الاستشعار عن بُعد remote sensing وسيلة علمية للحصول على معلوماتٍ عن شيء أو مساحةٍ أو ظاهرةٍ ما دون التماس معها فيزيائياً. وهو يشتمل على عملياتٍ متسلسلةٍ لقراءةالمعطيات التي تجمعها عن بعد مستشعرات مختلفة وتحليلها للحصول على المعلومات المطلوبة. وتختلف المعطيات التي تُجمع عن بعد باختلاف وسائل جمعها، كالتباينات في قوى الجاذبية أو في توزع الموجات الكهرمغنطيسية أو الصوتية أو الحرارية أو الضوئية. وسيتناول البحث فيما يلي المستشعرات التي تتأثر بالموجات الكهرمغنطيسية والتي توضع على الطائرات أو في المركبات الفضائية والتي تساعد على كشف المصادر الطبيعية ومراقبتها ورسم خرائطها. وتحصل هذه المستشعرات على معطيات عن الموجات الكهرمغنطيسية الصادرة عن مختلف سطوح الظواهر الأرضية أو المنعكسة عنها وتحلل هذه المعطيات للحصول على معلومات حول المصادر التي هي قيد البحث. ويبين الشكل (1) تسلسل عمليات الاستشعار عن بُعد وعناصرها. ويشتمل هذا التسلسل على مرحلتين أساسيتين هما: الحصول على المعطيات، وتحليل هذه المعطيات.
(الشكل 1) استشعار الثروات الأرضية عن بعد بالموجات الكهرمغنطيسية |
العناصر الفيزيائية للاستشعار عن بُعد
لكي تتم عملية الاستشعار عن بعد لابد من توافر أربعة عناصر فيزيائية هي (الشكل 2)
مصدر الطاقة: ليس الضوء المرئي وحده شكلاً من أشكال الطاقة الكهرمغنطيسية، فالأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وأشعة غاما هي أشكال أخرى مألوفة لهذه الطاقة تشع طبقاً لنظرية الموجات الكهرمغنطيسية الأساسية.
ويوضح الشكل (3) انتشار الموجة الكهرمغنطيسية ومركِّباتها جيبياً وبسرعة الضوء C. وتسمى المساحة بين ذروة الموجة والذروة التي تليها طول الموجة λ، ويسمى عدد الذرا المارة بنقطة ثابتة في الفراغ في وحدة الزمن تَردُدَ الموجة f. وعليه يكون C=λ .f حيث C سرعة الضوء وهي ثابتة في الفراغ وتساوي تقريباً 3× 810م/ثا.
(الشكل 2) نموذج للعناصر الأساسية للاستشعار عن بعد | (الشكل 3) مسار الموجة الكهرمغنطيسية |
ويستعان في الاستشعار عن بُعد بموجات الطاقة الكهرمغنطيسية التي تقاس أطوالها λ بالمكرومترات (610م) في الطيف الكهرمغنطيسي (الشكل 4).
(الشكل 4) طيف الموجات الكهرمغنطيسية |
ويلاحظ من الشكل أن القسم المرئي من الطيف يشغل حيزاً ضيقاً منه (الأزرق فالأخضر فالأحمر من 0.4 إلى 0.7 مكرومتر). أما الأشعة فوق البنفسجية فتحتل المجال الأقصر (أقل من 0.4مكرومتر) في حين تحتل الأشعة تحت الحمراء المجال الأطول (أعلى من 0.7 مكرومتر). وتحتل الموجات المكروية في الطيف المجال من 1مم إلى 1م.
ويعمل معظم منظومات الاستشعار عن بُعد في مجال واحد أو عدة مجالات من الطيف المرئي والأشعة تحت الحمراء المنعكسة والحرارية وفي القسم المكروي من الطيف.
ويجب التفريق بين الأشعة تحت الحمراء المنعكسة والأشعة تحت الحمراء الحرارية (المنبعثة). فالأشعة تحت الحمراء الحرارية تتعلق مباشرة بإحساس المستشعرات بالحرارة في حين لا ينطبق هذا الأمر على الأشعة تحت الحمراء المنعكسة.
وتقترح نظرية الجسيم particle theory ونظرية الموجات wave theory أن الإشعاعات الكهرمغنطيسية تتألف من وحدات منفصلة تسمى الفوتونات أو الكوانتا (quanta)، وتعطى بالعلاقة التالية: E=h.f حيث E هي طاقة الكوانتوم بالجول، وh ثابت بلانك (6.636×10-34 جول.ثانية) ويستنتج من العلاقة السابقة C=λ.f أن f=c/λ وعليه يكون E=h c/λ ويرى من هذه العلاقة أن طاقة الكوانتوم تتناسب عكسياً مع طول الموجة، فكلما كانت الموجة طويلة كانت طاقاتها أصغر. ولهذا الأمر أهمية خاصة في الاستشعار عن بُعد إذ إن الإشعاعات المنبعثة انبعاثاً طبيعياً والتي أطوال موجاتها كبيرة مثل الأشعة المكروية الصادرة عن الظواهر الطبيعية الأرضية يكون استشعارها أكثر صعوبة من الاستشعار في حال الظواهر التي تنبعث منها إشعاعات أطوال موجاتها أقصر. وهذا يعني أن الإشعاعات الطويلة الموجات المنخفضة الطاقة والصادرة أو المنعكسة عن الظواهر الأرضية تتطلب أن تقوم منظومات الاستشعار بعمليات مسح كبيرة ومتكررة في أوقات مختلفة لتستطيع هذه المنظومات كشف تلك الطاقة المنخفضة.وتعد الشمس أهم مصدر للإشعاعات الكهرمغنطيسية اللازمة للاستشعارعن بعد. وإن جميع المواد عند درجة حرارة أعلى من الصفر المطلق273Cº) (zero K°) -) تصدر باستمرار إشعاعات كهرمغنطيسية، وعليه فإن الظواهر الأرضية هي مصادر إشعاعات ذات طاقات مختلفة وذات تركيبات طيفية مختلفة عن الشمس. ويبين قانون ستيفان بولتزمان التالي العلاقة بين الاستطاعة ودرجة الحرارة:
W=σT4
حيث W: الاستطاعة المنبعثة من سطح متر مربع واحد م قدرة بالواط/م2.
σ: ثابت بولتزمان =5.6697×10-8 واط: م-2×kx-4
T: درجة الحرارة المطلقة مقدرة بالكلفن ْK
ويرى من العلاقة السابقة أن الاستطاعة (ومن ثم الطاقة) المنبعثة من سطحٍ أو ظاهرةٍ تتغير مع درجة الحرارة T4، أي تزداد الطاقة ازدياداً كبيراً بارتفاع درجة الحرارة. والعلاقة السابقة هي لمصدر طاقة من سطح جسم اسود إذ إن الجسم الأسود هو مشع افتراضي يمتص كل الإشعاعات الواردة إليه ويعيد بثها كليةً.
وإن خصائص الظواهر الحقيقية تقترب من خاصية الجسم الأسود المثالية. ولهذا يقال إن الإشعاعات المنبعثة تتبع العلاقة W=σT4 وكذلك يتغير التوزع الطيفي لهذه الإشعاعات بتغير درجة الحرارة.
ويبين الشكل (5) منحنيات توزع الطاقة المنبعثة عن الأجسام السوداء عند درجات حرارة تراوح بين 300 و6000 كلفن، وإن وحدة الإحداثيات العمودية (محور العينات) في الشكل(5) W.m-2-μ.m-1 تعبر عن الاستطاعة المنبعثة من الجسم الأسود لكل فاصل بين طولي موجتين بالمكرومتر (μ.m) في الطيف، ومن ثم فإن المساحة المحددة بالمنحنى تساوي استطاعة الإشعاع الكلي المنبعث W . ويلاحظ من الشكل(5) أنه كلما ارتفعت درجة الحرارة ازدادت استطاعة الإشعاع. كما يلاحظ أيضاً أنه كلما ازدادت درجة الحرارة انزاحت ذرا منحنيات إشعاع الجسم الأسود نحو الموجات القصيرة. ويخضع طول الموجة التي يبلغ عندها منحنى إشعاع الجسم الأسود القيمة العظمى لقانون انزياح فين التالي:
λm=A/T
حيث:
(الشكل 5) منحني إشعاع ا لجسم الأسود |
λm هو طول الموجة عند الإشعاع الطيفي الأعظم
A هو ثابت واحدته 2898μ.mK°
T هو درجة الحرارة بالكلفن
ويرى أن طول الموجة التي يكون عندها الإشعاع الطيفي أعظمياً يتغير عكسياً بتغير درجة الحرارة المطلقة للجسم الأسود. وتلاحظ هذه الظاهرة عندما يسخن جسمٌ معدني فعندما تأخذ درجة الحرارة بالازدياد يبدأ بالإشعاع بموجات أطوالها متناقصة ويتغير لونه بالتتابع من الأحمر الداكن إلى البرتقالي فالأصفر فالأبيض. وتماثل أشعة الشمس الإشعاعات المنبعثة عن الجسم الأسود الذي يسخن إلى درجات عالية من الحرارة، ذلك لأن الشمس مشعٌّ درجة حرارته 6000 كلفن (انظر الشكل 5).
وإن متوسط درجة حرارة الأرض المحيطة (أي درجة حرارة سطح التربة أو الماء أو النبات) هو في حدود 300 كلفن ويعادل 27 درجة مئوية، وبتطبيق العلاقة λm=A/T يكون طول موجة إشعاع الظواهر الأرضية λ مساوياً 9.7 مكرومتر. ويرتبط هذا الإشعاع بحرارة الأرض ويسمى طاقة الأشعة تحت الحمراء الحرارية، وهي أشعة غير مرئية ولايمكن تصويرها ولكن يمكن استشعارها بوسائل حرارية كمقاييس الأشعة radiometer أو الماسحات scanners .
وتكون طاقة إشعاع الشمس في ذروتها عند طول الموجة 0.5 مكرومتر، كما هو مبين في الشكل (5). وإن العين وأفلام التصوير تتحسس الطاقة ضمن هذا المجال وعند هذا الطول من الموجة، وعليه فبوجود أشعة الشمس تمكن ملاحظة الظواهر والأجسام الأرضية بفضل انعكاس الأشعة عنها، في حين لاتلاحظ الطاقة الصادرة عن الظواهر الأرضية التي يزيد طول موجتها λ على 9.7 مكرومتر، عند درجة الحرارة المحيطية 300 كلفن، إلا بأنظمة تحسس غير تصويرية (غير فوتوغرافية).
وإن الحد الفاصل بين الأشعة تحت الحمراء المنعكسة والأشعة تحت الحمراء الحرارية يقع تقريباً عند الموجة 3مكرومتر. فأطوال الموجات التي هي اقصر من 3مكرومتر تغلب فيها الأشعة تحت الحمراء المنعكسة. وأطوال الموجات التي هي أكبر من 3مكيرومتر تغلب فيها الأشعة تحت الحمراء الحرارية.
ممر الانتقال: لكي تتم عملية الاستشعار عن بعد لابد من وصول الأشعة من مصدر الطاقة إلى الهدف ومن الهدف إلى المستشعِر، وهذا يتم عبر مايسمى ممر الانتقال transmission Path إن جميع الإشعاعات التي تتحسسها منظومات الاستشعار عن بعد، بغض النظر عن مصادرها، تمر في طبقات الجو ويختلف مسارها اختلافاً كبيراً. فالصور الفوتوغرافية الفضائية تنتج من انعكاس ضوء الشمس الذي يمر من خلال الغلاف الجوي مرتين، في حين تكشف المستشعرات الحرارية المحمولة في الطائرات الطاقة الصادرة من الأرض مباشرة، ومن ثم فإن مسار الإشعاع هو من سطح الظاهرة الأرضية إلى المستشعر.
وعلى هذا فإن تأثير الغلاف الجوي يختلف باختلاف الفروق في أطوال المسارات، كما يختلف باختلاف الطاقة المستشعرة وبطول الموجة. ويؤثر الجو أيضاً في مركِّبات الطيف (الموجات الطيفية) التي تتحسسها المستشعرات وذلك بسبب ميكانيكية التبعثر والامتصاص في الجو.
التبعثر في الجو: يحدث ثلاثة أنواع من التبعثر في طبقات الجو. هي تبعثر رالي Rayleigh scatter ويحدث عندما تكون أقطار الجسيمات التي في الجو أصغر من أطوال موجات الإشعاعات. ويتناسب التبعثر عكسياً مع λ4.
(الشكل6) النوافذ الجوية المستخدمة في الاستشعار عن بعد |
ولهذا يكون تبعثر الموجات القصيرة أكثر من تبعثر الموجات التي هي أطول. ولهذا تبدو السماء من الأرض زرقاء، ولولا التبعثر لظهرت السماء سوداء، ذلك لأن الأشعة الزرقاء القصيرة الموجة تتبعثر اكثر من غيرها من موجات الطيف الشمسي وترى السماء زرقاء.
وعند شروق الشمس وغروبها تمر أشعتها في مسارات أطول في طبقات الجو منها في وقت الظهيرة، وعليه يكون التبعثر والامتصاص تامين للموجات القصيرة وتبدو السماء حمراء أو برتقالية لأن أطوال موجات الأشعة الحمراء والبرتقالية أكبر من الزرقاء وأقل منها تبعثراً.
ـ تبعثر مي Mie Scatter ويحدث عندما تكون أقطار الجسيمات في الجو مساوية لأطوال موجات الطاقة التي تصطدم بها. ومن الأسباب الرئيسية لهذا التبعثر وجود جسيمات الغبار وبخار الماء العالقين في الجو.
ـ التبعثر غير الانتقائي Nonselective Scatter ويحدث عندما تكون أقطار الجسيمات المسببة للتبعثر أطول بكثير من أطوال موجات الطاقة الكهرمغنطيسية كالتبعثر الحاصل بفعل قطرات الماء التي تراوح أقطارها بين 5 و 100 مكرومتر والتي تبعثر كل الأشعة المرئية وتحت الحمراء بعثرة متساوية تقريباً.
(الشكل 7) خلاصة منحنيات الإشعاع الشمسي والجسم الأسود، ومواصفات النفوذ عبر طبقات الجو ومجالات عمل أدوات الاستشعار عن بعد (التي تستخدمها مؤسسة شيزر وستيفنسن 1970) |
الامتصاص: يؤدي الامتصاص إلى ضياع الطاقة في طبقات الجو، ويكون ذلك بامتصاص طول موجة معينة. وإن العوامل الرئيسة لامتصاص الإشعاعات هي بخار الماء، وذرات غاز الأوزون، وثاني أوكسيد الكربون. وتمتص هذه الغازات الطاقة الكهرمغنطيسية في أطوال موجات محددة، وهذا يؤثر في الطيف الذي تلتقطه منظومات الاستشعار عن بعد. أما مجالات أطوال الموجات التي تمر إشعاعاتها من خلال طبقات الجو من دون امتصاص طاقتها أو تبعثرها فتعرف بالنوافذ الجوية atmospheric windows (الشكل 6).
ويعطي الشكل (7) خلاصة عن منحنيات الإشعاع الشمسي والجسم الأسود ومواصفات الانتقال عبر طبقات الجو ومجالات عمل أدوات الاستشعار عن بعد التي تستخدمها مؤسسة شيرز وستيفنسن 1970 Scherz and Stevens.
وأطوال موجات الرادار، والموجات المكروية غير الفعالة التي تخترق النافذة الجوية هي من 1مم إلى 1م أي في مجال الترددات من 300 ميغاهرتز إلى 300غيغاهرتز.
وإن النقطة المهمة التي تلاحظ هي العلاقة بين منابع الطاقة الكهرمغنطيسية والنوافذ الجوية إضافة إلى حساسية المستشعرات وقدرتها على كشف الطاقة الكهرمغنطيسية وتسجيلها، ولهذا يجب أن يؤخذ بالحسبان الحساسية الطيفية للمستشعرات الممكن الحصول عليها، ووجود النوافذ أو غيابها في المجالات الطيفية المرغوب في الاستشعار من خلالها، ومصادر الطاقة ومطالاتها وطيفها التي يمكن الاستفادة منها في عمليات الاستشعار.
الهدف target: يقصد به المادة المدروسة نفسها، إذ لا يمكن أن تتم عملية الاستشعار عن بعد من دون وجود مادة تكون هدفاً للدراسة مثل الحقول الزراعية والتكوينات الجيولوجية والمسطحات المائية والمنشآت العمرانية وغيرها.
وهناك ثلاثة عوامل تجعل دراسة هذه المواد ممكنة بوساطة الاستشعار عن بعد هي:
التباين الطيفي: يعتمد هذا العامل على كمية الأشعة المنعكسة عن الأهداف المدروسة ونوعيتها إذ تختص كل مادة من المواد بعكس كمية معينة من الأشعة الساقطة عليها وبنوعية خاصة. فالنباتات مثلاً تعكس الموجات ذات الأطوال 0.6 ـ 1.4 مكرومتر، في حين يعكس الماء الموجات ذات الأطوال 0.4 -1.4 ميكرومتر، لذلك تظهر كل مادة بصورة تميزها من بقية المواد، وهذا مايدعى بالبصمة الطيفية spectral signature، ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذه البصمة تتأثر بالفصل من السنة والموقع الجغرافي، ومن الصعب عملياً أن تكون هذه البصمة واحدة في جميع المناطق أو في كل فصل من فصول السنة.
(الشكل 8) التأثيرات الأساسية المتبادلة بين الطاقة الكهرمغنطيسية والعناصر الأرضية |
التباين الهيكلي: يتعلق هذا العامل بالمادة المدروسة ونمط ترتيبها، إذ تحافظ المادة على هيكلها وشكلها العام وتعطي المظهر نفسه باستمرار، فللأشجار والمنازل والطرقات والبحيرات وشبكات التصريف والأنهار مظاهر خاصة، تظهر بها على الصور الفضائية وتميزها من باقي المواد المدروسة.
التباين الزمني: يتعلق هذا العامل بالوقت الذي سجلت فيه المعطيات الفضائية، فإذا كان هناك حقل من الذرة أو القمح فإنه في مرحلة الإنبات يعطي مظهراً يختلف عن مرحلة الإشطاء (التَّفريع) أو النضج أو الحصاد. وذلك بسبب اختلاف مراحل النمو واختلاف أشكال النباتات وكثافتها.
وعندما تسقط الأشعة الكهرمغنطيسية على ظاهرة من ظواهر سطح الأرض تكون هنالك ثلاث علاقات أساسية متبادلة بين الطاقة الكهرمغنطيسية وظواهر سطح الأرض.
ويمثل الشكل (8) سقوط أشعة كهرمغنطيسية على سطح ماء فينعكس جزء من الطاقة الواردة ويمتص جزء آخر وينتقل جزء ثالث. وإذا طبق مبدأ حفظ الطاقة يكون:
EI(λ)=ER(λ)+EA(λ)+ET(λ)
حيث:
EI(λ) = الطاقة الواردة.
EA(λ) = الطاقة الممتصة.
ER(λ) = الطاقة المنعكسة
ET(λ) = الطاقة المنتقلة.
وتجدر ملاحظة نقطتين من العلاقة السابقة:
أما النقطة الأولى فهي أن أجزاء الطاقة المنعكسة والممتصة والمنتقلة تتغير بتغير الظواهر الأرضية (نبات، ماء، تربة..) تبعاً لتركيب هذه الظواهر وأحوالها، وتسمح هذه الاختلافات بتمييز عدة ظواهر مختلفة على صورتها، وهذا مايسمى بالبصمة الطيفية، وأما النقطة الثانية فهي أنه يرى فيما يتعلق بطول الموجة λ، أن أجزاء الطاقة، المنعكس والممتص والمنتقل، تختلف باختلاف طول الموجة الواردة وذلك تبعاً لكل ظاهرة من الظواهر الأرضية، ومن ثم لايمكن تمييز ظاهرتين في مجال طيف معين، ولكن يمكن تمييز إحداهما من الأخرى عند اختلاف أطوال موجات الأشعة. إن تغير طول الموجة ضمن القسم المرئي من الطيف، يعطي تغيراً في اللون، فمثلاً يقال إن الشيء أزرق عندما يعكس القسم الأزرق من الطيف وهكذا.
وتختلف خصائص الأشياء والظواهر الأرضية بعضها عن بعض باختلاف أطيافها المعكوسة، وهذا الاختلاف مهم جداً. وتمكن إعادة كتابة العلاقة السابقة كالتالي:
ER(λ)=EI(λ)-[EA(λ)+ET(λ)]
أي إن الطاقة المنعكسة تساوي الطاقة الواردة على الظاهرة مطروحة منها الطاقة الممتصة والطاقة المنتقلة في هذه الظاهرة. ومن المهم أخذ بنية الظاهرة بالحسبان لعلاقتها بنعومة السطح وخشونته.
إن العواكس ذات السطوح الملساء هي سطوح منبسطة وتشبه المرايا في عكسها للأشعة، حيث زاوية الورود تساوي زاوية الانعكاس. وإن العواكس الناثرة هي سطوح خشنة تعكس الأشعة في جميع الاتجاهات (الشكل 9).
(الشكل 9) موازنة بين الانعكاسات عن السطوح الملساء والسطوح الناثرة |
وإن وصف السطح بأنه أملس أو خشن هو نسبي ويتوقف على طول الموجة الواردة عليه. فمثلاً إذا كانت الموجات الواردة راديوية طويلة فتظهر التضاريس الصخرية سطوحاً عاكسة لها، وبالمقابل تبدو المواد الناعمة، مثل الرمال، سطوحاً خشنة في موجات القسم المرئي من الطيف. وعموماً عندما يكون طول موجة الأشعة الواردة أصغر بكثير من فروق ارتفاعات السطح أو حجم الذرات المكونة لسطح المادة فإن هذا السطح يعد خشناً ويكون ناثراً.
وإن العواكس الناثرة تعطي معلومات طيفية عن لون السطح الناثر، على نقيض العواكس الملساء، ولهذا يكون من المهم في الاستشعار عن بعد قياس خواص الانعكاس الناجم عن السطوح الناثرة في الظواهر الأرضية.
وتقاس الخواص الانعكاسية لسطح ظاهرة أرضية بجزء الطاقة الواردة المنعكس عن سطح هذه الظاهرة مقسوماً على الطاقة الواردة، وهو تابع لطول الموجة ويسمى عامل الانعكاس الطيفي Rλ ويعرّف بـ
ER(λ) | E λ = | |
EI(λ) |
ويعبر عنه بالنسبة بالمئوية.
جهاز الاستشعار «المستشعر» sensor: جهاز الاستشعار هو أداة يمكنها أن تستقبل وتسجل الأشعة المنعكسة عن المادة المدروسة أو المنبعثة منها ضمن مجال طيفي واحد أو عدة مجالات طيفية. وقد تم تصميم مستشعرات خاصة لدراسة الأرض من الفضاء تتلاءم مع النوافذ الجوية. وفي حالات خاصة يتم تصميم مستشعرات نوعية تتلاءم مع الجو أو طبيعة الدراسة، ويمكن تقسيم المستشعرات إلى ما يلي:
ـ كاميرات الفيديو والتصوير الجوي وكاميرات التصوير الفضائي.
ـ أجهزة قياس الأشعة (الراديومتر) التي تسجل الأشعة ضمن نطاقات طيفية معينة.
ـ أجهزة قياس الطيف (سبيكترومتر) التي تسجل الأشعة ضمن مجال طيفي معين.
ـ المواسح مثل الماسح المتعدد الأطياف S.S.M والماسح الغرضي (أو الموضوعي) M.T المحمولة على متن السواتل لاندسات، وهذه المواسح لاتستخدم أفلام التصوير في تسجيل الأشعة ولكن تقوم بعملية مسح لمنطقة منتظمة من الأرض، وقد مكَّن هذا النظام من تسجيل المعطيات على أقراص حاسوب ممغنطة باستخدام أرقام افتراضية تمثل مختلف الشدات اللونية للأهداف المدروسة، وتراوح قيم هذه الشدات بين 0 و255 درجة من اللون الرمادي لمختلف المجالات الطيفية ويتم تسجيل شدة السطوع لأصغر مساحة يمكن تمييزها على الأرض. ولكل مستشعر أربع قدرات تمييز هي:
ـ قدرة التمييز المكاني: وهي أصغر مساحة يمكن أن يميزها المستشعر على سطح الأرض وتدعى عنصر الصورة pixel.
ـ قدرة التمييز الطيفي: وهي عدد النطاقات الطيفية التي يمكن أن يسجلها المستشعر.
ـ قدرة التمييز الإشعاعي: وهي أصغر كمية من الطاقة يمكن أن يسجلها المستشعر، والقيمة الإشعاعية أو شدة سطوع عنصر الصورة «البيكسل» هي معدل القيمة الإشعاعية الواردة من أجزاء البيكسل كافة.
ـ قدرة التمييز الزمني: وهي المدة الزمنية الفاصلة بين المسح والآخر للمنطقة نفسها. أي المدة الفاصلة بين الزيارة والأخرى للمنطقة من قبل الساتل الصنعي.
وتجدر الإشارة إلى أن المستشعرات تقسم إلى نوعين من حيث اعتمادها على مصدر الطاقة هما:
ـ المستشعرات غير الفعالة passive sensors: وهي التي تستشعر الطاقة المنعكسة والمنبثقة من المظاهر المدروسة مثل المستشعر HRV المحمول على متن الساتل الصنعي SPOT.
تحليل المعطيات والصور الفضائية وتفسيرها
معالجة المعطيات: جميع المعطيات التي تسجلها أجهزة الاستشعار عن بعد سواء من الجو الخارجي أو الفضاء ما هي إلا مادة خام فيها كثير من التشويش والتشويه ولابد من إخضاعها لمجموعة من العمليات الهادفة لتصحيحها وتحسين مادتها ومعالجتها حتى تمكن الاستفادة منها:
التصحيح correction: عندما يتم استقبال المعطيات تكون مشوهة هندسياً وإشعاعياً بسبب مجموعة من العوامل التي لا يمكن التحكم فيها، وأهم هذه العوامل ما يلي:
العوامل المؤثرة في الحالة الهندسية: ينتج التشوه الهندسي من تغير ارتفاع الساتل الصنعي، وتغير سرعته وحركة المرآة المتذبذبة في الماسح المتعدد الأطياف، وسرعتها وكذلك تغير تضاريس المشهد المصور، ودوران الأرض (تتحرك الأرض مسافة 13كم في مدة 28ثانية التي يتطلبها تسجيل المشهد الواحد من الساتل لاندسات) ولذلك لا يتطابق المشهد الخام مع مثيله في الطبيعة.
قبل توزيع المعطيات تقوم الجهة المسؤولة عن البرنامج الفضائي بإجراء بعض التصحيحات الهندسية الأولية، ومن ثم تجرى على المعطيات تصحيحات أخرى للتخلص مما بقي من تشويش، وتستخدم في هذه الحالة إحدى شبكات الإحداثيات العالمية «مثل شبكة ميركاتور» ويمكن أن تقوم الجهة المنتجة بهذه العمليات بناء على طلب المستثمر، أو يقوم بها المستثمر نفسه بأجهزة المعالجة الرقمية، وينتج من هذه التصحيحات عموماً صورة فضائية جديدة على أساس المعطيات الخام التي بثها الساتل اعتماداً على شبكة نقاط تحكم أرضية GCPs يتم تحديدها على الصورة الفضائية الخام والخريطة الطبوغرافية المرجعية للمنطقة المصورة.
العوامل المؤثرة في الحالة الراديومترية: يعود التشوه الراديومتري «الإشعاعي» إلى جهاز الاستشعار نفسه نتيجة التشويش أو سوء المعايرة بين الكواشف عند تسجيل بعض خطوط المسح أو بسبب وجود الرذَيْذَات والمواد المبعثرة الأخرى، أو بسبب المشهد نفسه لاختلاف التضاريس.
لذلك تجرى على المعطيات قبل توزيعها مجموعة من التصحيحات الراديومترية الأخرى، ويمكن أن تتم عمليات التصحيح في أثناء عمليات التحسين والتعزيز.
التحسين enhancement: يتضمن تحسين المعطيات مجموعة من العمليات الرقمية أو الترسيمية لتحسين ملامح الصورة الفضائية، وهذه العمليات هي:
ـ تعزيز التباين contrast enhancement
ـ الترشيح المكاني spatial filtering
ـ تناسب النطاقات bands combination
ـ التحليل التمايزي discrimination analysis
تعزيز التباين: وهي أكثر الطرائق شيوعاً، وتعتمد على أن قيم الشدات اللونية لمكونات الصورة لا تشمل المقياس اللوني الرقمي من 0-255 درجة كله، وينصب اهتمام المحلل على مستوى معين يمثل مظاهر محددة، لذلك تتم عملية مط القيم اللونية الممثلة في الصورة لتشمل المقياس اللوني كله، كي يتم تعزيز الفرق بين المظاهر البصرية لمكونات الصورة.
تناسب النطاقات: يمكن تطبيق العمليات الرياضية كافة على المعطيات الرقمية الفضائية المأخوذة ضمن عدة نطاقات طيفية، ولذلك يمكن تحضير نطاقات طيفية من جمع القيم الرقمية للنطاقات الطيفية أو طرحها أو ضربها أو قسمتها وإيجاد التناسب بينها، مما يساعد على التفريق بين بعض المكونات التي تتضمنها الصورة والتي لا يمكن إظهارها مباشرة من المعطياتالأصلية.
إن أفضل مثال على ذلك يسمى «الدليل النباتي» vegetation index الذي يحسن التمييز الطيفي للغطاء النباتي، فالنبات يتميز من غيره بعكس كمية قليلة من الأشعة الحمراء، وعكس كمية كبيرة من الأشعة تحت الحمراء القريبة، لذلك فإنه يمكن الربط بين الكتلة الحيوية للنباتات وقيم الدليل النباتي الذي يحسب من تناسب نطاق الأشعة الحمراء ونطاق الأشعة تحت الحمراء القريبة من المعادلة التالية:
الدليل النباتي المعدَّل NDVI = | الأشعة تحت الحمراء – الأشعة الحمراء |
الأشعة تحت الحمراء + الاشعة الحمراء |
الترشيح: تستخدم مجموعة من المرشحات التي تؤثر في عناصر الصورة مجتمعة وليس إفرادياً ومن هذه المرشحات:
ـ المرشحات القليلة التمرير low-pass التي تعمل على إعطاء عنصر الصورة (البيكسل) القيمة الوسطية لمجموعة البيكسلات المحيطة (3×3 بيكسل)، والنتيجة تكون تنقية الصورة وإلغاء التباينات الخفيفة، ويمكن زيادة هذا الترشيح بزيادة عدد البيكسلات المعتمدة نافذةً لحساب القيمة الوسطية للسطوح.
ـ المرشحات العالية التمرير high-pass وهي التي تستخدم لتعزيز التباين بين مكونات الصورة لتظهر على نحو أوضح مثل الأنماط الجيولوجية والجيومورفولوجية والبنيات التحتية.
التصنيف classification: يعتمد تصنيف المعطيات الفضائية على حقيقة أن كل مادة من المواد تملك مجموعة من المعايير تسمى المعايير التحليلية يمكن استخلاصها من هذه المعطيات، ويمكن الاعتماد على عامل أو أكثر في تحليل المعطيات الفضائية ووضع الخرائط الموضوعية أو الغرضية منها.
ولكن التحليل الرقمي للمعطيات الفضائية يعتمد على التحليل الطيفي للمعطيات، الذي له علاقة باللون وقيمة السطوع، أما طرائق التصنيف المتبعة فهي:
التصنيف المراقب supervised classification: في هذه الطريقة يقوم المحلل بتحديد مدى قيم السطوع لكل مادة من المواد المصورة، بناء على تحليل مناطق اختبار ممثلة لها، ومن ثم يقوم البرنامج الرياضي المخصص للمعالجة الرقمية بحساب قيم السطوع لعناصر الصورة وتصنيفها حسب معايير التصنيف المطلوبة، ويمكن أن يتم ذلك بعدة طرائق منها التصنيف الموشوري parallelpiped classification حيث تحدد كل فئة من فئات التصنيف بقيمة سطوع دنيا وقيمة سطوع عليا لكل نطاق طيفي، وفي حال حدوث تداخل، فعلى المحلل تحديد قيمة الفصل بين الفئات، وهناك تصنيف التوزع الحقيقي real distribution classification، الذي تحدد فيه كل فئة من فئات التصنيف بقيم سطوعها الأعظمي، وبما يتناسب مع التحقق الحقلي، كذلك هناك تصنيف التشابه الأعظمي maximum liklihood classification، الذي تقرب فيه كل فئة من الفئات إلى التوزع النظامي لها، وهذا التصنيف يؤدي إلى دقة أعلى من التصانيف السابقة.
التصنيف غير المراقب unsupervised classification: في هذا التصنيف توزع عناصر الصورة إلى درجات طيفية أتماتياً، ويقوم الحاسوب بهذه العملية، بحسب قيم السطوع، ومن ثم يتم تصنيف الدرجات هذه إلى فئات تصنيفية بحسب موضوع الدراسة بعد إجراء التحقق على مناطق مختارة وممثلة للدرجات الطيفية.
ميزات الصور الفضائية: للصور الفضائية التي تلتقطها الكاميرات المحمولة على متن المركبات والمحطات الفضائية، أو التي تحضر من المعطيات الفضائية الرقمية التي تسجلها المواسح، عدة مميزات أهمها:
الشمولية: يمكن للصورة الفضائية أن تشمل مساحة واسعة لايتسنى لعين الإنسان أو أي تقنية أخرى الإحاطة بها، وهي مقسمة إلى رقع مصورة تختلف من ساتل إلى آخر، فالصورة الفضائية الناتجة من معطيات الساتل الصنعي سبوت تشمل 3600 كيلومتر مربع والصورة الفضائية الناتجة من معطيات الساتل الصنعي لاندسات تشمل (30000-34000كم2)، أما الصور الفضائية الملتقطة بآلات التصوير المحمولة على متن المحطة الفضائية «مير» فتراوح بين 5000 و90000كم2 بحسب نوع الآلة، واعتماداً على هذه الشمولية يمكن مراقبة مسـاحات واسعة ودراستها في شروط واحدة وزمن واحد.
قدرة التمييز المكاني: يقصد بقدرة التمييز المكاني أصغر بعد يمكن للمستشعر تحسسه، ومن ثم أصغر مساحة يمكن تسجيلها على سطح الكرة الأرضية، وتختلف هذه الميزة من مستشعر إلى آخر، فهي للماسح المتعدد الأطياف 80×80م وللماسح الغرضي 30×30م لجميع النطاقات اللونية، ماعدا النطاق الأحمر الحراري الذي هو 120×120م. وهي للمستشعرHRV المحمول على متن الساتل سبوت 20×20م، للنطاقات الطيفية الأول والثاني والثالث، وهي 10×10 لنطاق البانكروماتيك، أما للكاميرات الروسية فهي مختلفة وتراوح مساحة تسجيلها بين 5و20م.
تسمى أصغر مساحة يمكن تسجيلها من قبل المستشعر بعنصر الصورة pixel وتتكون الصورة الفضائية من ملايين المصفوفات كالفسيفساء التي تتوضح جلياً عند تكبير الصورة، وتتلاشى عند تصغيرها لتشكل الغطاء الأرضي المصور من قبل الساتل الصنعي أو المركبة الفضائية، وكلما كانت قدرة التمييز المكاني أكبر كانت إمكانية تمييز الأهداف المصورة أفضل، ومن ثم تكون الصورة الفضائية ذات فائدة أشمل، لذلك تحاول المؤسسات الراعية لبرنامج الفضاء دائماً أن تحسن من التمييز المكاني للمستشعرات التي تصممها وتركبها على السواتل، لأن ذلك يدخلها دائرة المنافسة مع المؤسسات الأخرى.
التعددية الطيفية: تؤخذ الصور الفضائية ضمن مجالات طيفية متعددة تسمى النطاقات، وأهمها مجالا الأشعة المرئية وتحت الحمراء، إذ يتم تسجيل الإشعاعات المنعكسة عن سطوح الأهداف المصورة أو المنبعثة منها بشكل شدات لونية من مستوى رمادي تراوح بين 0-225 درجة مما يجعل تمييز الأهداف المصورة بعضها من بعض ممكناً نتيجة اختلاف الإجابات الطيفية لهذه الأهداف، إذ يعكس كل نوع منها كمية ونوعية من الأشعة الساقطة أو يبث أشعة حرارية تؤدي إلى ظهوره بمظهر يختلف عن مظاهر الأهداف الأخرى، وتعد هذه الميزة أساسية ومهمة للصور الفضائية لأنها تمكن الإنسان من رؤية الأجسام مصورة بأشعة مختلفة حتى ضمن المجال الطيفي الذي لاتراه العين، كما يمكن الحكم على حرارة الأجسام المصورة أو برودتها من دراسة الصور الملتقطة لها ضمن مجال الأشعة تحت الحمراء الحرارية، وبذلك يتم تطويع جزء من الطيف الكهرمغنطيسي الذي لايمكن رؤيته بالعين المجردة.
كذلك يمكن اعتماداً على التعددية الطيفية تحضير الصور الفضائية الملونة، فالصورة الواحدة هي تمثيل لمختلف الشدات اللونية، وبتخصيص الألوان الرئيسية (أحمر ـ أخضر ـ أزرق) للنطاقات الطيفية يمكن الحصول على صور بالألوان. وعادة يعطى اللون الأحمر للنطاق تحت الأحمر، واللون الأخضر للنطاق الأحمر واللون الأزرق للنطاق الأخضر، ويكون الناتج صورة بالألوان التركيبية، ويمكن تحضير تراكيب مختلفة من مختلف النطاقات الطيفية فتشكل كل ثلاثة نطاقات تركيبة معينة وتعطى ألواناً مختلفة يمكن اعتماداً عليها تحليل الصورة الفضائية وتفسيرها.
التكرارية الزمنية: تتميز الصور الفضائية بإمكانية الحصول عليها في مدد زمنية متكررة أو دورية، وتختلف هذه التكرارية بحسب الساتل الصنعي فهي 16 يوماً للساتل لاندسات و26 يوماً للساتل الصنعي سبوت و4 أيام بالتصوير المائل، وهي 22 يوماً للساتل الهندي أيرس، أما للسواتل المخصصة للأحوال المناخية مثل ميتيوسات أو جيوس فهي كل نصف ساعة كي تصل المعلومة المناخية إلى المستثمر في وقت قصير ومناسب وتترجم إلى نشرات جوية.
وللتكرارية الزمنية التي تتميز بها الصور الفضائية أهمية خاصة، لأنها تعطي فكرة واضحة ومعلومات دقيقة عن التغيرات التي تطرأ على منطقة معينة في حقبة من الزمن تراوح بين عدة أيام وعشرات السنين، وتمكن المستخدم من المراقبة المتكررة لأهداف معينة مثل تطور المحاصيل الزراعية والتوسعات العمرانية والتغيرات البيئية وغيرها من التطبيقات المتعددة للاستشعار عن بعد.
مبادئ تحليل الصور الفضائية وتفسيرها: يعتمد التحليل البصري للصور الفضائية وتفسيرها على أربعة مبادئ أساسية هي:
ـ الصورة الفضائية هي تمثيل للواقع الأرضي.
ـ تتألف الصورة الفضائية من أنماط دليلية تعكس التركيب الفيزيائي والحيوي للأهداف المصورة.
ـ الأهداف المتماثلة وفي الشروط نفسها تعكس الواقع نفسه، والأهداف غير المتماثلة تبدو بواقع مختلف.
ـ نوع المعلومات وكميتها اللذان يتم الحصول عليهما من الصورة الفضائية يتوقفان على معرفة المحلل ومهارته وخبرته وعلى دقة اختيار الصور.
عندما تطبق هذه المبادئ بموضوعية يمكن استخلاص المعلومات المطلوبة كافة من الصورة، وتتم هذه العملية في خطوتين هما تحليل الصورة، ويقصد بها فصل المكونات الرئيسة للصورة، وتفسير الصورة الذي يتبع التحليل، وهو تسمية مكونات الصورة ووصفها ووضع المصطلحات المتعلقة بها.
العوامل التحليلية: يتم تحليل الصور الفضائية تحليلاً مباشراً أو بالاعتماد على بعض طرائق التعزيز والتحسين مثل التكبير والتركيز والتلاعب بالألوان اعتماداً على التباين الطيفي والهيكلي والزمني للأهداف المصورة إضافة إلى مجموعة العوامل التي تسمى العوامل التحليلية وهي:
اللون والشدة اللونية tone and color: هذا العامل يتعلق مباشرة بكمية الأشعة المنعكسة أو المنبعثة من المادة المصورة ونوعيتها، وكلما كانت الكمية أكبر كانت شدة السطوع أكثر.
القوام texture: يقصد به درجة نعومة المادة المصورة أو خشونتها، ويعتمد على هذا العامل عندما تكون درجة التباين الطيفي (اللون والشدة اللونية) قليلة لدرجة يصعب معها الاعتماد عليها في التحليل، مع العلم أن هذا العامل قليل التأثر بعوامل الطقس ونوعية الصورة وعمليات التحضير.
النمط pattern: يقصد به كيفية تكرار المظاهر أو الترتيب الهيكلي للمواد المصورة وهذه الصفة تميز الكثير من الأشياء المصنوعة من قبل الإنسان مثل المنازل والمصاطب وقنوات الري.
الشكل shape: يقصد به الهيئة التي تظهر بها المادة على الصورة، هذه الصفة تساعد في تعرف بعض المظاهر الأرضية مثل الحقول المروية بالرش المحوري.
الحجم size: ويقصد به أبعاد المواد الموجودة على الصورة (الطول والعرض والارتفاع).
الظل shadow: يمكن أن يساعد هذا العامل في تعرف بعض المواد المصورة، ولكن تقل أهميته عندما يكون المقياس صغيراً وزاوية الشمس مرتفعة، وتعد هذه الصفة مهمة عند التفريق بين الثلج والغيوم على الصور الفضائية.
الموقع location: إن معرفة مواقع بعض المواد المصورة ومقارنتها مع المظاهر الأرضية يمكن أن يساعد في الحصول على تحليل دقيق للصور الفضائية.
الإبصار المجسم stereoscopic vision: يقصد به الظاهرة التي تعين الإنسان على رؤية المواد المدروسة بأبعادها الثلاثة، وهذا لايتأتى إلا إذا نظر الإنسان بالعينين معاً إلى نقطة واحدة، وتستخدم لذلك عدة أنواع من أجهزة التجسيم «الستيرويو سكوب» عند تحليل الصور الفضائية، ومن الجدير بالذكر أنه لا يمكن تطبيق الإبصار المجسم على الصور الفضائية مالم تتوافر فيها تغطية بحدود 60% ليتم الحصول على الصور المسماة الأزواج المجسمة.
(الشكل10) منحنيات الانعكاس الطيفي للتربة والنبات والماء |
التحليل الطيفي للصور الفضائية: يتضمن التحليل المكاني للصورة الفضائية فصل الأهداف بحسب النمط والشكل والحجم والعوامل التحليلية المكانية الأخرى، أما التحليل الطيفي فيتضمن فصل الأهداف المصورة بحسب اللون والشدة اللونية، وهذا التحليل هو الأهم عند إجراء التحليل البصري للصور الفضائية.
فمن دراسة الانعكاس الطيفي النسبي ومنحنيات الانعكاس للأهداف المصورة، يلاحظ أن المواد الموجودة على سطح الكرة الأرضية تختلف في طبيعة عكسها للموجات الإشعاعية الساقطة عليها، فانعكاس الموجات الإشعاعية ذات الطول 0.58-0.65 مكرومتر يكون مرتفعاً في التربة الطينية ومتوسطاً في الماء العكر وقليلاً في النبات، لذلك تبدو التربة الطينية أكثر سطوعاً ثم الماء العكر ثم النبات، في حين يكون انعكاس الموجات ذات الطول 0.72ـ0.92 مكرومتر مرتفعاً في وجود النبات ومتوسطاً في التربة وقليلاً في الماء العكر، أما انعكاس الموجات ذات الطول 2.0ـ2.6 مكرومتر فيكون مرتفعاً في التربة ومتوسطاً في النبات وقليلاً في الماء العكر (الشكل 10).
وتظهر للأهداف المصورة نتيجة هذا الاختلاف أخيلة مختلفة الألوان أو الشدة اللونية تعطيها طابعاً معيناً يميزها من بقية المواد الأخرى، وهذا مايسمى بالبصمة الطيفية. وقد أشير سابقاً إلى أن هذه البصمة تتأثر بحالة الجو وكمية الأشعة الساقطة وبالفصل من السنة وبالموقع الجغرافي.
وبناء على ماتقدم يستنتج مايلي:
ـ عندما ينعكس أكثر من 50% من الأشعة الساقطة على الأهداف المصورة تبدو الأهداف لامعة جداً على الصورة.
ـ تختلف نسبة الأشعة المنعكسة باختلاف طول الموجة.
ـ كلما قلت نسبة الأشعة المنعكسة ظهرت الأهداف بلون أعتم.
(الشكل 11) صورة فضائية محضرة بالألوان المركبة تضم أجزاء من سورية ولبنان وفلسطين |
تحليل الصور المحضرة بالألوان المركبة: يتألف الطيف الكهرمغنطيسي من مجموعة من الموجات الكهرمغنطيسية، أقصرها الأشعة الكونية وأشعة غاما، وأطولها موجات الراديو، وتنحصر بين هذه الموجات أنواع الأشعة الأخرى، وقد أمكن استخدام مجموعة مختلفة من الموجات الكهرمغنطيسية في الاستشعار عن بعد أهمها الأشعة المرئية وتحت الحمراء القريبة، وذلك ضمن نطاقات طيفية متعددة. وكذلك أمكن دمج أكثر من نطاق للحصول على الصور الملونة، وعادة ماتحضر الصورة الملونة المركبة النظامية Fcc من دمج ثلاثة نطاقات طيفية هي الأشعة الخضراء المرئية والحمراء المرئية وتحت الحمراء القريبة، ولما كانت الأشعة تحت الحمراء القريبة غير مرئية فإنه تُحَضَّر لتسجيلها أوراق أو أفلام حساسة وتجري عملية إزاحة للألوان المرئية، فتعطى الأشعة تحت الحمراء القريبة اللون الأحمر والأشعة الحمراء اللون الأخضر والأشعة الخضراء اللون الأزرق، وتحضر الأفلام الحساسة للأشعة تحت الحمراء القريبة من ثلاث طبقات صباغية الأولى حساسة للأشعة الخضراء والثانية حساسة للأشعة الحمراء والثالثة حساسة للأشعة تحت الحمراء القريبة، ولأن الأشعة تحت الحمراء قليلة التأثر بالمعلقات الجوية فإن الصور الناتجة تكون نقية جداً بالمقارنة مع الصور المحضرة ضمن مجال الأشعة المرئية فقط، وكذلك فإن دمجالأشعة تحت الحمراء في الأشعة المرئية يعطي نتائج حساسة ودقيقة في التفريق بين الألوان، وهذا مايعزز التباين بين المواد الأرضية المصورة، إذ تبدو أكثر وضوحاً ويمكن تفريق بعضها عن بعض بسهولة.
(الشكل 12) صورة فضائية محضرة بالألوان الحقيقية لجزء من مدينة دمشق |
ولابد من الإشارة إلى أنه يصعب على المحلل القليل الخبرة تحليل الأطياف الموجودة على الصور المحضرة بالألوان المركبة، وذلك بسبب ظهور المواد الأرضية بغير ألوانها الحقيقية لذلك تسمى هذه الصور «صور الألوان الكاذبة» فمثلاً النباتات التي تعكس نسبة عالية من الأشعة تحت الحمراء تظهر باللون الأحمر بدلاً من اللون الأخضر، في حين تظهر التربة الحمراء باللون الأخضر بدلاً من اللون الأحمر، ويظهر الماء باللون الأسود أو الكحلي بدلاً من اللون الأزرق لأنه لامجال لتسجيل الأشعة الزرقاء في هذه الصور، أما المواد التي تعكس الأشعة الخضراء والحمراء بنسب متساوية فتبدو باللون الأصفر، وإذا تم انعكاس أنواع الأشعة كافة فيكون الانعكاس باللون الأبيض.
ولما كانت النباتات أكثر الأهداف التي يمكن تمييزها على صور الألوان المركبة فإنه من الأهمية بمكان فهم العلاقة بين النباتات والأشعة تحت الحمراء القريبة، وتقوم هذه العلاقة على أسس فيزيولوجية، فكمية الأشعة تحت الحمراءالمنعكسة تتعلق بعدد السطوح البينية والفراغات الواقعة بين خلايا أوراق النباتات وطبقة الخلايا الإسفنجية الموجودة في الأوراق، إذ إن الشكل غير المنتظم لتلك الخلايا يحدث الكثير من السطوح البينية والفراغات الخلوية التي ينتج منها مايسمى بالزاوية الحرجة، وثبات هذه الزاوية هو الذي يؤدي إلى انعكاس الأشعة تحت الحمراء بكمية معلومة، وعندما تتغير هذه الزاوية بسبب نقص الرطوبة أو الإصابة بالأمراض فإن كمية الأشعة المنعكسة تتغير، ويتبدل مظهر النبات على الصورة.
كذلك يظهر الماء الصافي على الصورة باللون الكحلي في حين يظهر الماء العكر باللون الأزرق، وكلما ازدادت كمية العكر زاد لمعان اللون الأزرق، لأن الماء الصافي يمتص جميع الأشعة الساقطة أو تخترقه إلى الأعماق، في حين تعكس المواد المعلقة في الماء والمسببة للعكر نسبة معينة من الأشعة تزداد مع ازدياد العكر، ويمكن بالاعتماد على ذلك معرفة التغيرات التي تطرأ على مياه المجاري الموسمية والأنهار.
تحليل الصور الحرارية: الصور الحرارية هي الصور المحضرة من المعطيات المسجلة ضمن النطاق الطيفي تحت الأحمر البعيد أو الحراري، وقد استخدم التصوير الحراري بنجاح في الكثير من المجالات مثل الجيولوجية، لتحديد أنواع الصخور وتركيبها وتحديد مناطق الفوالق الجيولوجية، وكذلك تحديد أنواع الترب ورطوبة التربة وتحديد الخواص الحرارية للبراكين وتحديد أماكن الينابيع الحارة ومراقبة خرائط الغابات.
عند تحليل الصور الحرارية ليس من الضروري معرفة درجة حرارة المواد المصورة، ولكن يمكن الموازنة بينها نسبياً للتفريق بين مختلف الأجسام الموجودة في الصورة، ويفضل اختيار الوقت المناسب لأخذ الصور الحرارية بما يتناسب وأهداف الدراسة، فعند دراسة منحنيات الإشعاع الحراري للتربة والصخور والماء (الشكل13) يلاحظ أن التغيرات الحرارية من الحرارة إلى البرودة يمكن أن توفر معلومات جيدة حول نوع المادة المدروسة وطبيعتها وحالتها.
(الشكل13) منحنيات الإشعاع الحراري في 24 ساعة للتربة والصخور والماء |
يلاحظ أن المنحنى الإشعاعي الحراري للماء يختلف عن منحنى التربة و الصخور لسببين أولهما أن التغيرات الحرارية للماء قليلة بالموازنة مع اليابسة وثانيهما أن المنحنى يصل إلى الحرارة العظمى بعد ساعتين من وصول منحنيات المواد الأخرى، ونتيجة لذلك تكون درجة حرارة اليابسة أعلى من حرارة الماء في النهار وأقل في الليل، كما أنه عند الصباح والغروب تتقاطع المنحنيات الخاصة بالماء والتربة والصخور، وهذا مايعرف بالتقاطع الحراري، ويدل ذلك على أنه في هذا الوقت يكون الإشعاع الحراري للمواد متقارباً ولاينصح بإجراء التصوير الحراري في هذا الوقت لأنه يصعب التفريق بين المواد على الصورة الحرارية.
في النهار يسخِّن ضوء الشمس المواد بدرجات مختلفة بحسب خواص المادة الحرارية، إذ يتم امتصاص جزء من الأشعة الساقطة وعكس جزء آخر منها عن الأهداف المصورة، ويتم تسجيل هذا الجزء المنعكس ضمن الأشعة المرئية وتحت الحمراء القريبة، ولكن لايؤثر وجود ضوء الشمس المباشر في الصور الحرارية المأخوذة ضمن مجال الأشعة تحت الحمراء الحرارية لأن المصدر الأساسي للأشعة المسجلة في هذه الحالة هو الأجسام المصورة نفسها وهي التي تبعث الأشعة الحرارية التي تسجلها أجهزة الاستشعار.
وعند تحليل الصور الفضائية الحرارية عموماً يجب أن يوضع في الحسبان أن الشدة اللونية لاتمثل درجة الانعكاس ونسبته وإنما تمثل درجة الحرارة النسبية نتيجة انبعاث الأشعة تحت الحمراء الحرارية، فالأجسام المعتمة في الصورة هي الأبرد، والأجسام الفاتحة هي الأسخن.
(الشكل 14) صورة رادارية تبين التغيرات في قوام الغابة بسبب تعرضها للتدهور نتيجة القطع والحرائق أو التوسع الزراعي |
تحليل الصور الرادارية: تستخدم الصور الرادارية في عدد كبير من تطبيقات الاستشعار عن بعد مثل إعداد الخرائط الجيولوجية والغطاء النباتي وأنماطه وشبكات الصرف الصحي. كذلك تستخدم في دراسة ماتحت السطح لأن أشعة الموجات القصيرة التي تستخدم في الرادار تستطيع اختراق السطح، وقد ثبت فعلاً اختراقها للسطح لعمق 30متر، ويتوقف عمق الاختراق على ثلاثة عوامل هي:
ـ طول الموجة: فكلما كانت الموجة أطول كان الاختراق أكبر.
ـ نسبة الرطوبة: فكلما كانت الرطوبة أقل كان الاختراق أكبر.
ـ قوام التربة: فكلما كان القوام أخشن كان الاختراق أكبر.
وقد استخدمت أجهزة الرادار لكشف ماتحت السطح في البحث عن المياه الجوفية وأثبتت هذه الطريقة نجاحها في معظم الحالات خاصة في حال جفاف ماتحت السطح، لأن الرطوبة الزائدة أو المياه توهن الإشارة الرادارية وتقلل من كمية الأشعة المرتدة مما يؤدي إلى تسجيل الإشارة بشدة لونية عاتمة تدل على وجود مياه.
إن تحليل الصور الرادارية يشبه تحليل الصور الفضائية ولكن الحصول على الصور الرادارية يتم بالموجات القصيرة لذلك فإن الصور الرادارية تمثل الصفات التي تؤثر في مقدرة المواد المصورة على عكس ترددات الموجات القصيرة، وربما يحصل عدم فهم هذه الصور بسبب ظهور بعض المواد المصورة التي يؤثر مظهرها في الصور الفضائية العادية، فالصور الفضائية العادية تمثل الأشعة المنعكسة عن المواد المصورة التي تتأثر بالكثير من صفات المادة. أما الصور الرادارية فتتأثر بخشونة السطح أو نعومته فإشارة الرادار المرتدة بقوة تظهر على الصورة بشدة لونية فاتحة وتدل على وجود مظاهر طبوغرافية مختلفة. أما الإشارة المتوسطة فتظهر بشدة لونية متوسطة تدل على المناطق المفتوحة والحقول المنبسطة، أما الإشارة الضعيفة فتظهر بشدة لونية عاتمة وتدل على المظاهر الهدرولوجية والأجسام المائية والسطوح الناعمة (الشكل 14).
المعطيات المرجعية: لاتطبق تقنية الاستشعار عن بعد من دون استخدام شكل من أشكال المعطيات المرجعية reference data، ويكون ذلك بجمع القياسات أو المشاهدات العملية والميدانية حول شيء أو مساحة أو ظاهرة تُستشعَر عن بعد، ويمكن أن تأخذ هذه المعطيات أشكالاً مختلفة وكثيرة، ويمكن الوصول إليها من عدة مصادر، فعلى سبيل المثال يمكن التوصل إلى المعطياتاللازمة لتحليل معين من خرائط مسح التربة، أو من تقارير المخابر المائية، أو من صورة جوية. أو يمكن الحصول عليها من عمل حقلي عن محصولات زراعية أو استعمالات الأراضي أو مشاكل تلوث المياه أو تصنيف الأشجار. ويمكن أن تتضمن المعطيات المرجعية قياسات حقلية لدرجات الحرارة أو قياس أي خصائص فيزيائية أو كيمياوية لمختلف الظواهر. ويمكن أن تستخدم المعطيات المرجعية لتؤدي بعض المهام والأغراض التالية أو كلها:
ـ مساعدة المحلل على تفسير المعطيات المستشعرة عن بعد.
ـ معايرة المستشعر.
ـ التحقق من المعلومات المستخلصة من المعطيات المستشعرة عن بعد.
لذا يجب أن يتم الحصول على المعطيات المرجعية طبقاً للمبادئ الإحصائية في أخذ العينات. وقد تكون المعطيات المرجعية مكلفة جداً وتتطلب زمناً لجمعها جمعاً مناسباً، وقد يكون للمعطيات المرجعية قياسات ذات زمن حرج أو قياسات مستقرة زمنياً.
(الشكل 15) مقياس أشعة (راديومتر) مركب على قاعدة أرضية |
وتجري القياسات ذات الزمن الحرج على الحالات التي تتغير معها أحوال الأرض بسرعة مع الزمن، مثل تحليل أحوال النبات أو حوادث تلوث المياه، في حين تطبق القياسات المستقرة زمنياً عندما لاتتغير المواد التي هي تحت المراقبة تغيراً سريعاً مع الزمن، مثل التطبيقات الجيولوجية التي تستتبع في الغالب ملاحظات حقلية يمكن إجراؤها في أي وقت ولاتتغير مع الزمن تغيراً محسوساً. وتعد القياسات الميدانية شكلاً من أشكال تجميع المعلومات كقياس عوامل الانعكاس وكذلك الإشعاعات المنبعثة من سطح المواد لتحديد الاستجابات الطيفية النموذجية، وهذا مايمكن إجراؤه في الحقل أو المخبر، باستخدام مبادئ التحليل الطيفي spectroscopy حيث يستخدم غالباً مقياس الطيف spectrometer الذي يقيس الطاقة الآتية من السطح موضوع البحث تبعاً لطول الموجة كما يستخدم مقياس الطيف استخداماً رئيساً لتحضير منحنيات الانعكاس الطيفي لمختلف المواد أو الأشياء.
ويستخدم في مختبرات التحليل الطيفي مصادر طاقة صنعية لإضاءة الأشياء تحت الدراسة كما يوجد في المخبر عوامل حقلية أخرى كالمشاهدة الهندسية بين المستشعر والجسم التي يمكن محاكاتها مخبرياً.
ويبين الشكل (15) مقياس طيف مركباً على قاعدة أرضية، وعادة تسجل القياسات بوساطة جهاز تسجيل في المركبة الحقلية. ويمكن أن تجهز المركبة الحقلية بحاسوب لمعالجة القياسات، أو أن تكون المركبة الحقلية مزودة بتجهيزات أخرى لمعالجة أشكال مختلفة من المعطيات المرجعية.
تطبيقات الاستشعار عن بعد
(الشكل 16) صورة فضائية والخرائط الجيولوجية التي أعدت منها |
يوفر الاستشعار عن بعد الإطار الشمولي الأول لأي مشروع ذي بعد إقليمي أو معايير استراتيجية، وذلك من التطبيقات الواسعة للاستشعار عن بعد في المجالات المختلفة. وفيما يلي استعراض لبعض هذه المجالات التي يطبق فيها الاستشعار عن بعد بفعالية ونجاح.
مجال الجيولوجية والتنقيب عن النفط والغاز:يمكن بوساطة الاستشعار عن بعد وضع الخرائط الشمولية الدقيقة لمناطق التنقيب التي تُظهر صور السواتل، المؤشرات الأولية للتوضعات المعدنية والنفطية فيها، ويدرس هنا ما يسمى بالطبقية أو البنيوية الخطية التي توضح معالم السَّحنة (الهيئة) الجيولوجية لمنطقة الدراسة، وتوفر المقارنة بينها وبين مناطق تعدينية أخرى معروفة. وتظهر الصور الفضائية رموزاً خاصة تشير على نحو شبه مؤكد إلى وجود مادة خام معينة.
أما التنقيب عن النفط فهو يشمل مساحات واسعة كانت الشركات تحتاج في أثنائه إلى آلاف الصور الجوية الملتقطة من الطائرات، مما يسبب مصاعب جمة ويتطلب وقتاً طويلاً ومن ثم تكاليف باهظة. وتشير الصور الفضائية إلى مناطق الأمل النفطية (في الأحواض الرسوبية والاتجاهات البنيوية والفوالق وغيرها) مما يمكن عن طريقها توجيه أعمال التنقيب. وأجهزة الاستشعار التي تحملها السواتل تمكن من تحديد نسب المعادن في الصخور كالحديد وغيره، وتساعد في مجالاتها الطيفية المتعددة على استشكاف الخامات المعدنية المختلفة كالمعادن الملونة واللاتريت والبوكسيت والكبريت والفوسفات وغيرها (الشكل 16).
مجال الهدرولوجية: يمكن بالاستشعار عن بعد تحديد مواقع المياه الجوفية ودراسة مصادر المياه السطحية وتوجيه استغلالها في الري والاستعمالات الأخرى. ويمكن عن طريق تحديد القسمات والمظاهر الخطية تحديد أماكن وجود المياه. وكمية المياه في الثلوج المتراكمة ودراسة مدى تأثيرها في تغذية مصادر المياه الجوفية، كما يمكن بالتصوير الحراري تحديد مواقع تسرب المياه العذبة إلى البحر اعتماداً على الفروق الحرارية بين المياه العذبة والمياه الملحة؛ وباستخدام التصوير الراداري يمكن استكشاف شبكات التصريف والجريان تحت السطحية، وخاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة التي تسودها الترب الرملية (الشكل 17).
(الشكل 17) صورة فضائية محللة بهدف بيان القسمات الخطية (يمين) وشبكة التصريف الصحي (يسار) |
مجال الزراعة ودراسات الأراضي: الاستشعار عن بعد أداة فعالة ومفيدة في الدراسات الزراعية بمختلف مجالاتها. فاعتماداً على هذه التقانة يمكن وضع خرائط تصنيف الأراضي واستعمالاتها المختلفة ومراقبة التغيرات التي تطرأ عليها، كما يمكن وضع خرائط مسح التربة، ومراقبة المحاصيل الزراعية، وكشف الآفات التي تصيبها وحصر مساحاتها، والتقدير الكمي لغلالها قبل موسم الحصاد، كذلك يمكن رصد التصحر والجفاف والفيضانات وتدهور الغابات ومراقبة حرائقها، وإدارة الأراضي الرعوية، وتوجيه خطة الرعي فيها (الشكل 18).
(الشكل 18) صورة فضائية وخريطة تصنيف التربة التي أعدت منها |
مجال التخطيط الإقليمي والتنظيم العمراني: يمكن عن طريق تحليل المعطيات الاستشعارية وتفسيرها مراقبة التطور العمراني والإقليمي وتحديد جهات التوسع في المدن، وهذا يساعد على تنظيم شبكات المرافق العامة الكبيرة وتخطيطها والتوسع فيها وخاصة شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء. كذلك يمكن وضع الخرائط الضرورية للتخطيط المدني والعمراني كخرائط الجيولوجية الهندسية واستعمالات الأراضي العمرانية وصلاحية الأراضي للاستخدامات المختلفة، واختيار مواقع المنشآت العامة والمناطق الصناعية بالتكامل مع التخطيط الإقليمي، وبما يتناسب وخطط التنمية الشاملة.
(الشكل 19)صورة فضائية تبين التلوث في بحيرة قطينة ـ محافظة حمص ـ سورية |
(الشكل 20) صورة تحققٍ أرضي تُظهر الطحالب والأشنيات النامية في المناطق الملوثة في بحيرة قطينة |
مجال الأرصاد الجوية وتلوث البيئة والكوارث الطبيعية: لقد أصبح من المألوف استخدام صور السواتلالمخصصة للأرصاد الجوية في التنبؤ بأحوال الطقس. وصار من الممكن مراقبة حركة الرياح والأعاصير والأمطار، والتنبؤ المبكر بها، مما ينعكس إيجابياً على الحياة العامة ويمكن من اتخاذ الإجراءات الوقائية لمواجهة الكوارث الطبيعية.
وقد أصبحت المعلومات السريعة التي يوفرها الاستشعار عن بعد ذات أهمية حيوية لكثير من البلدان، وخاصة مايتعلق بالاندفاعات البركانية، وتحديد المناطق المعرضة للهزات الأرضية. وكذلك التنبؤ بنشاط الجراد الصحراوي وتحديد أماكن الغزو والتراجع لهذه الآفة الزراعية التي تسبب كوارث حقيقية في المناطق التي تتعرض لها.
أما فيما يتعلق بتلوث البيئة، فقد أصبحت المعطيات الاستشعارية مصدراً للمعلومات لايمكن الاستغناء عنه عند مراقبة التغيرات البيئية وتحديد المناطق الملوثة وبؤر التلوث وخاصة مايتعلق بطبقة الأوزون وتلوث المسطحات المائية وانتشار الجفاف، ومراقبة الانفجارات النووية.
مجال حفظ الطاقة وترشيد استهلاكها: تساعد أجهزة قياس الأشعة الحرارية التي تستخدم في الاستشعار عن بعد في الحصول على المقطع الحراري لمناطق السكن والعمران والنشاط السياحي والصناعي، إذ يمكن بها دراسة كميات الطاقة المفقودة في أماكن التجمع هذه ويعرف مدى سلامة العزل الحراري للأبنية إذ يمكن على أساس تحليل معطيات استشعار الحرارة اتخاذ الإجراءات اللازمة لزيادة العزل الحراري للأبنية واختيار أكثر المواد اللازمة لهذا العزل بما يتناسب مع الأحوال البيئية السائدة.
مجالات أخرى: إن تطبيقات الاستشعار عن بعد لاتقف عند حدود المجالات المذكورة سابقاً، بل تتعداها إلى مجالات أخرى في مختلف نواحي الحياة، إذ يمكن عن طريق الصور الفضائية الاستدلال على أماكن الآثار المطمورة بمتابعة الشواذ اللونية الناتجة من الاختلافات التي تسببها هذه الآثار في قوام التربة ورطوبتها وتغيرات الغطاء النباتي. كما يمكن اكتشاف التيارات الباردة والدافئة داخل المحيطات ومراقبتها واتجاه حركتها، ومراقبة التجمعات السمكية وتوجيه أساطيل الصيد إليها، حتى أن هذه التقنية أصبحت تستخدم في الطب، وخاصة فيما يتعلق بالأوبئة المرتبطة بأحوال بيئة معينة تساعد على تكاثر الطفيليات أو الحشرات الناقلة وانتشارها.