علم الأرصاد الجوية meteorology هو بالتحديد «علم الظواهر الجوية»، أو «علم الأنواء»، ويمكن القول إنه علم فيزياء الجو، لاهتمامه بدراسة فيزيائية الجو وحركيته وكيمياويته، وما يتولد عن ذلك من أنماط وأشكال مختلفة من الحالات الجوية المترددة على هذا المكان أو ذاك في زمن معين.
وقديماً حدد أرسطو عام 350 ق.م في كتابه «ميتيورولوجيكا» Meteorologica مجال اهتمام هذا العلم بدراسة الظواهر الجوية وتبدلاتها التي تؤثر في حياة النبات والحيوان بعد الإنسان، والتي تتم في نطاق الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية.
وإذا كان غلاف الأرض الجوي يمتد حتى قرابة 1000كم، فإن علم الأرصاد الجوية لم يبلغ في معالجته العلمية ذلك المستوى الشاسع، وإنما اقتصر على الجزء من ذلك الغلاف الذي تترك فيه الظواهر الجوية آثارها على سطح الأرض بوجه مباشر أو غير مباشر. على أن تحليق بعض السواتل الصنعية الرصدية قد تم فوق ارتفاعات عالية وقدم الكثير من المعلومات عن الأجزاء العليا من الغلاف الجوي. وقد تطور ذلك الجزء الذي يوليه علم الأرصاد الجوية اهتمامه مع تطور وسائل رصد الأجزاء العليا من الجو وطرائقه، والكشف عن العلاقات بين ما يجري من ظواهر جوية عند السطح، وما يحدث من حركات جوية في الأجزاء المرتفعة، ولا سيما في طبقة الستراتوسفير، وما يحدث من تغيرات في كيمياوية تلك الطبقة وما فوقها. ذلك أن 0.9 من كتلة الجو تتركز في الكيلومترات الستة عشر الأولى القريبة إلى سطح الأرض، في حين يتركز 0.99 من كتلة الجو دون 35كم.
وهكذا يتبين أن المجال الذي يحظى باهتمام علم الأرصاد يكاد يتحدد بطبقتي التروبوسفير والستراتوسفير (سماكة 55كم تقريباً)، وخاصة طبقة التروبوسفير (السطح 12 كم وسطياً).
ولا يتوقف علم الأرصاد الجوية عند إظهار حركية الجو وخصائصه الفيزيائية والكيمياوية، بل يتعدى ذلك إلى الكشف عن أنماط الجو وظواهره المتكررة في الزمان والمكان، وتحديد قيمها، وتفسير آلية نشأتها وتطورها، وتقدير ما ستؤول إليه الأحوال الجوية في المستقبل، فالتنبؤ الجوي اليوم جزء أساسي من اهتمامات علم الأرصاد الجوية. ولا يمكن عزل هذا العلم عن المناحي الحياتية المختلفة على سطح الأرض، لما تؤدي إليه أحوال الجو الآنية (الطقس) من تأثيرات مباشرة في النبات والحيوان والإنسان.
ولهذا كله انتشر فوق سطح الأرض الكثير من محطات الرصد الجوي المتنوعة الأغراض التي تقوم بقياسات لمختلف عناصر الطقس: درجة الحرارة والرطوبة، والضغط الجوي والرياح والتهطال والتغطية بالسحب وأنواعها والرؤية والتبخر وغيرها.
أقسام علم الأرصاد الجوية ومجالاته
إن مجالات علم الأرصاد الجوية واسعة ومتشعبة. ويؤلف كل مجال من مجالاته فرعاً من فروع هذا العلم، ويمكن تمييز خمسة أقسام رئيسة لهذا العلم، هي الآتية:
علم الأرصاد الجوية الطبيعي: يُعنى علم الأرصاد الجوية الطبيعي physical meteorology بدراسة الجو وتركيبه، وانتقال الإشعاع الكهرمغنطيسي والأمواج الصوتية في الجو، وإظهار العمليات الطبيعية التي تتدخل في تشكل السحب وتطورها، وحدوث التهطال وآليته والظواهر الكهربائية الجوية، وما يتعلق بمسائل أخرى خاصة بفيزياء الجو وكيمياويته.
علم الأرصاد الشمولي(الإجمالي): ويهتم علم الأرصاد الشمولي synoptic meteorology بدراسة الحركات الجوية وتحليلها بمقاييس كبيرة، بغية تحديد سلوك الجو، وللتنبؤ بالتطورات المقبلة في الأحوال الجوية. والتنبؤات الجوية من الاهتمامات الرئيسة لهذا العلم الذي تعود بداية ظهوره إلى منتصف القرن التاسع عشر، وتعزز موقعه منذ أوائل الخمسينيات من القرن العشرين لازدياد كثافة محطات الرصد الشمولية (السينوبتية) ولاستخدام تقنيات متطورة في سبر الجو رأسياً، وفي تبادل المعلومات وتحليلها، وغير ذلك.
علم الأرصاد الدينامي (التحريكي): يهتم علم الأرصاد الدينامي dynamic meteorology بدراسة العمليات الترمودينامية الأساسية التي تحدد حركات الهواء، والظواهر الناتجة عنها، كما يدرس النماذج العددية لإظهار العمليات الجوية، والتنبؤ العددي عن الطقس الذي تطور منذ أواخر الأربعينات من القرن العشرين، ويشمل هذا العلم الحركات الجوية من مختلف المقاييس، ومن ذلك الأنظمة الصغيرة المقياس والمتوسطة. ولقد تضاءلت اليوم الفروق بين علمي الأرصاد الشمولي والدينامي، لازدياد استخدام علم الأرصاد الشمولي القوانين الناظمة لحركة الجو واعتماده كثيراً على المنهج التحليلي.
علم الأرصاد المكروي: يهتم علم الأرصاد المكروي micrometeorology بدراسة الجزء الأسفل من الجو القريب إلى سطح الأرض، من مستوى ذلك السطح حتى ارتفاع بضعة أمتار.
علم الأرصاد التطبيقي: يهتم علم الأرصاد التطبيقي applied meteorology بدراسة الآثار الناتجة من فعل الظواهر الجوية المتعددة في الجوانب البيئية المختلفة، وتقديم الخدمات الممكنة بغية الحد والتخفيف قدر الإمكان من الآثار السلبية للظواهر الجوية، مما جعل لهذا العلم عدة فروع منها: الأرصاد الجوية الزراعية والأرصاد الجوية للملاحة الجوية، والأرصاد الجوية للملاحة البحرية، والأرصاد الجوية العسكرية، والأرصاد الجوية الطبية وغيرها.
تاريخ علم الأرصاد الجوية
مع أن السجلات القديمة أعطت بعض الملامح عن معرفة الجو وأحواله، كما جاء في بعض أشعار الإغريق وكتابات العهد القديم، وما عثر عليه أيضاً في بلاد ما بين النهرين، فإن مفهوم الطقس weather لم تتضح معالمه العلمية إلا في القرن الخامس قبل الميلاد، إذ أعد هيرودت Herodote عام 440ق.م كتاباً بعنوان «تاريخ الطقس والرياح الموسمية»، يذكر فيه أن إعصاراً مصحوباً بوابل مر على طيبة بمصر فدمر الكثير من مبانيها. ويعد كتاب أبقراط Hippocrate عام 400 ق.م بعنوان «الهواء، الماء، والمكان» أول كتاب يصف أحوال الجو.ويعتقد أن أول كتاب في الأرصاد الجوية هو كتاب أرسطو السابق ذكره. وقد أتيح للدولة الإسلامية في أوج ازدهارها معرفة الكثير عن الأحوال الجوية في المناطق المختلفة، وظهر عدد من العلماء الذين تطرقوا إلى ذلك (المسعودي والبيروني وابن خلدون وإخوان الصفا). كما ساعد اشتغال العرب بالتجارة البحرية في بحر العرب والمحيط الهندي على مراقبة الدورة العامة للغلاف الجوي فوق المحيط الهندي، والرياح الموسمية.
غير أن الأرصاد الجوية بوصفها علماً لم تتبلور إلا بعد أن أعدت أجهزة القياس لترصد قيم الظواهر الجوية وتغيراتها. ومن المحتمل أن تكون المجتمعات الزراعية في عصور ما قبل التاريخ قد عرفت قياس المطر بمقاييس أولية بسيطة، كما حدث في الهند في القرن الرابع قبل الميلاد. والمقياس الآخر الذي استخدم قديماً هو دوارة الرياح wind vane. وقد بقي علم الأرصاد الجوية، منذ أن وضع أرسطو كتابه حتى اختراع أجهزة القياس الأساسية يعتمد الوصف والتخمين والمقارنة أحياناً، ليصبح منذ بداية القرن السابع عشر الميلادي علماً فيزيائياً حقيقياً. ففي عام 1593 اخترع غاليليو Galileo ميزان الحرارة. وفي عام 1643 اخترع توريشلي E.Torricelli مقياس الضغط الجوي (البارومتر الزئبقي). وفي عام 1648 أوضح باسكال أن ارتفاع الزئبق في أنبوبة مقياس الضغط يتغير بحسب ارتفاع المكان عن سطح البحر. وقد مكّن هذان الاختراعان من إنشاء الكثير من المراصد الجوية في أوربة. وأعطى علم الأرصاد الجوية دفعاً إلى الأمام، العالم البريطاني روبرت بويل R.Boyle بقانونه الشهير عام 1622م، الذي أرسى الأسس الأولى لمبادئ التحريك الحراري (الترمودينامية) في دراسة الغلاف الجوي، إذْ أظهر العلاقة بين الضغط وحجم الغاز ودرجة الحرارة. وفي عام 1783 اخترع دوسوسور Horace Bénédict De Saussure مقياس الرطوبة الشعري. وبعد ذلك بنحو سبع سنوات - أي عام 1790- تم اختراع مقياس سرعة الرياح (الأنيمومتر) anemometer.
ويعد العالم الألماني دوفي Dove أول من وضع في عام 1827 مفهوم علم الأرصاد الشمولي (السينوبتي). وفي عام 1835 أثبت عالم الفيزياء الفرنسي غاسبار كوريوليس G.Coriolisرياضياً تأثير دوران الأرض في حركة الهواء، وبرهن على ذلك وأكده الأمريكي وليم فريل W.Ferrel عام 1856.
وفي عام 1820 حاول هينريش ويلهلم برانديس Heinrich Wilhelm Brandes وضع أول خريطة للطقس بتجميع الرصدات المأخوذة في أوربة ليوم 6 آذار عام 1783، غير أن فقدان الاتصالات السريعة حال دون استعمال الرصدات الآنية في مجال التنبؤ بالطقس، ولكن بعد انتشار البرق الكهرمغنطيسي عام 1848 حلت هذه المشكلة، وكان ذلك بداية لعلم الأرصاد الحديث، وظهور أسلوب جديد من الدراسة القائم على البحث عن العلاقة بين الطقس وأنماط الضغط عند مستوى سطح البحر. وفي عام1857 وضع بويزبالوت Buys Ballot قانونه الذي ينظم العلاقة بين قوة تدرج الضغط وقوة كوريوليس.
ومع أن التنبؤات بالطقس موجودة منذ أواخر القرن التاسع عشر، إلا أن معطيات رصد الطقس والتنبؤ به كانت متواضعة، إذ لم تكن قد تبلورت بعد المفاهيم الأساسية الناظمة للحركات الجوية. وفي نهاية العقد الثاني وبداية العقد الثالث من القرن العشرين حدثت تطورات كبيرة في علم الأرصاد الجوية، بتطبيق مبادئ الهيدروديناميك في تحليل مصورات الطقس من قبل النروجي بيركنز Wilhelm Bjerkens وزملائه سولبرغ Solberg وبيرجيرون Bergeron وجاكوب بيركنز J.Bjerkness الذين طوروا نظرية الجبهة القطبية لتشكل المنخفضات الجوية في العروض الجغرافية الوسطى، وبذلك تكون الخطوط العامة لأسس علم الأرصاد الدينامي قد توضحت، لتصبح التنبؤات الجوية أكثر دقة من ذي قبل مع استمرار الاعتماد على الحركات الجوية السطحية. وفي عام 1922 تمت أولى محاولات استخدام التنبؤ العددي بالطقس من قبل البريطاني ريتشاردسون L.Richardson غير أن النتائج لم تكن مشجعة لكنها كانت بداية خطوة أعطت ثمارها عند دخول الحاسوب مجال الأرصاد الجوية. وفي الأربعينات وأوائل الخمسينات برزت مجموعة من علماء الأرصاد الجوية، منهم عالم الأرصاد السويدي الشهير روسبي Rossby، وزميله بالمين E.Palmen إذ وضع كل منهما نموذجاً لنظام الحركة الجوية العامة.
التطورات الحديثة في علم الأرصاد الجوية
تبلورت في منتصف القرن العشرين معظم الأسس النظرية والتجريبية لعلم الأرصاد الجوية بفروعه المختلفة. وقبل منتصف الثلاثينات من القرن العشرين كانت معرفة الأحوال الجوية في الأجزاء العليا من الجو محدودة، لعدم توافر الوسائل الممكنة لسبر تلك الأجزاء، والتي لم تكن تتعدى في البداية بعض الطائرات الورقية (1890- 1925) والطائرات العادية بعد عام 1925، والبالونات (المناطيد العادية) منذ عام 1892. وقد أحدث دخول المسبار اللاسلكي «الراديو سوند» radiosonde منذ عام 1937 عالم سبر الجو رأسياً وقياس درجة الحرارة والرطوبة والضغط الجوي وتحديد اتجاه الرياح وسرعتها، ثورةً في علم الأرصاد الجوية، إذ مكن العلماء من معرفة الأحوال الجوية السائدة في كل سوية من سويات الجو حتى علوٍ يقارب 35كم. وقد أسهم جهاز الرادار أيضاً إسهاماً فعالاً في دراسة الكثير من الظواهر الجوية، وتحديد وجهتها وحركاتها. ومع أن الطيران النفاث منذ دخوله الأجواء العالمية في الخمسينات من القرن العشرين، قد قدم معلومات وفيرة عن الجو وأحواله لسماكة تزيد على عشرة كيلومترات، وكذلك الحال في صواريخ الطقس التي فاقت في ارتفاعها (25- 48كم) مستوى المسبار اللاسلكي، فإنه كان لدخول السواتل مجال الأرصاد الجوية الدور الأكبر في معرفة خصائص أكبر ثخانة من جو الأرض (تراوح بين 700كم للسواتل الدائرة الطولانية أو ما يعرف بالسواتل القطبية polar satellites، و36 ألف كم للسواتل شبه الثابتة geostationary satellites).
ويعد الساتل الرصدي الأمريكي تيروس -1، Tiros-1 الذي أطلق في الأول من شهر نيسان عام 1960 أول ساتل لخدمة الأرصاد الجوية، تلاه بعد ذلك سلسلة من سواتل الرصد الأمريكية (تيروس Tiros ونيمبوس Nimbus وإيسا Essa ونُوى Nooa وجويس Goes)، والسوفييتية (كوزموس وميتيور وغومس GOMS) وغيرها من السواتل، بينها الأوربي (ميتيوسات Meteosat) والياباني (ج.م.س GMS). ومن التقنيات الحديثة التي أدت إلى تطور علم الأرصاد الجوية، ولا سيما في مجال التنبؤ الجوي، الحاسوب. كذلك ساعد ازدياد كثافة شبكة محطات الرصد الجوي في العالم وتطور وسائل الاتصال وتبادل المعلومات، على إعطاء دفع للتنبؤات الجوية، وتوفير مزيد من معرفة الجو وأحواله.
وكان للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (W.M.O) التابعة للأمم المتحدة، والتي مقرها مدينة جنيف (سويسرة) فضل كبير في التطورات الحديثة في مجال الأرصاد الجوية، ودورها المهم في تنسيق عمليات الرصد الجوي، وشبكات محطات الرصد في العالم وتطوير بحوث مجال الأرصاد الجوية والأسس الرياضية والفيزيائية الناظمة للحركات الجوية واختبارها.
وعمليات التنبؤ الجوي والتوسع في الدراسات التطبيقية لعلم الأرصاد الجوية، وتطوير مراكز الأرصاد الجوية، وتدريب عناصرها الفنية، وتسهيل عمليات تبادل المعلومات الرصدية.
علاقة علم الأرصاد الجوية بالعلوم الأخرى
يرتبط علم الأرصاد الجوية ارتباطاً وثيقاً بعلم الفيزياء، وله علاقة بالكيمياء، وبالعلوم الرياضية والإحصائية لما تقوم به القوانين الرياضية الأساسية من دور في تطوير مفاهيم علم الأرصاد الجوية. وإذا كان علم المناخ أحد فروع علم الأرصاد الجوية - بحسب رأي بعض العلماء لأنه لهما بداية واحدة اعتماداً على الوصف والمقارنة - فإن تقدم وسائل القياس وتطور المفاهيم النظرية الناظمة للحركات الجوية، أتاح لعلم الأرصاد الجوية أن يركز على الخصائص العامة للجو اعتماداً على ما تقدمه القياسات السطحية والعلوية لمختلف عناصر الطقس، وعلى القوانين الفيزيائية والرياضية التي تقود إلى تفسير آلية التغيرات الجوية، في حين أخذ علم المناخ - الذي يعد الآن أحد فروع الجغرافية الطبيعية - يركز على معالجة المعطياتالإحصائية الخاصة بعناصر المظهر الجوي، بغية تحديد درجة تردد الظواهر الجوية المختلفة،وما يتولد عنها في حالات جوية تضفي على المكان سمة مميزة.
وهذا يعني أيضاً أن لعلم الأرصاد الجوية علاقة بالجغرافية لما للعامل الجغرافي من دور في التغيرات الجوية التي تتم في جزء الغلاف الجوي القريب من سطح الأرض.
الخدمات التي يقدمها علم الأرصاد الجوية
إن للأرصاد الجوية دوراً كبيراً في مختلف الأنشطة الاقتصادية ومجالات الحياة اليومية. وكانت الزراعة أول الميادين التي استفادت من خدمات الأرصاد الجوية، ولاسيما بعد تطور التنبؤات الجوية التي جنبت الزراعة الكثير من المخاطر. كما استفادت تربية الحيوانات في البوادي والسهوب من تطور علم الأرصاد الجوية، إذ جنبت المربين الكثير من الكوارث الناتجة من بعض العوارض الجوية. ولما كان للأحوال الجوية دور مهم في تحديد مواقع الكثير من المنشآت الاقتصادية، مثل المصانع والمطارات والموانئ البحرية وخطوط نقل الطاقة والمواصلات وإقامة المنشآت المائية - كالسدود وغيرها - كان لا بد، عند إقامة أي منشأة من تلك المنشآت، من الاعتماد على معطيات الأرصاد الجوية بغية توفير الشروط الملائمة لتلك المنشأة وللتخفيف ما أمكن من آثارها السلبية على البيئة. وتهدف خدمات الأرصاد الجوية إلى تمكين الإنسان من استغلال الكثير من مصادر البيئة الطبيعية، وتوليد الطاقة الكهربائية من أحد عناصر الطقس (الرياح)، وتوفير القياسات الكافية لكمية الطاقة الشمسية الواصلة إلى بقاع الأرض، مما يُمَكّن من استغلال الطاقة في مجالات مختلفة.
يضاف إلى ما تقدم خدمات الأرصاد الجوية في مجالات النقل المختلفة. كما أسهمت الأرصاد الجوية في تجنيب الإنسان الكثير من الويلات، ولا سيما في المناطق التي تقع في طريق الأعاصير الجوية العنيفة، ولا يمكن أن ينسى دور الأرصاد الجوية في الأعمال الحربية.
تأثير الإنسان في الطقس
لقد كان الجو، بتقلبات أحواله في الزمان والمكان،آخر ما استطاع الإنسان التأثير فيه من عناصر البيئة الطبيعية من دون أن يتمكن من تبديل أي مكون من مكوناته إلى الدرجة التي يترتب عليها تغير في ظواهر الطقس. ولكن منذ الربع الثاني من القرن العشرين، ومع فهم الإنسان الكامل لطبيعة القوانين الناظمة لحركات الجو، ومع إحاطته الشاملة بآلية الظواهر الجوية وطبيعتها، وبدخول التقنيات الحديثة عالم الأرصاد الجوية ازداد فهم الإنسان لما يجري في أجواء الأرض القريبة إلى السطح والبعيدة عنه نسبياً، وحاول توجيه بعض الظواهر الجوية لما فيه خيره، بالحد من أخطارها وتجنب آثارها، أو تعديلها بما يتلائم مع مصالحه.
ولقد استطاع الإنسان الحد من أخطار الصقيع بمكافحته بوسائل متعددة وساعدته في ذلك التنبؤات الجوية. كما حدَّ الإنسان من تأثير الرياح في المزروعات المختلفة بإقامته مصدات الرياح، وتمكن من خفض الفاقد المائي بالتبخر والنتح من التربة والنباتات والتقليل من كمية المياه المتبخرة من المسطحات المائية بنشر بعض المواد الكيمياوية فوق سطحها.
وقد جرت محاولات كثيرة لتبديد الضباب الكثيف الدافئ والبارد، وذلك بدفع هواء حار في منطقة الضباب الدافئ وإحداث دوامات فيها، أو بنثر نوى التجمد في الضباب البارد.
كما تمكن الإنسان من استدرار السحب، بتسريع نمو مكوناتها وهطولها ببذرها بنوى تكاثف مسترطبة (ملح بحري وغيره) في حال السحب الدافئة، أو ببذرها بنوى التجمد (كربون جاف، أيود فضة) في حال السحب الباردة. ولا شك في أن المحاولات والتجارب الكثيرة التي قام بها الإنسان في سبيل كبح جماح الأعاصير المدارية والحد من أخطارها، حققت نجاحاً ملموساً، وخففت من طاقتها ومن آثارها التدميرية.
ومع أن محاولات الإنسان جميعها لم تبدل جذرياً من الأوضاع الجوية الكبرى السائدة، إلا أنها في بعض المجالات المحددة أدت إلى إحداث تغير ملموس في الأحوال الجوية السائدة ومن ذلك مثلاً الاستخدام المكثف للبيوت البلاستيكية في المزارع وأجهزة التكييف في المنازل إضافة إلى تأثير الإنسان السلبي المتمثل في ازدياد نسبة الملوثات الكيمياوية وغيرها في أجواء بعض الأمكنة. ولاسيما في المدن الكبرى، والمناطق الصناعية، وازدياد حالات تشكل «الضبخان» «smog» (أي الضباب والدخان) واستمراريته فوق المدن الكبرى، مع ما يرافق ذلك من تأثيرات خطرة في صحة الإنسان.