Search - للبحث فى مقالات الموقع

Tuesday, March 29, 2011

ثورة الثامن من مارس آذار 1963 ضد الانفصالين فى سوريا


أولاً: الأوضاع في سورية قبل الثورة

في الثاني والعشرين من شباط عام 1958 كان الإعلان عن قيام أول وحدة عربية في تاريخ العرب الحديث بين سورية ومصر أخذت اسم الجمهورية العربية المتحدة، تتويجاً لنضال الجماهير الواسعة في القطرين الشقيقين، وثمرة لعلاقات التفاعل والتقارب والتعاون بينهما، ولاسيما بين حزب البعث العربي الاشتراكي والقوى الوحدوية في سورية والرئيس الراحل جمال عبد الناصر قائد ثورة 23 تموز في مصر، وقد رأت الجماهير العربية، وقواها  القومية التقدمية، على امتداد الوطن العربي، في قيامها، تعبيراً عن إرادتها وطموحاتها، وخطوة هامة على طريق الوحدة العربية الشاملة، كما رأت فيها رداً على المخططات والمؤامرات الصهيونية الإمبريالية التي كانت تتعرض لها الأمة العربية. وجاءت السياسة التي انتهجتها دولة الوحدة في قضايا السياسة الخارجية والداخلية لتؤكد بالفعل التزامها نصرة القضايا العربية ومصالح الجماهير الكادحة ولاسيما من خلال ما حققته من مكاسب تقدمية، مما كان محل حقد قوى الصهيونية والاستعمار والرجعية التي كانت مواقفها واضحة في عدائها لقيام الوحدة، والتآمر عليها، والتي كانت مرحبة أيما ترحيب بفك عراها وتنفيذ مؤامرة الانفصال.

فمنذ البلاغات الأولى لتنفيذ هذه المؤامرة في 28 أيلول 1961، كشف الانفصاليون عن حقيقة نواياهم ومخططاتهم، فهاجموا الوحدة مع مصر، وعدوها غير شرعية، وهاجموا التحولات التقدمية التي تحققت في ظلها، ولاسيما إجراءات الإصلاح الزراعي والتأميم، ووصل بهم الأمر إلى الهجوم حتى على فكرة الوحدة العربية، وبالمقابل كان رد الفعل العفوي لدى أوسع جماهير الشعب في القطر العربي السوري، وفي الوطن العربي، هو الاستنكار، والإدانة، لمؤامرة الانفصال والنظام الذي أقامته. وقد أكدت هذه الجماهير بحسها القومي السليم أن هذا النظام هو نظام مشبوه ومعادٍ للأهداف القومية للأمة العربية، كما هو معادٍ لمصالحها الحقيقية. ولهذا وقفت ضده وعارضته وقاومته بقوة وبكل الوسائل المتاحة لديها، ولم تنخدع بشعارات الديمقراطية الزائفة التي رفعها.

أما حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان له الدور الرئيسي في تحقيق الوحدة السورية المصرية وإقامة الجمهورية العربية المتحدة، إلى درجة قبوله بحل نفسه في القطر العربي السوري استجابة منه، لما طلبه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، تسهيلاً لتحقيق الوحدة، فقد وقف في طليعة القوى القومية التقدمية التي قامت بفضح مؤامرة الانفصال، وتوضيح أبعادها والأخطار الناجمة عنها، ولهذا دان مؤامرة الانفصال، وعارض بقوة نظام الانفصال وحكوماته المتعاقبة، وعدّ أن فك عرى الوحدة السورية المصرية، يشكل نكسة قومية كبرى لقضية الوحدة العربية والنضال القومي التحرري والتقدمي، وأن محاولات استغلال الأخطاء والسلبيات التي كانت موجودة في نظام دولة الوحدة، لا تسوغ بأي حال الإقدام على ارتكاب هذه الجريمة المنكرة، جريمة ضرب الوحدة، وفك عراها.

وفي البيانات اللاحقة الصادرة عن هيئات الحزب القومية، تحدد بوضوح موقف الحزب من مؤامرة الانفصال، وأكد أن الانفصال نكسة لقضية الوحدة العربية، وعدّ الحكم الذي قام في القطر العربي السوري حكماً رجعياً انفصالياً، دعا إلى إعادة الوحدة على أساس ديمقراطي، والدفاع عن المنجزات التقدمية التي تحققت في ظل دولة الوحدة، وكذلك أكد أن الوحدة التي تحققت مع مصر كانت حدثاً تاريخياً هاماً بغض النظر عن الأخطاء والسلبيات التي كانت موجودة في النظام.
لؤي الأتاسي 1926 2003 
لؤي الأتاسي (1926 - 2003م) رئيس سوري حكم البلاد ما بين 23 آذار (مارس) 1963 و27 تموز (يوليو) 1963م.


ثانياً: ثورة الثامن من آذار عام 1963 أهم منطلقاتها وأهدافها

كانت الظروف الموضوعية التي يعانيها نظام حكم الانفصال، ناضجة ومهيأة للقيام بالثورة عليه وإسقاطه، وذلك من حيث افتقاره إلى القاعدة الشعبية، ورفضه وإدانته من قبل أوسع الأوساط الشعبية، وعدم قدرته على حل الأزمة المستفحلة التي استمر يعاني منها، ومن ثم تخبطه وعدم قدرته على تحقيق أي شكل من أشكال الاستقرار الذي يحتاج إليه أي نظام  كي يمكنه أن يستمر. وفي المقابل، كانت القوى المعارضة له، ولاسيما القوى المنظّمة، وفي طليعتها حزب البعث العربي الاشتراكي تزداد قوة وفاعلية وتأثيراً. وجاء نجاح  ثورة 8 شباط 1963 في العراق التي قام بها حزب البعث العربي الاشتراكي ليكون في مقدمة العوامل الدافعة، والمساعدة في نجاح ثورة 8 آذار 1963 في القطر العربي السوري، أي بعد شهر واحد من قيام ثورة 8 شباط في العراق.

وكان للبعثيين، ولاسيما تنظيم الحزب داخل القوات المسلحة بقيادة اللجنة الحزبية التي كان أحد أبرز قادتها  الخالد القائد حافظ الأسد، شرف الإقدام على القيام بها، والنهوض بحمل مسؤولياتها. واستقبلت الجماهير الشعبية العربية وقواها القومية التقدمية قيام ثورة آذار ونجاحها في إسقاط نظام الانفصال وعودة سورية إلى أداء دورها القومي التحرري الوحدوي التقدمي، بالتعبير عن فرحتها وترحيبها بها وتأييدها لها في ظل شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية، التي رفعتها مؤكدة التفافها حولها، وعدّت أن الانتصار الذي حققته، إنما هو انتصار لحركة التحرر العربية.

وبنجاح ثورتي 8 شباط 1963 في العراق، و 8 آذار 1963 في سورية وصل الحزب إلى السلطة في قطرين عربيين هامين هما العراق وسورية، وكان ذلك نجاحاً كبيراً لقضايا التحرر العربية عموماً، وقضية الوحدة العربية خاصة. وبرزت مهمة تحقيق وحدة ثلاثية بين سورية والعراق ومصر، بوصفها المهمة المباشرة التي ينبغي العمل من أجلها، وتم إجراء مباحثات على أعلى المستويات بين الأطراف الثلاثة، انتهت بإعلان ما أطلق عليه اسم ميثاق القاهرة الذي صدر في 17 نيسان 1963، وبموجبه أُعلن عن قيام وحدة اتحادية ثلاثية بقيادة جماعية، وذلك في مدة لا تزيد على ستة أشهر. إلا أن انسحاب النظام المصري منها انتهى بها إلى الإخفاق، ولهذا اتجه الحزب لإقامة وحدة اتحادية ثنائية بين سورية والعراق، تكون خطوة على طريق الوحدة العربية، إلا أن سقوط ثورة 8 شباط في العراق في 18 تشرين الثاني عام 1963 أدى أيضاً إلى إخفاق هذه المحاولة.

وهكذا كان على الحزب، أن يتجه إلى توطيد سلطتة في القطر العربي السوري، وتعزيز بنائه ودوره، والشروع في إجراء التحولات اللازمة والمطلوبة، في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على طريق بناء تجربته الخاصة، وإقامة نظام الديمقراطية الشعبية.
لؤي الأتاسي رئيس دولة سورية في الوسط مع جمال عبدالناصر إلى يساره، ورئيس وزرائه صلاح الدين البيطار إلى يمينه في مصر عام 1963


ثالثاً: أهم التحولات والإنجازات على كافة الصعد

1- على صعيد توطيد سلطة الحزب وقيادته للدولة والمجتمع:

تم بقيام ثورة 8 آذار نقل السلطة من يد الطبقات البرجوازية والإقطاعية إلى يد الطبقات والفئات الشعبية الكادحة، بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، ولهذا كان من الطبيعي أن يولي اهتماماً خاصاً لمسألة تقوية بناء الحزب وتعزيز تواجده ودوره ضمن مفاصل الدولة الأساسية، وعلى صعيد المجتمع، كما كان من الطبيعي أن يولي اهتماماً كبيراً بالعمل المنظم على الصعيد الشعبي، فتم إنشاء اتحاد الفلاحين، والاتحاد الوطني لطلبة سورية، والاتحاد العام النسائي، إلى جانب اتحاد نقابات العمال، الذي جرى تعزيز دوره، وظل هذا الموضوع، أي إيجاد الأطر التنظيمية الشعبية، والنقابات المهنية، لقطاعات المجتمع كافة، وتفعيل الأطر القائمة، بنداً ثابتاً وأساسياً ضمن خطط الحزب وعمله.

وبذلك استطاع الحزب وثورته في القطر، أن يمسك بزمام الأمور، وأن يثبت سلطته ويعزز وجوده ودوره، وأن يباشر عملية التحولات التقدمية التي أسست لبداية مرحلة جديدة في حياة سورية المعاصرة.

وترافق ذلك مع اشتداد الهجمة الصهيونية الأمريكية على حركة التحرر العربية، وخصوصاً على سورية ومصر، وبلغت هذه الهجمة ذروتها في العدوان الصهيوني الأمريكي في 5 حزيران 1967، وما نجم عنه من آثار، ولاسيما من احتلال للأرض في الجولان وسيناء والضفة الغربية. وإزاء هذا الوضع الناشئ أكد القائد الخالد حافظ الأسد على استراتيجية حشد الطاقات الوطنية والتقدمية داخلياً وعربياً ودولياً لمواجهة مهام المرحلة الماثلة التي غدت الأولوية فيها لقضية تحرير الأراضي العربية المحتلة واستعادة الحقوق المغتصبة.

وبقيام الحركة التصحيحية المجيدة في 16 تشرين الثاني عام 1970 بقيادة القائد الخالد حافظ الأسد، تم وضع برنامج العمل الذي يستجيب لمهام المرحلة، وخاصة مهمة التحرير وتلبية متطلباتها في تصحيح وتطوير علاقة الحزب والثورة بالجماهير وبالقوى الوطنية والتقدمية في القطر، وتطويرها كذلك مع البلدان العربية باتجاه بناء التضامن العربي والعمل على تحقيق أي خطوات وحدوية ممكنة، وتطويرها كذلك على النطاق الدولي.

وبالاستناد إلى بنود السياسة التي قامت على أساسها الحركة التصحيحية، أمكن بناء علاقات من الثقة والتعاون بين القوى الوطنية التقدمية داخل القطر العربي السوري، وعلى المستوى العربي، وأصبحت سورية ركناً أساسياً من أركان بناء التضامن العربي وتعزيزه على طريق حشد الطاقات، وتوحيد الجهود العربية. وتركزت جهود خاصة من أجل تعزيز الوحدة الوطنية، وإيجاد الأساس السياسي والدستوري والقانوني الذي يقوم عليه نظام الحكم في القطر الذي أمكن معه تحقيق الاستقرار والسير على طريق تحقيق أهداف ثورة آذار، ومواجهة التحديات القائمة، وكان من أهم هذه الإجراءات: إصدار الدستور الدائم الذي أقره الشعب بالاستفتاء الذي جرى في 12/3/1973 والذي كان واحداً من أهم الإنجازات التي تحققت في ظل الحركة التصحيحية، وقد جاء في المادة /8/ منه «حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب، ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية».

وفي هذا الإطار تمت  إقامة الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة الحزب على قاعدة التعددية الحزبية والسياسية، وتم قيام مجلس الشعب ليمارس دوره التشريعي المطلوب، وكذلك إقرار نظام الإدارة المحلية واستكمال إقامة وبناء المنظمات الشعبية والنقابات المهنية، إضافة إلى متابعة التحولات الاقتصادية على أساس الأخذ بتعدد الأنماط الاقتصادية (التعددية الاقتصادية) وبالتالي السير على طريق التطور والتقدم.

وفي ظل الحركة التصحيحية المجيدة، والنهج الذي قامت عليه، شهدت ثورة آذار، فترة هي الأطول والأغنى والأهم، في حياتها، وفي حياة سورية المعاصرة، استمرت فيها في قلب المعركة، معركة بناء سورية الحديثة، في ظل حالة من الاستقرار والوحدة الوطنية الراسخة من جهة، ومعركة مواجهة التحديات الخارجية من جهة أخرى، هذه التحديات التي، حّملت سورية أعباء كبيرة، التزاماً منها بثوابتها الوطنية والقومية، وبالدفاع عن القضايا القومية.

2- على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي:

حققت ثورة آذار تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة وشاملة، مكنت القطر العربي السوري من السير على طريق التنمية والتقدم وكان من أهمها:

آ) في المجال الزراعي: صدرت عدة تشريعات حول الإصلاح الزراعي، والعلاقات الزراعية، تناولت موضوع الملكية الزراعية، وحقوق الفلاحين، وقد أدت جملة الإجراءات التي اتخذت إلى إحداث تبدلات عميقة في الريف، وضرب مواقع الإقطاع، وتحقيق مكاسب مهمة للفلاحين. واستمر الاهتمام بالمسألة الزراعية بوصفها ذات أولوية اقتصادية واجتماعية. وقد أمكن تحقيق تطور كبير في المجال الزراعي، ولاسيما في أعقاب الحركة التصحيحية المجيدة، من حيث إقامة السدود في جميع أرجاء القطر، وأهمها سد الفرات واستصلاح الأراضي والتوسع في الزراعة، وتحديثها والعناية بالثروة الحيوانية، وهو ما مكن سورية من تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي وتوفير إنتاج وافر وفائض للتصدير، ويمكن القول إن الاقتصاد الزراعي في القطر وصل إلى مرحلة متقدمة من التطور.

ب) في المجال الصناعي: جرت تأميمات واسعة شملت عشرات المؤسسات الصناعية، أدت إلى بداية تكوين قطاع عام كبير في المجال الصناعي، وتم لاحقاً التوسع فيه ونموه نتيجة توظيف أموال حكومية ضخمة، وإقامة الكثير من المشروعات في قطاعات النفط والكهرباء والسكك الحديدية والمواصلات والمرافئ والمطارات والأسمدة والسكر وغيرها، مما تحقق بعد قيام الحركة التصحيحية في مجال صناعة الدواء والغذاء والمنسوجات والإسمنت، وفي مجال تحسين البنية التحتية للاقتصاد والخدمات، وقطاع السياحة، كل ذلك أدى إلى تكوين قطاع عام وكبير يقوم بدور قيادي مهم.

د) وفي المجال التجاري والمالي: جرى تأميم المصارف الخاصة، وإحداث مصارف تابعة للدولة، كما جرى زيادة دور الدولة في التجارتين الداخلية والخارجية، ولاسيما في مجال عدد من السلع ذات الطابع الاستراتيجي (القطن والحبوب) وكان الهدف الأساسي من ذلك هو حماية الاقتصاد الوطني، إضافة إلى حماية المستهلكين.

ج) وبالتوازي مع هذه التطورات اتخذت إجراءات مهمة في مجال إعداد الكوادر اللازمة، سواء عن طريق الإيفاد الخارجي، أو عن طريق الدراسة والاختصاص في جامعات ومعاهد القطر، ونما بالتالي عدد الملاكات والأطر الخبيرة في المجالات الاقتصادية والإدارية والفنية، كما جرى تطوير هام في مجال التربية والتعليم والثقافة والإعلام، وفي مجال نشر الفكر القومي الاشتراكي.

هـ) وبالارتباط بما تحقق من تحولات اقتصادية في مجال الزراعة والصناعة والتعليم وغيرها، حدثت تغيرات عميقة وواسعة في بنية المجتمع السوري، إذ ازدادت أعداد الطبقة العاملة، ولم يعد يوجد إقطاع بالشكل المعروف، كما ازدادت أعداد الفنيين والمثقفين، وذوي المهن العلمية، وازدادت مشاركتهم ودورهم، كما تعزز دور المرأة.

و) اهتمت الدولة كذلك بالتخطيط الاقتصادي، ووضع الخطط الخمسية، لما للتخطيط الاقتصادي من أهمية بالغة في عملية التنمية، ولاسيما في مجال تحديد مجالات الاستثمار وتوزيع الاستثمارات في مختلف القطاعات الاقتصادية .

رابعاً: مكانة ثورة آذار في حركة التحرر العربية، وأهميتها القومية

يعدّ حزب البعث العربي الاشتراكي، نشأة وتاريخاً ونضالاً أحد أهم فصائل حركة التحرر العربية، ومن ثم فإن ثورته في سورية، هي جزء لا يتجزأ من حركة التحرر العربية التي تتألف من مجموع قوى التحرر العربية أحزاباً وطنية وتقدمية وحركات شعبية تناضل في جميع الأقطار العربية، من أجل أهداف التحرر الوطني والقومي والوحدة العربية، ومن أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

وعلى هذا الأساس، فإن ثورة آذار عام 1963، إنما هي إنجاز وانتصار ليس للحزب وحده، وإنما لحركة التحرر العربية. وبالاستناد إلى النهج الوطني والقومي التحرري والوحدوي والتقدمي الذي واصلته، كوّنت ركيزة أساسية من ركائز حركة التحرر العربية، بل إنها تعدّ الركيزة الأساسية التي لا تزال تحتضن المشروع القومي، وتسعى مع القوى القومية والتقدمية الأخرى إلى النهوض به، كما تسعى لحماية الحقوق والمصالح العربية.

وكما هو معروف فإن الطابع الأبرز الذي ظل على الدوام، ولا يزال يميز سياسة ومواقف ثورة آذار هو طابع العداء الشديد للصهيونية والاستعمار والإمبريالية ومخططاتها العدوانية التي تستهدف الأمة العربية وحركتها التحررية وقضاياها الوطنية والقومية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وقضية تحرير الأراضي المحتلة، كما تستهدف بالأساس قضية الوحدة العربية.

وقد أكدت ثورة آذار دوماً أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، وفي الوقت نفسه عدّتها قضيتها الوطنية، مثلما هي قضيتها القومية، كما وقفت دائماً، ولا تزال موقفاً مبدئياً وثابتاً إلى جانب النضال الباسل والعادل الذي يواصله الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، هذه المقاومة التي كانت ثورة آذار حريصة على احتضانها ودعمها منذ انطلاقتها الأولى في الأول من كانون الثاني عام 1965، وكانت ولا تزال وستبقى تقف إلى جانبها وتساندها وتمدها بكل أشكال الدعم، وهي تواصل كفاحها المجيد في سبيل إحقاق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وحقه في العودة.

وانطلاقاً من أن ثورة آذار قضية تحرير الأراضي العربية المحتلة، واستعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية المغتصبة، هي الأولوية، وهي الهدف المرحلي الذي تتركز من أجله الجهود وتحشد الطاقات، احتل موضوع الإعداد للمعركة، وما يتطلبه من إعداد للقوات المسلحة، وتعزيز بناء الجبهة الداخلية، والتنسيق مع مصر، ومع الأقطار العربية المعنية، وبناء التضامن العربي، وكذلك تعزيز جبهة الأصدقاء، احتل مركز الاهتمام في خطط وجهود الحركة التصحيحية، وشكل ذلك الأساس والأرضية المناسبة التي تم على أساسها خوض حرب تشرين التحريرية في 6 تشرين الأول عام 1973، وتحقيق نتائج إيجابية كانت بالغة الأهمية والأثر، وكان في مقدمتها، إنهاء أســطورة التفوق الإسرائيلية، وإلحاق أفدح الخسائر «بإسرائيل» وتأكيد بسالة الجندي العربي القادر على استيعاب أحدث الأسلحة وتعزيز الإرادة والثقة لديه، وكذلك تأكيد أهمية وجدوى التضامن العربي وحشد الطاقات العربية في خدمة قضايا العرب القومية، وخصوصاً قضية الصراع العربي الصهيوني من أجل قضية التحرير واستعادة الحقوق.

إلا أن ما جرى من تطورات لاحقة، ولاسيما ما اتخذه النظام المصري من مواقف، وانتهجه من سياسات انفرادية تمخضت عن حلول ثنائية ومنفردة، لم تكن تتفق مع أهداف حرب تشرين ولامع نتائجها، بل كانت شديدة الضرر وبالغة الخطورة على التضامن العربي، والعمل العربي المشترك والأمن القومي العربي، وعلى قضية الصراع العربي الصهيوني، حيث نقلت مصر إلى موقع الصلح من «إسرائيل» وبذلك أصبحت سورية تتحمل معظم أعباء المعركة التي ظلت قائمة ومستمرة مع العدو الصهيوني، طالما أن احتلاله مستمر.

وكان قدر سورية أن تختار طريق الصمود، وأن تواجه المزيد من التحديات والمزيد من الضغوط والتهديدات، وكان تفجير الحرب الأهلية في لبنان، ومن ثم ما قامت به «إسرائيل» من اعتداءات، ولاسيما عدوانها الإجرامي على لبنان واحتلالها لأجزاء واسعة من أرضه، وصولاً إلى فرض اتفاق الإذعان عليه في 17 أيار 1983، ذروة في العدوانية الإسرائيلية، وذروة أيضاً في مخططات الهيمنة الأمريكية. ولم يكن أمام سورية وثورة آذار من خيار غير خيار الصمود والوقوف بكل قوة وتصميم إلى جانب لبنان، ونصرته من أجل إحباط المخططات المعادية. ولا ريب أن هذا الموقف القومي الثابت والمضحي الذي وقفته سورية إلى جانب لبنان يؤكد بوضوح على أهمية الدور القومي الذي نهضت به سورية في حماية وحدة لبنان أرضاً وشعباً، وإحباط مخططات تقسيمه وإسقاط اتفاق الإذعان الذي أريد فرضه عليه، وكذلك دورها فيما بعد في تحقيق السلم في ربوعه، ودعمها الذي استمر للمقاومة اللبنانية الباسلة، وصولاً إلى إرغام الاحتلال الصهيوني على الانسحاب من جنوبه ماعدا الجزء اليسير في مزارع شبعا.

وفي إطار عملية السلام استمرت سورية تدعو إلى التنسيق والتعاون والتضامن بين الأطراف العربية المعنية مباشرة والعرب جميعاً، من أجل تعزيز التضامن العربي وتفعيله، إلا أن انجرار الطرف الفلسطيني، ومن ثم الطرف الأردني، إلى حلول منفردة ومنقوصة، حال دون ذلك، وكانت النتائج كما هو معروف مخيبة للآمال، وانطوت على تفريط، وتقديم تنازلات، ولاسيما في  عدّ الأراضي المحتلة، أرضاَ متنازعاً عليها وقابله للتفاوض. ومع ذلك استمرت سورية في تمسكها بالحل العادل والشامل، وطريق السلام الحقيقي الذي  هو طريق الحل الشامل الذي يضمن تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة، بما فيها كامل الجنوب اللبناني والعودة إلى خط الرابع من حزيران عام 1967 وإحقاق الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

كما وقفت ثورة آذار تؤيد كل نضال عربي تحرري، وتقدمي، وتقدم له كل ما يمكن من دعم ومساندة، ومن الأمثلة على ذلك، وقوفها إلى جانب الثورة اليمنية، ومساندتها، وتمكينها من الانتصار على أعدائها، وكذلك تأييدها، ودعمها لوحدة شطري اليمن، ووقوفها مع الوحدة اليمنية، وضد الانفصاليين.

ومنذ البدء انطلقت سورية في سعيها من أجل السلام الحقيقي العادل والشامل بوصفه قضية قومية، ومن أن معركة السلام هي معركة قومية، وأن طريق تضامن العرب الحقيقي ووحدة موقفهم وتمسكهم بحقوقهم هو الطريق إلى السلام المنشود الذي تتحرر معه الأرض العربية وتسترد الحقوق. ولهذا كانت دعوتها لتشكيل وفد عربي مشترك يمثل الأطراف العربية المعنية مباشرة، كما يمثل العرب جميعاً، واستمرت تدعو وتؤكد على السلام العادل والشامل  ودور التضامن العربي والموقف العربي  الموحد في تحقيقه، والوصول إليه.

وإزاء الموقف من الحالة العراقية ، كانت سورية في طليعة الدول العربية التي وقفت بقوة ضد مخططات السياسة الأمريكية والصهيونية الرامية إلى شن الحرب عليه بذريعة امتلاكه أسلحة تدمير شامل، بينما الهدف الحقيقي، هو وضع اليد عليه، والتحكم بمقدراته، ولاسيما الثروة النفطية، وتدمير ما يمتلك من طاقات، وقدرات مادية، وبشرية، وعلمية، ليكون ذلك المدخل لإعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية والصهيونية، بما في ذلك مخططات تصفية القضية الفلسطينية وفرض الحل الأمريكي الإسرائيلي لها، والضرب عرض الحائط بالحقوق والمصالح العربية المشروعة.

واستمرت سورية، على الرغم من ضخامة التحديات، تؤكد على دورها القومي من موقع الدفاع عن الحقوق والمصالح العليا للأمة العربية، واستمرت تؤكد حضورها ودورها الفاعل على الصعيدين، العربي، والدولي ـ هذا الحضور وهذا الدور الذي لاشك أن الفضل فيه إنما يعود إلى القيادة التاريخية للرئيس المناضل القائد الخالد حافظ الأسد، كما يعود إلى الإرث العظيم والتقاليد الوطنية والقومية الراسخة في حياة شعب سورية العظيم، هذا الإرث الذي، كان لحزب البعث العربي الاشتراكي، شرف استلهامه، والبناء عليه، ومواصلة التمسك به، مما جعل سورية في عهد التصحيح المجيد تحتل مكانة بارزة ومهمة لدى الأمة العربية، ومما مكنها أن تؤدي دوراً رائداً في نضال الأمة العربية، هذا الحضور وهذا الدور الذي، لاشك أنه يتعزز ويتواصل عبر التمسك بالثوابت الوطنية والقومية، وسياسة التطوير والتجديد التي يقودها  الأمين القطري للحزب رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد على قاعدة استمرارية ما أكدت التجربة والحياة صحته وسلامته واستجابته لحاجات التطوير والتحديث، والتخلي عن كل ما هو معرقل ومسيء ويقف عائقاً في طريق التطوير والتحديث.