Search - للبحث فى مقالات الموقع

Friday, January 21, 2011

البصمة الوراثية أو بصمة الدنا - Genetic (DNA) fingerprint




البصمة الوراثية (أو بصمة الدنا) genetic (DNA) fingerprint هي تقانة حديثة لمقارنة تسلسلات معينة من الحمض الريبي النووي المنقوص الأكسجين (الدنا) DNA في عينات بيولوجية بغية تحقيق أهداف معينة مثل تحديد الأبوة أو في بعض مجالات الطب الشرعي وغيرها.
لا يختلف التركيب الكيميائي الأساسي في النوكليوتيدات للحمض المذكور بين الأفراد، والفرق الوحيد بينها هو في ترتيب أزواج القواعد الآزوتية فيها. ولما كان كل فرد يمتلك ملايين من أزواج القواعد في الدنا الخاص به، أدَّاه إلى امتلاكه نمطاً وراثياً مميزاً له.
استخدم هذه التقانة للمرة الأولى  أليك جيفريز Alec Jeffereys عام 1984 في بريطانية بعد أن لاحظ متتاليات معينة في الدنا، لا تسهم بالضرورة في وظيفة المورثة، ولكنها تتكرر ضمنها وضمن مورثات أخرى. وأشار من ثم إلى أن كل فرد يمتلك نموذجاً فريداً من هذه المتتاليات، إلا الأفراد الناتجة من بويضة مخصبة zygote  واحدة، كالتوائم الحقيقية أو الصنوية. ويمكن من ثم استخدام المتتاليات المذكورة لتحديد الهوية الوراثية للفرد، أي ما يسمى بصمته الوراثية.
يمكن صنع البصمة الوراثية من كميات ضئيلة جداً من النسج أو الخلايا، مثل الدم والسائل المنوي والشعر والجلد وغيرها. ولإجراء ذلك تستخدم إنزيمات معينة تدعى إنزيمات التقييدrestriction enzymes لقطع الدنا في مواقع محددة، فالإنزيم المسمى EcoR1 مثلاً يقطع الدنا عند تتالي القواعد الآزوتية GAATTC فقط. ومن ثم تفرز قطع الدنا بحسب مقاديرها باستخدام هلامgel خاص، كالمعمول من الأغاروز agarose مثلاً وتطبيق الرحلان الكهربائي Electrophoresis، ثم تفصل سلسلتا الدنا بعضها عن بعض باستخدام الحرارة أو معاملات كيميائية. تنقل قطع الدنا بعد ذلك إلى قطعة من النايلون، ثم يضاف إليها مسبارات مشعة (هي قطع من الدنا  الصنعي المشع) لتلتصق مع أجزاء منها، ويعرض بعد ذلك فيلم أشعة سينية x-rays لها فينتج خط قاتم في كل موقع التصق به المسبار المشع، محددة بالتالي بصمة وراثية على هيئة خطوط داكنة متتالية (تشبه الموجودة على الرموز الخطية المسجلة على أغلفة المنتجات المختلفة)، ومن ثم يستطيع خبراء هذه التقانة تحليلها، وذلك بمقارنة 10 إلى 20 خطاً بين العينات. وقد أوضحت دراسات عدة أن درجة احتمال مطابقة خط واحد في شخصين لا يمتان بعضهما إلى بعض بصلة القربى تبلغ واحد من أربع أي 0.25. وعلى هذا فإن درجة احتمال تطابق خطين اثنين تبلغ (0.25)2= 0.0625 أي 1 من 16، ودرجة احتمال تطابق خمسة عشر خطاً لا تزيد على 1 من 1073741824 ،
استخدامات البصمة الوراثية
استخدمت البصمة الوراثية  في بادئ الأمر لتحري بعض الأمراض الوراثية. ولأنها غير قابلة للتحوير (على عكس بصمات الأصابع التي يمكن تغييرها جراحياً)، فسرعان ما صارت وسيلة مهمة في التحريات الجنائية والطب الشرعي، وقد صدر أول حكم جنائي أثبت فيه ارتكاب أحد الأشخاص لإحدى الجرائم باستخدام هذه التقانة عام 1988 في الولايات المتحدة الأمريكية. وأسس مكتب التحقيقات الفيديرالي FBI  الأمريكي قاعدة معلومات وراثية محتوية معلومات عن دنا مجرمين مدانين وعينات أخرى جمعت من أماكن  بعض الجرائم. وجُمع في منتصف عام 1998 نحو320 ألف عينة من الدنا في بريطانية للربط بين 28000 شخص مع مواقع جرائم متعددة، واستخدم نحو ضعف هذا العدد من العينات لإثبات براءة أناس آخرين.
تستخدم البصمة الوراثية أيضاً لتحديد الأبوة أو الأمومة لطفل ما، وهي أدق بكثير من استخدام الزمر الدموية لهذا الغرض، كما تستخدم أيضا لتحديد العلاقات بين الأفراد كالنزاعات في إثبات الجنسية وأمور التبني.
يمكن استخدام هذه التقانة أيضاً في تحديد شخصيات أفراد أحياء أو أموات، فقد استخدمت للتأكد من هوية جندي من قتلى حرب فييتنام، وفي التأكد من كون السائل المنوي المتبقي على ثوب إحدى النساء عائداً إلى رئيس أمريكي سابق، كما استخدمت في تحديد البنوة غير الشرعية لبعض نسل الرئيس الأمريكي الأسبق توماس جيفرسون. ويستخدم في تحديد بعض الأمراض الوراثية، حيث يمكن بدراسة البصمات الوراثية لمجموعة من الأقارب، ظهر فيهم مرض وراثي، أو بمقارنة مجموعات من الناس المصابين بالمرض أو غير المصابين به، تحديد نماذج الدنا المرتبطة بالمرض وطرق توارثه، ولربما يمكن استخدام هذه المعلومات في المستقبل القريب لتطوير علاج جيني له.
ولهذه التقانة استخدامات مفيدة أخرى منها، على سبيل المثال، استخدامها لتحديد السلالات البكتيرية المختلفة، مثل السلالة المميتة المسماة  0157: H7 من البكتيريا المعوية E.coli، وهي سلالة تسبب المرض في نحو 20000 شخص، وموت بضع مئات منهم في الولايات المتحدة الأمريكية سنوياً.
اعتراضات على البصمة الوراثية
قد يكون استعمال تسمية «البصمة الوراثية» غير دقيق إذا قصد بها أنها نموذج فريد ومؤكد لشخص ما، ذلك لأن النموذج المتحصل عليه باستخدامها هو تعبير عن مستوى معين من الاحتمال بأن يكون الشخص المعني هو الشخص المراد تحديده. وقد يكون هذا الاحتمال مرتفعاً جداً (مثلاً 1 من 20 بليون) فيؤكد الافتراض المدروس (بشأن متهم أو شرعية بنوة، على سبيل المثال). أما إذا كان الاحتمال المتحصل عليه منخفضاً (1 من 20 مثلاً) فإنه لا يمكن تأكيد ذلك الافتراض.
ومن جهة أخرى، فإن احتمال حدوث تلوث في العينة المدروسة (مهما كان ضئيلاً)، أو حدوث أخطاء تقنية في أثناء إعداد البصمة الوراثية، أو في قراءتها وتفسيرها، يؤدي إلى إنقاص مصداقيتها. أضف إلى ذلك خشية بعضهم من احتمال إساءة استخدام المعلومات المحفوظة في بنوك معلومات الدنا والبصمات الوراثية لأغراض غير قانونية.



في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من6.2 بليون شخص في هذا العالم فإنه من النادر أن تجد اثنين متماثلين تماما في نمطهم الجيني وبالتالي النمط الظاهري إلا في حالة التوأم وحيد الزيجوت (التوأم المتشابه),وبسرعة يتنامى إلى الذهن كيف يحصل هذا الكم الهائل من الصفات الظاهرية والمختلفة في البشر؟ وسيصبح واضحا بعد قليل أن خلف هذا الكم الهائل من الصفات عدد كبير من الجينات التي تتحكم في هذه الصفات ,ويقدر عدد الجينات في الإنسان بمائة ألف جين ولا يقتصر عمل هذه الجينات على التحكم في الصفات الظاهرية كلون العين والشعر والجلد والطول بل هي مسؤولة أيضا عن تخليق البروتينات المكونة لجسم الإنسان والتي تتحكم أيضا في عملياته الحيوية.

والجينات محمولة على 46 صبغياً (كروموسوم) وهي موجودة في نواة كل خلية من خلايا الجسم ما عدا خلايا الدم الحمراء, وكذلك فإن الخلايا الجنسية؛ الحيوان المنوي في الذكر والبويضة في الأنثى – تحوي نصف هذا العدد من الصبغيات – فالحيوان المنوي يحتوي على 22 صبغيا جسدياً  وصبغيًا واحدًا جنسيًا  وهو إما صبغي (إكس) أو (واي), أما البويضة فتحوي 22 صبغيا جسديًا وصبغيًا جنسيًا «إكس» ويتكون الكائن الحي من اتحاد الحيوان المنوي الذكري مع البويضة الأنثوية لتكوين الزيجوت الذي يحوي 46 صبغيا, وكل صبغي جسدي (لا جنسي) في الحيوان المنوي له ما يماثله في البويضة؛ أي أن الزيجوت يحتوي على 22 زوجا من الصبغيات الجسدية المتماثلة وصبغي «إكس» و «واي» في الذكر أو «إكس» و «إكس» في الأنثى وكل زوج من الصبغيات الجسدية متماثل في شكله وكذلك في نوع  الجينات التي يحملها. أي أن كل خلية تحوي نسختين من كل جين, نسخة على كل صبغي من الصبغيين المتماثلين وكل نسخة تسمى «أليل(شكل 1) ويمكن أن يكون الأليلان لجين معين متشابهين أي يعملان بصورة متماثلة فتكون الخلايا متماثلة الألائل  لهذا الجين أو متباينة الألائل  إذا كانا مختلفين في عملهما كأن يكون أحدهما سليمًا والآخر أصيب بطفرة نتج عنه نتاج مختلف أو معطوب, وتعريف الأليل هام جدا لأنه سوف تبنى عليه فيما بعد أسس تحديد البصمة الوراثية. وتتكون الصبغيات من خيطين لولبيين من الحمض النووي (دنا ) (متحدا مع أنواع معينة من البروتينات تساعده على التكثف داخل النواة, وكل خيط من الخيطين يتكون من سلسلة من الوحدات الأساسية وهي النوويدات  مرتبطة ببعضها وكل نوويدة مكونة من قاعدة نيتروجينية إما ادينين أو جوانين أو ثايمين أو سايتيوزين متحدة مع سكر ريبوزي لا أكسجيني ومجموعة فوسفات (شكل 2) وخيطا (الدنا) مرتبطان مع بعضهما بروابط هيدروجينية وفي الخيطين يرتبط الأدينين مع الثايمين, والسايتوزين مع الجوانين ليعطيا زوج قواعد أو زوج نوويدان.

ويحوي جين  الإنسان أي الصبغيات ما مجموعه 6×10 أس 9 زوجا من النوويدات بطول حوالي مترين, ولا بد لنا هنا من وقفة مع عظمة الخالق في تصور وجود خيط طوله متران من الـ (دنا) هو طول الصبغيات الـ 46 داخل نواة خلية قطرها 0.000006 مليون من المتر وتقوم هذه الخيوط بالتكثف أثناء انقسام الخلية وتظهر كصبغيات متميزة يمكن رؤيتها بالمجهر الضوئي ومن ثم بعد الانقسام تستطيل إلى خيوط غير مرئية ويمكن لنا الآن تعريف الجين على أنه جزء من خيط الـ (دنا) في الصبغي أو سلسلة من سياق نوويدات وأن هذا السياق له وظيفة معينة ويمكن بذلك للصبغي أن يحوي آلاف الجينات, ويختلف عدد الجينات على كل صبغي حسب طول الصبغي ويقدر عدد الجينات في الإنسان بمائة ألف جين, وهذه الجينات كافية لأن يتنامى الزيجوت (البويضة الملقحة) إلى شخص بالغ وللقيام بالعمليات الحيوية اللازمة للإعاشة, وكما تقدم فإن كل إنسان يحمل 46 صبغيا بها نفس الجينات الموجودة في أي إنسان إذن فما الذي يجعلنا مختلفين؟ السبب هو أننا حقيقة جميعا نحمل نُسخًا لنفس الجينات, ولكن هذه النسخ تأخذ أشكالا مختلفة, كأن يكون أحدها يعمل بطريقة سليمة والآخر معطوب، أو بدرجة أقل كفاءة أو أن يعطي ناتجا مختلفاً وكما عرفنا سابقا أن الأشكال المختلفة لنفس الجينات تسمى آلائل وأن هذه الأشكال المختلفة لنفس الجين والتي تتولد نتيجة تغيرات في سياق (دنا) الجين يكون نتاجها مختلفًا وبالتالي تولد أنماطا ظاهرية مختلفة, وهذا ما يفرقنا ويميزنا عن بعضنا البعض, فمثلا إذا أخذنا الجين المسؤول عن تكوين إنظيم معين, فطبيعي أن يوجد منه نسختان (أليلان) نسخة على كل صبغي من الصبغيين المتماثلين ويمكن أن يكون أحد الأليلين طبيعيا فيولد أنظيما طبيعيا والآخر أصيب بطفرة فيولد أنظيما غير طبيعي أو أقل فعالية.

وربما تسبب الطفرة خللاً في الجين تمنعه من تكوين الأنظيم على الإطلاق, ونفس الشيء يمكن أن يقال عن اختلاف الطول ولون العيون والشعر, فالشخص الذي تعمل الألائل المسؤولة فيه عن الطول بشكل طبيعي يكون أطول ما يمكن وإذا كان أحدها غير فعال فإن الطول يقل ويزداد الشخص في القصر مع ازدياد الألائل غير الفعالة, مع ملاحظة أن هذه الصفات يتحكم في كل واحدة منها أكثر من (جين) فالطول يتحكم فيه 10 جينات أو أكثر أي 20 أليلاً ولون الجلد 4 جينات أو ثمانية ألائل وبالتالي يكون الاختلاف نتيجة لاختلاف الألائل المتحكمة في هذه الصفة وبالتالي فإن الاختلاف في شكل الجين يتولد عنه اختلاف في الصفات الظاهرية أو العملية, وتعدد الألائل يسمى تعدد الأشكال الجينية   وأوضح مثال على تعدد الألائل لنفس الجين هو جين الزمر الدموية  فهذه عبارة عن مستضدات على غشاء الخلايا الدموية الحمراء والمسؤول عنها جين واحد وهذا الجين يمكن أن يوجد في البشرية على ثلاث هيئات (ثلاث ألائل) إحداها وهذا الأليل يولد مستضد  من مستضد  والآخر أليل  يولد المستضد  والصورة الثالثة  وهذا الأليل لا يستطيع أن يولد أي مستضد وهذه الألائل لنفس الجين تتولد نتيجة طفرة جينية في نسق نوويدات خيط الـ (دنا) فيمكن أن تنتج طفرة نتيجة استبدال نوويدة أو أكثر بأخرى ليولد أليلا جديدا أو نتيجة إدخال أو إخراج نوويدة أو أكثر في خيط الـ (دنا) أو نتيجة انقلاب شدفة الـ (دنا) أو انتقالها من مكانها إلى صبغي آخر أو غياب شدفة معينة حاملة لجين أو أكثر وبالتالي ينتج عن هذه ألائل مختلفة لنفس الجين ربما تعطي نتاجا أقل فعالية من نتاج الجين (الأليل) الطبيعي أو غير فعال أو ربما لا تعطي أي نتاج, وينتج عن ذلك اختلاف في النمط الظاهري للشخص أو خلل وظيفي إذا كان الجين مسؤولاً عن توليد أنظيم أو هرمون معين.

ويجب أن لا يفهم أن كل طفرة ينتج عنها حالة مرضية لأن أكثر الطفرات تكون صامتة لا يظهر لها أي تأثير ولا نعرف بوجودها لأنها تقع في أماكن في الجين لا تشكل منطقة حساسة لنتاجه, ويمكن أن يكون الاختلاف بين ألائل الجين الواحد بسيطًا جدا نتيجة تغيير نوويدة واحدة, أو كبيرًا جدًّا كتغير في عدد سياق الدنا التكراري وبالتالي فإن اختلاف الناس في صفة معينة هو تلقائي لاختلاف الجين الذي يتحكم في هذه الصفة وتواجده على أنماط مختلفةوهذه التعددية في سياق (دنا) الجينات بين الناس هو الأساس في ظهور تقنيات البصمة الوراثية  أو بصمة الـ (دنا) أو نمط الـ (دنا) أو النمط الجيني وجميعها تعني نفس الشيء ألا وهو نمط سياق الـ (دنا) المميز لكل شخص بحيث يمكن أن يفرد عن غيره, وما دمنا جميعا نحمل نفس الجينات فإنه من الطبيعي لتمييز فرد عن آخر البحث عن أشكال جينات, أو بمعنى أصح ألائل لهذا الشخص موجودة عنده ومختلفة أو غير موجودة عند الآخرين..

وهذا ما قاد العلماء إلى البحث في الـ (دنا) على مناطق تكون عالية التغيير وبالتالي تحوي العديد من الألائل بحيث إنه يوجد بين السكان ألائل عديدة, وقلما يوجد شخصان يحملان نفس الألائل في البشرية كلها إلا في التوائم المتشابهة, هذا وقد نجح العلماء في إيجاد هذه المناطق المنشودة والعالية التغيير وتحديد أماكنها على الصبغيات, فكما ذكرنا أن في الإنسان حوالي 100.000 جين, وهذه الجينات تمثل جزءاً فقط من طول الصبغيات حيث أن الحمض النووي (دنا) الموجود في الصبغيات يكفي لعمل 2-5 مليون جين ولكن 3-5% فقط من هذا الـ (دنا) يشارك في عمل المائة ألف جين وباقي الـ (دنا) (95%) له دور في تنظيم عمل الجينات والصبغيات أثناء الانقسام النووي المباشر وغير المباشر للخلية وجزء كبير منه هو دنا تكراري, أي يتكرر من وحدات متكررة  وكل وحدة تكرارية عبارة عن سياق نوويدات حوالي 10 – 60 وبعض هذا التسلسل يتكرر من 100 إلى 100.000 مرة أي أنه يوجد من هذا التسلسل 100 إلى 100.000 نسخة ويسمى هذا دنا متوسط التكرر  وهناك سياق يتكرر مليون مرة وهذا يعرف بـ «دنا» عالي التكرر  ويعرف هذا السياق المتكرر أيضا باسم المناطق مفرطة التغيير  أو (دنا) تابع صغري  أو تكرر ترادفي متغير العدد  وكما ذكر فإن فرط التغير هو نتيجة التغير في عدد الوحدات التكررية (شكل 3)

 وكل اختلاف في عدد الوحدات التكررية ينتج عنه أليل جديد وكلما زاد عدد الوحدات التكررية ازداد بالتالي عدد الألائل لهذا الموضع, وهناك موضع عرف باسم D2S44 له أكثر من 70 أليلاً في  البشرية ويوجد مئات بل آلاف من المناطق مفرطة التغيير منتشرة في عدة مواضع على الصبغيات وتوجد على الأخص على الذراع الطويل للصبغي رقم 1،9،12، وعلى طول صبغي «واي», والسؤال عن الكيفية التي يتم فيها التعرف على نمط هذه الألائل في شخص ما, وبالتالي تمييزه عن الآخرين, والذي يمثل في حد ذاته الأساس للبصمة الجينية أو الوراثية أو هوية الـ (دنا) لكل شخص, والجواب بأن ذلك يتم عن طريق تقطيع خيوط الـ (دنا) لشخص ما إلى شدفات صغيرة ذات أطوال مختلفة ويتم ذلك بواسطة أنظيم حصري  له القدرة على قطع الـ (دنا) في مواضع محددة فقط يمكنه التعرف عليها وهذه المواضع عبارة عن سياق من النوويدات تتراوح بين 3 - 6 نوويدات ويوجد العديد من هذه الأنظيمات يفوق عددها 200 أنظيم وكل منها له سياق (دنا) ثابت يتعرف عليه ويقطع عنده كلما وجده في خيط الدنا, وبالتالي يولد الملايين من شدفات الدنا مختلفة الأطوال ويمكن فصل هذه الشدفات بناء على أطوالها على هلامة بواسطة الرحلان الكهربائي, وتأتي بعد ذلك المهمة الأصعب؛ ألا وهو التعرف على شدفات الـ (دنا) التي تحوي الألائل المراد دراستها وهي بين الملايين من الشدفات والبحث عنها كمن يبحث عن إبرة في كومة قش ولكن تقنيات ماشوب الـ (دنا)  قد سهلت الأمر حيث يتم استخدام تقنية تعرف بنشاف سذرن  وبدون الدخول في تفاصيل هذه التقنية فإنه يستخدم مسبار مشعع  هو عبارة عن شدفة دنا صغيرة لها سياق نوويدات متممة للنوويدات في الجين أو الـ (دنا) المراد التعرف عليه, وبالتالي فإن المسبار كلما وجد شدفة (دنا) لها سياق متمم له اتحد معها, وبما أن المسبار مشعع فإن شدفة الدنا التي تحوي الجين أو السياق المطلوب تصبح مشععة وبالتالي يمكن وبسهولة التعرف على الشدفات التي تحوي الجين المطلوب دراسته إذ يمكن رؤية هذه الشدفات بتعريض شدفات الدنا المفصولة إلى فيلم أشعة حيث يولد الجين أو الشدفة المشععة شريطًا أسود على الفيلم عند تظهيره (شكل 4)

وبالتالي تعمل البصمة الوراثية باستخدام مسبار مشعع طوله حوالي 10 - 15 نوويدة, ولهذا المسبار سياق متمم في المتكررات الترادفية في موضع واحد  أو أكثر  وكلما درست متكررات ترادفية في مواضع مختلفة على طول الصبغيات, كلما زاد عدد شدفات الـ (دنا) أو الألائل المشاركة في عمل البصمة الوراثية وبالتالي كانت البصمة أكثر تحديدا ودقة, فإذا ما عرفنا أن نسبة تطابق نمط شدفة واحدة أو أليل بين شخصين في العالم هو 1/25 فإن دراسة نمط (دنا) به عشر شدفات أو ألائل يعطي احتمال تطابق هذه الشدفات لشخصين لا علاقة قرابة بينهما هو (1/25) أس 10 أو شخص في كل 10.48.576 شخص أي أن احتمال تطابق نمط الشدفات العشر مع شخص آخر هو واحد في المليون تقريبا, وإذا ما درسنا نمط دنا به 18 شدفة فيصبح احتمال وجود شخصين لهما نفس النمط هو (0.25) أس 18 أو 1× 68.719.475.200 أو 1× 86 بليون تقريبا, وإذا ما عرفنا أن عدد سكان العالم هو 6.2 بليون فإن احتمال أن يتطابق نمطي (دنا) لشخصين غريبين عن بعضهما، هو احتمال معدوم, وإن هذا النمط هو نمط مميز للشخص الذي أخذ منه الـ (دنا), ويمكن عمل البصمة الوراثية على (دنا) من أي خلية من خلايا الجسم ما عدا خلايا الدم الحمراء حيث لا يوجد بها «دنا» كأن يؤخذ من جذع الشعر , خلايا الدم البيضاء المني  وجميعها تعطي نفس النمط الجيني أو البصمة الوراثية للشخص الواحد, وتستخدم البصمة الوراثية في مجالات عديدة منها الطب الشرعي حيث يمكن الفصل في جرائم القتل والاعتداء الجنسي, حيث يصبح من المؤكد التعرف على صاحب البصمة إذا ما تطابقت بصمة (دنا) منهم مع بصمة الـ (دنا) التي تم العثور عليها من آثار الجريمة كأن تكون نقطة دم أو سائل منوي أو شعر المجرم وهنا لا بد من ذكر أنه مهما كانت كمية الخلايا المتوفرة في مسرح الجريمة ولو نقطة واحدة من الدم أو السائل المنوي فإنه يمكن إكثار الـ (دنا) المتوفرة فيها عن طريق تقنية تعرف باسم (تفاعل البوليميريز التكرري  ليعطينا كمية من الـ (دنا) كافية لإجراء جميع الدراسات اللازمة.

إلى جانب هذا فإن البصمة الوراثية يمكن استخدامها في إثبات البنوة حيث لا بد من تطابق ألائل الطفل مع ألائل الأب والأم حيث إن نمط الـ (دنا) للطفل هو مركب مشترك من نمط (دنا) الأم ونمط (دنا) الأب, فجميع شدفات الدنا الموجودة في نمط الطفل حصل عليها من أبيه وأمه ولا بد أن يكون في الأب الحقيقي ما يماثل ألائل الطفل «شكل 5» 
هذا إلى جانب التطبيقات العديدة في الطب كالتعرف على الطفرات الجينية وعلاقتها بظهور أمراض معينة أو ضرورة وجود أليل معين في حالات نقل الأعضاء وكذلك للتعرف على الكائنات الممرضة هذا إلى جانب التطبيقات الأخرى في مجالات الثروة الحيوانية والزراعة

النواحى الشرعيه 
كان موضوع (البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها) من أهم الموضوعات التي
 ناقشها أعضاء المجمع الفقهي في دورته السادسة عشرة التي انعقدت في مقر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من 21 ـ 26 شوال 1422هـ، بعد أن قرر مجلس المجمع في دورته السابقة المنعقدة في شهر رجب 1419هـ تشكيل لجنة مكونة من عدد من العلماء المتخصصين لاستكمال دراسة الأبحاث والدراسات والمستجدات المتعلقة بالموضوع، وتقديم النتائج والتوصيات المناسبة في الدورة القادمة.


  وقد تقدم العلماء المكلفون في هذه الدورة بعدد من البحوث القيمة في هذا المجال، وكان المتحدثون في الجلسة الصباحية حول الموضوع كل من الدكتور وهبة الزحيلي متناولاً بحثه المقدم للمجمع (البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها) والدكتور عمر بن محمد السبيّل ـــ يرحمه الله ـــ الذي عرض ملخصًا لبحثه الذي تقدم به (البصمة الوراثية ومدى مشروعية استخدامها في النسب والجناية)، وشارك الدكتور نجم عبدالله عبدالواحد ببحث (البصمة الوراثية وتأثيرها على النسب إثباتًا أو نفيًا).


  وتحدث في الاجتماع نخبة من العلماء المشاركين في الجلسة منهم الدكتور سعد الدين الهلالي، والشيخ عبدالله بن بيه، والدكتور محمد الصديق الضرير وآخرون غيرهم، كما شاهد أعضاء المجلس عرضًا مرئيٌّا يظهر ماهية البصمـة الوراثيـة وكيفية عملها ومجالات استخدامها تقدّم به الرائد ناهض بن عقـلا الناهض رئيس قسم الفحوص الوراثية في الأمن العام بوزارة الداخلية.


  وتم في الجلسة الخاصة للعلماء تدارس قضايا الاستفادة من البصمة الوراثية وحدود الاعتماد عليها في المجال الجنائي وقضايا إثبات النسب، والعديد من الجوانب الحيوية في الموضوع، وقد خرج المجلس في جلسته الختامية بالقرارات الآتية في مجال البصمة الوراثية:


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:


   فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من 21 ـ 26/10/1422هـ الذي يوافقه من 5 ـ 10/1/2002م، وبعد النظر إلى التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورته الخامسة عشرة، ونصه: (البصمة الوراثية هي البُنية الجينية (نسبة إلى الجينات، أي المورثات) التي تدل على هوية كل إنسان بعينه، وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة، لتسهيل مهمة الطب الشرعي، ويمكن أخذها من أي خلية (بشرية) مـن الدم، أو اللعاب، أو المني، أو البول، أو غيره) ـ وبعد الاطلاع على ما اشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشرة بإعداده من خلال إجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمة الوراثية، والاطلاع على البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء والأطباء والخبراء، والاستماع إلى المناقشات التي دارت حوله.


  تبين من ذلك كله أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهما، وفي إسناد العينة (من الدم أو المني أو اللعاب) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها، فهي أقوى بكثير من القيافة العادية (التي هي إثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الأصل والفرع)، وأن الخطأ في البصمة الوراثية ليس واردًا من حيث هي، وإنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث ونحو ذلك، وبناء على ما سبق قرر ما يأتي:


أولاً: لا مانع شرعًا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص، لخبر:(ادرأوا الحدود بالشبهات)، وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع، ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة.


ثانيًا: إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لا بد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية، ولذلك لا بد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية.


ثالثًا: لا يجوز شرعًا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان.


رابعًا: لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعًا، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصونًا لأنسابهم.


خامسًا: يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:


أ ـ   حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.


ب ـ حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.


ج ـ حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.


سادسًا: لا يجوز بيع الجينوم البشري لجنس، أو لشعب، أو لفرد، لأي غرض، كما لا تجوز هبتها لأي جهة، لما يترتب على بيعها أو هبتها من مفاسد.


سابعاً: يوصي المجمع بما يأتي:


أ ـ   أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء، وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة، وأن تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص، لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى.


ب ـ تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة، يشترك فيها المتخصصون الشرعيون، والأطباء، والإداريون، وتكون مهمتها الإشراف على نتائج البصمة الوراثية، واعتماد نتائجها.


ج ـ أن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش، ومنع التلوث وكل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية، حتى تكون النتائج مطابقة للواقع، وأن يتم التأكد من دقة المختبرات، وأن يكون عدد المورثات (الجينات المستعملة للفحص) بالقدر الذي يراه المختصون ضروريٌّا دفعًا للشك. والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:

1. Kirby, L.T. (1990) DNA Finger Printing Stockton Press New York 


2. Sudbery, p.(1998) Human Molecular Genetics. Addision We sley Longman Limited, England. 

3. Ad Hoc Committee on individual identification by DNA analysis. The American Society of Human Genetics (1990) Am. J.Human, Genetics. 46:631-634. 

4. Lincoln, P.J. (1997) Criticismos and concerns regarding DNA profiling. Forensic science International. 88,23-31. 

5. http://www2.perkin-elmer.com. 80/f0/773201/773201. html.0