ازداد انتشار الأمراض المنقولة جنسياً sexually transmitted diseases (S.T.D) ازدياداً كبيراً في العقود الأخيرة؛ ومما أسهم في هذا الانتشار تغير السلوك الجنسي، واستعمال الحبوب المانعة للحمل، ومعالجة هذه الأمراض على نحو سيئ أو ناقص، واكتساب بعضها مقاومة لأدوية كانت تتأثر بها، وجهلها من قبل المرضى في بعض الأوساط الاجتماعية. وأكثر ما تشاهد هذه الآفات في الفئات العمرية التي تقع بين 18 و34 عاماً، وتبلغ قمة هذا الارتفاع بين سن العشرين والرابعة والعشرين. وتعد الأخماج التالية من أكثر الأمراض المنقولة جنسياً:
الإفرنجي[ر] syphilis، وفيروس عوز المناعة المكتسب[ر] HIV، والقريح chancroid، والسيلان البني gonorrhea، وفيروس الحلأ البسيط[ر] herpes simplex، والورم الحليمي التناسليpapillomavirus، والورم الحبيبي الأربي granuloma inguinalis، والأمراض التناسلية التي تسببها المتدثرة chlamydia، وداء المشعرات trichomonas وداء المفطورات mycoplasma. ولابد من التفكير بمرض ينتقل جنسياً أمام كل نجيج (خروج مفرزات) discharge يظهر من الإحليل أو المهبل، وأمام كل تقرح أو تآكل يشاهد على الجهاز التناسلي عند الذكر أو الأنثى.
الجراثيم | الفيروسات | وحيدات الخلية | الفطور | الطفيليات الخارجية |
النسيرية البنية | الحلأ البسيط النمط 1 | المشعرات المهبلية | المبيضات البيض | القمل |
المتدثرة الحثرية | الورم الحليمي | الجياردية اللمبيلية | هامة الجرب | |
البولانية الحالة لبول | المضخمة للخلايا | |||
المفطورة البشرية | المليساء السارية | |||
اللولبية الشاحبة | التهاب الكبد A-C-B | |||
العقديات الحالة من زمرة B | فيروس الإيدز HIV | |||
مستدمية دوكري | ||||
الشيغلية | ||||
العضويات التي قد تنتقل جنسياً |
القريح
القريح أو القرحة اللينة soft chancre وعاملها جرثوم سلبي الغرام هو مستدمية دوكري Haemophilus ducrey أو عصية دوكري Ducrey bacillus، وتتظاهر الإصابة بحدوث خمج حاد يتوضع في المنطقة التناسلية، ويتصف بظهور قرحة وحيدة أو متعددة، مؤلمة وناخرة تترافق أحياناً بورم وتقيح في العقد اللمفية الناحية. وقد تحدث عند المرأة آفات عارضة على جدار المهبل أو عنق الرحم. تتم العدوى بالتماس الجنسي المباشر بالمفرزات من الآفات المفتوحة وبالقيح من الدبل. وقد يجري تلقيح ذاتي إلى مواقع غير تناسلية في الشخص المصاب نفسه. تظهر الأعراض بعد فترة حضانة تمتد من 3 حتى 5 أيام، وقد تصل أحياناً إلى 14 يوماً.
يجري تشخيص الإصابة، إضافة للعلامات السريرية، بزرع نضحة من القرحة في أوساط زرعية خاصة. وتتوافر اليوم طرق مصلية تعتمد على التفاعل السلسلي للبوليميرازpolymerase chain reaction (P.C.R)، والتألق المناعي immunofluorescence للكشف المباشر عن الجراثيم في القرحة ذاتها.
يشيع هذا الخمج في الأقاليم المدارية وشبه المدارية، وانتشاره في المناطق المعتدلة أقل. وتكون نسبة إصابة الرجال به أكثر من النساء وقد تقرب من نسبة إصابتهم بالسيلان، كما أن الاستعداد للعدوى أشد في غير المختونين منها في المختونين.
يكون العلاج النوعي بإعطاء السفترياكسون ceftriaxone أو الاريتروميسين أو السيبروفلوكساسين ciprofloxacin أو الأموكسيسيلين شريطة أن يعطى مع حمض الكلافولانيك، ولا تكسب الإصابة مناعة وليس لها لقاح واق.
السيلان البني
السيلان البني gonorrhee، أو التهاب الإحليل بالنيسريات البنية Neisseria gonorrhoeae مرض جرثومي شائع في العالم كله، ينتقل عن طريق الجنس، ولا يصيب إلا الإنسان. وأكثر ما يشاهد هذا الخمج في الشباب المتعددي القرناء. وقد ازدادت، في العقدين الأخيرين، مقاومة ذراريه الجرثومية للصادات التي كانت تتأثر بها.
ينتقل الجرثوم بالتماس مع نضحات exudats الأغشية المخاطية لأشخاص مخموجين، وتظهر أعراض الإصابة بعد حضانة تمتد من يومين حتى سبعة أيام وربما أكثر من ذلك في أحيان قليلة (15 إلى 20 يوماً).
تختلف اللوحة السريرية للخمج في الذكور عنها في الإناث في مسارها وشدتها وتميزها من غيرها من الأخماج التي تصيب الجهاز التناسلي، ففي الذكور يظهر نجيج discharge قيحي من الإحليل الأمامي مع عسر تبول وحرقة. قد ينتهي الخمج تلقائياً أو يمتد إلى الإحليل الخلفي ليسبب التهاب البربخ epididymitis، أو الموثة (بروستات)، أو التهاب الموثة والمثانة؛ وربما أدت الإصابة إلى حدوث إنتان. أما خمج المستقيم عند الذكور الجنوسيين فهو صامت لا يتظاهر بأعراض. ويحدث عند الإناث بعد أيام قليلة من التعرض التهاب عنق الرحم المخاطي القيحي، ويكون غالباً دون علامات سريرية؛ ولكن في نحو 20% من الحالات يتم غزو الرحم في أثناء دورة الحيض الأولى أو الثانية؛ وتتظاهر الأعراض بالتهاب بطانة الرحم أو التهاب البوق، أو التهاب الصفاق الحوضي peritonitis ما يتبع ذلك من خطر حدوث العقم. قد تصاب الفتيات قبل البلوغ بالتهاب الفرج والمهبل عقب انتهاك جنسي إجرامي.
أصبحت إصابة الملتحمة بالمكورات البنية عند الولدان نادرة لاستعمال مواد موقية بعد الولادة مباشرة كالاريتروميسين والتتراسكلين، أو تنقيط محلول نترات الفضة المائي بنسبة 1ـ2%. أما المضاعفات كالتهاب المفاصل، والتهاب الجلد، والتهاب الشغاف، والتهاب السحايا، التي تحدث بعد تجرثم الدم بهذه المكورات فمازالت تشاهد في الأوساط التي لا تخضع لعلاج. وقد ينجم عن التهاب المفاصل تلف دائم فيها إذا تأخرت المداواة بالصادات الملائمة، كما قد يؤدي التهاب الشغاف إلى الوفاة في حالة إهماله.
يترافق التهاب الإحليل بالمكورات البنية في أحيان كثيرة بأخماج أخرى تنتقل جنسياً، أكثرها شيوعاً المتدثرة الحثرية chlamydia trachomatis، والبولانية الحالة للبولة ureaplasma urealyticum، مما يعقد التشخيص السريري ويؤخر الشفاء التام أحياناً.
تؤكد الإصابة بالسيلان البني، إضافة للعلامات السريرية، بزرع النجيج في مستنبتات خاصة، ورؤية الجراثيم في لطاخات مهيأة من إحليل الذكر أو عنق الرحم بعد تلوينها بطريقة غرام، أما الاختبارات المصلية المتوافرة حالياً فلا يعتمد عليها لافتقارها للنوعية.
تتم المداواة الناجعة بإعطاء الأدوية المؤثرة بمقادير كافية، وإعادة فحص المريض بعد أسبوع من انتهائها للتأكد من شفائه. والمعالجة المحبذة اليوم تكون بالسيفيكسيم cifixime، أو السيبروفلوكساسين ciprofloxacin، أو السيفترياكسون ceftriaxone، أو الأوفلوكساسين ofloxacin. ولا تكسب الإصابة بالسيلان البني مناعة كما أنه ليس لجرثومها المسبب لقاح.
الورم الحليمي (الحليموم)
آفة تنشأ عن العدوى بالفيروسات الحليمية الإنسانية Papilloma virus humanis، وهي فيروسات صغيرة جداً تحدث أوراماً سليمة مثل البرّوقات (الثآليل) verruca والأورام اللقمية Condylomaوالأورام الحليمية Papilloma.
ولهذه الفيروسات الحليمية الإنسانية أنواع كثيرة تزيد على الخمسين يؤدي بعضها لآفات سليمة، في حين يشترك بعضها بإحداث آفات ما قبل السرطان precancer قد تتطور نحو السرطان الصريح، وهو ما يحدث بالفيروسات 18 و31 و33 و35 التي تنتقل بالعلاقات الجنسية ولاسيما الشاذة منها وتسبب تبدلات في مخاطية عنق الرحم قد تبلغ حد الإصابة بالسرطان الصريح.
أما الأورام الحليمية المرئية في الأعضاء التناسلية الظاهرة فتشبه البروقات الجلدية، وهي غالباً مصطبغة حمراء أو طلوانية، وتشكل أحياناً حليمات حقيقية سطحها منتظم نموها بطيء وقد تستمر عدة سنوات وغالباً ما تكون الفيروسات فيها مسرطنة، أو قد لا تكون هذه الأورام الحليمية مصطبغة، أو تكون شفافة وغالباً ما تكون الفيروسات فيها سليمة غير مسرطنة، وفي الحالة الأولى يجب أخذ خزعة للفحص النسجي.
تعالج الحليمومات ببعض الأدوية سامة الخلايا أو بالتخثير الكهربي.
الورم الحبيبي الأربي (الحبيبوم الأربي)
مرض مزمن يتصف بحدوث تقرحات مترقية غير مؤلمة، تحدث في الأعضاء التناسلية بنسبة 80% من الحالات وفي المنطقتين الإربيتين بنسبة 10%، والشرج والعانة بنسبة 5- 10% وقد تتوضع بعيداً بنسبة 1 - 5%. أكثر ما تتوضع الآفة في الرجال على الحشفة والقلفة وفي النساء على الأشفار، وتصيب جانباً واحداً في الغالب.
تنجم الآفة عن عامل ممرض يسمى المغمدة الحبيبومية calymmatobacterium granulomatis، يدخل الجسم غالباً بالطريق الجنسي، ويمتد زمن الحضانة فيه بين ثمانية أيام وثمانين يوماً، وقد يقطن العامل الممرض الأمعاء، ويحدث الحليموم الأربي بالتلقيح الذاتي أو بالمقاربة عن طريق المهبل إذا ما تلوث بالجراثيم المعوية، أو يحدث بالجماع عن طريق المستقيم عند الجنوسيين، ولابد لحدوث المرض من وجود منفذ في الجلد أو في الأغشية المخاطية.
تبدأ الآفة بحدوث عقدة واحدة أو عقيدات متعددة تحت الجلد تتآكل تدريجياً وتظهر مكانها مناطق حبيبومية نظيفة حدودها صريحة وغير مؤلمة.
لا تصاب الأوعية اللمفية في البدء ولكن متى تندبت الآفة انسدت هذه الأوعية مما يؤدي لحدوث فَيَل كاذب في الأعضاء التناسلية. وقد تنتشر الآفة بطريق الدم أو اللمف فتصيب الكبد وحتى بعض الأعضاء البعيدة كالعين والشفتين والحنجرة.
تلتبس الآفة بالتقرحات الناجمة عن الإفرنجي أو السرطان أو التدرن وتمتاز منها بسيرها البطيء وبعدم إصابة الأوعية اللمفية وبغياب التفاعلات المصلية الخاصة، وبالفحص النسيجي.
تعالج الآفة بالصادات ولاسيما النتراسيكلين والأمبسلين.
المتدثرات التناسلية
خمج ينتقل جنسياً عامله المتدثرة الحثرية chlamydia trachomatis ولها أنماط عدة، عالمية الانتشار زادت حالاتها خلال العقدين الأخيرين. وتتظاهر أعراضها بعد حضانة تدوم 7 حتى 14 يوماً عند الذكور على هيئة التهاب الإحليل urethritis، وفي الإناث على شكل التهاب عنق الرحم المخاطي القيحي mucopurulent cervicitis. قد يصعب تمييز الأعراض السريرية لالتهاب الإحليل من السيلان البني إذ هي تشمل نجيجاً discharge مخاطياً قيحياً وحكة إحليلية وحرقة في أثناء التبول. وتشمل العقابيل المحتملة التهاب البربخ والعقم ومتلازمة رايتر syndrome Reiter. كما أن إصابة الإناث تماثل في مظاهرها السريرية مظاهر الإصابة بالسيلان أيضاً وتتصف بوجود نجيج مخاطي قيحي في باطن عنق الرحم مع وذمة وحمامى تسبب نزف باطن الرحم، ومع ذلك كثيراً ما لا تبدي النسوة المصابات أعراضاً. والمضاعفات التي يسببها هذا الخمج عندهن هي: التهاب البوق وما يتبعه من التعرض لخطر العقم أو الحمل المنتبذ ectopic أو ألم الحوض المزمن. كما يمكن أن تحدث بنسب أقل التهابات في غدة برتولان ومتلازمة إحليلية مع عسر تبول وبيلة قيحية، وقد تؤدي الإصابة في أثناء الحمل إلى تمزق مبكر للأغشية مع عدوى تصيب الوليد.
يشخص التهاب الإحليل أو التهاب عنق الرحم بنفي الإصابة بالمكورات البنية وإثبات وجود المتدثرات، ويكون بفحص مسحة من داخل الإحليل أو بطانة عنق الرحم باختبار التألق المناعي أو باختبار المقايسة المناعية الإنزيمية enzyme immunoassay (EIA)، ويندر استفراد العامل الممرض الذي يعيش داخل الخلايا من النجيج نفسه.
تعالج المتدثرات التناسلية بالدوكسيسكلين، والأكروميسين، والإصابة بها لا تكسب مناعة كما أنه ليس لها لقاح.
داء المشعرات
المشعرة trichomonas طفيلي من الحيوانات الأوالى ذات السياط، عالمية الانتشار. يكون أعلى حدوث لها بين الإناث خاصة في عمر 16 إلى 35 سنة. تظهر أعراض الإصابة بعد دور حضانة يمتد من 14 حتى 20 يوماً وسطياً، ويسبب هذا الطفيلي التهاب المهبل مع آفات حَبَرية petechial صغيرة، ونجيج غزير رغوي لونه أخضر يضرب إلى الصفرة ذي رائحة كريهة. وقد تسبب الإصابة التهاب الإحليل أو المثانة ولكنها لا تتظاهر عندهن بأعراض في معظم الإصابات.
قد يغزو هذا الطفيلي الموثة (البروستات) والإحليل والحويصلات المنوية عند الرجال، لكن أعراضه تكون خفيفة على الجملة. يترافق هذا الخمج مع السيلان البني في كثير من الحالات قدرت نسبتها بنحو 40% في بعض الدراسات، ويجري انتقاله بالتماس مع مفرزات مهبلية أو إحليلية مخموجة. يتم تشخيص الإصابة بكشف الطفيلي إما بالفحص المجهري للمفرزات أو بالزرع، كما يمكن مشاهدته على لطاخة بابا نيكولاو Papa Nicolao.
تكون معالجته بالمترونيدازول أو التيندازول أو الأونيدازول. وينبغي إعطاء علاج متزامن للقرينين لمنع تكرار العدوى.
داء المفطورات
جراثيم ذات أشكال مختلفة لافتقارها لجدار خلوي، تتصف بكثرة أنواعها وتعدد قدراتها المرضية، وشدة ألفتها للأغشية المخاطية. هناك مفطورتان مسؤولتان عن إحداث أخماج تناسلية هما:
المفطورة البشرية mycoplasma hominis، والمفطورة البولانية الحالة لليوريا (أو البولة) ureaplasma urealyticum.
استفردت المفطورة البشرية في حالات نادرة من التهاب البوق salpingitis، ودورها في التهاب المهبل غير مؤكد. أما البولانية الحالة لليوريا فهي المسؤولة عن إحداث 10 إلى 40% من التهاب الإحليل اللانوعي. تتظاهر أعراض الإصابة بها عند الرجل بحدوث التهاب إحليل تحت الحاد، وبيلة قيحية لا جرثومية مع التهاب المثانة النـزفي. وكثيراً ما تترافق هذه الأعراض مع التهاب الحشفة balanitis، والبربخ epididymis، والموثة (البروستات). أما التهاب الإحليل الحاد فلا يلاحظ إلا في أحوال نادرة.
وتبدو أعراض الإصابة بها عند المرأة بالتهاب إحليل والتهاب غدد سكين skenitis، وبارتولان، وعنق الرحم، والفرج والمهبل، وعلى قلة التهاب البوق. وقد تحدث الإصابة مضاعفات مفصلية أو حالات عقم تتراجع بعد المعالجة.
يتم تشخيص الإصابة بالمفطورات بأخذ عنصر مرضي بالتجريف وزرعه في أوساط خاصة. ولا قيمة لاستفراد المفطورة البشرية إلا إذا تم ذلك من نماذج عقيمة في حالتها السوية كالدم، أو من البوقين، كما أنه لا قيمة تشخيصية لاستفراد البولانية الحالة لليوريا إلا إذا نمت بكميات كبيرة في المستنبتات التي زرع فيه العنصر المرضي المهيأ من الإحليل أو من الرشقة الأولى للبول.
السكلينات والمكروليدات هي الصادات المنتقاة للمعالجة، ولكن من الذراري ما هو مقاوم لها فحينئذٍ تعطى الكينولونات بدائل