المفتي أنه لا يوافق على قانون العمل لمخالفته روح الإسلام. وذكر مثلا أن العامل الذي يصاب بعاهة أثناء العمل يجب أن يحصل فقط على تعويض اليوم الذي أصيب أثناءه ،لأن الإصابة قضاء وقدر. وخلافا لرأي طلال وزير المالية وافق سعود على رأي المفتي لتهدئية علماء الدين. وسرعان ما طالبت جماعة الأمر بالمعروف بغلق ستوديوهات التصوير في الرياض ، واقترح الملك على الحكومة الخضوع لهذا المطلب.وكان تنفيذ هذا الايعاز يعني الانهيار التام لهيبة الحكومة ، لذا اقدمت على حل وسط بأن أمرت برفع اليافطات عن الإستديوهات وازالة وجهاتها الزجاجية.

جوبهت محاولات طلال لتنظيم المالية بمقاومة سعود ورجال حاشيته الذين لم يعودوا الى السلطة لتقييد جشعهم. ويقول طلال في مذكراته أن الملك شارك في المضاربة بالأراضي مما أضر بمالية الدولة ،وكانت له حصة من المقاولات الحكومية ، وحصل على مبالغ طائلة بايصالات مزيفة مستخدما موظفي وزارة المالية. ورفض سعود اقتراح طلال بتأميم شركة الكهرباء الأهلية في الرياض للحصور على واردات اضافية. واستغلت جماعة فيصل هذه المحاولة لتأليب الأوساط التجارية ضد طلال وسائر الأمراء الأحرار وبثت اشاعات تزعم ان ظلال يعتزم تأميم المؤسسات الصناعية والشركات التجارية.

حاول الملك التوصل الى حل وسط مع فيصل والتضيح بطلال. وأصدر في 11 سبتمبر مرسموما اقال فيه طلال وبدر وعبد المحسن من الوزارة. وفي 16 من الشهر نفسه عين الأمير نواف بن عبد العزيز ، الذي كان يعتبر محايدا ، وزيرا للمالية والاقتصاد الوطني ، وأسندت المناصب الأخرى الى أبناء سعود.

تدخل عامل اخر في الصراع بين الأخوان ،وهو صحة الملك ، فقد ساءت الى حد بحيث نقل سعود فاقدا الوعي في 16 نوفمبر الى المستشفى الأمريكي بقاعدة الظهران ، ثم اضطر للسفر الى الولايات المتحدة للعلاج. وقد يكون للأمريكان ضلع في ترحيله ، لأن لهم مصلحة في ابعاد الملك الذي لا يرتضونه عن البلد. وقبيل مغادرة البلد ، ونزولا عند الحاح كبار افراد العائلة الملكة عين سعود للقضاء على خصومه.

في مارس 1962 اضطر الملك بسبب تدهور صحته الى تعيين فيصل رسميا رئيسا للحكومة. وطالب فيصل باقصاء الطريقي من مجلس الوزراء. فوافق سعود ، تهللت أرامكو لهذه الخطوة اذا انها كانت تعتبر وزير النفط ، كما يقول طلال ، عدوها الأول. وكانت أرامكو، في التقارير المرفوعة الى الحكومة السعودية تندد بنشاط الطريقي وتتهمه بالشيوعية. وهكذا عاد فيصل ليستلم السلطة الفعلية بعد خمسة عشر شهرا من أبعاده عن رئاسة الحكومة. وهكذا احتدم الصراع من جديد.

أمضى سعود بقية السنة في الولايات المتحدة حيث اجريت له سلسلة من عمليات الجراحة. واصل طلال الحديث عن الاصلاحات ، فقد دعا الى اجراء تغييرات في نطاث الشرع على اساس الاجتهاد ، الأمر الذي كان يعني عمليا ادخال احكام قانونية جديدة على الشرع لضبط الظواهر الاجتماعية الجديدة. ولو فتح باب الاجتهاد لتمكنت فئات اجتماعية جديدة من تقديم مطالبها والاستناد الى القيام وتفسير الشرع بما يتفق ومصالحها.

لم يجد طلال وجماعته دعما داخل البلاد فهاجروا. وفي 15 أغسطس 1962 عقد طلال مؤتمرا صحفيا ببيروت . وانتقد في تصريحاته المنشورة بصحيفة الأنوار النظام السعودي رغم انه لم يذكر الملك بالإسم. وقال الأمير أن هدف مجموعته يتمقل في اقامة ديموقراطية دستورية في الاطار الملكي. وقد أيده أربعة أمراء هم عبد المحس بن عبد العزيز وبدر بن عبد العزيز وفواز بن عبد العزيز وسعد بن فهد.

وخشية من اثارة غضب الرياض حاولت الحكومة اللبنانية التخلص من الأمراء المتمردين فغادروا الى القاهرة ، حيث استقبل طلال من قبل الرئيس عبد الناصر. وادت ثورة اليمن الى زيادة نشاط المجموعة وقتيا.

في اواخر الخمسينات واوائر الستينات دار الصراع على السلطة بين أفراد الأسرة المالكية فقط ، ولكنه كان عرضة لتأثير مختلف النزعات السياسية. فقد كان برنامج مجموعة طلال يجسد الأفكار الاصلاحية الليبرالية القومية ، ويبين مآله مدى ضآلة ما وجدته هذه الأفكار من تربة خصبة في المجتمع السعودي.

ورغم أن الأسرة المالكة كانت تتنازعها التناقضيات ، الا أنه لم يكن لديها خصوم أقوياء . فجيل الشبان المتعلمين المنحدرين من القئات الوسطى ، كان يمثل مجموعة ضئيلة جدا في الاحساء وجدة ، واقتصر نشاطها ، حسب المعلومات المتوفرة ، على توزيع منشورات ونشر رسائل مفتوحة في الصحافة بالخارج.

كما كام محدودا تأثير جبهة التحرير الوطني وهي منظمة ديموقراطية ثورية معارضة. وانحصرت مطالب الجبهة في الغاء نظام الاستباداد الملكي واقامة نظام برلماني ، ووضع سياسة اقتصادية وطنية ، واعادة النظر في كل الاتفاقيات النفطية ، والدعوة الى الحياد الايجابي ، ورفض تأجير قاعدة الظهران.

أما التأثير الأكبر فقد كان للمحافظين سواء من الأمراء أو علماء الدين أو شيوخ القبائل. ولهذا السبب بالذات لم يشارك سعود شخصيا في مؤتمر بلدان عدم الإنحياز في بلجراد لأن يوغسلافيا بلد شيوعي ملحد.

وفي 28 سبتمبر 1961 انفصلت سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة. واعترفت الحكومة السعودية فورا بالحكومة السورية الجديدة. وفي اواخر 1961 استعرت مجددا الحرب الاعلامية بين اذاعتي القاهرة ومكة بعد ان كانت قد خمدت. وانتقدت القاهرة استبداد النظام الاقطاعي في السعودية وتفشى الفساد فيه ، بينما اتهمت مكة الرئيس عبد الناصر بالتدخل في شئون الدول العربية الأخرى ، وزعمت أنه يخون القضية الفلسطينية وتساهل ازاء إسرائيل. وتأزمت العلاقات الى حد جعل الحكومة السعودية ترفض قبول كسوة الكعبة من مسلمي مصر عام 1962. وفي الوقت ذاته جرى تقابل بين النظام السعودي والأردن.

ففي 30 أغسطس 1962 اجتمع سعود وحسين في الطائف ووقعا اتفاقية حول تنسيق السياسة الخارجية وتطوير العلاقات الاقتصادية والعسكرية والثقافية ، واتفقا على رسم الحدود. وعرفت هذه الاتفاقةي بميثاق الطائف ، ولم يخف على احد أنها كانت موجهة إلى مصر.




الاقتصاد في عهده
كرس انتباهه الأقصى للشركات الصناعية والزراعية والمالية والاقتصادية. تتضمن المشاريع الزراعية الري وشبكة الصرف توجه ومشروع الرمال في الإحساء في منطقة المملكة الشرقية. بالإضافة إلى مشروع سد أبها في الجنوب، ومشروع أفوريستيشن، ومشروع موارد الحيوان وبنك التأمين الزراعي وفي فترة عهده زادت المساحة الزراعية بشكل ملحوظ والبحث عن مصادر الماء كان مشجعاً كما إنه كجزء من بحث الدولة عن المعادن أنشأت الشركة العامة للبترول والمعادن.

كما لا ينسى التاريخ له إنه استطاع إنتشال المملكة اقتصادياً وإدارياً بعد إعلان إفلاس الخزينة الحكومية. وهو من وضع الخطط الخمسية للبلاد ووضع نظام المناطق الإدارية، وهو من جلب الشركات الإستشارية الخارجية لدعم مؤسسات الدولة الخدمية، وهو أيضاً من رفع اسم المملكة عالميا وجعل لها نفوذاً وهيبة وأحترام على المستوى العربي والإسلامي والعالمي.

سياسته

King Faisal, U.S. President Richard Nixon and his wife Pat Nixon (27 May 1971)كانت سياسته تقوم على أساس عدد من الثوابت وهي حماية واستقلال وهوية البلد، والاحتفاظ بميثاق جامعة الدول العربية وبنشاط الدفاع عن التضامن الإسلامي. وطالب بمؤسسة تشمل العالم المسلم وزار عدة بلاد مسلمة لشرح الفكرة وقد نجح في إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم الآن أكثر من 50 دولة إسلامية. كما أنه إستطاع من قطع علاقات أكثر من 42 دولة مع إسرائيل. [بحاجة لمصدر]

اغتياله
في يوم الثلاثاء 25 مارس 1975، حيث قام فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود بإطلاق النار عليه وهو يستقبل عبد المطلب الكاظمي وزير البترول الكويتي في مكتبة بالديوان الملكي وأرداه قتيلاً، وقد كانت إحدى الرصاصات إخترقت الوريد فكانت السبب الرئيس لوفاته. خلفه من بعده في حكم المملكة ولي العهد الأمير خالد بن عبد العزيز آل سعود.

القاتل هو حفيد محمد بن طلال الرشيد، آخر حكام آل الرشيد، الذي قـُتل في الرياض عام 1954 بعد سنوات من استسلام آل الرشيد، واعطاء محمد بن طلال الأمان ليعيش في الرياض؛ وقد تزوجت ابنته وطفى من مساعد بن عبد العزيز لينجبا فيصل بن مساعد الذي يبدو أنه انتقم لجده من ابن عمه الملك.

هناك نظريات أخرى حول الدافع وراء حادثة الاغتيال فهناك من يزعم بأن ذلك تم بتحريض الولايات المتحدة وبريطانيا بسبب سياسة مقاطعة تصدير البترول التي انتهجها في بداية السبعينات. تم دفنه في مقبرة العود في الرياض.

أسرته
إخوته الأشقاء
الأميرة نورة بنت عبد العزيز آل سعود الأولى
الزوجات
الأميرة سلطانة بنت أحمد بن محمد السديري والدة الأمير عبد الله
الأميرة عفت بنت محمد بن سعود الثنيان آل سعود والدة الأمراء محمد وسعود وعبد الرحمن وبندر وتركي وسارة ولطيفة ولولوة وهيفاء
الأميرة هيا بنت تركي بن عبد العزيز آل سعود والدة الأمراء خالد وسعد ونورة
الأميرة حصة بنت محمد المهنا والدة الأميرات العنود والجوهرة
الأميرة الجوهرة بنت سعود الكبير والدة الأميرة مشاعل
الأميرة منيرة بنت سحيم الثنيان الخالدي والدة الأميرة حصة
أبنائه
الأمير عبد الله الفيصل بن عبد العزيز آل سعود
الأمير محمد الفيصل بن عبد العزيز آل سعود
الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز آل سعود
الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز آل سعود
الأمير عبد الرحمن الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود
الأمير سعد الفيصل بن عبد العزيز آل سعود
الأمير بندر الفيصل بن عبد العزيز آل سعود
الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود
الأميرة لطيفة الفيصل بن عبد العزيز آل سعود زوجة الأمير عبد العزيز بن سليمان الثنيان
الأميرة العنود الفيصل بن عبد العزيز آل سعود زوجة الأمير فهد بن خالد
الأميرة الجوهرة الفيصل بن عبد العزيز آل سعود زوجة الأمير سعد بن فهد بن سعد بن عبد الرحمن
الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز آل سعود زوجة الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز
الأميرة مشاعل الفيصل بن عبد العزيز آل سعود
الأميرة حصة الفيصل بن عبد العزيز آل سعود
الأميرة نورة الفيصل بن عبد العزيز آل سعود زوجة الأمير سعود بن خالد بن محمد بن عبد الرحمن
الأميرة سارة الفيصل بن عبد العزيز آل سعود زوجة الأمير محمد بن سعود بن عبد العزيز
الأميرة هيفاء الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود زوجة الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز
المصادر

Sunday, March 21, 2010

بن خلدون ولد في تونس و نبغ و مات فى مصر واصله من حضرموت وعائلته عاشت فى اشبيليه



Dr Usama Shaalan(Papyrus) برديه الدكتوراسامه شعلان
عبد الرحمن بن محمد بن خلدون المؤرخ الشهير ورائد علم الاجتماع الحديث الذي ترك تراثا مازال تأثيره ممتدا حتى اليوم. ولد في تونس عام 1332 وعاش في اقطار ( شمال افريقيا) أسرة ابن خلدون أسرة ذات نفوذ في إشبيلية في الأندلس تنحدر من أصل يمني حيث كانت تعيش في حضرموت في الهجرين، عقب بداية سقوط الأندلس بيد الإسبان، هاجر بنو خلدون إلى تونس التي كانت تحت حكم الحفصيين.

امتاز ابن خلدون بسعة اطلاعه على ما كتبه الأقدمون وعلى أحوال البشر وقدرته على استعراض الآراء ونقدها، ودقة الملاحظة مع حرية في التفكير وإنصاف أصحاب الآراء المخالفة لرأيه. وقد كان لخبرته في الحياة السياسية والإدارية وفي القضاء، إلى جانب أسفاره الكثيرة في شمالي إفريقية وغربيها إلى مصر والحجاز والشام، أثر بالغ في موضوعية وعلمية كتاباته عن التاريخ وملاحظاته.

كان ابن خلدون عالم اجتماع وهو أول من وضع علم الاجتماع على أسسه الحديثة حيث خرج بنظرياته الاجتماعية حول قوانين العمران ونظرية العصبية وملاحظاته الدقيقة حول قيام وسقوط الدول وأعمارها وأطوارها. وقد ذكر له المؤرخون كتبًا مختلفة في الحساب والمنطق والتاريخ ولكن أهم وأشهر كتبه هو كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ويقع الكتاب في سبعة مجلدات أولها المقدمة التي تشغل ثلث حجم الكتاب وهي التي حققت له الشهرة العريضة وقد شملت الجغرافية الرياضية والعمران والفلك والأقاليم السبعة وأثر الأقاليم والوسط الجغرافيّ في حياة البشر، والجغرافيا الاقتصادية مثل: أثر الهواء في أخلاق البشر، وفي اختلاف أحوال العمران، وفي الخصب والجوع وما ينشأ عن ذلك من الآثار في أبدان البشر وأخلاقهم.

يعد ابن خلدون المؤسس لعلم الاجتماع وسبقت آراؤه وأفكاره ما توصل إليه اوگست كونت بعد ذلك بعدة قرون. [1]

النشأة
ولد ابن خلدون في تونس عام 1332م وينتمي إلى فرع من قبيلة كندة وكان أجداده يعيشون في حضرموت قبل الإسلام. دخل أجداده الأندلس، وبسقوط أشبيليا انتقلوا إلى تونس. وفيها درس العربية والقرآن، والفقه، والحديث ودرس العلوم العقلية والمنطق. عاش ابن خلدون في بيئة مضطربة سياسيًا وإمارات متنافسة ومتنازعة فيما بينها. قاده طموحه إلى تقلد بعض المناصب منها كاتب ابن إسحاق سلطان تونس عام 752هـ،1351م، ثم انتقل كاتبًا لأبي عنان سلطان فاس 756هـ، 1355م كما تقلد مناصب مختلفة من أهمها كاتب سر السلاطين في غرناطة 764هـ، 1362م ثم انتقل إلى بجاية 766هـ، 1364م وعاد إلى غرناطة 776هـ،1374م، ولم يطل به المقام بها وما لبث أن عاد قافلاً إلى تونس، حيث اعتزل السياسة وتفرغ للإنتاج العلمي، وعزل نفسه في قلعة أولاد سلامة لمدة أربع سنوات ألّف خلالها مقدمته المشهورة. غادر بعدها تونس متوجِّهًا إلى القاهرة عام 784هـ،1382م وقد كانت المركز الإسلامي الأول في ذلك الوقت، ثم زار الأماكن المقدسة في الحجاز وعاد إلى القاهرة ثانية. [1]

فكره وفلسفته
كانت لابن خلدون فلسفته الخاصة والتي بنى عليها بعد ذلك أفكاره ونظرياته في علم الاجتماع والتاريخ، حيث عمل على التجديد في طريقة عرضهم، فقد كان رواة التاريخ من قبل ابن خلدون يقومون بخلط الخرافات بالأحداث، هذا بالإضافة لتفسيرهم التاريخ استناداً إلى التنجيم والوثنيات، فجاء ابن خلدون ليحدد التاريخ بأنه "في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها" ، وذلك لأن التاريخ "هو خبر عن المجتمع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة هذا العمران من الأحوال".

وعلى الرغم من اعتراض ابن خلدون على آراء عدد من العلماء السابقين إلا أنه كان أميناً سواء في عرضه لهذه الآراء والمقولات أو نقده لها، وكان يرجع أرائهم الغير صحيحة في بعض الأمور نظراً لجهلهم بطبائع العمران وسنة التحول وعادات الأمم، وقواعد السياسة وأصول المقايسة.

سعى ابن خلدون دائماً من أجل الإطلاع والمعرفة فكان مطلعاً على أراء العلماء السابقين، فعمل على تحليل الآراء المختلفة ودراستها، ونظراً لرحلاته في العديد من البلدان في شمال إفريقيا والشام والحجاز وعمله بها وإطلاعه على كتبها، فقد اكتسب العديد من الخبرات وذلك في عدد من المجالات سواء في السياسة أو القضاء أو العلوم، فجاءت أفكاره التي وصلت إلينا الآن تتمتع بقدر كبير من العلم والموضوعية.

شغل ابن خلدون عدد من المهام أثناء حياته فتنقل بين عدد من المهام الإدارية والسياسية، وشارك في عدد من الثورات فنجح في بعضها وأخفق في الأخر مما ترتب عليه تعرضه للسجن والإبعاد، تنقل ابن خلدون بين كل من مراكش والأندلس وتونس ومن تونس سافر إلى مصر وبالتحديد القاهرة ووجد هناك له شعبية هائلة فعمل بها أستاذاً للفقه المالكي ثم قاضياً وبعد أن مكث بها فترة أنتقل إلى دمشق ثم إلى القاهرة ليتسلم القضاء مرة أخرى، ونظراً لحكمته وعلمه تم إرساله في عدد من المهام كسفير لعقد اتفاقات للتصالح بين الدول، ومن بين المهام التي كلف بها تمكن ابن خلدون من إيجاد الوقت من أجل الدراسة والتأليف.
انظر أيضاً: مقدمة ابن خلدون
قدم ابن خلدون عدد من المؤلفات الهامة نذكر من هذه المؤلفات "المقدمة" الشهيرة والتي قام بإنجازها عندما كان عمره ثلاثة وأربعون عاماً، وكانت هذه المقدمة من أكثر الأعمال التي أنجزها شهرة، ومن مؤلفاته الأخرى نذكر "رحلة ابن خلدون في المغرب والمشرق" وقام في هذا الكتاب بالتعرض للمراحل التي مر بها في حياته، حيث روى في هذا الكتاب فصولاً من حياته بجميع ما فيها من سلبيات وإيجابيات، ولم يضم الكتاب عن حياته الشخصية كثيراً ولكنه عرض بالتفصيل لحياته العلمية ورحلاته بين المشرق والمغرب، فكان يقوم بتدوين مذكراته يوماً بيوم، فقدم في هذا الكتاب ترجمته ونسبه والتاريخ الخاص بأسلافه، كما تضمنت هذه المذكرات المراسلات والقصائد التي نظمها، وتنتهي هذه المذكرات قبل وفاته بعام واحد مما يؤكد مدى حرصه على تدوين جميع التفاصيل الدقيقة الخاصة به لأخر وقت.

ومن الكتب التي احتلت مكانة هامة أيضاً نجد كتاب " العبر" و " ديوان المبتدأ والخبر" والذي جاء في سبع مجلدات أهمهم "المقدمة " حيث يقوم في هذا الكتاب بمعالجة الظواهر الاجتماعية والتي يشير إليها في كتابه باسم "واقعات العمران البشري" ومن الآراء التي قدمها في مقدمته نذكر "إن الاجتماع الإنساني ضروري فالإنسان مدني بالطبع، وهو محتاج في تحصيل قوته إلى صناعات كثيرة، وآلات متعددة، ويستحيل أن تفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد، فلابد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحُصل القوت له ولهم- بالتعاون- قدر الكفاية من الحاجة الأكثر منهم بإضعاف".

حياته
ربما تكون ترجمة حياة ابن خلدون من أكثر ترجمات شخصيات التاريخ الإسلامي توثيقا بسبب المؤلف الذي وضعه ابن خلدون ليؤرخ لحياته و تجاربه و دعاه التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا و غربا ، تحدث ابن خلدون في هذا الكتاب عن الكثير من تفاصيل حياته المهنية في مجال السياسة و التأليف و الرحلات لكنه لم يضمنها كثيرا تفاصيل حياته الشخصية و العائلية .

كان المغرب العربي أيام ابن خلدون بعد سقوط دولة الموحدين تحكمه ثلاثة أسر : المغرب كان تحت سيطرة المرينيين (1196 - 1464 ), غرب الجزائر كان تحت سيطرة آل عبد الودود (1236 - 1556 ), تونس و شرقي الجزائر و برقة تحت سيطرة الحفصيين (1228 - 1574 ). التصارع بين هذه الدول الثلاث كان على أشده للسيطرة ما أمكن على أراضي الشمال الإفريقي.

وظائف تولاها
كان ابن خلدون دبلوماسياً حكيماً ايضاً. وقد أُرسل في اكثر من وظيفة دبلوماسية لحل النزاعات بين زعماء الدول : مثلاً ، عينه السلطان محمد بن الاحمر سفيراً له إلى امير قشتالة للتوصل لعقد صلح بينهما .. وبعد ذلك بأعوام استعان به اهل دمشق لطلب الامان من الحاكم المغولي القاسي تيمورلنك ، وتم اللقاء بينهما . ونحن في الصفحات التالية نقتطف ايضاً وصف ابن خلدون لذلك اللقاء في مذكراته. اذ يصف ما رآه من طباع الطاغية ، ووحشيته في التعامل مع المدن التي يفتحها ، ويقدم تقييماً متميزاً لكل ما شاهد في رسالة خطهالملك المغرب. الخصال الاسلامية لشخصية ابن خلدون ، اسلوبه الحكيم في التعامل مع تيمور لنك مثلاً، وذكائه وكرمه، وغيرها من الصفات التي ادت في نهاية المطاف لنجاته من هذه المحنة، تجعل من التعريف عملاً متميزاً عن غيره من نصوص ادب المذكرات العربية والعالمية. فنحن نرى هنا الملامح الاسلامية لعالم كبير واجه المحن بصبر وشجاعة وذكاء ولباقة.

وفاته
توفى ابن خلدون في مصر عام 1406 وتم دفنه بمقابر الصوفية عند باب النصر بشمال القاهرة، وذلك بعد أن ترك لنا علمه وكتبه القيمة التي مازالت مرجع للعديد من العلماء الآن. [1]

مؤلفاته
تاريخ ابن خلدون, واسمه: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.
شفاء السائل لتهذيب المسائل، نشره وعلق عليه أغناطيوس عبده اليسوعي.
مقدمة ابن خلدون
التعريف بابن خلدون ورحلاته شرقا وغربا (مذكراته). [1]

من المعرفة
تاريخ ابن خلدون
تاريخ ابن خلدون الكتاب الذي رفعت مقدمته ابن خلدون إلى مصاف كبار فلاسفة العالم. وهي كما قال توينبي، مستعيراً كلمة المقريزي: (عمل لم يقم بمثله إنسان في أي زمان ومكان). وفيها أرسى قواعد فقه التاريخ وعلم العمران. وهو علم أعثره عليه الله كما يقول، ولم يقف على الكلام في منحاه لأحد من الخليقة. وموضوعه: (البحث في أسباب انهيار الدول وازدهارها). وأراد أن تجد به الملوك ما يغني عن (سر الأسرار) الذي ألفه أرسطو للإسكندر. وأنجزه أولاً في مدة خمسة أشهر، من عام (779هـ) أثناء إقامته عند بني العريف في قلعة بني سلامة بوهران. ثم نقحه بعد ذلك وهذبه وألحق به تاريخ العرب وأخبار البربر وزناتة، وأهداه إلى المستنصر أبي العباس، الذي تولى إمارة تونس من سنة (772 حتى 796هـ). وكانت هذه النسخة موجودة حتى عام (1858م). كما يفهم من كلام نصر الهوريني في نشرته (1858م). فلما ترك تونس إلى مصر عكف على تهذيب الكتاب والزيادة عليه، زهاء (20) سنة، فأضاف إليه الجزء الخاص بملوك العجم، وأقساماً أخرى ألحقها بمواضعها، وأهدى هذه النسخة للسلطان برقوق فنحله لقب: (ولي الدين). (وقد وصلتنا هذه النسخة بخطه، فرغ منها سنة 797) وانتسخ منها نسخة وقفها على طلبة العلم في جامع القرويين بفاس، في تحبيسته المشهورة والمؤرخة (21/ صفر/ 799). انظر ما كتبه د. عبد الرحمن بدوي عن الكتاب ومخطوطاته وطبعاته وترجماته إلى مختلف اللغات في كتابه: (مؤلفات ابن خلدون) وفيه الحديث عن اثنين من ولاة سوريا في العهد العثماني كان لهما أكبر الأثر في ترجمة الكتاب إلى التركية ونشره، وهما الوالي صبحي باشا (ت 1886م) العلامة الجليل صاحب (عيون الأخبار في النقود والآثار) و(تكملة العبر)، والوالي أحمد جودت باشا (ت 1895) الذي ترجم القسم السادس من المقدمة، وهو أهم أقسامها، وكانت الترجمة التركية الأولى قد أغفلته. قال المقريزي في حديثه عن المقدمة: (لم يعمل مثالها، وإنه لعزيز أن ينال مجتهد منالها، إذ هي زبدة المعارف والعلوم، ونتيجة العقول السليمة والفهوم). بينما رأى فيها ابن حجر مجرد تلاعب بالألفاظ على الطريقة الجاحظية. وفي عام (1978) انعقد أول مؤتمر دولي بمناسبة مرور (600) عام على تأليف المقدمة. ومن طريف ما ألف فيها :(هل انتهت أسطورة ابن خلدون) د. محمود إسماعيل، يتهم ابن خلدون بسرقة المقدمة من إخوان الصفا.! وانظر صوراً عن الدار التي ولد ونشأ فيها، في كتاب (ابن خلدون معاصراً).



Monday, March 15, 2010

سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين




سعد بن أبي وقاص
سعد بن أبي وقاص من أوائل من دخلوا في الإسلام وكان في السابعة عشر من عمره, ولم يسبقه في الإسلام إلا أبي بكر (رضي الله عنه) وعلي (كرم الله وجه) وزيد وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة الذين توفى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو عنهم راض. كان سعد رضى الله عنه - مجاب الدعوة وهو أول من رمى بسهم فى سبيل الله، وكان فارساً شجاعاً من أمراء الرسول (صلى الله عليه وسلم) وشهد بدراً وما بعدها.

نسبه
سعد بن مالك بن أهيب الزهري القرشي أبو إسحاق من بني زهرة أهل آمنة بنت وهب أم الرسول صلى الله عليه وسلم.

إسلامه
سعد بن أبي وقاص دخل الإسلام وهو ابن سبع عشرة سنة, وكان إسلامه مبكرا, و يتحدث عن نفسه فيقول:«" .. ولقد أتى عليّ يوم, واني لثلث الاسلام"..!!» ، يعني أنه كان ثالث أول ثلاثة سارعوا إلى الإسلام، وقد أعلن إسلامه مع الذين أعلنوه بإقناع أبي بكر الصديق إياهم, وهم عثمان ابن عفان, و الزبير ابن العوّام, و عبد الرحمن بن عوف, و طلحة بن عبيد الله.

يعتبر أول من رمى بسهم في سبيل الله, وأول من رمي أيضا ، وأنه الوحيد الذي افتداه الرسول بأبويه فقال له يوم أحد: «" ارم سعد فداك أبي وأمي"..» ، ويقول علي ابن أبي طالب:«" ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدا بأبويه الا سعدا, فاني سمعته يوم أحد يقول: ارم سعد.. فداك أبي وأمي"». كان سعد يعدّ من أشجع فرسان العرب والمسلمين, وكان له سلاحان رمحه ودعاؤه. وكان مجاهداً في معركة بدر و في معركة أحد.

وقد أخفقت جميع محاولات رده وصده عن الإسلام ، فلجأت أمه إلى وسيلة لم يكن أحد يشك في أنها ستهزم روح سعد وترد عزمه إلى وثنية أهله وذويه. لقد أعلنت أمه صومها عن الطعام والشراب, حتى يعود سعد إلى دين آبائه وقومه, ومضت في تصميم مستميت تواصل إضرابها عن الطعام والشراب حتى أوشكت على الهلاك. وحين كانت تشرف على الموت, أخذه بعض أهله إليها ليلقي عليها نظرة وداع مؤملين أن يرق قلبه حين يراها في سكرة الموت. وذهب سعد ورأى مشهد أمه وهي تتعذب ولكن إيمانه بالله ورسوله كان قد تفوّق على كل شيئ, وقال لها: «" تعلمين والله يا أمّه.. لو كانت لك مائة نفس, فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء. فكلي ان شئت أو لا تأكلي".» وعدلت أمه عن صومها ، ونزل الوحي يحيي موقف سعد, ويؤيده فيقول:

{7} وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {8}( سورة العنكبوت (29) ص 397)
معركة القادسية
خرج سعد في ثلاثين ألف مقاتل و لقاء الفرس المجتمعين في أكثر من مائة ألف من المقاتلين المدربين. المدججين بأنواع متطورة من عتاد وسلاح ويتولى قيادة الفرس رستم ، وقبل المعركة كانت الرسائل بين سعد و أمير المؤمنين الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب ومنها :

" يا سعد بن وهيب.. لا يغرّنّك من الله, أن قيل: خال رسول الله وصاحبه, فان الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته.. والناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سوء.. الله ربهم, وهم عباده.. يتفاضلون بالعافية, ويدركون ما عند الله بالطاعة. فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا عليه, فألزمه, فانه الأمر." ثم يقول له: " اكتب اليّ بجميع أحوالكم.. وكيف تنزلون..؟ وأين يكون عدوّكم منكم.. واجعلني بكتبك إلي كأني أنظر إليكم"..!!
ويكتب سعد إلى أمير المؤمنين فيصف له كل شيء حتى انه ليكاد يحدد له موقف كل جندي ومكانه. وقد أوصى عمر سعد بدعوتهم إلى الإسلام ، وينفذ سعد وصية عمر, فيرسل إلى رستم قائد الفرس نفرا من صحابه يدعونه إلى الله والى الاسلام.

الحوار مع رستم
بعث سعد جماعة من السادات منهم: النعمان بن مقرن، و فرات بن حبان، و حنظلة بن الربيع التميمي، و عطارد بن حاجب، و الأشعث بن قيس، و المغيرة بن شعبة، و عمرو بن معدي كرب، يدعون رستم إلى الإسلام ودار الحوار معهم ومنهم ربعي بن عامر ، فدخل على رستم وقد زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة، والزرابي الحرير، وأظهر اليواقيت، واللآلئ الثمينة والزينة العظيمة، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه.

فقالوا له: ضع سلاحك.
فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت.
فقال رستم: ائذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فحرق عامتها.
فقالوا له: ما جاء بكم؟
فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لتدعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله.
قالوا: وما موعود الله؟
قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي.
فقال رستم: قد سمعت مقالتكم، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟
قال: نعم !كم أحب إليكم؟ يوماً أو يومين؟
قال: لا بل حتى نكاتب أهل رأينا رؤساء قومنا.
فقال: ما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل.
فقال: أسيدهم أنت؟
قال: لا، ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم.
فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال: هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل؟

فقالوا: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا، تدع دينك إلى هذا الكلب أما ترى إلى ثيابه؟
فقال: ويلكم لا تنظرون إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي، والكلام والسيرة، إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل، ويصونون الأحساب.
وبعث سعد أكثر من رسول لحوار رستم ، و كان المرض قد اشتد على سعد وملأت الدمامل جسده حتى ما كان يستطيع أن يجلس, فضلا أن يعلو صهوة جواده ويخوض عليه معركة ، عندئذ وقف في جيشه خطيبا, مستهلا خطابه بالآية الكريمة: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] ، وبعد فراغه من خطبته, صلى بالجيش صلاة الظهر, ثم استقبل جنوده مكبّرا أربعا: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. وأستطاع جيش سعد هزيمة الفرس وقائدها رستم و وصل الجيش إلى المدائن.

موقعة المدائن
المقال الرئيسي: معركة المدائن
كانت موقعة المدائن, بعد موقعة القادسية بقرابة عامين, جرت خلالهما مناوشات مستمرة بين الفرس والمسلمين, وقد استطاع سعد هزيمة الفرس بقيادة الجيش لعبور نهر دجلة و جهز كتيبتين ، الأولى: واسمها كتيبة الأهوال وأمّر سعد عليها عاصم بن عمر والثانية: اسمها الكتيبة الخرساء وأمّر عليها القعقاع بن عمرو وقد نجحا في العبور وهزيمة الفرس. وبنى مدينة "الكوفة" بالعراق.

ولى عمر بن الخطاب على إمارة العراق سعد بن أبي وقاص فأرسى قواعد الإسلام فيها ، وحين اعتدى أبو لؤلؤة المجوسي على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه اختار عمر للخلافة ستة مات رسول الله وهو عنهم راض ، وكان من بينهم سعد بن أبي وقاص.

اعتزاله الفتنة
اعتزل الفتنة التي تلت مقتل عثمان وقيل عاش بالفلاة يرعى الغنم بعد ان هزم جنود الفرس، لكنه شهد التحكيم في أذرح بين علي ومعاوية ورفض ان يترشح للخلافة كحل توفيقي كما فعل معه ابن عمر. وأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا إليه شيئا من أخبار الفتنة. وقد ذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص, :ويقول له: يا عم, ها هنا مائة ألف سيف يروك أحق الناس بهذا الأمر.

فيجيبه سعد: " أريد من مائة ألف سيف, سيفا واحدا ، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا, وإذا ضربت به الكافر قطع". فيتركه وعزلته.
وحين انتهى الأمر لمعاوية, واستقرت بيده مقاليد الحكم سأل سعدا:

مالك لم تقاتل معنا..؟؟
فأجابه:" اني مررت بريح مظلمة, فقلت: أخ .. أخ.. ، واتخذت من راحلتي حتى انجلت عني.."
فقال معاوية: ليس في كتاب الله أخ.. أخ.. ولكن قال الله تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا, فأصلحوا بينهما, فان بغت إحداهما على الأخرى, فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله). وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة, ولا مع العادلة على الباغية.
أجابه سعد قائلا: " ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي".
ومن كلامه الحسن أنه قال لابنه مصعب: يا بنى، إذا طلبت شيئاً فاطلبه بالقناعة فإنه من لا قناعه له لم يغنه المال.

وفاته
قال الزُّهرى: لما حضرت سعداً الوفاة دعا بخُلق جُبَّة فقال: كفنوني فى هذه فإني لقيت فيها المشركين يوم بدر، وإنما خبأتها لهذا اليوم. وكانت وفاة سعد (رضى الله عنه) بالعقيق خارج المدينة سنة 55هـ وكان آخر من توفى من العشرة المبشرين بالجنة.

Friday, March 12, 2010

كونفوشيوس هو أول فيلسوف صيني يفلح في إقامة مذهب يتضمن كل التقاليد





Dr Usama Shaalan(Papyrus) برديه الدكتوراسامه شعلان

كونفوشيوس
كونفوشيوس هو أول فيلسوف صيني يفلح في إقامة مذهب يتضمن كل التقاليد الصينية عن السلوك الإجتماعي والأخلاقى. ففلسفته قائمة على القيم الأخلاقية الشخصية وعلى أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب تطبيقاً لمثل أخلاقي أعلى. تعاليمه وفلسفته قد تأثر بعمق الفكر والحياة الصينية والكورية واليابانية والتايوانية والفيتنامية. ويلقب بنبي الصين

ولد كونفوشيوس سنة 551 ق.م. في دولة لو في التي هي الآن ولاية تابعة لشانتانج في شمال شرقي الصين. شمال الصين في أسرة فقيرة رغم ما امتازت بة من عراقة. مات أبوه وعمرة 3سنوات. ولم يترك لهم ثروة ينفقون منها مما اضطر أمه للعمل للإنفاق عليه واشتهر في صغرة بارتداء الأزياء الغريبة والقيام بالطقوس الشعائرية على سبيل اللعب وتزوج وهو في الـ 19 من عمره وانجب من زوجته ولد واختلفت المصادر حول السن الذى هجر فية بيته وتجول فيه في جميع أنحاء الصين، بيد أنهم لم يختلفوا حول حقيقة هجره لابنه وزوجته. وقام بتعلم الموسيقى والتي كانت حديثة العهد في ذلك الوقت وتعلم الشعائرالدينية وقام من خلال تجاربه بوضع منهج أخلاقي بحت يعتمد على الموسيقى والمبادئ الأخلاقية المثلى.

فلسفته
كثيراً ما وصف كونفوشيوس بأنه أحد مؤسسي الديانات، وهذا تعبير غير دقيق إن لم يكن خاطئاً فمذهبه ليس ديناً. فهو لا يتحدث عن إله أو السماوات. وإنما مذهبه هو طريقة في الحياة الخاصة والسلوك الإجتماعي والسلوك السياسي. ومذهبه يقوم على الحب - حب الناس وحسن معاملتهم والرقة في الحديث والأدب في الخطاب. ونظافة اليد واللسان. وأيضاً يقوم مذهبه على احترام الأكبر سناً والأكبر مقاماً، وعلى تقديس الأسرة وعلى طاعة الصغير للكبير وطاعة المرأة لزوجها. ولكنه في نفس الوقت يكره الطغيان والاستبداد. وهو يؤمن بأن الحكومة إنما أنشئت لخدمة الشعب وليس العكس. وأن الحاكم يجب أن يكون عتد قيم أخلاقية ومثل عليا. ومن الحكم التي اتخذها كونفوشيوس قاعدة لسلوكه تلك الحكمة القديمة التي تقول : " أحب لغيرك ما تحبه لنفسك ".

يعتبر كنفوشيوس الفضيلتين الهامتين هما (جن) و(لي) والرجل المثالي يسير حياته طبقا لهما. وقد ترجمت (جن) بالحب أو الاهتمام الحميم باخواننا البشر، أما (لي) فهي تصف مجموعة من الأخلاق والطقوس والتقاليد والاتكيت واللياقة والحشمة.

و وكان كونفوشيوس محافظاً في نظرته إلى الحياة فهو يرى بأن العصر الذهبي للإنسانية كان وراءها - أي كان في الماضي. وهو لذلك كان يحن إلى الماضي ويدعو الناس إلى الحياة فيه.. ولكن الحكام على زمانه لم يكونوا من رأيه ولذلك لقي بعض المعارضة. وقد اشتدت هذه المعارضة بعد وفاته ببضع مئات من السنين، عندما ولي الصين ملوك أحرقوا كتبه وحرموا تعاليمه.. ورؤوا فيها نكسة مستمرة. لأن الشعوب يجب أن تنظر أمامها. بينما هو يدعو الناس إلى النظر إلى الوراء.. ولكن ما لبثت تعاليم كونفوشيوس أن عادت أقوى مما كانت وانتشر تلاميذه وكهنته في كل مكان.. واستمرت فلسفة كونفوشيوس تتحكم في الحياة الصينية قرابة عشرين قرناً - أي من القرن الأول قبل الميلاد حتى نهاية القرن التاسع عشر بعد الميلاد. أما إيمان أهل الصين بفلسفة كونفوشيوس فيعود إلى سببين : أولا أنه كان صادقاً مخلصاً. لا شك في ذلك. ثانياً أنه شخص معقول ومعتدل وعملي. وهذا يتفق تماماً مع المزاج الصيني. بل هذا هو السبب الأكبر في انتشار فلسفته في الصين. وهو بذلك كان قريباً منهم. فلم يطلب إليهم أن يغيروا حياتهم أو يثوروا عليها. وإنما هو أكد لهم كل ما يؤمنون به فوجدوا أنفسهم في تعاليمه. ولذلك ظلت فلسفة كونفوشيوس صينية. ولم تتجاوزها إلا إلى اليابان وكوريا.

و لكن هذه الفلسفة قد انحسرت تماماً عن الصين. بعد أن تحولت إلى الشيوعية واتجهت الصين إلى المستقبل وانتزعت نفسها من هذه الديانة وذلك بالبعد عن الماضي ومسالمة الناس في الداخل والخارج. و لكن تظل فلسفة كونفوشيوس هي التي حققت سلاماً وأمناً داخلياً أكثر من عشرين قرناً للصين. وقد فشلت الكونفوشية أن تترك أثراً يذكر خارج الصين. وفي زمن أسرة هان المالكة درج الأباطرة الصينيون على اختيار موظفي الدولة بطرح امتحان يعتمد إلى حد كبير على معرفة تعاليم وآداب كنفوشيوس. ولكن انحدرت قيمة كنفوشيوس في الوقت الحاضر وذلك لأن الصين الشيوعية هاجمت كنفوشيوس وتعاليمه.

من حكم كونفوشيوس :

لو قال كل إنسان ما يفكر فيه بصدق فإن الحوار بين البشر يصبح قصيراً جداً. سلح عقلك بالعلم خير من أن تزين جسدك بالجواهر. ليس من أغراك بالعسل حبيباً، بل من نصحك بالصدق عزيزاً. العقل كالمعدة المهم ما تهضمه لا ما تبتلعه. مما قاله عن لسان المرأة " إنك مهما حذرت من لسان المرأة فسوف تلدغ منه عاجلاً أو أجلاً ". إن تجاوز الهدف مثل عدم بلوغه. ليست العظمة في ألا تسقط أبداً بل في أن تسقط ثم تنهض من جديد.


الكونفوشية: هي مجموعة من المعتقدات والمبادئ في الفلسفة الصينية، طُورت عن طريق تعاليم كونفيشيوس وأتباعه، تتمحور في مجملها حول الأخلاق والآداب، طريقة إدارة الحكم والعلاقات الاجتماعية. أثرت الكونفشيوسية في منهج حياة الصينيين، حددت لهم أنماط الحياة وسُلم القِيم الإجتماعية، كما وفرت المبادئ الأساسية التي قامت عليها النظريات والمؤسسات السياسية في الصين. انطلاقا من الصين، انتشرت هذه المدرسة إلى كوريا، ثم إلى اليابان وفيتنام، أصبحت ركيزة ثابتة في ثقافة شعوب شرق آسيا. عندما تم ادخالها إلى المجتمعات الغربية، جلبت الكونفشيوسية انتباه العديد من الفلاسفة الغربيين.

مقدمة
رغم أن الكونفشيوسية أصبحت المذهب الرسمي للدولة الصينية، لم تشق هذه طريقها حتى تصبح ديانة بالمعنى المعروف، كان يعوزها وجود هياكل أساسية، وطبقة من الكهنوتية (رجال الدين). حظيَّ كونفيشيوس بمكانة رفيعة لدى رجال أهل العلم في الصين، كانوا يطلقون عليه ألقاب الـ"معلِم" والـ"حكيم"، إلا أن تبجيلهم إياه لم يرقى أبدا إلى درجة التأليه (من الألوهية). يبدو أن بعض المؤرخين في الغرب أساء فهم هذا التصور، نظرا لملازمة مفهوم عبادة الأسلاف للديانة الصينية. لم يكن كونفيشيوس نفسه يدعي أنه إله. عكس الديانات الأخرى، لم تكن المعابد التي شُيدت على شرف كونفيشيوس أماكن لتجميع طوائفَ من الأتباع المنتظِمين، ولكن مبانٍ عمومية مخصصة لمراسيم سنوية وبالأخص يوم عيد ميلاد كونفيشيوس. بسبب الطبيعية الأساسية الدُنيوية (لادينية) لهذه الفلسفة، فشلت كل المحاولات التي كانت تهدف لأن تجعل من الكونفيشيوسية عقيدة دينية.

الكتابات وتدوين التعاليم
دُونت مبادئ المدرسة الكونفشيوسية في تسع من الكتابات الصينية القديمية والتي تم توارثها عن كونفشيوس وأتباعه، تمت كتابتها أثناء فترة حكم سلالة "تشو" عرفت تلك الفترة نشاطا مكثفا للمدارس الفلسفية. يمكن تقسيم هذه الكتابت إلى قسمين رئيسين:

الكتابات الخمس التقليدية (وو-جينغ)؛
الكتابات الأربع (سيشو).
تم تَنَاقل تعاليم كونفشيوس بالطريقة الشفوية، لاحقا تم تدوين هذه التعاليم في مؤلَف الـ"لون-يو". يبدو المُعلِم (كونفشيوس) كما لو أنه يريد أن يُظهر نفسه بمظهر الأخلاقيّ (الذي يكتب في الأخلاقيات) المحافظ، في وقت عرفت فيه البلاد اضطرابات كبرى ميزها حالة الإنفلات السياسية، والتحولات الاجتماعية التي تلت انحلال مملكة "تشو" إلى ممالك اقطاعية متحاربة. حملت حالة الهيجان التي عرفتها البلاد كونفشيوس ومفكريين آخرين، على تَدبُر الطريقة المثلى لإسترجاع وحدة المملكة، أصبحوا ورغما عنهم فلاسفة ومبدعين (من باب أنهم أوجدو أو سَنُوا أفكارا جديدة) في آن واحد.

مفهوم الـ"لي"
يرى كونفشيوس أن النظامين السياسي والاجتماعي يشكلان وحدة متكاملة. الفضائل والمناقب الشخصية للحكام ورجال البلاط (الأرسطقراطيين) وحدهما كفيلان بأن يضمنا عافية الدولة. يتم استتباب النظام عن طريق نشر شعائر الـ"لي" والموسيقى، كانت الموسيقى الصينية المعاصرة للفترة من أهم العناصر في الشعائر والممارسات الدينية. أقرَ "كونفشيوس" بتفوق الموسيقى، عند استعمالها بوظيفتها الروحانية وسلطانها على أفئدة الناس. كان كونفشيوس يستحب القصائد الصينية القديمة، والتي كانت تنظم عادة في صيغة موسيقية، كان يشيد بقيمتها الحضارية. كان يرى أن الدولة التي تمتلك موسيقى وشعائر خاصة بها، يتم اختيارهم من بين الأعراف والتقاليد الموجودة، يمكن أن تنتج مواطنين سعداء ويتمتعون بقدر كاف من الفضيلة، يجعل الدولة في غنى عن تشريع القوانين حتى تظمن حسن انضباطهم. سيعم البلاد الأمان وتصبح القوانين بلا فائدة. جاب كونفشيوس بلاد الصين بحثا عن الحاكم المثالي الذي يريد (ويستطيع) تبني هذه التعاليم، ولكن عبثا كان يحاول.

تتمحور الفكرة العامة للأخلاقيات الكونفشيوسية في مفهوم الـ"رِن" والتي يمكن ترجمتها بـ"إنسانية" أو"طِيبَةُ القَلْب". "رن" هي الفضيلة السامية والتي تمثل أفضل ما في النفس البشرية. في عصر كونفشيوس كان مفهوم الـ"رن" مقرونا برجال الطبقة الحاكمة، مع الزمن تحول مدلوله وأصبح يعني طبقة "النبلاء"، على أن هذا المفهوم أصبح أشمل فيما بعد. في العلاقات الإنسانية على غرار تلك التي تجمع بين شخصين، يتجلى الـ"رن عبر عدد من المفاهيم الأخرى:

الـ"تشونغ" أو الإخلاص تجاه الذات وتجاه الآخرين،
الـ"شياو" أو "الإيثار" (إيثار الغير على النفس)، والذي يعبر عنه كونفشيوس في قاعدته الذهبية :"لا تفعل بالآخرين مالاتحب أن يفعله الآخرون بك".
الـ"جونتسه، يمكن ترجمتها بالرجل الشريف (بفضائله وليس بنسبه)، ويطلق على الشخص الذي تجتمع فيه عدة فضائل، على غرار الاستقامة، اللباقة، التأدب، النزاهة بالإضافة إلى التقوى والورع.
سياسيا كان كونفشيوس يدعو إلى حكومة أَبَوية (تسلطية) يقودها حاكم يحظى بالإحترام ومطاع بين رعيته. يجب على الحاكم أن ينمي أخلاقه لتبلغ الكمال، حتى يكون مثالا يحتذي به شعبه. في الميدان التربوي كانت لـ"كونفشيوس" آراء تقدمية، كان يدعو إلى تعميم التعليم بين كل أبناء الشعب بغض النظر عن انتماءاتهم الطبقية.

موزي وجدله ضد الكنفوشيه




Dr Usama Shaalan(Papyrus) برديه الدكتوراسامه شعلان
( موزي. 470 ق.م.–ح. 390 ق.م
كان فيلسوفاً صينياً عاش في زمن مدارس الفكر المائة (في مطلع فترة الممالك المتحاربة). وأسس مدرسة الموزية وجادل بشدة ضد الكنفوشية والطاوية. أثناء فترة الممالك المتحاربة، وقد تطورت الموزية ومورست في العديد من الدول، إلا أنها سقطت من الاهتمام عندما جاءت أسرة چين القانونية إلى السلطة. وأثناء تلك الفترة، اندثرت العديد من الكلاسيكيات الموزية عندما نفذ چين شي‌هوانگ حرق الكتب ودفن الدارسين. وقد تدنت أهمية الموزية إلى حضيض أدنى عندما أصبحت الكونفوشية مدرسة الفكر المسيطرة أثناء أسرة هان، ثم اختفت تماماً في منتصف أسرة هان الغربية [1].

موزي العيري هو فيلسوف صيني جاء بعد كونفيشيوس وقد قال عنه خصمه منشيوس: "لقد كان يحب الناس جميعاً، وكان يود لو يستطيع أن يبلى جسمه كله من قمة رأسه إلى أخمص قدمه إذا كان في هذا خير لبني الإنسان؛ وقد نشأ مودي في بلدة لو التي نشأ فيها كنفوشيوس، وذاعت شهرته بعد وفاة الحكيم الأكبر بزمن قليل. وكان يعيب على كنفوشيوس أن تفكيره خيالي غير عملي، وأراد أن يستبدل بهذا التفكير دعوة الناس جميعاً لأن يحب بعضهم بعضاً. وكان من أوائل المناطقة الصينيين ومن شر المجادلين المحاجين في الصين ؛ وقد عرف القضية المنطقية تعريفاً غاية في البساطة فقال: هذه هي التي أسميها قواعد الاستدلال الثلاث: أين يجد الإنسان الأساس؟ ابحث عنه في دراسة تجارب أحكم الرجال الأقدمين. كيف يلم الإنسان به إلماماً عاماً؟ افحص عما في تجارب الناس العقلية من حقائق واقعية. كيف تطبقها؟ ضعها في قانون وسياسة حكومية ، وانظر هل تؤدي إلى خير الدولة ورفاهية الشعب أو لا تؤدي إليهما. وعلى هذا الأساس جَدَّ مودي في البرهنة على أن الأشباح والأرواح حقائق واقعية، لأن كثيرين من الناس قد شاهدوها، وكان من أشد المعارضين لآراء كنفوشيوس المجردة غير المجسمة عن الله ، وكان من القائلين بشخصية الله. وكان يظن كما يظن بسكال أن الدين رهان مربح في كلتا الحالين: فإذا كان آباؤنا الذين نقرب لهم القرابين يستمعون إلينا فقد عقدنا بهذه القرابين صفقة رابحة ، وإذا كانوا أمواتاً لا حياة لهم ولا يشعرون بما نقرب إليهم فإن القرابين تتيح لنا فرصة الاجتماع بأهلينا وجيرتنا ، لنستمتع جميعاً بما نقدمه للموتى من طعام وشراب". وبهذه الطريقة عينها يثبت موزي أن الحب الشامل هو الحل الوحيد للمشكلة الاجتماعية؛ فإذا ما عم الحب العالم أوجد فيه بلا ريب الدولة الفاضلة والسعادة الشاملة التي بها "يحب الناس كلهم بعضهم بعضاً، ولا يفترس أقوياؤهم ضعفاءهم ، ولا تنهب كثرتهم قلتهم ، ولا يزدري أغنياؤهم فقراءهم، ولا يسفه عظماؤهم صغارهم، ولا يخدع الماكرون منهم السذج". والأنانية في رأيه مصدر كل شر سواء كان هذا الشر رغبة الطفل في التملك أو رغبة الإمبراطوريات في الفتح والاستعمار.

ويعجب موزي كيف يدين الناس أجمعون من يسرق خنزيراً ويعاقبونه أشد العقاب، أما الذي يغزو مملكة ويغتصبها من أهلها، فإنه يعد في أعين أمته بطلاً من الأبطال ومثلاً أعلى للأجيال المقبلة. ثم ينتقل مودي من هذه المبادئ السلمية إلى توجيه أشد النقد إلى قيام الدولة حتى لتكاد عقيدته السياسية تقترب كل القرب من الفوضى، وحتى أزعجت هذه العقيدة ولاة الأمور في عصره. ويؤكد لنا كتاب سيرته أن مهندس الدولة في مملكة جو هَمَّ بغزو دولة سونج ليجرب في هذا الغزو سلماً جديداً من سلالم الحصار اخترعه في ذلك الوقت ؛ فما كان من مودي إلا أن أخذ يعظه ويشرح له عقيدة الحب والسلم العالميين حتى أقنعه بالعدول عن رأيه ، وحتى قال له المهندس: "لقد كنت قبل أن ألقاك معتزماً فتح بلاد سونج، ولكني بعد أن لقيتك لا أحب أن تكون لي ولو سلمت إلي من غير مقاومة ومن غير أن يكون ثمة سبب حق عادل يحملني على فتحها". فأجابه موزي بقوله: "إذا كان الأمر كذلك فكأني قد أعطيتك الآن دولة سونج. فاستمسك بهذه الخطة العادلة أعطك ملك العالم كله".


موزيوكان العلماء من أتباع كنفوشيوس والساسة أتباع لوينج يسخرون من هذه الأفكار السلمية ؛ ولكن مودي رغم هذه السخرية كان له أتباع ، وظلت آراؤه مدى قرنين كاملين عقيدة تدين بها شيعة تدعو إلى السلام ، وقام اثنان من مريديه وهما سونج بنج ، وجونج سون لونج بحملة قوية لنزع السلاح ، وجاهدا في سبيل هذه الدعوة حق الجهاد. وعارض هان- في أعظم النقاد في عصره هذه الحركة ، وكان ينظر إليها نظرة في وسعنا أن نسميها نظرة نيتشية ، وكانت حجته في معارضته أن الحرب ستظل هي الحكم بين الأمم حتى تنبت للناس بالفعل أجنحة الحب العام. ولما أصدر شين هوانج- دي أمره الشهير "بإحراق الكتب" ألقيت في النار جميع الآداب المودية كما ألقيت فيها جميع الكتب الكنفوشية ؛ وقضى هذا الحريق على الدين الجديد وإن لم يقض على عقيدة المعلم الأكبر وكتاباته.

Friday, March 5, 2010

أفلاطون : Πλάτων Plátōn






(عاش بين 427 ق.م - 347 ق.م) فيلسوف يوناني قديم, وأحد أعظم الفلاسفة الغربيين, حتى ان الفلسفة الغربية اعتبرت انها ماهي الا حواشي لأفلاطون.عرف من خلال مخطوطاته التي جمعت بين الفلسفة والشعر والفن.كانت كتاباته على شكل حوارات ورسائل وإبيغرامات (ابيغرام: قصيدة قصيرة محكمة منتهيه بحكمه وسخرية).

يعرف أرسطو الفلسفة بمصطلحات ، فيعرفها قائلا أنها علم الجوهر الكلي لكل ما هو واقعي . في حين يحدد أفلاطون الفلسفة بأنها عالم الأفكار قاصدا بالفكرة الأساس اللاشرطي للظاهرة .

بالرغم من هذا الإختلاف فإن كلا من المعلم و التلميذ يدرسان مواضيع الفلسفة من حيث علاقتها بالكلي ، فأرسطو يجد الكلي في الأشياء الواقعية الموجودة في حين يجد أفلاطون الكلي مستقلا بعيدا عن الأشياء المادية ، و علاقة الكلي بالظواهر و الأشياء المادية هي علاقة المثال ( المثل ) و التطبيق . الطريقة الفلسفية عند أرسطو كانت تعني الصعود من دراسة الظواهر الطبيعية وصولا إلى تحديد الكلي و تعريفه ، أما عند أفلاطون فكانت تبدأ من الأفكار و المثل لتنزل بعد ذلك إلى تمثلات الأفكار و تطبيقاتها على أرض الواقع.

أفلاطون هو أرسطوقليس، الملقَّب بأفلاطون بسبب ضخامة جسمه، وأشهر فلاسفة اليونان على الإطلاق. ولد في أثينا في عائلة أرسطوقراطية. أطلق عليه بعض شارحيه لقب "أفلاطون الإلهي". يقال إنه في بداياته تتلمذ على السفسطائيين وعلى كراتيلِس، تلميذ هراقليطس، قبل أن يرتبط بمعلِّمه سقراط في العشرين من عمره. وقد تأثر أفلاطون كثيرًا فيما بعد بالحُكم الجائر الذي صدر بحقِّ سقراط وأدى إلى موته؛ الأمر الذي جعله يعي أن الدول محكومة بشكل سيئ، وأنه من أجل استتباب النظام والعدالة ينبغي أن تصبح الفلسفة أساسًا للسياسة. وهذا ما دفع فيلسوفنا للسفر إلى مصر، ثم إلى جنوب إيطاليا، التي كانت تُعتبَر آنذاك جزءًا من بلاد اليونان القديمة. وهناك التقى بـالفيثاغوريين. ثم انتقل من هناك إلى صقلية حيث قابل ديونيسوس، ملك سيراكوسا المستبد، على أمل أن يجعل من هذه المدينة دولة تحكمها الفلسفة. لكنها كانت تجربة فاشلة، سرعان ما دفعته إلى العودة إلى أثينا، حيث أسَّس، في حدائق أكاديموس، مدرسته التي باتت تُعرَف بـأكاديمية أفلاطون. لكن هذا لم يمنعه من معاودة الكرة مرات أخرى لتأسيس مدينته الفاضلة في سيراكوسا في ظلِّ حكم مليكها الجديد ديونيسوس الشاب، ففشل أيضًا في محاولاته؛ الأمر الذي أقنعه بالاستقرار نهائيًّا في أثينا، حيث أنهى حياته محاطًا بتلاميذه. فلسفته:

أوجد أفلاطون ما عُرِفَ من بعدُ بطريقة الحوار، التي كانت عبارة عن دراما فلسفية حقيقية، عبَّر من خلالها عن أفكاره عن طريق شخصية سقراط، الذي تمثَّله إلى حدِّ بات من الصعب جدًّا، من بعدُ، التمييز بين عقيدة التلميذ وعقيدة أستاذه الذي لم يخلِّف لنا أيَّ شيء مكتوب. هذا وقد ترك أفلاطون كتابةً ثمانية وعشرين حوارًا، تتألق فيها، بدءًا من الحوارات الأولى، أو "السقراطية"، وصولاً إلى الأخيرة، حيث شاخ ونضج، صورة سقراط التي تتخذ طابعًا مثاليًّا؛ كما تتضح من خلالها نظريته في المُثُل، ويتم فيها التطرق لمسائل عيانية هامة.

تميِّز الميتافيزياء الأفلاطونية بين عالمين: العالم الأول، أو العالم المحسوس، هو عالم التعددية، عالم الصيرورة والفساد. ويقع هذا العالم بين الوجود واللاوجود، ويُعتبَر منبعًا للأوهام (معنى استعارة الكهف) لأن حقيقته مستفادة من غيره، من حيث كونه لا يجد مبدأ وجوده إلا في العالم الحقيقي للـمُثُل المعقولة، التي هي نماذج مثالية تتمثل فيها الأشياء المحسوسة بصورة مشوَّهة. ذلك لأن الأشياء لا توجد إلاَّ عبر المحاكاة والمشاركة، ولأن كينونتها هي نتيجة ومحصلِّة لعملية يؤديها الفيض، كـصانع إلهي، أعطى شكلاً للمادة التي هي، في حدِّ ذاتها، أزلية وغير مخلوقة (تيميوس).

هذا ويتألف عالم المحسوسات من أفكار ميتافيزيائية (كالدائرة، والمثلث) ومن أفكار "غير افتراضية" (كالحذر، والعدالة، والجمال، إلخ)، تلك التي تشكِّل فيما بينها نظامًا متناغمًا، لأنه معماري البنيان ومتسلسل بسبب وعن طريق مبدأ المثال السامي الموحَّد الذي هو "منبع الكائن وجوهر المُثُل الأخرى"، أي مثال الخير.

لكن كيف يمكننا الاستغراق في عالم المُثُل والتوصل إلى المعرفة؟ في كتابه فيدروس، يشرح أفلاطون عملية سقوط النفس البشرية التي هَوَتْ إلى عالم المحسوسات – بعد أن عاشت في العالم العلوي - من خلال اتحادها مع الجسم. لكن هذه النفس، وعن طريق تلمُّسها لذلك المحسوس، تصبح قادرة على دخول أعماق ذاتها لتكتشف، كالذاكرة المنسية، الماهية الجلية التي سبق أن تأمَّلتها في حياتها الماضية: وهذه هي نظرية التذكُّر، التي يعبِّر عنها بشكل رئيسي في كتابه مينون، من خلال استجواب العبد الشاب وملاحظات سقراط الذي "توصل" لأن يجد في نفس ذلك العبد مبدأً هندسيًّا لم يتعلَّمه هذا الأخير في حياته.

إن فنَّ الحوار والجدل، أو لنقل الديالكتيكا، هو ما يسمح للنفس بأن تترفَّع عن عالم الأشياء المتعددة والمتحولة إلى العالم العياني للأفكار. لأنه عن طريق هذه الديالكتيكا المتصاعدة نحو الأصول، يتعرَّف الفكر إلى العلم انطلاقًا من الرأي الذي هو المعرفة العامية المتشكِّلة من الخيالات والاعتقادات وخلط الصحيح بالخطأ. هنا تصبح الرياضيات، ذلك العلم الفيثاغوري المتعلق بالأعداد والأشكال، مجرد دراسة تمهيدية. لأنه عندما نتعلَّم هذه الرياضيات "من أجل المعرفة، وليس من أجل العمليات التجارية" يصبح بوسعنا عن طريقها "تفتيح النفس [...] للتأمل وللحقيقة". لأن الدرجة العليا من المعرفة، التي تأتي نتيجة التصعيد الديالكتيكي، هي تلك المعرفة الكشفية التي نتعرَّف عن طريقها إلى الأشياء الجلية.

لذلك فإنه يجب على الإنسان - الذي ينتمي إلى عالمين – أن يتحرر من الجسم (المادة) ليعيش وفق متطلبات الروح ذات الطبيعة الخالدة، كما توحي بذلك نظرية التذكُّر وتحاول البرهنة عليه حجج فيدون. من أجل هذا يجب على الإنسان أن يعيش على أفضل وجه ممكن. فمعرفة الخير هي التي تمنعه من ارتكاب الشر. ولأنه "ليس أحد شريرًا بإرادته" فإن الفضيلة، التي تقود إلى السعادة الحقيقية، تتحقق، بشكل أساسي، عن طريق العدالة، التي هي التناغم النفسي الناجم عن خضوع الحساسية للقلب الخاضع لحكمة العقل. وبالتالي، فإن هدف الدولة يصبح، على الصعيد العام، حكم المدينة المبنية بحيث يتَّجه جميع مواطنيها نحو الفضيلة.

هذا وقد ألهمت مشاعية أفلاطون العديد من النظريات الاجتماعية والفلسفية، بدءًا من يوطوبيات توماس مور وكامبانيلا، وصولاً إلى تلك النظريات الاشتراكية الحديثة الخاضعة لتأثيره، إلى هذا الحدِّ أو ذاك. وبشكل عام فإن فكر أفلاطون قد أثَّر في العمق على مجمل الفكر الغربي، سواء في مجال علم اللاهوت (اليهودي والمسلم والمسيحي) أو في مجال الفلسفة العلمانية التي يشكِّل هذا الفكر نموذجها الأول.

مؤلَّفاته
المأدبة أو "في الحب": يبيِّن هذا الحوار، الذي جرى تأليفه في العام 384 ق م، كيف أن ولوج الحقيقة يمكن أن يتم بطرق أخرى غير العقل، وليس فقط عن طريقه: لأن هناك أيضًا وظيفة للـقلب، تسمح بالانتقال من مفهوم الجمال الحسِّي إلى مفهوم الجمال الكامل للمثال الجلي.

والقصة هي قصة الشاعر أغاثون الذي أقام في منزله مأدبة للاحتفال بنجاح أول عمل مسرحي له. وفي هذه المأدبة طُلِبَ من كلِّ المدعوين، ومن بينهم سقراط، أن يلقوا كلمة تمجِّد إله الحب – وخاصة أريستوفانيس الذي طوَّر أسطورة الخنثى البدئية. ويقوم سقراط، انطلاقًا من تقريظ الجمال، بمحاولة لتحديد طبيعة الحب، متجنبًا الوقوع في شرك الجدال، متمسِّكًا فقط بالحقيقة. فيستعيد كلمات ديوتيما، كاهنة مانتيني، للتأكيد على أن الحب هو عبارة عن "شيطان" وسيط بين البشر وبين الآلهة؛ لأنه في آنٍ معًا كابن للفقر (أو الحاجة) – بسبب كونه رغبة لما ينقصه – وابن للثروة – بسبب كونه "شجاعًا، مصممًا، مضطرمًا، و... واسع الحيلة" – فإنه (أبا الحب) يحاول دائمًا امتلاك الخير والهناءة بمختلف الطرق، بدءًا من الفعل الجنسي الجسدي وصولاً إلى النشاط الروحي الأسمى. فـالديالكتيكا المترقِّية ترفعنا من حبِّ الجسد إلى حبِّ النفوس الجميلة، لتصل بنا أخيرًا إلى حبِّ العلم. لأنه، وبسبب كونه رغبةً في الخلود وتطلعًا إلى الجمال في ذاته، يقودنا الحبُّ الأرضي إلى الحبِّ السماوي. وهذا هو معنى ما سمِّيَ فيما بعد بـالحب الأفلاطوني، الذي هو الحب الحقيقي، كما يوصلنا إليه منطق المأدبة. إن أهمية هذا الحوار – الذي هو أحد أجمل الحوارات – لم تتدنَّ خلال تاريخ الفلسفة كلِّه: حيث نجد صداه، مثلاً، في العقيدة المسيحية للقديس أوغسطينوس، الذي كان يعتقد بأن "كلَّ فعل محبة هو، في النهاية، حب للإله".

فيدون أو "في الروح": يدور هذا الحوار في الحجرة التي كان سقراط ينتظر الموت فيها. لأن الحضور، وانطلاقًا مما كان يدَّعيه بأن الفيلسوف الحقيقي لا يخشى الموت، يدعو المعلِّم لكي يبرهن على خلود النفس. وهنا، يجري بسط أربع حجج أساسية:

الحجة الأولى، التي تستند إلى وجود المفارقات، تقول إنه، انطلاقًا من الصيرورة المستمرة للأشياء، ليس في وسعنا فهم شيء ما (النوم مثلاً) دون الاستناد إلى نقيضه (اليقظة ليس حصرًا). ولأن الموت يبيِّن الانتقال من الحياة الدنيا إلى الآخرة، فإنه من المنطقي الاعتقاد بأن "الولادة من جديد" تعني الانتقال منه إلى الحياة. وبالتالي، إذا كانت النفس تولد من جديد، فإن هذا يعني أن التقمص حقيقة واقعة.

أما الحجة الثانية، فهي تستند إلى تلك الأفكار التي ندعوها بـالذكريات. لأن ما نواجهه في العالم الحسِّي إنما هو أشياء جميلة، لكنها ليست هي الجمال. لذلك ترانا نحاول تلمس هذا الأخير من خلال تلك الأشياء، التي، باستحضارها، تعيدنا حتمًا إلى لحظات من الحياة فوق الأرضية كانت روحنا فيها على تماس مباشر مع الطهارة.

وتقول الحجة الثالثة إنه يمكن شَمْلُ كلِّ ما في الوجود ضمن مقولتين اثنتين: المقولة الأولى تضم كلَّ ما هو مركَّب (وبالتالي ممكن التفكك) أي المادة؛ والمقولة الأخرى التي تشمل ما هو بسيط (أي لا يمكن تفكيكه)، كجزء مما هو مدرَك، أي الروح.

وعندما يلاحظ كيبيوس بأن سقراط، الذي برهن على إمكانية انتقال الروح من جسم إلى آخر، لم يبرهن على خلود هذه الأخيرة في حدِّ ذاتها، يجيبه سقراط من خلال عرض مسهب، يتطرق فيه إلى نظرية المُثُل، حيث يبيِّن في نهايته أن الروح لا تتوافق مع الموت لأنها من تلك العناصر التي ليس بوسعها تغيير طبيعتها.

وينتهي الحوار بعرض طويل لمفهومي العالم العلوي والمصير الذي يمكن أن تواجهه النفس: حيث ترتفع النفوس الأكمل نحو عالم علوي، بينما ترسب النفوس المذنبة في الأعماق السفلى. وتكون كلمات سقراط الأخيرة هي التي مفادها بأنه مدين في علمه لأسكليبيوس (إله الطب والشفاء) – من أجل تذكيرنا رمزيًّا بأنه يجب علينا شكر الإله الذي حرَّره من مرض الموت.

الجمهورية أو "في العدالة": يشكل هذا الحوار، المجموع في عشر كتيبات تمت خلال عدة سنوات (ما بين أعوام 389 و369 ق م)، العمل الرئيسي لأفلاطون المتعلِّق بـالفلسفة السياسية.

يبدأ سقراط بمحاولة تعريف العدالة استنادًا إلى ما قاله عنها سيمونيدِس، أي "قول الحقيقة وإعطاء كلِّ شخص حقه". هذا التعريف مشكوك في ملاءمته، لأنه يجعلنا نلحق الضرر بأعدائنا، مما يعني جعلهم، بالتالي، أسوأ وأظلم. كذلك أيضًا يستبعد تعريف السفسطائي ثراسيماخوس الذي قال بأن "العدل" هو ما ينفع الأقوى.

ونصل مع أفلاطون إلى التمعُّن في مفهوم الدولة العادلة – تلك التي تعني "الإنسان مكبَّرًا" – القائمة على مشاعية الأملاك والنساء، اللواتي لا يكون التزاوج معهن انطلاقًا من الرغبات الشخصية، إنما استنادًا لاعتبارات النسل – تلك المشاعية الخاضعة لمفهوم التقشف الصحي، أي المعادي للبذخ؛ تلك الدولة القائمة على التناغم والمستندة إلى فصل صارم بين طبقاتها الأساسية الثلاث التي هي: طبقة الفلاسفة أو القادة، وطبقة الجنود، وطبقة الصنَّاع – والتي هي على صورة التوازن القائم بين المكونات الثلاث للنفس الفردية. ونلاحظ هنا، من خلال العرض، أن الطبقة الدنيا (أو طبقة الصنَّاع) لا تخضع لمتطلَّبات الملكية الجماعية لأنها لن تفهمها انطلاقًا من مستوى إدراكها.

ويفترض سقراط أنه على رأس هذه الدولة يجب وضع أفضل البشر. من هنا تأتي ضرورة تأهيلهم الطويل للوصول إلى الفهم الفلسفي للخير الذي يعكس نور الحقيقة وينير النفس، كما تنير الشمس أشياء عالمنا (استعارة الكهف).

ذلك لأن الظلم يشوِّه، بشكل أو بآخر، كافة الأشكال الأخرى من الدول، التي يعدِّدها أفلاطون كما يلي: الدولة التيموقراطية (التي يسود فيها الظلم والعنف)، الدولة الأوليغارخية (حيث الطمع الدائم واشتهاء الثروات المادية)، الدولة الديموقراطية (حيث تنفلت الغرائز وتسود ديكتاتورية العوام)، وأخيرًا، دولة الاستبداد، حيث يكون الطاغية بنفسه عبدًا لغرائزه، وبالتالي غير عادل.

وأخيرًا فإن هذا المفهوم نسبي لأن العدالة لن تتحقق بالكامل، كما تصف ذلك أسطورة إرْ، إلا في حياة مستقبلية أخرى: حيث النفوس، وقد حازت على ما تستحقه من ثواب أو عقاب، تعود لتتجسد من جديد، ناسية ذكرى حياتها الماضية.

وجهات من حياته
1- المعلم


لقد تأثر أفلاطون نفسه بالمبادئ الكلبية. وشاهد ذلك أنه يصف في المقالة الثانية من الجمهورية(59) مدينة فاضلة تعيش عيشة فطرية شيوعية؛ ونستشف من هذا الوصف عطفه على هذه المدينة وحبه إياها. نعم إنه يكتفي بقبولها ولا يدعو إليها، ويصور دولة "في الدرجة الثانية بعدها"، ولكنه حين يعمد إلى تصوير ملوكه - الفلاسفة نستشف في هذه الصورة الحلم الكلبي، فنجد رجالاً لا أملاك لهم ولا زوجات، يستمسكون بالحياة البسيطة والفلسفة الراقية، قد استحوذوا على حصن أجمل خيال في تاريخ اليونان. وكانت الخطة التي رسمها أفلاطون لإيجاد أرستقراطية شيوعية محاولة باهرة من رجل محافظ ثري للتوفيق بين احتقاره للديمقراطية وبين مثالية زمانه المتطرفة.

وكان ينتمي إلى أسرة يرجع أصلها من ناحية أمه إلى صولون ومن ناحية أبيه إلى ملوك أثينة الأولين، بل لقد ذهب بعضهم إلى أنها ترجع من هذه الناحية إلى بسيدن إله البحروكانت أمه أخت خرميدس وابنه أخ أقريتياس، ومن أجل هذا يكاد كره الديمقراطية أن يكون متأصلاً في دمه. وقد سمى أرستقليس أي الأحسن الشهير- وبرع الشاب في جميع نواحي الحياة تقريباً، فنبغ في الموسيقى، والرياضيات، والبلاغة والشعر. وافتتنت النساء، والرجال بلا ريب، بجمال طلعته؛ وصارع في الألعاب البرزخية، ولقبوه من قبيل السخرية فلاطون أي العريض لامتلاء جسمه وقوة بنيته؛ وحارب في ثلاثة معارك، ونال جائزة في الشجاعةوكتب فكاهات شعرية، وغزلاً، ومأساة رباعية ؛ وبينما كان يتردد بين الشعر والسياسة لا يعرف أيهما يختار طريقاً له في الحياة، إذ افتتن وهو في سن العشرين بسقراط؛ وما من شك في أنه كان يعرف من قبل، لأن الفيلسوف الكبير كان صديقاً لخاله خرميدس؛ ولكنه لما بلغ هذه السن كان يستطيع أن يفهم تعاليم سقراط ويستمتع بمنظر الرجل الشيخ وهو يقذف بأفكاره في الهواء كالبهلوان، مرتكزاً على أسنة أسئلته. فما كان منه إلا أن أحرق قصائده، ونسي يوربديز والألعاب الرياضية، والنساء، وتبع المعلم الشيخ كأنه سحره أو نومه تنويماً مغناطيسياً. ولعله كان يكتب مذكرات في كل يوم، لأنه كان يشعر كما يشعر الفنان المرهف الحس بما لهذا الشيخ البطين المشوه المحبوب من شأن عظيم في مستقبل الأيام.

ولما بلغ أفلاطون الثالثة والعشرين من عمره شبت ثورة المحافظين في عام 404 بقيادة جماعة من أقربائه، وشهد أيام الإرهاب الألجركي العصيبة، وشجاعة سقراط في تحدي الثلاثين، وموت أقريتياس وخرميدس، وعودة الديمقراطية، ومحاكمة سقراط وموته. وبدا العالم كله يتصدع ويتهدم حول هذا الشاب الذي كان من قبل لا يتطرق الهم إلى قلبه، ففر من أثينة التي بدت في نظره كأنها مأوى الشياطين، ووجد بعض الراحة في ميغارا في بيت إقليدس، ثم في قورينا ولعله كان فيها مع أرستبوس. ويظهر أنه سافر منها إلى مصر حيث درس على الكهنة العلوم الرياضية والمعارف التاريخية الشعبيةونراه مرة أخرى في أثينة حوالي عام 395، وبعد عام من ذلك الوقت حارب دفاعاً عن كورنثة. وبدأ أسفاره مرة أخرى حوالي عام 387، ودرس فلسفة فيثاغورس مع أرخيتاس في تاراس ومع تيماس في لكري، ثم انتقل إلى صقلية ليشاهد بركان إتنا، وارتبط برباط الصداقة مع ديون طاغية سراقوصة، وقُدّم لدنيسوس الأول، وبِيعَ بَيْعَ الرقيق، ثم عاد سالماً إلى أثينة في عام 386. ولما رفض أنسريس الثلاثة آلاف درخمة التي جمعها أصدقائه ليفتدوه بها، ابتاع له هؤلاء الأصدقاء بهذا المال أيكة للتنزه في ضاحية من ضواحي المدينة وأطلقوا عليها اسماً مشتقاً من إلهها المحلي أكديموس ، وفيها أنشأ أفلاطون الجامعة التي قُدِر لها أن تكون فيما بعد مركز بلاد اليونان العقلي تسعمائة عام كاملة .

وكان المجمع العلمي (الأكاديمية) من الناحية الفنية إخوة دينية (ثاسيوس ) مخصصاً لعبادة ربات الشعر والفن، ولم يكن الطلاب يؤدون فيه أجوراً عن التعليم، ولكنهم كانوا في الغالب من أبناء الأسر الغنية، ولذلك كان يُنتظر من آبائهم أن يهبوا المعهد هبات قيمة। وفي ذلك يقول سويداس إن الأغنياء " كانوا يوصون قبل وفاتهم لأعضاء المدرسة بما يكفل لهم أن يحيوا حياة الفلاسفة غير مضطرين إلى العمل لكسب أقواتهمويقال إن دنيسوس الثاني وهب المعهد ثمانين وزنة (000ر480 ريال أمريكي)- وفي هذا ما قد يفسر صبر الفيلسوف على هذا الملك। وكان الشعراء الفكهون في ذلك الوقت يهجون الطلاب بقولهم إنهم أشخاص متصنعون في أخلاقهم متطرفون في ملابسهم - ذوو قلانس رشيقة وعصي، وستر قصيرة أو أردية جامعيةألا ما أقدم تقاليد إيتن والأثواب الجامعية السوداء! وكانت النساء يُقبلن في المجمع مع الرجال، لأن أفلاطون بقي من هذه الناحية متطرفاً في أفكاره تطرفاً جعله من أقوى أنصار المرأة، وكانت أهم موضوعات الدرس هي العلوم الرياضية والفلسفة، وقد كُتِب على مدخل المجمع هذا التحذير: "لن يدخل هذا المكان إنسان بلا هندسة"؛ ولعل قدراً كبيراً من الحساب كان من شروط القبول في المجمع. وكان معظم ما حدث من التقدم في العلوم الرياضية في القرن الرابع على أيدي رجال ممن درسوا فيه. وكان منهاج الرياضة يشمل الحساب (نظرية العدد) والهندسة الراقية، والفلك، "والموسيقى" (ولعل هذه كانت تتضمن الأدب والتاريخ)، والقانون، والفلسفة؛ وكانت الفلسفة الأخلاقية والسياسية آخر الدراسات في هذا المنهاج، هذا إذا كان أفلاطون قد أخذ بالنصيحة التي ينطق بها سقراط في معرض الدفاع إلى حد ما عن أنيتوس وملاتوس:

سقراط: إنك تعرف أن ثمة مبادئ معينة في العدالة والخير تعلمناها في طفولتنا، ونشأنا تحت رعايتها الأبوية، نطيعها ونعظمها.

أجلوكون: هذا صحيح.

سقراط: وثمة أيضاً مبادئ مناقضة لها وعادات من أنواع السرور تتملق أرواحنا وتجذبها إليها، ولكنها لا أثر لها فيمن لديهم أي إحساس بالحق، ومن لا ينقطعون عن إجلال تعاليم آبائهم وطاعتها.

أجلوكون: حق.

سقراط: فإذا كان الإنسان في هذه الحال وسألته روحه السائلة ما هو الشيء الجميل الشريف؟ وأجاب بأن ذلك هو الذي يأمر به القانون، نقضت الحجج أقوال المشترع، فاضطر إلى الاعتراف بأن لا شيء فيه من الجمال أكثر مما فيه من القبح، أو فيه من العدالة والطيبة أكثر مما فيه من نقيضيهما، وإلى الاعتراف بأن هذا بعينه ينطبق على جميع آرائه التي خلع عليها الزمن جلالاً وتعظيماً، إذا حدث هذا فهل تظن أنه سيظل يعظم هذه التعاليم ويطيعها؟.

أجلوكون: هذا مستحيل.

سقراط: وإذا لم يعد يظنها كما كان يظنها من قبل شريفة وطبيعية، ثم عجز عن معرفة الحق، فهل يُنتظر منه أن يحيا حياة غير الحياة التي تتملق شهواته؟

أجلوكون: ذلك ما لا يُنتظر منه.

سقراط: وهل ينقلب بعدئذ من إنسان طائع للقوانين إلى إنسان خارج عليها؟.

أجلوكون: بلا ريب.

سقراط: وإذن فلا بد من الحذر الشديد في إدخال مواطنينا الذين لا يتجاوزون سن الثالثة والثلاثين في الجدل... إذ يجب ألا يسمح لهم بتذوق هذه اللذة العزيزة قبل الأوان؛ هذا شيء ينبغي تجنبه بنوع خاص، لأن الشبان، كما رأيت، إذا تذوقوا الجدل بدءوا من فورهم يجادلون حباً في الجدل، ولا ينفكون يعارضون غيرهم ويدحضون حججهم تقليداً منهم لمـن ينقضون حججهم هم؛ فهم في هذا أشبه بصغار الكلاب التي يسرها أن تشد أثواب كل من يقترب منها وتمزقها.

أجلوكون: نعم إن هذا هو الذي يسرها.

سقراط: وإذا ما غلبوا الكثيرين من الناس وغلبهم الكثيرون اندفعوا بسرعة وعنف إلى حال لا يؤمنون معها بأي شيء كانوا يؤمنون به من قبل، ومن... ثم تسوء سمعة الفلسفة عند سائر الناس. أجلوكون: هذا هو عين الحق.

سقراط: ولكن الرجل إذا بدأ يكبر، فإنه لا يرتكب هذا الضرب من الأعمال الجنونية؛ بل يحذو حذو الرجل المنطقي الذي يبحث عن الحقيقة، لا حذو الخصيم الذي يعارض لما يجده في المعارضة من لذة؛ وإن إجلال الناس لخلقه سيزيد من شرف هذا السعي بدل أنه ينقص منه).

وكان أفلاطون وأعوانه يعلمون الناس بالمحاضرات والحوار، وبعرض المسائل على الطلاب لحلها؛ وكان من هذه المسائل إيجاد: "الحركات المنتظمة المتساوية التي يمكن بالاستناد إليها تعليل حركة الكواكب؛ ولعل أودكسوس وهرقليدس قد وجدا في هذه البحوث ما يحفزهما إلى العمل. وكانت المحاضرات علمية، وكانت في بعض الأحيان مخيبة لآمال مَن جاءوها طلباً للكسب المادي، ولكن تلاميذ أرسطو ودمستين وليقورغ، وهيبريدس، وأكسانوقراطيس تأثروا بها أعمق التأثر ونشروا في كثير من الأحيان ما كتبوه عنها من مذكرات. وقال أنتفانس متفكهاً إن الكلمات التي كان ينطق بها أفلاطون أمام طلابه في شبابهم لم يفهموها إلا في شيخوختهم؛ كما كانت الألفاظ في إحدى المدن القائمة في أقصى الشمال تتجمد حين تخرج من أفواه المتكلمين ثم تُسمع في الصيف حينما تسيح).


2- الفنان

يقر أفلاطون نفسه أنه لم يكتب في حياته رسالة علمية، ويشير أرسطوطاليس إلى ما كان يلقى من العلوم في المجمع العلمي بقوله "تعاليم" أفلاطون "غير المكتوبةولسنا نعرف مدى اختلاف هذه التعاليم عما ورد في المحاورات ، وأكبر الظن أن هذه المحاورات كانت في بادئ الأمر وسيلة للترويح عن النفس، وأنها كانت تُلقى بطريقة فكهة إلى حد ماومن سخريات التاريخ أن المؤلفات الفلسفية التي تدرس في الجامعات الأوربية والأمريكية والتي تَلقى فيها أعظم التقدير والإجلال في هذه الأيام قد ألفت لتقرب الفلسفة من أذهان غير العلماء بربطها بإحدى الشخصيات المعروفة. ولم تكن محاورات أفلاطون أول ما كُتب من الحوار الفلسفي، فقد اتبع زينون الإليائي وكثيرون غيره هذه الطريقة ذاتها، ونشر تيمن الأثيني قاطع الجلود بطريقة الحوار أحاديث سقراط التي كانت تدور في حانته وكانت المحاورات كما أوردها أفلاطون قطعة أدبية لا تاريخية؛ وهو لا يدعي أنه ينقل لنا نصاً دقيقاً للأحاديث التي كانت تجري قبل أن يكتبها بثلاثين عاماً أو خمسين، بل ولا يدعي أنه يحرص على أن يكون ما فيها من إشارات منسقاً غير متناقض بعضه مع بعض. وذهل غورغياس كما ذهل سقراط حين سمعا الألفاظ التي أنطقهما بها الفيلسوف المسرحيوقد كتبت المحاورات مستقلة كل منها عن الأخرى، ولعلها كتبت في فترات متباعدة تباعداً طويلاً، وليس من حقنا أكثر من هذا أن نرتاع لما فيها من آراء متناقضة. وليس ثمة خطة موضوعة للتأليف بينها كلها وجعلها وحدة منسقة، اللهم إلا البحث المتواصل الذي يقوم به عقل ينمو ويتطور تطوراً واضحاً ملموساً عن الحقيقة التي لا يستطيع الحصول عليها أبداً . والمحاورات مركبة بمهارة وإن كانت لا ترقى إلى الدرجة الوسطى. وهي تصور الأفكار تصويراً مسرحياً، وترسم صورة منسقة لسقراط تدل على حب أفلاطون الشديد له؛ ولكنها قلما تدل على وحدة الأفكار أو تسلسلها، وكثيراً ما تنتقل من موضوع إلى موضوع وتسئم القارئ في كثير من أجزائها لأنه يورد الحديث بمعناه لا بلفظه - فيجعل رجلاً واحداً ينقل سائر أحاديث غيره من الناس. ويقول سقراط إن ذاكرته "غاية في الضعفولكنه مع ذلك يتلو على صديق له عن ظاهر قلب أربعاً وأربعين صفحة من نقاش جرى في أيام شبابه بينه وبين بروتاغوراس. ومما يضعف معظم المحاورات أنها يعوزها المتكلمون الأقوياء القادرون على أن يردوا على سقراط "بغير نعم" أو ما في معناها. ولكن هذه العيوب تختفي في تألق اللغة ووضوحها، وما في الموقف، والتعبير، والفكرة من فكاهة؛ والعالم الحي وما فيه من مختلف الشخصيات البشرية الحقيقية، وما تفتحه هذه المحاورات من نوافذ توصل إلى العقل العميق النبيل. وفي وسعنا أن نحكم على ما كان لهذه المحاورات من قيمة عظيمة عند الأقدمين، إذا ذكرنا أنها أكمل نتاج عقلي وصل إلينا من أي مؤلف يوناني؛ وإن شكلها ليضعها في تاريخ الأدب في منزلة لا تقل سمواً عن المنزلة التي يضعها فيها موضوعها في تاريخ الفكر.

وأقدم المحاورات من خير الأمثلة في جدل الشباب الخصيم الذي يندد به في الفقرة التي أوردناها من قبل، ولكن الصورة الساحرة التي تصور بها هذه المحاورات الشباب الأثيني تذهب بما فيها من عيوب من هذه الناحية. ومعرض الآراء هو خير ما كتب من نوعه في أدب العالم كله، وهو خير مقدمة لكتب أفلاطون؛ وإن ما فيه من تصوير مسرحي للمناظر (ونورد على سبيل المثال قول أجاثون لخدمه: "تصوروا أنكم أرباب المنزل وأنني أنا وأصحابي ضيوفكم، والصورة الحية التي رسمها لأرسطوفان "وقد تملكه الفواق من كثرة الأكل"، وقصته المرحة عن ألقبيادس الثمل الذي افتضح أمره بين الناس، وأهم من هذا كله براعته في التأليف بين الواقعية القاسية في صورة سقراط وبين فكرته السامية عن الحب، نقول إن هذه الصفات تجعل معرض الآراء آية أدبية رائعة في فن النثر. أما الفيدون فأقل من معرض الآراء قوة وأكثر منه جمالاً. فالنقاش الرئيسي فيه، مهما يبلغ من الضعف، نقاش أمين لا التواء فيه ولا مغالطة، يبيح لصاحب الرأي المخالف فرصة مكافئة لفرصة مناظره؛ ويتدفق تدفقاً أكثر سلاسة وسط مناظر يتغلب هدوؤها على ما فيها من مآسٍ، حتى أن موت سقراط نفسه ليشبه اختفاء النهر عن العين حين يلتف عند أحد المنحنيات. ويدور بعض ما يشتمل عليه فيدروس من حوار على شواطئ نهر حين يبرّد سقراط وتلميذه أقدامهما في ماء النهر. ولا حاجة إلى القول بأن أعظم المحاورات كلها على الإطلاق هي الجمهورية لأنها أكمل عرض لفلسفة أفلاطون، وهي في أولى أجزائها صراع مسرحي بين الأشخاص والآراء. والبارمنيدس أسوأ مثل للتلاعب المنطقي في الأدب كله، كما أنه أجرأ مثل في تاريخ الفلسفة للمفكر الذي يفند أحب العقائد إلى نفسه - نعني نظرية الأفكار - تفنيداً لا يقوى أحد على الرد عليه ودحض حججه. وفي المحاورات الأخيرة تضعف قدرة أفلاطون الفنية، فتضمحل شخصية سقراط، وتفقد الميتافيزقيا شعريتها، وتفقد السياسة "مُثُل الشباب العليا" حتى إذا ما وصلنا إلى القوانين، استسلم الرجل المتعب المنهوك القوى الذي ورث جميع ثقافة أثينة على اختلاف مناحيها إلى إغراء إسبارطة، وطلّق الحرية، والشعر والفن والفلسفة نفسها.


3- الميتافيزيقي
لم يتبع أفلاطون فيما خلفه من أفكار خطة منظمة، وإذا لخصنا نحن آراءه ووضعنا لها رؤوس موضوعات مختلفة كالمنطق، وما وراء الطبيعة، والأخلاق، وعلم الجمال، والسياسة، ليسهل علينا أن نتحدث عنها حديثاً منظماً، فإن من الواجب أن نذكر أن أفلاطون نفسه كان شاعراً مغرقاً في شاعريته إلى حد يمنعه أن يقيد أفكاره ويحدها بحدود. وإذ كان أفلاطون شاعراً فقد كان المنطق أكثر ما يعترض سبيله من الصعاب، فهو يجول هنا وهناك يبحث عن التعاريف ويضل السبيل في التشبيهات التي تعرضه لأشد الأخطار؛ "ثم دخلنا في تيه، ولما حسبنا أننا قد وصلنا إلى آخره، رأينا أنفسنا مرة أخرى في بدايته، وكان علينا أن نعود إلى البحث عن مخرج، ويختم حديثه هذا بقوله: "ولست واثقاً قط من أنه يوجد من بين العلوم علم كالمنطقولكنه مع هذا يخطو فيه الخطوة الأولى. فهو يفحص عن طبيعة اللغة ويقول إنها مشتقة من محاكاة الأصوات؛ ويبحث في التحليل والتركيب، والتشبيهات والمغالطات، ويقبل الاستقراء، ولكنه يفضل الاستدلال؛ ويضع في هذه المحاورات الشعبية نفسها مصطلحات فنية، كالجوهر، والطاقة، والفعل والانفعال، والتوليد، وهي المصطلحات التي استخدمتها الفلسفة فيما بعد. وهو يضع أسماء لخمس من المقولات العشر التي أذاعت شهرة أرسطوطاليس. وهو يرفض قول السوفسطائيين إن الحواس خير وسيلة لمعرفة الحقيقة وإن الفرد هو مقياس الأشياء جميعها؛ ويقول إنه لو صح هذا لكان ما يقوله أي إنسان عن العالم مساوياً في قيمته لما يقوله أي نائم، وأي مخبول، أو أي قرد).

ولسنا نستمد من فوضى الحواس إلا فيضاً من التغيرات الهرقليطية؛ ولو لم تكن لنا إلا إحساسات، لما كانت لدينا قط معلومات أو حقائق؛ ذلك أن المعلومات لا تأتي إلا عن طريق الأفكار، وعن طريق الصور المعممة، والأشكال التي تصوغ فوضى الإحساسات وتكون منها التفكير المنظمولو كنا لا ندك إلا الأشياء المفردة لكان التفكير مستحيلاً، ذلك أننا نتعلم التفكير بجمع الأشياء وتصنيفها حسب ما بينها من أوجه الشبه، ثم نعبر عن الصنف بأجمعه باسم عام له، فلفظ رجل يمكننا من أن نفكر في جميع الرجال، ولفظ منضدة يمكننا من التفكير في جميع المناضد ولفظ ضوء في جميع الأضواء التي سطعت في البر أو البحر. وليست هذه الآراء أشياء تدركها الحواس، ولكنها حقائق تعرف بالتفكير، لأنها تبقى، ولا تتغير، ولو انعدمت جميع الموجودات الحسية المقابلة لها. فالرجال يولدون ويموتون، ولكن "الرجل" يبقى. وليس كل مثلث بمفرده إلا مثلثاً ناقصاً، يفنى عاجلاً أو آجلاً، ومن أجل هذا فهو غير حقيقي نسبياً، ولكن "مثلث"- أي الشكل والقانون اللذين ينطبقان على جميع المثلثات- كامل سرمديوكل الأشكال الرياضية أفكار سرمدية وكاملة ، وكل ما تقوله الهندسة عن المثلثات، والدوائر، والمربعات، والمكعبات، والكرات، يبقى صحيحاً، ومن ثم فهو "حقيقي" ولو لم توجد هذه الأشكال في العالم المادي في الماضي أو في المستقبل. والمعاني المجردة هي الأخرى حقيقية بهذا المعنى؛ فالأعمال الفردية الفاضلة قصيرة الأجل ولكن الفضيلة تبقى حقيقية خالدة في التفكير وأداة للتفكير؛ وهذا أيضاً شأن الجمال، والكبر، والمشابهة وما إليهافالأعمال والأشياء الفردية أشياء وأعمال بالصورة التي نعرفها بها، لأنها تشترك في هذه الأشكال الكاملة أو الأفكار، وتحقق وجودها بدرجة قليلة أو كثيرة. وعالم العلم والفلسفة لا يتكون من أشياء مفردة، بل يتكون من ؛ والتاريخ المتميز عن السِّيَر هو قصة الإنسان، وليس علم الأحياء هو علم كائنات عضوية معينة بل هو علم الحياة نفسها، وليست العلوم الرياضية هي دراسة الأشياء المجسمة بل هي دراسة العدد، والعلاقة، والشكل، مستقلة عن الأشياء نفسها، ولكنها تصدق على جميع الأشياء. والفلسفة هي علم الأفكار.

وكل شيء في ميتافيزيقية أفلاطون يدور حول نظرية الأفكار. فالله المحرك الأول الذي لا يتحرك، أو روح العالم، يحرك كل شيء وينظمه حسب القوانين والأشكال الأزلية، وهي الأفكار التي لا تتبدل والتي تكون، على حد قول أصحاب الأفلاطونية الحديثة، الكلمة أو الحكمة الإلهية أو عقل الله. وأرقى الأفكار هو الخير، ويرى أفلاطون في بعض الأحيان أن هذا الخير هو الله نفسه، ولكنه في أكثر الأحيان هو أداة الخلق الهادية المرشدة، والشكل الأعلى الذي تنجذب إليه كل الأشياء. وإدراك هذا الخير، ورؤية هذا المثل الأعلى الذي يشكل عملية الخلق، هو أسمى غاية تبتغيها المعرفةوليست الحركة وعملية الخلق عمليتين آليتين، بل هما تحتاجان في العالم، كما نحتاج نحن، إلى روح أو مبدأ حيوي يكون هو قوتهما المنشئة المبدعة).

وليس شيء حقيقياً إلا الذي فيه قوةومن أجل هذا فإن المادة ليست حقيقة بل هي مجرد مبدأ من القصور الذاتي، وإمكانياته تنتظر أن يعطيها الله أو الروح شكلاً خاصاً وكياناً حسب فكرة من الأفكار. والروح هي القوة المتحركة بنفسها الموجودة في الإنسان، وهي جزء من الروح المتحركة بنفسها الموجودة في الأشياء جميعهاوهي قوة حيوية خالصة، مجردة من الجسم، وخالدة. وقد وجدت قبل الجسم، وجاءت معها من حلولها في أجسام سابقة بذكريات كثيرة إذ أيقظتها الحياة الجديدة حسبناها خطأ معلومات جديدة. ولنضرب لذلك مثلاً الحقائق الرياضية فهي بأجمعها حقائق فطرية بهذه الطريقة، وكل ما يفعله التعليم هو أنه يوقظ ذكريات الأشياء التي عرفتها الروح في حيواتها الكثيرة الماضيةوإذا مات الإنسان انتقل روحه أو مبدأ الحياة الذي فيه إلى كائنات عضوية أخرى أرقى منه أو أحط حسب ما استحقته في تجسداتها السابقة. وربما ذهبت الروح المذنبة إلى المطهر أو الجحيم، وذهبت الروح الفاضلة إلى جزائر المباركينفإذا ما تطهرت الروح في خلال الحيوات المختلفة من جميع آثامها، تحررت من التجسد وصعدت إلى الفردوس تتمتع فيه بالسعادة السرمدية .



4- العالم الأخلاقي

لقد كان أفلاطون يعرف أن كثيرين من قرائه سيكونون من المتشككين، ودليلنا على هذا أنه قضى بعض الوقت يحاول وضع قانون أخلاقي طبيعي يبعث في نفوس الناس الرغبة في الاستقامة والصلاح من غير أن يعتمدوا على السماوات والمطهر والجحيموإن المحاورات التي كتبها في حياته الوسطى لتتحول شيئاً فشيئاً من الميتافيزيقا إلى الأخلاق والسياسة "إن أعظم أنواع الحكمة وأجملها هي الحكمة المتصلة بتنظيم الدول

والمشكلة الرئيسية في علم الأخلاق تدور حول النزاع الظاهر بين ملاذ الفرد وبين الخير الاجتماعي. ويعرض أفلاطون هذه المشكلة عرضاً واضحاً ويورد على لسان كلياس من الحجج التي تبرر الأنانية ما لا يقل عن أقوى الحجج التي أوردها أي داعية لمخالفة القواعد الخلقية في عصر من العصوروهو يعترف بأن كثيراً من اللذائذ لا عيب فيه ولا إثم، وأن الإنسان في حاجة إلى الذكاء للتمييز بين اللذات الطيبة واللذات الضارة، وأن من الواجب أن تربى في الطفل عادة الاعتدال وإدراك "الأواسط الذهبية للأمور" خشية أن يأتي الذكاء متأخراً بعد فوات الوقت

وتتكون النفس أو أصل الحياة من ثلاث درجات أو أجزاء- الشهوة، والإدارة، والفكر، ولكل جزء من هذه الأجزاء فضيلته الخاصة- الاعتدال والشجاعة، والحكمة؛ ويجب أن تضيف إليها التقوى والعدالة- وأداء واجب الإنسان نحو والديه وآلهته. ويمكن تعريف العدالة بأنها هي تعاون الأجزاء في الكل، أو العناصر في الأخلاق، أو الأهلين في الدولة، بحيث يقوم كل جزء بواجبه اللائق به على الوجه الأكمل(وليس الخير هو الفعل وحده أو اللذة وحدها، بل هو امتزاجهما بنسب ومقادير تنتج منها حياة الفعلوالخير الأسمى كائن في العلم الخالص بالأشكال والقوانين السرمدية، و"أسمى خير" من الناحية الأخلاقية "... هو ما في النفس من قدرة أو موهبة، إذا كان ثمة شيء من هذا النوع تستطيع به أن تعرف الحقيقة، وأن تفعل كل الأشياء من أجل الحقيقة؛ ومن يحب الحقيقة لا يهمه أن يجزي الإساءة بالإساءة، بل يفضل أن يتحمل على أن يرتكب هو الظلم، و"يضرب في الأرض براً وبحراً يبحث عن الناس الذين لا يجد الفساد سبيلاً إليهم، والذين لا تُقَوَّم صحبتهم بالمال أياً كان... والذين يهبون أنفسهم للفلسفة بحق يمتنعون عن الشهوات الجسمية، وإذا ما عرضت عليهم الفلسفة أن تطهرهم من الشر وتحررهم منه، أحسوا بأن من واجبهم ألا يقاوموا تأثيرها فيهم؛ ومن أجل ذلك يميلون نحوها، ويسيرون خلفها للهدف الذي

وكان أفلاطون قد حرق قصائده وفقد عقائده الدينية، ولكنه ظل مع ذلك شاعراً وعابداً؛ يغمر فكرته عن الخير إحساس قوي بالجمال وتقوى ممتزجة بالزهد والتقشف؛ توحدت فيه الفلسفة والدين وامتزجت فيه الأخلاق بحاسة الجمال. ولما تقدمت به السن عجز عن أن يرى الجمال منفصلاً عن الخير والحقيقة. وكان في دولته المثالية يفرض الرقابة على جميع الفن والشعر اللذين قد ترى الحكومة أن فيهما نزعة مغايرة للأخلاق الفاضلة أو الوطنية، وهو يمنع فيها جميع الخطب وجميع المسرحيات المضادة للدين؛ وحتى شعر هومر نفسه- الذي يصور الدين المغاير للأخلاق تصويراً مغرياً- يجب أن يضحى به. وكان يجيز في هذه الدولة المثالية أساليب الموسيقى الدُّورية والفريجية؛ ولكنه يشترط ألا تضر بها آلات معقدة التركيب أو يعزفها فنانون يُحدثون "أصواتاً وحشية" في أثناء عرضهم الفنيأو يُدخلون فيها بدعاً متطرفة.

"يجب الابتعاد عن إضافة أي نوع جديد لأنواع الموسيقى، لأن هذا يعرض الدولة كلها للخطر؛ وسبب ذلك أن الأنماط الموسيقية إذا اضطربت أثرت حتماً في أهم الأنظمة السياسية... ذلك أن النمط الجديد يتأصل في الدولة تدريجاً، ويتطرق شيئاً فشيئاً إلى أخلاق الناس وعاداتهم، ومن هذه الأخلاق والعادات يهاجم الشرائع والدساتير، ويظهر في هذا الهجوم منتهى السفالة، وينتهي الأمر بقلب كل شيء في الدولة رأساً على عقبوالجمال كالفضيلة إنما يكون في اللياقة، والتناسب، والنظام. والعمل الفني يجب أن يكون مخلوقاً حياً، ذا رأس، وجذع، وأطراف، توحدها وتبعث فيها الحياة، فكرة واحدةويظن هذا المتزمت المتحمس أن الجمال الحق هو جمال العقل لا جمال الجسم، وأن الأشكال الهندسية ذات جمال سرمدي مطلق، وأن القوانين التي تقوم عليها السماوات تفوق النجوم في جمالهاوالحب هو طلب الجمال ويتألف من ثلاث مراحل أولاها حب الجسم والثانية حب الروح والثالثة حب الحقيقة. وحب الجسم بين الرجل والمرأة مشروع لا إثم فيه لأنه وسيلة للتناسل الذي هو نوع من أنواع الخلودولكنه مع ذلك صورة بدائية من الحب غير جديرة بالفيلسوف. والحب الجسمي بين الرجل والرجل أو بين المرأة والمرأة مناف للطبيعة ويجب قمعه لأنه يعطل التناسلوقمعه مستطاع بالسمو به إلى المرحلة الثانية أي المرحلة الروحية من مراحل الحب: ففي هذه المرحلة يحب الرجل الكبير السن الشاب لأن وسامته رمز للجمال الطاهر السرمدي، والشاب يحب الشيخ لأن حكمته تيسر له سبيل الفهم والشرف. ولكن أسمى أنواع الحب هو "حب الاستحواذ على الخير الأبدي" وهو الحب الذي يسعى وراء الجمال المطلق للأفكار أو الأشكال الكاملة السرمديةوهذا النوع لا العاطفة غير الجسمية بين الرجل والمرأة هو "الحب الأفلاطوني"، وهو النقطة التي يتحدث عندها أفلاطون الشاعر مع أفلاطون الفيلسوف في الرغبة القوية في الفهم، وتكاد هذه الرغبة أن تكون شغفاً صوفياً بما في القانون وما في بناء العالم وحياته وغايته من نور النعيم الباهر. "لأن أديمنتس، الذي لا يتحول عقله عن الوجود الحق لا يجد لديه وقتاً يطل فيه على شئون الناس، أو يمتلئ فيه قلبه حسداً وغُلاً من النزاع معهم؛ ذلك أن عينه تتجه على الدوام نحو المبادئ الثابتة التي لا تتبدل، وهي التي لا يؤذي بعضها بعضاً، بل يراها كلها تتحرك في نظام حسب قوانين العقل؛ فهو يحذو حذو هذه المبادئ، وعلى مثالها يشكل حياته قدر المستطاع).




5- الطوباوي


ولكنه مع هذا يهتم بشئون الناس، وتتمثل أمام ناظريه رؤيا اجتماعية أيضاً، ويحلم بوجود مجتمع خالٍ من الفساد والفقر والظلم والحروب. وقد روعته ما كان يسود أثينة من انقسامات حزبية مريرة "وشقاق، وعداء، وحقد، وريبة، لا تكاد تخبو نارها حتى تعود إلى الاشتعال"(وكان يحتقر ألجركية المال كما يحتقرها جميع النبلاء أبناء الأسر الشريفة ذات المجد التليد، ويقول عن رجالها إنهم "رجال الأعمال...الذين لا تطاوعهم نفوسهم إلى رؤية من قضوا عليهم بجشعهم، ويدفعون سمومهم - أي مالهم - في جسم كل من لا يحْذَرهم، ثم يستردون ما أخذوه منهم أضعافاً مضاعفة: وتلك هي الطريقة التي يملأون بها الدولة بالكسالى والمعدمين"ثم تنشأ الديمقراطية، بعد أن يتغلب الفقراء على معارضيهم، فيقتلون بعضهم، وينفون من البلاد البعض الآخر، ثم يمنحون الباقي أقساطاً متساوية من الحرية والسلطةويتضح آخر الأمر أن الديمقراطيين لا يقلون فساداً عن الحكام الأثرياء: فهم يستخدمون القوة التي تؤول إليهم لكثرة عددهم ليوزعوا الأموال العامة على الفقراء، ومناصب الدولة عليهم أنفسهم؛ وهم يتملقون العامة ويداهنونهم حتى تنقلب الحرية فوضى، وتنحط المعايير بعد أن تؤول السلطة العليا إلى أراذل الناس، وتغلظ الطباع بسبب انتشار الوقاحة والسباب؛ وكما أن السعي الجنوني وراء المال يقضي على الحكم الألجركي، كذلك يقضي على الديمقراطية التطرف في الحرية. سقراط: ففي هذه الدولة تسود الفوضى، وتتخذ سبيلها إلى البيوت الأفراد، وتنهي الأمر بانتقال عدواها إلى الحيوانات...فيتعود الأب النزول إلى مستوى أبنائه...ويتعود الابن أن يضع نفسه في مستوى أبيه، فلا يخشى أبويه، ولا يستحي منهما..ويخاف الأستاذ طلابه ويتملقهم، ويحتقر الطلاب أساتذتهم ومعلميهم..ويصبح الكبار والصغار سواسية، فيضع الشاب نفسه في مستوى الشيخ، ولا يستنكف أن يعارضه بالقول والفعل، ولا يتحرج الشيوخ من تقليد الشبان. ومن واجبي ألا أنسى حرية الجنسين الذكور والإناث ومساواة كليهما بالآخر في علاقتهما بعضهما ببعض...والحق أن الخيل والحمير، لن تعدم وقتئذ سبيلاً للسير مع الناس جنباً إلى جنب، والاستمتاع بكل ما لأحرار الناس من حقوق وكرامات... وقصارى القول أن الأشياء جميعها توشك أن تنفجر لكثرة ما أتخمت بالحرية...

أديمنتس: ولكن ما هي الخطوة التالية؟...

سقراط: إن ازدياد أي شيء فوق حده كثيراً ما يؤدي إلى انقلاب في الاتجاه المضاد له... ولهذا يبدو أن الإفراط في الحرية، سواء كان ذلك من ناحية الأفراد أو من ناحية الدول، لن يؤدي إلا إلى الاستعباد...ونرى أن أشد أنواع الحكومات استبداداً تنشأ من أشد أنواع الحرية تطرفاً.

وإذا ما صارت الحرية تحللاً من كل القيود، فقد اقتربت الدكتاتورية. ذلك أن الأغنياء يخشون وقتئذ أن تجردهم الديمقراطية من مالهم فيأتمرون بها ليقضوا عليهاوقد يغتصب السلطة أحد الأفراد المغامرين، ويعد الفقراء بكل ما يرغبون فيه، ويحيط نفسه بجيش خاص به، ويقتل أولاً أعداءه ثم يتبعهم بأصدقائه "حتى يطهر الدولة" من هؤلاء وأولئك، ويقيم حكومة دكتاتوريةوفي هذا الصراع العنيف بين الآراء المتطرفة يكون الفيلسوف الذي ينادي بالاعتدال والتفاهم أشبه "برجل وقع بين الوحوش"؛ فإذا كان حكيماً "احتمى بجدار حتى تمر العاصفة والريح )

ومن العلماء من يلجئون في هذه الأزمات إلى الماضي، ويشتغلون بكتابة التاريخ، أما أفلاطون فيلجأ إلى المستقبل، ويضع نظام المدينة الفاضلة، ويرى أن أول ما يجب عمله هو "البحث عن ملك صالح يسمح بأن نجري التجارب على شعبه، وواجبنا الثاني هو أن نبعد من هذه المدينة جميع الكبار فلا نستبقي منهم إلا من لا غنى عنهم لحفظ النظام وتعليم الشبان، وذلك لأن أساليب الكبار تفسد الشباب وتطبعهم بطابع الماضي. ثم نعد للشباب رجالاً كانوا أو نساء منهجاً تعليمياً يمتد إلى عشرين عاماً، ويشمل تعليم الأساطير" وهو لا يقصد بها أساطير الدين القديم الفاسدة، بل أساطير جديدة تعود النفس طاعة الآباء والدولة . فإذا قضوا في التعليم هذه المدة وضعت لهم اختبارات جسمية وعقلية وأخلاقية. فأما الذين يخفقون في هذه الاختبارات فيصبحون هم رجال الاقتصاد في الدولة- رجال الأعمال، والصناع، والزراع؛ ويسمح لهؤلاء بأن تكون لهم أملاك خاصة، وأن يكونوا على درجات مختلفة في الثراء (داخل حدود معينة) حسب كفاياتهم، على أنه لا يسمح بوجود العبيد. أما من يجتازون هذا الاختبار الأول فيتلقون منهاجاً آخر من التعليم والتدريب يمتد إلى عشرة أعوام أخرى. ثم يختبرون من جديد بعد الأعوام الثلاثين؛ فأما الساقطون فيصبحون جنوداً، لا يسمح لهم بأملاك خاصة ولا يشتغلون بالأعمال التجارية والمالية، بل يعيشون في شيوعية عسكرية. وأما الذين يجتازون الاختبار الثاني فيبدأون في ذلك الوقت (لا قبله) دراسة "الفلسفة الإلهيةمدة خمس سنين. وتشمل الدراسة جميع فروع هذه الفلسفة من رياضيات إلى منطق إلى سياسة وقانون. فإذا أتموا هذه الدراسة النظرية خمسة وثلاثين عاماً، ألقوه في الحياة العملية ليكسبوا قوتهم ويشقوا طريقهم. وبعد خمسين عاماً يصبح الباقون منهم على قيد الحياة الطبقة المهيمنة على المدينة أو حكامها من غير حاجة إلى انتخاب.

ويمنح هؤلاء السلطة كلها، ولكنهم لا تكون لهم أملاك. ولن تكون للمدينة قوانين، بل تعرض كل القضايا والمنازعات على الملوك - الفلاسفة ليفصلوا فيها بحكمتهم التي لم تفسدها السوابق. ولن يكون لهؤلاء الملوك - الفلاسفة ملك ولا مال، ولا أسر، ولا زوجات يختصمون بهن على الدوام، وذلك لكيلا يسيئون استخدام سلطتهم. ويتولى الشعب التصرف في أموال المدينة كما يتولى الجند السلطة العسكرية. وليست الشيوعية عند أفلاطون نوعاً من الديمقراطية، بل هي أرستقراطية، يعجز عن بلوغها عامة الشعب، ولا يتحملها إلا الجنود والفلاسفة. أما الزواج فيجب أن ينظمه الحراس لجميع الطبقات تنظيماً دقيقاً يهدف إلى غرض مقدس هو تحسين النسل. "فيجب أن يجتمع أفضل الجنسين بعضهما ببعض أكثر ما يستطيعون، وأن يجتمع المنحطون من الرجال بالمنحطات من النساء، ثم يربى أبناء الأولين ولا يربى أبناء الآخرين، لأن هذه هي السبيل الوحيدة للاحتفاظ بالشعب في حالة صالحةوعلى الدولة أن تتولى تربية الأطفال جميعهم وتقدم لهم فرصاً للتعليم متكافئة. ويجب ألا تكون الطبقات وراثية، وأن يكون للبنات من الفرص مثل ما للأولاد، وألا تمنع النساء من تولي مناصب الدولة لأنهن نساء. ويعتقد أفلاطون أنه بهذا المزيج من الفردية والشيوعية، وبالعمل على تحسين النسل، ومساواة المرأة بالرجل في الحقوق، يستطيع أن يوجد مجتمعاً يسر الفيلسوف أن يعيش فيه. ويختم بحثه بالعبارة الآتية: "وإلى أن يكون الفلاسفة ملوكاً، أو أن يتشبع ملوك هذا العالم وأمراؤه بروح الفلسفة وقوتها...لن تنجو المدن ولن ينجو الجنس البشري من الشر).


6- المشترع

وظن أنه وجد في دنيسوس الثاني الأمير المطلوب. وكان يشعر كما يشعر فلتير أن الملكية المطلقة تمتاز عن الديمقراطية بأن المصلح في الحالة الأولى لا يحتاج إلى إقناع أكثر من رجل واحدوفي ذلك يقول إنك إذا أردت أن تنشئ دولة صالحة فما "عليك إلى أن تضع على رأسها حاكماً بأمره، شاباً معتدلاً، سريع التعلم، قوي الذاكرة شجاعاً، كريم الطبع...حسن الحظ؛ ويكون حسن حظه في أنه معاصر لمشترع عظيم، وأن الظروف الموفقة تجمع أحدهما إلى الآخرلكن اجتماعه بدنيسوس كان كما سبق القول من أسوأ الظروف.

وكان أفلاطون في آخر سني حياته لا يزال يتوق إلى أن يكون مشترعاً، ولذلك عرض على الناس دولة تلي الدولتين السابقتين في الحسن. وهو يتحدث عن هذه الدولة الثالثة في كتاب القوانين، وهذا أقدم المراجع الأوربية المعروفة في التشريع، وهو إلى هذا دراسة نافعة في عهد الشيخوخة اليوناني الذي أعقب عهد الشباب الإبداعي. وفيه يقول أفلاطون إن الدولة الجديدة ينبغي أن تكون في داخل الأرض، بعيدة عن البحر حتى لا تفسد الآراء الأجنبية إيمانها، والتجارة الأجنبية أمنها، والترف الأجنبي بساطتها وانطواءها على نفسهاويجب أن يقتصر عدد مواطنيها الأحرار على العدد السهل الانقسام وهو 5040 يضاف إليهم أفراد أسرهم. ويختار المواطنون من بينهم 360 حارساً يقسمون إلى جماعات تتألف كل واحدة منها من ثلاثين شخصاً يتولون تصريف أعمال الدولة شهراً واحداَ، ويختار الحراس الثلاثمائة والستون مجلساً ليلياً مؤلفاً من ستة وعشرين عضواً يجتمع في الليل ويشرع لكل شئون المدينة الحيويةويجب على هؤلاء الأعضاء أن يقسموا الأرض بين أسر المواطنين أقساماً متساوية على ألا يسمح لهؤلاء الملاك بتقسيمها بعدئذ ولا بالنزول عنها لغيرهم. وعلى الحراس "أن يتخذوا ما يجب اتخاذه من الاحتياطات حتى لا يضر المطر بالأرض بدل أن ينفعها...وأن يمنعوا المطر عنها بالجسور والخنادق، ويجعلوا قنوات" الري "توصل الكثير من الماء لجميع الأراضي حتى الأراضي الجافةويجب ألا تزيد التجارة عن الحد الأدنى حتى لا ينشأ من هذا عدم المساواة الاقتصادية. ويجب ألا يحتفظ الناس بشيء من الذهب أو الفضة، وألا يتعاملوا بالربا، وألا يُشَجع أي إنسان على أن يعيش باستثمار أمواله، بل يُشَجع على أن يعيش بالاشتغال بزرع الأرض بجد ونشاط. ويجب على كل من يحصل من ريع الأرض على أربعة أمثال قيمته أن يرد الباقي إلى الدولة. وقد قُيد حق التوريث والوصية بأشد القيودوجعل للنساء فرصاً تعليمية وسياسية متكافئة مع الرجالوفرض على الرجال أن يتزوجوا بين الثلاثين والخامسة والثلاثين، وإلا ألزموا بدفع غرامات سنوية باهضة،وعليهم ألا يلدوا أطفالاً إلا في خلال عشر سنين. ومن الواجب تنظيم الشراب وغيره من وسائل اللهو للمحافظة على أخلاق الشعب

وللوصول إلى هذا كله في هدوء وسلام يجب أن تشرف الدولة إشرافاً تاماً على شئون التعليم، والنشر، وغيرها من وسائل تكوين الرأي العام، وأخلاق الأفراد، ويجب أن يكون أكبر موظف في الدولة هو وزير المعارف ويجب أن تحل السلطة محل الحرية في شئون التعليم، وذلك لأن ذكاء الأطفال أقل من أن يجيز لنا أن نتركهم يختطون لنفسهم حياتهم. ويجب ألا تفرض الرقابة على الآداب، والعلوم والفنون، فلا يجوز أن يُعبر عن آراء يرى أعضاء المجلس أنها ضارة بالآداب العامة أو الخلق القويم. وإذ كانت طاعة الوالدين والقوانين لا بد أن تستند إلى قوة أعلى من قوة البشر وتأييدها فإن الدولة هي التي تقرر أي الآلهة تُعبد وكيف تُعبد ومتى تُعبد. وكل من يتردد في الخضوع لهذا الدين الرسمي يسجن، فإن أصر على عدم الخضوع له وجب أن يقتل).

وليست الحياة الطويلة نعمة لصاحبها على الدوام. ولقد كان من الخير لأفلاطون أن يموت قبل أن يوجه هذه التهمة لسقراط، وأن يمهد هذا التمهيد لجميع محاكم التفتيش المستقبلة. ولعل دفاعه عن نفسه هو أنه يحب العدالة أكثر من حبه للحقيقة، وأن هدفه هو أن يمحو الفقر والحرب، وأنه لا يستطيع أن يمحوهما إلا بسيطرة الدولة على الأفراد سيطرة تامة، وأن هذه السيطرة لا تكون إلا بواحدة من اثنتين القوة أو الدين. وكان يظن أن ما أصاب الأثينيين من انحلال أيوني في الأخلاق والسياسة لا علاج له إلا بالقوانين الإسبارطية المشتقة من النظام الدوري. والنزعة السارية في تفكير أفلاطون كله هي خوفه من أن يساء استخدام الحرية، وأن يفهم الناس الفلسفة على أنها الرقيب على شئون الناس والمنظمة للفنون. ويعرض أفلاطون في كتاب القوانين تسليم أثينة المحتضرة التي استوفت حياتها لإسبارطة التي قضت نحبها من أيام ليقورغ. وإذا لم يكن في وسع أشهر فلاسفة أثينة أن يقول أكثر مما قال دفاعاً عن الحرية، فمعنى هذا أن بلاد اليونان كانت على أتم استعداد لأن يتولى أمورها ملك. وإذا ما ألقينا نظرة شاملة على جميع هذه الآراء اعترتنا الدهشة إذ نرى أن أفلاطون قد جاء في هذا الوقت القديم بكل ما جاء به في العصور الوسطى الفلسفة والدين والأنظمة المسيحية، وبالشيء الكثير مما جاءت به الفاشية في العصر الحديث. لقد صارت نظرية الأفكار هي "واقعية" المدرسين - واقعية "العموميات" الموضوعية، ولم يكن أفلاطون مسيحياً قبل وجود المسيحية - على حد قول نتشة -فحسب، بل كان فوق ذلك متزمتاً مسيحياً قبل وجود عصر التزمت المسيحي. فهو يرتاب في الطبيعة البشرية ويراها شراً، ويعتقد أنها هي الخطيئة الأولى التي لوثت النفس. وهو يعمد إلى تلك الوحدة القائمة بين الجسم والروح والتي كانت هي الفكرة الرئيسية في القرنين السادس والخامس، فيقسمها إلى جسم خبيث وروح قديسة وهو يستمد من فيثاغورس والأورفية اعتقاد الشرق في تناسخ الأرواح، والكرما ، والخطيئة والتطهير، و"الانطلاق"؛ ويضرب في كتبه الأخيرة على نغمة أخروية شبيه بنغمة أوغسطين أي نغمة الرجل الذي تاب وأناب وعاد إلى الدين الصحيح، ولولا هذا النثر الذي بلغ غاية الكمال لشك الإنسان في أن أفلاطون من اليونان.

وقد بقي أفلاطون أحب المفكرين اليونان إلى الناس لأنه يتصف بعيوبهم الجذابة المحبوبة. وكان مثل دانتي مرهف الحس إلى حد يستطيع معه أنه يرى الجمال الكامل السرمدي وراء الأشكال الدنيوية غير الكاملة. وكان زاهداً لأنه كان مضطراً في كل لحظة إلى أن يكبح جماح مزاجه القوي العنيفوكان شاعراً يسيطر عليه الخيال ويسير وراء كل فكرة شاذة غريبة، وتستحوذ عليه مآسي الأفكار ومباهجها، يهيجه التحمس الذهني المنبعث من الحياة العقلية الحرة التي كانت تستمتع بها أثينة. ولكن كان من سوء حظه أنه رجل منطق وشاعر معاً، وأنه كان أقوى مجادل في العصر القديم، فقد كان أدق في جدله من زينون الإليائي ومن أرسطو، وأنه كان يشغف بالفلسفة أكثر من شغفه بأية امرأة أو أي رجل، وأنه انتهى في آخر الأمر بمثل ما انتهى إليه البحاث الأكبر في رواية دستيوفسكي، وهو قمع كل تفكير حر، واعتقاده بأن الفلسفة يجب أن يُقضى عليها لكي يعيش الإنسان ولو أن مدينته الفاضلة تحققت فعلاً لكان هو أول ضحاياها.

Dr Usama Shaalan(Papyrus) برديه الدكتوراسامه شعلان