Search - للبحث فى مقالات الموقع

Wednesday, February 9, 2011

حاسه الشم



الأنف هو الجزء البارز في الوجه بين الفم والجبهة ويتميز بالمنخرين أو الفوهتين الأنفيتين اللتين تؤديان إلى الحفرتين الأنفيتين اليمنى واليسرى اللتين يفصل بينهما حجاب متوسط، غضروفي في الأمام وعظمي في الخلف. وجيوب الوجه تلتحق بالأنف مباشرة وتؤلف مجموعة واحدة من الناحيتين التشريحية والمرضية. ويؤلف الأنف الجزء العلوي من الجهاز التنفسي وهو في الوقت نفسه منطلق الإحساسات الشمية. والشم odorat حاسةٌ يدرك بها الإنسان روائح الأجسام المحيطة به.
وعضو الشم من أعضاء الحواس الأولى في النمو. يظهر باكراً في الأسبوع الرابع من الحياة الجنينية بشكل انتباج في الوريقة الخارجية، وترسل الخلايا الشمية ذات القطبين محاورها في الأسبوع الخامس إلى الدماغ البدائي الذي تتكون فيه البصلة الشمية بشكل متطاول، ومنشأ الحويصل الشمي والحويصل البصري والحويصل السمعي من المحور العصبي واحد.
البنية التشريحية
تقع المنطقة الشمية في القسم الخلفي من الحفرتين الأنفيتين وتشمل القُرين العلوي وقبة الأنف (الصفيحة الغربالية) والقسم العلوي من الوتيرة بمساحة 2.5 سم2 في كل جهة.
هذه المنطقة العظمية مستورة بغشاء نخامي مخاطي يختلف شكله عن بقية الغشاء المخاطي للأنف. ومن خلاياه تمتد ألياف شمية تمرّ من ثقب الصفيحة الغربالية إلى البصلة الشمية.
وتقع هذه البصلة الشمية على الوجه العلوي من الصفيحة الغربالية وأسفل الفص الجبهي، شكلها بيضي طولها 7ملم وعرضها 5ملم، تتصل نهايتها الخلفية بالنهاية الأمامية للشريط الشمي الذي تتصل نهايته الخلفية بالمثلث الشمي (الحدبة الشمية) مكوِّناً التلفيف الشمي، وطوله 3سم ويزداد ثخنه في قسمه الخلفي.
والمثلث الشمي شكله هرم ثلاثي تتصل ذروته في الأمام بالشريط الشمي وقاعدته بالفسحة المثقبة الأمامية التي في الفص الشمي والتي تصطف ثقوبها بانتظام لمرور الأوعية فيها.
أما الطريق الشمي فيتألف من ثلاث وحدات عصبية:
ـ الوحدة العصبية الأولى (محيطية): مؤلفة من خلايا الغشاء النخامي التي تخرج منها استطالات هيولية قصيرة تمتد إلى سطح الغشاء النخامي، واستطالات طويلة تؤلف المحاور الأسطوانية التي تمر من الصفيحة الغربالية إلى البصلة الشمية.
ـ الوحدة العصبية الثانية: تمتد من البصلة الشمية، وتنتهي في المركز الشمي القشري الأول ـ المؤلف من المادة السنجابية للشريط الشمي والمثلث الشمي والفسحة المثقبة الأمامية والحجاب الشفاف ـ والمركز الشمي القشري الثاني. وهذه الوحدة مؤلفة من استطالات الخلايا التاجية للبصلة الشمية وامتداداتها.
ـ الوحدة العصبية الثالثة: تمتد من المراكز الشمية الأولى إلى المراكز الشمية الثانية السالف ذكرها.
وتنتهي جميع هذه الألياف بالمراكز الشمية القشرية في المخ المتوسط، وبعضها يتابع مسير الحزمة الحجابية ليدخل في تكوين السرير البصري، وقسم منها يعقب مسير الشريط الطويل الخلفي وينتهي بالنويات المنشئية للأعصاب القحفية، وبذلك يرتبط المركز الشمي الأول بنويّات الأعصاب القحفية.
الناحية النسيجية
يقسم الغشاء المخاطي الذي يفرش الأنف إلى قطعة سفلية لونها وردي تدعى المنطقة التنفسية، ومنطقة علوية هي المنطقة الشمية أو الغشاء النخامي، وهو رقيق لونه أصفر أو أسمر مصطبغ بصباغ فوسفولبيدي، وهذا اللون أقل ظهوراً عند الإنسان منه عند بقية الحيوانات، وتختلف شدته من شخص إلى آخر، ويزول هذا اللون عند الموت.
ويتألف الغشاء النخامي من بشرة فيها عناصر استنادية وعناصر حسية، ومن أدمة ضامة فيها غدد، ومن انتشارات عصبية. ويوجد من 10-20 مليون خلية في كل حفرة أنفية.
أما البشرة ففيها ثلاثة أنواع من الخلايا:
ـ خلايا قاعدية صغيرة مخروطية تتوضع صفاً واحداً، ويرتفع عليها سطح رقيق من الخلايا الاستنادية.
ـ خلايا استنادية مستطيلة حويصلية، نواها جسيمة بيضية، ينتهي قسم الخلية الواقع فوق النواة بنهاية سائبة ينبسط فيها صباغ يكسبها لوناً خاصاً. أما قسم الخلية الواقع تحت النواة فمكون من استطالة رقيقة مقعرة تسكنها الأقسام المنتفخة من العناصر الحسية المجاورة، على سطحها قشيرة رقيقة عليها جليدة متجانسة مكونة من مفرزات الخلايا تتصل بالخلايا المجاورة مؤلفة طبقة مثقبة تنفذ منها أهداب الخلايا الشمية.
ـ خلايا شمية عصبية شبيهة بالعقد الشوكية وهي طويلة رقيقة وخيطية الشكل، موزعة بين الخلايا الاستنادية الثنائية القطب، ولها استطالتان: محيطية طولها بين 20 و30 ميكروناً تنتهي بعُقَيْدة صغيرة تبرز على سطح البشرة نحو ميكرونين وتحتوي على هدب شمي أو أهداب كثيرة تصل حتى 20 هدباً شمياً، ومركزية: هي محور أسطواني وحيد يخترق الغشاء القاعدي دون أن يكون مغمداً بالنخاعِيْن، وعندما يغادر الخلية الشمية يحاط باستطالات مركزية من الخلايا الداعمة والخلايا القاعدية، ثم تتجمع عدة محاور في حزمة واحدة تتغمد بخلية شوانية وتتجمع هذه الحزم لتؤلف عصباً شمياً، ويقدر عدد الأعصاب الشمية في كل جانب بعشرين عصباً.
يجتاز هذا العصب الصفيحة الغربالية ويتمفصل مع الخلايا التاجية من البصلة الشمية، وتسير المحاور الأسطوانية لهذه الخلايا إلى المراكز المخية ولاسيما التلفيف الصدغي الثالث وقرن أمون.
وتحت الغشاء البَشَريّ خلايا غدية (خلايا بومان) تفرز سائلاً خاصاً على الغشاء المخاطي يستطيع حل المواد القابلة للشم.
وأما الأدمة فهي نسيج ضام ليفي مرن فيه كثير من الكريات البيض، وغدد أنبوبية من النموذج المصلي ترطب بمفرزها الغشاء المخاطي.
وفيما يتعلق بالانتشارات العصبية، يشاهد في الغشاء النخامي عدا الألياف العصبية الشمية خيوط عصبية تعود للعصب المثلث التوائم.
فيزيولوجية الشم وشروطه
لكل ذرة من الجسم المروح (ذي الرائحة)، اهتزازات خاصة تجعلها على درجة خاصة من سلم الروائح، وانتقال هذه الاهتزازات إلى أهداب المخاط الشمي يكون أساساً في الحس الشمي. والصباغ الذي لا يوجد إلا في المنطقة الشمية يؤثر في سعة هذه الاهتزازات.
ويشترط في الشم ما يأتي:
ـ أن تكون المادة مروحة ولم يعرف إلى أي من صفات المادة يستند لتكون مروحة فهناك مواد من تركيب كيماوي متقارب ولكن روائحها متباينة.
ـ أن تكون للمادة ذرات تنتشر في الهواء كالمسك، فيمكن أن يشم إذا وجد منه مقدار 1/2000000 من الميليغرام في 50 سم3 من الهواء.
ـ سلامة الفرجة الشمية وتدعى الحدقة الشمية، فكل حاجز يعوق وصول تيار هواء التنفس إلى المنطقة الشمية يضطرب معه الشم، وإن تيار الهواء المستنشق يرسم في الأنف خطاً منحنياً تقعره سفلي وذروته تمر بالصماخ المتوسط ، وانحراف هذا التيار الهوائي يعوق الشم. وتيار هواء الزفير يصطدم بالقسم العلوي من القمع الأنفي ثم ينعكس إلى الأمام ليرسم منحنياً يشبه السابق وبذلك يصل إلى المنطقة الشمية فتشم روائح الطعام مثلاً. وإذا سدّ المنخران في أثناء الطعام ينقص الشم نقصاً شديداً وقد يزول تماماً، لأن فعل الاستنشاق يزيد في استقبال الشم ولاسيما الروائح الزكية في حين ينقبض الأنف تجاه الروائح البغيضة ليعيق دخولها أو وصولها إلى المنطقة الشمية.
ـ أن تنحل ذرات المادة المروحة في السائل المخاطي للأنف والماء والدسم، فالرمل مثلاً لا تنحل ذراته ويجب أن تكون الرطوبة كافية لحفظ المركبات الشحمية بشكل طبقة فوق البشرة الشمية.
ـ سلامة الغشاء النخامي ورطوبته: يزول الشم في التهاب الأنف الضموري لجفاف الغشاء النخامي وضمور النهايات العصبية الشمية، أو في الهواء الجاف، ولذلك فإن كلب الصيد تضعف عنده قوة الشم في الجو الجاف، والوردة تشم بشكل أفضل عند الصباح أو المساء عندما يُرطبُ الهواء قليلاً.
ـ سلامة الطريق العصبي الشمي ففي آفات العصب الشمي كالتهابه في الداء السكري أو كسور الجمجمة تؤذى البصلة الشمية فيزول الشم.
ـ سلامة التفكير: يضطرب الشم في الآفات النفسية لسوء التعبير عن نوعية الروائح أو سوء الشعور بها.
إن السيالات الشمية الواردة إلى البصلة الشمية تحافظ على قوتها رغم التنبيهات المتكررة مما يوحي بأن التنسيق الشمي يحدث في هذه البصلة نفسها.
إن طبيعة المنبه في جزيئات المادة ذات الرائحة غير معروفة وقد وضعت عدة فرضيات، منها:
ـ أن جزيئات المادة المروحة تتفاعل مع واحد أو أكثر من مراكز الاستقبال البروتينية النوعية المتوضعة على الغشاء الخلوي مؤدية إلى سيالة كهربائية يمكن تسجيلها على سطح هذه الخلايا، ويعتقد أن عتبة التنبيه تختلف باختلاف التفاعل بين الخلايا المستقبلة مع ما يجاورها، وقدرتها على إرسال إشارات خاصة تختلف بها عن الخلايا المجاورة مما يوحي بوجود مركزية خاصة لتمييز الروائح، وكل خلية أو مجموعة خلايا مستقبلة تتفاعل تفاعلاً خاصاً مع جزيئات معينة أكثر من الأخرى.
ويقدر إدراك الشم بمدى تخطيط الشم الكهربي، إذ إنه يزداد بنسبة لوغاريتمية مع شدة الرائحة، وإن الفرق الملحوظ في الروائح يتطلب تغيراً في الشدة يقرب من30%.
ومع ما تنطوي عليه الروائح المتشابهة من اختلافات في الشدة، فإن مكان المطابقة والتناسق هو في البصلة الشمية.
ـ ومنها: أن هناك توضعاً خاصاً لاستقبال الذرات أو تثبيط المجموعة الخمائرية أو صيانة كمون الغشاء الخلوي أو انتقاء الامتصاص أو الاستقطاب الإلكتروني أو الحزام الهدروجيني.
ـ ومنها: النظرية الكيماوية التي تقول إن الذرات الشمية تتفاعل مع آحينات غشاء الخلية، أو إنها تنحل في الدسم الخلوية، وفي هذا الدور تتداخل زمرة كيماوية خاصة فتحدث حركات إلكترونية في الذرة.
فحص الشم
يجب أن يجرى لكل مريض يشكو من خلل في الشم فحص كامل للأذن والأنف والفم والبلعوم والحنجرة  والجملة العصبية.
ويعرف اضطراب الشم بدءاً بفحصه باستعمال القهوة والشوكولاته والليمون والزيت والتبغ والنشادر والخلون والنعنع، والمواد الثلاث الأخيرة قوية وهي تنبه العصب المثلث التوائم.
إن قياس الشم معقد ونتائجه غير أكيدة ويجب أن يسبقه استجواب دقيق جداً يتعلق بالسن والمهنة والسوابق المرضية العامة والموضعية ووضع الحفرتين الأنفيتين.
وقياس الشم نوعان: كيفي وكمي
أمّا الكيفي فيجري بتحري الحساسية لمختلف العطور بدءاً بأكثرها لطافة وانتهاءً بأكثرها نفاذاً، ويمكن اتباع التدرج التالي: الورد، ثم زهر البرتقال، ثم البنفسج، ثم الإتير، ثم النفط، ثم الكافور، ثم المسك، ثم الفانيلية.
وتمكن تجربة الروائح الكريهة مثل: كبريت الفحم، والناردين (حشيشة القطة) والحلتيت (الحنتيتة النتنة) وكبريت الهدروجين.
وأما ما يتعلق بالقياس الكمي فإن وحدة قياس القدرة الشمية هي (الشمة) التي تحدد كمية الرائحة المنتشرة في مقياس الشم لـ (زوارد ماكر) ومقياس (روتر) و(موريسون) وهناك مقاييس للشم متعددة. وتوجد محلولات معايرة لقياس الشم، ولكن من المستحيل أن يستنتج من كثافة شمية لجسم مروح واحد (كالماء المكوفر مثلاً) الكثافة الشمية العامة. ولإثبات الكثافة الشمية عند شخص يجب أن يحضر بالتتابع تحت منخريه مجموعة من الزجاجات تحوي محاليل من الجسم المروح بنسبة 1/100000 و 1/10000 و 1/1000 و 1/100  و 1/10وثم بشكل صاف.
ومن تطبيق مقاييس الشم المتعددة، لوحظ انحراف في الشم عند الشخص الطبيعي من دقيقة إلى دقيقة ومن يوم إلى يوم بحسب الجو ورطوبته والدارة الأنفية، ويختلط غالباً مع الذوق، ولذلك فلا فائدة من مقياس الشم في السريريات، وخاصة عندما تكون القضية متعلقة بالطب الشرعي.
وظيفة الشم واستخدامه
تختص وظيفة الشم بإدراك رائحة الأشياء التي تحيط بالأشخاص وإذا كانت الرائحة زكية يفضي تنبيهها لحاسة الشم إلى شهيق عميق وقصير مع اندفاع الرأس إلى الوراء، وهذا يجعل قسماً كبيراً من الهواء يصعد إلى القسم العلوي من الأنف فيزيد في سطح الشم، وتلاحظ حركة دهليز الأنف وتغيّرها بالروائح الزكية والروائح البغيضة.
ولم يمكن حتى اليوم إيجاد صلة تربط بين رائحة المادة وتركيبها، كما لم يمكن تصنيف الروائح تصنيفاً علمياً، وللاعتياد والتعب أثر مهم في اختلاف شدة الشم وكأنه يَحْدُث إشباع في انحلال الذرات المروحة في الشحميات الفسفورية، أو أن العصب الشمي يتعب بسهولة فتفقد الذرات المروحة تأثيرها مؤقتاً، ولكن سرعان ما تعود إلى التأثير بعد راحة قصيرة، وإن التعب الشمي ينقص من حاسة الشم نحو مادة أخرى ولكنه لا يزيلها تماماً.
ولوظيفة الشم تأثير هضمي إذ إن رائحة الطعام والتوابل تستدعي إفراز اللعاب وعصارة المعدة وغيرها من العصارات الهضمية فتنشط حركات الأنبوب الهضمي. ومن المشاهدات المهمة ملاحظة تغيير استقلاب المياه الناتج عن آفة في البصلة السيسائية عند الجرذ، وكذلك بتهييجها بتطبيق كميات قليلة من أشعة رونتجن على الساحة نفسها، ولكن هذه الحوادث لم يفهم تعليلها بعد، وثمة ارتباط بين الذوق والشم، ولذلك يفقد الشم والذوق في الزكام، وقد يلتبس الشم بالذوق في بعض التحسسات كطعم الفانيلية إذ ليس هو حس ذوق بل شم رائحة ولايشعر بطعمها إذا كان الأنف مسدوداً، ولا توجد مواد مروحة تفتح الشهية بالمعنى الصحيح، وقد أظهر سكوت وكانت أن التنبيه بالرائحة لا يحرض الجرذ الأبيض على أن يستهلك كمية غذائية أكبر. والإنسان لا يستجيب للروائح التي تكون عادة مشهية في أثناء الجوع إذا كان ممتلئاً.
ويتداخل الشم في وظيفة التناسل، فيستخدم في التفتيش والتقرب بين الجنسين ولاسيما عندما يريد الذكر أن يميّز الأنثى من جنسه عند النزو، وله بعض الأثر في تنبيه المنعكسات الجنسية، وتوجد فوارق في الاستقبال الشمي بين الجنسين، فمادة الإكزالتوليدين exaltolidine مثلاً التي هي من مركبات اللاكتون تشمها النساء البالغات، ولاسيما في أثناء الدور الجريبي للدورة في حين لا يشمها الرجال.
ويستخدم بعض الحيوانات الشم ليكشف مكان مقره عند العودة إليه، أو مصدر نوع من الأعداء، ويستخدم السمك الشم للكشف عن الغذاء والتناسل.
تعد الرائحة عند بعض الحيوانات من وسائل الدفاع، وتستخدم حاسة الشم لكشف نقاوة الهواء وكشف نضارة الأطعمة، وتساعدنا على اختيارها، وفي معامل العطور يوظف أحياناً شخص مهمته تمييز الدقة في العطور لشدة حساسية شمه. واستخدم ابن سينا طريق الشم لمعالجة بعض حالات الصداع الناشىء عن أبخرة رديئة أو روائح طيبة، ولكلٍ طرق خاصة في المعالجة.
حفظ صحة الشم
يتوقف صون حاسة الشم على الاحتراس من كل ما يسبب سوءاً في الأنف حتى لا يتصل ضرره بهذه الحاسة، ومن المستحسن استعمال ما يعجب من أنواع الطيب، لما يكون في ذلك من سرور النفس وانشراحها وإرضاء لشهوة تلك الحاسة الرقيقة التي قد يكون ذلك ضرباً من راحتها ونشاطها، وهذا عكس ما يكون في استعمال السعوط والتدخين فهما مادتان سامتان ومخرشتان وأشد المواد أذية للشم، فالتبغ يوقظ قليلاً الأعصاب الشمية في البدء ثم تعتاده ويضطر الشخص إلى زيادة المقدار فيزداد التخريش ويغلظ الغشاء النخامي وينتهي بالخَشَم.
الاضطرابات الشمية
تطرأ على حاسة الشم اضطرابات مختلفة منها: الخَشَم وهو عدم الشم، وازدياد إحساسها وهو فرط الشم، وضلال الشم وهو شم الروائح على غير حقيقتها ويسمى خطل الشم، والرائحة المغثية، وقوب الشم وهو نزوحه المؤقت، وضعف الشم.
وللاضطرابات الشمية قيمة تشخيصية في الأمراض العصبية وتكون من منشأ ولادي أو كسبي: تشريحي أو رضي أو سمّي أو خمجي أو عصبي.
1ـ الخَشَم: وهو ولادي أو مكتسب. أما الخَشَم الولادي فهو نادر ويرتبط بآفة في الطرق الشمية أو في المراكز الشمية، واشتراك هذه التشوهات مع ضمور الأعضاء التناسلية يؤلف متلازمة مورسيير.
وقد ينشأ عن خمج في الطفولة الأولى كالإفرنجي [ر] والدفتريا ومن الحالات النادرة الخشم الوراثي، ولكنه كثير المشاهدة عند شديدي البياض (البهق) [ر].
وأما الخشم المكتسب فيصيب كل الروائح أو بعضها وله أسباب متعددة:
ـ أسباب آلية: إذ ينشأ الخَشَم عن خلل في نفوذ الأنف (تضخم القرينات وانحراف الوتيرة والسليلات الأنفية وغيرها) يتوضع غالباً في جهة واحدة، وإزالة السبب لا تعيد الشم دوماً، ولاسيما إذا ظهر منذ زمن طويل.
ـ أسباب خمجية: وتكون موضعية أو بعيدة وقد يصبح الخشم نهائياً، وخاصة إذا كان من عقابيل التهاب السحايا القيحي أو السلي أو بحمة راشحة.
ـ أسباب سمّية: وتكون بتسممات داخلية كالسكري والأوريميا أو خارجية فتكون:
صناعية كما عند العمال الذين يشتغلون في الغبار أو معامل العطور والإسمنت والزئبق وأملاح الكروم والفضة والرصاص وغيرها، أودوائية: كالمورفين والكوكائين، أو سوء استعمال مقبضات الأوعية الأنفية مدة طويلة فتؤدي إلى جفاف الأنف وتخرب الغدد المخاطية.
ـ أسباب عصبية: إذ يظهر الخشم عرضاً أول في سياق الآفات العصبية المركزية كالصرع  وتلين الدماغ والأورام، وفي الأورام السحائية.
ـ أسباب رضية: إذ يتأذى الشم بالإصابة المباشرة في رضوض الجمجمة والاعتلال الدماغي التالي للرضّ والنزف الدماغي وكسر الجمجمة وفي رضوض الجمجمة الأمامية الجبهية الأنفية، في حين تسبب الرضوض القفوية كسراً قاعدياً حتى الغربال، أو بتضاد الصدمة: فالكتلة الدماغية المدفوعة إلى الأمام تجر المجاري الشمية وهذه بدورها تتمدد بسهولة بسبب لطافتها فتنضغط بنزف الأوعية الصغيرة التي تحيط بها أو تنقطع. ولا تتوافق الآفة مع أهمية الرض، فقد يحدث خشم دائم بعد رض بسيط.
2ـ فرط الشم: لا يعرف فرط الشم إلا إذا كانت شدته زائدة لها صفة إمراضية وثابتة، ويمكن أن يكون لبعض الروائح أو لها جميعاً. وقد ينشأ عن انعكاسات مختلفة كالغثيانات والقيئات ونوب الربو والصداع وغيره. وقد ينشأ عن تخرب إمراضي في الحفرة الأنفية خمجي أو سمي كما في التهاب الأنف الضخامي والزكام. وقد يصادف في بعض المتلازمات العصبية كالوهن العصبي أو الدور الأول من التهاب العصب الشمي.
يجب ألاّ يلتبس فرط الشم بالدقة الزائدة في الشم التي يتصف بها بعض الأشخاص.
3ـ ضلال الشم: هو انحراف في حاسة الشم فيشعر المصاب برائحة البنفسج مثلاً كأنه بصل محروق، وقد ينشأ عن التهاب العصب النزلي catarrhal.
4ـ الرائحة المغثية: منها الموضوعية ومنها الشخصية:
أما الرائحة المُغْثية الموضوعية فهي أن يشعر الشخص برائحة كريهة لا تفسر بأي سبب خارجي، والسبب هو داخلي مختبىء كالتهاب الجيب الجبني والجسم الأجنبي في الأنف وتكدس المادة الجبنية في كيسة بلعومية أو بحفرة روزنموللر.
وأما الرائحة المغثية الشخصية فهي أن يشعر الشخص برائحة كريهة ليس لها سبب داخلي ولا خارجي، سببها اعتلال عصبي وغالباً ما يكون اعتلالاً نفسياً، فهي هلس الروائح وقد يترافق مع هلس الذوق وغيره، ويشاهد خاصة عند المضطهدين أو في الآفات المخرشة للتلفيف الصدغي الخامس (تلفيف الهيبوكمب) أو بتغيرات عضوية في المتلازمات الدماغية وفي تفاعل الانفصام والاكتئاب أو كنسمة صرعية بشم رائحة مقبولة أو غير مقبولة.
5ـ قوب الشم: هو زوال مؤقت في القدرة الشمية بسبب خذل مؤقت في العصب الشمي أو إشباع الدسم الأنفية بالمادة المروحة كما يحدث حين يشم الإنسان عدة روائح بالتتابع مختلفة النوع.
6ـ ضعف الشم: قد يكون جزئياً أو تاماً فيحدث الخشم، وينشأ الجزئي عن انسداد في الأنف غير تام أو بإصابة الطرق التنفسية العلوية بإنتان حُمَّوي أو بنزلة وافدة ويزول هذا الضعف بزوال الآفة، وقد ينقص الشم بتلوث الدماغ في بعض الأعمال الصناعية كالبنزين وخلات الاتيل والفورمول ومحلولات الدهان وزيت النعنع البري.
معالجة الاضطرابات الشمية
معالجة السبب هي الأساس، فتعالج السليلات polypi الأنفية بالاستئصال الجراحي مع مضادات الحيوية ومضادات التحسس والتهاب الأنف التحسسي بالستيروئيدات، وانحراف الوتيرة بتقويمها.
والمعالجة بعد الإنتان محدودة ويمكن استعمال الغسولات الأنفية بالمصل الفيزيولوجي مع إعطاء الفيتامين ب 1 وب 12 والستركنين و(كاكوديلات الغاياكول) حقناً تحت الجلد بنسبة0.05 سنتغ في الحقنة. ويعالج نتن الأنف بيودور البوتاسيوم لتأثيره الفعال في الغشاء النخامي فهو مزيل للاحتقان ومنبه للإفراز ويكافح الضمور وينبه نشاط الغدد المخاطية ويساعد على طرح القشور مع معالجة الغدد ذات الإفراز الداخلي إن لوحظ ضعفها.
وتعالج آفات الشم بالمياه المعدنية بحسب رأي الطبيب المختص بذلك. ويعالج التهاب الأنف الاحتقاني أو التهاب الأنف التشنجي والتهاب الأنف الضموري بالحمامات الحارة الكبريتية الكلسية، فهي تنشط فعالية الأغشية. وفي نتن الأنف تفضل المياه المعدنية الكبريتية والنحاسية الباردة والفاترة.
يعرف الشخص المتمارض بعدم اعترافه بشم كل الروائح مهما كانت شدتها، وكذلك باستعمال النشادر والنعنع والخلون لأنها مخرشة ويجب أن يحس بها عن طريق مثلث التوائم.
يطلب من الطبيب تقدير أذيّة الشم في حالة الرضوض والجروح والأمراض الصناعية. ولا يمكن كشف الحالات الخاصة إلا بالفحص السريري والتثبت بدقة من مقدار العجز. يقدر العجز بين 5ـ10% في حالة الخشم وشلل العصب الشمي، وقد يكون الخشم الدائم أو المديد من معضلات الطب الشرعي، وخاصة إذا كان المريض يستخدم وسيلة الشم في صنعته.