الخرف وداء الزهايمر
الخرف dementia لغة ذهاب العقل أو ضعفه، وطبياً انعدام الوظائف العقلية أو ضعفها في مجال المعرفة والتفكير والمبادءة والاستجابة، فتتراجع هذه الوظائف والقدرات العقلية تدريجياً أو سريعاً، مما يؤدي إلى تبدل كلي في الشخصية وازدياد تمركز الأنا فيها.
تغير مفهوم الخرف: كثرت حوادث الخرف وارتفعت نسبة الإصابات به لازدياد متوسط العمر بين السكان وانتشار المدنية، التي نتج منها تفكك الروابط الأسرية وضعفها، وفقد الاهتمام اللازم بالشيوخ ولزيادة عدد المسنين في المجتمع بسبب تقدم الطب. ومن الملاحظ ازدياد نسبة الخرف في الشعوب المتمدنة أكثر من الشعوب الأقل تمدناً بسبب نقص أو انعدام العلاقة الإنسانية التي كانت تتوافر على نحو أفضل في المجتمعات التقليدية السابقة والتي كانت أكثر تماسكاً وتعاطفاً مع المسنين، كما كانت أكثر تفهماً لمشكلاتهم الصحية والنفسية والاجتماعية.
الأعراض: تكون بداية الخرف تدريجية بظهور أعراض الضعف الجسدي وقلة النشاط ونقص التركيز العقلي، ويضعف تذكر الحوادث القريبة ويصاب المريض بقلة الاهتمام بمحيطه واللامبالاة وببرودة العاطفة، ثم تبدأ أعراض التدهور التدريجي واضطراب الوظائف العضوية (اضطراب المصرات الشرجية والبولية) والوظائف العقلية وتظهر حالة الهذيان الحاد وتضعف الحيوية بشدة ويفقد المريض العلاقة بالمحيط والبيئة ويصاب بالتدهور ثم يصبح طريح الفراش حتى الموت.
أنواع الخرف
الخرف الطفلي dementia in childhood: يحدث هذا النوع من الخرف في سن الطفولة نتيجة إصابة الطفل بأحد الأمراض الآتية:
البله الأسري الحاد acute familial idiocy أو تشحم المخ cerebral lipids أو التهاب الدماغ تحت الحاد sub acute encephalitis أو مرض شيلدر schilder diseas، وهو آفة تتصف بزوال النخاعين في الجهاز العصبي المركزي، أو مرض ويلسون wilsons disease وهي إصابة تتصف بالتهاب الكبد العقدي مع تشمع إضافةً إلى تنكس في الجسم المخطط، أو متلازمة الفصام الطفلي schizophrenic syndrome in childhood.
تظهر على الطفل علامات التخلف العقلي وأعراض الخرف مثل عدم النطق أو اضطرابه والحبسة الكلامية وضعف الذاكرة وبعض الهذيانات والأهلاس العقلية وعدم التمييز وضعف الوعي، كما يصاب الطفل ببعض الأمراض الجسدية الشديدة التي تؤدي إلى الوفاة بسن مبكرة (دون سن الخامسة عشرة).
الخرف قبل الشيخي presenil dementia: يحدث هذا النوع من الخرف في أواسط العمر 40-50 سنة بسبب إصابة الجهاز العصبي بالإفرنجي العصبي neuro-syphilis أو بالوذمة المخاطية myxoedema أو بأورام الدماغ المختلفة. وقد كشف هذا النوع من الخرف غوورز Gowers عام 1908 وأطلق عليه هذا الاسم، وقال إن سببه تلف الجهاز العصبي المركزي المبكر ونقص عدد الخلايا العصبية السليمة في الدماغ مما يؤدي إلى ظهور أعراض الخرف الشيخي في سن مبكرة قبل بلوغ الشيخوخة، ويتقدم هذا النوع من الخرف ببطء وبالتدريج ومداواته صعبة جداً تتطلب الكشف المبكر للداء لإجراء المعالجة الدوائية أو الجراحية للسبب، كما تستدعي بعدها رعاية طبية خاصة، واهتماماً شديداً به من الناحية الغذائية والبيئية لتخفيف سرعة تقدم المرض نحو الخرف الشيخي الكامل والشلل العام.
الخرف الشيخي أو عته الشيخوخة senile dementia: يصيب هذا النوع من الخرف المسنين والشيوخ (فوق سن الستين) وللوراثة ولحالة المريض المسن النفسية والصحية والاجتماعية شأن كبير في حدوثه. يبدي المصاب تغيرات عضوية كالضعف العام، ونقص قدرة الحواس، والإصابة ببعض الأمراض الجسدية الأخرى مثل ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين، وتغيرات في النواحي النفسية كاضطراب الذاكرة ونسيان الحوادث القريبة وضيق الاهتمام بالمحيط والآخرين والأثرة (الأنانية)، واضطراب العاطفة والاكتئاب وزيادة القلق وعدم الاستقرار، كما تظهر بعض الضلالات والهذيانات وأعراض الهوس والهياج. وتعرض هذه التغيرات الجسدية والعقلية حياة المريض للخطر وتؤدي به شدتها إلى حالة الشلل العام فيغدو طريح الفراش وبحالة غيبوبة كاملة تؤدي به إلى الموت.
ومن الناحية السريرية هناك أربعة أشكال للخرف الشيخي هي: النمط التأخري البسيط simple deterioration type، والنمط الهذياني الاختلاطي delirious-confused type، والنمط الهمودي - الهذياني depressed-agitated type، والنمط الزوري paranoid type.
الخرف الوعائي التصلبي arterio-sclerotic dementia: يحدث هذا النوع من الخرف بسبب تصلب الشرايين الدماغية وارتفاع ضغط الدم الشرياني المزمن، ويصيب الرجال أكثر من النساء، ويحدث في العقد الخامس أو السادس من العمر. تظهر فيه أعراض الصداع والدوار واضطراب الذاكرة للحوادث القريبة، كما تظهر أيضاً أعراض اضطراب العاطفة وبرودها والاكتئاب وبعض الهذيانات الاضطهادية، ثم تظهر أعراض الاختلاط العقلي والتشوش الليلي وعدم الاستقرار واضطراب الكلام والاضطرابات العضلية مما يؤدي إلى الشلل العام والموت، وفي هذا النوع من الخرف تبقى الشخصية والحكم على الأمور سليمين حتى مرحلة متقدمة ثم يفقدهما المريض في المراحل الأخيرة.
الشلل العام general paralysis: أو مرض بايل Bayle disease، وهو مرض التهابي تنكسي مزمن سببه الإفرنجي الذي يصيبالدماغ والسحايا وأوعيتهما أو أسباب أخرى ما زالت مجهولة، ويدوم سير هذا النوع من الخرف من سنة إلى خمس سنوات بعد ظهور الإصابة بالمرض وينتهي بالموت إذا لم يعالج. ويظهر الخرف في هذا المرض بعد العدوى بـ 5 إلى 20 سنة ويصيب الرجال أكثر من النساء.
وله دوران:
ـ دور البدء أو الحضانة المرضية: تبدأ الأعراض تدريجياً وبشكل خفيف فتظهر حبسة كلامية مفاجئة أو فالج في أحد أعضاء الجسم أو فقد وعي مؤقت أو نوب صرعية، كما يحدث تهيج وأرق وشرود ورجفان في اليدين والشفتين.
ـ دور التكامل: وتتوضح فيه الأعراض الجسمية والنفسية فتظهر أعراض العته والخرف بالتدريج مثل فقدان الذاكرة واضطراب المحاكمة وأعراض الاكتئاب الشديد وأحياناً الشعور بالعظمة والهوس الشديد، وينتهي بالعته أو الخرف الكامل، ويصبح المريض طريح الفراش، ويضطرب عنده البول والبراز، ويموت خلال 3 سنوات إلى 5.
يعالج هذا النوع من الخرف بمعالجة الإفرنجي أو الأمراض الأخرى المسببة له إن عرفت، لأن هذا المرض ينتهي بالموتإذا لم يعالج على نحو مبكر ولاسيما أن للإفرنجي الآن، وهو السبب الرئيس لهذا النوع، معالجة جيدة وفعالة كما هو معروف.
داء ألزهايمر alzheimer disease
وصف ألزهايمر هذا المرض عام 1906، ويعد نوعاً من الخرف المبكرpresenil dementia أو عته ما قبل الشيخوخة وهو عته مترق وسريع ينتهي بالعته الشديد والحياة النباتية ثم الموت خلال 5 سنوات إلى 10، تحصل بينها فترات تحسن.
الأعراض السريرية: يصيب هذا النوع من الخرف المبكر النساء أكثر من الرجال، وتبلغ نسبته 8% بين أنواع الخرف، وهو إما أن يصيب الشباب قبل سن الأربعين أو الكهول بعد سن الخمسين.
ولهذا الداء من الناحية السريرية ثلاث مراحل:
ـ المرحلة الأولى: يصاب المريض بضعف الذاكرة للحوادث القريبة ثم يفقدها كما يفقد نشاطه الحيوي والاهتداء لمعرفة الزمان والمكان والجهات، وتصبح حركته ونشاطه شديدتين ومن دون هدف، ثم يحدث عدم الاستقرار والاندفاع الحركي العدواني، تظهر بعدهما الهذيانات والهلاوس واختلاق القصص والأساطير الخيالية.
ـ المرحلة الثانية: في هذه المرحلة تظهر صعوبة نطق الكلمات وتكثر أخطاء القراءة والكتابة، ثم يصبح الكلام أصواتاً متقطعة، يفقد العليل بعدها حس معرفة الأشياء وطرق استعمالها، ويقلد الحركات التي يراها والأصوات التي يسمعها ويكررها، وتصبح مشيته مضطربة ذات خطوات صغيرة، كما تضطرب حركة يديه في أثناء المشي، ويصاب أخيراً بحالات من الغشي والغيبوبة، وأحياناً بالنوب الصرعية، وتنتهي هذه المرحلة بالعته والخرف الشديد.
ـ المرحلة الثالثة: يظهر في هذه المرحلة الخرف العميق والعته الشديد، ويصبح المريض معتوهاً ومنفصلاً عن محيطه نهائياً، ويغيب عن الوعي ويتحول إلى ضرب من الحياة النباتية فيصبح طريح الفراش ويصاب جسده بالقروح وبعض الأمراض العضوية وينتهي بالموت.
ـ الأسباب والإصابة المرضية: يحدث هذا المرض نتيجة أسباب عديدة منها الأسباب العائلية الوراثية والأسباب الفردية والمناعية، فتظهر أولاً تغيرات تنكسية ليفية متعممة في خلايا القشرة الدماغية وخاصة في الفص الصدغي وأقل في الفص الجبهي مع فقد كبير في عدد الخلايا العصبية السليمة، ثم تصاب القشرة الدماغية كلها بالضمور الشديد وتتوسع الشقوق الدماغية والبطينات، ثم يشمل الضمور الشديد الدماغ كله.
الإنذار: إنذار هذا المرض سيئ جداً بسبب عدم وجود علاج نوعي مؤثر له، فهو يبدأ بأعراض ضعف الذاكرة وفقد النشاط الحيوي للجسم وينتهي بالعته الشديد والحياة النباتية ثم الموت.
المعالجة: ليس هناك معالجة نوعية وخاصة، وقد جربت سابقاً المعالجة بحقن الحموض النووية للمريض لتخفيف ضمور الدماغ، كما جربت المداواة بالعقاقير الرافعة لدرجة حرارة المريض (الصدمات الحرارية المناعية) ولكن من دون جدوى، وقد تبين أن المعالجة الداعمة ببعض الڤيتامينات وتهدئة المريض بالأدوية المهدئة والمنومة أو التخدير في حالة الهياج الشديد والتشنج العضلي، ذات فائدة كبيرة، كما أن العناية النفسية بالمريض مهمة جداً لزيادة علاقة العليل بمحيطه وإشغال معظم وقته، وشد انتباهه وتركيزه للمحيط والبيئة التي حوله، والمراقبة الجيدة لوضعه مهمة جداً لئلا يؤذي نفسه أو من حوله ويعرض حياته للخطر. وأخيراً فإن العناية الطبية بالقروح الالتهابية والتغذية الجيدة ومعالجة الأمراض العضوية التي تصيبه مهمة جداً في محافظة المريض على نشاطه وتحسين وضعه بقدر الإمكان وتأخير دخوله في مرحلة الغيبوبة والحياة النباتية