ولد باتريس لومومبا عام 1925 في ستانليفيل (كيسانگاني) بمقاطعة
الكونغو الشرقية، وينتمي إلى قبيلة باتيليلا وهي جزء من قبيلة مونگو. وهو من أبناء النخبة الكونغولية التي حظيت بالتعليم في فترة الاستعمار البلجيكي المتحالف معه.ولكن لومومبا قاوم الاستعمار البلجيكي وأسس الحركة الوطنية عام 1958 وكانت أقوى الحركات السياسية في الكونغو. وحظي لومومبا بشعبية واسعة وقاد مظاهرات ومواجهات مع الاستعمار البلجيكي أدت إلى اعتقاله لمدة ستة أشهر، وأفرج عنه لإنجاح المفاوضات التي كانت تجري في بروكسل لبحث مستقبل الكونغو، ونقل من السجن إلىبروكسل بالطائرة، وتم الاتفاق على استقلال الكونغو وإنهاء ثمانين عاما من الاستعمار البلجيكي.أجريت انتخابات نيابية في مايو/ أيار 1960 تنافس فيها أكثر من مائة حزب، وحققت الحركة الوطنية بقيادة لومومبا انتصارا نسبيا. وحاولت بلجيكا التي كانت تدير البلاد إخفاء النتائج وإسناد الحكم إلى حليفها جوزيف إليو، ولكن الضغط الشعبي أجبرها على تكليف لومومبا بتشكيل الحكومة. وشكلت أول حكومة كونغولية منتخبة في 23 يونيو 1960 وقام ملك بلجيكا بودوان بتسليم الحكم رسميا. وحدثت أزمة سياسية أثناء حفل التسليم، فقد ألقى لومومبا خطابا أغضب البلجيكيين وسمي بخطاب "الدموع والدم والنار" تحدث فيه عن معاناة الكونغوليين وما تعرضوا له من ظلم واضطهاد. وكان الملك بودوان قد سبق لومومبا بحديث أغضب الكونغوليين واعتبروه مهينا ويفتقر إلى اللياقة.
ولم تنعم الكونغو بالاستقلال سوى أسبوعين، فقد دخلت في سلسلة من الأزمات لم تتوقف حتى اليوم. ووجدت حكومة لومومبا نفسها تواجه أزمات كبرى: تمرد عسكري في الجيش، وانفصال إقليم كتانغا أهم إقليم في الكونغو بدعم من بلجيكا، واضطرابات عمالية.وقرر لومومبا دعوة قوات الأمم المتحدة للتدخل لمساعدته على توحيدالكونغو وتحقيق الاستقرار، ولكنها تدخلت ضده. وانفض عن لومومبا عدد من حلفائه الأساسيين بدعم أميركي وبلجيكي، وساءت علاقته مع رئيس الجمهورية كازافوبو. ورغم أن منصب رئيس الجمهورية شرفي والسلطة الفعلية بيد رئيس الوزراء، فإن كازافوبو أعلن إقالة الحكومة، ولكن مجلس الشيوخ صوت بأغلبية كبيرة ضد القرار.
ثم أعلنت مقاطعة كازائي انفصالها عن الكونغو ودخولها في اتحاد مع كاتنگا. واستغل موبوتو رئيس هيئة الأركان هذه الفوضى فاستولى على السلطة عام 1961 في انقلاب عسكري هو الأول من نوعه في أفريقيا في ذلك الوقت. وألقي القبض على لومومبا واثنين من أهم رفاقه هما: نائب رئيس مجلس الشيوخ جوزيف أوكيتو، ووزير الإعلام موريس موبولو، وأعدموا على يد فصيل من الجيش البلجيكي.
ووفقا لكتاب نشر في هولندا مؤخرا ألفه لودو ديفيت بعنوان "اغتيال لومومبا"، واعتمادا على وثائق بلجيكية سرية حصل عليها المؤلف، فإن لومومبا اعتقل عام 1961 في مطار إليزابثفيل لدى هبوطه من الطائرة على يد درك كتانغا بقيادة خصمه تشومبي المتحالف مع موبوتو، وكان ستة جنود سويديين تابعين لقوات الأمم المتحدة حاضرين لحظة الاعتقال.
ونقل لومومبا ورفاقه إلى سجن بلجيكي في سيارة جيب يقودها ضابط بلجيكي، وأعدموا رميا بالرصاص بعد بضع ساعات على يد كتيبة إعدام يقودها ضابط بلجيكي، وتم التخلص نهائيا من الجثث بعد أربعة أيام بتقطيعها إلى قطع صغيرة وإذابتها في حمض الكبريتيك. ونفذ هذه المهمة ضابط شرطة بلجيكي اسمه جيرارد سويت، وكان الحمض في شاحنة مملوكة لشركة تعدين بلجيكية. وقد اعترف سويت بذلك في لقاء تلفزيوني أجري معه العام الماضي، وقال إنه احتفظ باثنين من أسنان لومومبا كـ"تذكار" لسنوات عدة، ثم تخلص منهما بإلقائهما في بحر الشمال.
الزعيم جمال عبد الناصر مثل الثوار الاعلى فى العالم
النشأة والأحلام
ولد "باتريس إيمري لومومبا" في عام 1925 بقرية "كاتاتا كوركومبي" بإقليم كاساي، وتلقى التعليم الأَوَّلي بالمدارس التبشيرية، ثم التحق بمدرسة لتدريب عمال البريد في "ليوبولدفيل"، وفي السنة التاسعة عشرة من عمره عمل موظفًا للبريد بمدينة "ستانلي فيل"، وفي هذه الفترة عاش "لومومبا" أقسى صور الفصل العنصري بين السكان الأوربيين البيض وسكان البلاد الأصليين الزنوج، وبدأت مشاعر الوطنية تحركه، واستثمر حركته الطبيعية من خلال عمله، فعقد علاقات وثيقة مع القبائل الإفريقية المختلفة، وعمل على ربط الخيوط بين القوى الوطنية، وفي الوقت نفسه عمل على أن يدرس القانون والاقتصاد بنظام المراسلة، واستطاع اجتياز عدة دورات دراسية، ولكن القوى الاستعمارية رصدت هذا النجم الصاعد، ومن ثَمَّ عملت على تدبير تهمة سرقة له، وذلك بعد 11سنة من بدء تعيينه، وبالفعل يتم سجنه، وفي السجن يعاني أبشع أنواع الاضطهاد ضد المواطنين، وبعد خروجه يعمل في عدة أعمال تعينه على إعالة أسرته حتى أغسطس في عام 1958م.
وفي أغسطس عام 1958 تفرغ "لومومبا" للعمل السياسي، وقد كان مؤتمر "أكرا" في ديسمبر عام [1958]، الممهد لمنظمة الوحدة الإفريقية بمثابة أول ظهور لشخصيتيه على الساحة الإفريقية، وبعده مباشرة أسس حزب الحركة الوطنية الكونجولية، وذلك بعد سماع السلطات بالنشاط السياسي الوطني.وكان الاستعمار البلجيكي يأمل أن يأتي من خلالها بأشخاص يحكمون البلاد من أبناء البلاد، ويكون ولاؤهم لبلجيكا، ولكن "لومومبا" حدد هدف حركة حزبه في الاستقلال والوحدة الوطنية، ورأس تحرير جريدة أطلق عليها اسم "الاستقلال"، وقام بالاتصال بعدة أطراف إقليمية ودولية؛ لتأييد حق بلاده في الاستثقال. وكعادة الاستعمار تجاه القيادات الوطنية تم اعتقاله في عام 1959م، وفي أثناء وجوده في السجن تعقد السلطات الانتخابات العامة، فيأتي السجين وحزبه بأعلى نسبة أصوات
.
السياسة
يخرج من السجن إلى بلجيكا؛ ليشترك في مؤتمر المائدة المستديرة في "بروكسل"؛ لبحث مستقبل الكونغو، وفي 21 يونيو عام1960 يتم تعيينه أول رئيس وزراء وطني للكونغو، ويتم انتخاب "كازافوبو" رئيسًا للجمهورية، وفي يونيو عام 1960 يأتي ملك بلجيكا إلى الكونغو، وذلك لإعلان استقلال الكونغو، ويطالب الملك الوطنيين بعدم اتخاذ إجراءات متسرعة أو غير مدروسة، فيدمروا المدينة التي خلفها البلجكيين لهم، فيقوم لومومبا من مقعده. وبالرغم من أنه ليس له كلمة رسمية في الحفل، إلا أنه يتجه إلى المنصة متوجهًا لأبناء وطنه بالكلمة قائلاً: "أيها المناضلون من أجل الاستقلال، وأنتم اليوم منتصرون.. أتذكرون السخرة والعبودية التي فرضها علينا المستعمر، أتذكرون إهانتنا، وصفعنا طويلاً؛ لمجرد أننا زنوج في نظره، لقد استغلوا أرضنا، ونهبوا ثرواتنا، وكان ذلك بحجج قانونية؛ قانون وضعه الرجل الأبيض منحازًا انحيازًا كاملاً له.. ضد الرجل الأسود. لقد تعرضنا للرصاص والسجون، وذلك لمجرد أننا نسعى للحفاظ على كرامتنا كبشر". وبعد هذا الاجتماع مباشرة أصدر لمومومبا عدة قرارات؛ لإبعاد البلجيكيين عن إدارة شئون البلاد، وكان لا بد من وقف هذا الرجل، وقد أراد لمومومبا أن يمنع استغلال الاستعمار لأي جبهة وطنية، فجمع جميع القوى الوطنية في حكومته التي استمرت ثمانية أشهر، ولكن النفوس الضعيفة تظهر في مثل هذه المواقف، فيظهر "مويس تشومبي" (1919-1969م) الذي تربى في أحضان الاستعمار وعلى فتات موائدهم، فيعلن استقلال أغنى إقليم بالبلاد عن الحكومة المركزية، وهو إقليم كاتانجا، إقليم الماس والنحاس.
ويقوم تشومبي في 11 يوليو عام 1960م، بإعلان الحرب على حكومة لومومبا، ولكن من أين له بجنود من وطنه؟ فتأتي له بلجيكا بالمرتزقة من أوروبا، ويطالب لمومومبا تدخل الأمم المتحدة لحماية استقلال البلاد ووحدة أراضيها، وليت لمومومبا ما فعل، إذ تبدأ الضغوط البلجيكية والأمريكية للحفاظ على مصالح الاستعمار في إفريقيا، ولكن لمومومبا لم يخضع للترغيب أو الترهيب. فجأةً يختفي لومومبا في 17 يناير عام 1961م، وفجأة تظهر جثته مع جثث بعض أخلص رفاقه قتلى في كاتنگا في 5 فبراير، وتنتهي حياة الرجل، ويذهب الجميع إلى أن الخائن تشومبي هو الذي قام باختطافه وقتله، ولكن الوثائق الجديدة السابق التنويه عنها في بداية هذه السطور تضع شكلاً آخر للحادث، إذ تكشف الوثائق البلجيكية أن قتل لمومومبا تم بناء على خطة بلجيكية عرفت باسم خطة "باراكودا" وبدعم من المخابرات الأمريكية التي تكشف وثائقها رسائل "دالاس" إلى مندوب وكالة المخابرات الأمريكية بالمنطقة بضرورة التخلص من لومومبا، وأنه " يأتي على قمة الأولويات القصوى في عملنا".
ويظهر دور الشريك الثالث في المؤامرة؛ الأمم المتحدة، إذ تكشف سجلاتُها كل تعليماتِها برفع جميع أشكال الحماية عن لومومبا، وتكشف الوثائق المختلفة أن عملية الخطف تمت في 17 يناير 1961 وتم نقله، هو ورفاقه إلى مدينة "إليزابيث ڤيل" (لومومباشي حاليًا) وهناك تم تنفيذ عملية القتل في رئيس الوزراء ورفاقه في حضور مسئولين بلجيكيين، ومسئول المخابرات الأمريكية، ومسئولين من الأمم المتحدة منهم مساعد السكرتير العام للشئون السياسية "هايزنش ويشهوف"، ولكن ربك بالمرصاد، فقد زادت شهوة الخائن تشومبي؛ حيث طمع في حكم الكونغو، وذهب إليه جمع من السادة الدوليين، منهم "همرشولد" سكرتير عام الأمم المتحدة، وكثير ممن شاركوا في قتل لومومبا، فإذا بصديق الأمس يصير عدوهم، ويدبر حادثًا في نفس الإقليم "كاتنگا" لطائرتهم، ويلحق هذا الجمع جميعًا بلومومبا، وذلك في18 سبتمبر 1961، ويفوز الخائن على الجميع، ولكن متاع قليل؛ حيث يتم القبض عليه في الجزائر في عام 1968م، وتنتهي حياته في 30 يونيه 1969، وترفض بلاده دفنه في ترابها، فيدفن عند أسياده في بلجيك