ثوكيديدس
(نحو 455 ـ 400ق.م)
ثوكيديديس Thukydides مؤرخ وأديب إغريقي، ولد في أثينة وتوفي في طراقية Thrakia. وهو سليل أسرة أرستقراطية وثيقة الصلة بالعائلة المالكة في طراقية آنذاك، وينتمي إلى هذه الأسرة بعض كبار ضباط الجيش مثل ميلتيادس Miltiades وكيمونKimon. نشأ ثوكيديدس في أثينة في ظل الحاكم الديمقراطي بريكلس[ر] Perikles وكان من مؤيديه، خلافاً لتقاليد أسرته السياسية، وتلقى تعليمه اللغوي والأدبي والفلسفي على أيدي السفسطائيين[ر] الجدد. وخدم شاباً في الأسطول اليوناني في المراحل الأولى من الحروب البيلوبونيزية Peloponnésión التي وقعت بين حلف أثينة من جهة وحلف إسبرطة من جهة أخرى بين عامي 431 و404ق.م. واختير في عام 424 لمنصب جنرال ليقود الجيش الأثيني في موقع طراقية، لكنه فشل في صد الجنرال الإسبرطي براسيداس Prasidas عن احتلال المستعمرة الأثينية أمفيبوليس Amphipolis في عام 422، فعوقب بالنفي من أثينة، وقضى بقية حياته في طراقية أو مسافراً يجمع الوثائق المتعلقة بالحروب البيلوبونيزية ويقابل من كانت لهم علاقة مباشرة بها. ولم يدخل أثينة إلا في عام 403، أي بعد سقوطها بأيدي الإسبرطيين.
اشتهر ثوكيديدس عالمياً بكتابه الموسوعي «الحرب بين البيلوبونيزيين والأثينيين» Hopoplemos tõn peloponnésiõn kai Athénaiõn الذي قدم فيه وصفاً تفصيلياً لوقائع الحرب وأسبابها وذرائعها ومجرياتها، معتمداً على تجربته الشخصية، وبشكل أساسي على ما جمعه من وثائق وأحاديث. لكن الكتاب يتوقف عند أحداث خريف عام 411، أي قبل نهاية الحرب بست سنوات ونصف. أما بقية الأحداث فقد استكملها ثلاثة مؤرخين في مؤلفاتهم التي بدؤوها من حيث توقف ثوكيديديس، أولهم كراتيبوس Kratipus وهو معاصر أصغر سناً من ثوكيديدس، وثانيهم زينوفون Xenophon من أبناء الجيل الثاني، وثالثهم ثيوبومبُس Theopompus الذي عاش في الثلث الأخير من القرن الرابع ق.م.
ينقسم مؤلف ثوكيديدس إلى ثمانية كتب، يصف الأول خلفية الحرب وأسبابها مع استطرادات مسهبة في تاريخ تطور الإغريق، ويعرض الثاني الحوادث التي وقعت بين عامي 479 و431 ونمو قوة أثينة اللافت الذي يعتبره المؤلف السبب الجوهري للحرب. وتشمل الكتب الثلاثة التالية حتى الفصل الخامس والعشرين من الكتاب الخامس سرداً لأحداث السنوات العشر الأولى من الحرب التي بدأت بهجوم طيبة Theba على بْلاتايا Plataea وانتهت بصلح نيكياس Nikias عام 421. وتغطي بقية الكتاب الخامس مرحلة السلام الاسمي الذي دام حتى عام 415. أما الكتابان السادس والسابع فيركزان على الحملة الفاشلة التي شنتها أثينة على سيراكوزة Syrakusa في جزيرة صقلية وانتهت بكارثة حلت بالأثينيين عام 413. ويصف الكتاب الثامن الحرب التي تجددت بين الأثينيين والإسبرطيين، وكذلك الاضطرابات في منطقة بحر إيجة، والاضطرابات الداخلية التي عانتها حكومة أثينة حتى أواخر عام 411، وبهذا يتوقف ثوكيديدس عن متابعة مجريات الحرب.
كان ثوكيديدس أول مؤرِّخ تطرق إلى أحداث معاصرة واضعاً نصب عينيه معياراً عالياً من الدقة والأمانة، ولاسيما لدى مقارنة المرويات المختلفة عن حادثة بعينها أو أحاديث شهود العيان. وأخذ على من سبقه من المؤرخين، مثل هيرودوتس[ر]Herodotus تضمينهم كتبهم عناصر أسطورية متوخين إمتاع القارئ، وعاب على المؤرِّخ هيلانيكوس Hellanikus وغيره عدم وضوح تواريخ الأحداث وتسلسلها الزمني، في حين كان هو يؤرِّخ حسب الفصل والسنة. وعلى الرغم من انحياز ثوكيديدس الواضح ضد حاكم أثينة الديماغوجي كليون Kleon الذي تسبب في نفيه، فقد قارب منهجه التاريخي العلمية الأكاديمية والتوجه الإنساني، وقد صرّح في مؤلفه بأنه وضع كتابه كي يفيد منه الراغبون بمعرفة ما جرى في الماضي، ليتمكنوا من تخمين ما قد يحدث في المستقبل، إذ إنَّ أحداث المستقبل ستشابه الماضي، انطلاقاً من أن الطبيعة البشرية في جوهرها واحدة. وموقفه هذا يماثل موقف السفسطائيين، مع التأكيد على دور الفرد في التاريخ.
ويُعدُّ كتابه على صعيد اللُّغة تحفةً أدبيةً، نظراً لرشاقة أسلوبه ووضوحه، ومحاولته الولوج إلى أعماق النفس البشرية للتعبير عن مكنوناتها تجاه أحداث الواقع.
مراجع |
- ALLAN H. GILBERT: Literary Criticism (Plato to Dryden), American Book Company (1940).
- PHILO M. BUCK JR.: An Anthology of World Literature,3rd ed., The Macmillan Company (New York 1957).
رقم صفحه البحث ضمن المجلد:384