يعد هانيبال Hannibal- ويعني اسمه (يَسعد الإله بعل) - واحداً من أبرز القادة العسكريين في التاريخ القديم لدرجة أن بعض العسكريين يصنفونه قبل الإسكندر المقدوني. ينتسب هانيبال إلى إحدى أكبر الأسر الأرستقراطية في مدينة قرطاج[ر] الكنعانية على الشاطئ الشمالي للقارة الإفريقية، وهي أسرة بارقا Barca التي برز منها عدد من قادة قرطاج في فترة الصراع مع روما حول السيطرة على حوض البحر المتوسط الغربي إبان القرون الثلاثة السابقة للميلاد.
ولد هانيبال في مدينة قرطاج، وهو الابن الأكبر للقائد هاميلكار بارقا Hamilcar Barca، يؤثر عن سيرة هانيبال في فتوته عداؤه الشديد تجاه روما بعد هزيمتها قرطاج في الحرب البونية الأولى[ر] 263-251ق.م، والعهد الذي قطعه لوالده قبل وفاته بأن يجعل الدوائر تدور على روما طوال حياته، كما تذكر سيرة حياته أنه رافق والده إلى إسبانيا وهو في العاشرة من عمره، وكان والده قبل وفاته قد عهد إلى زوج ابنته قيادة القوات القرطاجية، وبعد وفاته سنة 221ق.م انتخبت هذه القوات هانيبال قائداً لها على الرغم من أنه لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره.
بعد حفل زواجه بأميرة إسبانية من قشتاله Castula، تدعى أميلس Amiles سنة 220 بدأ هانيبال تحركاته العسكرية ضد روما بمحاصرة حليفتها في إسبانيا مدينة ساغونتوم Saguntum التي لم تتمكن من الحصول على مساعدة روما في الوقت المناسب واستسلمت بعد ثمانية أشهر من الحصار.
وأصبح من المؤكد قيام الحرب مع روما، ولهذا قرر هانيبال مهاجمة روما نفسها بدل انتظار هجومها في إسبانيا أو مهاجمة قرطاج. وكان لهذا القرار الجريء تأثير كبير على مسار الأحداث المقبلة، فقد امتلك هانيبال بذلك زمام المبادرة وأصبح الرومان في وضع دفاعي.
تحرك هانيبال من قرطاجنه Cartagena الجديدة في إسبانيا ربيع سنة 218ق.م على رأس جيش يراوح عدده بين 35-40 ألفاً بصحبة عدد من الأفيال الإفريقية، وبدأ قبل وصوله بمراسلة عدد من أعداء روما في إيطاليا، على الرغم من معاناة جيشه جراء اجتياز جبال الألب المغطاة بثلوج الخريف تمكن في معركة تيكينوس Ticinus من هزيمة أول جيش روماني واجهه قبل وصوله إلى مدينة تورينو في الشمال الإيطالي. كما حقق في معركة تريبيا Trebia شتاء 218ق.م هزيمة ثانية في جيشين أرسلهما الرومان؛ الأول بقيادة سمبرونيوس لونغوس Sempronius Longus والثاني بقيادة سكيبيو Scipio الذي كان قد هزم في المعركة الأولى. وفي فاتحة صيف 217ق.م عبر هانيبال جبال الأبنين Apennines شمال غربي إيطاليا وحطم عن طريق كمين محكم جيشين بقيادة فلامينيوس Flaminius أرسلتهما روما عند بحيرة تراسيمين Trasimene.
وفي الطريق إلى روما شتاء 216ق.م حقق هانيبال آخر إنجازاته العسكرية وأعظمها في موقعة كاناي Cannae حينما خسرت روما نحو ثلاثمئة ألف قتيل ونحو مئة ألف أسير واهتزت لهذه النتيجة الأوضاع السياسية والعسكرية الرومانية اهتزازاً كبيراً، لكن ثبات مجلس شيوخ روما وصموده في تلك المحنة واستمرار دعم عدد من الحلفاء في الشمال والوسط الإيطالي أدى إلى تثبيت أركان المدينة الجريحة، ولم يعد بإمكان هانيبال استثمار نصره الكبير وبات لزاماً عليه البحث عن نصر جديد. على أن إخفاقات بعض كتائبه في تحقيق انتصارات في إقليم كامبانيا Campania شمالي إيطاليا سنة 215/214ق.م وإعلان بعض المدن الإغريقية في الجنوب الإيطالي ولاءها له سنة 213ق.م شجعه على اتخاذ قرار بالاتجاه لمحاصرة روما ذاتها سنة 211ق.م، وهو قرار لم يتمكن من تنفيذه بعد وصول أنباء عن هزيمة أخيه هاسدروبال Hasdrubal في موقعة متاوروسMetaurus سنة 207ق.م، وتحول ولاء بعض حليفات روما السابقات عنه، وتضاؤل المساعدات التي كانت ترسلها قرطاجة له في إيطاليا. وقرر هانيبال بعد 16 سنة قضاها منتصراً في إيطاليا العودة إلى قرطاجة للدفاع عنها في مواجهة جيش أرسلته روما لمهاجمة هانيبال في عقر داره سنة 203ق.م.
وفي زاما Zama قرب قرطاجة جرت الموقعة الفاصلة سنة 202ق.م بين جيش هانيبال المنهك وجيش القائد الروماني سكيبيو أفريكانوس الذي حقق انتصاراً على هانيبال اضطره إلى عقد معاهدة سلام، أعقبها قيامه بمجموعة إصلاحات دستورية لإضعاف قوى المعارضة للحرب ضد روما، مما دفع هذه القوى إلى اتهامه بالتحضير لغزو إيطاليا مرة أخرى ودللت على ذلك أمام مجلس شيوخ روما باتصالات هانيبال مع الملك السلوقي أنطيوخس الثالث، وعندما وصلت بعثة رومانية إلى قرطاجةللتحقق من ذلك غادر هانيبال قرطاجة إلى سورية وقابل أنطيوخس الثالث الذي لم يتمكن من تقديم أي مساعدة لمهاجمة روما بعد هزيمته في موقعة ماغنيزيا Magnesia أمام الرومان؛ مما دفع هانيبال للهرب إلى جزيرة كريت حيث لاحقه الرومان فهرب مرة أخرى إلى ملك بيثونيا Bithynia في آسيا الصغرى، وهناك لم يكن أمام هانيبال بعد ملاحقة الرومان له إلا تجرع السم مؤثراً الموت على تشفي روما بعرضه في شوارعها أسير حرب.
وعلى الرغم من أن معظم معلوماتنا عن تاريخ هانيبال مستقى من المصادر الرومانية التي ما كانت لتنصفه دائماً، فإن هانيبال يعد من أعظم العبقريات العسكرية في تاريخ العالم القديم ويعزى له تطوير مجموعة من المفاهيم الاستراتيجية والتكتيكية التي تدرس حتى اليوم في الأكاديميات العسكرية، إضافة إلى قدرته المشهودة في قيادة الجيوش واكتساب ولاء الأفراد في جميع حالات النجاح والإخفاق العسكري، وكذلك رؤيته السياسية الواعدة في حالات السلم.