Search - للبحث فى مقالات الموقع

Friday, April 1, 2011

هنري ديفيد ثورو Henry David Thoreau


ثورو (هنري ديفيد ـ)
(1817 ـ 1862)

هنري ديفيد ثورو Henry David Thoreau كاتب وشاعر أمريكي، ولد في بلدة كونكورد Concord بولاية مساشوستس وأمضى جل حياته وتوفي فيها. أتمَّ دراسته في مدارس البلدة، ثم في جامعة هارفرد القريبة التي تخرج فيها عام 1837. كانت مجالات اهتمامه واسعة غطت الأدب اليوناني واللاتيني والفلسفات والديانات الشرقية والتاريخ الطبيعي والرياضيات. عمل في التدريس مدة قصيرة، إذ أنشأ مع أخيه مدرسة استمرت ثلاث سنوات.
 وطّد صداقة مع الكاتب والشاعر إمرسون[ر]، الذي كان أكبر منه سناً وقدراً، وأسهم في الحركة التي عُرفت بـ«التعالي»[ر] Transcendentalism في الأدب الأمريكي وجمعت بين الإبداعية[ر] (الرومنسية) والإصلاح. نشر باكورة شعره ونثره في مجلة الحركة «دَيال» The  Dial، وكانت قصيدته «عواطف» Sympathy توّجت العدد الأول في عام 1840، وكذلك مقالته عن الشاعر الروماني أولُس برسيوس فلاكُسA.P.Flaccus. ثم نشر أولى مقالاته حول الطبيعة «تاريخ مساشوستس الطبيعي»(1842) Natural History of Massachusetts، واستمر في النشر في المجلة إلى أن توقفت عن الصدور عام 1844.
أقام ثورو بين عامي (1845-1847) في كوخ بناه بمساعدة بعض الأصدقاء في «وولدن بوند» Walden Pond بالقرب من كونكورد محاولاً إثبات إمكانية العيش بالقرب من الطبيعة بأقل قدر ممكن من الاستهلاك لمواردها، بالاعتماد على الذات، وهذا من صلب مبدأ «التعالي». وكانت هذه الخطوة أيضاً احتجاجاً رمزياً على الحرب التوسعية التي شنتها الولايات المتحدة على جارتها المكسيك، وعلى توسيع نظام الرق، ليشمل الولايات المنضمة حديثاً إلى الاتحاد، وقد طبع فكره الثوري هذا مؤلفاته كلها بطابع الرفض والتحدي في سبيل الإصلاح.
كانت السنوات التي قضاها ثورو في «وولدن بوند» الأكثر عطاء خلال حياته القصيرة، فقد كتب في تلك المدة المسودة النهائية لمؤلفه «أسبوع عبر نهري كونكورد ومِريماك» (1849) A Week on the Concord and Merrimack Rivers، وهو وصف لرحلة فعلية ورمزية عبر الطبيعة تتبع مجرى النهرين. وكان هذا المؤلف بمثابة مقدمة لكتابه الآخر الذي أتمه في الوقت نفسه «وولدن أو الحياة في الغابة» (1854) Walden; or Life in the Woods الذي يمكن أن يُفسَر كسيرة ذاتية أو نقد اجتماعي أو سبر لأغوار النفس البشرية. وهو محاولة شعرية نثرية، بصور مجازية رمزية، لاكتشاف الذات والمدينة الفاضلة عن طريق التأمل في الطبيعة.
في خضم هذا العالم المثالي الذي حاول ثورو خلقه لنفسه دُفع به إلى السجن، وإن كان ذلك لليلة واحدة، لأنه رفض دفع الضرائب المترتبة عليه، مما جعل ثورته على النظام السياسي والاجتماعي القائم تصل إلى أوجها. وكانت مقالته «مقاومة الحكم المدني» (1849) Resistance to Civil Government تعبيراً عن ذلك، لكنه لم يتمكن من نشرها إلا بصعوبة بالغة، ولم تلق تجاوباً كبيراً من القراء لهجومه على نظام الحكم ونقده اللاذع له، وأعاد نشرها تحت عنوان «العصيان المدني» Civil Disobedience في كتابه «أمريكي (يانكي) في كندا» (1966) A Yankee in Canada. ويبين ثورو في هذه المقالة أنَّ هناك قانوناً «أسمى من القانون المدني وأن على الإنسان اتباع هذا القانون الأسمى، ولو أدى ذلك إلى معاناته»، وبالتالي فإن أي «نظام حكم يسجن البريء يجعل من السجن مكاناً مناسباً للبريء». ويفسر هذا تجاوب ثورو مع حركة تحرير العبيد وتسهيل هروبهم من الجنوب إلى الشمال، فيما عرف بالخط الحديدي السري Underground Railroad، فكتب «العبودية في مساشوستس» Slavery in Massachusetts، وهي في الأصل محاضرة كان قد ألقاها عام 1854. كذلك كان ثورو المدافع الأول عن جون براون، الذي قام عام 1859 بغارة على مستودع للأسلحة تابع للجيش تمهيداً للقيام بثورة لتحرير العبيد، إلا أنه قُبض عليه واتهم بالخيانة وأعدم، واعتبره ثورو بطلاً، فكتب «دفاع عن الكابتن جون براون» (1959)A Plea for Captain John Brown .
نشرت بعد وفاة ثورو بعض مؤلفاته حول الطبيعة، مثل «نزهات» (1963) Excursions و«غابات مين» (1864) The Maine Woods و«كيب كود» (1865) Cape Cod التي كانت نتيجة ملاحظاته في أثناء تجواله في المحيط القريب منه وفي كندا. أما «يوميات» Journals، التي تغطي الجزء الأكبر من حياته ما بين 1837-1862 والتي تعد أكبر وأهم أعماله إذ تشمل أربعة عشر جزءاً، فلم تنشر إلا في عام 1906، أي بعد أكثر من خمسين عاماً على وفاته.
أثَّر فكر ثورو بشكل حاسم في التطورات التي سبقت الحرب الأهلية، التي اندلعت عام 1861 بين الولايات الشمالية التي عارضت العبودية والولايات الجنوبية التي أرادت المحافظة عليها، وفي تداعياتها، وكذلك في حركة الاحتجاج ضد الحرب في فيتنام في الستينات والسبعينات من القرن العشرين. ومع ما يبدو من غموض في كتاباته، لما تبطنه من معان على مستويات مختلفة، فإن فكر ثورو ومعارضته للظلم والاستغلال والاستبداد بشتى أشكاله، وإيمانه بأن الإنسان ولد ليكون حراً، وبضرورة العودة إلى الطبيعة لإعادة التوازن، قد تركت كلها أثراً في مجرى الحياة المعاصرة في الولايات المتحدة الأمريكية.