الماء مادة مركبة من ذرتي هدروجين تتحدان مع ذرة من الأكسجين ومن عدد قليل من الأيونات الموجبة والسالبة لتكوين جزيء الماء.
ومياه الشرب drinking water هي المياه الطبيعية التي تتوافر فيها المعايير الفيزيائية والكيمياوية والجرثومية لمنظمة الصحة العالمية سواء أكان ذلك من مصدرها الطبيعي كالنبع أم بعد إجراء عمليات التنقية عليها.
لمحة تاريخية
إن الحضارات التي بقيت في ذاكرة التاريخ، وخلَّدها في صفحاته، نشأت حول ضفاف الأنهار والبحيرات والينابيع الطبيعية والآبار التي قام بحفرها الإنسان؛ والتي عليها كان يعتمد السكان، وحولها تجمعوا، وسكنوا. عرفت عملية جرّ المياه[ر] من مكان إلى آخر بهدف الشرب أو الري في أقنية مصنوعة من الفخار أو الخشب منذ العهد الروماني، وآثارها مازالت واضحة في عدد من المدن الإيطالية وفي كثير من الأمكنة الأخرى داخل امبراطورية روما، كما في قرطاج وطرابلس الغرب والقنوات ودمشق ومعلولا وتدمر وغيرها، وفي مدينة حماة ارتبطت قنوات جرّ مياه نهر العاصي باختراع الناعورة في العصر نفسه. وحل المحرك البخاري محلّ الناعورة في منتصف القرن الثامن عشر، وظلَّت الموارد الطبيعية تمد السكان بالمياه النقية حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر الذي شهد ثورة صناعية كبيرة وتزايداً سريعاً في تعداد السكان وانتشاراً لوباء الكوليرا كان سببه التلوث الذي أصاب الموارد المائية؛ والذي نتج من عدم معالجة مياه المجاري التي كانت تصبّ مباشرة في الأنهار والبحيرات. وبنتيجة ذلك صدر أول مرسوم في بريطانيا عام 1847 بخصوص محطات تنقية المياه، وكان المسهم الرئيس في صدور هذا المرسوم هو إدوين تشادويك Edwin Chadwick، ومنذئذ بدأ الاهتمام بمراقبة الموارد المائية، وانتشرت في أوربا محطات تنقية مياه الشرب.
بدأت فكرة تنقية المياه باستخدام طرائق ميكانيكية كالترقيد لإزالة المواد العالقة. وانتشرت أحواض الترقيد في المدن والأرياف حيث كانت تستخدم خزانات لحفظ المياه إضافة إلى عملية التنقية، وهكذا حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر حين بدأت تتطور طرائق التنقية، وعُرف المرشح الرملي البطيء أول مرّة في بريطانيا. وبعدها عُرف المرشح السريع واستخدم أول مرة في أمريكا. وفي عام 1947 تأسست منظمة الصحة العالمية، ووضعت معايير لمياه الشرب، وألزمت بها كل دول العالم. وهكذا بدأ الاهتمام يتزايد لتأمين المياه بالنوعية والكمية اللازمة، وتطورت طرائق التنقية؛ لتشمل التعقيم وإزالة الملوحة وتخفيض العسارة بما يتوافق مع المعايير العالمية.
مصادر المياه وخصائصها واستعمالاتها
1ـ مصادر المياه: تقسم المياه حسب مصدرها إلى:
أ ـ مياه الأمطار rainwater: تعد مياه الأمطار مصدر تغذية المياه السطحية والجوفية معاً. وتكون نقية عند بدء سقوطها في طبقات الجو العليا؛ إلا أنها بمجرد ملامستها للسطح المستقبل لها تفقد هذه الصفة لتلوثها بما قد يكون عليه من ملوثات. ويمكن استعمال مياه الأمطار في حال توافرها؛ وذلك بعد دراسة معدلات سقوطها ومدى ملاءمتها للاحتياجات المائية المطلوبة على أن تجمع بطريقة صحية لا تسبب تلوثها.
ب ـ المياه السطحية surface water: تعدّ المياه السطحية (أنهار، بحيرات، بحار) المصدر الأساسي لتأمين الاحتياجات المائية سواء أكانت بشرية أم صناعية؛ إلا أنها ملوثة لتعرضها للعوامل البيئية المختلفة.
يمكن أن تتغذى الأنهار من مياه الينابيع أو من ذوبان الثلوج أو من بحيرات. أما البحيرات فهي إما بركانية وإما جليدية وإما اصطناعية تتشكل من إقامة السدود على الأنهار. أما مياه البحار فهي مالحة، ولا يمكن استعمالها مباشرة؛ إلا أنه نتيجة التطور التكنولوجي السريع في السنوات الأخيرة فقد انتشرت وعلى نحو واسع محطات إزالة ملوحة المياه، وأصبح بالإمكان استثمار مياه البحار في تأمين الاحتياجات المائية للشرب والصناعة والزراعة.
ج ـ المياه الجوفية groundwater: وهي المياه الموجودة تحت سطح الأرض؛ والتي تسربت خلال طبقاتها، وتوجد على أعماق مختلفة حيث يتوقف ذلك على التركيب الجيولوجي لطبقات الأرض. وقد عدّت المياه الجوفية مصدراً مهماً للمياه عبر العصور سواء للاستهلاك البشري أم في استخدامها للري. وتتميز المياه الجوفية بأنها أكثر صفاء من المياه السطحية، ولا تحتوي على مواد عالقة ولا تتأثر بالعوامل الجوية إلا أن تراكيز الأملاح فيها قد يكون عالياً مما يكسبها بعض الطعم واللون والقساوة؛ الأمر الذي يستدعي أحياناً إجراء معالجة لتخفيف تركيز هذه الأملاح.
يمكن استثمار المياه الجوفية بوساطة الآبار والينابيع. وقد تكون الآبار سطحية أو عميقة أو ارتوازية حيث يكون الضغط على سطح المياه الجوفية أعلى من الضغط الجوي بحيث يرتفع الماء في البئر تلقائياً.
2ـ استعمالات المياه:
أ ـ الاستعمالات المنزلية: وتشمل كل ما يستهلكه الإنسان في الأغراض المنزلية، مثل الشرب والطهي والغسيل والتنظيف والاستحمام. كذلك المياه المستهلكة في التدفئة والتكييف ورش الحدائق الخاصة بالبيوت.
ب ـ الاستعمالات الصناعية: وتشمل المياه المستعملة في المعامل والمصانع على اختلاف أنواعها؛ كذلك المياه المستخدمة في التبريد ومعامل المياه الغازية وغيرها من الأغراض الصناعية.
ج ـ الاستعمالات العامة: وتشمل المياه المستخدمة في المباني العامة (مدارس، مشافٍ، فنادق…) ورشّ الشوارع وسقاية الحدائق العامة ومكافحة الحريق.
3 ـ خواصّ المياه:
أ ـ الخواص الفيزيائية: وتشمل درجة الحرارة، اللون، الطعم، الرائحة، العكارة. وحسب معايير منظمة الصحة العالمية فإن درجة حرارة مياه الشرب تختلف باختلاف فصول السنة، ويراوح لونها من (5 ـ20) درجة لون. ويجب أن تكون عديمة الطعم والرائحة، أما العكارة فتراوح من (2ـ 5) وحدة عكارة turbidity unit.
ب ـ الخواص الكيمياوية: وتشمل:
ـ درجة القلوية أو الرقم الهدروجيني الـ pH؛ وهو الذي يحدد فيما إذا كانت المياه حمضية أو قلوية، ويفضل أن يكون في مياه الشرب بحدود (7)؛ على الرغم من أنه ليس لدرجة القلوية أثر ضار بالصحة.
ـ القساوة أو عسر المياه hardness، وتحدد بتركيز أملاح الكلسيوم والمغنزيوم وخاصة كربونات الكلسيوم والمغنزيوم، وتعدّ المياه العسرة غير صالحة للشرب، وحسب معايير منظمة الصحة العالمية يفضل ألا تزيد على (100) مغ/ل.
ـ المركبات الآزوتية، مثل النشادر والنتريت والنترات ويجب ألا تحوي مياه الشرب على أي أثر للنشادر والنتريت في حين يسمح بوجود النترات بتركيز (10ـ 15) مغ/ل.
ـ أملاح المعادن المنحلة في المياه، وهي محدودة التأثير الفيزيولوجي إلا أنه يفضل ألا يزيد تركيزها في مياه الشرب على (1000) مغ/ل.
ـ المواد السامة، مثل الرصاص والزرنيخ والسيانيد والكادميوم والزئبق وغيرها، ويجب ألا يزيد تركيزها في مياه الشرب على (0.05) مغ/ل عدا الزئبق الذي لا يزيد تركيزه على (0.001) مغ/ل لسميته الشديدة.
ج ـ الخواص الجرثومية: تحوي المياه الملوثة العديد من الجراثيم والفيروسات الضارة التي تسبب كثيراً من الأمراض كالحمى التيفية والكوليرا والزحار والتهاب السحايا وشلل الأطفال وغيرها. ويمكن الكشف عن تلوث المياه بمثل هذه الجراثيم بوساطة بكتريا القولون، وأهمها الإشريكية القولونية E.Coli. ويجب ألا يزيد عددها على 1/100مل، ويفضل غيابها نهائياً.
طرائق معالجة المياه
تمرّ المياه الطبيعية في أثناء معالجتها بالمراحل الآتية أو بعض منها؛ لتصبح صالحة للشرب:
1ـ مرحلة الترسيبsedimentation :
مخطط رمزي لمحطة تنقية المياه |
أ ـ الترسيب البسيط أو الطبيعي plain sedimentation: يتم في هذا النوع من الترسيب التخلص من المواد العالقة بالمياه؛ والتي وزنها النوعي أكبر من الوزن النوعي للمياه، وذلك تحت تأثير الجاذبية الأرضية. ويُعدّ مرحلة أولية في التنقية يتم فيها تخفيف الحمل من المواد العالقة في المياه قبل دخولها إلى المرحلة الثانية (مرحلة الترشيح).
ب ـ الترسيب بالترويب أو التخثيرsedimentation by coagulation: وجد تجريبياً أنه من غير الاقتصادي أن يزيد زمن الترسيب الطبيعي على أربع ساعات. ولما كانت المياه تحتوي على مواد عالقة دقيقة يحتاج ترسبها إلى زمن طويل يزيد على ذلك - كذلك قد تحتوي على مواد غروية من الصعب ترسبها فيزيائياً ـ كان لابد من إضافة مركبات كيميائية تسمى المخثرات coagulants تعمل على تجميع هذه الجزيئات الدقيقة مع بعضها مشكّلة ندفاً هلامية flocs ذات حجوم كبيرة يسهل التخلص منها بالترسيب وبزمن قصير نسبياً. كما يساعد الترسيب بالترويب على تخليص المياه من عدد كبير من البكتريا التي تلتصق على سطح الندف الهلامية.
هناك مواد كيميائية كثيرة تستعمل في الترسيب بالترويب؛ من أهمها مركبات الألمنيوم والحديد، مثل كبريتات الألمنيوم، وكبريتات الحديد، وكبريتات الحديدي، وكلور الحديد وغيرها؛ وجميعها ليس لها أثر ضار في الصحة.
2ـ مرحلة الترشيح filtration: يعدّ الترشيح مرحلة أساسية في تنقية المياه حيث يتم تخليصها من المواد الدقيقة والغروية التي بقيت فيها بعد عملية الترسيب وكذلك من معظم البكتريا؛ ويتحقق ذلك بإمرارها خلال طبقة مسامية غالباً ما تكون من الرمل والبحص الناعم لتوافره وعدم تغير خواصه الفيزيائية والكيمياوية في أثناء عملية الترشيح.
هناك نوعان من المرشحات؛ هما:
ـ المرشحات البطيئة: وهي تمتاز بالكفاية العالية في التنقية إضافة إلى أنه لا ضرورة إلى استعمال مواد التخثير وأحواض الترسيب بالترويب؛ إلا أنه بسبب السرعة البطيئة التي تراوح من (0.1ـ0.3) م/سا والمردود القليل لهذه المرشحات وللمساحات الواسعة التي تشغلها فلم تعد تستخدم حالياً وخاصة في محطات التنقية الكبيرة، وحلَّت المرشحات السريعة عوضاً عنها.
ـ المرشحات السريعة: وهي أيضاً ذات كفاية عالية في التنقية إلا أنه لابد أن يسبقها عملية ترسيب أو تخثير بسبب سرعة الترشيح الكبيرة التي تراوح بين (5ـ 25) م/سا. من هذه المرشحات ما هو مكشوف؛ ويستخدم في محطات التنقية المركزية، ومنها ما هو مغلق، ويستخدم في المباني العامة (مشافٍ، مسابح، فنادق…)، ويمتاز بأنه لا يُشغل مساحات واسعة، ويعطي مردوداً جيداً وكفاية عالية في التنقية.
3 ـ مرحلة التعقيم sterilization or disinfection: والغاية من التعقيم هي إبادة البكتريا والفيروسات الضارة بالصحة التي قد توجد بالمياه. ويتم التعقيم بطرائق فيزيائية كالغلي وأشعة الشمس والأشعة فوق البنفسجية والأمواج فوق الصوتية؛ أو بطرائق كيمياوية، وأكثر ما يستخدم غاز الكلور ومركباته (الكلورامين وهيبوكلوريد الصوديوم وهيبوكلوريد الكلسيوم)، ولا تظهر فعالية الكلور في التعقيم إلا بعد مرور 30 دقيقة على مزجه مع الماء، ويجب أن يكون تركيز الكلور المتبقي في الماء بعد التعقيم بحدود (0.2ـ0.3) مغ/ل. ويمكن إجراء التعقيم بالأوزون، وهو أفضل من الكلور؛ لأنه لا يترك أثراً على طعم المياه ورائحتها إلا أنه أكبر كلفة.
4 ـ إزالة عسر المياه water softening: ينتج عسر المياه من زيادة تركيز أملاح الكلسيوم والمغنزيوم فيها. وتعد المياه مقبولة إذا كان تركيز هذه الأملاح بحدود 100 مغ/ل، أما إذا زاد عن ذلك فلا بد من تخفيض هذا التركيز بتطبيق إحدى الطرائق الآتية:
ـ طريقة التسخين: يؤدي غلي المياه إلى تخليصها من نسبة كبيرة من الأملاح.
ـ طريقة كيمياوية: وذلك بإضافة ماءات الكلسيوم (الكلس المطفأ) أو ماءات الصوديوم (الصودا) التي تتفاعل مع أملاح الكلسيوم والمغنزيوم؛ وتعطي موادّ غير منحلة يمكن إزالتها بالترسيب أو الترشيح.
ـ طريقة التبادل الأيوني: وتعتمد على ترشيح المياه العسرة عبر طبقة من المواد تمتلك القدرة على تبادل أيونات الهدروجين والصوديوم الموجودة فيها مع أيونات الكلسيوم والمغنزيوم المنحلة في الماء، وتعرف مادة الترشيح هذه بالريزن.
إزالة ملوحة المياه (زملحة المياه)
بسبب التزايد المستمر في الاحتياجات المائية وعدم كفاية مصادر المياه العذبة كان لابدّ من اللجوء إلى البحر والعمل على تخفيف ملوحته للاستفادة من مياهه. وتراوح ملوحة المياه الجوفية من (1.5ـ10) غ/ل؛ في حين ترتفع ملوحة مياه البحر؛ لتصل إلى (50) غ/ل. أما المياه الصالحة للشرب فيفضل ألا يزيد تركيز الأملاح فيها على (0.5) غ/ل.
ـ طرائق إزالة ملوحة المياه:
أ ـ الطرائق الفيزيائية: وأهمها طريقة التقطير التي تعتمد على تكثيف الأبخرة المتصاعدة من تسخين المياه المالحة، وهي طريقة محدودة الاستخدام.
ب ـ الطرائق الكيمياوية: وأهمها طريقة التبادل الأيوني، وتعتمد على المبدأ نفسه في إزالة عسر المياه.
ج ـ طريقة الأغشية: وهي المعروفة بطريقة التناضح العكسي؛ وهي الأكثر انتشاراً في معظم دول العالم. وتعد الأغشية العنصر الرئيس في عملية التناضح العكسي؛ وهي ذات أشكال مختلفة، منها بشكل صفائح وإطارات أو الأغشية الحلزونية أو الأنبوبية.
ومهما يكن شكل الغشاء فإن مبدأ العملية لا يتغير؛ ويتلخص بضخ المياه المالحة المركزة؛ ليتم انضغاطها في وجه الأغشية ضمن وعاء محكم الإغلاق. يَعبُر الماء العذب الأغشية؛ فيصبح المحلول الملحي أكثر تركيزاً حيث يصرف خارج الوعاء.