Search - للبحث فى مقالات الموقع

Saturday, February 19, 2011

أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن عبد الله، ابن تيمية


ابن تيمية
(661ـ728هـ/1263ـ1328م)

أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن عبد الله، ابن تيمية، النميري، الحراني الدمشقي، الحنبلي، تقي الدين الإمام، شيخ الإسلام.
اشتهر بابن تيمية لأن جده الأعلى محمد بن الخضر حج، وكانت امرأته حاملاً، فلما كان بتيماء رأى جارية جميلة، ولما رجع إلى حران وجد امرأته وضعت بنتاً، فلما رفعوها إليه قال يا تيمية، يا تيمية، يعني أنها تشبه التي رآها بتيماء. فسمي بها، أو أن جده محمداً كانت أمه تسمى «تيمية» وكانت واعظة، فنسب إليها، وعرف بها.
ونسبته إلى بني نمير تدل على أنه عربي الأصل، والدمشقي لأنه استوطن بدمشق ومات بها، والحنبلي نسبة إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل الذي تفقه عليه، وناصره في الغالب.
وأطلق عليه لقب «شيخ الإسلام» لغزارة علمه، وسعة معارفه، وقيامه بالدعوة، ووقوفه في وجه الأعداء، ولمواقفه المشهورة مع الكفار المعتدين من التتار وغيرهم.
والحراني نسبة إلى «حران» وهي البلدة التي ولد بها، بتشديد الراء، مركز ديار مضر (شمال شرقي سورية) بينها وبين الرها يوم، وبين الرقة يومان، قيل هي أول مدينة بنيت بعد الطوفان، كانت منزل الصابئة، وهي مهاجر إبراهيم الخليل عليه السلام، وهي اليوم في تركية قرب أورفة، وعمرت بعد أن أصابها الخراب على يد التتار، ويوجد حران الكبرى والصغرى بالبحرين لبني عامر، وحران (العواميد) قرية بغوطة دمشق.
ولد ابن تيمية بحران وهو سليل أسرة علمية عريقة: معروفة ومشهورة، فوالده شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله (ت627-682هـ) كان عالماً فاضلاً، من كبار فقهاء الحنابلة تفقه بأبيه، وأحكم فروع المذهب، ودرس وأفتى وصنف، وكان إماماً محققاً في عدة علوم، وتولى مشيخة دار الحديث السكرية بدمشق، وكان له كرسي بالجامع الأموي الكبير يعلم فيه أيام الجمع من حفظه، وتوفي بدمشق، ودفن في مقابر الصوفية.
وجده الشيخ مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن محمد بن الخضر (590-652هـ) حفظ القرآن وسمع الحديث، ورحل في طلب العلم إلى بغداد وأقام فيها بضع سنوات، ثم رجع إلى بلده حران، ثم عاد إلى بغداد، فازدادت شهرته، وصار فرداً في زمانه، رأساً في الفقه وأصوله، إماماً من أئمة الحنابلة، وله معرفة كبيرة بالقراءات والتفسير، وصنف عدة مصنفات، منها «التفسير»، و«منتقى الأخبار في أحاديث الأحكام»، و«المحرر في الفقه الحنبلي»، وتوفي ببغداد.

قبر ابن تيميه

وأمه ست النعم بنت عبد الرحمن الحرانية، كانت فاضلة ورعة تقية زاهدة، وكان لها تأثير كبير في تربية ابنها وتعليمه وتشجيعه على الجهاد لإحياء الشريعة، وكاتبها ابنها من مصر برسائل تفيض عطفاً وحناناً، وإحساناً ووفاء، ليخفف عنها بعده وسفره، وعمرت سبعين سنة ـ وتزوجت بعد أبيه، وتوفيت بدمشق سنة 719هـ وكانت ذات مركز مرموق في دمشق، وظلت ذكراها حية زمناً بعد وفاتها.
حفظ ابن تيميه القرآن الكريم في صغره، بدمشق، وبدأ جمع العلوم الشرعية فحفظ الحديث حتى صار حافظاً ومحدثاً، وأول كتاب حفظه «الجمع بين الصحيحين» للإمام الحميدي، وسمع عدة مرات مسند أحمد، وصحيح البخاري، ومسلم، وجامع الترمذي وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه والدار قطني، وذلك على عدة شيوخ، وسمع منه هذه الكتب تلاميذه، وكان يستوعب السنن والآثار.
درس الفقه، فتفقه على والده، وعلى كبار فقهاء عصره في دمشق، وكان دون العشرين عندما تأهل للفتوى، فأفتى وله تسع عشرة سنة، واستوعب مذاهب الصحابة والتابعين وآراء المذاهب الأربعة مع الأدلة، كما درس علم أصول الفقه، ووصل إلى درجة الاجتهاد لاجتماع شروطه فيه، فاجتهد واعتمد كثيراً على الاستدلال بالقرآن والسنة حتى قال ابن كثير: «إنه كان أعرف بفقه المذاهب من أهلها الذين كانوا في زمانه وغيره»، وكان عالماً باختلاف العلماء، عالماً بالأصول والفروع. تمذهب بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، ويعده كثيرون فقيهاً حنبلياً، وكان يرجح الفقه الحنبلي على غيره، ويعتبره أقرب إلى نصوص القرآن والسنة، ولكنه لم يتعصب للمذهب الحنبلي، فكان يقدر آراء الفقهاء والعلماء وأئمة المذاهب الآخرين، ويعتذر لهم في بعض الآراء حتى صنف رسالته القيمة «رفع الملام عن الأئمة الأعلام».
لم يلتزم ابن تيمية مذهباً معيناً في فتاويه ومصنفاته، بل أفتى خلافاً للمذاهب الأربعة إذا صح عنده دليل من الكتاب والسنة وفتاوى السلف مما أنكره عليه علماء عصره، وأدى به إلى السجن والاعتقال عدة مرات.
درس ابن تيميه العلوم العربية والعقلية، وأتقن فنون الحساب والجبر والمقابلة، ونظر في علم الكلام والفلسفة والفرق، وضرب بسهم وافر وصائب في جميع ذلك وصنف في معظمها.
ذكر العلماء أن شيوخه الذين سمع منهم كانوا أزيد من مائتي شيخ، وتلقى العلم عن والده الشيخ عبد الحليم (ت 682هـ) وعن أحمد بن عبد الدائم المقدسي النابلسي المؤرخ المحدث الفقيه (ت668هـ) وعن محمد بن عبد القوي بن بدران المقدسي المردادي الفقيه المحدث النحوي (ت699هـ) وعن علي ابن أحمد بن عبد الواحد السعدي المقدسي الصالحي الفقيه المحدث (ت690هـ) وعن عبد الرحمن بن محمد ابن أحمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الفقيه الأصولي المحدث قاضي القضاة صاحب الشرح الكبير في الفقه الحنبلي (ت682هـ) وإسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر التنوخي صاحب الصدر وكتاب الإنشاء (ت 672هـ) وخلق كثير من الرجال، وأخذ عن علماء الحنفية والشافعية من علماء دمشق وغيرها.
وأخذ عن النساء منهن أم أحمد زينب بنت مكي بن علي الحراني، الفقيهة الصالحة، صاحبة العلوم الشرعية (ت688هـ)، وعن الشيخة الجليلة الصالحة أم العرب فاطمة بنت علي بن القاسم (ت683هـ) وهي بنت الحافظ المؤرخ في الشام أبو القاسم بن عساكر، والشيخة الصالحة أم محمد زينب بنت أحمد بن عمر بن كامل المقدسية (ت722هـ) وعمرت أربعاً وتسعين سنة.
واستفاد من كبار الشيوخ الذين سبقوه أو عاصروه كالحافظ ابن عساكر (ت571هـ) وابن الأثير (ت620هـ) وابن الصلاح (ت643هـ) والنووي (ت676هـ) وابن دقيق العيد (ت703هـ) فقرأ كتبهم وأخذ عنهم، وتجلى ذلك في مؤلفاته.
أما تلاميذ الشيخ تقي الدين فلا يحصون، فربّى جيلاً عالماً مجاهداً حتى أصاب تلاميذه ما أصابه بالاعتقال والسجن والضرب والإيذاء، وشاركوه في الدعوة والإرشاد والتدريس والإفادة والإفتاء والكتابة والتصنيف والتأليف ومجابهة الأحداث وقتال التتار والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقوة حيناً وبالموعظة حيناً آخر.
وسمع منه الحديث الشريف عدد من التلاميذ، وكان له مريدون في دروسه العامة المتواصلة في دمشق ومصر وغزة، وحيثما حل وارتحل.
وله تلاميذ نجباء علماء اختصوا به، ويأتي في مقدمتهم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي الشهير بابن قيِّم الجوزية (ت751هـ) الفقيه الحنبلي المفسر الأديب النحوي صاحب المصنفات ذائعة الصيت، ومنهم شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان التركماني الذهبي الدمشقي (ت748هـ) مؤرخ الإسلام، الحافظ، وشمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن قدامة المقدسي الحنبلي (ت744هـ) الذي ترجم لشيخه ودافع عنه في كتابيه «الصارم المنكي» و«العقود الدرية في مناقب ابن تيمية»، ومنهم محدث الشام الحافظ يوسف بن الزكي المزي الدمشقي الشافعي إمام المحدثين (ت742هـ) الذي سجن لتأييده آراء شيخه، والحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي صاحب التفسير، والبداية والنهاية في التاريخ (ت774هـ) ومحمد بن مفلح (ت763هـ) والمؤرخ البرزالي (ت739هـ) وابن سيد الناس المصري الشافعي (ت734هـ) والقاضي الفقيه ابن قاضي الجبل شيخ الحنابلة (ت771هـ) والشيخ الإمام المحدث الحافظ، عمدة الحفاظ وشيخ المحدثين محمد السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي الشهير بالصامت (ت788هـ) وغيرهم كثير.
كانت مواهب ابن تيمية الفطرية في الذكاء والنجابة وقوة الحافظة الواعية مع الانكباب على طلب العلم، والأخذ عن العلماء، عوامل مساعدة في نضجه، فتأهل للفتوى والتدريس، وهو دون العشرين، ثم مات والده في وقت مبكر (682هـ) وكان عمره إحدى وعشرين سنة فتولى أعمال والده في التدريس والإفتاء، وبقي مواظباً على التدريس نحواً من ستة وأربعين عاماً.
وكانت دروسه نوعين، دروس عامة يلقيها على الجماهير في المسجد الأموي الجامع يرشدهم لاتباع الحق والسنة، ويحذرهم من الابتداع، وكان مواظباً على هذه الدروس حينما رحل إلى مصر وغزة.
والنوع الثاني دروس خاصة يلقيها على تلاميذه الذين اختصوا بالمدارك العالية ليحملوا علمه، ويقوموا بعده، يلتزموا منهاجه، وأكثرهم من الحنابلة.
وانصرف -مع التدريس والفتوى والوعظ والإصلاحإلى التأليف والتصنيف، فألف في مختلف العلوم، واستفاد من حبسه للتفرغ للتأليف، ولكن تفرقت مصنفاته وكتبه، ثم تم جمعها، ونشر معظمها في هذا العصر.
كان ابن تيمية علماً شامخاً، ومجتهداً مصلحاً، وكان مالئ الدين وشاغل الناس، وانقسموا عليه منذ القديم حتى اليوم إلى قسمين، الأول: مؤيد له ومحب له حتى بالغ بعضهم في محبته والثناء عليه، وغالى آخرون في التعصب له وتقييمه، وسماه كثير منهم بـ «شيخ الإسلام».
والقسم الثاني: مخالف له، ومتوقف في آرائه، حتى أعلنوا له العداوة والبغضاء، وسعوا للنكاية به، والتشهير به عند حكام زمانه، وفيما بعد، مع الكيد له في حياته والإنكار على فتاويه وآرائه، وطلبوا محاكمته، وسجن بسبب ذلك في مصر والشام عدة مرات. وكثرت التراجم له، فقال الصفدي «الشيخ العالم العلامة، المفسر الفقيه المجتهد، الحافظ المحدث، شيخ الإسلام، نادرة العصر، ذو التصانيف والذكاء والمحافظة المفرطة».
ووصفه ابن الزملكاني فقال: «كان إذا سئل عن فن من الفنون ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرف مثله».
وقال الحافظ ابن حجر في وصفه «نظر في الرجال والعلل، وتفقه وتمهر، وتميز وتقدم، وصنف ودرس، وأفتى وفاق الأقران، وصار عجباً في سرعة الاستحضار، وقوة الجنان، والتوسع في المنقول والمعقول، والإطالة على مذهب السلف والخلف».
اشتهر اسم تقي الدين بن تيمية في الآفاق، وذاع صيته في عصره، وانتهت إليه الإمامة في العلم والعمل، والجرأة في قول الحق لا يخاف لومة لائم، مع الشجاعة في نشر الدين، وبيان الأحكام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورد البدع وهدم الخرافات والأوهام، والدعوة إلى الإصلاح الديني، والوقوف في وجه التتار، وتقديم النصح للحكام، مع الإقدام على إعلان اجتهاداته التي يقتنع بها ويقوى دليلها، ولو خالف ذلك سائر المذاهب والعلماء في عصره، ونقلت آراؤه إلى سائر البلدان.
طُلب ابن تيميه إلى مصر لمناقشته ولسماع فتاويه وأقواله فأعلنها، فتعصب عليه جماعة من أهلها، ونقلوا أمره إلى الحاكم، وخوفوه من نشرها وخطرها على الناس، فسجن سنتين (705-707هـ)، كما لحقه إيذاء معنوي من بعض العلماء، حتى وصل إلى الضرب من العامة نتيجة لتحريض حساده فضرب في حي الحسينية بالقاهرة، كما وقف بعض العلماء ضده، واتهموه بالخروج على مذهب أهل السنة وإجماع الأمة مما حمل الحكام إلى سجنه، ثم أطلق سراحه، واستمر في تدريسه ووعظه ومنهجه وإبداء آرائه فتجمع الناس حوله، فأحس حساده بخطره، فسجن مرة ثانية سنة (708هـ) ثم نقل إلى سجن الإسكندرية نفياً حتى خرج في شوال (709هـ)، ثم عاد الشيخ تقي الدين إلى دمشق سنة (712هـ) للجهاد ضد التتار، وقاد الأمة إلى الوقوف في وجههم وقابل قادتهم، وذكرهم بالظلم والمظالم.
وأصدر فتواه في مسألة الطلاق الثلاث أنه يقع واحدة وليس ثلاثاً، ومسألة الحلف بالطلاق أنه لا يقع، فاعترض عليه بعض علماء دمشق وكفروه، وكتبوا إلى السلطان فمنعه من الفتوى (سنة 718هـ) وحبسه (سنة 720هـ)، ثم أطلق من حبسه (721هـ) ثم أعاده سنة (722هـ) بسبب إنكاره شد الرحال إلى الأضرحة والقبور، ثم أطلق، وفي سنة (726هـ) حمل عليه مخالفوه وأعداؤه وشنعوا عليه حتى حكم عليه بالسجن في قلعة دمشق، وبقي فيها حتى مات، وصلي عليه أولاً بالقلعة، ثم حمل قبل الظهر إلى جامع دمشق الكبير فامتلأ الجامع وصحنه حتى ساحات الأبواب بالناس، وأحاط الجند بالجنازة لحفظها من شدة الزحام، ثم صلوا الظهر، وصلوا على الجنازة، مع البكاء والتهليل، ثم حملت الجنازة على الرؤوس والأصابع، إلى أن وصلت الجنازة إلى مقبرة الصوفية ودفن إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله قبل العصر بيسير، وقد أزيلت هذه المقبرة، وأقيم عليها أبنية رئاسة جامعة دمشق، مع الحفاظ على قبر ابن تيمية وأخيه فقط حتى اليوم.
وبعد وفاته بقيت ذكراه ماثلة في الأذهان، وارتفع شأنه، واستمر الناس حوله بين مؤيد ومحب، وبين معارض ومبغض، ولكن الأكثرية ينصفونه، ويقرون بفضله وعلمه، مع التوقف في بعض آرائه، وأخذت معظم قوانين الأحوال الشخصية اليوم بآرائه الخاصة في الطلاق.
كان ابن تيمية وافر العلم غزير المعرفة وله قلم سيّال، وكان مكثراً من التأليف، صنف عدة كتب ورسائل تزيد على ثلاثمئة مجلد في الفقه وأصول الفقه وفي العقيدة والإيمان وفي التفسير والحديث والمنطق، فقد درس تقي الدين المنطق اليوناني ليهدمه، كما درس الفلسفة ليعرفها ويهدمها، وكان شديد النقد لعلوم المنطق والفلسفة وصنف كتابه «نقض المنطق والرد على المنطقيين» وبين انحراف المنطقيين وأسبابه وأنه يمكن الاستغناء عنه، ولكن ذلك لا يعني عداوته للعقل بل أطلق العنان له، ودعا إلى تحريره من التقليد حتى عانى في سبيل ذلك الويلات وتعرض لمحن وصنف كتابه الجليل «موافقة صحيح المنقول صريح المعقول» و«الجمع بين النقل والعقل».
وقد أتقن ابن تيمية العربية أصولاً وفروعاً وتعليلاً واختلافاً، وأجاد في علم الصرف والنحو، وقرأ كتاب سيبويه في النحو وفهمه وأثنى عليه ومدحه، مع بيان ما ورد فيه من خطأ، وكان يجادل أبا حيان في النحو، وإن لم يُعرف بأنه نحوي.
وقال ابن تيمية الشعر وبرع فيه ولكنه لم يعرف كشاعر، ولم يمتهن الشعر لكنه يحتج به عند الحاجة، كما تعجب مؤرخ الإسلام الذهبي من معرفة ابن تيمية بالتاريخ والسير وأيد ذلك تلميذه ابن قيِّم الجوزية، وكان أحد فرسان الوعظ والإرشاد وله كتاب «الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر»، وكان سباقاً في ميدان التربية والسلوك وتزكية النفس، فكان كالطبيب يعالج الناس، ويشخص الداء ويضع الدواء المناسب مستعيناً بالبراهين والحجج والأدلة ومعتمداً على الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في الموضوع مع شرحه لها وذكره لأقوال السلف الصالح في مواضعها مركزاً على أن القلب هو الأصل وداعياً إلى صلاح القلب والمحبة، وأن ينبوع الخير وأصله هو الإخلاص لله، وأنَّ التقوى هي العمل بطاعة الله مؤكداً حلاوة الإيمان، والافتقار إلى الله، وأنَّ العلم هو أنفع شيء للخواص والعوام، وداعياً إلى الخلق الحسن مع الناس والصبر الجميل على البلوى، واجتناب البدع مع الحث على الزهد النافع المشروع، وكان ابن تيميه يدعو لذلك ويلتزمه ويطبقه على نفسه.
طبعت معظم كتب ابن تيمية ورسائله وفتاويه بعنوان «مجموع فتاوى ابن تيمية» بالرياض سنة 1382هـ ثم صدرت سنة 1398 وفيما بعد، وذلك في 35 مجلداً، جمعها الشيخ عبد الرحمن ابن قاسم وابنه محمد بن عبد الرحمن القاسم، ويبدأ المجموع بالعقائد (1-12) ثم بالتفسير (13-17)، ومجلد عن الحديث (18)، ومجلدين عن أصول الفقه (19-20)، وخمسة عشر مجلداً عن الفقه (21-35) ثم أضيف إليها ثلاثة مجلدات للفهارس.
وهذا المجموع ثروة فقهية وعلمية عظيمة، تدل على علم ابن تيمية، ونشاطه الواسع وأسلوبه القوي، وثقافته المتنوعة، وقلمه السيّال، وطول نفسه في المناقشة الطويلة للآراء والأدلة، والفتاوى الجريئة والفريدة للمؤلف، وتجمع بين العلوم العقلية والنقلية، لكن فيها تكراراً كثيراً وفيها بعض الآراء الخاصة التي تخالف أقوال المذاهب وجماهير العلماء.