Search - للبحث فى مقالات الموقع

Friday, January 21, 2011

السدود dams


تعد السدود dams، من أكبر المنشآت المائية التي ينفذها الإنسان على الأنهار الدائمة الجريان أو الوديان الموسمية من أجل تخزين مياهها وتنظيم جريانها ودرء أخطار الفيضانات ومواسم الجفاف، واستخدام المياه في توليد الطاقة الكهربائية النظيفة، وتعويض النقص في مياه الشرب والاستخدامات المنزلية والصناعة والسياحة والزراعة المروية، وتنظيم الملاحة النهرية والمحافظة على البيئة. تنفَّذ السدود بارتفاع قليل نسبياً على الشواطئ البحرية من أجل درء مخاطر المدّ والجزر كما هي الحال في هولندا، كما تنفَّذ على الأنهار الكبيرة من أجل درء خطر فيضاناتها وحماية الأراضي المأهولة المنخفضة المحيطة بها. ويطلق عليها عندئذ اسم سدود الحماية.
يتألف السد أساساً من جسم السد dam wall والمفرِّغ السفلي bottom outlet والمأخذ المائي water intake والمفيض spillway. وينفَّذ جسم السد عادةً في أضيق خانق توفره الطبيعة على مجرى الوادي، من أجل تقليص حجم أعمال السد وكلفتها إلى أدنى حد ممكن، شريطة أن يتسع مجرى الوادي قبل موقع السد لتشكيل الخزان المائي المناسب. ومن المفروض أن يوفر هذا المجرى مورداً مائياً كافياً يسوغ إقامة السد، كما يمكن في بعض الحالات الخاصة جلب المياه إلى الخزان من مصدر مائي قريب بالضخ إذا كان ذلك مجدياً فنياً واقتصادياً. ومن المفروض أيضاً أن يتوافر في موقع السد الشروط الجيولوجية الكفيلة بتحمّل الإجهادات التي ستطبق عليه إضافةً إلى توافر الشروط الهدروجيولوجية المناسبة لضمان كتامة أساسات السد وبحيرة التخزين لتقليص الفواقد المائية فيها إلى الحد المقبول اقتصادياً.
أما المأخذ المائي والمفرِّغ السفلي فهما منشآتٌ أنبوبية تُنفَّذ تحت جسم السد أو على أحد كتفي الوادي من أجل إسالة المياه من بحيرة السد إلى المنطقة الواقعة خلف جسم السد بأمان، ويتم ذلك بتجهيزهما بالبوّابات المناسبة للتحكم بكمية المياه اللازمة للغرض المخصص لها. ويمكن دمج هاتين المنشأتين في منشأة واحدة في بعض الحالات، وخاصة في السدود الصغيرة والمتوسطة.
وأما المفيض فهو منشأة تعمل عمل صمّام الأمان، فتخلّص بحيرة السد من المياه التي تفيض عن حجم تخزينها الأعظمي المعتمد، ولاسيما مياه الفيضان وذلك بإسالتها بأمان إلى المنطقة الواقعة خلف السد أو إلى وادٍ مجاور.
لمحة تاريخية
 بنى الإنسان السدود منذ غابر العصور. فقد بنى الحثّيّون سد قطينة على نهر العاصي، واشتهر البابليون ببناء السدود الصغيرة والقنوات على نهري دجلة والفرات، وقد نظّمت قوانين حمورابي كيفية استخدام المياه. كما برع المصريون القدماء بتنفيذ السدود على نهر النيل، واشتهر الرومان في إشادة العديد من السدود على الأنهار الواقعة ضمن امبراطوريتهم، ومنها نهر الراين، وذاع صيت العرب أيضاً بعد بنائهم سد مأرب في اليمن السعيد. إلا أنه لابد من القول بأن فن بناء السدود الترابية في تلك العصور وحتى الماضي الحديث، أي حتى قبل نحو مئتي عام تقريباً، كان يعتمد بالضرورة على الخبرة التجريبية البحتة. وحتى بعد أن أصبح من المسلّمات استخدام تلك المواد الطبيعية التي تُسمى «تربة» earth مواد بناء في هذه السدود، فقد كان مفهوماً عاماً يشتمل على عدد كبير من النماذج المختلفة للتربة، من الغضار clay وحتى الركام. لذلك كان أكثر من ثلثي السدود التي انهارت في الماضي القريب من السدود الترابية التي لم تصمد مدة طويلة من الزمن. وانقسم المهندسون المصممون إلى مجموعتين، اختارت أولاهما الخرسانة مادة أساسية لبناء السدود، في حين سعت المجموعة الثانية إلى تقصّي أسباب الإخفاق في بناء السدود الترابية.
وانطلاقاً من حقيقة أن المعرفة الشاملة لمواصفات مادة البناء المستعملة يجب أن تكون في مقدمّة كل عمل فنّي جدّي، نشأ علم ميكانيك التربة[ر] soil mechanics أو الجيوتكنيك الذي تطوّر بعد ذلك وبيَّن أن المفهوم الشامل للتربة إنما ينطوي على مفهوم مجرّد بعيد عن الواقع. وبفضل تطوّر هذا العلم الجديد صار ممكنا ًالبرهان على أمان استقرار السد الترابي موضوعياً وحسابه رقمياً، كما هي الحال في أية منشأة معدنية أو بيتونية مسلّحة، مع دراسة تغيّر سلوك بعض أنواع التربة بدلالة الزمن والهبوطات المتوقعة فيها، وشروط رشح المياه عبر جسم السد وأساساته والإجراءات الوقائية لخطر الحت، وإمكانية تحسين الأساسات من أجل تقليص الرشوحات المائية عبرها إلى الحد المبرّر اقتصادياً، وضمان أمان استقرار جسم السد في حالات التشغيل العادية والاستثنائية بما في ذلك الهزّات الأرضية.
ومع ذلك لا بدّ من القول بأن تطبيق منجزات علم ميكانيك التربة/الجيوتكنيك في بناء السدود الترابية مدين بنجاحه إلى المنجزات الكبيرة التي حققها علم هندسة الميكانيك وبناء الآليات الثقيلة المستخدمة اليوم في فِرَق السدود. فلقد امتزج هذان العلمان لدرجة تصعب معها رؤية علاقة الأول وارتباطه بالآخر.
أنواع السدود
الشكل (1) سد ثقلي، سد الحفة في حوض الساحل في سورية
 تقسم السدود وفق الهدف المتوخّى منها إلى سدود تخزينية أو سدود درء الفيضان أو سدود ترشيحية لتغذية المياه الجوفية. أما من حيث مواد إنشائها، فتقسم إلى نوعين رئيسين: خرسانية وترابية.
1ـ السدود الخرسانية concrete dams: لا يُنفّذ هذا النوع من السدود إلا في المواقع الصخرية القاسية وغير القابلة للهبوط عملياً بسبب قساوة مادة الخرسانة وعدم قدرتها على مماشاة الهبوطات الكبيرة نسبياً التي قد تحصل في أساسات السد وأكتاف الوادي نتيجة الإجهادات المطبقة عليها.
تشمل السدود الخرسانية مايأتي:
أ ـ السدود الثِقَلية gravity dams: وهي تعتمد على وزنها في ضمان استقرارها وتستفيد من منجزات علوم الخرسانة وميكانيك الصخور والحاسوب بصورة رئيسة. ويمكن أن يكون محور جسم السد الثِقَلي مستقيماً أو قوسيّاً (الشكل ـ1).
ب ـ السدود القوسية الرقيقة thin arch dams: ويمتاز العديد منها بتصاميم جميلة غاية في الرشاقة، وهي تعتمد على شكلها القوسي في نقل الإجهادات إلى كتفي الوادي وتستفيد من منجزات علوم الإنشاءات والخرسانة المسلّحة وميكانيك الصخور والحاسوب وتقنيات القالب المنزلق (الشكل ـ 2).
الشكل (2) سد قوسي
تتصف السدود الخرسانية عموماً بارتفاع كلفة تنفيذها بسبب ارتفاع كلفة الخرسانة وفولاذ التسليح وتقنيات التنفيذ المعقدة.
توجد في الأحباس الوسطى والسفلى من المجاري المائية مواقع عديدة تتوضع فيها الطمي النهرية ونواتج تجوية الصخور الأم التي توجد في سرير الوادي وعلى كتفيه بسماكات مختلفة. وإذا كانت هذه المواقع غير مناسبة لإقامة السدود الخرسانية فيها، إلا أنها غالباً ما تكون مواقع مناسبة جداً لتنفيذ السدود الترابية والركامية للمرونة النسبية التي تتمتع بها ردميات هذه السدود وقدرتها على مماشاة الهبوطات المدروسة في الطمي التي تشكل جزءا مهماً من أساسات السدود، وقد أصبحت الأكثر شيوعاً.
2ـ السدود الترابية والركامية earth & earth-rock dams: من أهم المميزات الاقتصادية لهذه السدود أن الطبيعة قد هيأت لنا مجاناً مواد البناء ووفّرتها بالكميات المناسبة بالقرب من موقع السد في غالبية الأحيان، ومن مميزاتها المهمة أيضاً إمكانية بنائها فوق أي نوع من الأساسات تقريباً، باستثناء تلك التي تحتوي على نسب عالية من المواد العضوية. وتؤدي خبرة المهندس المصمم وقناعاته الشخصية في هذا المجال دوراً أكبر بكثير مما هي عليه الحال في أية منشأة هندسية أخرى، إذْ يمكن عموماً تصميم عدة سدود مختلفة تتصف كلها بالأمان والاقتصادية من أجل الموقع نفسه على الرغم من شدة تباين هذه التصاميم فيما بينها.
تُنفَّذ هذه السدود على طبقات يتوقف سمكها على نوعية التربة وآليات التنفيذ المتاحة أو اللازمة لرصّها في مواقعها من جسم السد. وتشمل آليات تنفيذ هذه السدود مختلف آليات تحريك التربة ونقلها وفرشها وترطيبها ورصّها. وتلعب درجة الرص الواجب تحقيقها في جميع أنواع التربة الناعمة ـ الكتيمة والخشنة ـ النفوذة التي يتألف منها جسم السد دوراً هاماً في ضمان المواصفات المطلوبة منها، ومن ثم ضمان استقرار السد. ومن أكبر الأخطار التي تهدد أمان استقرار السدود الترابية والركامية هو رشح المياه عبر أساساتها بما يزيد على الحد المسموح به وفيضان مياه بحيرة التخزين فوق قمة السد بسبب عجز المفيض عن تصريف مياه موجة عالية استثنائية أو لأي سبب آخر.
الشكل (3) سد متجانس، سد الجرّاح على وادي الجرّاح في الجزيرة السورية
تشمل السدود الترابية ما يأتي:
أ ـ السدود المتجانسة homogeneous dams: تبنى السدود الترابية المتجانسة كلياً، من مادة بناء واحدة، وغالباً ما تكون هذه المادة هي الغضار وخلائطه، وهي تضمن استقرار جسم السد وكتامته ضد رشح المياه (الشكل ـ3).
ب ـ السدود غير المتجانسة: تُنفذ هذه السدود من عدة أنواع من التربة. ويعد السد الركامي أفضل ممثل لها. ويتألف السد الركامي أساساً من نواة كتيمة تحيط بها منطقة انتقالية من تربة راشحة منتقاة من رمل وحصى، ومن أجسام استنادية أمامية وخلفية من الركام ذي التدرّج الحبيبي المناسب، حيث تضمن النواة الكتامة اللازمة ضد رشح المياه عبر جسم السد في حين تضمن الأجسام الاستنادية استقرار جسم السد (الشكل ـ4).
الشكل (4) سد ركامي، سد السّفان على أحد روافد نهر دجلة في سورية
غالباً ما تُنفذ النواة الكتيمة من تربة غضارية يتمّ رصّها على طبقات بوساطة المداحي الملساء أو المداحي ذات أرجل الغنم الساكنة أو الرجّاجة وفق نوعية التربة، وبرطوبة قريبة من الرطوبة المثلى وفق الحال، وعندما لا تتوافر كميات كافية من الغضار، يمكن تنفيذ هذه النواة من مواد صُنعية. ويمكن تصميم هذه النواة نواةً شاقوليةً مركزيةً أو نواةً مائلةً ضمن جسم السد أو على سفحه الأمامي، كما يمكن أن تكون نواةً رقيقة أو نواةً عريضة.
حين ترشح المياه من بحيرة التخزين عبر ردميات جسم السد باتجاه السفح الخلفي تؤثر المياه الراشحة في تربة النواة الغضارية بقوى تسمى قوى المياه الراشحة على اتجاه حركتها نفسها، وتحاول نتيجة قوى الاحتكاك جرف جزيئات التربة الناعمة إلى داخل مسامات التربة الخشنة المجاورة لها. لذلك لا بدّ من لحظ منطقة وسيطة بينهما تتألف من عدة طبقات ذات تركيب حبيبي متدرّج تسمى المرشِّحات filters، بهدف صرف المياه الراشحة بسرعة وتثبيت جزيئات التربة في أماكنها.وفي حال عدم توافر المواد الطبيعية لتنفيذ هذه المرشحات، يمكن استخدام المرشحات الصُنعية.
تتألف الأجسام الاستنادية من ركام طبيعي يتمّ استخراجه من المقالع بوساطة التفجير على بُعد اقتصادي من جسم السد، ويتمّ رص هذا الركام بوساطة المداحي الرجّاجة الكبيرة حتى يصل إلى الكثافة المطلوبة.
3 ـ السدود الخرسانية المدحولة roller compacted concrete dams: وهي تنفَّذ من الخرسانة التي تُرصّ على طبقات بوساطة المداحي المألوفة في السدود الترابية. ويعد سد الوحدة، وهو قيد التنفيذ اليوم على نهر اليرموك، نموذجاً لهذا النوع من السدود.
4 ـ السدود الترابية الإسمنتيةsoil-cement dams : وتتألف مادة بنائها من تربة ناعمة تُمزج بنسبة قليلة من الإسمنت وتُرصّ على طبقات بوساطة المداحي كما هو مألوف في السدود الترابية. وقد استُخدمت هذه التقنية على الوجه الأمامي لبعض السدود.
العوامل المؤثِّرة في تصميم السدود
 من أهم هذه العوامل الغاية من السد ومواد البناء، وطبيعة الأساسات، والمناخ، وشكل الوادي، وطريقة تحويل مياه النهر في أثناء مدة التنفيذ، وفعل الأمواج في خزان السد، والمدة المتاحة للتنفيذ. وفيما يأتي بعض هذه العوامل:
1ـ الغاية من السد: يُحدد هدف السد وطريقة استثمار بحيرة التخزين خلفه، كمية الفواقد المائية المسموح بها عبر جسم السد وأساساته. ففي سدود مياه الشرب والمواقع ذات الموارد المائية المحدودة، من المفروض أن تكون هذه الفواقد ضئيلة جداً بسبب الحاجة إلى المياه، والكلفة الباهظة التي تُنفق على تخزينها، وفي هذه الحالة يجب اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لتقليص حجم هذه الفواقد المائية إلى أدنى حدّ ممكن، وضمان أمان استقرار السد. أما ما يتصل بسدود درء الفيضان فلا توجد عموماً أي حدود اقتصادية لكمية الفواقد المائية إلا وفق ما يقتضيه أمان استقرار جسم السد، وفي بعض سدود توليد الطاقة الكهربائية فقد تبقى بحيرة التخزين فترة طويلة ملأى بالمياه ليجري بعد ذلك تفريغها في عدة ساعات من أجل توليد أكبر طاقة كهربائية ممكنة مما يعرض وجهها الأمامي إلى خطر التفريغ السريع. والسدود التي تُصمم لتبقى فارغة خلال فترة طويلة من الزمن تتطلب بعض الإجراءات التصميمية لوقايتها من أخطار الحيوانات القارضة وأخطار التشقق بسبب الجفاف.
2ـ مواد البناء المتوافرة: عندما يوجد نوع واحد من التربة بالقرب من موقع السد، تكمن مسألة التصميم في اختيار السد الأكثر اقتصاديةً الممكن إنشاؤه من هذا النوع من التربة. وإذا كانت هذه التربة كتيمة فسيعتمد تصميم السد أساساً على ردميات متجانسة. أما إذا كانت التربة المتوافرة نفوذة كالرمل والبحص، فيمكن عندئذ اعتماد عنصر الكتامة على الوجه الأمامي للسد من مواد مُصَنَّعة كالبلاطات الخرسانية أو الخرسانة الأسفلتية أو الصفائح المعدنية غير القابلة للصدأ وغيرها، وذلك وفق المواد المتاحة والمقارنة الفنية-الاقتصادية. وقد تتوافر بالقرب من موقع السد أنواع عديدة من التربة، وفي هذه الحالة يُفضل اختيار سد غير متجانس.
3ـ طبيعة الأساس: يُعطى لمواصفات الأساس التأثير الكبير في تصميم ردميات جسم السد، وقد تكون مسألة معالجة الأساس في بعض الأحيان من أهم وأصعب عناصر تصميم المشروع. وكلما كانت تربة الأساس ذات مقاومة ضعيفة للقص، كان من الضروري تصميم ردميات جسم السد أعرض وبميول أصغر من الميول الممكنة في موقع آخر. كما يجب أيضاً مراعاة الهبوطات المتوقعة في تربة الأساس الرخوة وتأثيرها في الارتفاع الاحتياطي في جسم السد وإمكانية حدوث التشققات نتيجة الهبوطات غير المتجانسة.أما إذا كان الأساس صخرياً فلا بدّ من ضمان ربط نواة السد بصخر الأساس جيداً وبطريقة كتيمة. وإذا كانت هناك ثمة ضرورة لتنفيذ ستارة حقن في صخور الأساس، فيجب أن يكون هذا الإجراء مسوغاً فنياً واقتصادياً.
أهمية أجهزة القياس في السدود الترابية والركامية
 تتمتع ردميات هذه السدود بمرونة لا بأس بها نسبياً تجعلها قادرة على محاكاة الحركات والتشوّهات المتوقع تشكلها في أساسات السد وردمياته في مختلف مراحل عمر المشروع. ويتمّ تقديرها بالاستناد إلى نتائج التجارب المخبرية التي تُجرى على مواد الإنشاء وتربة الأساسات، كما يجب رصدها من المراقبات الحقلية، ويُميّز في هذا المجال بين حركة الردميات في في أثناء مرحلة التنفيذ ومرحلة الاستثمار. تشمل حركة الردميات في أثناء مرحلة التنفيذ هبوط الردميات الترابية التي تؤثّر فيها بصورة رئيسة نسبة الرطوبة التنفيذية ومواصفات التربة، ولاسيما كثافتها الجافة وإمكانية تشكل ضغوط مسامية فيها، وهبوط الردميات الركامية التي تتأثر بطريقة رصها وكمية المياه المستخدمة في ترطيبها وكمية التربة الناعمة والأحجار الصغيرة الموجودة ضمنها، وبمواصفات صخور الركام من حيث المقاومة والشكل والحجم، إضافة إلى هبوط تربة الأساسات الناجم عن وزن الردميات المتوضعة فوقها. أما حركة الردميات الترابية بعد التنفيذ فهي تشمل استمرار عملية انضغاطها ومن ثم هبوطها تحت تأثير وزنها الذاتي وضغط المياه عليها ومدى تلاشي الضغوط المسامية التي ربما تكون قد تشكلت ضمنها، في حين تنجم هبوطات الردميات الركامية بعد التنفيذ عن إعادة توضع صخور الركام تدريجياً تحت تأثير الإجهادات المركزة في نقاط التماس بين هذه الصخور مما يؤدي إلى إعادة تنظيم بنية الركام إلى كتلة أكثر كثافة نسبياً.
تتحرك قمة السد عند امتلاء بحيرة التخزين بالمياه أفقياً باتجاه الوجهين الأمامي والخلفي للسد وذلك نتيجة ظاهرتين متعاكستين. فضغط المياه على الوجه الأمامي يحاول دفع جسم السد باتجاه الخلف، إلا أنه يضغط أيضاً على الأساسات الواقعة تحت الوجه الأمامي مؤدياً بذلك إلى دوران قمة السد باتجاه الأمام، وينجم عن محصلة هاتين الحركتين انحراف ما باتجاه أحد وجهي السد عند امتلاء بحيرة التخزين بالمياه وبالاتجاه المعاكس عند تفريغها. كما تتحرك قمة السد عندئذ طولياً على نحو موازٍ لمحور السد باتجاه مركز الوادي أو كتفيه وفق قيمة الضاغط المائي ونوعية صخور كتفي الوادي.
يتمّ رصد الهبوطات الشاقولية وحركة قمة السد المذكورة أعلاه عن طريق زرع نقاط قياس في مواقع مميزة من جسم السد وقمته والمنطقة الواقعة خلفه، من أجل مراقبتها لاحقاً بوساطة أجهزة المساحة الدقيقة وتحديد تشوّهاتها في أثناء مدة التنفيذ والاستثمار انطلاقاً من نقاط مرجعية ثابتة محددة على كتفي الوادي وعلى طول محور السد، ووفق برنامج مراقبة محدد للوقوف من خلال ذلك على سلوكية السد في أي وقت عن طريق المقارنة الدورية بالوضع الأساسي.
يجب أيضاً قياس الضغوط المسامية التي قد تتشكل في تربة الأساسات والردميات الترابية بوساطة خلايا قياس خاصة من أجل الوقوف على مدى خطورة هذه الضغوط المسامية في أثناء مرحلتي التنفيذ والاستثمار، ومقارنة الضغوط المقاسة بالضغوط المحسوبة.
كما تجب مراقبة المياه الراشحة عبر النواة الكتيمة وأساسات السد عن طريق لحظ عدد كافٍ من آبار المراقبة التي تُسمّى بالبيزومترات،كما يجب مراقبة تطوّر عكر المياه الظاهرة للعيان خلف السد في حال وجودها.
مراحل دراسة السدود وتنفيذها
 يشمل تصميم السد كلاً من الدراسة الأولية والدراسة النهائية.
1ـ تشمل الدراسة الأولية عدة مواقع على المجرى المائي آخذين بالحسبان العوامل المؤثرة في تصميم السد من أجل اختيار أفضل المواقع لإقامته، وتشمل هذه المرحلة تنفيذ مختلف أنواع التحريات الأولية بما في ذلك مواد البناء والأثر البيئي ووضع المخطط العام لمشروع السد وملحقاته، إضافةً إلى التقييم الفني-الاقتصادي الأولي.
2ـ أما المرحلة النهائية للتصميم فتشمل تنفيذ جميع التحرّيات التفصيلية في الموقع المعتمد وتقدير كميات مواد البناء اللازمة وتحديد مواصفاتها الفيزيائية ـــ الميكانيكية وإعداد المخططات التنفيذية التفصيلية والمواصفات الفنية لجميع الأعمال التي يتألف منها مشروع السد، إضافة إلى دراسة الأثر البيئي والتقييم الاقتصادي النهائي للموقع المختار وفق الطرقالمعتمدة دولياً.
3ـ مرحلة التدقيق: يدقق الدراسة استشاري مؤهل، وعلى المهندس المصمم مناقشة التعديلات التي يقترحها المهندس المدقق وإجراء التعديلات اللازمة على التصميم وفق ما يتمّ الاتفاق عليه بإشراف الإدارة صاحبة المشروع التي تتخذ القرارات وفق مصلحتها ومصلحة مشروعها في حال وجود خلاف في بعض وجهات النظر.
4ـ بعد استلام الدراسة المُدقَّقة للمشروع استلاماً نهائياً من قبل الإدارة صاحبة المشروع يتمّ التعاقد مع شركة مؤهلة لتنفيذ مشروع السد وملحقاته وفق المخططات والمواصفات الفنية المعتمدة بموجب مناقصة داخلية أو عالمية.
5 ـ مهما كانت التحريات الجيولوجية ـــ الهدروجيولوجية كثيفة، إلا أن نتائجها تبقى نقطية تعبّر عن المنطقة التي أُجريت فيها، لذلك غالباً ما تتكشف في أثناء التنفيذ بعض العوامل الطارئة وغير الملحوظة في تصميم السد مما يقتضي إجراء بعض التعديلات على المخططات التنفيذية. لذلك يُفضَّل التعاقد مع المهندس المصمم لمواكبة تنفيذ المشروع وإجراء التعديلات اللازمة بما ينسجم مع التصميم الأساسي.
6ـ يجب التعاقد مع مهندس استشاري مؤهل للإشراف على تنفيذ المشروع وفق المخططات النهائية المعدلة والمواصفات الفنية المعتمدة.
أهمية استثمار السد
بعد تنفيذ السد وفق الخطوات المذكورة أعلاه يتمّ استلام المشروع من قبل الإدارة صاحبة المشروع استلاماً أولياً. ثمّ يدخل السد مرحلة الملء التجريبي وفق برنامج يُتفق عليه بين المهندس المصمم والإدارة إلى أن يصل السد إلى مرحلة الاستثمار النهائي الناجح. عندئذ يمكن أن يقال بأن دراسة السد قد وصلت إلى نهايتها ويمكن استلام مشروع السد استلاماً نهائياً. يجب ألا تقل خبرة المهندس المنفذ لمشروع السد عن خبرة المهندس المصمم، وعلى المهندس المسؤول عن استثمار السد أن يستوعب جميع المراحل السابقة التي مرّ بها المشروع من أجل ضمان تشغيله وصيانته بطريقة آمنة. فمن المعروف أنه لا يوجد تصميم أو تنفيذ مثالي في مجال السدود الترابية والركامية لكثرة العوامل المؤثرة فيها، وهذا ما يضفي على استثمار مشروع السد أهميةً خاصة. فالاستثمار المقترن بإجراء المراقبة اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية أو السنوية وفق المواصفات القياسية ذات الصلة يضمن اكتشاف أي عيوب قد تظهر، ويمكّن من إيجاد الحلول المناسبة لها وتنفيذها في الوقت المناسب من دون أن يتَعرّض السد والمناطق المجاورة له للخطر. أما الاستثمار السيئ فقد يكون قادراً على تعريض السد للخطر الجاد مهما كان السد جيِّدَ التصميم والتنفيذ.
السدود في الوطن العربي
أولت الدول العربية اهتماماً خاصاً لتنظيم مواردها المائية السطحية عن طريق بناء العديد من السدود الترابية والركامية. وكانت الجمهورية العربية السورية رائدة في هذا المجال، فقد نفذت حتى اليوم 167سداً صغيراً ومتوسطاً وكبيراً، وكان أهمها سدّ الطبقة على نهر الفرات، كما أسهمت السدود الأخرى في توزيع الثروة المائية على مختلف المحافظات السورية وتوفير شروط العمل فيها والحد من هجرة الريف إلى المدينة. ومن أهم السدود في الوطن العربي السد العالي في مصر، وسد الروصيرص في السودان على نهر النيل، وسد الغريب في الجزائر، وسد الويد الكبير في تونس، وسد مأرب في اليمن، وسد الوحدة المشترك بين سورية والمملكة الأردنية الهاشمية على نهر اليرموك (قيد التنفيذ حالياً)، وسد القادسية على نهر الفرات وسد الموصل على نهر دجلة في العراق.
أهمية السدود الاقتصادية والاجتماعية والبيئية
تعد السدود من أكبر المنشآت الهندسية التي ينفّذها الإنسان في الطبيعة. ولا شك في أن لها آثاراً إيجابية وأخرى سلبية. ومن آثارها الإيجابية توفير المياه اللازمة للنمو الاقتصادي والاجتماعي وخصوصاً في منطقتنا شبه الجافة. فالماء هو الحياة. ومن آثارها السلبية غمرُ بعض الأراضي الخصبة وترحيل سكان القرى والمدن الواقعة ضمن بحيرة السد وتبخّر كميات من المياه، وحجز الطمي عن الأراضي الزراعية الموجودة أسفل السد وعن الشواطئ البحرية، وما قد ينجم عنه من تراجع فيها. وفي المحصلة، لا بدّ أن تكون إيجابيات مشروع السد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية أكبر من سلبياته المحتملة من أجل تسويغ إنشاء السد.
الآفاق المستقبلية
تقضي ضرورة مواكبة التطور الاقتصادي والاجتماعي للنمو السكاني الكبير نسبياً في الوطن العربي، بالاستمرار في بناء السدود حيثما كان ذلك فنياً واقتصادياً ممكناً والعمل مع مهندسي البيئة على تقليص سلبياتها البيئية إلى أدنى حد ممكن، وذلك من أجل تأمين المياه واستخدامها وفق أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية في مجالات الشرب والصناعة والسياحة والزراعة المروية وإنتاج المزيد من الغذاء. ومن المعروف أن توفير هذا المطلب على مستوى البلد العربي الواحد أمر صعب التحقيق. لذلك لا بدّ من تعزيز التعاون بين الدول العربية في مجال المياه والتشجيع على إقامة مشروعات مائية مشتركة فيما بينها وتشكيل مجلس أعلى للمياه على مستوى وزراء المياه العرب من أجل تحقيق ذلك.
صوره لنهر النيل سنه 1900
السد العالى المصرى سد العزه والكرامه والتحدى


 23 بعد ثورة
 وخروج مصر من حقبة الظلام والفساد السياسى والاخلاقى عملت مصر والثورة على اعادة احياء نفسها من جديد وعلى التطوير الدءوب فى كل مجالات ونواحى الحياة السياسية والاقتصادية ، جاء فى مقدمة تلك المشاريع التطويرية مشروع بناء السد العالى والتى اعتبرته الثورة فى مقدمة مهامها لتحقيق التنمية الزراعية لتحقيق الرخاء ، بعد توفير مياه الفيضان التى كانت تلقى دون التمكن من استعمالها ، وبذلك يمكن زيادة الرقعة الزراعية المحدودة بالإضافة إلى تفادى الجفاف وتوليد الطاقة الكهربائية لاستخدامها فى التصنيع الوطنى وتطوير البلد من وطن زراعى إلى بلد صناعي وامت الثورة فى السنين الأولى بتكليف الخبراء الالمان بإعداد الدراسات عن المشروع وظهرت من الدراسة مشكلة التمويل لضخامتها ولكن تصميم مصر على بناء السد العالى لما ينتج عنه من فوائد اقتصادية لم يثنيها عن محاولة التوصل الى اتفاق وذلك حفظا لمصالح الشعب المستقبلة ، فقد كان ذلك أول مشروع بعيد المدى فى مصر .

بعد ثورة 23 يوليو وخروج مصر من حقبة الظلام والفساد السياسى والاخلاقى عملت مصر والثورة على اعادة احياء نفسها من جديد وعلى التطوير الدءوب فى كل مجالات ونواحى الحياة السياسية والاقتصادية ، جاء فى مقدمة تلك المشاريع التطويرية مشروع بناء السد العالى والتى اعتبرته الثورة فى مقدمة مهامها لتحقيق التنمية الزراعية لتحقيق الرخاء ، بعد توفير مياه الفيضان التى كانت تلقى دون التمكن من استعمالها ، وبذلك يمكن زيادة الرقعة الزراعية المحدودة بالإضافة إلى تفادى الجفاف وتوليد الطاقة الكهربائية لاستخدامها فى التصنيع الوطنى وتطوير البلد من وطن زراعى إلى بلد صناعي وامت الثورة فى السنين الأولى بتكليف الخبراء الالمان بإعداد الدراسات عن المشروع وظهرت من الدراسة مشكلة التمويل لضخامتها ولكن تصميم مصر على بناء السد العالى لما ينتج عنه من فوائد اقتصادية لم يثنيها عن محاولة التوصل الى اتفاق وذلك حفظا لمصالح الشعب المستقبلة ، فقد كان ذلك أول مشروع بعيد المدى فى مصر .

بعد ثورة 23 يوليو وخروج مصر من حقبة الظلام والفساد السياسى والاخلاقى عملت مصر والثورة على اعادة احياء نفسها من جديد وعلى التطوير الدءوب فى كل مجالات ونواحى الحياة السياسية والاقتصادية ، جاء فى مقدمة تلك المشاريع التطويرية مشروع بناء السد العالى والتى اعتبرته الثورة فى مقدمة مهامها لتحقيق التنمية الزراعية لتحقيق الرخاء ، بعد توفير مياه الفيضان التى كانت تلقى دون التمكن من استعمالها ، وبذلك يمكن زيادة الرقعة الزراعية المحدودة بالإضافة إلى تفادى الجفاف وتوليد الطاقة الكهربائية لاستخدامها فى التصنيع الوطنى وتطوير البلد من وطن زراعى إلى بلد صناعي وامت الثورة فى السنين الأولى بتكليف الخبراء الالمان بإعداد الدراسات عن المشروع وظهرت من الدراسة مشكلة التمويل لضخامتها ولكن تصميم مصر على بناء السد العالى لما ينتج عنه من فوائد اقتصادية لم يثنيها عن محاولة التوصل الى اتفاق وذلك حفظا لمصالح الشعب المستقبلة ، فقد كان ذلك أول مشروع بعيد المدى فى مصر .


 السد العالي هو مشروع قديم يرجع الفضل في طرحه إلى المهندس اليوناني “دانينيوس”، وقد سبق أن تقدم به
 لأكثر من حكومة مصرية قبل الثورة، ولكنه لم يكن يلقى أدنى استجابة حتى على سبيل الوعد ببحث المشروع وجدواه الاقتصادية، وفي عام 1953 تقدم بمشروعه من جديد إلى مجلس قيادة الثورة، ولكنه هذه 


موقع السد العالى فى الجنوب باسوان
المرة حظي باهتمام كبير من جانب القيادة الثورية وكلف قائد الجناح جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة بتولي مسؤولية هذا المشروع إلى جانب الفنيين في المجالس والهيئات المتخصصة الذين سيتولون البحث والدراسة الخ.
ImageShack, share photos, pictures, free image hosting, free video hosting, image hosting, video hosting, photo image hosting site, video hosting site

غرق البلاد قبل بناء السد العالى دمار فى الفيضان يعقبه كوارث وضياع للمياه فى البحر
لقد سبق أن وضعت القيادة الثورية التي تولت السلطة بعد يوليو/ تموز 1952 قضية التنمية على رأس اهتماماتها وفي مقدمة جدول أعمالها، وحرصت على إزالة أية عقبات كانت تعترض مساهمة رأس المال الوطني أو الأجنبي في التنمية، كما أصدرت القانون رقم 213 لسنة 1952 في أكتوبر/ تشرين الأول 1952 الذي تم بموجبه إنشاء المجلس الدائم للإنتاج كهيئة مستقلة تتبع لرئاسة مجلس الوزراء ويتولى مهمة بحث ودراسة المشروعات الاقتصادية الكبرى التي يكون من شأنها تنمية الإنتاج على المستوى القومي، ووضع مخطط وطني متكامل للتنمية الاقتصادية.

وبدأ هذا المجلس في وضع الدراسات التفصيلية لعديد من مشروعات التنمية في قطاعات الري والتوسع الزراعي وتكرير البترول وخطوط أنابيب البترول وتنمية الثروة المعدنية والمواصلات وغيرها من القطاعات في إطار رؤية بعيدة المدى للاقتصاد المصري.

وبالتالي كان من الطبيعي أن يلقى مشروع السد العالي الاهتمام الواجب في مجلس الإنتاج بعد أن تحمست له قيادة الثورة على المستوى السياسي، وبالفعل تم تشكيل لجنة فرعية تضم عددا من أعضاء مجلس قيادة الثورة وعدداً من أعضاء مجلس الإنتاج من الخبراء والفنيين برئاسة جمال سالم لإجراء مزيد من البحث والدراسة لهذا المشروع، وعقدت اللجنة عدة اجتماعات في مقر مجلس قيادة الثورة بالجزيرة، حضر بعضها المهندس اليوناني دانينيوس، وإنتهت بعد دراسات مستفيضة إلى الإقرار بجدوى المشروع وضرورة تنفيذه وقدمت أيضا توصيات بهذا المعنى لمجلس قيادة الثورة الذي وافق من حيث المبدأ على تنفيذ المشروع والبدء في اتخاذ الخطوات العملية في هذا الشأن.

وكانت الخطوة الأولى هي تنظيم سلسلة من المحاضرات عن السد العالي، وبدأت بمحاضرات وندوات في نادي ضباط الجيش بالزمالك تحدث فيها عدد من المهندسين المتخصصين وشرحوا أبعاد المشروع وما ينتظر منه من عائد، كما عقدت سلسلة محاضرات أخرى في نقابة المهندسين، وفي جمعية المهندسين المصرية استهدفت كلها تهيئة الرأي العام على المستويات العلمية والسياسية والشعبية لهذا المشروع.

لقد تمثل العائق الأساسي الذي حال دون بحث أو تنفيذ مشروع بهذا الحجم في عهود ما قبل الثورة هو غياب الاستقرار السياسي، على سبيل المثال فقد كان هناك مشروع كهربة خزان أسوان وهو مشروع كان محل مزايدة بين الأحزاب في برامجها، وتستخدمه كأداة للدعاية ووسيلة للوصول إلى السلطة ثم سرعان ما يطاح بها ويطوى المشروع في غياهب النسيان لتأتي حكومة حزبية أخرى تجدد نفس السيناريو، فلما جاءت الثورة قامت بتنفيذ فوري لمشروع كهربة خزان أسوان، وعملت في الوقت نفسه على إشراك مكاتب استشارية أجنبية في دراسة مشروع السد العالي إلى جانب الخبراء المصريين الذين يمتازون بقدرات وكفاءات كبيرة وعالمية أيضا في هذا المجال، وكل الدراسات أكدت سلامة المشروع من حيث الجدوى الاقتصادية لمستقبل مصر، وكان من بين من تولى دراسة المشروع بصورة رسمية البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وقد أعد بالفعل دراسة قدمها يوجين بلاك، كان ملخصها أن حالة الاقتصاد المصري تسمح بإتمام مشروع السد العالي.

كما جاء خبراء من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا الغربية وفرنسا للتنسيق مع المجموعة المكلفة ببحث المشروع، وتولى كل من المهندسين محمد صدقي سليمان و محمود يونس وسمير حلمي وأحمد عبده الشرباصي وإبراهيم زكي قناوي وموسى عرفة وآخرين التنسيق مع هؤلاء الخبراء وتقديم التسهيلات اللازمة لهم لوضع الدراسات المطلوبة حول المشروع.

ان مشروعا بهذا الحجم كان في حاجة إلى قرار سياسي جريء، وكان جمال عبدالناصر يتمتع برؤية إستراتيجية بعيدة المدى ولم يكن يتخذ القرار المتسرع ولم تكن مواقفه نابعة من رد الفعل، ومن ثم فقد استوعب كل النتائج التي توصلت إليها الدراسات الفنية المتخصصة لمشروع السد العالي وسعى إلى تحويله إلى “حلم قومي” يستحق أن تجند له كل الطاقات والخبرات لوضعه موضع التنفيذ وبدأ يضعه في جدول أعماله في مناقشاته واجتماعاته مع كل المسؤولين العرب والأجانب كما تداول بشأنه في حواراته المستمرة مع الرئيسين تيتو ونهرو، وأخذ يبحث عن مصادر لتمويله، وبدا بعرضه على البنك الدولي للإنشاء والتعمير الذي أكد في تقرير نشره في شهر يونيو/ حزيران 1955 سلامة المشروع، وورد بهذا التقرير أيضاً “أن مصر اعتمدت ثمانية ملايين دولار لتنفيذ بعض الأعمال التحضيرية للمشروع وتشمل إنشاء خطوط للسكك الحديدية، ومساكن للعاملين في الموقع”، وفي أغسطس/ آب من نفس العام أصدر البنك تقريرا آخر يؤكد قدرة الاقتصاد المصري على تنفيذ المشروع، وفي سبتمبر/ ايلول 1955 أعلنت بعض الشركات الألمانية الغربية والفرنسية والبريطانية تقدمها بعروض للمشاركة في تنفيذ المشروع في شكل “كونسورتيوم”.

لقد بدا أن المشروع يحظى باهتمام في الدوائر السياسية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وقد اعتبروه فرصة للربط بين دعم خطط التنمية التي بدأتها الثورة من جانب، وإقامة نظام إقليمي يضمن المصالح الغربية ويفتح الطريق للتسوية مع “إسرائيل” من جانب آخر. وبدأ الاتحاد السوفييتي يدخل كطرف ثالث في التنافس خاصة بعد عقد صفقة الأسلحة التشيكية ففي سبتمبر/ ايلول عام،1955 وفي نفس وقت إعلان أنباء الصفقة صرح السفير السوفييتي في القاهرة أن بلاده مستعدة للمساهمة في بناء السد العالي،وحدد هذه المساهمة بالمعونة الفنية والمعدات وأموال يتم تسديدها بسلع خلال خمسة وعشرين عاما، وأدى ذلك إلى فزع كبير في الغرب، وتحركت بريطانيا لتحذير واشنطن من التهديد السوفييتي القادم.

وقد اختار عبدالناصر أن يختبر نوايا الغرب مرة أخرى بعد أن فشلت محاولات الحصول على السلاح منه فبدأ الدكتور عبدالمنعم القيسوني وزير الاقتصاد سلسلة من الزيارات للعواصم الغربية وجرت العديد من المفاوضات، أسفرت عن اتفاق من حيث المبدأ أعلنته الخارجية الأمريكية في 16ديسمبر/ كانون الأول 1955 ويقضي بأن يتولى كل من البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تمويل مشروع السد العالي بتكلفة تبلغ 1،3 مليار دولار يتم توزيعه كالتالي:

1- تقديم 70 مليون دولار للمرحلة الأولى في المشروع (تقدم الولايات المتحدة مبلغ 56 مليون دولار، وتقدم بريطانيا مبلغ 14 مليون دولار).

2- تقديم 200 مليون دولار للمرحلة الثانية في صورة قرض من البنك الدولي بالإضافة إلى 130 مليون دولار أخرى كقرض من الولايات المتحدة الأمريكية ومبلغ 80 مليون دولار قرضا من بريطانيا، على أن تدفع في صور أقساط سنوية بفائدة 5% تسدد على مدى أربعين سنة.

3- باقي المبلغ تتحمله مصر بالعملة المحلية.

4- يضاف إلى ذلك منحتان الأولى من الولايات المتحدة وقدرها عشرون مليون جنيه والثانية من بريطانيا وقدرها خمسة ملايين ونصف المليون جنيه.

وفي الوقت الذي كانت فيه المفاوضات حول تمويل السد العالي تتخذ هذا المسار الإيجابي على السطح كانت العلاقات السياسية بين مصر من جانب وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا من جانب آخر تتخذ مسارا مختلفا بسبب معركة الأحلاف وصفقة الأسلحة والاعتداءات “الإسرائيلية” على غزة وغيرها كما أوضحت، وقد بدا واضحا حرص الدولتين على امتلاك أوراق ضغط على ثورة يوليو تتعارض والإستراتيجية التي انتهجتها الأخيرة بشأن استقلالية قرارها والإصرار على استكمال التحرر من أية ضغوط أجنبية 0 وجاءت الشروط التي وضعتها الدولتان لتنفيذ اتفاق تمويل السد العالي مؤكدة لهذا الاتجاه، فقد اقترن العرض السابق بالشروط التالية:

1- أن تركز مصر برنامجها التنموي على السد العالي بتحويل ثلث دخلها القومي ولمدة عشر سنوات لهذا المشروع مع فرض رقابة على المشروعات الاقتصادية الأخرى.

2- وضع ضوابط للحد من زيادة التضخم والإنفاق الحكومي، وفرض رقابة على مصروفات الحكومة المصرية وعلى الاتفاقيات الأجنبية أو الديون الخارجية. وألا تقبل مصر قروضا أخرى أو تعقد اتفاقيات في هذا الشأن إلا بعد موافقة البنك الدولي.

3- الاحتفاظ بحق إعادة النظر في سياسة التمويل في حالات الضرورة.

وأثارت هذه الشروط غضب الرئيس عبدالناصر، فقد كانت أشبه بالوضع الذي كان سائدا في عهد الخديوي إسماعيل، وأنتج ذلك كله حالة فقدان الثقة في إمكانية معاونة الولايات المتحدة في تنفيذ المشروع، وانتهى الرئيس إلى تقدير موقف اقتنع به بهذا المعنى، لكنه حرص على تفادي المواجهة لآخر لحظة حتى يتكشف الموقف الأمريكي بوضوح وجلاء وصراحة في ضوء الرسائل المتكررة التي حملتها القنوات الخلفية والزيارات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين، والتي أكدت حقيقة واحدة هي إصرار الجانب الأمريكي على التحكم في سياسات الثورة ودفعها إلى مسار يخدم الإستراتيجية الأمريكية ومصالح الغرب في الأساس، وخاصة فيما يتعلق بالتفاهم مع “إسرائيل”، وكان ذلك يجري بتنسيق محكم مع الجانب البريطاني تكشفت أبعاده في أكثر من مناسبة وكما كشفته الوثائق الأمريكية والبريطانية التي نشرت مؤخرا.

وفي هذا الإطار استقبل الرئيس جمال عبدالناصر يوجين بلاك رئيس البنك الدولي، وبعد مفاوضات وافق عبدالناصر فقط على أن يكون للبنك الدولي حقوق معقولة في تفقد الإجراءات التي سوف تتخذها مصر للحد من التضخم عقد اتفاق أعلن في 8 فبراير/ شباط 1956 يقدم البنك بموجبه قرضاً قيمته مائتا مليون دولار على أن يتوقف تنفيذه على التوصل إلى اتفاق آخر مع لندن وواشنطن حول الشروط التي أعلنوها لتقديم المساعدة.

وفي الأسبوع الأول من يوليو/ تموز 1956 استقبل الرئيس عبدالناصر السفير أحمد حسين سفير مصر في واشنطن في استراحة برج العرب غرب الإسكندرية، ودار الحديث حول الموقف الأمريكي من تمويل مشروع السد العالي، وكان أحمد حسين معروفا بميوله الأمريكية ومن أنصار تطوير العلاقات والتعاون مع واشنطن وقد حاول في هذا الاجتماع أن يبرر موقف جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي الذي اتسم بالمماطلة والتعنت وأخذ يسهب في تفسير الضغوط التي يتعرض لها من الدوائر الصهيونية وبعض رجال الكونجرس الأمريكي.

ولكن عبدالناصر كان يدرك في قرارة نفسه أن الأمر لا يخرج عن حدود المناورة، وأن أمريكا لن تقدم على المساهمة في تنفيذ المشروع، وتمسك أحمد حسين بموقفه ومحاولاته للتفسير والتبرير، وبعد أن استمع له عبدالناصر مطولا بادره قائلاً: “حسنا (قالها بالإنجليزية All Right) سأعطيك الفرصة لكي تثبت شيئا من أجل مصر يا أحمد، ترجع لدالاس وتقول له إنك قبلت بجميع شروطه، ثم لاحظ ردود فعله، وحانشوف إيه اللي حا يجري بعد كده؟”.

وأسقط في يد أحمد حسين واستفسر من الرئيس عما إذا كان لا يريد أن يعدل من الشروط الأمريكية.

فقال له عبدالناصر: “لا تعديل في الشروط، وأنت مفوض تفويضا كاملا ومعا” “Carte blanche”، وتقول لدالاس: “إنني قبلت بشروطكم وبأن يتجدد الالتزام الأمريكي تجاه السد العالي سنويا، لكني أحذرك يا أحمد إياك أن تقول أو تفعل أي شىء يمس كرامة مصر وهذا لسبب واضح تماما هو أننا لن نحصل على السد العالي من الأمريكان”.

وتوجه أحمد حسين إلى واشنطن عن طريق لندن، وعلى خلاف اتفاقه مع الرئيس عبدالناصر أدلى بتصريحات دلت على تخاذل لا مبرر له على الإطلاق فقد قال: “إن مصر تقبل بجميع المقترحات المقررة بشأن السد العالي، وأنها ترجو مساعدتها في بناء السد العالي، وتعتمد على هذه المساعدة وتطلبها”.

كنا في هذه الأثناء في صحبة الرئيس جمال عبدالناصر في زيارة رسمية ليوغوسلافيا عندما أدلى أحمد حسين بهذه التصريحات وأعرب الرئيس عن ضيقه إذ شعر أن مصر قد أهينت وما كان لأحمد حسين أن يصرح بكلمة قبل أن يقابل دالاس حسب التعليمات ويفاجئه بموقفه.

ذكّرت الرئيس بما لدينا من معلومات مسبقة بشأن أحمد حسين وتزايد ارتباطاته في هذه الفترة 1955-1956 مع بعض الجهات في أمريكا وقد رأيت هذا التصريح بمثابة تسريب للموقف المصري بشكل مفصل ويحمل معنى التخريب في سياستنا، خاصة وأن الرئيس قد حذره من عدم الإقدام على أي قول أو فعل يترتب عليه المساس بكرامة مصر. فلماذا تطوع أحمد حسين بهذا الموقف ؟ ولماذا في لندن بالذات؟ ولماذا قبل اجتماعه بدالاس في واشنطن؟ خاصة وأنه سمع تقديراً محدداً من جمال عبدالناصر يعرب فيه عن اعتقاده الجازم بأن أمريكا لن تقدم السد العالي لمصر.

كان رأي أحمد حسين الذي عبر عنه فيما بعد، أنه قصد المناورة وممارسة الضغط على الجانب الأمريكي خاصة وأنه ألمح في تصريحاته إلى استعداد الاتحاد السوفييتي لتقديم المساعدة في بناء السد العالي. والحقيقة أنه لم يجر أي اتصال من جانب مصر مع الاتحاد السوفييتي حول هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد إلا بعد سنة ،1957 وكل ما حققه التصريح هو إعطاء الفرصة لدالاس لأن يعد نفسه جيدا.

وما أن وصل أحمد حسين إلى واشنطن حتى تتابعت الأحداث على النحو التالي:

- عندما تسلم دالاس تصريح احمد حسين سارع بإبلاغ أيزنهاور الذي كان متواجدا في كامب ديفيد اثر إصابته بأزمة قلبية، ولإحساس دالاس أنه سيواجه حرجا شديدا إذا ما أبلغه أحمد حسين رسميا قبول مصر للشروط الأمريكية، أبلغ أيزنهاور بأن المصريين لا يتجاوبون معه البتة، وأنه يقترح سحب عرض المساعدة في بناء السد العالي.. ورد أيزنهاور بأنه يفوضه للتصرف بحرية مطلقة وفق ما يراه.

- تحدد ظهر يوم 19 يوليو/ تموز 1956 موعدا لاستقبال دالاس لأحمد حسين في مبنى وزارة الخارجية الأمريكية، وبعد دخوله مكتب دالاس بدقائق معدودة أصدر المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية “لينكولن وايت”، بيانا يعلن فيه سحب العرض الأمريكي لتمويل مشروع السد العالي، وكان ذلك قبل أن يبدأ الحديث بين أحمد حسين وجون فوستر دالاس.

وقد بعث أحمد حسين بتقرير إلى الرئيس عبدالناصر عن اللقاء جاء فيه:

- أن دالاس فاجأه عندما هم بالجلوس بقوله أن الولايات المتحدة الأمريكية يا سيادة السفير ستصدر بيانا الآن، وأننا نأسف لأننا لن نساعدكم في بناء السد العالي وأن بلاده قد قررت سحب عرضها لأن اقتصاد مصر لن يستطيع تحمل هذا المشروع.

وهنا حاول السفير أحمد حسين أن يحتج لكن دالاس واصل قراءة ما هو مكتوب أمامه والذي أعد مسبقا حيث استطرد قائلا:

- إن الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد أن من يبني السد العالي -أياً كان- سيكسب كراهية الشعب المصري لأن الأعباء المترتبة عليه ستكون مدمرة وساحقة، وأضاف انه ليس في وسع الشعب المصري أن يتحمل عبء تنفيذ هذا المشروع الضخم، فمتطلباته تتجاوز ما تستطيع مصادر مصر احتماله خاصة بعد التزامها بشراء الأسلحة (يقصد صفقة الأسلحة التشيكية)، وإننا في الولايات المتحدة الأمريكية لا نريد أن نكون مكروهين في مصر، وسوف نترك هذه المنفعة للاتحاد السوفييتي إذا كان يعتقد أنه يريد أن يبني السد العالي.

- ويضيف دالاس ان بلاده تعتقد أن الاتحاد السوفييتي لا يملك المصادر الكافية لإنجاز المشروع ولو تعهد بتنفيذه فإن الدول التابعة له ستتمرد عليه حيث أنهم يساعدون مصر بينما يرفضون تقديم المساعدات المماثلة التي تطلبها هذه الدول.

- يؤكد دالاس أن صفقة الأسلحة التشيكية التي عقدتها مصر ستسبب للحكومة الأمريكية حرجا في شأن استمرار مساعدتها الاقتصادية لمصر لأن كرامة أمريكا أصبحت الآن في التراب بسبب مزاعم بعض الأصوات في أمريكا بأن وسيلة مصر للحصول على المساعدات هي التشهير بالسياسة الأمريكية ومعارضتها.

- أنه منزعج شخصيا من صفقة الأسلحة خاصة وأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قد أثبتت في السنوات الأخيرة صدق نيتها في مساعدة مصر كما لعبت دورا مهما في التوصل لاتفاقية الجلاء، والتزمت موقفا غير منحاز بين العرب و”إسرائيل”، بل ومارست الضغط على “إسرائيل” عندما حاولت تنفيذ مشروعاتها في بحيرة طبرية برغم قرار مجلس الأمن بإيقاف هذه المشروعات. وقال أيضا أن ممثلي “إسرائيل” صرحوا له بأن “إسرائيل” لا يمكن أن تنتظر حتى يكمل العرب استعدادهم للقضاء عليها، كما ذكر النتائج الخطيرة التي تترتب على تمكين الشيوعية من بترول البلاد العربية وحرمان الدول الغربية منه، وأنه شخصيا يجد نفسه محرجا ومركزه صعب لأن “إسرائيل” ستطالب ولا شك بالحصول على الأسلحة وبضمانات أمريكية وستستخدم في سبيل تحقيق مطالبها كل وسائل الضغط التي إن نجحت فسوف تسيء لأمريكا عند العرب.

وفي رد عاجل على هذه الآراء أوضح أحمد حسين ما يلي:

- أنه نقل إلى وزير الخارجية الأمريكي تأكيد الرئيس جمال عبدالناصر بأن صفقة الأسلحة التشيكية ما هي في الواقع إلا صفقة تجارية لا تحمل في طياتها أي طابع آخر.

- أن مصر لن تسمح بتسرب أي نفوذ أجنبي إليها وتحرص كل الحرص على مقاومة الشيوعية، وأنها قبلت بالعرض التشيكي نتيجة الصعوبات التي واجهتها في الحصول على السلاح من الدول الغربية.

- ويضيف أحمد حسين أنه دلل في هذه المناسبة على سياسة مصر الواقعية والبناءة مذكرا بالدور الكبير الذي قام به الفنيون المصريون لمساعدة إيريك جونستون في وضع مشروعه الخاص بنهر الأردن، وان الرئيس عبدالناصر نفسه قد عبر للوفود العربية الأخرى عن تأييده للمشروع وهو ما ساعد جونستون على إقناع بعضها بجدوى المشروع وسلامته.

- كما تطرق إلى المساعدات الاقتصادية الأمريكية في العام الحالي، وأوضح أن مصر تريد التقدم بطلب 360 ألف طن من القمح الأمريكي وفقا للقانون “480 ب”.

ولكن الولايات المتحدة الأمريكية صممت على رفضها تمويل مشروع السد العالي كما توقع الرئيس جمال عبدالناصر.

هكذا لم تكن القضية التي تشغل بال المسؤولين الأمريكيين أو الخارجية الأمريكية على وجه الخصوص هي قدرة الاقتصاد المصري أو الآثار السياسية أو الاقتصادية المترتبة على مشروع السد العالي بل تكمن الأزمة الحقيقية في عدم قدرة الإدارة الأمريكية على تقبل الأوضاع الجديدة في المنطقة التي ترتبت على قيام ثورة يوليو ،1952 وعدم قدرتها على التعامل مع القوة الجديدة بما طرحته من أهداف تحمل في طياتها من وجهة النظر الأمريكية تحديا لكل الثوابت التي أرستها القوى الاستعمارية في الشرق الأوسط على مدى السنوات الطويلة السابقة، وكان على مصر الثورة أن تقبل التحدي، وتواصل خططها في البناء والنمو والتنمية، وتعتمد في ذلك على مواردها، فكان تأميم شركة قناة السويس.





كلفت السد بلغت 400 مليون جنيه ولو بني اليوم سيتكلف 18 مليار جنيه



بدأ التفكير في المشروع في نهاية سنة 1952 المهندس اليوناني المصري دانينيوس.

بدأ تنفيذ المشروع في 9 يناير/ كانون الثاني 1960.

انتهت المرحلة الأولى في منتصف مايو/ أيار 1964 بتحويل مياه النهر إلى قناة التحويل.

في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 1967 ارتفع جسم السد إلى منسوب 172 متراً، وانطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالي في 9 يناير/ كانون الثاني 1969 بتشغيل ثلاثة توربينات.

في يوليو/ تموز 1970 اكتمل المشروع بتشغيل 12 توربيناً.

بلغت تكلفة بناء السد العالي حوالي 400 مليون جنيه، ولو أردنا بناءه اليوم سيتكلف 18مليار جنيه. (حسب تقدير شيخ المهندسين إبراهيم زكي قناوي).

السد بناء من رخام الجرانيت والرمال والطمي تتوسطه طبقة صماء من الطين الأسواني.

السد يغلق مجرى النهر على مسيرة حوالي سبعة كيلومترات إلى الجنوب من سد أسوان القديم ويحول المياه إلى مجرى جديد عبارة عن قناة مكشوفة تتوسطها ستة أنفاق متصلة في نهايتها بمحطة كهرباء مزودة باثنتي عشرة وحدة.

سعة بحيرة ناصر 164مليار متر مكعب منها 30 مليار متر مكعب لاستيعاب الطمي بعد استمرار رسوبه لعدة قرون، و37 مليار متر مكعب لمواجهة الفيضانات العالية، و97 مليار متر مكعب تمثل السعة الحية للخزان التي تضمن تصرفاً سنوياً ثابتاً مقداره: 84 مليار متر مكعب يخص مصر منها 5ر55 مليار ويخص السودان 18،5 مليار، والباقي 10 مليارات مقدر أن يفقد من حوض الخزان بالتبخر والتسرب.

عرض مجرى النهر عند موقع السد 205 أمتار.

طول السد عند القمة 3820 متراً.

أقصى ارتفاع للسد 111 متراً.

عرض قاعدة السد 980 متراً.

عرض الطريق فوق السد 40 متراً.

* البحيرة:

- طول البحيرة 500 كيلومتر.

- متوسط عرض البحيرة 11،8 كيلومتر.

- مساحة سطح البحيرة 5900 كيلومتر مربع.

- أقصى سعة للتخزين في البحيرة 164 مليار متر مكعب.

* مجرى التحويل:

- الطول الكلي لمجرى التحويل 1950 متراً.

- طول القناة الأمامية المكشوفة 1150 متراً.

- طول الأنفاق شاملا محطة توليد الكهرباء 315 متراً.

- طول القناة الخلفية المكشوفة 485 متراً.

- طول النفق 282 متراً.

- عدد الأنفاق 6.

- أقصى تصرف يمكن تمريره بمجرى التحويل 11000 متر مكعب/ ثانية.

- القطر الداخلي للنفق 15 متراً.

* محطة توليد الكهرباء:

- مجموع القوة المركبة 2،1 مليون كيلووات.

- عدد الوحدات الكهربائية 12.

- قوة كل وحدة 175000 كيلووات.

- الضاغط التصميمي 57،5 متر.

القطاع العام والسد العالي

* المقاولون العرب:

حجم الأعمال التي أوكلت لشركة المقاولون العرب في بناء السد العالي لم تتعد نسبة 12% بميزانية لم تتعد 40 مليون جنيه من جملة التكاليف التي بلغت 330 مليون جنيه.

و”المقاولون العرب” قامت بأعمال حفر وهدم. ولم يشرف عثمان أحمد عثمان على أي عملية بل كان المشرفون هم أمين عمر وأحمد عوض.

* مصر للأسمنت المسلح:

كان حجم أعمالها 60 مليون جنيه بنسبة 18% وهو يعادل مرة ونصف حجم الأعمال الذي أنجزته “المقاولون العرب”.

وأهم الأعمال كالتبطين للأنفاق وبناء محطات الكهرباء والستارة الرئيسية للحقن قامت بها شركة مصر للأسمنت المسلح والهيئة العامة للسد العالي.
بعد ثورة 23 يوليو وخروج مصر من حقبة الظلام والفساد السياسى والاخلاقى عملت مصر والثورة على اعادة احياء نفسها من جديد وعلى التطوير الدءوب فى كل مجالات ونواحى الحياة السياسية والاقتصادية ، جاء فى مقدمة تلك المشاريع التطويرية مشروع بناء السد العالى والتى اعتبرته الثورة فى مقدمة مهامها لتحقيق التنمية الزراعية لتحقيق الرخاء ، بعد توفير مياه الفيضان التى كانت تلقى دون التمكن من استعمالها ، وبذلك يمكن زيادة الرقعة الزراعية المحدودة بالإضافة إلى تفادى الجفاف وتوليد الطاقة الكهربائية لاستخدامها فى التصنيع الوطنى وتطوير البلد من وطن زراعى إلى بلد صناعي وامت الثورة فى السنين الأولى بتكليف الخبراء الالمان بإعداد الدراسات عن المشروع وظهرت من الدراسة مشكلة التمويل لضخامتها ولكن تصميم مصر على بناء السد العالى لما ينتج عنه من فوائد اقتصادية لم يثنيها عن محاولة التوصل الى اتفاق وذلك حفظا لمصالح الشعب المستقبلة ، فقد كان ذلك أول مشروع بعيد المدى فى مصر .
_______________________________________
من كتاب سنوات وايام مع جمال عبد الناصر