الإغماء أو الغشي syncope عرض شائع يفقد فيه الشخص وعيه لمدة قصيرة يتهاوى فيها إلى الأرض، وما إن يتمدد مستلقياً حتى يصحو. ويصاب بالإغماء نحو 25% من البالغين الأصحاء، ويجب أن يفرق الإغماء عن اضطرابات الوعي العابرة الأخرى كالصرع epilepsy والسكتات العابرة والدوار vertigo.
الآلية الإمراضية
ينتج الإغماء من نقص مفاجئ في دوران الدم الدماغي. وعلى عكس الاعتقاد الشعبي، قلما ينجم الإغماء عن مرض قلبي، وإنما ينتج غالباً من توسع الأوعية المحيطية الانعكاسي (الوهط الوعائي) الذي يؤدي إلى تجمع الدم في عضلات الطرفين السفليين والجذع، فيقل بذلك العود الوريدي وينقص نتاج القلب ويهبط الضغط الشرياني، فينقص وصول الدم إلى الدماغويحدث الإغماء. وهذا إضافة إلى عوامل أخرى انعكاسية عصبية تؤدي إثارتها إلى توقف عابر في القلب ستذكر في سياق البحث.
إغماء الوَهَط الوعائي الانعكاسي بتنبه العصب المبهم: وهو الإغماء الشائع الذي يعانيه الأشخاص الأسوياء كلما تعرضوا لاستثارة انفعالية مفاجئة كالخوف والألم والقلق والخمود والتقزز. ومن أسبابه الغالبة مشاهدة حادث عنيف أو منظر مخيف، كرؤية الدم النازف من جرح أو من إبرة وريدية، أو مشهد مقزز، أو سماع خبر مرعب ومؤثر. ويؤهب لهذا الإغماء الجو الحار المغلق والجوع والوقوف المديد.
يحدث إغماء الوهط collapse الدوراني دوماً والشخص واقف أو جالس ولا يحدث أبداً والشخص مستلق، ويشعر قبيل الإغماء بأنه «ليس على ما يرام» وأنه مصاب بالدوار تميد به الأرض وتهتز حوله الأشياء وتتراقص أمام عينيه بقع وسمادير (ذبابات طائرة). ويشحب وجهه ويغشى بصره ويشعر بطنين في أذنيه كما يشعر بالغثيان، ويغطي جسده عرق بارد، وترتخي عضلاته ويتداعى إلى الأرض ببطء يسمح له باتقاء الأذى عند سقوطه على عكس النوبَة الصرعية، ويفقد الوعي لثوان أو دقائق وأحياناً أكثر. وإذا طال الإغماء ظهرت بعض النفضات العضلية في الوجه والأطراف، ولكن المصرتين sphincters لا تنفلتان.
يكون النبض في أثناء هجمة الإغماء ضعيفاً أو معدوماً وضغط الدم منخفضاً والتنفس بطيئاً وخافتاً، ويبدو الشخص بشحوبه ولونه الترابي واتساع حدقتيه ونقص وظائفه الحياتية كالميت. ولكنه حالما يستلقي أفقياً على الأرض تزول مقاومة الجاذبية للدوران الصاعد إلى الرأس فيندفع الدم إلى الدماغ فيقوى النبض ويرتفع الضغط ويرتد لون الوجه ويصبح التنفس أسرع وأعمق ويعود الوعي سريعاً ويبدأ المريض بإدراك ما يجري حوله ولكنه يبقى ضعيفاً رخو العضلات لمدة قصيرة إذا حاول في أثنائها النهوض عاوده الإغماء.
إن إنذار هجمة اشتداد العصب المبهم سليم. ويكفي لمعالجتها استلقاء الشخص مستوياً على الأرض ورفع ساقيه على وسادة، والتنبيه السطحي برش وجهه ورأسه بالماء البارد، وإنشاقه روح الأمونيوم أو غيره من العطور النفاذة. وعلى الشخص الذي لديه استعداد للإغماء تحاشي المناظر المخيفة، وتجنب الجوع والأماكن الحارة المغلقة الفاسدة الهواء.
إغماء هبوط التوتر القيامي أو إغماء الوضعة: يصيب هذا النوع من الإغماء المصابين بقصور مزمن في المنعكسات الوعائية الحركية. ولا تختلف نوبة الإغماء فيه عن إغماء الوهط الوعائي إلا بحدوثها في النهوض السريع من وضعية الاستلقاء إلى وضعية القيام. ويحدث في قصور الجملة العصبية المستقلة s.n.autonomicum المزمن، وفي اعتلال أعصاب الجملة المستقلة المرافق لاعتلال الأعصاب، ولاسيما السكري منها. كما يحدث بعد قطع الودي sympathic الواسع وفي المعالجة بمحصرات blocking الودي أو شالاّت العقد أو المركِّناتsedatives أو مضادات الخمود. ويحدث أيضاً في الناقهين من مرض مضن طويل مقعد ولاسيما في المسنين منهم.
وتكون المعالجة في هذا النوع من الإغماء بأن يوصى الشخص بألا ينهض فجأة من وضعية الاستلقاء، وأن يحرك ساقيه قليلاً قبل النهوض ثم يجلس قليلاً على حافة السرير، فإذا لم يشعر بخفة الرأس أو بدوار يمكنه عندئذ أن يقف ويمشي. ويفيد فيه المشد والجوارب المطاطية كما يمكن أن يستفيد من المركبات الافدرينية والقشرية إذا لم يكن هنالك موانع.
إغماء التبول: ويصاب به المسنون عندما ينهضون ليلاً للتبول، والذين يتبولون وهم وقوف. وهو نوع من أنواع إغماء الوضعة. وقد يكون لمنعكسات التقبض الوعائي الآتية منالمثانة دور فيه. ويكون فقد الوعي فيه قصيراً ولا يتلوه تخليط confusion أو ضعف عضلي. ويحدث هذا الإغماء أحياناً عقب قثطرة المثانة واستخراج كمية كبيرة من البول في انحباسات البول.
إغماء السعال: ويحدث في نوبات السعال القوي الفجائي عند المصابين بأمراض رئوية أو قصبية مزمنة. ويصيب الرجال ويندر في النساء ويحدث في الأطفال المصابين بالشاهوقpertussis. كما يحدث عقب نوبات البكاء الشديد عند الأطفال فيصابون بإغماء قصير الأمد، وقد يزْرقّ فيه الطفل ويغيب حتى ليظن أنه مصاب بالصرع، ويحدث إغماء يشبه إغماء السعال بعد الضحك الشديد عند بعض الأشخاص. تنجم كل هذه الأنواع من الإغماء عن ارتفاع الضغط داخل الصدر وتأخر العود الوريدي.
إغماء الجيب السباتي: ويحدث أحياناً بلمس منطقة الجيب السباتي carotide أو تمسيدها. كما قد يحدث حين دوران الرأس للجانب أو بضغط ياقة القميص الصلبة الضيقة. يؤدي لمس الجيب السباتي إلى بطء انعكاسي في القلب وهبوط في الضغط الشرياني وإلى إغماء لا تسبقه بوادر كالشحوب والتعرق والغثيان.
إغماء توقف القلب الانعكاسي: يحدث هذا النوع من الإغماء من دون مرض ظاهر في القلب، وإنما يحدث بامتلاء رتج مريئي بالطعام أو بنفخ بالون في المري مما يؤدي إلى تنبه العصب المبهم فيسبب إحصاراً أذينياً بطينياً. ويحدث ذلك أيضاً بالشد على العفج أو الجنب أو القصبات، ولذا يمكن أن يحدث في أثناء بزل الجنب أو تنظير القصبات أو ألم العصب البلعومي اللساني.
الإغماء من منشأ قلبي: وينشأ عن نقص فجائي في نتاج output القلب ويحدث بصورة خاصة في اللانظميات كتسرع القلب فوق 150 في الدقيقة وبطئه دون 40ـ 35 ضربة في الدقيقة مما يخل بدوران الدماغ ووظائفه (متلازمة ستوكس ـ أدامس).
ويعدّ الإحصار الأذيني ـ البطيني التام أكثر اللانظميات إحداثاً للإغماء. ويتصف بضعف عضلي يعقبه فقد وعي فجائي. ويحدث في أي وقت من الليل أو النهار سواء كان المريض جالساً أو مستلقياً. ويعالج عرضياً بالأتروبين ولكن العلاج الأساسي فيه وضع ناظمة للقلب pacemaker.
يحدث الإغماء القلبي أيضاً في احتشاء العضلة القلبية الواسع الحاد ولاسيما المترافق بصدمة. وقد يشارك في إحداثه الخوف والألم واللانظمية.
ويهيّىء تضيق الأبهر للغشي الجهدي بإنقاصه نتاج القلب ويحدث حين المشي أو الجهد، وعلاجه تحاشي الجهد والمعالجة الجراحية.
الإغماء الهُرَاعي (الهستريائي): وهو كثير المصادفة ويصيب الشابات المصابات باضطرابات انفعالية خاصة، ولا يحدث إلا بوجود متفرجين تسقط فيه المريضة برشاقة وعلى نحو درامي، كما كان يشاهد في مخادع النساء في العصر السابق، أو الإغماء المشاهد اليوم على نحو جماعي عند مشاهدة نجوم السينما أو التلفزيون المحببين عندهنّ. لا يتغير في الإغماء الهراعي لون المريضة ولا نبضها ولا ضغطها. ويدوم هذا الإغماء دقائق وأحياناً ساعة أو أكثر.