Search - للبحث فى مقالات الموقع

Sunday, April 17, 2011

حلف وارسو





الخلفية التاريخية لحلف وارسو
حلف وارسو أو ما يعرف رسمياً «معاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة» الذي تم التوقيع عليها في «مؤتمر الدول الأوربية لتأمين الأمن والسلام» في أوربا في 14 أيار عام 1955. وهي المنظمة العسكرية التي تقابل حلف شمال الأطلسي في الكتلة الغربية. فلقد جاء الحلف رداً مباشراً لما أسمي «بحلف الأطلسي الجديد الذي ضم ألمانيا الغربية». فقد جاءت معاهدته بعد تسعة أيام من تدشين اتحاد أوربا الغربية الذي جعل من ألمانيا الاتحادية دولة ذات سيادة وقرر قبولها عضواً عاملاً في حلف الأطلسي.
وهذا يظهر أن حلف وارسو كان ردة الفعل الاشتراكية المباشرة لانبعاث ألمانيا كدولة عسكرية قوية في قلب أوربا وإدماجها في الترتيبات العسكرية للكتلة الغربية. ولقد كان التفسير السوڤييتي لهذا الإجراء هو أنه يتضمن تهديداً حاداً لأمنه القومي وهو الأمر الذي تطلب منه إعادة تقويم استراتيجيته الدفاعية وإبدال سلسلة مواثيق دفاعه الثنائية مع دول أوربا الشرقية بمنظمة عسكرية جماعية.
«على أن هناك من يعتقد بأن تحويل النظام الدفاعي عن شرق أوربا من الشكل الثنائي إلى الشكل الجماعي لم يكن يؤثر على نحو مهم في تحسين الوضع الاستراتيجي العام للكتلة السوڤييتية وذلك من واقع أن جيوش دول شرق أوربا وكذلك المراكز العسكرية الحساسة فيها كانت كلها تحت السيطرة السوڤييتية المباشرة، ومن ناحية أخرى فإن انضمام ألمانيا الغربية إلى حلف شمال الأطلسي[ر] ما كان ليؤدي إلى تضخم الفعاليات العسكرية لهذا الحلف إلى الحد الذي يستشعر معه الاتحاد السوڤييتي بضرورة إدخال تعديلات أساسية على ترتيبات الأمن الخاص بمنطقة الشرق أوربا».
war26big.gif
أما الأسباب الرئيسة الكامنة في اعتقادهم وراء إعلان حلف وارسو في الوقت الذي أعلن فيه بالذات فتكمن في الآتي:
1- إن هذا التنظيم العسكري الجماعي أضفى مسحة من الشرعية على الوجود السوڤييتي في شرق أوربا خلافاً للانطباعات التي تركتها لدى الغرب سياسات التحكم السوڤييتي بشكلها التقليدي.
ثم إن هذا التنظيم الجماعي كان يجعل من الصعب على الدول الأعضاء فيه أن تنسحب منه لأن هذا الانسحاب كان لابد وأن يقابل بمقاومة القوة العسكرية لدول الحلف ويمكن للمرء أن يسوق أحداث تشيكوسلوفاكيا عام 1968 وقبلها أحداث هنغاريا عام 1956.
2- رغبة الاتحاد السوڤييتي في خلق منظمة عسكرية على غرار حلف شمال الأطلسي ليستخدمها أداة تكتيكية في المفاوضات الدبلوماسية الجارية بين المعسكرين العملاقين خاصة وأن مؤتمراً للأقطاب كان قد تقرر عقده في جنيف في تموز 1955.
فكان القصد الرئيسي من إقامة الحلف استخدامه في دعم مركز الاتحاد السوڤييتي في المساومات التي يدخل طرفاً مباشراً فيها.
الدول الأعضاء في حلف وارسو
إلى جانب الاتحاد السوڤييتي وقعت المعاهدة كل من ألبانيا، بلغاريا، تشيكوسلوفاكيا، جمهورية ألمانيا الديمقراطية، هنغاريا، بولونيا، رومانيا، اتحاد الجمهوريات السوڤييتية الاشتراكية، هنغاريا. على أن ألبانيا قاطعت أعمال الحلف إثر الانشقاق الذي أصاب المعسكر الشيوعي العالمي بنتيجة أزمة كوبا عام 1962 وانسحبت رسمياً من الحلف عام 1968. وفيما بعد انسحبت ألمانيا الشرقية من الحلف عام 1990 عشية انحلاله الرسمي في أول تموز عام 1991.
أهداف الحلف
اشتملت معاهدة وارسو على عدة مواد بعضها ذات صفة تقليدية في حين أن لبعضها الآخر أهمية خاصة تنصرف إلى الأوضاع الذاتية الخاصة بالحلف.
أما المواد التقليدية فهي 1 و3 و7 و8 و10 من المعاهدة وهي تعلن اتفاق الأطراف المتعاقدة على نبذ استخدام القوة العسكرية في تسوية منازعاتها الدولية ومبدأ التشاور المتبادل في حالة وقوع تهديد خارجي ضد أي دولة من دول الحلف وتعهد الدول الأعضاء بعدم الدخول في أي التزامات تتعارض مع التزاماتها بموجب هذه المعاهدة ورغبة الأطراف في توسيع نطاق تعاونها في المجالات الاقتصادية والثقافية. لكن الأكثر أهمية في المعاهدة هي المواد 4 و5 و6 و9 و11.
فالمادة الرابعة حصرت تطبيق معاهدة الحلف في النطاق الأوربي البحت بأن نصت على أنه: «إذا وقع عدوان مسلح في أوربا ضد أي دولة عضو في هذا الحلف من جانب دولة أو مجموعة من دول فإن على دول الحلف أن تقدم المساعدات الضرورية إلى الدولة التي استهدفها العدوان».
لكن المادة التاسعة من معاهدة وارسو تنص من جهة أخرى على أن عضوية الحلف مفتوحة لأي دولة بصرف النظر عن طبيعة نظامها الاجتماعي أو السياسي إذا ما توافرت لديها الرغبة في الالتزام بأحكام المعاهدة والعمل على دعم أمن وسلام الشعوب التي تمثلها الدول الأعضاء في الحلف.
أما المادة الحادية عشرة من المعاهدة فتنص على أنه في حال إنشاء نظام للأمن الجماعي في أوربا وعقد معاهدة أوربية عامة لتحقيق هذا الغرض فإن معاهدة حلف وارسو تنتهي بمجرد أن يبدأ سريان مفعول هذه المعاهدة الأوربية العامة. وفي هذا تظهر دعوة للتعاون الأوربي الأمني الجماعي تحت شعار أوربا للأوربيين (أي ليس لأمريكا) ومدة حلف وارسو عشرون عاماً، ليس للعضو في أثنائها الانسحاب منه إلا قبل عام من تاريخ انتهاء المعاهدة.
المنطقة الجغرافية التي يغطيها الحلف
ليس في المعاهدة المنشئة لحلف وارسو تحديد جغرافي للمنطقة المشمولة بدفاعاته غير أنه يتضح من المادة الرابعة أن هذه المنطقة تشمل أقاليم الدول الأعضاء الأطراف فيها الواقعة في أوربا، ولعل ذلك عائد إلى أنه عند توقيع اتفاقية وارسو كانت العلاقات السياسية بين الاتحاد السوڤييتي والصين الشعبية علاقة حليفين.
أجهزة الحلف ونشاطاته
1- على رأس أجهزة الحلف تقوم اللجنة السياسية الاستشارية التي تضم سكرتيري الأحزاب الشيوعية في الدول الأعضاء ورؤساء الحكومات ومساعديهم فيها ووزراء دفاعها وخارجيتها. تتمثل هذه اللجنة في كونها أداة للتنسيق والتشاور السياسي والعسكري بين الدول الأعضاء.
2- اللجنة الدائمة: وهي تنبثق عن اللجنة الأولى.
3- الأمانة العامة: وهي تتولى ما تتولاه عادة الأمانة العامة للمنظمات الدولية، وتضم موظفين من الدول الأعضاء.
4- القيادة العسكرية الموحدة: تستند رئاسة القيادة العسكرية الموحدة إلى جنرال سوڤييتي وتتكون أعضاء هذه القيادة من وزراء دفاع الدول الأعضاء ورؤساء أركان حربها، إضافة إلى عدد كاف من الضباط القادة والمعاونين.
ولحلف وارسو قوات خاصة به وضعتها تحت تصرفه الدول الأعضاء من قوات أرضية وجوية وبحرية.
ولدى الاتحاد السوڤييتي وحده حوالي 3500 رأس نووي كلها في أيدي القوات السوڤييتية العاملة في حلف وارسو ومن ثم ضاعف الاتحاد السوڤييتي من رؤوسه النووية وزاد من عدد دباباته العاملة في حلف وارسو بمعدل الثلث.
يدافع الكتاب الاشتراكيون عن حلف وارسو مدعين أنه مغاير لأحلاف الغرب للأسباب الآتية:
1- أنه حلف مفتوح الدول الأوربية كافة مهما كان لونها السياسي أو مذهبها الاقتصادي أو نظامها الاجتماعي.
2- وأنه يتمشى مع مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها. والحق أن حلف وارسو كحلف الأطلسي حلفان دفاعيان في الظاهر، ومن ثم فهما منسجمان مع نصوص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي أجازت الدفاع المشروع فردياً وجماعياً.
3- وأن حلف وارسو معاهدة مؤقتة تنتهي بمجرد قيام أي معاهدة جماعية تشترك فيها الدول الأوربية كافة لضمان الأمن والسلام.
4- وأنه يحق لألمانيا الشرقية أن تنسحب من الحلف بمجرد أن يتم توحيدها مع ألمانيا الغربية، ولألمانيا الموحدة بعد ذلك أن تنضم إلى الحلف أو لا تنضم.
لقد تمثلت أهمية حلف وارسو في جانبين:
أولهما: كونه قوة ردع مفيدة وفعالة لحلف الأطلسي في المواجهات السياسية التي سادت العلاقات بين موسكو وواشنطن قبل انتقال هذه العلاقات إلى مرحلة الوفاق.
ثانيهما: كون حلف وارسو أداة فعالة في يد الاتحاد السوڤييتي للتصدي لحركات التمرد التي قد تتبدى داخل المعسكر الاشتراكي ضد الارتباط بموسكو.
أدت قوات حلف وارسو دوراً كبيراً في قمع حركة «دوتشيك» في تشيكوسلوفاكيا عام 1968 عندما حاول هذا كرئيس لوزراء براغ انتهاج سياسة اتهمها بريجينيف بالتعارض مع مبادئ الأخوة التي ينبغي أن تسود الصلات بين الأشقاء الاشتراكيين.
لكن حلف وارسو كحلف الأطلسي لم يستخدم حتى اليوم في عمليات عسكرية من النوع الذي أنشئ من أجله.
ويرى بعض الكتاب أن أهمية حلف وارسو تغيرت أمام أمرين أحدهما عسكري والآخر سياسي.
أما العسكري: فهو التقدم التقني السوڤييتي في ميدان الأسلحة، فروسيا السوڤييتية لم تعد بذات الحاجة التي كانت تطلبها من المعسكر الشيوعي الأوربي لحماية نفسها من أي اعتداء غربي مع أنها تبقى بحاجة لحلفائها في الحلف كحزام أمان لها في مواجهة مثل هذا الاعتداء.
وأما الأمر السياسي: فهو وقوع الانشقاق الأيدلوجي الذي جعل روسيا في حاجة لحماية نفوذها في أوربا الشرقية ذاتها حتى تحول دون امتداد النفوذ الصيني إلى هذه البلاد، كما حدث في ألبانيا فعلاً وعلناً، وكما يحدث في رومانيا تدريجياً وبصورة مبطنة إذ تحاول هذه اتخاذ موقف محايد من الصراع الصيني الروسي، مما يعني في نظر بعضهم انحيازاً للصين. والواقع أن رومانيا تستغل هذا الصراع لتفلت من تحالفها مع الروس إذا تمكنت من ذلك. وقد سبق ليوغسلافيا أن جربت بنجاح هذا الانفلات أيام ستالين في مطلع الخمسينات.
ثم جاءت رياح التغيير من داخل الاتحاد السوڤييتي ذاته باتجاه التحرر من القيود وانتهاج أساليب الديمقراطية الغربية. وكان ميخائيل غورباتشوف ودعوته للانفتاح (البيروسترويكا)[ر]، قائد هذا التغيير وأدى ذلك إلى تفكك الاتحاد السوڤييتي ذاته واستقلال جمهوريات آسيا الوسطى وانعتاق دول البلطيق من الهيمنة الروسية. وحملت رياح التغيير معها سقوط جدار برلين وانسحاب ألمانيا الشرقية من الحلف ثم إنهاء الحرب الباردة[ر] بانضمام ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية في بعث لوحدة ألمانيا فكان طبيعياً أن ينحل حلف وارسو في أوائل النصف الثاني من عام 1991 بل أن عدداً متزايد من أعضائه بدأ يطالب بالانضمام لحلف شمال الأطلسي وقبل ويقبل في هذا الأخير فعلاً وتدريجياً. وحتى الاتحاد السوڤييتي ذاته حقق لنفسه مكان «مراقب» فيه. وفي آخر اجتماع لمجلس وزراء حلف الأطلسي عقد في حزيران 2002 صدر عنه بيان واضح أن أهداف الحلف لم تعد الدفاع عن سلامة أراضي أعضائه من الإرهاب والعدوان وحسب بل سلامة أراضي العالم كله. وهذا ما يجعل حلف الأطلسي في صورته الحالية ظهيراً قسرياً للأمم المتحدة[ر].