Search - للبحث فى مقالات الموقع

Thursday, March 24, 2011

عمليه زرع الاسنان



يقصد بكلمة غرس وغرسة في طب الأسنان، كل مايتعلق بزرع المواد الصلبة تحت الغشاء المخاطي السنخي، أو تحت السمحاق، أو في العظم، وذلك للمساعدة على تثبيت الصفائح السنية التعويضية في الفم. والفرق الرئيس بين هذه الزروع والزروع في باقي أنحاء الجسم، كزرع صمام القلب، وعنق المفصل، أن التعامل في الزروع الأخيرة يكون مع مادة غرست في جوف مغلق، أما في الغرسة الفكية فإن بروز المهاميز عبر الغشاء المخاطي إلى جوف الفم يؤدي إلى «غرسة مفتوحة» مما يترك صلة واضحة بين جوف الفم وما فيه من جراثيم والجوف الحاوي للغرسة.
أظهرت أبحاث بودين (Bodine  (1956 أن التعويض عن فقد الأسنان بسن أو أسنان مغروسة في الأنسجة الحية، قد عرف قبل الميلاد، كما تحدث رينغلمان (  Ringelmann(1824عن محاولتين لغرس الأسنان، الأولى كانت في الفك العلوي بغرس سن كلب وتثبيتها بأسلاك من الذهب، والثانية بغرس أسنان ذات جذور ذهبية وتثبيتها في مكان قلع السن مباشرة وكان الإخفاق نصيب الحالتين، ويمكن القول إن الغرس الفكي قد أخذ منحاه العلمي منذ نحو خمسة وثلاثين عاماً.
تكون الغرسة مفردة أو متعددة أو شاملة، ويميز في طب الأسنان بين أربعة أنواع من الغرسات: التثبيت بالغرسة عبر السن  transdental fixation والغرسة تحت الغشاء المخاطيsubmucosal implant والغرسة تحت السمحاق subperiosteal implant والغرسة في العظم enossal implant.
الشكل (1) صورة شعاعية لغرسة عبر السن
في النوع الأول تمر الغرسة العصوية الشكل عبر قناة بعد توسيعها، لتتجاوز ذروتها وتنغرز في عظم الفك فتثبت السن إلى العظم إن كانت متحركة (الشكل1).
والنوع الثاني أجراه دال Dahl عام 1943 بغرس قطعة بشكل الزر تحت الغشاء المخاطي لقبة الحنك، واستفاد منها لتثبيت صفيحة علوية كاملة الأسنان، غير أن الآراء قد أجمعت على أن هذه الطريقة قد أخفقت من كل النواحي.
أما النوع الثالث، فأول من جربه مولّر Mueller عام 1937، إذ قام بزرع شبك معدني تحت السمحاق على طول الحافة السنخية للفك السفلي، مع بروز أربعة مهاميز خارج الغشاء المخاطي إلى جوف الفم لتحمل الجسر التعويضي. طوَّر دال الطريقة عام 1943 فصنع الشبكة من الكروم - كوبالت، غير أن عدم التطابق الكامل بين سطح الشبكة وسطح العظم الحامل لها يؤدي إلى خلل التوزع في الضغط، مما دعا الباحثين إلى كشف العظم وأخذ طبعة حقيقية لسطحه، والعودة إليه بعد صنع شبكة مطابقة له، وهذا يعني اللجوء إلى عمليتين لتحقيق الغاية بما في ذلك من رض.
وأخذ النوع الرابع شأنه الكبير في الستينات من القرن العشرين، وكان ستروك  (1939)  Strock أول من قام بغرس لولب في العظم للتعويض عن سن مقلوعة.
في عام 1962 غرس شيرشيف Chercheve لولباً من التيتان titan في العظم، وفي عام 1971 حول هاينريش Heinrich مادة اللولب إلى التانتال tantal في الوقت الذي قام فيه ساندهاوس Sandhaus بتجربة غرسة أكسيد السيراميك ceramic oxide أما سيالومScialom (عام1962) فقد جعل الغرسة ثلاثة جذور متباعدة من التانتال.
من عيوب الغرسات داخل العظم مساحة سطحها المحدودة في تماسها مع العظم وبالتالي نقلها الضغط عند المضغ إلى مساحات محدودة من العظم، علماً بأن ثبات الغرسة يكون أكبر ونجاحها أعظم، كلما كان سطح تماسها مع العظم أوسع، ولذلك قام لينكوف Linkow عام 1966 بصنع شفرات من التيتان أسماها بالغرسة الانبساطية، وقد أضاف إليها هاينريش عام 1976 مخالب جانبية تجعل الغرسة خليطاً من الشكلين الثالث والرابع.
الشكل (2) أشكال من الغرسات (براغٍ وإبر من التنتال وصفيحة من التيتان)

في عام 1976 صنع كوخ Koch الغرسة الأسطوانية، وتمتاز بما يلي:
- تحضير الفتحة العظمية سهل إذ يتم بوساطة سنبلة خاصة مما يحقق تماساً جيداً بين الغرسة والعظم.
- يمكن فصل الجزء البارز خارج العظم عن الغرسة بحركة لولبية مما يحقق لمنطقة الغرسة المغلقة تحت الغشاء المخاطي والسمحاق شفاء جيداً.
- يمتص الغشاء المصنوع من اللدائن والمغطي للمهماز الخارجي شدة الصدمة الواقعة على الغرسة في أثناء المضغ.
لقد كانت المشكلة المشتركة بين كل الغراس أنها أجسام غريبة مزروعة في عظم حي، فإن لم يلفظها الجسم، بقيت في حالة عدم استقرار، واستحال شفاء المنطقة المحيطة بها شفاء صحيحاً، وتبقى الغرسة محاطة بطبقة ليفية تفصلها عن العظم (الشكل 2).

الشكل (3) غرسات من السيراميك (نموذج توبينغن)


وتمّ بعد ذلك صنع غرسات متطورة من الخزف (السيراميك) (أكسيد الألمنيوم Al2O3) ويعد الأكثر مثالية بين الأكاسيد الخزفية ويبدي بالمقارنة بالأكاسيد المعدنية، ولا سيما المواد الخزفية المشابهة في التركيب من حيث الجزيئات، أدق أشكال المسافات الجزيئية، وهذا مايؤدي إلى قوة التصاق عالية، وثبات ميكانيكي جيد. كما تبدو الجزيئات في شبكات الكريستال الخزفية بحالة تشرد وعدم حركة مما يجعلها عالية المقاومة الكهربائية بالمقارنة بالمعادن، وإن امتياز أكسيد الألمنيوم بعدم حمله للشحنات يجعل قابلية احتماله من الأنسجة المحيطة أكبر، وهذه الخاصة دعت لاستعماله منذ أكثر من 25 سنة في مجال الإلكترونيات وتركيب الآلات عازلاً ممتازاً.
من أشهر النماذج المصنوعة من هذه المادة نموذج توبينغن Tubingen إذ تبين بالدراسات  المجراة على الكلاب أولاً، ثم على البشر فيما بعد أن للخزف (السيراميك) المطور بحسب نموذج «توبينغن» من الصفات مايجعل قابلية احتماله من العظم المحيط به عالية، وشوهد دخول العظم الإسفنجي والعظم الأصم في سطح هذه الغرسة (الشكل4) كما شوهد بقاء الأنسجة اللثوية المحيطة بعنق الغرسة في حالة صحية جيدة (الشكل 5).

الشكل (4) صورة بالمجهر الإلكتروني لدخول العظم في الغرسة
الشكل (5) مراحل زرع غرسة السيراميك

من الغرسات الحديثة، غرسة الأسطوانة الغاطسة المغطاة بطبقة التيتان، وكان تصميمها قائماً على الدراسات حول الشكل المجهري للغرسة مع الانتباه للمتطلبات الجراحية والحالة السريرية للمريض، وقد ثبت أن نجاح الغرسة يقوم على الملاءمة الحيوية للمعدن الوسيط من ناحية، وللشكل المجهري لتركيب سطح الغرسة من ناحية ثانية (الشكل 6).
الشكل (6) السطح المطلي بالتيتان
صنفت المواد في مواد ذات فعالية حيوية سلبية biopassive مثل التانتال والتيتان وأكسيد الألمنيوم ومواد ذات فعالية حيوية إيجابية bioactive مثل الزجاج الحيوي bioglass والأباتيت apatite (فوسفات الكلسيوم الطبيعي المشتمل على الفلور والكلور)، واستناداً إلى ذلك قامت دراسات استمرت 6 سنوات على مواد مختلفة للغرس، مثل التيتان والفحم الزجاجي glass coal وأكسيد الألمنيوم والزجاج الحيوي.

استخدم هذا النوع على شكل غرسة أسطوانية من معدن التيتان ذات ثقوب تنتهي في الأعلى بمهماز وهي مفتوحة من الأسفل ومطلية بجزيئات التيتان التي يقذف بها سطح الغرسة، ثم تحمى في حرارة عالية، فتتماسك الجزيئات مشكلة سطحاً خشناً يحمل تجاويف ونواتئ تساعد على الاشتباك بالعظم (الشكل 7).

الشكل (7) الغرسات الأسطوانية المطلية بالتيتان
تستعمل سنبلة خاصة أسطوانية لتفريغ العظم بشكل يناسب الغرسة، ويشترط في هذه الطريقة اتباع الأمور التالية:
أن يفرغ العظم بشكل أسطوانة، ويترك العظم في مركز الأسطوانة سليماً (الشكل 8) وأن ينخفض سطح الغرسة الخارجي عن سطح العظم المغروسة فيه مسافة 5 - 8 مم ولا يجوز بأي حال أن يبرز مهماز الغرسة في منطقةٍ غشاؤها المخاطي متحرك، ويجب أن تكون دائماً في منطقة مغطاة بغشاء مخاطي متقرن.
الشكل (8) طريقة تحضير العظم للغرسة الأسطوانية
تكون الغرسة وحيدة الأسطوانة أو ثنائيتها أو ثلاثيتها، وقد جربت هذه الغرسات مدة عام، ثم أجريت دراسة مجهرية على الفك والعظم المحيط بالغرسة، فتبين وجود التصاق كامل بين العظم والسطح المطلي بجزيئات التيتان، كما تبين وجود تشكلات عظمية في الفجوات الموجودة على محيط الأسطوانة المغروسة (الشكل 9) و(الشكل 10).

الشكل (9) ردة فعل الأنسجة تجاه الغرسات
الشكل (10) شكل الغرسات النهائي

وإذا قدر للغرس أن يبلغ النجاح المطلوب تكون استطباباته في الحالات التالية:
فقدان سن بسبب حادث أو وجود ورم حبيبي granuloma تحت أحد الأسنان مع امتداد رباطي، أو وجود أسنان متموتة اللب مع التهاب الذروة لا ينجح فيها العلاج المحافظ أو العلاج الجراحي، والأسنان ذات الجذور الممتصة، ومكان سن مقلوعة عند صلاح الحالة للغرس، وبعد شفاء مكان القلع، والغرسات الفورية بعد القلع وكحوامل للجسور أو الصفائح.
ومن موانع استطبابه
حالة الفم الصحية السيئة، والأمراض العامة الحادة والمزمنة، والتهاب النسج الداعمة paradontisis، والتهاب النسج الداعمة الحفافية، وفي حالة الضياع المادي الرضي لأكثر من ثلث الصفيحة السنخية الدهليزية.
إن أمام عملية غرس البدائل للأسنان طريقاً وعرة، إذ إنه مع تطور المواد المغروسة وحسن تقبلها من الأنسجة العظمية المحيطة، تبقى مشكلة بروز المهماز من الغرسة من خلال الغشاء المخاطي إلى جوف الفم قائمة، مما يجعل للغرسة وضعاً خاصاً تكون فيه على صلة بجوف الفم وبما يحمله من مجموعات جرثومية مؤذية لا يمكن منعها من اجتياز المنطقة المحيطة بعنق الغرسة إلى العظم. وتدل الإحصاءات العالمية الحديثة لنتائج الغرسات المطوَّرة من مادة التيتان، على وصول نسبة النجاح إلى 85% في خمس سنوات فما فوق من تطبيق الغرسة.
وفي الأسواق اليوم نماذج كثيرة من الزرعات التيتانية التي أصبحت الشكل الوحيد المقبول للتعويض عن فقدان الأسنان، وهناك تقنيات عدة لتثبيتها منها ما يعتمد على الغرس بطورين من الزمن؛ تبقى الزرعة في الطور الأول مطمورة في العظم ويثبت الجزء البارز من اللثة في الطور الثاني، ومنها ما يأخذ شكله النهائي مباشرة في عمل جراحي واحد. وتثبت الإحصاءات نجاح النمط الأول بنسبة أعلى من النمط الآخر.