Search - للبحث فى مقالات الموقع

Tuesday, January 25, 2011

القدريه

فإن القدرية هم نفاة القدر، الذين يقولون: لا قدر والأمر أنف، أي مستأنف، وهذا ‏نفي لعلم الله تعالى السابق، واعتقاد أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.‏وهذا قول بين الضلال، وهو كفر بالله تعالى، و سميت القدرية بهذا الاسم لأنهم نفوا القدر، فنُسبوا إِلَى الشيء الذي نفوه
نشأه القدريه


والذي أظهره في البصرة هو معبد الجهني ، وفي دمشق رجل يدعى غيلان الدمشقي 

أما غيلان فإنه يبدو أنه أخذها عن أهل الكتاب -فإنه كَانَ في دمشق نصارى- ويقَالَ: إنه تتلمذ عَلَى يد أحد الرهبان يدعى يوحنا النصراني -وهذا في أيام بني أمية- وقال عنه الذهبي : ضال مسكين أخذ هذه البدعة -إنكار القدر- من يوحنا ، وأما معبد الجهني فإنه كَانَ بـالبصرة ، وكانت أول بلاد الإسلام ظهوراً للبدع؛ لأنها تقع في أقرب نقطة إِلَى الفرس وبلاد الهند ، وهذه الدول لها فلسفات وأديان وعقائد موروثة، فلما اختطت البصرة وسكنها الْمُسْلِمُونَ من قبائل بني تميم وأشباهها -ممن تأخر دخولهم في الإسلام وبعضهم ارتد عن الإسلام بعد وفاة النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عاد فيه، كَانَ فيها بعض أصحاب النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم الذين أشاعوا فيها النور والخير؛ لكن مع ذلك فيها هَؤُلاءِ الذين أسلموا حديثاً من الفرس والهنود، ولديهم بقايا من موروثاتهم ومعتقداتهم. 

 فظهرت في البصرة أول البدع، من ذلك بدعة الغلو في العبادة، والزهد إِلَى حد التصوف، وبدعة إنكار القدر،  وفي أول صحيح مسلم أن رجلين من التابعين أتيا إِلَى ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُما- وقالا له: إن قوماً عندنا بـالبصرة قد أظهروا إنكار القدر، فغضب ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من ذلك غضباً شديداً، وقَالَ: بلغوهم أنني منهم براء، وأنهم مني براء،    ثُمَّ ذكر الحديث عن أبيه عمربن الخطاب وهو حديث جبريل المعروف. 
وأما عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- فإنه لما بلغه قول من أنكر القدر -وكان قد كبر وكف بصره- قَالَ: قربوه مني فوالله لئن أمكنني الله منه لأدقن عنقه، ثُمَّ أَخبر أن هَؤُلاءِ مجوس مُشْرِكُونَ، وأنهم والله سينكرون الخير كما أنكروا الشر،    يعني: كما أنكروا نسبة الشر إِلَى الله فسوف يأتي عليهم يوم ينكرون أيضاً الخير، فيكونون مجوساً، ويعلنون الشرك، كما أن إليات نساء دوس ستضطرب عَلَى ذي الخلصة ، فكما سيقع الشرك في الألوهية والعبودية، فسوف يقع شرك هَؤُلاءِ في القدر، هكذا قال ابن عباس -رضي الله عنهما- فيما رواه اللالكائي
فالقول بالقدر ظهر في أواخر حياة الصحابة -وعبد الله بن عمر وابن عباس من صغار الصحابة- وقد ورد تسميتهم بمجوس هذه الأمة في عدة أحاديث مرفوعة، وكثير من العلماء يرجح أنها موقوفة عَلَى  ابن عباس وغيره، وسيأتي تفصيله -إن شاء الله-. . 
ثانياً:  إنما سميت القدرية بهذا الاسم لأنهم نفوا القدر، فنُسبوا إِلَى الشيء الذي نفوه. 
 وقد جَاءَ رجل من الأعراب فيه ذكاء وذهن وقاد إِلَى عمرو بن عبيد ، وكان المعتزلة يعظمونه ويقولون: هذا يضرب به المثل في العبادة والزهد في الدنيا والتقشف والتقلل؛ لكنه كَانَ عَلَى عقيدة منحرفة لا تغني ولا تنفع صاحبها أبداً، مثل أحبار اليهود والنَّصارَى، يتعبدون ويخشعون ولكن لا ينفعهم ذلك، فالأعرابي -مسكين من أهل البصرة - سرقت ناقته فلم يجدها فاحتار، فَقَالُوا: اذهب إِلَى هذا الولي العابد الزاهد، واطلب منه أن يدعو الله ليرد لك ناقتك، فذهب إِلَى عمرو بن عبيد وشكا إليه الحال، وقَالَ: إن الناقة قد سرقت، وإني أرجو أن تدعوا الله أن يرد إلي الناقة، فرفع عمرو بن عبيد يديه وقَالَ: اللهم إنك لم ترد أن تسرق ناقة هذا الأعرابي، اللهم فارددها عليه! فَقَالَ الأعرابي: لا حاجة لي في دعائك!! ما دام أنه أراد أن لا تسرق فسرقت، فأخشى أن يريد أن ترجع فلا ترجع. 
 فمذهب المعتزلة : أن الخير ينسب إِلَى الله، والشر يخلقه ويفعله العبد، والله تَعَالَى لم يرد وقوعه، وتطور هذا المذهب إِلَى أن صار مذهب عامة المعتزلة وفرقهم عَلَى اختلافها. 
سبق في موضوع التمثيل والتشبيه أن الشيعة كانوا مشبهة ، ثُمَّ غَلب عليهم التعطيل لما دخلوا في مذهب الاعتزال واعتنقوه. 
وذكرنا السبب الذي جعل الشيعة يصبحون معتزلة وقدرية ، فـالشيعة الزيدية والشيعة الغلاة الرافضة كلهم يجمعهم أنهم عَلَى مذهب الاعتزال في القدر. 
وشَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ رد عَلَى الشيعة بكتاب منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية لأن الذي سمى نفسه بـالمطهر ألف كتاب منهاج الكرامة وقَالَ: إن مذهبنا -مذهب القدرية - إنما أخذه عمرو بن عبيد ، وواصل بن عطاء عن أبي هاشم أخي الحسن بن مُحَمَّد بن عَلَى بن أبي طالب الذي يسمى مُحَمَّد بن الحنفية ، وهو ابن لـعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِب ، ولكن ليس من فاطمة -رضي الله عنهم أجمعين- وأمه من بني حنيفة. 
فمذهبنا في نفي القدر صحيح؛ لأن واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد تتلمذا على أبي هاشم ، ولذلك رد عليهم شَيْخ الإِسْلام ابْن تَيْمِيَّةَ فقَالَ: هذا الكلام غير صحيح، فإن أبا هاشم لم يكن من المعتزلة ، والمعروف عن مُحَمَّد بن الحنفية أنه لم يكن معتزلياً، ولو أن أحداً من ذريته أثرت عنه بدعة، لما كَانَ حجة في أن تتبع ويخالف ما كَانَ عليه النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه،   لكن الشيعة اختلفوا سنداً لنفي القدر لا ينتهي إِلَى عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء الذين هم أساس الاعتزال؛ لأنه لو قيل إنهم أخذوا القدر عن معبد وغيلان وعن تلاميذهم، لكان هذا عاراً ومسبةً، فجعلوا كل علومهم وأديانهم متلقاة عن آل النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذلك أتوا بهذا السند وَقَالُوا: أخذوا عن أبي هاشم بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِب عن أبيه عن جده عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا كذب صراح؛ لأن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينكر القدر والعياذ بالله. 
 وهناك فرقة أخرى تسمى القدرية ؛ لأنها تثبت القدر إثباتاً مطلقاً، فيقولون: كل ما يفعله الإِنسَان فإن الله قد قدره عليه، والإِنسَان ليس له إرادة مطلقاً، فلا يختار الخير ولا الشر، وإنما هو كالريشة في مهب الريح، فهَؤُلاءِ يسمون القدرية للغلو في إثباته، لكن اسمهم المشهور هو الجهمية ؛ لأن أول من قال بهذه المقالة في الإسلام هو الجهم بن صفوان
 وأشهر ما يسمون به الجبرية ، وأعظم ما يستدلون به حديث احتجاج آدم وموسى عليهما السلام، وهي فكرة قديمة موروثة أخذوا يتلمسون ويبحثون لها عن حجج واهية، أو متشابه من الكتاب والسنة يفهمونها فهماً خاطئاً ثُمَّ يدعون أنها بينات. 
فهاتان الفرقتان -الذين غلو في نفي القدر، والذين غلوا في إثبات القدر- يسميان القدرية ؛ ولكن أحدهما: قدرية نفاة، والأخرى جبرية
أما من ينفي علم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالأعمال قبل أن تقع سواء كانت أعمال الخير أو أعمال الشر ويقول: إن الله لا يعلمها حتى تقع؛ فإنه كافر خارج من الملة؛ لأنه نفى صفة من صفات الله -عَزَّ وَجَلَّ- ورد إثباتها في مواضع كثيرة من القُرْآن والسنة. 
بل اللوح المحفوظ الذي ذكره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كتب فيه مقادير كل شيء، كماجاء في الحديث الصحيح: {أول ما خلق الله القلم، فَقَالَ له: اكتب. فكتب مقادير كل شيء}    وهذا كَانَ قبل أن يخلق الله السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ولذلك قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ألستم عرباً تقرؤون؟! إنما يكون النسخ من كتاب،    وهذا في قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:29] فالملائكة الذين يكتبون ما يعمله كل إنسان، يستنسخون من اللوح المحفوظ، فما يفعله الإِنسَان يأتي يَوْمَ القِيَامَةِ ويعرض عليه، ويقال له: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً، فهذا مستنسخ من اللوح المحفوظ وهو مطابق لما سيفعله. 
ونجد أن أول ما خلق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى آدم -عَلَيْهِ السَّلام- أخذ من صلبه ذريته، فكان كل منهم كالذر، وقال هَؤُلاءِ في الجنة ولا أبالي، وهَؤُلاءِ في النَّار ولا أبالي، كما سيأتينا -إن شاء الله تعالى- في شرح آية الميثاقوَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف:172]. 
وكل واحد من بني آدم عندما يكون في رحم أمه، بعد أن يأتي عليه أربعون ليلة، أو اثنتان وأربعون ليلة، أو مائة وعشرون ليلة -على اختلاف الروايات، والأرجح -والله أعلم- أن رواية الثنتين والأربعين نص في ذلك- يأتيه ملك، فيؤمر بكتب أربع كلمات، وهذا هو القدر الشخصي للإنسان، والذي كتب لما خلق الله القلم هو القدر الكوني العام، ولما خلق الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- آدم كتب قدر البشرية جميعاً، فهذا التقدير مكتوب معلوم عند الله -سبحانه تعالى- عَلَى مستوى الكون كله، وعلى مستوى العالم الإِنسَاني، وعلى مستوى الفرد البشري يعلمه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ويكتبه. 
وأما من قَالَ: إن الله يعلم ذلك، لكن لا نثبت أنه أراد ذلك؛ تنزيهاً له -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عن إرادة الشر، فهَؤُلاءِ عَلَى بدعة خطيرة وضلالة كبيرة، ولكن لا يكفرون، وإنما تقام عليهم الحجة الدامغة، فلعلهم يرجعون ويهتدون، ونجادلهم بقضية العلم، ثُمَّ نثنّي عليها بآيات الإرادة، ونبين لهم معنى الإرادة وأنها نوعان. 
وأما الجهمية الذين قالوا: إن الإِنسَان لا إرادة له مطلقاً، وأنه كالريشة في مهب الريح، فإن هَؤُلاءِ يكفرون، وقد سبق الكلام في الجهمية ومن كفرهم من العلماء مثل: وكيع ، وابن المبارك ، والإمام أَحْمَد ، وسفيان بن عيينة ، وإسحاق بن راهويه -رضي الله عنهم أجمعين- وهي ليست من فرق الأمة الثلاث والسبعين. 
قال الإمام الطّحاويّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: 
[ولا يكون إلا ما يريد]. 
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: 
[هذا رد لقول القدرية والمعتزلة ، فإنهم زعموا أن الله أراد الإيمان من النَّاس كلهم، والكافر أراد الكفر، وقولهم فاسد مردود لمخالفته الكتاب والسنة، والمعقول الصحيح، وهي مسألة القدر المشهورة، وسيأتي لها زيادة بيان -إن شاء الله تعالى-. 
وسُموا قدرية لإنكارهم القدر، وكذلك تسمى الجبرية المحتجون بالقدر قدرية أيضاً، والتسمية عَلَى الطائفة الأولى أغلب. 
أما أهل السنة ، فيقولون: إن الله وإن كَانَ أراد المعاصي قدراً، فهو لا يحبها ولا يرضاها، ولا يأمر بها، بل يبغضها، ويسخطها، ويكرهها، وينهى عنها، وهذا قول السلف قاطبة، فيقولون: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولهذا اتفق الفقهاء عَلَى أن الحالف لو قَالَ: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، لم يحنث إذا لم يفعله، وإن كَانَ واجباً أو مستحباً، ولو قَالَ: إن أحبّ الله، حنث إذا كَانَ واجباً أو مستحباً. والمحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان: 
إرادة قدرية كونية خلقية، وإرادة دينية أمرية شرعية، فالإرادة الشرعية: هي المتضمنة للمحبة والرضى. والكونية: هي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث. 
وهذا كقوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125] وقوله تَعَالَى عن نوح عَلَيْهِ السَّلام: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ [هود:34] وقوله تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253] وأما الإرادة الدينية الشرعية الأمرية، فكقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185] وقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النساء:26] وقوله تعالى: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً [النساء:27، 28] وقوله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6] وقوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب:33]، فهذه الإرادة هي المذكورة في مثل قول النَّاس لمن يفعل القبائح: هذا يفعل ما لا يريده الله، أي: لا يحبه ولا يرضاه ولا يأمر به. 
وأما الإرادة الكونية، فهي الإرادة المذكورة في قول الْمُسْلِمِينَ: ما شاء الله كان، وما لم يشاء لم يكن. والفرق ثابت بين إرادة المريد أن يفعل، وبين إرادته من غيره أن يفعل. فإذا أراد الفاعل أن يفعل فعلاً فهذه الإرادة المعلقة بفعله، وإذا أراد من غيره أن يفعل فعلاً، فهذه الإرادة لفعل الغير، وكلا النوعين معقول للناس، والأمر يستلزم الإرادة الثانية دون الأولى، فالله تَعَالَى إذا أمر العباد بأمر، فقد يريد إعانة المأمور عَلَى ما أمر به، وقد لا يريد ذلك، وإن كَانَ مريداً منه فعله] ا.هـ 
الشرح: 
 قول الطّحاويّ رَحِمَهُ اللهُ: [ولا يكون إلا ما يريد] هذا رد عَلَى القدرية والمعتزلة ؛ فإنهم زعموا أن الله أراد الإيمان من النَّاس كلهم، والكافر أراد الكفر. 
فغلبت إرادة الكافر إرادة الله -والعياذ بالله- عَلَى مقتضى كلامهم؛ ولهذا يقولون: إن الكافر يخلق فعل نفسه، وأما الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فلا يخلق فعل الكافر ولا معصية العاصي، ويقولون: ننزه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ونجله عن ذلك. 
وهذا مردود بالكتاب والسنة -كما بينا -  وأما أهل السنة فيقولون: إن الله وإن كَانَ يريد المعاصي قدراً، فهو لا يحبها ولا يرضاها؛ لأن الإرادة الكونية أمر مقضي مكتوب قبل أن تخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وأما الإرادة الشرعية فإنها تأتي بعد ذلك في حق الإِنسَان، فمثلاً: لما بعث الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الأَنْبِيَاء أتى كل نبي يأمر قومه بما يريده الله شرعاً وأمراً من الإيمان به وتوحيده -جل شأنه- أو الكفر بالطاغوت والانتهاء عن المعاصي، فكل من يبلغه كلام الله يقتضي منه ذلك، وهو فعل مأمور أو ترك محظور، فإن هذه هي إرادة الله الشرعية، يريد منه شرعاً أن يصلي، ويريد منه شرعاً أن ينتهي عن الزنا أو الربا أو الخمر أو غير ذلك، أما الإرادة الكونية فأمرٌ قد أمضاه الله عَزَّ وَجَلَّ، وجفت به الأقلام، وجرت به المقادير، كما جَاءَ في الحديث. 
وأما احتجاج الْمُشْرِكِينَ بقدر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة الأنعام: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:148-149] وقال الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- في سورة النحل: وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل:35] وقال في سورة الزخرف: وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الزخرف:20] وفي سورة يس: قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يس:47]. 
فالمهم هي هذه المواضع الثلاثة الأولى التي احتج بها المُشْرِكُونَ عَلَى شركهم بالقدر. 
فكان الرد عليهم من القُرْآن الذي فيه البيان الشافي والجواب الكافي لكل شبهة إِلَى أن تقوم الساعة، كما قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: " ما من شبهة إِلَى أن تقوم الساعة إلا وجوابها في القرآن"   . 
فأجاب الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَى الذين يحتجون بالقدر من الْمُشْرِكِينَ، أو من عصاة هذه الأمة، ويقولون: إن الله قد قدر علينا المعاصي!! 
فهذا الكلام قد قاله أمم من قبلهم -وهو الاحتجاج بالقدر- فكفار قريش قالوا: نَحْنُ نحتج عَلَى مُحَمَّد بأنه لو كَانَ الله لا يرضى أن نعبد هذه الأصنام فكيف شاء ذلك؟ فلو شاء الله ما أشركنا؛ لكن نَحْنُ نعبدها لأنه شاء ذلك، فَقَالَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الأنعام:148] ثُمَّ طالبهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالحجة، وذكر أنه قد بين جل شأنه الحجة، وأن حجته الأمرية الشرعية لا يمكن أن تتفق مع كونه رضي بذلك الشيء وأقره. 
فقَالَ: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا [الأنعام:148]، وقال جل شأنه: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149]، وقال جل شأنه: وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:7]  فلو أن المشيئة هي الرضا لهداكم أجمعين، فلو شاء لهداكم أجمعين، وخلقكم أمة واحدة مؤمنة، لكن من حكمة الله أن خلقكم فمنكم كافر، ومنكم مؤمن، وهذا فيه حكم عظيمة جداً منها: بعث الرسل، واصطفاء عباد الله المؤمنين، وإذلال الكافرين، وليكون الإِنسَان الذي كرمه الله تَعَالَى عَلَى جميع المخلوقات حر الإرادة، يختار هذا الطريق أو ضده، ومنها: أن يكون للجنة أهل، وللنار أهل.
 فالاحتجاج بالمشيئة والإرادة قد أجاب الله عنه في سورة النحل، فَقَالَ جل شأنه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] فجعل الإِنسَان مختاراً وأقام الحجة عليه، فيا سُبْحانَ اللَّه! كيف تقولون: إن الله تَعَالَى راض عن شركنا، وأنه يريد لنا الشرك، وهو يقول: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]   ولو قيل كيف يهدي أناساً ويضل آخرين، قال الله: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36]. 
فالله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يوفق للهداية من شاء تفضلاً بعد أن تقوم الحجة، ويحجب هذه الهداية عمن شاء بعد أن تقوم عليه الحجة، فما كفر كافر إلا باختيار منه بعد قيام الحجة عليه من الأنبياء، وهو يتحمل عاقبة وجزاء هذا الاختيار، وما آمن مؤمن إلا بفضل من الله عَزَّ وَجَلَّ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [يونس:100] فهذا فضل وتكرم من الله -عَزَّ وَجَلَّ-  ومن كمال عدله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنه أوجب عَلَى نفسه أن لا يعذبهم حتى يبعث فيهم رسولاً: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165].  
الاحكام فى القدريه

فإن القدرية هم نفاة القدر، الذين يقولون: لا قدر والأمر أنف، أي مستأنف، وهذا ‏نفي لعلم الله تعالى السابق، واعتقاد أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.‏
وهذا قول بين الضلال، وهو كفر بالله تعالى، وتكذيب للمعلوم من الدين بالضرورة.‏
والمعتقد الصحيح الذي تضافرت عليه أدلة الكتاب والسنة إثبات علم الله تعالى ‏السابق، وأنه كتب مقادير الخلائق جميعاً قبل أن يخلقهم، وأنه لا يقع في كونه إلا ما ‏شاء وأراد.‏
قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر:49] ‏
وقال: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ ‏نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحديد:22]
وقال: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ ‏صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ‏كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:125) إلى غير ذلك من ‏الآيات البينات.‏
وروى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق ‏السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء". وفي الصحيحين ‏‏-وهذا لفظ مسلم - عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم: " ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار" قالوا: يا رسول الله ‏فلم نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال: " لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له" ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ ‏أَعْطَى واتقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) إلى قوله (فسنيسره للعسرى).‏
وروى أبو داود في سننه أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال لابنه: يا بني إنك لن ‏تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ‏ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول ما خلق الله القلم، ‏فقال له: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة" يا بني سمعت رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم يقول: " من مات على غير هذا فليس مني" .‏
وقد ورد في السنة أحاديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم في ذم القدرية ووصفهم بأنهم ‏مجوس هذه الأمة، وهي وإن كانت لا تخلو من مقال، إلا أن بعضها يصل إلى درجة ‏الحسن، منها: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ‏‏"القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم" رواه ‏أبو داود، ورمز له السيوطي بعلامة الصحة، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وأول ‏من قال بالقدر: معبد الجهني البصري في أواخر عهد الصحابة، وأخذ عنه غيلان ‏الدمشقي، وقد تبرأ منهم من سمع بهم من الصحابة كعبد الله بن عمر وأبي هريرة وابن ‏عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن أوفى وعقبة بن عامر الجهني وغيرهم.‏
وفي صحيح مسلم عن يحي بن يعمر قال: كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد ‏الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا ‏أحداً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فسألنا عما يقول هؤلاء في القدر، ‏فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب… فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا ‏ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر ‏أنف. قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريئ منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به ‏عبد الله بن عمر: لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن ‏بالقدر".‏
ومع إثبات أهل السنة والجماعة للقدر، فإنهم يرون للإنسان اختياراً وإرادة هي مناط ‏التكليف، والعبد وإرادته مخلوقات لله تعالى، وهذا ما أثبته القرآن الكريم وصرحت به ‏السنة النبوية، كقوله تعالى: ( لمن شاء منكم أن يستقيم) وقوله تعالى: ( فمن شاء ‏فليؤمن ومن شاء فليكفر) وقوله: ( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ) وقد سبق بيان ‏ذلك مفصلاً في عدة فتاوى، يمكنك الإطلاع عليها من خلال البحث الموضوعي: ‏العقيدة/ أركان الإيمان /الإيمان بالقدر.
ومن هذا يعلم بطلان قول من يقول إن إرادة الإنسان وقوة روحه أو قوة تركيزه أو ‏عزيمته هي وحدها المؤثرة، فإنه لا يقع في كون الله تعالى إلا ما يشاؤه، ولا يستطيع ‏العبد أن يفعل شيئاً إلا إذا أراد الله تعالى ذلك، كما في الآية السابقة ( لمن شاء منكم ‏أن يستقيم* وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) [التكوير:28،29] فأثبت ‏للعبد مشيئة، وأخبر أنها لا تؤثر ولا تنفذ إلا بعد مشيئة الله تعالى، لكن العبد فاعل ‏لفعله حقيقة، ولهذا يحاسب عليه ويجازى. ‏
وأما اشتراط اليقين لإجابة الدعاء فهو كاشتراط طيب المطعم والملبس، وكاشتراط ‏خلو الدعاء من الإثم وقطيعة الرحم، فحضور القلب ويقين الداعي بأن الله سيجبيه ‏سبب لقبول الدعاء، وهو من إحسان الظن بالله تعالى، والله عند ظن عبده به، وقد ‏سبق بيان ذلك تحت الفتوى رقم 9081
وقولهم: الدعاء لا يفيد والمفيد إنما هو اليقين أو الإرادة، خطأ واضح، فإن اليقين هنا ‏يراد به أن تتيقن أن الله سيجيب دعاءك، وهذا لا يكون إلا حيث وجد الدعاء.‏
ولا وجه لتشبيه المسلم الموحد الذي يفرد الله تعالى بالعبادة ويعتقد أنه الخالق المالك ‏الذي لا يقع في ملكه إلا ما أراد، لا وجه لتشبيه هذا المسلم بعابد الصنم.‏
وعباد الأصنام كانوا يثبتون القدر، ولكنهم كانوا يحتجون به على جواز الشرك ‏والانحراف، كما قال تعالى (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) ‏‏[الأنعام:148] والاحتجاج بالقدر على الذنوب والآثام باطل، فإن المشرك يفعل هذا ‏الباطل باختياره، لا يشعر أن أحداً يجبره عليه، فكان واجباً عليه أن يمتثل أمر ربه ‏بتوحيده وترك الإشراك به، وكل هذا في مقدوره وتحت وسعه، وتجد تفصيلاً لهذا ‏الأمر فيما سبق من الفتاوى.‏

مذهب القدرية و المعتزلة و الخوارج (جواب للعلامة عبد الله أبا بطين من الدرر السنية من الأجوبة النجدية المجلد الأول - العقائد - ص. 356-365)


سئل الشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله تعالى، عن القدرية ؟ ومذهبهم ؟ والمعتزلة ؟ ومذهبهم ؟ والخوارج ؟ ومذهبهم ؟

فأجاب رحمه الله تعالى :

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، ولا عدوان إلا على الظالمين، كالمبتدعة، والمشركين، فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث جبرايئل : بالاعتقاد الباطن، فقال : " أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الأخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " والأحاديث في إثبات القدر كثيرة جداً والقدر الذي يجب الإيمان به، على درجتين : 
الدرجة الأولى الإيمان بأن الله تعالى سبق في علمه ما يعلمه العباد، من خير وشر، وطاعة ومعصية، قبل خلقهم وإيجادهم، ومن هو منهم من أهل الجنة، ومن هو منهم من أهل النار، وأعد لهم الثواب والعقاب، جزاء لأعمالهم، قبل خلقهم وتكوينهم ؛ وأنه كتب ذلك عنده، وأحصاه ؛ وأن أعمال العباد تجري على ما سبق في علمه وكتابه .
والدرجة الثانية : الإيمان بأن الله خلق أفعال العباد كلها، من الكفر، والإيمان ،والطاعة والعصيان ؛ وشاءها منهم، فهذه الدرجة : يثبتها أهل السنة والجماعة، وينكرها جميع القدرية : يقولون : إن الله لم يخلق أفعال العباد، ولا
شاءها منهم، بل هم الذين يخلقون أفعال أنفسهم، من خير وشر، وطاعة ومعصية ؛ والدرجة الأولى : نفاها غلاة القدرية ؛ كمعبد الجهني، وعمرو بن عبيد، ونص أحمد، والشافعي : على كفر هؤلاء .
وأما من قال : إن الله لم يخلق أفعال العباد، ولم يشأها منهم، مع إقرارهم بالعلم، ففي تكفيرهم نزاع مشهور بين العلماء ؛ فحقيقة القدر، الذي فرض علينا الإيمان به : أن نعتقد أن الله سبحانه عالم ما العباد عاملون، قبل أن يوجدهم، وأنه كتب ذلك عنده، وأن أعمال العباد خيرها وشرها، مخلوقة لله، واقعة بمشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، قال الله تعالى : ( كذلك يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء ) [المدثر:31]وقال تعالى : ( ولو شاء الله ما فعلوه ) [ الأنعام : 137] ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ) [ البقرة: 253] ( ولو شاء الله ما أشركوا ) [ الأنعام : 107] فهذه الآيات، ونحوها : صريحة في أن أعمال العباد، خيرها وشرها، وضلالهم واهتدائهم، كل ذلك : صادر عن مشيئته .وقال تعالى : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) [ الشمس :7-8]، وقال تعالى : ( إن الإنسان خلق هلوعاً، إذا مسه الشر جزوعاً، وإذا مسه الخير منوعاً ) [ المعارج : 19-21] فدل ذلك على أن الله سبحانه : هو الذي جعلها فاجرة، أو تقية، وأنه خلق الإنسان هلوعاً، خلقه متصفاً بالهلع، وقال : ( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ) [ التغابن :2] ففي هذه الآية : بيان أن الله تعالى خلق المؤمن وإيمانه ،والكافر وكفره، وقد صنف البخاري - رحمه الله تعالى - كتاب خلق أفعال العباد، واستدل بهذه الآيات، أو بعضها على ذلك ؛ وفي الحديث : " أن الله خلق كل صانع وصنعته " 
وأما الأدلة : على تقدم علم الله سبحانه، بجميع الكائنات قبل إيجادها، وكتابة ذلك ؛ ومنها : السعادة، والشقاوة ؛ وبيان أهل الجنة، وأهل النار قبل أن يوجدهم، فكثيرة جداً، كقوله سبحانه : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ) [ الحديد :22] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض، بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء " وفي حديث آخر : " إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة " والأحاديث في هذا كثيرة جداً فهؤلاء الذين وصفنا قولهم : بأن الله لم يخلق أفعال العباد، ولا شاءها منهم : هم القدرية، الذين هم مجوس هذه الأمة ؛ وقابلتهم طائفة أخرى، غلوا في إثبات القدر، وهم الذين يسمون : الجبرية ؛ فقالوا : إن العبد مجبور مقهور على ما يصدر منه، لا قدرة له فيه، ولا اختيار ؛ بل هو كغصن الشجرة، الذي تحركه الريح ؛ والذي عليه أهل السنة والجماعة : الإيمان بأن أفعال العباد مخلوقة لله، صادرة عن
مشيئته : وهي أفعال لهم، وكسب لهم باختيارهم، فلذا ترتب عليها الثواب، والعقاب .

والسلف : يسمون الجبرية قدرية، لخوضهم في القدر، ولهذا ترجم الخلال في كتاب " السنة " فقال : الرد على القدرية، وقولهم إن الله جبر العباد على المعاصي، ثم روى عن بقية، قال : سألت الزبيدي، والأوزاعي عن الجبر ؟ فقال الزبيدي : أمر الله أعظم وقدرته أعظم من أن يجبر، أو يعضل ؛ ولكن يقضي ويقدر، ويخلق ويجبل عبده على ما أوجب، وقال الأوزاعي : ما أعرف للجبر أصلاً من القرآن، ولا السنة، فأهاب أن أقول ذلك ولكن القضاء والقدر والجبلة والخلق فهذا يعرف من القرآن والحديث .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله : فهذان الجوابان، اللذان ذكرهما هذان الإمامان، في عصر تابع التابعين : من أحسن الأجوبة، أما الزبيدي، فقال : ما تقدم ؛ وذلك لأن الجبر في اللغة إلزام الإنسان بغير رضاه، كما يقول الفقهاء، هل تجبر المرأة على النكاح أم لا ؟ وإذا عضلها الولي ماذا تصنع ؟ فقال : الله أعظم من أن يحبر أو يعضل، لأن الله قادر على أن يجعل العبد مختاراً، راضياً لما يفعله، مبغضاً تاركاً لما يتركه، فلا جبر على أفعاله الاختيارية، ولا عضل عما يتركه لكراهية، أو عدم إرادته.
وروي عن سفيان الثوري جبل العباد ؛ وقال الراوي عنه، وأظنه : أراد
قوله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس : " بل جبلت عليهما " فقال : الحمد لله الذي جبلنى على خلقين، يحبهما الله ؛ يعني : الحلم، والأناة، وقال المروذي للإمام أحمد إن رجلاً يقول : إن الله جبر العباد، فقال : لا نقول هكذا، وأنكر هذا وقال : ( يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء ) [ المدثر : 31] 
وأما المعتزلة : فهم الذين يقولون بالمنزلتين بين المنزلتين ؛ يعنون : أن مرتكب الكبيرة يصير في منزلة بين الكفر والإسلام ، فليس هو بمسلم، ولا كافر ؛ ويقولون : أنه يخلد في النار، ومن دخل النار لم يخرج منها بشفاعة، ولا غيرها .
وأول من أشتهر عنه ذلك : عمرو بن عبيد، وكان هو وأصحابه : يجلسون معتزلون الجماعة ؛ فيقول قتادة، وغيره : أولئك المعتزلة وهم كانوا بالبصرة بعد موت الحسن البصري، وضم المعتزلة إلى ذلك : التكذيب بالقدر ؛ ثم ضموا إلى ذلك نفي الصفات، فيثبتون الاسم دون الصفة ؛ فيقولون : عليم بلا علم ؛ سميع بلا سمع ؛ بصير بلا بصر، وهكذا سائر الصفات ؛ فهم قدرية، جهمية، وامتازوا : بالمنزلة بين المنزلتين، وخلود عصاة الموحدين في النار .
وأما الخوارج : فهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه ؛ وقبل ذلك، قتلوا عثمان رضي الله عنه ؛ وكفّروا عثمان، وعلياً، وطلحة، والزبير ،ومعاوية، وطائفتي علي ومعاوية، واستحلوا دماءهم .
 وأصل مذهبهم : الغلو الذي نهي عنه، وحذر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فكفروا من ارتكب كبيرة، وبعضهم يكفر بالصغائر ؛ وكفروا علياً وأصحابه بغير ذنب، فكفروهم بتحكيم الحكمين : عمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري ؛ وقالوا لا حكم إلا لله .
واستدلوا على قولهم : بالتكفير بالذنوب بعمومات أخطأوا فيها ؛ وذلك كقوله سبحانه : ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً ) [ الجن : 23] ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها ) [ النساء : 14 ] وقوله : ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ) الآية [ النساء : 93 ] وغير ذلك من الآيات .
وأجمع أهل السنة والجماعة : أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار إذا ماتوا على التوحيد ؛ وأن من دخل النار منهم بذنبه يخرج منها، كما تواترت بذلك الأحاديث عن النبي صلي الله عليه وسلم .
وأيضاً : فلو كان الزاني، وشارب الخمر والقاذف، والسارق، ونحوهم : كفاراً مرتدين، لكان حكمهم في الدنيا القتل، الذي هو حكم الله في المرتدين ؛ فلما حكم الله على الزاني البكر الجلد، وعلى السارق بالقطع، وعلى الشارب والقاذف بالجلد، دلنا حكم الله فيهم بذلك : أنهم لم يكفروا بهذه الذنوب، كما تزعمه الخوارج .
فإذا عرفت مذهبهم، أن أصله التكفير بالذنوب وكفّروا أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، واستحلوا قتلهم، متقربين بذلك إلى الله ! فإذا تبين لك ذلك، تبين لك : ضلال كثير من أهل هذه الأزمنة، في زعمهم : أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وأتباعه خوارج، ومذهبهم مخالف لمذهب الخوارج ؛ لأنههم يوالون جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعتقدون فضلهم على من بعدهم، ويوجبون إتباعهم، ويدعون لهم، ويضللون من قدح فيهم، أو تنقص أحداً منهم ولا يكفّرون بالذنوب، ولا يخرجون أصحابها من الإسلام ،إنما يكفّرون من أشرك بالله، أو حسّن الشرك ؛ والمشرك : كافر بالكتاب، والسنة ،والإجماع، فكيف يجعل هؤلاء مثلا أولئك ؟! .
وإنما يقول ذلك : معاند يقصد التنفير للعامة ؛ أو يقول ذلك : جاهل بمذهب الخوارج، ويقول تقليداً ؛ ولو قدرنا : أن إنساناً يقع منه جراءة، وجسرة على إطلاق الكفر، جهلا منه ؛ فلا يجوز : أن ينسب إلى جميع الطائفة، وإنما ينسب إليهم ما يقوله شيخهم، وعلماؤهم بعده، وهذا أمر ظاهر للمنصف وأما المعاند المتعصب، فلا حيلة فيه . 
إذا عرفت مذاهب : الفرق المسؤول عنها، فاعلم : أن أكثر أهل الأمصار اليوم : أشعرية، ومذهبهم في صفات الرب سبحانه وتعالى : موافق لبعض ما عليه المعتزلة الجهمية ؛
فيهم : يثبتون بعض الصفات، دون بعض، فيثبتون الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة والسمع، والبصر، والكلام وينفون ما سوى هذه الصفات، بالتأويل الباطل .
مع أنهم : وإن أثبتوا صفة الكلام، موافقة لأهل السنة، فهم في الحقيقة : نافون لها ؛ لأن الكلام عندهم، هو : المعنى فقط، ويقولون : حروف القرآن مخلوقة، لم يتكلم الله بحرف، ولا صوت ؛ فقالت لهم الجهمية : هذا هو نفس قولنا : إن كلام الله مخلوق ؛ لان المراد : الحروف، لا المعنى ؛ ومذهب السلف قاطبة : أن كلام الله غير مخلوق، وأنه تكلم بالقرآن حروفه ومعانيه، وأنه سبحانه يتكلم بصوت يسمعه من شاء .والأشعرية : لا يثبتون علو الرب فوق سماواته، واستوائه على عرشه، ويسمعون : من أثبت صفقة العلو، والاستواء على العرش : مجسماً، مشبهاً ؛ وهذا خلاف ما عليه أهل السنة، والجماعة فانهم يثبون صفة العلو الاستواء كما أخبر سبحانه بذلك عن نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تكيف، ولا تعطيل، وصرّح كثير من السلف بكفر من لم يثبت صفة العلو والاستواء، والأشاعرة وافقوا الجهمية في هذه الصفة لكن الجهمية يقولون : إنه سبحانه 
في كل مكان ؛ والحلولية، والأشعرية، يقولون : كان ولا مكان، فهو على ما كان، قبل أن يخلق المكان
والأشعرية : يوافقون أهل السنة، في رؤية المؤمنين ربهم في الجنة، ثم يقولون، معنى الرؤية : إنما هو زيادة علم يخلقه الله، في قلب الناظر ببصره، لا رؤية بالبصر، حقيقة عياناً ؛ فهم بذلك : نافون للرؤية، التي دل عليها القرآن، وتواترت بها الأحاديث عن النبي . صلى الله عليه وسلم .ومذهب الأشاعرة : أن الإيمان مجرد التصديق، ولا يدخلون فيه أعمال الجوارح ؛ قالوا : وإن سميت الأعمال في الأحاديث إيمانا فعلى المجاز، لا الحقيقة .
ومذهب أهل السنة والجماعة : إن الإيمان تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، وقد كفر جماعة من العلماء : من أخرج العمل عن الإيمان .
فإذا تحققت : ما ذكرنا، من مذهب الأشاعرة، من نفي صفات الرب سبحانه، غير السبع التي ذكرنا، ويقولون : إن الله لم يتكلم بحرف ولا صوت، وإن حروف القرآن مخلوقة، ويزعمون : أن كلام الرب سبحانه معنى واحد، وأن نفس القرآن، هو نفس التوراة والإنجيل ؛ لكن : إن عبر عنه بالعربية، فهو قرآن وان عبر عنه بالعبرانية، فهو توراة، وإن عبر عنه بالسريانية، فهو إنجيل، ولا يثبتون رؤية أهل الجنة ربهم بأبصارهم . إذا عرفت ذلك : عرفت خطأ من جعل الأشعرية من أهل السنة، كما ذكره السفاريني في بعض كلامه، ويمكن أن
أدخلهم في أهل السنة : مداراة لهم، لأنهم اليوم أكثر الناس، والأمر لهم، مع أنه قد دخل بعض المتأخرين من الحنابلة، في بعض ما هم عليه ." 
تعقيب
 إثبات الإرادة لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والفرق بين الإرادة والمشيئة، ومتعلق كل منهما، وأما موضوع الإيمان بالقدر بكامله وما يتعلق به؛ فإنه من المباحث التي تأتي -بإذن الله تعالى- في الثلث الأخير من هذا الكتاب، عند قول الطّّحاويّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: [وأصل القدر سر الله في خلقه لم يطلع عليه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخِذلان وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان.
فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة، فإن الله طوى علمه عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تَعَالَى في كتابه: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، فمن سأل لِمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كَانَ من الكافرين]. 
أولاً:  يحسن بنا أن نبدأ الحديث عن نشأة القدرية ، وما حكمهم؟ ومن هم القدرية الموجودون اليوم؟ 
فكان أصحاب النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤمنون بالقدر، وأنه من ضمن العقيدة التي يجب أن يعتقدها كل مؤمن. 
ومن ذلك حديث علي قال: {كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة قال فقال رجل يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل فقال من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة فقال اعملوا فكل ميسر أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثُمَّ قرأ قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى *وَصدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]   }. 
فبين لهم النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لا بد من العمل. 
وفي حديث صحيح آخر سأله الصحابة سؤالاً أصرح وأجلى من ذلك، {بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فيما العمل اليوم، أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، أم فيما نستقبل؟   } -أي: هذه الأعمال والطاعات والكدح في الدنيا أفي أمر قد جرت به الأقدار، وجفت به الأقلام، أم هو أمر جديد؟- فَقَالَ النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {بل فيما جفت به الأقلام، وجرت به الأقدار   }، أي: أن الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قد علمه وكتبه، ومع ذلك اعملوا؛ فإنكم لا تدرون الغيب المكنون ولا ما كتب لكم، فيجب علينا أن نعلم أن الله قد كتب كل شيء الطاعة والمعصية، وأما قبل ذلك، فإن بأيدينا حرية الاختيار، وعلم الغيب محجوب عنا، فعلينا أن نختار طريقة أهل الخير والطاعة والسعادة وأهل الحسنى، ونعمل بما أمر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فإننا إن فعلنا الخير والطاعة أو فعلنا الشر؛ فإنه يطابق ما عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كوناً وقدراً وإرادةً؛ لأنه لا يخرج عن إرادة الله سبحانه شيء.
قال تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإِنسَان:3] فهو الذي يختار أن يكون من الشاكرين أو يكون من الكافرين بمحض إرادته واختياره، والله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إنما فضل بني آدم عَلَى المخلوقات في الأرض بهذه الإرادة وهذا الاختيار، وكذلك إذا عمل بالطاعة أكرمه الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بالجزاء الأوفى، وهي الجنة ورؤيته -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وإن عمل بالمعصية عاقبه أعظم وأشد العقوبة وهي النار، بخلاف العجمي-الحيوان- يحشرها الله يَوْمَ القِيَامَةِ ويقتص لبعضها من بعض؛ حتى إنه يقتص للشاة الجلحاء -التي ليس لها قرون- من الشاة القرناء -ذات القرون- وبعد أن يفصل الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بينها يقول لها تَبَارَكَ وَتَعَالَى: كوني تراباً، وحينئذٍ يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً؛ لأنه في الدنيا اختار المعصية، فتمنى يَوْمَ القِيَامَةِ أن يكون حيواناً ليكون تراباً ولا يدخل النَّار. 
فالإِنسَان قد احتمل الأمانة وكلف بهذا الدين، وجعل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- له سبيل الاختيار، فبإمكانه أن يترقى في أعلى درجات المقربين، وبإمكانه أن يسفل إِلَى أحط درجات المبعدين المبغضين عند الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى. 


الفرق بين القدرية والجبرية
 هما متناقضان ؛الجبري يرى أنّ العباد لا اختيار لهم ولا إرادة وأنّ الفاعل لكلّ شيء هو الله ,وأنّ العبد مسلوب الإرادة والقدرة ,بينما القدري يجعل من العبد ندّاً لله ؛يعني يفعل ما يريد دون إرادة الله عزّ وجلّ ودون مشيئته والعياذ بالله ,ولهذا سمّوا مجوس هذه الأمّة !!
والجبري قد يكون أسوأ منه أحياناً لأنّه يهدم أوامر الدين ,وعقائده ,ويُخلي نفسه من المسؤولية أمام الله من كلّ جريمة يرتكبها ؛فلو زنا أو سرق أو قتل يقول: أنا معذور ,أنا مجبور ؛هذا دين هدّام أيضا!!
 فهما متناقضان ؛هؤلاء عندهم تشدد وتنطّع و أولائك فيهم إهمال وضياع .