Search - للبحث فى مقالات الموقع

Tuesday, February 15, 2011

الإبادة الجماعية génocide




الإبادة الجماعية
    يقصد بالإبادة الجماعية génocide قتل عرق بشري. بيد أن هذا التعبير غير دقيق، إذ لاعروق صافية في الأرض. ولم يحدث أن قضي على عرق ما قضاءً تاماً. والأفضل أن يقال: إن الإبادة الجماعية، هي قتل جماعة ما، لها بعض الخصائص المميزة، كاللون أو شكل الرأس، أو الانتساب إلى دين ما، أو الأخذ بفكرة سياسية ما، أو بإنكار العقيدة السائدة في المجتمع. وهذا النوع من الإبادة قديم قدم التاريخ، ولو اختلفت تقنياته باختلاف تطور المجتمع.
    فعلى سبيل المثال قتل تيمورلنك عام 789هـ/1387م سبعين ألفاً من سكان أصفهان، وصنع من رؤوسهم أبراجاً. وفي عام 795هـ/1393م استولى على الرها وتكريت وأقام في كل منهما هرماً من الرؤوس. وفي عام 800هـ/1398م استولى على دهلي وقتل ثمانين ألفاً من أهلها. وفي عام 804هـ/1401م باغت بغداد، وقتل ما بين خمسة وعشرين ألفاً، وأربعين ألفاً من سكانها.
    أما في العصور الحديثة، فقد قام نابليون بقتل ما بين ألفين وثلاثة آلاف من أسراه العرب، عندما أخفق أمام الجزار في عكا عام 1799م، وقتل الصهاينة السكان العرب في قرى عديدة من فلسطين، من بينها دير ياسين، وقبية، وكفر قاسم. وقتل الفرنسيون آلاف الجزائريين، وقتل الأمريكيون عدداً كبيراً من سكان مدينتي هيروشيما ونازغازاكي، بإلقاء قنبلة ذرية على كل منهما في آب 1945م (ثمانين ألفا ًفي الأولى، وأربعين ألفاً في الثانية، عدا من أصيب منهم بالإشعاعات وهم كثر).
    ومن الخطأ قصر الإبادة الجماعية على المذابح المنظورة، ذلك أن من المذابح ما هو غير منظور، كملايين الأطفال الآسيويين والإفريقيين الذين يموتون من الجوع، في الحين الذي تستطيع فيه الدول المتقدمة مساعدتهم على البقاء.

    التفسير النفسي والاجتماعي للإبادة الجماعية:
    تقع الإبادة أكثر ما تقع في أثناء الحروب، وفي أغلب الأحيان يكون المسؤولون عنها من كبار القادة العسكريين والسياسيين، فكأن حالة الحرب تقلب سلم القيم، وتجعل الحرام حلالاً. وهذا أمر يدخل في مفهوم الحرب منذ أقدم العصور.
    وقد تقع الإبادة أيضاً في أثناء الأزمات الاقتصادية. ذلك أن هذه الأزمات تورِّث عداء الأكثرية الفقيرة للأقلية الغنية، وعندما تكون هذه الأقلية من دين آخر، أو مذهب آخر، أو من شعب آخر، فإن ذلك يسهل العدوان الذي يؤدي إلى الإبادة الجماعية.
    وكثيراً ما تقع الإبادة في أثناء تخبط الدول في أزمات سياسية، خارجية أو داخلية، وعندئذٍ قد يكون التحريض على العدوان بمنزلة إلهاء للناس عن الضيق الذي يشعرون به، ويلاحظ أن الفرنسيين الذين غُلبوا في الحرب العالمية الثانية، وجدوا متنفساً لهم، في قتل عدد كبير من الجزائريين في قسنطينة، على الرغم من مشاركة الجزائريين للفرنسيين في مختلف المعارك التي خاضتها فرنسة أثناء الحرب. وكان ماركس قد أشار إلى أن العامل الذي يُذله رب العمل، ينتقم لنفسه، بإذلال امرأته وأولاده.
    وتحدث الإبادة الجماعية كذلك عندما يكون الحكم استبدادياً. وإذا كانت فئات من الشعوب قد تعرضت في مراحل التاريخ لإبادات جماعية، فإن ما حدث لها من مذابح قد كان على كل حال، في البلاد ذات الحكم الاستبدادي، أكثر بكثير مما كان في البلاد ذات الحكم الديمقراطي أو القريبة منه.
    وبطبيعة الحال، فإن في كل شعب أفكاراً مسبقة خاصة تجاه الشعوب الأخرى، وكذلك تجاه الأقليات العرقية أو الدينية التي تعيش في كنفه. فإذا كانت عواطفه سلبية تجاه بعض هذه الأقليات فإن عدوانه، عندما يوجد ما يدعو إلى العدوان، سيتجه بالضرورة إلى الأقلية المثقلة لديه بكراهيته وبغضائه.

   القانون الدولي والإبادة الجماعية:
    بقي قانون الغاب مسيطراً، منذ وجدت الخليقة، بين شعوب الأرض، وإلى حد أقل بكثير، بين الأفراد المنتسبين إلى شعب واحد.
    ومع تنامي الأخلاق، وظهور الأديان السماوية، والارتقاء إلى مستويات ثقافية وعقلية أكبر فأكبر، أخذ قانون الغاب ينحسر شيئاً فشيئاً عن العلاقات الإنسانية داخل المجتمع الواحد خاصة، وإلى حد ما، بين المجتمعات، وأخذت الحروب تخضع، هي أيضاً، لقواعد دولية، تلطف بعض الشيء من مآسيها. ولكن الإبادة الجماعية ظلت عملاً طبيعياً في نظر المتحاربين ومقبولاً أخلاقياً، في أثناء الحرب.
    ولم يوضع أي نظام لضبط هذه الإبادة وتحريمها إلا غداة الحرب العالمية الثانية. ففي 8 آب 1945 اتفقت الدول المنتصرة على إنشاء محكمة نورمبرغ لمعاقبة القادة النازيين على جرائم من ثلاثة أنواع: جرائم على السلم، وجرائم الحرب، وجرائم على الإنسانية، كما لو أن تلك الدول ليست مثقلة تاريخياً، بمثل هذه الجرائم.
    وبطبيعة الحال، فقد تولى هذه المحكمة قضاة منحازون سلفاً للمنتصرين، وأعدم الكثيرون ممن عدوا مسؤولين عن هذه الجرائم. وظل الهاربون منهم يلاحقون باستمرار، ويحرمون من التمتع بحماية الدول التي يلتجئون إليها، ومن الإفادة من حق التقادم الذي لم تذكره الاتفاقية التي نصت على منع جرائم الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والتي أقرتها الهيئة العامة للأمم المتحدة في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/12/1948، والتي أصبحت نافذة بتاريخ 12/1/1951. وقد استنتجت محكمة العدل الدولية، في رأيها الاستشاري المؤرخ في 28 أيار 1951، حول التحفظات على اتفاقية 1948، أن المبادئ التي هي في أساس الاتفاقية ملزمة لجميع الدول.
    وفي 26 تشرين الثاني سنة 1968 تبنت الهيئة العامة للأمم المتحدة اتفاقية «عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية» التي أصبحت نافذة بتاريخ 11/11/1970 وقد نصت المادة الأولى منها على عدم قابلية «التقادم» في هذه الجرائم، ومن ضمنها الإبادة الجماعية.
    وقد طرحت اتفاقية 1948 على التصويت في هيئة الأمم المتحدة في 1/1/1970 فلم توافق عليها إلا 74 دولة من أصل 140 دولة وكيان دولي ولم يكن بين الدول الموافقة لا الولايات المتحدة ولا المملكة المتحدة ولا الصين الشعبية على وزنها الكبير في الحياة الدولية.
    ويعد إعلان حقوق الإنسان في 10/12/1948 دعماً للتشريع المتعلق بالإبادة الجماعية، لكن هذا الإعلان قلما يطبق في غير الأمم المتقدمة التي اتفقت على صياغته.
    وهكذا، فإنه على الرغم مما بذل من جهود لحمل الأمم المتحدة على قبول الاتفاقية المتعلقة بالإبادة الجماعية، وعلى الرغم من إسقاط حق التقادم عن المتهمين بها، وتجويز تسليمهم لطالبيهم في المؤسسات القضائية، فإنه لم يوجد حتى اليوم أي تشريع دولي لإقامة محكمة جنائية دولية [ر] لهذه الجريمة، كما لايوجد لها محاكم وطنية، ومازال الاعتراف بحق المخالفة في الرأي، في القضايا السياسية بعيداً عن دول العالم الثالث، وبالتالي فإنه كثيراً ما تقع إبادات جماعية للمعارضين، في هذه الدول، ويظل الخوف من وقوعها قائماً.


التاريخ

مصطلح الإبادة الجماعية ، الذي لم يكن موجودًا قبل عام 1944 ، هو مصطلح ذو مدلول خاص جدًا ، حيث يشير إلى جرائم القتل الجماعي المرتكبة بحق مجموعات من الأشخاص. و حقوق الإنسان ، كما هو مبين في إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948 ، هو مفهوم يتعلق بحقوق الأفراد. 

وفي عام 1944 ، سعى محام يهودي بولندي يدعى رافائيل ليمكين (1900-1959) إلى وضع وصف للسياسات النازية للقتل المنظم ، بما في ذلك إبادة الشعب اليهودي الأوروبي. وقام بتشكيل مصطلح "الإبادة الجماعية"(genocide) عن طريق الجمع بين كلمة "جماعي" (-geno) اليونانية والتي تعني سلالة أو قبيلة ، مع كلمة "الإبادة"(cide-) اللاتنية التي تعني القتل. وحينما كان يقوم بصياغة هذا المصطلح الجديد ، كان ليمكين يضع في اعتباره مفهوم "وضع خطة منظمة تتألف من إجراءات مختلفة تهدف إلى تدمير الأساسيات الضرورية لحياة مجموعات قومية، بالإضافة إلى إبادة المجموعات نفسها." وفي العام التالي، وجهت المحكمة العسكرية الدولية في مدينة نورمبرخ بألمانيا الاتهامات إلى كبار القادة النازيين بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية." وقد اشتملت الاتهامات على كلمة "الإبادة الجماعية"، ولكن ككلمة وصفية ، وليست باعتبارها مصطلحًا قانونيًا. [1]

إتفاقية الأمم المتحدة


ونظرًا للجهود المتواصلة التي قام بها ليمكين بنفسه في أعقاب الهولوكوست وعلى نطاق واسع، أقرت الأمم المتحدة اتفاقية تقضي بمنع جرائم الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها في 9 ديسمبر 1948. واعتبرت هذه الاتفاقية "الإبادة الجماعية" بمثابة جريمة دولية تتعهد الدول الموقعة عليها "بمنعها والمعاقبة عليها". والإبادة الجماعية تُعرف على أنها: 

[الإبادة الجماعية] تعني ارتكاب أي عمل من الأعمال الآتية بنية الإبادة، الكلية أو الجزئية، لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين، مثل: 

- قتل أعضاء الجماعة. 
- إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بأعضاء الجماعة. 
- إلحاق الأضرار بالأوضاع المعيشية للجماعة بشكل متعمد بهدف التدمير الفعلي للجماعة كليًا أو جزئيًا. 
- فرض إجراءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة. 
- نقل الأطفال بالإكراه من جماعة إلى أخرى. 
وفي الوقت الذي شهد فيه التاريخ العديد من الحالات التي يستهدف فيها العنف الجماعات المختلفة وحتى منذ بدء سريان الاتفاقية، تركز التطور الدولي والقانوني للمصطلح حول فترتين تاريخيتين بارزتين: الفترة الأولى وهي الفترة التي بدأت منذ صياغة المصطلح وحتى قبوله كقانون دولي (1944-1948) والفترة الثانية هي فترة تفعيله في ظل تأسيس المحاكم العسكرية الدولية للبت في جرائم الإبادة الجماعية (1991-1998). غير أن منع الإبادة الجماعية باعتباره الالتزام الرئيسي الآخر للاتفاقية يظل التحدي الذي تواجهه الدول والأفراد باستمرار. 

عمليات الإبادة


أشهر عمليات الإبادة هو ما قام به النازيون، أثناء الحرب العالمية الثانية، من قتل لحوالي 11 مليون ، من بينهم يهود وسلافييون وشيوعيون ومثليون ومعاقون ومعارضون سياسيون وغجر والعديد من الشعوب غير الألمانية.و تعد الإبادة الأرمنية (أنظر مذابح الأرمن) من أول محاولات الإبادة في التاريخ الحديث عام 1915 ويتفق المؤرخون أن عدم قصاص من أقترف هذه المجازر قد مهد للعديد من محاولات الإبادةكـ هولوكوست أو المحرقة اليهودية و غيرها من الجرائم التي أقترفت بحق الأنسانية.

شهد التاريخ الإنساني لعدة حالات من القتل الجماعي العنصري، منها:


  • محاكم التفتيش ـ وإبادة المسلمين في الأندلس

قال الله تعالى: (وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ **1} وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ **2} وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ **3} قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ **4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ **5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ **6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ **7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ **8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ **9} إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)[سورة البروج].


وقال الله تعالى : ( كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ **7} كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ **8} اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ **9} لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [سورة التوبة].


وعَنْ أبي عبد اللَّه خباب بن الأرت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: شكونا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو متوسد بردة له في طل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: <قد كان مِنْ قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمِنْشار فيوضع عَلَى رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عَنْ دينه! واللَّه ليتمن اللَّه هذا الأمر حتى يسير الراكب مِنْ صنعاء إِلَى حضرموت لا يخاف إلا اللَّه والذئب عَلَى غنمه ولكنكم تستعجلون!> رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.


سقطت غرناطة –آخر قلاع المسلمين في إسبانيا- سنة (897 هـ=1492م)، وكان ذلك نذيرًا بسقوط صرح الأمة الأندلسية الديني والاجتماعي، وتبدد تراثها الفكري والأدبي، وكانت مأساة المسلمين هناك من أفظع مآسي التاريخ؛ حيث شهدت تلك الفترة أعمالاً بربرية وحشية ارتكبتها محاكم التحقيق (التفتيش)؛ لتطهير أسبانيا من آثار الإسلام والمسلمين، وإبادة تراثهم الذي ازدهر في هذه البلاد زهاء ثمانية قرون من الزمان.


وهاجر كثير من مسلمي الأندلس إلى الشمال الإفريقي بعد سقوط مملكتهم؛ فراراً بدينهم وحريتهم من اضطهاد النصارى الأسبان لهم، وعادت أسبانيا إلى دينها القديم، أما من بقي من المسلمين فقد أجبر على التنصر أو الرحيل، وأفضت هذه الروح النصرانية المتعصبة إلى مطاردة وظلم وترويع المسلمين العزل، انتهى بتنفيذ حكم الإعدام ضد أمة ودين على أرض أسبانيا.


ونشط ديوان التحقيق أو الديوان المقدس الذي يدعمه العرش والكنيسة في ارتكاب الفظائع ضد الموريسكيين (المسلمين المتنصرين)، وصدرت عشرات القرارات التي تحول بين هؤلاء المسلمين ودينهم ولغتهم وعاداتهم وثقافتهم، فقد أحرق الكردينال "خمينيث" عشرات الآلاف من كتب الدين والشريعة الإسلامية، وصدر أمر ملكي يوم (22 ربيع أول 917 هـ/20 يونيو 1511) يلزم جميع السكان الذي تنصروا حديثًا أن يسلموا سائر الكتب العربية التي لديهم، ثم تتابعت المراسيم والأوامر الملكية التي منعت التخاطب باللغة العربية وانتهت بفرض التنصير الإجباري على المسلمين، فحمل التعلق بالأرض وخوف الفقر كثيرًا من المسلمين على قبول التنصر ملاذًا للنجاة، ورأى آخرون أن الموت خير ألف مرة من أن يصبح الوطن العزيز مهدًا للكفر، وفر آخرون بدينهم، وكتبت نهايات متعددة لمأساة واحدة هي رحيل الإسلام عن الأندلس.




من أساليب التعذيب التي تعرض لها



المسلمون في الأندلسي التمشيط بأمشاط الحديد










محاكم التفتيش


توفي فرناندو الخامس ملك إسبانيا في (17 ذي الحجة 921 هـ=23 يناير 1516م) وأوصى حفيده شارل الخامس بحماية الكاثوليكية والكنيسة واختيار المحققين ذوي الضمائر الذين يخشون الله لكي يعملوا في عدل وحزم لخدمة الله، وتوطيد الدين الكاثوليكي، كما يجب أن يسحقوا طائفة محمد! 


وقد لبث "فرناندو" زهاء عشرين عامًا بعد سقوط الأندلس ينزل العذاب والاضطهاد بمن بقي من المسلمين في أسبانيا، وكانت أداته في ذلك محاكم التحقيق التي أنشئت بمرسوم بابوي صدر في (رمضان 888 هـ= أكتوبر 1483م) وعين القس "توماس دي تركيمادا" محققًا عامًا لها ووضع دستورًا لهذه المحاكم الجديدة وعددًا من اللوائح والقرارات. 

وقد مورست في هذه المحاكم معظم أنواع التعذيب المعروفة في العصور الوسطى، وأزهقت آلاف الأرواح تحت وطأة التعذيب، وقلما أصدرت هذه المحاكم حكمًا بالبراءة، بل كان الموت والتعذيب الوحشي هو نصيب وقسمة ضحاياها، حتى إن بعض ضحاياها كان ينفذ فيه حكم الحرق في احتفال يشهده الملك والأحبار، وكانت احتفالات الحرق جماعية، تبلغ في بعض الأحيان عشرات الأفراد، وكان فرناندو الخامس من عشاق هذه الحفلات، وكان يمتدح الأحبار المحققين كلما نظمت حفلة منها. 

وبث هذا الديوان منذ قيامه جوًا من الرهبة والخوف في قلوب الناس، فعمد بعض هؤلاء الموريسكيين إلى الفرار، أما الباقي فأبت الكنيسة الكاثوليكية أن تؤمن بإخلاصهم لدينهم الذي أجبروا على اعتناقه؛ لأنها لم تقتنع بتنصير المسلمين الظاهري، بل كانت ترمي إلى إبادتهم.


صورة للوحة زيتية قديمة تظهر إحراق المصاحف 


والكتب الإسلامية من قبل أعضاء محاكم التفتيش في أسبانيا


















شارل الخامس والتنصير الإجباري


تنفس الموريسكيون(المسلمون المنصرون قسراً) الصعداء بعد موت فرناندو وهبت عليهم رياح جديدة من الأمل، ورجوا أن يكون عهد "شارل الخامس" خيرًا من سابقه، وأبدى الملك الجديد –في البداية- شيئًا من اللين والتسامح نحو المسلمين والموريسكيين، وجنحت محاكم التحقيق إلى نوع من الاعتدال في مطاردتهم، وكفت عن التعرض لهم بسبب توسط النبلاء والسادة الذين يعمل المسلمون في ضياعهم، ولكن هذه السياسة المعتدلة لم تدم سوى بضعة أعوام، وعادت العناصر الرجعية المتعصبة في البلاط وفي الكنيسة، فغلبت كلمتها، وصدر مرسوم في (16 جمادى الأولى 931 هـ=12 مارس 1524م) يحتم تنصير كل مسلم بقي على دينه، وإخراج كل من أبى النصرانية من إسبانيا، وأن يعاقب كل مسلم أبى التنصر أو الخروج في المهلة الممنوحة بالرق مدى الحياة، وأن تحول جميع المساجد الباقية إلى كنائس. 


ولما رأى الموريسكيون هذا التطرف من الدولة الإسبانية، استغاثوا بالإمبراطور شارل الخامس، وبعثوا وفداً منهم إلى مدريد ليشرح له مظالمهم، فندب شارل محكمة كبرى من النواب والأحبار والقادة وقضاة التحقيق، برئاسة المحقق العام لتنظر في شكوى المسلمين، ولتقرر ما إذا كان التنصير الذي وقع على المسلمين بالإكراه، يعتبر صحيحًا ملزمًا، بمعنى أنه يحتم عقاب المخالف بالموت. 

وقد أصدرت المحكمة قرارها بعد مناقشات طويلة، بأن التنصير الذي وقع على المسلمين صحيح لا تشوبه شائبة؛ لأن هؤلاء الموريسكيين سارعوا بقبوله اتقاء لما هو شر منه، فكانوا بذلك أحراراً في قبوله. 

وعلى أثر ذلك صدر أمر ملكي بأن يرغم سائر المسلمين الذين تنصروا كرهًا على البقاء في أسبانيا، باعتبارهم نصارى، وأن ينصر كل أولادهم، فإذا ارتدوا عن النصرانية، قضى عليهم بالموت أو المصادرة، وقضى الأمر في الوقت نفسه، بأن تحول جميع المساجد الباقية في الحالة إلى كنائس. 

وكان قدر هؤلاء المسلمين أن يعيشوا في تلك الأيام الرهيبة التي ساد فيها إرهاب محاكم التحقيق، وكانت لوائح الممنوعات ترد تباعًا، وحوت أوامر غريبة منها: حظر الختان، وحظر الوقوف تجاه القبلة، وحظر الاستحمام والاغتسال، وحظر ارتداء الملابس العربية. 

ولما وجدت محكمة تفتيش غرناطة بعض المخالفات لهذه اللوائح، عمدت إلى إثبات تهديدها بالفعل، وأحرقت اثنين من المخالفين في (شوال 936هـ/مايو 1529م) في احتفال ديني.



صورة للوحة زيتية قديمة تظهر 


إحراق مسلمين أثناء حفل ديني






كان لقرارات هذا الإمبراطور أسوأ وقع لدى المسلمين، وما لبثت أن نشبت الثورة في معظم الأنحاء التي يقطنونها في سرقسطة وبلنسية وغيرهما، واعتزم المسلمون على الموت في سبيل الدين والحرية، إلا أن الأسبان كانوا يملكون السلاح والعتاد فاستطاعوا أن يخمدوا هذه الثورات المحلية باستثناء بلنسية التي كانت تضم حشدًا كبيرًا من المسلمين يبلغ زهاء (27) ألف أسرة، فإنها استعصت عليهم، لوقوعها على البحر واتصالها بمسلمي المغرب. 


وقد أبدى مسلمو بلنسية مقاومة عنيفة لقرارات التنصير، ولجأت جموع كبيرة منهم إلى ضاحية (بني وزير)، فجردت الحكومة عليهم قوة كبيرة مزودة بالمدافع، وأرغمت المسلمين في النهاية على التسليم والخضوع، وأرسل إليهم الإمبراطور إعلان الأمان على أن يتنصروا، وعدلت عقوبة الرق إلى الغرامة، وافتدى الأندلسيون من الإمبراطور حق ارتداء ملابسهم القومية بمبلغ طائل. 

وكانت سياسة التهدئة من شارل الخامس محاولة لتهدئة الأوضاع في جنوب الأندلس حتى يتفرغ للاضطرابات التي اندلعت في ألمانيا وهولندا بعد ظهور مارتن لوثر وأطروحاته الدينية لإصلاح الكنيسة وانتشار البروتستانتية؛ لذلك كان بحاجة إلى توجيه كل اهتمامه واهتمام محاكم التحقيق إلى "الهراطقة" في شمال أوروبا، كما أن قيام محاكم التحقيق بما يفترض أن تقوم به كان يعني إحراق جميع الأندلسيين؛ لأن الكنيسة تدرك أن تنصرهم شكلي لا قيمة له، يضاف إلى ذلك أن معظم المزارعين الأندلسيين كانوا يعملون لحساب النبلاء أو الكنيسة، وكان من مصلحة هؤلاء الإبقاء على هؤلاء المزارعين وعدم إبادتهم. 

وكان الإمبراطور شارل الخامس حينما أصدر قراره بتنصير المسلمين، وعد بتحقيق المساواة بينهم وبين النصارى في الحقوق والواجبات، ولكن هذه المساواة لم تتحقق قط، وشعر هؤلاء أنهم ما زالوا موضع الريب والاضطهاد، ففرضت عليم ضرائب كثيرة لا يخضع لها النصارى، وكانت وطأة الحياة تثقل عليهم شيئًا فشيئًا، حتى أصبحوا أشبه بالرقيق والعبيد، ولما شعرت السلطات بميل الموريسكيين إلى الهجرة، صدر قرار في سنة (948 هـ=1514م)، يحرم عليهم تغيير مساكنهم، كما حرم عليهم النزوح إلى بلنسية التي كانت دائمًا طريقهم المفضل إلى الهجرة، ثم صدر قرار بتحريم الهجرة من هذه الثغور إلا بترخيص ملكي، نظير رسوم فادحة. وكان ديوان التحقيق يسهر على حركة الهجرة ويعمل على قمعها بشدة. 

ولم تمنع هذه الشدة من ظهور اعتدال من الإمبراطور في بعض الأوقات، ففي سنة (950 هـ=1543م) أصدر عفوًا عن بعض المسلمين المتنصرين؛ تحقيقًا لرغبة مطران طليطلة، وأن يسمح لهم بتزويج أبنائهم وبناتهم من النصارى الخلص، ولا تصادر المهور التي دفعوها للخزينة بسبب الذنوب التي ارتكبوها. 

وهكذا لبثت السياسة الأسبانية أيام الإمبراطور شارل الخامس (922 هـ=1516م) حتى (963هـ=1555م) إزاء الموريسكيين تتردد بين الشدة والقسوة، وبين بعض مظاهر اللين والعفو، إلا أن هؤلاء المسلمين تعرضوا للإرهاق والمطاردة والقتل ووجدت فيهم محاكم التحقيق الكنسية مجالاً مفضلاً لتعصبها وإرهابها. 

الألخميادو 

وكانت الأمة الأندلسية خلال هذا الاستشهاد المحزن، الذي فرض عليها تحاول بكل وسيلة أن تستبقي دينها وتراثها، فكان الموريسيكيون بالرغم من د***هم في النصرانية يتعلقون سراً بالإسلام، وكثير منهم يؤدون شعائر الإسلام خفية، وكانوا يحافظون على لغتهم العربية، إلا أن السياسة الإسبانية فطنت إلى أهمية اللغة في تدعيم الروح الإسلامية؛ لذلك أصدر الإمبراطور شارل الخامس سنة ( 932 هـ=1526م) أول قانون يحرم التخاطب بالعربية على الموريسكيين، ولكنه لم يطبق بشدة؛ لأن هؤلاء الموريسكيين دفعوا له (100) ألف دوقة حتى يسمح لهم بالتحدث بالعربية، ثم أصدر الإمبراطور فيليب الثاني سنة (964 هـ/1566م) قانونًا جديدًا يحرم التخاطب بالعربية، وطبق بمنتهى الشدة والصرامة، وفرضت القشتالية كلغة للتخاطب والتعامل، ومع ذلك وجد الموريسكيون في القشتالية متنفسًا لتفكيرهم وأدبهم، فكانوا يكتبونها سراً بأحرف عربية، وأسفر ذلك بمضي الزمن عن خلق لغة جديدة هي "ألخميادو" وهي تحريف إسباني لكلمة "الأعجمية"، ولبثت هذه اللغة قرنين من الزمان سراً مطموراً، وبذلك استطاعوا أن يحتفظوا بعقيدتهم الإسلامية، وألف بها بعض الفقهاء والعلماء كتبًا عما يجب أن يعتقد المسلم ويفعله حتى يحتفظ بإسلامه، وشرحوا آيات القرآن باللغة الألخميادية وكذلك سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أشهر كتاب هذه اللغة الفقيه المسمى "فتى أبيرالو" وهو مؤلف لكتب التفسير، وتلخيص السنة، ومن الشعراء محمد ربدان الذي نظم كثيرًا من القصائد والأغنيات الدينية؛ وبذلك تحصن الموريسيكيون بمبدأ "التقية" فصمدوا في وجه مساعي المنصرين الذين لم تنجح جهودهم التبشيرية والتعليمية والإرهابية في الوصول إلى تنصير كامل لهؤلاء الموريسيكيين، فجاء قرار الطرد بعد هذه الإخفاقات. 

ولم تفلح مساعي الموريسيكيين في الحصول على دعم خارجي فعال من الدولة العثمانية أو المماليك في مصر، رغم حملات الإغارة والقرصنة التي قام بها العثمانيون والجزائريون والأندلسيون على السفن والشواطئ الأسبانية، ودعم الثوار الموريسيكيين. 

واستمرت محاكم التحقيق في محاربة هؤلاء المسلمين طوال القرن السادس عشر الميلادي، وهو ما يدل على أن آثار الإسلام الراسخة في النفوس بقيت بالرغم من المحن الرهيبة وتعاقب السنين، ولعل من المفيد أن نذكر أن رجلاً أسبانيًا يدعى "بدية" توجه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج سنة (1222هـ=1807م) أي بعد 329 سنة من قيام محاكم التفتيش. 

وبعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس، أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوماً سنة 1808 م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية. 

ولنستمع إلى هذه القصة التي يرويها لنا أحد ضباط الجيش الفرنسي الذي دخل إلى إسبانيا بعد الثورة الفرنسية ( كتب (الكولونيل ليموتسكي) أحد ضباط الحملة الفرنسية في إسبانيا قال: " كنت سنة 1809 ملحقاً بالجيش الفرنسي الذي يقاتل في إسبانيا وكانت فرقتي بين فرق الجيش الذي احتل (مدريد) العاصمة وكان الإمبراطور نابيلون أصدر مرسوماً سنة 1808 بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الإسبانية غير أن هذا الأمر أهمل العمل به للحالة والإضطرابات السياسية التي سادت وقتئذ. 

وصمم الرهبان الجزوبت أصحاب الديوان الملغى على قتل وتعذيب كل فرنسي يقع في أيديهم انتقاماً من القرار الصادر وإلقاءً للرعب في قلوب الفرنسيين حتى يضطروا إلى إخلاء البلاد فيخلوا لهم الجو. 

وبينما أسير في إحدى الليالي أجتاز شارعاً يقل المرور فيه من شوارع مدريد إذ باثنين مسلحين قد هجما عليّ يبغيان قتلي فدافعت عن حياتي دفاعاً شديداً ولم ينجني من القتل إلا قدوم سرية من جيشنا مكلفة بالتطواف في المدينة وهي كوكبة من الفرسان تحمل المصابيح وتبيت الليل ساهرة على حفظ النظام فما أن شاهدها القاتلان حتى لاذا بالهرب. وتبين من ملابسهما أنهما من جنود ديوان التفتيش فأسرعت إلى (المارشال سولت) الحاكم العسكري لمدريد وقصصت عليه النبأ وقال لا شك بأن من يقتل من جنودنا كل ليلة إنما هو من صنع أولئك الأشرار لا بد من معاقبتهم وتنفيذ قرار الإمبراطور بحل ديوانهم والآن خذ معك ألف جندي وأربع مدافع وهاجم دير الديوان واقبض على هؤلاء الرهبان الأبالسة .. " 

حدث إطلاق نار من اليسوعيين حتى دخلوا عنوة ثم يتابع قائلاً " أصدرتُ الأمر لجنودي بالقبض على أولئك القساوسة جميعاً وعلى جنودهم الحراس توطئة لتقديمهم إلى مجلس عسكري ثم أخذنا نبحث بين قاعات وكراس هزازة وسجاجيد فارسية وصور ومكاتب كبيرة وقد صنعت أرض هذه الغرفة من الخشب المصقول المدهون بالشمع وكان شذى العطر يعبق أرجاء الغرف فتبدو الساحة كلها أشبه بأبهاء القصور الفخمة التي لا يسكنها إلا ملوك قصروا حياتهم على الترف واللهو، وعلمنا بعد أنَّ تلك الروائح المعطرة تنبعث من شمع يوقد أمام صور الرهبان ويظهر أن هذا الشمع قد خلط به ماء الورد " . 

" وكادت جهودنا تذهب سدى ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها. فلم نجد شيئاً يدل على وجود ديوان للتفتيش. فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهماً باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن "دي ليل" استمهلني قائلاً: ( أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنته حتى الآن؟!!).

قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئاً مريباً. فماذا تريد يا لفتنانت؟!.. قال: (إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها).

عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة – وكنا نرقب الماء – فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط "دي ليل" من شدة فرحه، وقال ها هو الباب، انظروا، فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير. 

أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة. 

وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضئ أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفاً، وقال لي: يابني: لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة. 

قلت له، يا هذا إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك!؟!. 

وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها. 

وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء. ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض. 

رأيت فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتـقزز طوال حياتي.



قد كان مِنْ قبلكم يؤخذ الرجل 


فيحفر له في الأرض فيجعل فيها

ثم يؤتى بالمِنْشار فيوضع عَلَى 

رأسه فيُجعل نصفين






رأينا غرفاً صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممداً بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي. 


وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها. 

كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم ، وهم في الرمق الأخير من الحياة. 

كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعاً عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء. 

أخرجنا السجناء إلى النور تدريجياً حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحاً، وهم يقبّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهداً يبكي الصخور.



صور للوحات زيتية قديمة 


تظهر عمليات التعذيب البشعة 

التي تعرض لها المسلمون من 

قبل محاكم التفتيش في الأندلس








































تابوت السيدة الجميلة التي يلقى
فيها الشباب المسلمون ثم يطبق 
عليهم ليلاقوا حتفهم مباشرة 
متأثرين بالسكاكين في داخله






صورة للوحة قديمة تبين عملية تعذيب 


أعضاء ديوان التفتيش لضحاياهم حتى الموت






صورة للوحة قديمة تبين أحد عمليات 


التعذيب التي كان يتعرض لها المسلمون 

وذلك بإجبارهم على شرب كميات كبيرة 

من الماء حتى تنفجر معدتهم ليموتوا




ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعرله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيا، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين، ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه رأس الذي يريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، في كل دقيقة نقطة، وقد جُنّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت.



صورة لكرسي حديدي لتعذيب الضحية 


حتى الموقع كانت تستعملها محاكم التفتيش 

الإسبانية لتعذيب الضحايا حتى الموت





وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة. 
كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره. فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إرباً إرباً. 
كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين. 
وعثرنا على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم. 
وصل الخبر إلى مدريد فهب الألوف ليروا وسائل التعذيب فأمسكوا برئيس اليسوعيين ووضعوه في آلة تكسير العظام فدقت عظامه دقاً وسحقها سحقاً وأمسكوا كاتم سره وزفوه إلى السيدة الجميلة وأطبقوا عليه الأبواب فمزقته السكاكين شر ممزق ثم أخرجوا الجثتين وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك. ولم تمض نصف ساعة حتى قضى الشعب على حياة ثلاثة عشر راهباً ثم أخذ ينهب ما بالدير

اباده هيروشيما ونجازاكى

خلال المراحل الأخيرة للحرب العالمية الثانية في عام(1364هـ / 1945م)، قامت الولايات المتحدة بشن ضربتين نوويتين ضد اليابان في مدينتي هيروشيما وناجازاكي.


وبعد ستة أشهر من القصف الاستراتيجي المكثف لـ67 مدينة يابانية، تجاهل نظام هيروهيتو المهلة التي حدَّدها إعلان بوتسدام. وبموجب الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس هاري ترومان، قامت الولايات المتحدة بإطلاق السلاح النووي الولد الصغير على مدينة هيروشيما (يوم الاثنين 27 شعبان عام 1364هـ / الموافق 6 أغسطس عام 1945م) ثم تلاها إطلاق قنبلة الرجل البدين على مدينة ناجازاكي في التاسع من شهر أغسطس. وكانت هذه الهجمات هي الوحيدة التي تمت باستخدام الأسلحة النووية في تاريخ الحرب
قتلت القنابل ما يصل إلى 140،000 شخص في هيروشيما، و80،000 في ناغازاكي بحلول نهاية عام 1945، حيث مات ما يقرب من نصف هذا الرقم في نفس اليوم الذي تمت فيه التفجيرات. ومن بين هؤلاء، مات 15-20 ٪ متأثرين بالجروح أو بسبب آثار الحروق، والصدمات، والحروق الإشعاعية، يضاعفها الأمراض، وسوء التغذية والتسمم الإشعاعي ومنذ ذلك الحين، توفي عدد كبير بسبب سرطان الدم (231 حالة) والسرطانات الصلبة (334 حالة)، تأتي نتيجة التعرض للإشعاعات المنبثقة من القنابل. وكانت معظم الوفيات من المدنيين في المدينتين.
وبعد ستة أيام من تفجير القنبلة على ناغازاكي، في الخامس عشر من أغسطس، أعلنت اليابان استسلامها لقوات الحلفاء. حيث وقعت وثيقة الاستسلام في الثاني من شهر سبتمبر، مما أنهي الحرب في المحيط الهادئ رسمياً، ومن ثم نهاية الحرب العالمية الثانية. كما وقعت ألمانيا  وثيقة الاستسلام في السابع من مايو، مما أنهى الحرب في أوروبا. وجعلت التفجيرات اليابان تعتمد المباديء الثلاثة غير النووية بعد الحرب، والتي تمنع الأمة من التسلح النوو




هذه صورة للانفجار من خارج الغلاف الجوي





صورة لاحد ضحايا الحادث









ما احلته القنبلة من ابادة شاملة












صورة للقنبلة والتي كانت تدعي ب lite l boy





صور الطائرة التي قذفت بالقنبلة






تكبير الصورةتصغير الصورة تم تعديل ابعاد هذه الصورة. انقر هنا لمعاينتها بأبعادها الأصلية.



ما احلته القنبلة من تشوهات في الجسم والبشرة























اباده الهنود الحمر فى اميركا اسكان الاصلين



الإمبراطورية الأمريكية قامت ‏على الدماء وبنيت على جماجم البشر ، فقد أبادت هذه الإمبراطورية الدموية 112 مليون إنسان (بينهم 18.5 مليون هندى ‏أبيدو ودمرت قراهم ومدنهم ) ينتمون إلى أكثر من 400 أمة وشعب - ووصفت أمريكا هذه الإبادات بأنها أضرار هامشية ‏لنشر الحضارة – وخاضت أمريكا في إبادة كل هؤلاء البشر وفق المعلوم والموثق 93 حرباً جرثومية شاملة وتفصيل هذه ‏الحروب أورده الكاتب الأمريكي هنرى دوبينز في كتابه "أرقامهم التي هزلت " في الجزء الخاص بأنواع الحروب ‏الجرثومية التي إبيد بها الهنود الحمر بـ 41 حرباً بالجدري ، و4 بالطاعون ، 17 بالحصبة ، و10 بالأنفلونزا ، و25 بالسل ‏والديفتريا والتيفوس والكوليرا . وقد كان لهذه الحروب الجرثومية آثاراً وبائية شاملة إجتاحت المنطقة من فلوريدا في ‏الالجنوب الشرقى إلى أرغون في الشمال الغربي ، بل إن جماعات وشعوب وصلتها الأوبئة أبيدت بها قبل أن ترى وجهة ‏الإنسان الأمريكي الأبيض .‏



ووصل الأمر إلى تباهى الأمريكان بهذه الوحشية والدموية فهاهو وليم برادفورد حاكم مستعمرة " بليتموت " يقول " إن ‏نشر هذه الأوبئة بين الهنود عمل يدخل السرور والبهجة على قلب الله ، ويفرحه أن تزور هؤلاء الهنود وأنت تحمل إليهم ‏الأمراض والموت ، وهكذا يموت 950 هندى من كل ألف ، وينتن بعضهم فوق الأرض دون أن يجد من يدفنه أ إنه على ‏المؤمنين أن يشكروا الله على فضله هذا ونعمته " .‏


بعض من يوميات الإبادة ‏



ونظراً لحاجة الأمريكان للأيدى العاملة بنظام السخرة لإستغلال الثروات التي ورثوها عن الهنود عدلوا عن جزء من ‏إستراجيتهم في القتل ، بالإبادة عن طريق نظام السخرة للهنود . ‏
ففي عام 1846 أحتلت جيوش الأمريكان كاليفورنيا وتقول الإحصائيات أنهم تمكنوا من إبادة 80 % من هنود كاليفورنيا ‏بالسخرة حيث نشط بجانب ذلك التجارة بالأطفال والنساء . ‏
وفي عام 1830 سن الكونجرس الأمريكي قانون ترحيل الهنود قصراً وأصبح من حق المستعمر الأمريكي أن يطرد الهندى ‏من أرضه ويقتله إذا أراد ، ويومها حصدت قوات الجيش النظامى الأمريكي من لم يمت من 5 شعوب هندية كاملة ‏‏(الشيروكى – والشوكتو – والشيسكومسو – والكريك – والسيميتول ) بعد تهجيرهم قصراً إلى مناطق موبؤة بالكوليرا .‏
وفي حملة 1776 على هنود الشيروكى تم إحراق المدت الهندية وأتلفت المحاصيل الزراعية ومن بقى من هنود الشيروكى ‏إلى الغابات ليقتلوا ، ولم تمض ثلاث سنوات حتى أصدر جورج واشنطن أوامره للجنود بأن يحيلوا مساكن هنود الأوروكو ‏إلى خراب ومحوها من على وجه الأرض ، ولذلك أطلق هنود السينيكا على أبى الجمهورية الأمريكية " جورج واشنطن " ‏إسم " هدام المدن " فبموجب أوامره تم تدمير 28 مدينة من أصل 30 مدينة كاملة لهنود السينيكا وحدهم من البحيرات ‏الكبرى شمالاً وحتى نهر الموهوك وفي فترة قياسية لا تزيد عن خمس سنوات ، وهذه ما تم أيضاً بمدن الموهوك ، ‏والأنونداغا ، والكايوغا ، حتى أن أحد زعماء الأروكوا قال لجورج واشنطن ذات لقاء في عام 1792 ( عندما يذكر أسمك ‏تلتفت نساؤنا وراءهن مذعورات وتشحب وجوههن ، أما أطفالنا فإنهم يتلببون بأعناق أمهاتهم من الخوف ) . ‏
ومضى الأباء المؤسسون جميعاً على خطى جورج واشنطن فحتى توماس جفرسون الملقب برسول الحرية الأمريكية ‏وكاتب وثيقة إستقلالها ، أمر وزير دفاعه بأن يواجه الهنود الذين يواجهون التةسع الأمريكي بالبلطة وأن لا يضع هذه البلطة ‏حتى يفنيهم فقال له " نعم إنهم قد يقتلون أفراداً مناً ، ولكننا سنفنهم ونمحو آثارهم من الأرض " .‏
وعام 1633 كان هنود النارغنستس قد تعرضوا لحرب بالجدري حيث قدم إليهم الأمريكان هدايا مسمومة بجراثيم الجدري ‏وعندما أقام الهنود محاكمة للكابتين جون أولدام بتهمة القتل الجماعى وأعدموه ، إنتقمت أمريكا بإبادة هنود النارغنستس عام ‏‏1637 بحرب الجراثيم .‏

ففي عام 1636 تظهر أول وثيقة تثبت إستخدام الأمريكان للسلاح الجرثومى عمداً ، وقد كتب القائد الإنجليزى العام اللورد ‏‏" جفرى أمهرست " إلى هنرى بواكيه " يطلب من ه أن يجرى مفاوضات مع الهنود ويقدم لهم بطانيات مسمومة بالجدرى ‏وأجاب بواكيه ( سأحاول جاهداً أن أسمهم بعض الأغطية الملوثة التي سأهديهم بها وسأخذ الإحطياطات اللازمة حتى ‏لاأصاب بالمرض ) .‏

وببطاطين ومناديل تم تلويثها في مستشفى الجدرى إنتشر الوباء بين أربعة شعوب هندية ( الأوتاوا - ينيغو – والمايامى ‏الينى وناييه ) وأتى على أكثر من مئة ألف طفل وشيخ و امرأة وشاب ، ولطالما وصفت وثيقة (أمهرست) بأنها " حجر ‏رشيد" الحرب الجرثومية ، وهناط وثيقة تتحدث عن إهداء أغطية مسمومة بالجدرى لهنود " المندان" في فورك كلارك وقد ‏نقلت هذه الأغطية إلى ضحاياها في 20 جزيران يونيو 1837 من حجر عسكرى لمرض الجدرى في سان لويس علة متن ‏قارب إسمه " القديس بطرس " فحصدت كذلك في أقل من سنة واحدة مائة ألف طفل وشيخ وأمرأة وشاب (وهذه أقل ‏التقديرات تواضعاً لعدد الضحايا ، وبعد حوالي 15 سنة كانت كل الولايات المتحدة تتساءل عن أفضل وسيلة للقضاء على ‏هنود كالفورنيا ، فمع الإستيلاء على هذه الولاية الواسعة من المكسيك وجدت أمريكا نفسها أمام مهمة جديدة وصفتها إحدى ‏صحف سان فرانسيسكوا كما يلى : ‏
‏(إن الهنود هنا جاهزون للذبح ـ وللقتل بالبنادق أو بالجدري ... وهذا ما يتم الآن فعلاً ) "راجع صحيفة "دايلي ألتا"بتاريخ 6 ‏أذار مارس 1853 وكتاب روبرت هيرز بعنوان "تدمير هنود كاليفورنيا"صـ251" وفي تلك الفترة كان تسميم الهنود ‏بجراثيم الجدرى خطة منظمة تمارسها الدول وبعض الشركات التجارية المختصة ، ويتسلى بها المستوطنون في حفلات ‏تسلية وصفتها مقالة إفتتاحية في "سان فرنسيسكو بيلتن" ( بأنها تستخدم الجراثيم من أجل الإبادة المطلقة لهذا الجنس اللعين ‏‏) " المقالة منشورة بتاريخ 10 تيموز يوليو 1860 ، وفي كتاب هيرز عن تدمير الهنود صــ253 ، 255.‏

وحشية الأمريكي الأبيض ‏

الطبيب الأمريكي الأبيض ، أشهر أطباء عصره ، لاحظ في عام 1855 قائلاً " إن إبادة لهنود الحمر هو الحل الضروري ‏للحيلولة دون تلوث العرق الأبيض وأن إصطيادهم إصطياد الوحوش في الغابات مهمة أخلاقية لازمة لكى يبقى الإنسان ‏الأبيض فعلاً على صورة الله " . ‏
ويجذب السياق نفسه " فرانسيس ياركين " أشهر مؤرخ أمريكي في عصره فيقول ( أن الهندى نفسه في الواقع هو المسئول ‏عن الدمار الذى لحق به لأنه لم يتعلم الحضارة ولابد له من الزوال ... والأمر يستأهل ).‏

إبادة وطمس الحضارة الهندية ‏

دأبت هوليود على هدم الحضارة الهندية وطمس معالمها عبر تصويرها بالوحشية والهمجية والدموية القائمة على التمثيل ‏بالإنسان الأبيض الذى أتى يعلمهم الحضارة ، وكل هذه محض إفتراء على الحضارة الهندية التي إستقبلت الإنسان الأبيص ‏وأنقذته من الموت المحدق وعلمته زراعة الأرض وعمارتها وكيفية إستغلال ثروات الطبيعة في البلاد الهندية .‏

التمثيل بحثث الهنود وسلخ فروة رأسهم ‏

لقد إرتكب الإنسان الأمريكي والإنجليزى الأبيض جريمة سلخ فروة في كل حروبه ضد الهندى وذلك على النقيض مما ‏تروج له هوليود والرسميون والإعلاميون وأكادميو التاريخ المنتصر ، فقد رصدت السلطات الإستعمارية مكافأة لمن يقتل ‏هندي ويأتى برأسه ، ثم أكتفت بعد ذلك بسلخ بفروة الرأس ، إلا في بعص المناسبات التي تريد التأكد فيها من هوية الضحية ‏، ولعل أقدم مكافأة على فروة الرأس بدلاً من كل الجمجمة تعود إلى عام 1664 ، وفي 12 أيلول سبتمبر من ذلك العام ، ‏حيث رصدت المحكمة العامة في مستعمرة ماسوسيتش مكافأة مختلفة لكا من يأتى بفروة رأس هندى مهما كان عمره أو ‏جنسه وتختلف المكافأت بحسب مقام الصياد ، 50 جنيهاً أسترينياً للمستوطن العادى ، و20 جنيهاً لرجل الميليشا العادى ، ‏و10 جنيهات للجندى ، ثم تغيرت التعريفة في عان 1704 فأصبحت مئة جنيه لكل فروة رأس ومن المفارقات أن المكافآت ‏المتواضعة التي رصدت كانت لفروة رأس الفرنسي عام 1696 وهى 6 جنهيات ، حتى أن المغامر "لويس وتزل " يروى ‏أن غنيمته من فرو رؤس الهنود لا تقل عن 40 فروة في الطلعة الواحدة ، ويعتبر وتزل من أبطال التاريخ الأمريكي وما ‏يعرف بعمالقة الثغور .‏

وبدأً من وتزل صار قطع رأس الهندى وسلح فروة رأسه من الرياضات المحببة في أمريكا ، بل إن كثيراً منهم يتباهى بأن ‏ملابسه وأحذيته مصنوعة من جلود الهنود ، وكانت تنظم حفلات خاصة يدعى إليها علية القوم لمشاهدة هذا العمل المثير ‏‏(سلخ فروة رأس الهندى) حتى أن الكولونيل جورج روجرز كلارك في حفلة أقامها لسلاخ فروة رأس 16 هندي طلب من ‏الجزارين أن يتمهلوا في الأداء وأن يعطوا كل تفصيل تشريحي حقه لتستمتع الحامية, وما يزال كلارك إلى الآن رمزاً ‏وطنياً أمريكياً وبطلاً تاريخاً وما يزال من ملهمى القوات الخاصة في الجيش الأمريكي .‏

ومع تأسيس الجيش الأمريكي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليداً مؤسساتياً رسمياً فعند إستعراض الجنود أمام وليم ‏هاريسون (الرئيس الأمريكي فيما بعد ) بعد إنتصار 1811م على الهنود التمثيل بالضحايا ثم جاء الدور على الزعيم الهندى ‏‏"تكوميسه" وهنا تزاحم صيادوا الهنود والتذكارات على إنتهاب ما يسطيعون سلخه من جلد هذه الزعيم الهندى أو فروة ‏رأسة ، ويروى جون سغدن في كتابه عن "تيكوميسه" كيف شرط الجنود المنتشون سلخ جلد الزعيم الهندى ممن ظهره ‏حتى فخذه .‏
وكان الرئيس أندره جاكسون الذى تزين صورته ورقة العشؤين دولار من عشاق التمثيل بالجثث وكان يأمر بحساب عدد ‏قتلاه بإحصاء أنوفهم المجدوعة وآذانهم المصلومة ، وقد رعى بنفسه حفلة التمثيل بالجثث لـ 800 هندى يتقدمهم الزعيم ‏‏"مسكوجى" ، وقام بهذ الم1بحة القائد الامريكي جون شفنغنتون وهو من أعظم أبطال التاريخ الامريكي وهناك الآن أكثر ‏من مدينة وموقع تاريخي تخليداً لذكره ولشعاره الشهير (اقتلوا الهنود واسلخوا جلودهم ، لا تتركوا صغيراً أو كبيراً ، فالقمل ‏لا يفقس إلا من بيوض القمل " .‏
بل إن الأمر وصل كما يقول الجندى الأمريكي " أشبري" ‘لى حد التمثيل بفروج النساء ويتباهى الرجل بكثرة فروج النساء ‏التى تزين قبعته وكان البعض يعلقها على عيدان أمام منزله .‏
ثم أكتشف أحد صيادى الهنود أمكانية أستخدام الأعضاء الذكرية للهنود كأكياساً للتبغ ، ثم تتطورت الفكرة المثيرة من هواية ‏فرديو للصيادين إلى صناعة رائجة وصار الناس يتهادونه في الأعياد والمناسبات ، ولم تدم هذه الصناعة طويلاً بسبب قلة ‏عدد الهنود حيث وصلوا في عام 1900 إلى ربع مليون.‏

مذبحه الارمن




ثلاثة وتسعون عاماً على المجزرة الأرمنية. كأنها وقعت اليوم بالنسبة الىالارمن... الغضب نفسه، الدموع نفسها. دموع الحزن والأسى على دماﺀ الأحباﺀ، التياريقت على أيادي الأتراك والحجة كانت "الحرب". حلمٌ واحد لم يفقد صاحبه الامل فيتحقيقه بعد رغم مرور كل تلك السنين هو حلم العودة الى الديار والاعتراف بالابادةعلى أراضٍ انتهكت غصباً عنهم، وهم "الأقلية الضعيفة لكنهم أسياد القوة وصانعوالديمقراطية" كما ينظرون الى انفسهم.

الإبادة الأرمنية مجزرة جسدت من بابها العريض إنتهاكات لحقوق الإنسان بأبشعالطرق والأساليب لاقت تعاطفاً من بعض الدول، ورفضا قاطعاً من بعضها الآخر. فهلسيتحقق حلم العودة أم أنه سيبقى كغيره من الاحلام حكاية لا تعرف نهاية ومسلسلاًلاتنتهي حلقاته يوماً؟ ً كلمات متواضعة وحائرة تعكس وجهة نظر بعض الأرمن في هذهالذكرى، لتؤكد على انتظارها الذي لم يسأم يوماً من نفسه، والتشديد على تكملةالمسيرة لتتحقق القيامة.



بتاريخ 42 نيسان 1915 اعتقلت السلطات العثمانية ستمئة زعيم أرمني في اسطنبول،وقامت بتصفيتهم جسدياً وتسريح كل الأرمن المتواجدين في الجيش السلطاني واقتادتهمإلى الأعمال الشاقة. تجاوز عدد شهداﺀ المجزرة المليون ونصف أكثر من خمس وعشرين دولةاعترفت بالمجزرة ونعمل على جعل الكونغرس الأميركي يعترف بها، وعند الإقرار بالجريمةتتحقق مطالبنا. أرى أن الحلم أصبح قريباً مع إقتراب الإنتخابات الأميركية وفوزالديمقراطيين الذين يؤمنون بقضيتنا. وقد رفعت دعوى لإسترجاع الأموال التي هدرت أيامالمجزرة.





، بدأت أول وأكبر مجزرة في القرن العشرين لمحاولة إبادة أمة بكاملها، فاعتباراً من 24 نيسان من العام 1915 ولعامين كاملين بعدها أثناء الحرب العالمية الأولى سجلت أسوأ فصول التاريخ التركي الحديث بعملية التصفية الوحشية للأرمن في تركيا لاسباب قومية وطائفية.




أعطى طلعت باشا وزير الداخلية حينذاك الأوامر ببدء المجزرة ، بناء على قرار من حكومة الاتحاد والترقي التي أصدرت إنذاراً لجميع أفراد الشعب الأرمني بلا استثناء، المقيمين بغالبيتهم في الأناضول الشرقية، والبالغين ما لا يقل عن المليونين بمغادرة منازلهم خلال 24 ساعة وإلا تعرضوا لعقوبة الإعدام، فقد أدين "جميع" الأرمن في بيان للحكومة التركية بأنهم أعداء داخليين خالفوا القوانين وقاموا بالتسلح بقصد الثورة ومساعدة الجيوش الروسية التي تخوض حرباً ضد تركيا، فالحكومة قررت معاقبتهم جماعياً وسوقهم إلى ولايات الموصل ودير الزور وحلب لإسكانهم فيها حتى تضع الحرب أوزارها.


البيان عملياً شرع للإبادة الجماعية، فعند خروج العائلات الأرمنية من منازلها في طريقها للمنفى تم قتل جميع الرجال الأصحاء وسبي النساء وترك الباقي للجوع والعطش أثناء الطريق لمئات الكيلومترات في مناطق صحراوية، وشاركت في الإبادة إلى جانب القوات النظامية عشائر تركمانية وكردية بتأثير التحريض العنصري الطائفي، مما أدى إلى قتل أو موت مليون ونصف أرمني أي ثلاثة أرباع الشعب الأرمني المقيم في تركيا منذ آلاف السنين، أما النصف مليون الناجين من الكارثة فقد توزعوا في الشتات في الدول القريبة والبعيدة، ليبلغ تعداد المنحدرين منهم حالياً أربعة ملايين، فضلاً عن ثلاثة ملايين أرمني مواطني أرمينيا السوفييتية التي استقلت حديثاً.



أن الادعاءات الرسمية التركية عن انضمام الأرمن في الحرب إلى روسيا ينفيها أن الإبادة الجماعية كانت خطة مبيتة منذ زمن، بدأت عملياً في عهد السلطان عبد الحميد مما اضطر الأرمن لقبول الحماية الروسية التي تلت مجازر سابقة ولم تكن سبباً لها، فبين عامي 1894 و1896 اندلعت مجازر ضد الأرمن بحجة سعيهم للاستقلال الذي سبقهم إليه اليونانيون والبلغار في البلقان، وكان يمكن لعدد القتلى في هذه المجازر أن يتجاوز ما وصل إليه - المائتي ألف- لولا تدخل الدول الكبرى الأوروبية لمنع استمرارها.ومن الجدير بالذكر أن الأكراد كان الأداة واليد التي نفذت العملية ،وهم من قتل الأرمن بأيديهم،كون أقطاعييهم كانوا أصحاب مصلحة لأن يحلوا محلهم،كما حدث خلال القرن العشرين للقرى الآشورية والسريانية في العراق ،حينما كردت وشرد أهلها.


لم يتغير شيء بعد خلع السلطان عبد الحميد عام 1909 ومجيء سلطة الاتحاد والترقي التي اتبعت سياسة تتريك متطرفة تجاه جميع المكونات القومية والدينية للإمبراطورية، والتي رأت أن الأرمن أكبر عقبة أمام قيام تركيا "نقية"، وأن التطهير العرقي أفضل طريقة للوصول لذلك. ونال الأرمن في أول أعوام حكم الاتحاديين حصتهم في مجزرة أضنة، ثلاثين ألف قتيل، مما أدى لتدخل الدول الأوروبية لوقف الإبادة الجماعية، ألا أن جهودها تعطلت بعد اندلاع الحرب عام 1914.


أنكرت الحكومات التركية المتعاقبة حتى الآن وقوع المجازر وقللت من عدد الضحايا إذ لم تعترف بأكثر من 300 ألف قتيل كنتيجة "لانتشار الأوبئة!" خلال فترة الحرب، وأن الترحيل القسري كان من ضروراتها، خلافاً لشهادات العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين والأميركيين التي تدين السلطات التركية بتدبير العملية عن نية مبيتة، وخاصة أن المجزرة الأرمنية ترافقت مع مجازر وترحيل قسري للآشوريين من سريان وكلدان، ولليونانيين القاطنين للأناضول، كما أن الصحف المحلية التركية حينها كانت تتباهى بقتل "الكفار". أما بعد هزيمة العثمانيين ونزول قوات الحلفاء في الأناضول، فقد أنشأ السلطان مضطراً محكمة لمجرمي الحرب المسؤولين عن إبادة الأرمن ونفذ عدد من الإعدامات، توقفت نهائياً بعد اندلاع الحركة الوطنية التركية للتخلص من القوات الأجنبية.

المجزرة الأرمنية جرح جائر ودائم يلاحق الحكومة التركية خلال قرن بعد فشل جهودها لطمسها، وتزايد الدول والمؤسسات الإنسانية العالمية التي تعترف بها وتطالب بتصفية آثارها. وقد أثبت الشعب الأرمني إصراراً عنيداً بعدم التخلي عن حقوقه، فقد حول "المجزرة المنسية" لعنوان أنساني عالمي لا يمكن تجاهله، ففي كل مكان تتواجد فيه جالية أرمنية عملت بنجاح لدفع دول ومؤسسات للاعتراف بالمجزرة ومنها العدد الأكبر من الدول الأوروبية والبرلمان الأوروبي وكندا ودول أخرى. وفي الذكرى التسعين أقامت مهرجانات ومسيرات وأحيت المناسبة في عدد من بلدان العالم، وخاصة المسيرة العالمية إلى نصب الشهداء في يريفان كتعبير عن عدم نسيان الكارثة، الجرح المفتوح الذي لم يندمل بعد.


الأرمن من جهتهم أبدوا استعداداً للمصالحة أكثر من مرة شرط اعتراف تركيا الرسمي بالمجزرة والاعتذار للشعب الأرمني والتعويض عن مأساته معنوياً ومادياً، فالأرمن لا يعادون الشعب التركي والمشكلة مع السلطة التركية رغم عدم مسؤوليتها مباشرة عن المجزرة. أما تركيا فلا تستطيع التصالح مع ماضيها ومع الشعب الأرمني المجاور إلا بالبدء بالتخلي عن إنكارها الكاذب. لقد دعا رئيس الوزراء أردوغان الأرمن للحوار ولفتح الملفات والوثائق القديمة في أرشيف الحكومة، لكن هذه الدعوة لن تؤدي لنتائج إذا كانت مخططة مسبقاً لإظهار أن التفسير الرسمي للمجزرة هو الحقيقة الوحيدة.


إلا أنه لا يمكن فقدان الأمل بالحكومة الحالية التي أثبتت اعتدالها ورغبتها في حل جميع المشكلات العالقة مع الجوار وخاصة المسألة القبرصية، وأنها قد تعمل لتطوير هذه المبادرة للتقارب مع المطالب الأرمنية والدولية، وخاصة أن المسألة ليست فقط مبدئية أو أخلاقية، بل تتعلق أيضاً بمصالح تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي الذي لا يمكن أن يتحقق دون حلها، بالإضافة للمسألة الكردية التي قطعت خطوات قليلة على طريق الحل رغم أنها أعقد بكثير.

المجزرة الأرمنية ليست الوحيدة في القرن العشرين، فقد تبعها مجازر عديدة ومنها التي قام بها الحكم الستاليني ضد شعوب روسيا، ومجازر هتلر التي اعترفت ألمانيا بمسؤوليتها عنها، وخاصة المحرقة اليهودية "الهولوكوست"، واعتذرت للشعب اليهودي ودفعت المليارات كتعويضات. بالإضافة للمجزرة الكمبودية في عهد بول بوت في العام 1978، ومجزرة تدمر وحماة وصبرا وشاتيلا وحلبجة والأنفال، وآخرها مجزرة راو ندا في العام 1994، وهي كلها وغيرها جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، ومسؤولية المجتمع الدولي ألا يدعها تمر دون عقاب، للحؤول دون وقوعها في أماكن أخرى.

لا بد من قوانين دولية تلزم جميع الدول بالتدخل لوقف المجازر ومحاسبة مرتكبيها بصرف النظر عن المصالح التي تتذرع بها العديد من الدول للسكوت عن المجازر، فالأولوية للمصلحة الإنسانية الشاملة، علماً بأن أميركا تغاضت عن الاعتراف بالمجزرة الأرمنية لكي لا تتضرر مصالحها وتحالفها مع تركيا وغيرها من الدول، وإسرائيل أيضاً فضلت علاقتها مع تركيا رغم تعرض اليهود للإبادة ومعاناتهم من المتنكرين لحدوثها. كما أن الدول العربية والإسلامية، التي احتضن بعضها الأرمن الناجين، المتوجهة نحو الديمقراطية وتفضيل العلاقات الإنسانية بين الدول، لا مصداقية لتوجهها هذا، مع الاستمرار في تجاهل المجزرة الأرمنية وكافة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية قديمها وحديثها.