الذهان psychose مصطلح عام يطلق على الإصابات العقلية الشديدة التي تعيق التلاؤم العقلي مع متطلبات الحياة، لذا فهو اضطراب يصيب إحدى الوظائف العقلية أو كلها بما فيها العاطفة والتفكير والإدراك، وفيه يبتعد المريض عن الواقع ويضطرب سلوكه وتختل موازينه العقلية كلها ويفقد بصيرته ومحاكمته وإدراكه السليم للأمور.
ويشمل الذهان الأمراض الآتية:
هي حالة متكررة من الهوس mania أو الاكتئاب depression أو الاثنين معاً بالتبادل ويصبح المصاب متغير الحس والأفكار والحركة بسرعة كبيرة في حالة الهوس، وبطيء الانفعال والحس والحركة في حالة الاكتئاب.
للوراثة شأن هام (60 إلى 70%) في حدوثه كما أنه يصيب الإناث أكثر من الذكور والاسكندنافيين أكثر من العروق الأخرى، يضاف إلى ذلك أن لاضطراب الغدد الصم مثل تسمم الدرق ونفاس الولادة والدورة الطمثية شأناً في الإصابة به.
أطوار المرض:
- الهوس الخفيف hypomania: ويكون فيه المريض مليئاً بالحيوية والنشاط لكنه غير مستقر في مكانه وأفكاره، ويميل للعدوانية الخفيفة والتعليق على الآخرين.
- الهوس الحاد acute mania: ويكون فيه الهوس بدرجة أشد والمريض مضطرب شديد المرح، سريع الغضب، كثير التأثر بالمنبهات الداخلية والخارجية وعلاقته بالبيئة مضطربة جداً من دون تعقل، وتظهر الهلاوس والهذيانات على سلوكه ويشعر بالعظمة، كما تضعف محاكمته العقلية للأمور.
- الهوس الهذياني delerious mania: والهوس في هذه الحالة شديد جداً والمريض غير مستقر، يتصف بالعدوانيةً وبإصابته بالهلاوس السمعية والبصرية والهذيانات وفقدان الإدراك.
- الهوس المزمن chronic mania: يستمر الهوس في هذه الحالة مدة طويلة ويصبح مزمناً، ويحدث عادة في سن متأخرة (40 سنة وما فوق) وتكون أعراضه أقل من الهوس الحاد، ويأتي بشكل هجمات هوسية دورية.
ب - طور الاكتئاب depressive phase: وتبدو على المريض علامات الحزن وبطء الحركة والتفكير، وقد يترافق بتوهم المرض والاضطهاد واتهام الذات بالتقصير، ويميل المريض لإيذاء نفسه والانتحار.
ويقسم الاكتئاب بحسب شدته إلى:
- الاكتئاب البسيط simple depression: وفيه يكون الاكتئاب خفيفاً والمريض بطيء الحركة حزين المظهر ضعيف التفكير والتركيز الذهني، يشكو من الصداع والتعب.
- الاكتئاب الحاد acute depression: وفيه تكون علامات الاكتئاب واضحة وشديدة، ويبدو المريض منفعلاً بطيء الكلام والحركة، كثير الشكوى من الأمراض الجسدية، قليل الانتباه، تبدو عليه علامات الشعور بالذنب والحزن واليأس وربما حاول الانتحار.
- الاكتئاب الذهولي depressive stupor: وفيه تكون أعراض الاكتئاب شديدة جداً، والمريض بطيء الحركة والكلام على نحو شديد، متبلد أو عديم الشعور والعاطفة ومضطرب الوعي، هزيل الجسم ضعيف الصحة، تتملكه أفكار انتحارية.
- اكتئاب سن الإياس أو الاكتئاب الأوبي involutional depression: هو نوع من الاكتئاب يصيب النساء في مرحلة سن الإياس وانقطاع الطمث كما يصيب الرجال في سن التقاعد. تظهر على المريض علامات الاكتئاب والقلق وعدم الاستقرار والخوف من الموت واتهام الذات والشك بالآخرين وحس انعدام بعض أعضاء الجسم أو أطرافه.
المعالجة: هناك العلاج العضوي ويكون بالأدوية النفسية أو بالصدمات الكهربائية (E.C.T) electro-shock من قبل الطبيب النفسي. كما أن هنالك العلاج النفسي ويكون بجلسات نفسية من قبل الطبيب أو المعالج النفسي، هدفها دعم السلوك النفسي للمريض وتعزيزه ومناقشة أعراض المرض وإقناع المريض بأنها وهمية. يضاف إلى ذلك علاج اجتماعي وعلاج بالعمل وهدفهما حل مشكلات المريض المادية والاجتماعية وإملاء فراغه وإعادته للعمل والنشاط الاجتماعي ليستعيد ثقته بنفسه وبأسرته ومجتمعه.
الفصام schizophrenia
مرض عقلي يصيب الوظائف العقلية، ويتصف بحدوث اضطرابات شديدة في مجالات العاطفة والتفكير والإدراك، وميل متزايد إلى الانزواء والانطواء على الذات مما يسبب تدهوراً تدريجياً في الشخصية فيصبح المريض عاجزاً عن التكيف مع بيئته. ويبدأ هذا المرض عادة في سن المراهقة، ولا تعرف له أسباب محددة وأكيدة ويمكن تقسيمها إلى:
- أسباب مهيئة للمرض: وللوراثة فيها شأن هام بنسبة 60 إلى 70%، كما أن هذا المرض يصيب فئات خاصة من العمر (اليافعون 15 سنة والمسنون بعد سن الأربعين)، وللتكوين النفسي والجسدي تأثيرهما فيه كالنمط النحيف والنمط الرياضي من الأجسام، والميالين نفسياً للعزلة والحساسين، ولاضطرابات الغدد الصم والتمثل الغذائي وأمراض الجهاز العصبي المركزي شأن مهيئ لهذه الإصابة.
- أسباب مؤهبة للمرض: وهي الأسباب التي تفجر المرض وتُظهره مثل ارتفاع الحرارة ونفاس الولادة وإصابات الرأس والصراع العاطفي لمدة طويلة والإحباط والحرمان العاطفي والأزمات وزيادة الضغط الخارجي على المريض والغربة والسفر والمعاناة الطويلة.
أعراض الفصام:
- أعراض اضطراب مجال التفكير: يضطرب تفكير المريض ويصبح غامضاً ومشوشاً وغير مترابط، كما يعاني من ضغط الأفكار أو هروبها من رأسه وتظهر لديه الهلاوس السمعية والبصرية والحسية والهذيانات الاضطهادية والانعدامية، ويتأثر المريض بالأهلاس السمعية ويستجيب لها بعقله وجسمه وكأنها حقيقية ويعيش من خلالها.
- أعراض اضطراب السلوك الحركي والإرادة: تظهر على المريض أعراض التردد وضعف الإرادة وعدم أخذ القرار ويضطرب السلوك الحركي ويصبح المريض منعزلاً بعيداً عن الناس والمجتمع، بعيداً عن الواقع وكأنه يعيش في عالم خيالي خاص به يصعب إخراجه منه.
- أعراض اضطراب العاطفة: وتظهر على هيئة تبلد الشعور واللامبالاة وتذبذب العاطفة وتناقضها وانعدام العاطفة وتباينها أحياناً.
أنواع الفصام:
- الفصام البسيط simple schizophrenia: يبدأ تدريجياً ويتقدم ببطء ويصبح مزمناً ويظهر على المريض تبلد الشعور وفقدان الإرادة والانطوائية وأحلام اليقظة ويشكو من أمراض جسدية وهمية ويصبح غارقاً في أفكاره وأوهامه ولا يعمل.
- الفصام الخامل أو فصام المراهقة أو فصام الفند hebephrenic schizophrenia: وفيه يكون المريض خاملاً جداً، قليل الفعالية مشوش الأفكار، تظهر عليه علامات الاضطراب الفكري من هلاوس واضطراب العاطفة وتذبذبها كما يصاب المريض بالاكتئاب والانزواء أو السلبية الشديدة.
- الفصام التصلبي catatonic schizophrenia: يبدو هذا النوع على نحو فجائي، ويكون دورياً وينتهي بتدهور الشخصية. يصاب المريض بالهمود والذهول أو بالهياج الشديد وتظهر علامات الجمود الحركي وتكرار الكلام الذي يسمعه أو تقليد الحركة التي يراها ويحافظ على الوضع الذي يوضع به لمدة طويلة دون تعب أو حس بالألم.
- الفصام الضلالي أو الزَّوَري paranoid schizophrenia: يبدأ تدريجياً أو بشكل حاد في سن متأخرة (30-40 سنة)، تبقى فيه شخصية المريض متماسكة ويصاب بالهذيانات والضلالات الاضطهادية والأهلاس وخاصة السمعية منها. وتظهر أعراض الشك الشديد بكل من حوله وعدم الثقة بأحد كما يصاب المريض أحياناً بداء العظمة والاستعلاء على الآخرين ثم ينتهي باضطراب الشخصية الشديد.
المعالجة: تقوم معالجة مرضى الفصام على المعالجة الدوائية بمضادات الفصام القديمة منها والحديثة التي تخفف أو تزيل أعراض المرض العقلية وتوقف الهجمة الشديدة، وقد يحتاج الأمر للمعالجة الفيزيائية بالصدمات الكهربائية للحالات التي تتصف باضطراب العاطفة الشديد والاكتئاب والذهول، وهناك المعالجة الجراحية المزمنة وذلك بنزع الفص الجبهي منالدماغ prefrontal lobotomy أو استئصالها. وهنالك أيضاً المعالجة النفسية والاجتماعية والمعالجة بالعمل وهي هامة جداً وتطبق بعد زوال الهجمة المرضية وهدفها تصحيح سلوك المريض وحل الصعوبات التي تواجهه وإعادته للعمل والأسرة والمجتمع ليستعيد ثقته بنفسه.
الزَّوَرْ والحالات شبه الزورية paranoia and paranoid conditions:
الزور هو اضطراب عقلي مزمن يتميز بهذيانات مرتبة ومنطقية ولا تترافق بتغير في السلوك والمزاج والحالة الانفعالية عند المريض.
قد تكون أسبابه وراثية، كما في الشخصية الزورية، أو نفسية كالشعور بعدم الاطمئنان والشعور بالذنب والإخفاق والفشل، أو اجتماعية كالتعرض للضغط الاجتماعي والنفسي لمدة طويلة.
تظهر أعراضه بعد سن الثلاثين وتتصف بهذيان حاد حول بعض المشكلات التي تواجه المريض ثم يظهر بعدها التبرير غير المنطقي لإثبات صدق أفكاره وميوله العدائية ومعتقداته الخاطئة المليئة بالشعور بالكره والعدوانية تجاه الآخرين الذين يتهمهم باضطهاده، أو يأخذ المرض شكل هذيان العظمة أو سوء التأويل المشحون بشحنة عاطفية شديدة من الغضب. وقد يتهم المريض الآخرين بالتجسس عليه ومراقبته والتآمر عليه ونشر الأكاذيب عنه ويصبح المريض متعالياً وعدائياً وكثير الشكوى.
أنواع الزور:
- الزور الاضطهادي: والفكرة الهذيانية المسيطرة فيه هي الاضطهاد من الآخرين وتفسير سلوكه الخاص والعدواني من خلال هذه الفكرة المصحوبة بالغضب الشديد والانفعال الذي يوجه سلوك المريض وعدوانيته تجاه الآخرين.
- الزور الخصامي: وفيه تظهر فكرة العناد الشديد في أفكاره الخاطئة والإلحاح بالمطالبة بحقوقه والشكوى من الظلم والغبن الشديد من قبل الآخرين.
- الزور العَظَمي (زور الشعور بالعظمة): وتبدو فيه أفكار العظمة وادعاء الاختراعات واضحة، وربما ادعى المريض أنه من أسرة نبيلة أو قائد ديني أو سياسي مشهور وفيه يصبح سلوك المريض متناسباً مع هذه الهذيانات بما يتصل بالهندام والحركة والتقمص.
- الزور الغَرامي: وفيه يظهر هذيان الاعتقاد بأن المريض محبوب من قبل أمير أو أميرة أو من قبل شخصية اجتماعية مشهورة سمع باسمها بالصحف والمجلات أو الأخبار ويتخيل أن هذه الشخصية تراسله وتلاحقه لإيقاعه بحبائلها للزواج أو التقرب منه والإيقاع به.
المعالجة: المعالجة المفضلة في هذا المرض هي المعالجة الدوائية بأدوية خاصة تخفف من هذه الهذيانات وتهدئ المريض. وتقتضي بعض الحالات الشديدة والخطيرة معالجة المريض في المستشفى. كما أن المعالجة الاجتماعية مفيدة جداً في أكثر الحالات وذلك باستعمال التهدئة واللطف مع المريض من قبل بيئته وأسرته وعدم إثارة عدوانيته الشديدة تجاه الآخرين.