الوراثة genetics
لمحة تاريخية:
توافرت عناصر الوراثة منذ بدء الخليقة وكانت مهمة الأثر في نشوء الأنواع المختلفة وتطورها. وفيما بين عامي 470 ـ322ق.م كتب أرسطو وأفلاطون وأبقراط عن وراثة الصفات البشرية، واعتقدوا أن السائل المنوي مسؤول بشكل ما عن نقل الصفات إلى الأبناء، على الرغم من أنهم لم يدركوا مساهمات كل من الأبوين في ذلك.
وصف روبرت هوك Robert Hooke الخلية أول مرة عام 1665 مستخدماً مجهراً ضوئياً بدائياً. وفي عام 1839 اقترح ماتياس شلايدن Matthias Schleiden وتيودور شڤان Theodor Schwann أن الخلايا والأنوية كانت الوحدات الرئيسة في الحياة. وفي عام 1855 اقترح رودُلف ڤيرشو Rudolph Virchow أن الخلايا الحديثة تتكون فقط من انقسام خلايا موجودة قبلها.
في عام 1859 نشر داروين[ر] Darwin كتابه «في أصل الأنواع» On the Origin of Species مقترحاً حدوث التطور evolution بوساطة الاصطفاء الطبيعي natural selection. وفي عام 1866 نشر غريغور مندل [ر] بحثه «تجارب في تهجين النبات» Experiments in Plant Hybridization التي اقترحت مبادئ الوراثة وأدخلت مفهوم العوامل الوراثية genetic factors التي تسبب الصفات السائدة dominant traits والصفات المتنحية recessive traits، ويعرف مندل اليوم بأنه الأب المؤسس لعلم الوراثة.
حصل يوهان ميشَر Johann Miescher عام 1869 على مستخلص من الحمض النووي وأعطاها اسم «نووين» nuclein، ولعله بذلك كان أول من اكتشف الأسس الفيزيائية للوراثة، واقتضى الأمر نحو 80 سنة قبل أن يُوضَح أن النووين هي الدنا DNA. وبين عامي 1879-1882 اكتشف والتر فليمنغ Walther Flemming باستخدامه صبغات حديثة خيوطاً رفيعة يبدو أنها قيد الانقسام ضمن أنوية خلايا يرقات السلمندر salamander، وبذلك يكون قد اكتشف الصبغيات (الكروموزومات) chromosomes.
في عام 1883 أطلق فرنسيس غالتون Francis Galton اسم تحسين النسل eugenics لوصف تحسين الإنسان بوساطة التربية الانتقائية selective breeding، وأسس مخبراً للتحسين الوطني للنسل في الكلية الجامعية في لندن.
شهد القرن العشرون اكتشافات مذهلة في علم الوراثة، وابتدأ في عام 1900 بإعادة اكتشاف مبادئ (أو قوانين) مندل الوراثية التي ظلت مهملة منذ أعلنها، وكان ذلك من قبل ثلاثة علماء هم هوغو دوفريز Hugo de Vries وكارل كورنز Karl Correns وإريش فون تشيرماك Erich von Tschermak.
تتابعت أبحاث الوراثة على نحو سريع منذ مطلع القرن العشرين وفي أثنائه، وكان منها على سبيل المثال ما يأتي:
أطلق وليَم بيتسون William Bateson اسم genetics على علم الوراثة، وفي عام 1910 استخدم العالم الشهير توماس مورغَن[ر] ذبابة الخل Drosophila melanogaster في أبحاثه، وأثبت ارتباط بعض الصفات بالجنس. وأوضح أحد تلامذته كالفِن بريدجز Calvin Bridges عام 1913 أن المورثات توجد في الصبغيات. وفي العام ذاته أظهر تلميذه الآخر ألفرد ستورتِفانت Alfred Sturtevant الترتيب الخطي للمورثات على الصبغي، كترتيب حبات المسبحة على خيطها؛ كما أوضح أن مورثة أي صفة معينة توجد في موقع locus ثابت على صبغي معين. وفي عام 1926 اكتشف هيرمَن ج. موللر Hermann J. Muller - وهو تلميذ آخـر لمورغَن - طرائق لإنتاج طفرات[ر] mutations باستخدام الإشعاع وغيره من مواد مطَفِّرة mutagens، وبذلك اكتشف منشأ المورثات الجديدة بالطفرات، وهي نظرية كان دوفريز اقترحها في مطلع تسعينيات القرن العشرين. وفي عام 1941 اقترح جورج بيدل George Beadle وإدوارد تاتوم Edward Tatum أن «المورثة الواحدة تُرمِّز لإنزيم واحد».
لعل أعظم الاكتشافات في علم الوراثة كان تحديد البنية الحلزونية المزدوجة للدنا من قبل فرنسيس كريك[ر] Francis Crick وجيمس واتسون James Watson عام 1953، ومن ثم أوضح واتسون المبدأ الرئيس في الوراثة وهو أن الدنا يمكن أن تتضاعف لإنتاج دنا، أو أن تنتج رنا مرسال mRNA يستطيع بدوره إنتاج بروتين.
ليس من اليسير إدراج الاكتشافات كافة في مختلف مجالات علم الوراثة والتي تم تحقيقها في القرن العشرين، لكنه يجب عدم إهمال الإشارة إلى أعمال الهندسة الوراثية[ر] genetic engineering وتطبيقاتها الكثيرة التي ابتدأت منذ مطلع السبعينيات، وكذلك إلى النتائج الباهرة لمشروع الجينوم البشري[ر] Human Genome Project الذي تم تنفيذه عام 2003.
المورثة:
الشكل (1) |
المورثة gene هي الوحدة الفيزيائية والوظيفية الأساسية في الوراثة، تتكون من الحمض الريبي النووي المنقوص الأكسجين (الدنا) DNA [ر: الصبغي (كروموزوم)]، وتحمل تتاليات القواعد bases فيها (أدنين adenine، سيتوزين cytosine، غوانين guanine، وتيمين thymine) المعلومات اللازمة لصنع البروتينات المختلفة في سيتوبلازم الخلايا (الشكل 1)، وهي تُعد المكونات الأساسية في الخلايا والأنسجة وكذلك لصنع الإنزيمات المهمة في التفاعلات الكيمياوية الحيوية. ويراوح حجم المورثات بين بضع مئات من القواعد، إلى أكثر من مليونين منها.
يمتلك كل إنسان (وحيوان) نسختين copies من كل مورثة (ماعدا المرتبطة بالجنس منها في الذكور) واحدة منهما من الأب والثانية من الأم. والغالبية العظمى من المورثات هي واحدة في جميع الناس، تختلف فيما بينهم بما لا يزيد على 0.1% منها. والأليلات alleles هي أشكال من المورثات ذاتها ولكن يختلف بعضها عن بعض بتتالي القواعد فيها، وتسهم هذه الاختلافات البسيطة في تحديد الصفات الخاصة بكل كائن.
يحتوي كل صبغي على كثير من المورثات، ويبلغ عددها في الإنسان نحو 25000 مورثة، وتختلف أعدادها من صبغي إلى آخر ومن نوع إلى نوع، وقد أمكن معرفة الكثير عنها وعن تركيبها ووظائفها من دراسات مشروع الجينوم البشري[ر]. وتشكل المورثات ما لا يزيد على 2% من جينوم الإنسان، أما الباقي فيتكون من مناطق لا تُرمِّز لبروتينات. ويُعتقد أن وظائفها تضم إعطاء الصبغي هيكلية مناسبة، إضافة إلى تنظيم أين ومتى تُصنَّع البروتينات وكمياتها؟
الوراثة المندلية
الراهب النمسوي غريغور يوهان مندل [ر] Gregor Johann Mendel هو أب علم الوراثة، و يعود إليه الفضل في وضع أسسها عبر أول تحليلات إحصائية منتظمة وسليمة أجراها على نتائج تجاربه في نباتات البازلاء في حديقة الدير الذي كان يقطنه. وفي عام 1865 وفَّرت هذه التجارب أول أدلة قاطعة بشأن وحدات الوراثة التي سمَّاها آنذاك «عوامل» factors، وتُسمى اليوم مورثات (جينات) genes، مع العلم أنه لم يكن يعرف لا المورثات ولا الصبغيات التي تحملها.
تتميز البازلاء التي اختارها مندل في تجاربه بوضوح تام للصفات، فمثلاً لون الأزهار هو أرجواني أو أبيض، والساق طويلة أو قصيرة والبذور مجعدة أو ملساء، وغيرها من سبع صفات درسها (الشكل 2). واستعداداً لتنفيذ تجاربه حرص على تكوين مجموعات أصيلة (نقية) pure وراثياً بتكرار التأبير الذاتي لنباتاته للصفات المرغوبة أجيالاً متعددة وذلك لضمان امتلاك جميع النباتات للصفة ذاتها (مثلاً نباتات طويلة الساق، ونباتات قصيرة الساق). وابتدأ تحليلاته بتتبع وراثة صفة واحدة فقط في وقت واحد.
الشكل (2) |
مثال لتجاربه على ما يُسمى اليوم الهجونة الأحادية: لقَّح مندل نباتات بيضاء الأزهار وأخرى أرجوانية purple، وزرع البذور الناتجة فحصل على الجيل الأول F1 الذي كانت جميع أزهاره أرجوانية اللون، ثم لقح نباتات هذا الجيل تلقيحاً خلطياً وزرع بذوره فحصل على الجيل الثاني F2 الذي كانت أزهاره أرجوانية وبيضاء، وبنسبة 3 أرجواني إلى 1 أبيض (الشكل 3).
الشكل (3) |
وعلى هذا فإن صفة واحدة من شفع الصفتين وهو اللون الأرجواني ظهر في الجيل الأول، أما الصفة الثانية فلم تظهر في أي من نباتاته، وهذا ما يُعرف بالسيادة dominance، أما الصفة المستترة (اللون الأبيض) فهي الصفة المتنحية recessive.
كانت أزهار الجيل الثالث وما تلاه، والناتجة من التأبير الذاتي لنباتات الجيل الثاني بيضاء الأزهار، بيضاء اللون، مما يدل على نقاوتها الوراثية، أما نباتات الجيل الثاني الأرجوانية الأزهار فإنها سلكت سلوكاً مغايراً، فثلثها أنتج بالتأبير الذاتي في الجيل الثالث وما يليه أزهاراً أرجوانية فقط، والثلثان الآخران أنتجا فيه كلا اللونين بنسبة 3 نباتات أرجوانية الأزهار ونبات واحد أبيض الأزهار، مما يدل على كون نباتات هذين الثلثين هجينة (الشكل 4).
كرر مندل تلقيحاته في أشفاع الصفات الست الأخرى فحصل على نتائج مماثلة لتجربته حول لوني الأزهار (الشكل 2)، ومن ثم فإن الانتظام الرياضي وقابلية الإعادة لهذه التجارب بنجاح أقنعا مندل أن صفة لون الأزهار، وكذلك الصفات الأخرى التي درسها وحلل نتائجها قد انتقلت مسبباتها من دون أيما تغيير من جيل إلى التالي له. وقد سمَّى مندل هذه المسببات «عوامل» factors، وعُرفت منذ أوائل القرن العشرين باسم «مورثات» (جينات).
اقترح مندل أن كل نبات يمتلك «عاملين» (مورثتين) للون الأزهار، وعاملين لطول الساق، وهكذا لبقية الصفات التي درسها، وأن كل أب يورث نسله أحد العاملين. ولتتبع وراثة صفة لون الأزهار يُستخدم الحرف الكبير «P» (من purple) رمزاً لعامل (مورثة) لون الأزهار القرمزي، والحرف الصغير «p» رمزاً للأليل الخاص باللون الأبيض.
الشكل (4) |
ولكون نباتات الآباء متماثلة الزيجوت homozygous فإن النباتات قرمزية الأزهار تمتلك المورثتين السائدتين، أي PP، وتمتلك النباتات بيضاء الأزهار المورثتين المتنحيتين pp، ولما كان كل أب يورث نسله مورثة واحدة من المورثتين كان النمط الوراثي genotype للجيل الأول هو Pp، وهو بذلك مختلف الزيجوت heterozygous، ومن ثم افترض مندل أن تأثير العامل السائد ستر تأثير العامل المتنحي، وكان النمط المظهري phenotype كل نباتات هذا الجيل هو اللون القرمزي. أما لون أزهار الجيل الثاني فكان موزعاً بنسبة 3 قرمزي :(P-) و1 أبيض (pp)، وهذا موضح في الشكل (2) الذي يبين أيضاً أن ثلث الأزهار القرمزية متماثل الزيجوت (PP) وأن ثلثيها الآخرين مختلفا الزيجوت (Pp)، أي (1 PP: 2 Pp: 1pp).
تبين مما سبق أن أثر الأليل المتنحي لا يظهر في الجيل الأول (الهجين)، كما أن هذا الأليل لا يمتزج بقرينه السائد، ويظهر أثر الأليل المتنحي مجدداً في الجيل الثاني حين وجوده بحالة أصيلة (pp). ويدعى عدم امتزاج أليلات كل شفع من المورثات في أعراس الأفراد الهجينة بظاهرة نقاوة الأعراس، وتكمن فيها الآلية الخلوية للانقسام الاختزالي meiosis.
لم يكتفِ مندل بدراسة الهجونة الأحادية (المعتمدة على شفع واحد من الأليلات)، بل درس أيضاً السلوك الوراثي للنسل في حالة الهجونة الثنائية حيث تتحكم مورثتان اثنتان في الصفة الواحدة، ولاحظ أن كل زوج من الأليلات يورث مستقلاً عن الآخر، وتُعرف هذه الظاهرة بقانون التوزع الحر law of independent assortment. مثال ذلك التهجين بين نباتات بازلاء يمتلك بعضها بذوراً ملساء صفراء اللون، وكلاهما صفة سائدة، ويمتلك بعضها الآخر الصفتين المتنحيتين (بذور مجعدة خضراء اللون)، فكانت بذور الجيل الأول ملساء الشكل وصفراء اللون، أما بذور الجيل الثاني فتوزعت بنسبة 1:3:3:9 (الشكل 3)، وأمكنه تقسيم جميع البذور (وكان عددها 556 بذرة: 315 ملساء صفراء، 101 مجعدة صفراء، 108 ملساء خضراء، 32 مجعدة خضراء) إلى قسمين:
1ـ من حيث الشكل: 315+108=423 بذرة ملساء.
101+32=133 بذرة مجعدة (أي بنسبة 1:3).
2ـ من حيث اللون: 315+101= 416 بذرة صفراء.
108+32=140 بذرة خضراء (أي بنسبة 1:3).
بعد نحو 50 سنة من إجراء مندل لتجاربه اكتُشِفت الصبغيات بعد أن طُوِّر المجهر تطويراً كبيراً، كما دُرس سلوك الصبغيات في أثناء الانقسامات الخلوية، ولاسيما الانقسام الاختزالي الذي يحدث في أثناء تكوين الأعراس gametes الذكرية والأنثوية. وقد لوحظ توازٍ دقيق لسلوك الصبغيات في أثناء الانقسام الاختزالي مع سلوك المورثات الذي سبق أن وصفه مندل. وثبت أيضاً أن أشفاع الأليلات كانت تحمل على أشفاع متماثلة من الصبغيات، وأن هذه الصبغيات تنفصل في أثناء الانقسام الاختزالي، مما يعلل القانون المسمى قانون الانعزال law of segregation (وهو أيضاً لمندل).
الوراثة اللامندلية
يمكن إثبات صحة نتائج مندل في حالة وراثة أكثر من شفعين من الصفات، وبديهي أنه يُشترط لذلك أن تكون أشفاع المورثات محمولة على أشفاع مختلفة من الصبغيات، أي لا تكون مرتبطة معاً [ر. العبور الوراثي].
تميل المورثات القريبة من بعضها على صبغي ما إلى تكوين مجموعة ارتباطية، وتزداد شدة الارتباط فيما بين المورثات بازدياد اقترابها بعضاً من بعض، في حين يزداد احتمال انفصالها عبر ظاهرة العبور crossing over في أثناء الانقسام مع ازدياد المسافة بين مواقعها. وقد كان هذا الاكتشاف من بين عدد كبير من الاكتشافات التي أثبتت عدم صحة تطبيق قانوني مندل في جميع الأحوال.
في أبحاث مندل لم يكن هنالك تأثير لجنس الأبوين في مظاهر الأبناء في كل من الصفات السبع التي درسها، تمييزاً لها من الوراثة المرتبطة بالجنس[ر] sex-linked inheritance، كما هي الحال في مرض الناعور hemophilia مثلاً. كما أن الأنماط المظهرية تختلف في حالة السيادة غير التامة [ر] incomplete dominance حيث يكون مظهر الهجن وسطاً بين مظهري الأبوين، كما هي الحال في ماشية الشورتهورن، إذ يُنتج التلقيح بين حيوانات حمراء اللون وأخرى بيضاء اللون مظهراً وسطاً في الأبناء هو اللون الطوبي أو القرميدي. إضافة إلى ذلك فقد تكون الصفة مسببة عن فعل عدة أشفاع من المورثات أو أن مورثة واحدة قد تسبب عدة صفات.
إن اكتشاف أن المورثات مكونة من الدنا (نحو عام 1950)، واكتشاف جيمس واتسون James Watson وفرنسيس كريك [ر] Francis Crick للتركيب الحلزوني للدنا عام 1953 أدَّيا إلى تطور عظيم في أبحاث الوراثة وتطبيقاتها عبر التقدم الكبير في تحليل المادة الوراثية وطرائق التعامل معها. وبفضل هذه التطورات والمكتشفات التي نجمت عنها فقد استبدلت بالتحاليل الوراثية المندلية تقانات حديثة لإجراء التحليلات على المستويين الخلوي والجزيئي. ومن ثم أصبح ممكناً تحديد المورثات وعزلها ونسخها، وتعرف التركيب الجزيئي الدقيق الخاص بها، وصولاً إلى تنفيذ مشروع الجينوم البشري[ر] الذي حدد التركيب الدقيق لمورثات الإنسان ومواقعها في الصبغيات.
الوراثة الجزيئية:
تهتم الوراثة التقليدية (الكلاسيكية) بدراسة المظاهر الخارجية، في حين أن الدراسة الدقيقة للمورثات التي تسببها تقع تحت عنوان آخر هو الوراثة الجزيئية .molecular genetics
تتضمن مجالات هذا القسم المهم آليات تشغيل الخلايا وتصنيع المكونات المحدد تركيبها في المورثات. ويُركز على التراكيب الفيزيائية والكيمياوية للدنا. إن الرسائل المحفوظة في المورثات (الدنا) تكوِّن التعليمات التكوينية لمظاهر الكائن الحي المختلفة وكل شيء عنه، مثلاً كيف تعمل العضلات والغدد الصم والزمر الدموية وقابلية الفرد للإصابة بأمراض معينة، وغيرها.
تُظهر المورثات وظائفها عبر سلسلة من التفاعلات التي تبدأ باستنساخ رسائل الدنا إلى مكونات مؤقتة هي الرنا المرسال[ر] messenger RNA تنتقل إلى السيتوبلازم، حيث يقوم الرنا الناقل[ر] transfer RNA بنقل الأحماض الأمينية إلى سلاسل البروتينات المتكونة على الريباسات ribosomes وفقاً للتعليمات المنقولة في الرنا الناقل.
تقع دراسة تعبيرية المورثات (كيف تعمل وكيف تُوقف)، وكيف يعمل الراموز على مستوى الدنا والرنا تحت الوراثة الجزيئية. وإن بحوث أسباب السرطان والسعي إلى إيجاد علاجات لها تهتم بالنواحي الجزيئية وذلك لأن الطفرات تحدث على المستوى الكيمياوي للدنا. كما أن بحوث الهندسة الوراثية[ر] والمعالجة الوراثية (الجينية) تعود إلى الوراثة الجزيئية.
وراثة المجموعات
إن وراثة المجموعات (العشائر) population genetics هي أحد فروع علم الوراثة (الذي يمكن عده علماً رياضياً) والذي يهتم باستخدام الحسابات لمعرفة ما يحدث وراثياً في مجموع محدد من الكائنات الحية.
يدرس هذا القسم من الوراثة الاختلافات الوراثية في مجموع من الكائنات من نوع معين، مجموع من الأغنام مثلاً. وهو في روحه يصف هذا المجموع وراثياً، وماذا يحدث فيه نتيجة عوامل معينة: مثل الهجرة migration أو العزل عن مجاميع أخرى أو طرائق التربية breeding methods، أو السلوك أو الموقع الجغرافي والبيئة السائدة والمتغيرة، وغيرها.
وتدرس الوراثة الجزيئية أيضاً كيف يؤثر التنوع الوراثي لمجموع ما في شؤونه مثل صحة الأفراد فيه، فحيوانات الفهد cheetah الإفريقية السريعة مهمة جداً في التنوع الحيواني الأفريقي. وقد أوضحت وراثة المجموعات أن هذه الحيوانات متشابهة وراثياً إلى حد كبير؛ إذ إن طعماً graft جلدياً من أي حيوان منها لن يُرفض من جسم أي حيوان آخر. وبسبب الانخفاض الشديد في التنوع الوراثي ضمن هذا النوع فإن العلماء يخشون أن مرضاً ما قد يسبب القضاء على جميع أفراده ومن ثم انقراضه، إلا إذا توافرت أفراد مقاومة لهذا المرض.
إن الوصف الرياضي لوراثة مجموع ما يفيد من نواحً كثيرة، منها الطب الشرعي، كاستخدام حسابات احتمال التشابه بين البصمة الوراثية [ر] DNA fingerprint لفرد ما وأخرى من فرد آخر. ويستخدم الباحثون الطبيون وراثة المجاميع لمعرفة مدى انتشار طفرات معينة في محاولاتهم لتطوير أدوية وعلاجات جديدة.
الوراثة الكمية
يتأثر عدد من الصفات المهمة في الإنتاج الزراعي والوراثة الطبية وغيرها بعدد من المورثات، إضافة إلى تأثره بالعوامل البيئية. وتُسمى هذه الصفات بالصفات الكمية quantitative traits، وذلك لأن الأنماط المظهرية في مجموع ما تتباين في «كمية» الصفة بدلاً من نوعها. فالطول يختلف «كميا» من كائن إلى آخر وهو مثال لهذه الصفات. أما الصفات المتقطعة discrete فهي على خلاف الصفات الكمية، وإذ تختلف فيها الأنماط المظهرية من حيث «النوع»، مثال ذلك لون العيون البني مقابل اللون الأزرق.
تتأثر الصفات الكمية بكل من:
ـ العوامل الوراثية: بالأشكال المختلفة للأنماط الوراثية لمورثة أو أكثر.
ـ العوامل البيئية: بشروطها الجيدة أو الرديئة إذ تؤثر في تطور الصفة وظهورها.
في حالة بعض الصفات الكمية قد تنتج الفروق في بعض المظاهر من فروق في الأنماط الوراثية في حين تؤدي البيئة دوراً ثانوياً. وفي حالات أخرى قد تكون هذه الفروق المظهرية عائدة إلى تباينات بيئية أساساً. ولكن معظم الصفات الكمية تقع بين هاتين النهايتين، ولابد من أن يؤخذ في الحسبان كل من الوراثة والبيئة في أثناء عمليات التحليل.
إن معظم الصفات المهمة في تربية النبات والحيوان هي صفات كمية. ومن أهمها في الزراعة صفة الإنتاج، مثلاً كمية محصول الذرة أو البطاطا أو العنب من وحدة المساحة، أو كمية الحليب الناتج من البقرة وصنفه، أو عدد البيض من الدجاج، أو إنتاج اللحم من العجول وصنفه وغيرها. وعند الإنسان يمكن الإشارة إلى معدلات نمو الأطفال ووزن الإنسان البالغ وضغط الدم ومستوى الكوليسترول في الدم وطول العمر أمثلة على الصفات الكمية.
ومن جهة أخرى فإن التأثيرات المتعددة للمورثة pleiotropism تشير إلى تحكم مورثة ما بعدة صفات في آن واحد، وقد يكون للمورثة تأثير رئيس وتأثيرات ثانوية. ومن أمثلة ذلك أنيميا كريات الدم الحمراء المنجلية sickle cell anemia التي تسببها مورثة متنحية تأثيرها الأساسي في تكوين خضاب دم hemoglobin شاذ، ولها تأثيرات أخرى.
التفاعل بين الوراثة والبيئة
يتفاعل كثير من المورثات مع عوامل بيئية لإظهار صفات معينة. مثال ذلك مرض فقر الدم (الأنيميا) anemia الذي يتمثل بضعف عام ويُتسبب من نقص في عدد كريات الدم الحمراء، أو من نقص في كمية الدم. وهنالك نماذج مختلفة من هذا المرض، بعضها سببه وراثي، مثل أنيميا كريات الدم الحمراء المنجلية، وبعض آخر سببه نقص مزمن لعنصر الحديد في الغذاء ومن ثم في الجسم، أو من الإصابة بالملاريا. وهنالك أشكال أخرى سببها تآثر (تفاعل) عوامل بيئية معاً. فمثلاً: الناس المصابون بطفرة في إنزيم يدعى غلوكوز ـ6ـ فسفات ديهِدروجينيز glucose-6-phosphate dehydrogenase ـ وهو إنزيم مهم في المحافظة على سلامة الغلاف الخلوي لكريات الدم الحمراء ـ يصابون بفقر دم (أنيميا) شديد حين أكلهم الفول لأن مادة في الفول تسبب تهديم الكريات الدموية الحمراء لديهم، والاسم الشائع لهذا المرض هو نقص الإنزيم G6DP. ويمكن أن يتسبب تهدم الكريات الدموية الحمراء في بعض الناس بفعل عدد من الكيمياويات مثل النفثالين naphthalene الذي يستخدم لمكافحة العُث moth، وبفعل صادات (مضادات حيوية) antibiotics معينة وعقاقير أخرى. يصيب هذا المرض الرجال غالباً وهو منتشر في المناطق الساحلية من البحر المتوسط.
مثال آخر على تضافر شروط عدة لإظهار صفة معقدة هو مرض القلب. فمن المعروف أن العوامل الموروثة في مرض القلب مرتبطة باستقلاب الدهون والكوليستِرول. وقد أمكن تحديد أشكال شديدة من المرض ذات منشأ وراثي، كما أن هنالك مكونات بيئية ترتبط به مثل التدخين والغذاء الغني بالدسم المشبعة والكوليستِرول والسمنة ونقص الرياضة وغيرها.
الوراثة السيتوبلازمية
يحتوي سيتوبلازم معظم الكائنات حقيقية النواة مكونات تدعى المتقدرات (الميتوكوندريا) mitochondria وفيها تُستخلص الطاقة energy من جزيئات الغذاء وتُخزن على هيئة ثالث فسفات الأدينوزين triphosphate (ATP) adenosine لتستخدم في الخلية حين الحاجة.
تحتوي المتقدرات على جزيئات دنا خاصة بها، ويدعى دنا المتقدرات mitochondrial DNA (mtDNA)، وهذه تحتوي على عدد قليل من المورثات الخاصة باستقلاب الطاقة (إضافة إلى ما هو موجود منها في الصبغيات).
إضافة إلى المتقدرات تحتوي الخلايا النباتية أيضاً على مكونات تدعى صانعات خضراء (كلوروبلاست) chloroplasts، يحدث فيها التركيب الضوئي photosynthesis. وهذه المكونات تحتوي أيضاً على جزيئات دنا تدعى دنا الكلوروبلاست chloroplast DNA (cpDNA)، وهذا الدنا يحتوي على مورثات تُرمِّز لبعض البروتينات اللازمة للتركيب الضوئي.
تتحكم المورثات الموجودة في الصبغيات بالغالبية العظمى من صفات الكائن الحي، لكن هنالك شذوذ عن ذلك يتمثل في أن عدداً ضئيلاً من الصفات يخضع لمورثات موجودة في المتقدرات أو الكلوروبلاست في السيتوبلازم، وتدعى الوراثة آنذاك وراثة سيتوبلازمية cytoplasmic inheritance.
تبرقش أوراق نبات شب الليل البستاني (نبات الساعة الرابعة) Mirabilis jalapa هي من أقدم الصفات المدروسة للوراثة السيتوبلازمية، والنباتات المبرقشة تمتلك أغصاناً أوراقها ذات لون أخضر طبيعي، وأخرى ذات أوراق بيضاء، وثالثة ذات أوراق مبرقشة باللونين معاً.
وجد كورنز Correns (وهو الذي اكتشف هذه الحالة) أن البذور الناتجة من أزهار على الأغصان خضراء الأوراق أنتجت جميعها نباتات خضراء الأوراق، بغض النظر عن مظهر الأوراق في الأغصان التي أُخذت حبوب الطلع منها، أي سواء كانت خضراء أم مبرقشة أم بيضاء. وأنتجت بذور الأغصان بيضاء الأوراق نسلاً أبيض الأوراق بغض النظر عن مظهر الأوراق في الأغصان التي أُخذت منها حبوب الطلع. ومات هذا النسل في مرحلة الإنتاش لعدم امتلاكه يخضوراً. أما البذور الناتجة على الأغصان المبرقشة الأوراق فأنتجت بنسب مختلفة نسلاً أخضر وآخر أبيض وثالثاً مبرقشاً، وذلك بغض النظر أيضاً عن مظهر أوراق الأغصان التي أُخذت منها حبوب الطلع. وهذا يشير إلى أن مظهر النسل يماثل دوماً الأم، في حين لم يسهم الأب الذي أنتج حبوب الطلع بأي شكل في مظهر النسل. وهذا الفرق واضح للغاية في التهجينات الآتية التي أجراها كورنز:
تُفسَّر هذه الوراثة بوجود المورثات ذات العلاقة في الكلوروبلاستيدات ضمن السيتوبلازم، وعادة تتلقى البويضات المخصبة zygotes في الكائنات حقيقية النواة معظم سيتوبلازمها من البويضة (العروس الأنثوية) وتسهم الأعراس الذكرية بنسبة قليلة جداً من السيتوبلازم. ومن ثم فإن أي مورثة في السيتوبلازم ستُظهِر وراثة أمومية maternal inheritance. ويعود تبرقش الأوراق في هذا النبات إلى احتوائها كلوروبلاستيدات خضراء طبيعية وأخرى بيضاء لا تحوي كلوروفيلاً.
لا تمتلك الكلوروبلاستيدات والمتقدرات صبغيات، ولكنها تمتلك جزيئات من الدنا هي التي تحمل المورثات، وهي لا تبدي سلوكاً منتظماً حين الانقسام الخلوي، ومن ثم فإن توزيعها في الخلايا البنات هو توزيع عشوائي يؤدي إلى كون الوراثة السيتوبلازمية غير منتظمة وتشذ عن القوانين الوراثية المعروفة.
يمتلك جزيء دنا المتقدرات عند الإنسان نحو 16500 زوج من القواعد ويحتوي على 37 مورثة ضرورية لتنفيذ الوظائف الطبيعية للمتقدرات، ثلاث عشرة منها توفِّر المعلومات اللازمة لصنع إنزيمات مهمة ذات علاقة بالفسفرة التأكسدية oxidative phosphorylation، وهي العملية التي تستخدم الأكسجين والسكريات البسيطة لتكوين ثالث فسفات الأدينوزين الذي يُعد المصدر الرئيس للطاقة للخلية. أما المورثات المتبقية فهي توفِّر المعلومات اللازمة لصنع جزيئات الرنا الناقل[ر] transfer RNA والرنا الريباسي ribosomal RNA اللازمة لصنع البروتينات.
يمكن حدوث طفرات في دنا المتقدرات، وقد رُبط ذلك ببعض حالات السرطان في الثدي والقُولُون (المعي الغليظ) والكبد والمعدة والكلية، وكذلك بحالات من ابيضاض الدم (اللوكيميا) leukemia والورم اللمفي (اللمفوم) lymphoma.
الصفات الوراثيه
يتحدد النمط الجيني (الوراثي) genotype للفرد عند الإخصاب باندماج المادة الوراثية (الحمض الريبي النووي منقوص الأكسجين deoxyribonucleic acid، ويرمز له اختصاراً الدناDNA ) الموجودة في الأعراس الذكرية والأنثوية. ومالم تحدث طفرات وراثية mutations، يظل النمط الجيني ثابتاً طوال حياة الفرد، ويحدِّد جميع صفاته، مسبباً النمط الظاهري phenotype لكل من صفاته.
تصنيف الصفات الوراثية
تُصنّف الصفات الوراثية للكائن الحي في مجموعتين:
1ـ الصفات النوعية أو الوصفية :qualitative traits
كثير من الصفات الوراثية بسيط في توارثه، يتحكم فيه عدد قليل نسبياً من المورثات، ويسهل تتبع عملية الانعزال segregation فيها، ووضع كل مجموعة من الأفراد في النمط الوراثي الذي يقابل الصفات المعنية بحسب القوانين الوراثية، ويكون التباين (الاختلاف) variation في تلك الصفات متقطعاً. ومن أمثلة ذلك عند النبات: ألوان الأزهار والثمار، وشكل الأوراق، وتجعد البذور أو امتلاؤها في بعض النباتات البقولية. وعند الحيوان: ألوان ثوبه، وألوان ريش الطيور، ووجود القرون أو غيابها، ولون المخطم، ووجود الريش أو عدمه على أرجل الدجاج، والتقزم، وشكل العرف في الدواجن. وعند الإنسان: لون قزحية العين، ولون الشعر وشكله، والصلع، والزمر الدموية، وعامل ريزوس Rh، وغيرها.
إضافة إلى العوامل الوراثية التي تحدد الصفات، فإن غالبية الصفات النوعية، مثلها مثل الصفات الكمية، تتأثر بالعوامل البيئية. ويتفاوت مقدار هذا التأثر من صفة إلى أخرى فتكون هدفاً لتعديلات مظهرية مؤقتة أو دائمة.
2ـالصفات الكمية :quantitative traits
هي الصفات الوراثية التي يمكن التعبير عنها كمياً، فتقاس مظاهرها بوحدات القياس المعروفة (السنتيمتر، الغرام …)، وتتأثر بعدد أكبر من المورثات (الجينات)، بالمقارنة مع الصفات النوعية.
بعض الصفات الكمية لا يمكن تحديده بسهولة، ولا يمكن تصنيف الأفراد الذين يمتلكونها في مجموعات مختلفة، كل حسب شكله الظاهري، ولكنها تأخذ قيماً قياسية معينة، لأن الاقتصار على ذكر الأوصاف مثل: طويل أو قصير، خفيف أو ثقيل، أحمر أو أسود، لا يعد وصفاً دقيقاً في هذا المجال.
التباين في الصفات النوعية متصل continuous عادة، وتسلك تلك الصفات مسلكاً يتفق وقوانين الوراثة، ويمكن معالجتها بطرائق رياضية وإحصائية خاصة. ومن أمثلتها في النبات: أوزان الثمار والبذور وأحجامها، الغلة في وحدة المساحة، التركيب الكيمياوي في أجزاء النبات المختلفة. وعند الحيوان: محصول الحليب كماً وتركيباً، أوزان الجسم وأحجامه، سرعة النمو، الكفاءة الغذائية، عدد البيض وأحجامه، كمية الصوف ونوعيته، مواصفات الذبيحة، معدل المواليد. وعند الإنسان: الوزن والطول، معدل النمو، الكفاءة الغذائية، وغيرها.
توارث الصفات
يتم توارث غالبية الصفات بفعل المورثات المحمولة على الصبغيات الجسمية autosomes. بعض الصفات الوراثية نوعي، وبعضها الآخر كمي، كما أن بعضها بسيط غير معقد، وبعضها الآخر معقد. ويرتبط عدد كبير من الصفات بجنس الكائنات المتزاوجة، وله أشكال متعددة، من أهمها مايأتي:
ـ الوراثة المرتبطة بالجنس sex-linked inheritance
توجد الصبغيات على شكل أشفاع قرينة ضمن نوى الخلايا الجسمية somatic cells، في حين تحتوي الأعراس gametes على أنصاف أعداد الصبغيات المميزة للنوع. وكذلك توجد المورثات على الصبغيات على صورة أشفاع ضمن نوى الخلايا الجسمية، ويكون نصفها في الأعراس. إلا أن صبغيي الجنس[ر] sex chromosomes يكونان مختلفين عن ذلك، فهما متماثلان عند إناث الثدييات (XX) ومختلفان عند ذكورها (XY)، ويكونان عكس ذلك في الطيور. وبينما يحوي الصبغي X عدداً كبيراً من المورثات، فإن الصبغي Y لايحوي سوى عددٍ قليلٍ منها. وبذلك فإن توارث الصفات المرتبطة بالجنس، أي التي تحمل مورثاتها أساساً على الصبغيين X، يتخذ سلوكاً خاصاً به [ر. الوراثة (علم ـ)]، ومن أمثلتها لون عيون ذبابة الخل (الدروسوفيلا)، ومرض الناعور hemophilia، والمورثة المسببة لنقص الأنزيم G-6-PD عند الإنسان، وصفة الريش المخطط عند بعض عروق الدجاج، وغيرها.
الصفات المتأثرة بالجنس sex- influenced traits
ترتبط مظاهر هذه الصفات بمورثات تتأثر بجنس الفرد الذي يمتلكها، ومن ثَمَّ تكون آثارها محددة بجنس واحد فقط. ومن أمثلة ذلك الصلع عند الرجال، والقرون في الأغنام (وهي صفة سائدة في الذكور)، وغيرها.
ـ الصفات المحددة بالجنس sex- limited traits
يتوقف ظهور آثار هذه المورثات على الهرمونات الجنسية، ومن ثَمَّ تكون آثارها محدودة في جنس واحد فقط، وهي مسؤولة إلى حد كبير عن الصفات الجنسية الثانوية مثل شعر اللحية عند الرجل، وإنتاج الحليب من إناث الثدييات، وإنتاج البيض من إناث الطيور، وغيرها.
ـ الصفات المرتبطة بالمورثات الهولاندرية holandric genes
تقطن هذه المورثات على الصبغي Y عند الإنسان من دون أن يكون لها ما يماثلها في الصبغي X، وبذلك لا تظهر الصفات الناجمة عنها إلا عند الرجال، مثال ذلك صفة وجود الشعرعلى حواف الأذن، والمشاهدة في مناطق معينة من العالم، وخاصة في الهند، وكذلك صفة وجود أغشية بين أصابع القدم في بعض الأسر.
ـ الصفات الجديدة الناجمة عن التآثر (التفاعل) بين المورثات
يتم توارث المورثات عادة بصورة مستقلة، وبينما توصف السيادة والتنحي بكونهما شكلاً من التآثر (التفاعل) interaction بين مورثات قرينة، فإن مورثات غير قرينة قد تتآثر (تتفاعل) بعضها مع بعض فينجم عن ذلك ظهور صفات جديدة، ونسب وراثية مختلفة عن النسب التقليدية المتوقعة. فعرف الدجاج، مثلاً، يمتلك أشكالاً كثيرة، من أهمها المفرد single والوردي rose والبازلائي pea والجوزي walnut. ويتحكم في هذه الأشكال شفعان من المورثات غير القرينة هما:
المورثة (الجين) R للعرف الوردي وهي سائدة على r للعرف المفرد
المورثة (الجين) P وهي سائدة على p للعرف المفرد.
وإذا لقحت طيور متماثلة اللواقح، بعضها وردي العرف بأخرى بازلائية العرف، فإن طيور الجيل الأول تمتلك صفة جديدة هي العرف الجوزي، في حين تكون طيور الجيل الثاني موزعة بنسب 9 جوزي: 3 وردي: 3 بازلائي، 1 مفرد، أي أن التآثر بين المورثتين السائدتين (R وP) سبّب الصفة الجديدة (العرف الجوزي) في حين أدى غياب المورثة السائدةP، ووجود المورثة السائدة R، إلى ظهور صفة العرف الوردي. و أدى غياب المورثة السائدة R، ووجود المورثة السائدة P، إلى ظهور صفة العرف البازلائي. أما المورثات المتنحية فقد أدت إلى ظهور العرف المفرد.
كما يمكن أن تؤدي الاختلافات الموروثة في الدنا إلى حدوث مشكلات في النمو والتطور ووظائف الجسم. وغالباً ما تتأثر الأجهزة متعددة الأعضاء بالاختلالات الحادثة في دنا المتقدرات، ويحدث ذلك بوضوح في الأعضاء والأنسجة التي تتطلب قدراً كبيراً من الطاقة، مثل القلب والدماغ والعضلات. ويشمل بعض آثار الطفرات في دنا المتقدرات ضعفاً واستنزافاً عضليين، وصعوبات في الحركة، ومرض السكري، والخَرَف dementia، وفقد السمع، وفشلاً كلوياً، ومرض القلب، ومشكلات في العين والبصر
الجينات
الجينات (المورثات) genes هي وحدات صِغْرية مسؤولة عن نقل كل خِلال (ج خِلّة) الوراثة، كما إنها مسؤولة عن إدارة اصطناع البروتينات وضبطها. تتألف الجينة من بضع قطع أو شُدَف segments من حمض الدنا النووي desoxyribonucleic acid (DNA). ويتألف الدنا من سلسلتين من النوويدات nucleotides تلتف إحداهما على الأخرى مثل سلّم حلزوني. تتألف جوانب هذا السلّم الحلزوني من سكر خماسي هو الدي أوكسي ريبوز ومن حمض الفوسفور، أما دَرَجات هذا السلّم فتتألف من أربعة أسس نيتروجينية: اثنان من البورينات purines وهما الآلانينalanine (A) والغوانين guanine (G) واثنان من البيريميدينات pyrimidines وهما الثيامين thymine (T) والسيتوزين cytosine (C). ويرتبط (A) من السلسلة الواحدة مع (T) من السلسلة الثانية، على مستوى درجة واحدة، تدعى الدرجة T-A، ويتم هذا الارتباط برباطين من الهدروجين. بالشكل نفسه ترتبط (C) مع (G) ولكن ارتباطهما يتم برابطة ثلاثية الهيدروجينات، ونتيجة لذلك يكون ارتباط GC أمتن من ارتباط AT وبالتالي أصعب تفريقاً. وتكون نتيجة ارتباط هذين الجزيئين المتماثلين من الدنا ظهور الدنا المضاعف المسؤول عن نقل كل المعلومات الوراثية الآتية من الأبوين، من جيل إلى جيل. وبحسب نمط توالي هذه الأسس في كل سلسلة من هذه السلاسل يتحدد الرمز الوراثي genetic code.
توزعها في الصبغيات
يبلغ عدد الجينات في الإنسان (نحو40.000) جينة، تتوضع كلها في نواة كل خلية، ولأن حمض الدنا إذا تمّ مطّه وتقويمه يبلغ طوله مترين فقد بيّن كل من واطسون وكريك Watson & Crick من جامعة كمبردج عام 1953 أن هذا الحمض يتوضّع داخل النواة على شكل حلزون مزدوج. ومن الصعب تصوّر وجود مترين من الدنا، هما أطوال 46 عروة صبغية ملفوفة ضمن نواة يبلغ قطرها (6- 8 ميكرومتر). والوحدة القياسية للجينة هي زوج الأساس (زأ) (bp) base pairs وتقدّر كمية المجين الفردانية haploid genome بثلاث مليارات (زأ). يبلغ عدد العرى الصبغية في الإنسان (23) زوجاً تتوضع فيها الجينات التي تكون أيضاً على شكل أزواج، وإلى جانبها أيضاً تتوضع كميات كبيرة من الإنزيمات والبروتينات، أغلبها يتألف من عدة جزيئات صغيرة إيجابية الشحنة الكهربية تدعى الهيستونات، ويتألف بعضها الآخر من مئات آلاف الجزيئات. وحين انقسام الخلية تنتسخ replicate الصبغيات بكل ما تحويه من جينات ويبقى كل زوجين صبغيين متصلين أحدهما بالآخر في نقطة قريبة من الوسط تدعى القُسيم المركزي centromere (ويدعيان بشقي الصبغي chromatids) حتى حدوث الانقسام.
أنواعها ووظائفها
تشير الدلائل إلى أن كل جينة مسؤولة عن تجميع «عديد بيبتيد» polypeptide واحد. فعندما يحتاج الجسم إلى منتوج جينة بعينها يبادر حمض الدنا الحاوي على هذه الجينة إلى الانشطار طولياً مما ينجم عنه تشكل جديلة أو خيط فرْدٍ من حمض الرنا (الحمض النووي الريبي) ويدعى هذا الخيط الفرد من الرنا بالرنا المِرسال mRNA لأنه ينتقل فيما بعد من النواة إلى الهيولى ومن ثم إلى العُضيّات organelles المدعوة بالريباسات ribosomes حيث ينقل المعلومات اللازمة لاصطناع البروتينات. وهناك نمط ثان من الرنا هو الرنا النقّال tRNA لأنه يتّحد مع أحد الحموض الأمينية ليحوّله إلى ريباسة. وتنتظم مجموعة من النوويدات مع سلسلة من الحموض الأمينية لتشكل سلسلة من عديد البيبتيد، وتتشكل البروتينات من سلسلة أو من سلاسل من عديدات البيبتيد المترابطة. وتدعى فرضيّة تخصص الجينة بفرضية «جينة واحدة لعديد بيبتيد واحد». وأظهرت التجارب أن العديد من الجينات في خلية ما قد تبقى عاطلة inactiveمعظم الوقت أو كلّه. كما أظهرت أن أي جينة يمكن تشغيلها أو تعطيلها في أي لحظة. وقد درست هذه الظاهرة، من تفعيل أو تعطيل، في الجراثيم. وتبين أن للجراثيم ثلاثة أنماط من الجينات: البنيانية structural والفعالة operator والمنظّمة regulator. الأولى تُرمّز لاصطناع بعض عديدات البيبتيد النوعية. والثانية تحتوي الرمز الضروري لبداية عملية انتساخ transcriptionرسالة الدنا من واحدة أو أكثر من الجينات البنيانية إلى مرسال الرنا mRNA. وهكذا فإن الجينات البنيانية ترتبط مع قريباتها الفعّالة بوحدة وظيفية تدعى المَشْغَل operon. وفي الختام فإن نشاطات هذا المشغل تبقى تحت سيطرة ورقابة الجينة المنظّمة التي تنتج بروتيناً صغير الجزيء يدعى بالكاظم repressor. يرتبط هذا الكاظم بالجينة الفعالة فيمنعها من اصطناع البروتين المطلوب من المشغل. ولذلك فإن وجود بعض الجزيئات الكاظمة أو غيابها هو الذي يحدد ما إذا كان مشغل ما عاطلاً أو فعّالاً. وينطبق هذا على الجراثيم. أما التنظيم الجيني في العضويات الأعلى فما زال أقل وضوحاً. وقد تحدُثُ بعضُ الطفرات إذا تمزّقت أحد الأسس أو إذا تبدّل ترتيبها في الجينة. فقد تختبن delete النوويدات أو تتضاعف duplicate أو يتبدل ترتيبها أو يتغير موضعها، ولكل من هذه التغييرات أثره الخاص. وغالباً ما لا يكون لهذه الطفرات أي أثر أو يكون لها أثر طفيف. أما إذا غيّرت الطفرة أمراً ما في العضوية فغالباً ما يكون هذا التغيير مميتاً. والطفرات التي يتزايد تكررها في مجتمع ما تغدو هي الأمثولة. يمكن القول إن الجينات مسؤولة عن التحكم بكل وظيفة في الجسم، فعلى سبيل المثال لا يتم انقسام أي خلية في الجسم إلا بإشراف جينات دورة انقسام الخلية (داخ) cell-division-cycle (cdc) genes، كما يتوجّب على الخلية المرور بنقطتي مراقبة في مرحلتين من الانقسام حيث يتم التأكد مما إذا تمّ إصلاح أي أذى قد يكون تعرّض له الدنا. كذلك تتحكم جينات معينة بعمر الخلية، أي خلية في الجسم، وبتحديد أجلها المبرمج programmed cell death (apoptosis)، ويتطلّب تحديد هذا الأجل تآثراً معقّداً ما بين عدة جينات من بينها :cl-2,c-myc,p53,ced-9 . وبالمقابل فإن خلايا السرطان لا تستجيب إلى الإشارات السويّة التي تطلب منها التوقف عن التكاثر بل ولا تتعرّف عليها. ومن بين الجينات التي تشارك في تنظيم نمو الخلايا ووظائفها مولّدات الورم البدئية proto-oncogenes ومثبطات الورم tumor suppressor genes وتنضوي تحت كليهما أعداد كبيرة من الجينات. تتأثر الجينات في أداء وظائفها بالكثير من الإشارات الآتية من خارج الخلية كعوامل النمو والهرمونات الستيروئيدية والسيتوكينات، وغالباً ما لا تكون أمانة الجينة تامة فينجم عن هذه الأخطاء الجينية شذوذات في بنية الخلايا وفي وظائفها، وقد أمكن كشف مثل هذه التبدلات في أكثر أعضاء الجسم بما في ذلك التبدلات الورمية السليمة والخبيثة وما قبل الخبيثة. لهذا فإن ظهور طفرات في هذه الجينات قد يسهم في ظهور السرطان. تأخذ هذه الطفرات شكل التضخيم amplification أو شكل طفرات النهاية عندما تحدث تغيرات في تواليات الرامزة codonأو الخَبْن وتغيّرات الترتيب deletions & rearrangements حيث تحدث تغيرات هامة في مرصاف template الدنا مما يؤدي إلى تغير في إنتاج البروتين. وغالباً ما تتطور وتتزايد هذه الشذوذات جيلاً إثر جيل مما يؤدي لظهور زيْغان (ج زَيْغ) إضافية. هذا ولا توجد جينة مفردة مسؤولة عن حدوث السرطان بل إن تراكم الطفرات على مرّ الزمن هو الذي قد يسببه، لاسيما عندما يتجاوز عددها حداً حرجاً ما.
اضطراباتها وتأثيرها في التشوهات والأمراض
قد تحدث شذوذات في عدد الصبغيات في أثناء الانقسام الفتيلي mitosis أو الانقسام الانتصافي meiosis بسبب عدم انفصال شقّي الصبغي مما ينتج منه عدم سواء الصيغة الصبغيةaneuploidy التي تكون عادة ضُعف الصيغة الفردانية، مثل وحدانية الصبغي (متلازمة تورنر 45X) أو تثليث الصبغي (تثليث الصبغي 13 أو متلازمة باتاو Patau syndrome، تثليث الصبغي 18 أو متلازمة إدوارد، تثليث الصبغي 21 أو متلازمة داون، ومتلازمة كلاين فلتر 47XXY Klinefelter)، أو أن تنتج منها حالة فسيفسائية mosaicism عندما توجد سلالات من الخلايا مختلفة في أعداد صبغياتها، أو أن ينجم عنها تعدد الصيغة الصبغية polyploidy حيث تبلغ أضعاف الصيغة الفردانية وتكون سبباً للإسقاط التلقائي. أو أن تحصل شذوذات بنيانية structural سببها تحطم أجزاء من الصبغي بسبب الإشعاع أو الأدوية أو الفيروس، وقد ينجم عن ذلك حدوث إزفاء (أي تبديل في الموقع) translocation إذا حدث تبادل في المادة الوراثية ما بين صبغيين غير متماثلين، ويدعى هذا الإزفاء متوازناً إذا لم يحدث ضياع في المادة الوراثية، ويُدعى مثل هذا الشخص بحامل الإزفاء. كذلك هناك عيوب جينية مفردة وهي غالباً ما تتلو حدوث طفرات في جينة أو جينات معينة، وهي تنتقل بحسب قوانين مندل Mendel الوراثية: كالسائدة الجسمية (1) والصاغرة الجسمية (2) والصاغرة المرتبطة بصبغي(3)X ونادراً السائدة المرتبطة بالصبغي(4)X . ومن الأمثلة على الحالة الأولى رقص هنتنغتون Huntington chorea والورم الليفي العصبي neurofibromatosis ومتلازمة مارفان. ومن الحالة الثانية تليّف المعثكلة الكيسي وفقر الدم المنجلي sickle cell anemia. ومن أمثلة الحالة الثالثة (والتي ينقلها الأب المصاب إلى بناته فقط، ولا يظهر المرض إلا إذا كنّ متماثلات الزيجية homozygous) عمى اللونين الأحمر والأخضر والناعور من نمط hemophilia A.
دراستها ومعالجة اضطراباتها
لم تتيسر هذه المرحلة إلا بعد ظهور علم الحيويات الجُزيئية. وأمام صعوبة دراسة بنية وهندسة الدنا الكبيرة جداً فقد اكتشف العلماء إنزيمات موجودة في العديد من الجراثيم تفكك الدنا التابع للحُمات الراشحة التي تحاول أن تستعمرها، وهي ـ أي الجراثيم ـ تقطّع أوصال الدنا الغازي إلى قطع أو أشداف وبذلك تحمي نفسها من أذى هذه الحُمة. وتدعى هذه الإنزيمات بالحاصرة restriction enzymes or endonucleases وقد سميت هذه الإنزيمات حسب الجرثومة التي اكتشفت فيها وهكذا. وأتت بعدها الخطوة الثانية وهي تمكن العلماء من إدخال هذه الأشداف في جرثوم حامل vector يبادر إلى تكرارها وإكثارها حتى تتوافر كميات كبيرة منها للدرس وللاستعمال العلاجي. ومن أمثلة هذه الإنزيمات مكوثرة الدنا DNA polymerase التي تكوثر النوويدات لتكوّن منها حمض دنا، وعلى شاكلتها تعمل مكوثرة الرنا. وهناك إنزيمة الدناز DNAase التي تستطيع إقصاء النوويدات، ومن مشاركة هاتين الإنزيمتين تمكن العلماء من إدخال نوويدات موسومة شعاعياً في تركيب جزيء الدنا دعوها بالمسبار الدنوي، وهو الذي يكشف متوالية محددة من الدنا مثل ما في المعايرات المناعية. وهناك أيضاً إنزيمة الانتساخ العكسي reverse transcriptase وهي مكوثرة تؤثر في الرنا، وسميت عكسية لأنها تعكس اتجاه الإعلام فيغدو من الرنا إلى الدنا أي بعكس الاتجاه الطبيعي، وهي تتمكن من نسخ أي جزيء رنا إلى جزيء دنا وحيد الطاق، ويدعى بالدنا المتمّم وله وظيفة هامة في قراءة مساحات واسعة من الروامز الخارجية exons. وبما أن كلاً من الدنا والرنا مشحون كهربياً فإنهما يهاجران حين وجودهما في حقل كهربي، وبالإمكان دراسة أشدافَ منهما بحسب سرعة أو بطء رحلانها الكهربي على الهلام. وهناك اليوم طرق عدة لدراسة الجينات منها تحليل تفشّيات ساوذرن Southern blot analysis باسم العالم الذي ابتدعه، وتحليل تفشّيات الشمال northern blot التي تتقصّى دخائل الرنا، وسمي التحليل شمالياً لأن الرنا يعد صورة مقابلة للدنا. كذلك ظهر تحليل التفشّي الغربي western الذي يفكك البروتينات ويدرسها، وتتالت هذه التحاليل مثل تفشّي النقطة والشق dot & slot، وهناك طرق التهجين التي تزاوج ما بين طاقين من الدنا يكون أحدهما موسوماً شعاعياً للتمكن من كشفهما، وهناك تفاعل البوليمراز السلسي polymerase chain reaction (PCR) وطريقة الفيش أو التهجين الموضّع التألقي fluorescent in situ hybridization (FISH).
استعمالاتها في تحديد جنس الجنين وفي تحسين النسل وفي الاستنساخ
انطلق مشروع دراسة الخارطة الجينية للإنسان ولبعض المخلوقات الأخرى للمقارنة، مثل الفأرة وفراشة الثمار والإشريكية القولونية. غايته تحديد موضع كل جينة على الصبغيات وتعيين بنيتها الكيمياوية وبالتالي توضيح وظائفها في حالتي الصحة والمرض. وقد ظهر من مقارنة بنية الجينات فيما بين الإنسان وغير الإنسان أن هناك تشابهاً كبيراً فيما بينها مما يشير إلى وحدانية منشأ الحياة على الأرض. هذا وسيكون لهذا المشروع فوائد كبيرة في كل مجالات الحياة وإن كان هناك تخوف من أن يساء استعماله إذا ارتكز على أسس غير أخلاقية من تمييز ما بين الألوان والأجناس والمعتقدات ومن احتمال تدخل الانسان في خصوصيات الأفراد وحرياتهم، وربما استنساخ[ر] أنماط محددة من المخلوقات البشرية. ومن نتائج هذا المشروع تحديد جنس المواليد وتحسين مواصفات الإنسان حسب متطلبات القوة المفردة العظمى التي تخطط للهيمنة على كوكب الأرض. هذا وتستعمل كل وسائل التشخيص الجيني قبل التعشيشpre-implantation genetic diagnosis (PGD) حالياً في مراكز الإخصاب المساعد حيث يتم اقتناص خلية أو أكثر من البيضة الملقحة في الزجاج وتتم عليها دراسة جينية للتأكد مما إذا كانت البيضة سويّة فتنقل إلى جوف الرحم أو كانت مؤوفة فتتلف. كذلك مكّنت الهندسة الوراثية من تصنيع كميات هائلة من علاجات مهمة (كانت تستخلص من الحيوانات) وذلك بتأشيبrecombination حمض الدنا ثم بزرعه في مزارع جرثومية تقوم باصطناع الهرمون الإنساني بسرعة مثل الأنسولين وهرمون النمو والغلوبولين المضاد للناعور. والتأشيب تعديل طبيعي أو صناعي يطرأ على توزع الجينات ويؤدي إلى ظهور أنماط جينية جديدة. وهناك معضلات أخلاقية ودينية وصحية برزت وتبرز بعد انتشار هذه الطرق الحديثة من الهندسة الوراثية ومن تقانات الإخصاب المساعد تحتاج إلى وضع ضوابط ناظمة ودراستها ومحاكمتها كي لا تنحدر الإنسانية في متاهات المفاهيم المادية الصرفة أو تتعرض لأخطار بيئية كونية.
العلاج الوراثى بالجينات
يعلم الباحثون الوراثيون منذ عدة عقود من السنين أن حدوث تغيرات في المورثات يمكن أن يؤدي إلى أمراض وراثية، مثل التليف الكيسي cystic fibrosis وفقر الدم المنجلي sickle-cell anemia والناعور hemophilia وغيرها، وأن حدوث تغيرات في الصبغيات [ر. الشذوذ الصبغي] يمكن أن يسبب أمراضاً مثل متلازمة داون Down syndrome ومتلازمة تورنَر Turner syndrome. ومن جهة أخرى صار معلوماً أن حدوث تغير في التسلسل الوراثي يمكن أن يجعل المصاب معرضاً لأمراض مثل التصلب العصيدي atherosclerosis والسرطان cancer والفُصام (انفصام الشخصية) schizophrenia وغيرها، وهي أمراض ذات مكوِّنات وراثية، ولكنها تتأثر كذلك بالعوامل البيئية (مثل الغذاء وأسلوب الحياة والتلوث).
الشكل (1) |
المعالجة الوراثية (أو الجينية) genetic (gene) therapy هي تقانة تجريبية وراثية - طبية حديثة سريعة النمو تستخدم فيها المورثات (الجينات) genes لمعالجة مرض ما أو منع حدوثه. وفي المستقبل القريب ستتيح للأطباء فرص إدخال مورثة أو مورثات طبيعية أو محوَّرة وراثياً في خلايا المريض لمعالجته، حيث تنتج هذه المورثات بروتينات تُصلح عمل الخلايا المريضة، وذلك بدلاً من إعطائه عقاقير دوائية لهذه الغاية، أو تعريضه لعمل جراحي أو معالجة بالأشعة أو غير ذلك من طرائق المعالجة المتاحة حالياً (الشكل 1). ومن أجل ذلك يجرى حالياً اختبار عدة توجهات للمعالجة الوراثية أو الجينية، ومن أهمها ما يأتي:
ـ استبدال نسخة سليمة من المورثة بمورثة طافرة سببت المرض.
ـ تثبيط inactivating مورثة طافرة تسبب حالة مرضية معينة.
ـ إدخال مورثة جديدة في الجسم، قادرة على مقاومة المرض.
اسـتخدام المعالجة الوراثية
إن استخدام المعالجة الوراثية واسع جداً، ويعرف حالياً أن أكثر من 4200 مرض ينجم عن تغيرات في المورثات [ر. الأمراض الوراثية]، وأن عدداً غير محدود من الأمراض يتأثر جزئياً بالتكوين الوراثي للفرد، وأن كثيراً من هذه الأمراض والشذوذات لا علاج شاف لها سوى بالمعالجة الوراثية. وعلى سبيل المثال، هناك طفل مصاب بالناعور (سيولة الدم)، وهو مرض تسببه مورثة غير سليمة تجعل الكبد غير قادر على إنتاج عامل تخثر الدم الثامن blood clotting factor VIII. يمكن معالجة هذا الطفل بوضع نسخ سليمة من المورثة التي ترمِّز لإنتاج العامل المذكور في خلايا كبده، فينتج الكبد كميات مناسبة من عامل تخثر الدم VIII ويؤدي ذلك إلى شفاء الطفل. وفي الوقت ذاته فإن المورثات في نطافه تظل كما هي، ومن ثم تنتقل إلى نسله.
تُعد المعالجة الوراثية في الوقت الراهن معالجة واعدة لعدد من الأمراض الوراثية، مثل التليّف الكيسي cystic fibrosis والناعور ومرض ألزهايمر Alzheimer’s disease، وغيرها. ومنها ما هو غير وراثي، مثل بعض حالات مرض السرطان وعدد من الإصابات الڤيروسية مثل مرض عوز المناعة المكتسب acquired immunodeficiency syndrome (AIDS) والسكري diabetes mellitus والتهاب المفاصل arthritis. ولكنها لا تزال تسبب بعض الأخطار التي تتطلب التغلب عليها كي تكون معالجتها سليمة ومأمونة، فمثلاً في عام 2000 سجل العلماء الفرنسيون استخدام المعالجة الوراثية لعلاج رضيعتين مصابتين بمرض مميت هو نقص المناعة المتجمع الوخيم severe combined immunodeficiency disease (SCID)، وعلى الرغم من نجاح العملية تطور في كل منهما مرض نادر شبيه بابيضاض الدم leukemia، ويُعتقد أنه نجم عن تلك المعالجة. وفي هذا اليوم فإنها تعدّ أساساً لأمراض لا تتوافر علاجات لها. ويُقدر عدد ما أُجري من معالجات وراثية في الولايات المتحدة الأمريكية حتى اليوم بأكثر من 4000 معالجة.
كما تستخدم المعالجة الوراثية لدراسة طريقة تغيير عمل الخلايا. فمثلاً تجرى بحوث على تنشيط خلايا الجهاز المناعي في الجسم لمهاجمة الخلايا السرطانية، وعلى إدخال مقاومة لڤيروس نقص المناعة المكتسب AIDS.
أنواع المعالجة الوراثية
الشكل (2) |
للمعالجة الوراثية نوعان: معالجة وراثية «جسمانية» somatic تنقل فيها المورثات «المعالِجة» إلى الخلايا لتصحيح مرض معين في الفرد ذاته، وآثارها عادة تنتهي بانتهاء حياته، وأخرى تُنقل فيها تلك المورثات إلى الأعراس gametes أو الجنين، فتكون آثارها عادة دائمة تنتقل من الفرد المعالَج إلى نسله.
ومن المعلوم أنه لا يمكن إدخال مورثة ما مباشرة إلى خلايا الكائن الحي، إذ لابد من استخدام ناقل أو وسيط vector لهذا الغرض [ر. الهندسة الوراثية]. والڤيروسات هي الأكثر استعمالاً بسبب قدرتها الفريدة على دخول الدنا في الخلايا، وتستعمل الڤيروسات بعد جعلها بحالة غير ممرضة وغير قادرة على التكاثر ضمن الخلايا. وتستخدم ريتروڤيروسات الفأر في دراسات عديدة لإيصال المورثات المرغوبة إلى الخلايا المستهدفة. وتتكون المادة الوراثية في الرتروڤيروس من الحمض الريبي النووي منقوص الأكسجين (الدنا DNA). وهي تنتج أنزيماً يسمى المُنتسخة العكسية reverse transcriptase يستطيع تحويل الرنا إلى الدنا فيصير الأخير بدوره جزءاً من دنا الخلايا المستقبلة (المستهدفة). ولابد من تثبيط الرتروڤيروسات حين استخدامها في المعالجة الوراثية لجعلها مأمونة الاستعمال. كما تستخدم الحُمات الجُدريّة poxviruses للغاية نفسها. يمكن الإشارة أيضاً إلى استخدام أشكال ملطَّفَة من الحُمات الغدية adenoviruses (الشكل 2) في معالجة مرض التليّف الكيسي، إذ تمتلك هذه الڤيروسات انجذاباً طبيعياً نحو الرئتين وتكون مرتبطة مع الأمراض التنفسية. كما يجري اليوم تقصي العلاج المذكور لأمراض أخرى كالسرطان والإيدز AIDS وأمراض القلب الوعائية. ولكبر حجم جينوم ڤيروس القوباء herpes simplex virus فإنه يستعمل لإدخال أكثر من مورثة علاجية واحدة في الڤيروس فيفيد ذلك في علاج أكثر من مرض وراثي، وهذا الڤيروس بالغ الأهمية لقدرته على إصابة عدة أنواع من النسج، بما فيها الكبد والعضلات والرئة والأعصاب والمعثكلة (البنكرياس)، وكذلك الأورام. ولكن هذا الڤيروس يعاني مشكلات مهمة منها أنه يسبب التهاباً للدماغ encephalitis إذا ما تكاثر بحرية في خلاياه، كما أنه يقتل الخلايا التي يصيبها، وتُجرى اليوم بحوث عديدة للتغلب على هذه الآثار.
يحاول الباحثون استخدام المعالجة الوراثية للتغلب على مشكلة مرتبطة بعمل جراحي يُعرف باسم رأب الوعاء بالبالون balloon angioplasty. ويستخدم فيه إِسْتَنت stent (هو في هذه الحالة هيكل أنبوبي) لفتح الشرايين المسدودة. ولكن هذا الإجراء يؤدي إلى رض trauma شرياني، فيباشر الجسم عملية إبلال طبيعية ينجم عنها خلايا عديدة في الشريان المُعالج تؤدي إلى عودة تضيقه أو إغلاقه. والمعالجة الوراثية التي يُعمل على تطويرها لمنع هذا الـتأثير الجانبي هي في تغطية الإستنت بجلّ ذواب يحتوي على نواقل مورثات تُقلِّل نشاط العملية الترميمية للرض.
يجري في معظم التجارب السريرية للعلاج الجيني أخذ خلايا من دم المريض أو نقي عظامه فتحضن في المختبر، وتعرض إلى ڤيروسات تحمل المورثة المرغوبة فتدخل الڤيروسات إلى الخلايا وتصير المورثة جزءاً من دنا الخلايا المذكورة، ومن ثم تعاد الخلايا إلى المريض حقناً في الوريد، وهذه المعالجة من خارج الجسم exvivo. وفي تجارب أخرى تستخدم جسيمات شحمية liposomes لنقل المورثات المرغوبة إلى الخلايا ضمن جسم المريض، وهذه المعالجة من داخل الجسم invivo لأن المورثة تنتقل إلى خلايا المريض ضمن جسمه.
استخدمت المعالجة الوراثية أول مرة عام 1990 في معالجة مرض وراثي نادر يدعى نقص أنزيم نازع أمين الأدينوزين adenosine deaminase (ADA)، وهو أنزيم ضروري لعمل الجهاز المناعي على نحو صحيح. ولا يمتلك المصابون به مورثات ADA طبيعية ومن ثم لا يتم إنتاج الأنزيم المذكور فيهم. وتظهر أعراض نقص مناعي شديد في الأطفال المصابين به ويتعرضون بالتالي لإصابات متعددة وشديدة قد تهدد حياتهم. وهنالك علاج لهذا المرض يدعى PEG-ADA إلا أنه باهظ التكاليف (أكثر من 60 ألف دولار في السنة) ويعطى حقناً في الوريد طوال حياة المريض. وكان من أسباب اختيار هذا المرض للعلاج الجيني كونه مسبباً عن مورثة واحدة مما يزيد من احتمالات نجاح العلاج، إضافة إلى أن كميات الـ ADA لا تحتاج إلى تنظيم دقيق جداً وإن كميات صغيرة من الأنزيم مفيدة في العلاج، كما أن الجسم يتحمل جيداً كميات أكبر منه.
أخطار المعالجة الوراثية
بالرغم من سرعة تطور المعالجة الوراثية عند الإنسان لا تزال هنالك أسئلة تقنية كثيرة تحيط بها، ومن أهمها ما يأتي:
ـ احتمال دخول الڤيروسات الناقلة للمورثات السليمة إلى خلايا أخرى في الخلايا المستهدفة، واحتمال اندماج المورثة المنقولة في مواقع غير صحيحة من دنا الخلايا المستقبلة مما قد يؤدي إلى احتمال حدوث السرطان.
ـ احتمال ضئيل بوصول الدنا إلى الخلايا التناسلية مما يؤدي إلى إحداث تغيرات قابلة للتوريث، مثلاً عند حقن الدنا مباشرة في ورم سرطاني أو عند استخدام جسيم شحمي لنقل المورثة.
ـ احتمال إظهار المورثة المنقولة لأثرها على نحو زائد مما يؤدي إلى إنتاج كمية كبيرة من البروتين الناقص بحيث يؤدي إلى حدوث أضرار، أو أن تسبب المورثات المنقولة ذاتها أضراراً صحية، أو أن يسبب الناقل الڤيروسي التهاباً أو رد فعل مناعي، أو انتقال الڤيروس من شخص إلى آخر أو إلى البيئة.
ومن أهم الصعوبات:
ـ تحديد وسائل أسهل وأفضل لنقل المورثات إلى جسم المريض.
ـ إن العلاج الجيد للسرطان ونقص المناعة المكتسب (الإيدز) وأمراض أخرى يتطلب إيجاد نواقل vectors يمكن حقنها في الجسم مباشرة، فتبحث نفسها عن الخلايا المستهدفة (مثل الخلايا السرطانية) في جميع أنحاء الجسم لتدمج بعد ذلك المورثة المنقولة ضمن دنا الخلايا المذكورة.
ـ كما هي الحال في أي تقنية جديدة أخرى، فإنه لابد من استعمالها بحكمة كبيرة منعاً من احتمال إحداثها أضراراً كبيرة. وتتوافر اليوم تنظيمات جيدة لاستخدام المعالجة الوراثية في تصحيح الأخطاء الوراثية، ولكن هناك اعتراضات اجتماعية وأخلاقية عليها، وأسئلة صعبة ستواجه العاملين في هذا الحقل مستقبلاً وخاصة عندما تصبح تقنيات هذا العلاج أكثر سهولة، وفي مقدمتها:
ـ احتمال تحوير الخلايا الجنسية في الإنسان مما يؤدي إلى نقل ذلك إلى الأجيال القادمة. وفي الوقت الحاضر لا توافق الدوائر المختصة في الدول التي تمارس فيها هذه البحوث على المعالجة الوراثية تناسلياً.
ـ احتمال استخدام التقنية لتطوير قدرات الإنسان مثلاً تحسين الذكاء والذاكرة والقوة البدنية بوساطة التدخل الوراثي؛ مما يؤدي إلى أن تصير هذه المعاملة (رفاهية) موفَّرة للغني وصاحب النفوذ فحسب، مما قد يؤدي إلى ظهور تعريفات جديدة للأفراد الطبيعيين ستستبعد الأفراد المتوسطي الذكاء.
الآفاق المسـتقبلية
إن أفضل ما ينجم عن المعالجة الوراثية توفير معالجة وحيدة (أو متكررة على نحو معقول) تمكّن من إصلاح خلايا كافية لتوفير الشفاء الدائم للمرض الوراثي. ومع أن هذا النجاح الكامل غير متوقع في المراحل المبكرة من استخدام هذه التقنية، إلا أنه سيظل الهدف الرئيسي للعلماء الباحثين في هذا الحقل. وسيؤدي ذلك أيضاً إلى تحسين القدرة على توقع حدوث المرض بدلاً من الانتظار حتى حدوثه، ويكون ذلك من دراسة المعلومات الوراثية الخاصة بالإنسان وخاصة «الأخطاء» في بعضها، ويتوقع أن تتوفر بحلول عام 2020 القدرة العلمية والتقنية لمسح المعلومات لما لا يقل عن 5000 مرض. وقد ذكر فرنسيس كولِنز Francis Collins من المعاهد القومية للصحة في الولايات المتحدة الأمريكية أنه سيصبح بالإمكان أن يخبر الطبيب مريضاً أن احتمال إصابته بالسكري هي أعلى من المعدَّل بخمس مرات، أو أن احتمال إصابته بمرض ألزهايمر Alzheimer أقل بثلاث مرات. وبالتالي فإن هذه التخمينات ستؤدي إلى تركيز الاهتمام بالوقاية من حدوث المرض، وسيستطيع المريض آنذاك تحاشي المرض بوساطة المعالجة الوراثية.
ويتوقع وُلتر غيلبرت Walter Gilbert من جامعة هارفرد Harvard أنه «عند معرفة أن خللاً ما أصاب مورثة ما، مؤدياً إلى حالة مرضية، فإن استبدال مورثة سليمة بها سيمنع حدوث المرض». ويُنتظر أيضاً أن تتوافر في المستقبل مجموعات من المورثات السليمة بحيث يستطيع الطبيب اختيار المناسب منها ومن ثم حقن ملايين من نسخها في الجسم، ولاسيما مع التطور الكبير في تقنية استنساخ المورثات.
إن العديد من السرطانات الشائعة، بما فيها سرطانات الرئة والثدي والقولون مسبب من 5 ـ10 مورثات غير سليمة، ويرى كولِنز أن توافر القدرة على تغيير مورثة أو اثنتين منها قد يمكِّن من إيقاف نمو السرطان وتحسين قدرة الجسم على مقاومته. وبهذا يقول وليم فرِنش آندرسون W.French Anderson من جامعة جنوبي كاليفورنيا أنه بحلول عام 2020 ستُمَكِّن المعالجة الوراثية من توفير العلاج لمجموعة كبيرة من الأمراض المستعصية في الوقت الحاضر. على هذا فإن هذا الطب الوراثي سيُمَكِّن من تحديد مكوِّنات جسم الإنسان الأساسية من جهة ومن معرفة كيف يمكن تغييرها إذا اقتضى الأمر ذلك من جهة أخرى.
النمط النووي
الصبغيات (الكروموزومات) chromosomes هي مكونات أساسية في أنوية الخلايا، وهي مجهرية كثيرة الالتفاف، تتكون أساساً من الحمض الريبي النووي المنقوص الأكسجين deoxyribonucleic acid، وتُعرف اختصاراً بـ (الدنا DNA) [ر. الصبغي (كروموزوم)]. وتتألف الدنا من فُسفات phosphate وسكر الريبوز ribose المنقوص الأكسجين وأربع قواعد مهمة هي الأدنين adenine والتيمين thymine والسيتوزين cytosine والغوانين guanine.
يُراوح طول الصبغي بين 50 إلى 263 مليون قاعدة base، وباستثناء الكريات الدموية الحمراء فإن كلاً من خلايا الإنسان يحتوي على مجموعة كاملة من الصبغيات [ر. مشروع الجينوم البشري].
في أثناء الانقسام الفتيلي mitosis يمكن مشاهدة صبغيات الكائن الحي بوضوح بوساطة المجهر؛ والنمط النووي karyotype (الشكلان 1و2) هو صورة مجهرية لهذه الصبغيات، مرتبة على هيئة أشفاع pairs متماثلة من الأكبر إلى الأصغر، تُبيِّن أعداد الصبغيات وأشكالها وأحجامها. وتُرتب الصبغيات وفقاً للتسمية المعتمدة من الجهاز الدولي للتسمية الخلوية البشرية International System for Human Cytogenetic Nomenclature (ISCN) وحيث يكون الشفع 1 هو الأطول، يليه الشفع الثاني فالثالث، وهكذا…
الشكل (1) | الشكل (2) |
تبدو الصبغيات مجهرياً مرنة جداً، وقد تكون مثنية أو ملتفة (الشكل2)، وهذا أمر طبيعي فيما يخصها، وهو انعكاس لوضع الصبغيات على الشريحة المجهرية. ويتميز كل صبغي بطول ذراعيه وبموقع القُسيم المركزي (السنترومير) centromere فيه والذي يظهر بشكل انخصار أو منطقة قليلة الصبغ. وتظهر أشرطة bands على امتداد الصبغيات تميزها بعضها من بعض، وتنجم عن الصبغة التي تستخدم لصبغ الصبغيات. وبوساطة الصبغة المستخدمة فإن هذه الأشرطة تُميز الصبغيات بعضها من بعض، فأشرطة الشفع (1) تختلف عن أشرطة الشفع (2)، وهكذا…، ولكن بعض التباين variation قد يُلاحظ في أشرطة الشفع الواحد من فرد إلى آخر. وسيُقتصر الحديث في هذا البحث على النمط النووي للإنسان.
يمتلك النمط النووي البشري 46 صبغياً مرتبة في 23 شفعاً؛ منها 22 شفعاً هي صبغيات جسدية autosomes متماثلة عند الذكور والإناث، وشفع واحد يتكون من صبغيي الجنس sex chromosomes، متماثلين عند الأنثى XX ومختلفين عند الذكر XY.
يتطلب صنع النمط النووي إيقاف الخلايا عن الانقسام (مثل الكريات الدموية البيضاء والخلايا الأمنيوسية ونخاع العظم وخلايا الجلد وغيرها)، ويُستعمل الكولشيسين colchicine لتنفيذ ذلك في أثناء الطور التالي (الثاني) metaphase من الانقسام الخلوي، ومعاملة الصبغيات بصبغة مناسبة مثل صبغة الجيمسا Giemsa فتصبغ المناطق الغنية بأزواج القاعدتين الأدنين adenine والتيمين thymine على شكل أشرطة غامقة متماثلة في صبغيي الشفع الواحد وتُدعى الأشرطة G. وقد تُشاهَد في النمط الصبغي أيضاً صبغيات إفرادية تماثل صبغيات بعض الأشفاع الأخرى، أو صبغي فُقد جزء منه، أو فقد صبغي كامل، أو صبغيات إضافية، وغالباً ما تؤدي هذه الحالات إلى أمراض وراثية. ومن ثم فإن دراسة النمط الصبغي تُوفر للباحثين معلومات جيدة عن أوضاع صبغيات الفرد، ويمكن المباشرة بدراستها في المرحلة الجنينية وتعرف جنس الجنين مسبقاً واحتمال تكوّن أفراد شاذة من بعض الأجنة نتيجة لشذوذ صبغي[ر] مثل متلازمة داون وغيرها.
تصنيف مجموعات النمط الصبغي البشري:
تُصنّف صبغيات الإنسان ضمن سبع مجموعات (الشكل 1) هي الآتية:
1ـ المجموعة A: وتضم الأشفاع 1- 3، وهي أطول الصبغيات، وتمتلك قسيماً مركزياً كبيراً ومركزياً metacentric.
2ـ المجموعة B: وتضم الشفعين 4 و5، وهما طويلان وقسيمهما المركزي كبير وقريب من المركز submetacentric باتجاه قمة الصبغي.
3ـ المجموعة :C تضم الأشفاع 6-12، إضافة إلى الصبغي الجنسي X، وهي متوسطة الحجم وكذلك القسيم المركزي فيها، وهو طرفي acrocentric، يقع في قمة الصبغي.
4ـ المجموعة :D تضم الأشفاع 13- 15، تقارب المجموعة السابقة من حيث الحجم، وموقع القسيم المركزي مماثل لها، ولها توابع satellites طرفية.
5ــ المجموعة E: تتكون من الأشفاع 16- 18، صبغياتها قصيرة نسبياً، وقسيمها المركزي مركزي الموقع في الشفع 16، وقريب من المركز في الشفعين 17 و18.
6ـ المجموعة :F تضم الشفعين 19 و20، صبغياتها قصيرة وقسيمهما المركزي مركزي الموقع.
7ـ المجموعة :G تضم الشفعين 21 و22، وكذلك الصبغي Y. قسيمها المركزي قصير في قمة الصبغي، وتمتلك تابعاً في الشفعين 21 و22. أما الصبغي الجنسي Y فلا تابع له.
الأنماط النووية الشاذة: [ر: الشذوذ الصبغي].
الشذوذ الصبغي
تتميز الكائنات الحية بوجود أشفاع من الصبغيات في خلاياها، ثابتة العدد ضمن النوع، وينتقل نصفها من كل من الأبوين إلى الأبناء ومن جيل إلى آخر، ضمن الأعراس gametes، ناقلة معها المورثات التي تمتلكها. ويحدث الشذوذ الصبغي chromosomal abnormality نتيجة تغير في عددها أو تركيبها مما يسبب تبدلاً في الخارطة الصبغية[ر] الخاصة بالكائن الحي. وغالباً ما يؤدي ذلك إلى مشكلات في نمو جسم الفرد المصاب وتطوره ووظائفه، وقد يؤدي إلى موته.
السلوك الصبغي في أثناء الانقسام الانتصافي:
الشكل (1) عدم انفصال الصبغيات أثناء تكون الأعراس |
يُشار إلى العدد الأساسي من الصبغيات باسم أحادي الصيغة الصبغية monoploid، وتمتلك الصبغيات ثباتاً كبيراً، إلا أنها معرضة لتغيرات تلقائية أو بتأثير عوامل خارجية. يعمل الانقسام الخلوي الانتصافي (الاختزالي) meiosis، في أثناء تكوين الأعراس المؤنثة أو المذكرة، على إنقاص عدد صبغيات النوع إلى النصف. ففي الإنسان، مثلاً، تمتلك كل خلية جسمية 46 صبغياً مرتباً في 23 شفعاً (22 شفعاً من الصبغيات الجسمية autosomes، وشفعاً من صبغيات الجنس sex chromosomes XX في الأنثى، وXY في الذكر، وينفصل صبغيا كل شفع في أثناء تكوين الأعراس، فتمتلك البيضة 23 صبغياً، ومثلها النطفة. ويعود العدد الصبغي إلى حالته الطبيعية نتيجة لعملية الإخصاب fertilization. وقد تحدث بعض الاختلالات أثناء الانقسام المذكور، فينتج عن ذلك شذوذ صبغي لا تعرف أسبابه بشكل دقيق. ويبين الشكل (1) آلية حدوث اختلال الصيغة الصبغية aneuploidy بسبب عدم انفصال شفع من الصبغيات في أثناء الانقسام الانتصافي الأول أو الثاني، فإذا حدث ذلك في الانقسام الأول فإنه يؤدي إلى عدم تكون أعراس طبيعية، أما إذا حدث في الانقسام الثاني فإن نصف أعداد الأعراس سيكون طبيعياً والنصف الآخر شاذاً.
أنواع الشذوذ الصبغي
يحدث الشذوذ الصبغي في الجنين نتيجة الإخصاب بين نطفة حصل فيها شذوذ صبغي في أثناء تكونها، مع بيضة طبيعية، أو العكس. وفي الغالب، لا يعيش الجنين الممتلك لعدد شاذ من الصبغيات، أو لصبغيات حدثت فيها تغيرات تركيبية مهمة. ويُقدّر أن نسبة كبيرة من الإجهاضات المبكرة التي تحدث في الثلث الأول من فترة الحمل تعود إلى اختلالات صبغية.
يمكن تصنيف حالات الشذوذ الصبغي ضمن مجموعتين:
1ـ اختلافات عددية ومنها:
أ ـ تغيرات على مستوى المجموعة الصبغية الكاملة:
ـ تعدد الصيغة الصبغية polyploidy: امتلاك الفرد لثلاث نسخ من الصيغة الصبغية الفردانية، أو أكثر، وهذا ممكن في النبات، ولكنه نادراً ما يشاهد في الحيوان، فثلاثي الصيغة الصبغية triploidy، مثلاً، يعني وجود الصبغيات بحالة ثلاثية n3n.
ـ الصيغة الصبغية الذاتية autoploidy: تنشأ من تضاعف الصبغيات من فرد ثنائي الصيغة الصبغية diploid. أما الصيغة الصبغية المخالفة alloploidy فتنشأ من التزاوج بين فردين من صنفين متقاربين كلاهما ثنائي الصيغة الصبغية، وكمثال على ذلك، يُشار إلى أن التريتيكالي Triticale أُنتج من التأبير بين نباتات القمح (n2n=42) ونباتات الشيلم (n2n=14) ويجمع التريتيكالي (n2n=56) بين صفات التحمل الجيد من الشيلم والإنتاج الوفير من القمح.
ـ تعدد الصيغة الصبغية السوية euploidy: وهو تكرار العدد الصبغي الأحادي في الخلية. وتسمى الخلايا ذات الأعداد المختلفة عن الصيغة الصبغية العادية ثلاثية أو رباعية أو خماسية الصيغة الصبغية، وهكذا. وتؤدي هذه الظاهرة إلى تغير في صفات الكائنات، ولهذا تعد مصدراً للتغير في التطور والاصطفاء، وخاصة في النبات. ومن الأمثلة عليها أن جنس القمح Triticum (العدد الصبغي الفرداني فيه هو 7) يضم ثلاث مجموعات مختلفة الصيغ الصبغية والصفات:
ـ المجموعة الأولى: ومنها النوع T.monococcum، وعدد صبغياته 14 (ثنائي الصيغة الصبغية).
ـ المجموعة الثانية: ومنها القمح القاسي T.durum، وعدد صبغياته 28 (رباعي الصيغة الصبغية).
ـ المجموعة الثالثة: ومنها القمح الطريT.aestivum، وعدد صبغياته 42 (سداسي الصيغة الصبغية).
ب ـ اختلال الصيغة الصبغية aneuploidy: الحالة الشاذة التي يكون فيها صبغي أو أكثر، من مجموعة طبيعية من الصبغيات، ناقصاً، أو موجوداً بعدد زائد على النمط الصبغي الطبيعي. وإن غياب صبغيين قرينين معاً هو دوماً ذو تأثير مميت. ويبين الجدول (1) بعضاً من أمثلتها.
غياب الصبغيين nullisomy | فقد كل من صبغيين قرينين لشفع من الصبغيات | n2n-2 |
أحادية الصبغي monosomy | فقد صبغي واحد من أحد الأشفاع | n2n-1 |
تثلُّث صبغي trisomy | زيادة صبغي واحد من أحد الأشفاع | n2n+1 |
رباعي الصبغي tetrasomy | زيادة صبغيين قرينين | n2n+2 |
ثلاثي الصبغي المزدوج double trisomic | زيادة صبغي من كل من شفعين من الصبغيات | n2n+1+1 |
الجدول (1) |
2ـ تغيرات في أعداد أو ترتيب مواقع وراثية ضمن الصبغي ومنها:
أ ـ تغيرات أعداد المورثات:
ـ النقص deficiency أو (الخَبْن deletion): فقدُ جزءٍ من الصبغي، (الشكل ـ2) فإذا كان الجزء المفقود محتوياً على مورثات أساسية فإن ذلك يؤدي إلى الإضرار بتكون الجسم ونموه ووظائفه.
الشكل (2) |
ـ التضاعف: duplication اكتساب صبغي قطعة صبغية إضافية (الشكل ـ3). ويؤدي ذلك إلى زيادة عدد المورثات، وقد يسبب ذلك مشاكل صحية للجنين أو إعاقة نموه وتطوره.
الشكل (3ـ أ) | الشكل (3ـ ب) |
ب ـ تغيرات ترتيب المورثات:
ـ الإزفاء (الانتقال) translocation: تبادل أجزاء بين الصبغيات غير القرينة (الشكل ـ4)، فيتشكل صبغيان جديدان يمتلكان ترتيبات جديدة من المورثات.
ـ الانقلاب ضمن الصبغي inversion: دوران قطعة من صبغي 180 درجة. وقد يلتحم طرفا صبغي معاً فيشكل ذلك صبغياً حلقياً ring chromosome، وقد يُفقَدُ عدد من المورثات (الشكل ـ 5). ويمكن أن يسبب ذلك أخطاء في أثناء الانقسام الانتصافي.
الشكل (4) | الشكل (5) |
ويمكن أن يسبب الانقلاب الصبغي أو الشكل الحلقي مشكلات صحية وعقلية في الجيل التالي، نتيجة لعدم توازن المادة الصبغية في الأفراد المصابين.
وفي الجدول (2) نماذج من التسمية العلمية للنمط الصبغي للأفراد العاديين وبعض الممتلكين لشذوذ صبغي عددي أو تركيبي:
n46,XX | نمط نووي أنثوي طبيعي |
n46,XY | نمط نووي ذكري طبيعي |
n46,XX,del(14)(q23) | أنثى تمتلك 46 صبغياً، مع وجود خبن (حذف) deletion في الذراع الطويل (q) (الشكل 7)، والشريط (23) من الصبغي 14. |
n46,XY,dup(14)(q22q25) | ذكر يمتلك 46 صبغياً مع وجود إزفاء (تضاعف) duplication في الذراع الطويل من الصبغي 14 متضمناً الشرائط 22 إلى 45. |
n46,XY,+13 | ذكر يمتلك 47 صبغياً، الصبغي 13 منها بحالة تثلُّث (متلازمة باتو) |
الجدول (2) |
نماذج من الشذوذ الصبغي
الشكل (6)الحصول على خلايا جنينية من السائل الأمنيوني لدراسة الصيغة الصبغية في الجنين |
ـ متلازمة داون Down’s syndrome (تثلُّث الصبغي 21) [ر]، وهي من أشهر متلازمات الشذوذ الصبغي، وتسبب الحالة المعروفة بالمنغولية mongolism.
ـ متلازمة باتو Patau’s syndrome (تثلُّث الصبغي 13)، تشاهد بمعدل ولادة واحدة من نحو 5000 ولادة حية، ولا علاج لها. يمتلك الأطفال المصابون قامات صغيرة وشذوذاً في الوجه، وزيادة في عدد الأصابع، وعاهات قلبية ـ وعائية وأخرى دماغية، وأكثرهم متخلف عقلياً، وأحياناً أصم. كذلك يعانون من توقف متكرر للتنفس. ويموت معظمهم في سن مبكرة فلا يتجاوز من يتعدى السنة الأولى من العمر 20% منهم.
ـ وهنالك متلازمة أخرى شبيهة بالسابقة، وهي متلازمة إدوارد Edward’s syndrome (تثلُّث الصبغي 18)، وتشاهد بمعدل ولادة واحدة من نحو 3000 ولادة حية، وهي أكثر شيوعاً في الذكور من الإناث، بنسبة 1:3، ولا علاج لها. وهي، مثل أي تثلُّث صبغي، تنشأ عن خلل في أثناء الانقسام الانتصافي (الاختزالي) في خلال تكوين النطاف أو البيضات، فتمتك النطفة الشاذة أو البيضة الشاذة صبغياً إضافياً، وينشأ عن الإخصاب جنين تمتلك جميع خلاياه حالة تثلُّث صبغي. وقد يحدث الشذوذ في أثناء الانقسام الفتيلي mitosis في بعض الخلايا الجسمية في الجنين، فتكون خلايا جسمه موزاييكية (مُزيّقة) mosaic، بعضها طبيعي وبعضها الآخر شاذ، وهذا نادر.
السرطان | خَبن |
ابيضاض اللمفاويات المزمنChronic lymphocytic leukemia (CLL) | d(6)(q13q27)n d(9)(p21p22)n |
ابيضاض اللِمفاويات الحاد Acute lymphocytic leukemia(ALL)a | d(9)(p21p22)n |
Acute myeloid leukemia (AML)jابيضاض نِقياني حاد | d(7)(q11.2)n d(20)(q11.2)n |
متلازمات خلل تنسج النقي Myelodysplastic syndromes (MDS)n | d(7)(q11.2q36)n d(13)(q12q34)n d(20)(q11.2q13.1)1 |
مِلانوم (ورم ميلانيني خبيث) Malignant melanoma | d(9)(p13)n |
ورم ويلم Wilm's tumor | d(11)(p13)n |
سرطان الثدي Breast cancer | d(3)(p12p14)n |
السرطان | انقلاب Inversopm |
ابيضاض اللِمفاويات الحاد Acute lymphocytic leukemia (ALL)a | i(17)(q10)n |
Acute myeloid leukemia (AML)jابيضاض نِقياني حاد | i(17)(q10)n i(16)(p13.1q2)n |
متلازمات خلل تنسج النقي Myelodysplastic syndromes (MDS)n | i(3)(q21q26.2)n |
Retinoblastomaورم أَرُومَة الشبكية | inv(6)(p10)n |
ورم النسيج الجرثومي الخصيوي testicular germ cell tumor | inv(12)(p10)n |
السرطان | إزفاء Translocation |
ابيضاض اللِمفاويات الحاد Acute lymphocytic leukemia (ALL)n | t(4;11)(q21;q23)n t(1;11)(q32;q23)n t(6;11)(q27;q23)n |
Acute myeloid leukemia (AML) jابيضاض نِقياني حاد | t(1;3)(q36;q21)n t(3;3)(q21;q26.2)n t(3;21)(q26;q22)n t(6;9)(q23;q34)n |
متلازمات خلل تنسج النقي Myelodysplastic syndromes (MDS)n | t(1;7)(q10;q10)n t(3;3)(q21;q26.2)n t(3;21)(q26;q22)n |
غَرَن العضل المخطط السِنْخي Alveolar rhabdomyosarcoma | t(2;13)(q35;q14)n |
لمفوم (ورم لمفي) بيركت Burkitt's Lymphoma | t(2;8)(q12;q24.1)n t(8;14)(q24;q32)n |
الجدول (3) |
تتوقف شدة الأعراض على مقدار الخلايا المصابة بالشذوذ. ويعاني المصابون في جميع خلاياهم من كثير من الصفات الشاذة، ويتضمن ذلك الجهاز العظمي والقلب والرئتين والوجه، وكذلك تخلفاً عقلياً شديداً، وتشوهات في اليد والبصمات، ويموت الأطفال المصابون في غضون بضعة أشهر بعد ولادتهم.
ـ يلاحظ أحياناً التصاق الصبغي الزائد (13 أو 18) مع صبغي آخر، وهذه إحدى أشكال الإزفاء (الانتقال) الصبغي. يمكن أن تنتقل هذه الحالة وراثياً، وذلك لأن الفرد قد يمتلك أحياناً ترتيبات صبغية «متوازنة» حتى في حالة الإزفاء هذه، وحيث لاتوجد أشكال نقص أو زيادة مادة صبغية، فيكون سليماً وقادراً على الإنجاب.
ـ متلازمة n5P، وتدعى أيضاً (متلازمة مواء القط cri du chat syndrome)، وتنجم عن نقص قطعة صغيرة من نهاية الذراع القصير p من الصبغي الخامس، مؤدية إلى مجموعة من العاهات، منها الصوت الحاد المميز في الأسابيع الأولى بعد الولادة، والذي يشبه مواء القط، ونقص وزن الوليد، وصغر حجم الرأس، والحَوَل، وارتفاق الأصابع، ونقص في القدرات العقلية، ومشكلات قلبية، وغيرها. وقد يبقى بعض المصابين على قيد الحياة حتى مرحلة البلوغ، لكنهم يعانون من أشكال كثيرة من العجز الجسماني والتخلف العقلي.
ـ متلازمة وُلف ـ هرشهورن Wolf-Hirschhorn syndrome: وتنتج بسبب نقص في المادة الصبغية في الذراع القصير من الصبغي الخامس، محدثة تخلفاً عقلياً شديداً، وقد يكون الأنف عريضاً أو منقاري الشكل، مع اختلالات صحية أخرى. ويتعرض المصابون القليلون الذين قد يعيشون حتى عمر 20 سنة للصرع والعدوى بأمراض مختلفة، إضافة إلى إصابتهم بإعاقات شديدة.
ـ يمكن تحري الشذوذ الصبغي في المرحلة الجنينية المبكرة بدراسة خلايا تؤخذ من السائل الأمنيوني (الشكل ـ6) أو من المشيمة، باستعمال تخدير موضعي للحامل، ولا يسبب ذلك عادة أذى للأم أو جنينها، وتقارب دقة النتائج 9.99%. ويجرى ذلك إذا توافرت أدلة على احتمال كون الجنين مصاباً بشذوذ صبغي، مثلاً متلازمة داون، إذا كانت الحامل متقدمة في السن.
ـ يمكن حدوث اختلالات عديدة لصبغيي الجنس (X,Y) [ر. صبغيات الجنسي].
الشذوذ الصبغي والسرطان
ترتبط كثير من الاختلالات الصبغية بأنواع من السرطان، فمثلاً التثلُّث الصبغي 8 يرتبط مع ابيضاض الدم leukemia الحاد، كما يلاحظ في السرطان المعروف باسم لِمفوم بيركِت (BL) Burkitt’s lymphoma حدوث إزفاء بين الصبغيين 18 و14 في 90% من الحالات والصبغيين 8 و22 في 5%، والصبغيين 8 و2 في 5% منها.
يبين الجدول (3) نماذج من السرطانات المرتبطة بحالات خَبْن (d) وانقلاب (i) وإزفاء (t).
الوراثة والأمراض
الصبغيات (الكروموزومات) chromosomes هي مكونات خـلوية تحتوي على مورثات (جـينات) genes الكائن الحـي. وتحدث فيها أنواع عدة من الشذوذ [ر. الشذوذ الصبغي]، في حين تحدث أنواع أخرى من الشذوذ تطال المورثات وحسب، ولهذا يفصل العلماء والأطباء بين هذين النوعين من الشذوذ.
تنتشر شذوذات مورثة أو أكثر في المجتمعات البشرية، ولاسيما تلك الخاصة منها بمورثات متنحية recessive genes لا تستطيع إظهار أثرها ما لم تكن بحالة متماثلة اللواقح (أصيلة)، وهذه لحسن الحظ ليست شائعة بوفرة في المجتمعات البشرية؛ إذ تكون فرصة امتلاك فرد لمورثتين متنحيتين معاً ضئيلة للغاية، ولكنها تكون أكبر في المجتمعات التي تُمَارس فيها زيجات الأقارب على نطاق واسع.
يمكن أن تكون المورثة «الشاذة» موروثة أو تنشأ بالطفرة mutation لأسباب معلومة أو مجهولة، وتنتهي بانتهاء حياة الفرد إذا حدثت في خلاياه الجسمية somatic cells، ولكنه يورثها إلى نسله إذا حدثت في أعراسه (خلاياه التناسلية). وقد يكون بعض المورثات «شاذاً» وضاراً، وفي الوقت ذاته مفيداً، فمثلاً إن مورثة الكريات المنجلية sickle cell تسبب فقر دم (أنيميا) anemia معروفاً باسمها، ولكن المصاب بها ذو قدرة على مقاومة الملاريا، فهي مفيدة من هذه الناحية في أماكن متعددة من العالم.
ومن جهة أخرى فإن المورثات السائدة أكثر شيوعاً، ويكفي أليل سائد من شفع من الأليلات القرينة ليُظهر أثره. ويتطلب إظهار أثر المورثات أن تكون ذات نفاذية penetrance كاملة، فإذا كانت هذه جزئية فإنها لا تحدث الأثر الكامل. وفي هذا الصدد فإن جميع المورثات الموجودة على الصبغي الجنسي X تُظهر آثارها في الذكور (حيث النمط الصبغي هو XY)، أما في الإناث (XX) فإن المورثات السائدة وحدها تظهر أثرها، وتظهر المورثات المتنحية أثرها إذا كانت بحالة متماثلة اللواقح (أصيلة). ويتمثل أثر المورثة السائدة الشاذة في إحداث تشوه أو مرض أو استعداد لتطوير مرض ما.
إن وظيفة المورثة هي أساساً للتحكم في إنتاج بروتين معين، ولهذا فإن المورثة الشاذة تنتج بروتيناً شاذاً أو بكميات غير طبيعية، فينتج من ذلك شذوذ في وظائف الخلية، ومن ثم في إحدى وظائف الجسم ومظاهره.
المورثات السائدة الشاذة المسببة لأمراض شديدة هي لحسن الحظ غير كثيرة، وهي تتجه نحو الاختفاء لأن المصابين بها يكونون في حالة من الضعف الشديد لا تمكنهم من إنتاج نسل، ولكن هنالك استثناءات قليلة، فمثلاً في حالة مرض هنتِنغتون Huntington’s disease الذي يسبب تدهور وظائف الدماغ بعد عمر 35 عاماً، يكون المريض قد أنتج نسلاً قبل ظهور المرض هذا في جسمه.
ثمة نماذج للأمراض الوراثية كما يأتي:
ـ مرض هنتِنغتون:
مرض تنكسي عصبي تدرُّجي يسبب تدهوراً عقلياً وحركات لا يقدر المصاب على التحكم بها، وقد اكتشفه جورج هنتِنغتون وكان أول من وصف طبيعته الوراثية.
يدعى هذا المرض أيضاً «رقَص» هنتِنغنتون Huntington’s chorea، وهو مشتق من الكلمة اليونانية التي تعني الرقص، إشارة إلى الحركات اللاإرادية التي تتطور مع تقدم المرض. ويسبب هذا المرض فقداً متزايداً لخلايا من مناطق دماغية مسؤولة عن التحكم في بعض الحركات والقدرات العقلية. وإضافة إلى ذلك فإن الشخص المصاب به يصاب بتغيرات في تفكيره وسلوكه وشخصيته.
تبتدئ أعراض المرض بالظهور في عمر يراوح بين 30 ـ50 سنة، وفي نحو 10% من الحالات فإنه يبتدئ بالظهور في أواخر فترة الطفولة أو بداية المراهقة. ويقدر معدل حدوثه في الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 4 ـ 7 أشخاص/ 100000 نسمة.
يُتسبب مرض هنتِنغتون عن تغير في مورثة تدعى هنتِنغتين huntingtin. ويمتلك الدنا فيها عادة مكررات repeats من القواعد CAG تبلغ نحو 40 مرة أو أكثر. وإن القواعد الإضافية في هذه المورثة تسبب احتواء البروتين أجزاء إضافية ترمز لتصنيعه؛ ويُعتقد أنها تتفاعل مع بروتينات أخرى في الخلايا الدماغية مؤدية إلى موتها.
مورثة هذا المرض سائدة، وهذا يعني أن أليلاً واحداً منها كافٍ لإحداث المرض. ويصيب هذا المرض كلاً من الجنسين. وإن احتمال انتقاله إلى المرأة الحامل لا يتأثر بنتائج الحمل السابق.
ـ متلازمة لِش ـ نَيهان Lesch-Nyhan syndrome
اكتشفت هذه المتلازمة عام 1964 من قبل العالمين اللذين سميت باسمهما. وتُتسبب عن تغيير شديد (طفرة) في المورثة المسماة HPRT المسؤولة عن إنتاج إنزيم يتوسط تفاعلاً مهماً ضرورياً لمنع تراكم حمض البولة uric acid، واسمه هيبوكسانثين ـ غوانين فُسفوريبوسيل ترانسفيراز phosphoribosyl transferase hypoxanthine-guanine. وتؤدي الطفرة الشديدة في هذه المورثة إلى غياب نشاط الإنزيم المذكور، ومن ثم إلى حدوث ارتفاع ملحوظ في مستوى حمض البولة في الدم (فرط اليوريكَميَّة hyperuricemia). وهذا التراكم سام للجسم يرتبط بعلامات المرض. كما يُعتقد أن هذا الغياب يؤدي إلى تغيير الوظائف الكيمياوية لمناطق في الدماغ، مثل العقدة المركزية basal ganglia، مما يؤثر في الموصلات العصبية neurotransmitters بين الخلايا العصبية.
تتطور مشكلات عصبية عند الذكور المصابين بهذه المتلازمة في فترة طفولتهم، ويكونون ذوي عضلات ضعيفة (نقص التوتر hypotonia)، ولا يبدون تطوراً طبيعياً. وتشاهد عندهم حركات بالأطراف لا يمكن التحكم بها (الكَنَع athetosis)، وكذلك تصلب عضلي على مر الزمن. كما أن العجز عن الكلام يعدّ من علامات هذه المتلازمة، أما أشد علاماته فهي الإيذاء القهري المؤدي إلى أذيَّات ذاتية في نحو 85% من المصابين. ويتضمن ذلك عض المصابين لشفاههم وأطراف أصابعهم وضربهم العنيف لرؤوسهم. وقد تؤدي هذه التصرفات إلى إصابات شديدة وجروح خطيرة.
ـ الناعور (أ) Hemophilia A
مرض دموي وراثي يصيب الذكور أساساً ويتصف بنقص العامل الثامن factor VIII، وهو بروتين مهم يُصنِّعه الكبد من جملة عدة بروتينات مسؤولة عن عملية تخثر الدم، مما يؤدي إلى نزف غير اعتيادي حتى لو توافرت جميع عوامل التخثر الأخرى.
عُرف هذا المرض منذ البابليين حوالي 1700 سنة ق.م، ولكنه لقي اهتماماً واسعاً حينما أورثته الملكة فِكتوريا إلى عدة عائلات ملكية أوربية. ويعرف اليوم أنه متسبب عن المورثة هيما HEMA على الصبغي X (ر. صبغيات الجنس)، والذي يمتلك ذكر الإنسان ومعظم الحيوانات منه صبغياً واحداً فقط. ومن ثم فإنه يظهر في الذكور أساساً.
تم توفير معالجة ناجعة للناعور (أ) منذ منتصف القرن العشرين، وذلك بحقن مصوَّرَة (بلازما) plasma أو منتجات بلازما مصَنَّعة لتوفير مصدر استعاضي للعامل الثامن، وفي منتصف ثمانينيات القرن الماضي حدث تلوث على نطاق واسع لمنتجات دموية بفيروس مرض نقص المناعة المكتسب (HIV)، ومن ثم أُصيب معظم مرضى الناعور الذين تلقوا الدم الملوث بهذا الفيروس مما دعا الباحثين إلى توفير مصادر أخرى للعامل الثامن، منها العامل الثامن المأشوب recombinant factor VIII [ر: الهندسة الوراثية] الذي يستخدم بديل المعالجة السابقة.
تجرى اليوم بحوث كثيرة نشطة لتطوير المعالجة الوراثية[ر] gene therapy لهذا المرض، وكانت النتائج التي تم التوصل إليها حتى اليوم مشجعة.
ـ متلازمة الصبغي X الهش fragile X syndrome
تعدّ الأكثر شيوعاً من أنواع التخلف العقلي الموروث. ويتصف الأفراد المصابون بها بنمو متأخر ودرجات مختلفة من التخلف العقلي، وكذلك بصعوبات سلوكية وعاطفية. وفي العادة يكون التخلف العقلي متوسط الشدة عند الذكور وقليله عند الإناث. وهذه المتلازمة تظهر عند الذكور والإناث، وتقدر نسبة إصابة الذكور بها بنحو 1: 4000 ـ1: 6250، ونسبة إصابة الإناث بها نحو نصف نسبة إصابة الذكور، من دون تمييز للمجموعات الإثنية.
سبب هذه المتلازمة هو طفرة في المورثة FMR-1 الموجودة في الصبغي X. ولا يُعرف تماماً دور هذه المورثة، ولكن يعتقد بأنها يمكن أن تكون مهمة في تطور الدماغ، ولكن دورها في تطور الجسم ليس معروفاً بدقة حتى اليوم.
ـ التهاب المعثكلة الوراثي hereditary pancreatitis
إضافة إلى أهمية المعثكلة (البنكرياس) في إفراز هرموني الأنسولين insulin والغلوكاغون glucagon المسؤولين عن تنظيم مستوى سكر الدم (الغلوكوز) glucose في الجسم، فإن هذا العضو مهم جداً في تنظيم بعض عمليات الهضم بوساطة مجموعة من الإنزيمات، وهذه تُخزَّن عادة فيه بحالة غير فعالة inactive، وتطلق منه استجابة للغذاء فتنتقل في قناة إلى المعي الدقيق حيث تصير فعَّالة في هضم الغذاء.
التهاب المعثكلة هو حالة تهيجية التهابية تنتج في معظم الأحوال من تناول الكحول بإفراط أو من وجود حصيات صفراوية أو إصابات ڤيروسية أو شذوذات استقلابية أو أسباب أخرى. ويمكن في بعض الحالات النادرة أن يكون ناجماً عن شذوذ وراثي ينتقل من الأب أو الأم إلى النسل؛ تبتدئ في الطفولة وتتصف بنوبات متكررة ناتجة من التهاب المعثكلة ومسببة آلاماً بطنية حادة ودواراً وإقياء. وقد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة تراوح بين مرض السكري وسوء الهضم إلى الإدماء وتسريب سوائل من الأوعية الدموية إلى التجويف البطني. وتمر إنزيمات المعثكلة عبر الأوعية الدموية المتضررة إلى مناطق متعددة في الجسم مسببة أضراراً أخرى، ويمكن أن تؤدي أضرار المعثكلة من الحالات الالتهابية المتكررة إلى التهاب مزمن وتلف للمعثكلة أو حتى إلى سرطان، والوفاة.
يُورث المرض صفة جسمانية سائدة ويُتسبب عن أكثر من خمسة تغيرات في المورثة المسؤولة عن إنزيم التربسين وموقعها الصبغي هو s7q35. وفي المصابين بالحالة الوراثية يتنشط إنزيم التربسين وهو لا يزال ضمن المعثكلة ويبتدئ في هضمها ذاتها مسبباً تخريشاً والتهاباً فيها. وقد يسبب هذا المرض تغييرات في مورثات أخرى لعلها في الصبغي 12.
يبلغ معدل الإصابة السنوي بهذا المرض نحو 1: 10000 شخص، وهو على أي حال مرض نادر إذ لا يبلغ أكثر من 2% من جميع حالات التهاب المعثكلة.
مورثات مرضية أخرى:
يوجد موقع مورثة مشهورة تتحكم في الزمر الدموية A,B,O على الصبغي التاسع في خلايا الإنسان. وهي الزمر التي اكتشفت عام 1900 وكانت في أثناء معظم القرن العشرين تُستخدم في المحاكم الجنائية والشرعية وغيرها لإثبات جرم أو براءة متهم، أو لإثبات أبوة أو أمومة أو نفيهما، وغير ذلك من أمور تتعلق بشخصية الإنسان، وذلك قبل اكتشاف البصمة الوراثية (بصمة الدنا) [ر] التي تستخدم اليوم في غالبية البلاد التي تتوافر فيها إمكانية تحديدها. وهاتان التقانتان هما في الواقع صديقتان للإنسان البريء في المحاكم.
انحسر الاهتمام بالزمر الدموية A,B,O ليصير مقصوراً تقريباً على حالات نقل الدم إلى مريض يحتاج إليه، إذ يمكن أن يكون استقبال المريض لزمرة دموية لا تناسبه وبالاً عليه قد يؤدي إلى موته.
في عشرينيات القرن العشرين عُرفت وراثة هذه الزمر، وفي عام 1990 عُرفت المورثة المسؤولة، وتبين أن A وB هما شكلان لسيادة متماثلة co-dominant versions من المورثة ذاتها، لكن O هو الشكل المتنحي recessive منها. وتقع المورثة قرب طرف الذراع الطويلة من الصبغي التاسع. ويبلغ طولها 1062 حرفاً، مقسمة إلى ستة إكسونات exons موزعة في عدة «صفحات» تضم نحو 18000 «حرفاً» في الصبغي المذكور، وتفصل بين هذه الإكسونات خمسة إنترونات introns. والمورثة المذكورة خاصة بإنزيم يدعى غلاكتوسيل ترانسفيراز transferase galactosyl.
منذ ستينيات القرن العشرين صار واضحاً أن هنالك علاقة بين الزمر الدموية والإسهال diarrhea، فالأطفال ذوو الزمرة A يصابون بأنواع معينة من الإسهال من دون أنواع أخرى، وتصاب أطفال الزمرة B بأنواع أخرى من الإسهال. وفي أواخر الثمانينيات اكتشِف أن الأناس الممتلكين للزمرة O كانوا كثيري التعرض للإصابة بمرض الهيضة (الكوليرا) cholera، ثم تبين اختلاف الأناس ذوي الزمر A وB وAB في قابليتهم للإصابة بهذا المرض. فكان أصحاب الزمرة AB أكثر مقاومة، وأكثر منعة ضد الكوليرا. وتلاهم أصحاب الزمرتين A ثم B. أما أقل الزمر مقاومة فكانت الزمرة O.
ثلاثة أمثلة على العلاقة بين الطفرات والأمراض: أولهما الارتباط بين الإصابة بمرض أنيميا الكريات المنجلية والملاريا، والذي لوحظ في إفريقيا في أواخر الأربعينيات وما تلاها، إذ إن مورثة الكريات المنجلية غالباً ما تكون مميتة بحالتها الأصيلة وذات أضرار قليلة بحالتها الخليطة، وفي الحالة الأخيرة يكون الأفراد مقاومين للملاريا. وتوجد طفرة الكريات المنجلية أساساً في أجزاء من غربي إفريقيا حيث تنتشر الملاريا، وهي شائعة أيضاً عند الأمريكيين - الإفريقيين. والمثال الآخر حالة أخرى من فقر الدم تُدعى التَلاسيميَّة thalassemia وهي شائعة في أجزاء عديدة في البحر المتوسط وجنوب شرقي آسيا، ويبدو أنها تمتلك وقاية مماثلة ضد الملاريا التي كانت شائعة في مناطق كثيرة. والمثال الثالث هو ما توفره المورثة الطافرة CFTR من وقاية ضد مرض الحمى التيفية (التيفوئيد) typhoid، وهي توجد على الصبغي السابع للإنسان، وتسبب عنده مرض التليف الكيسي cystic fibrosis.