Search - للبحث فى مقالات الموقع

Monday, April 18, 2011

روح الله بن السيد مصطفى الموسوي الخميني



 

روح الله بن السيد مصطفى (والسيد تعني هنا أنه من أبناء فاطمة بنت رسول الله) الموسوي (وتعني أنه من أبناء موسى بن جعفر سابع أئمة آل البيت) الخميني (نسبة إلى مدينة خُمَيْن على بعد 350كم جنوب طهران).
ولد لأسرة اشتغلت بطلب العلم والدعوة، بين العراق وإيران وشبه القارة الهندية. عُرف والده بالدفاع عن حقّ الفلاحين ومواجهة الخانات (جمع خان وهو الإقطاعي)، وتعرّض جراء هذه المواقف للقتل في سنة ولادة ابنه روح الله نفسها.
تربّى الابن على يد والدته السيدة هاجر، وعمته السيدة صاحبة، وأتمّ مقدمات دراسة العلوم الدينية في مسقط رأسه خمين، ثم انتقل إلى مدينة أراك، (290كم جنوب طهران)، وواصل دراسته في حوزتها (والحوزة هي معهد الدراسات الدينية الحرّة). ثمّ انتقل من أراك إلى الحوزة العلمية الكبرى في مدينة قُمْ (160كم جنوب طهران)، وبقي فيها حتى نفاه الشاه منها.
عُرف روح الله بالجدّ والاجتهاد في تلقّي الدروس، فأنهى دراسة مقدّمات علوم اللغة العربية والمنطق والفقه والأصول في خمين وأراك، وواصل دراساته الفقهية والأصولية بمدينة قم على يد كبار الأساتذة.
بلغ درجة الاجتهاد وتولّى تدريس الخارج (أعلى مستويات التدريس في الحوزة)، ثم أصبح أستاذاً بارزاً في الحوزة العلمية، وعُرف باسم آية الله الخميني (آية الله لقب لكبار المجتهدين)، وبعد أن تصدى لقيادة الثورة عُرف باسم «الإمام الخميني». كان إلى جانب تدريس الفقه وأصول الفقه يعقد للطلاب جلسة في الأخلاق، يؤكد فيها ضرورة التزكية قبل التعليم.
وحين نُفي إلى النّجَف بالعراق واصل عمله العلمي، فدرّس فيها، وتصدّى في دروس الفقه - لأول مرّة في تاريخ دراسات الحوزة - إلى أصول الحكومة الإسلامية وبلور فيها نظرية «ولاية الفقيه» التي قامت على أساسها الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيما بعد. وعُرفت دروس آية الله الخميني في النجف الأشرف بكثرة الطلاب والجدّ في البحث والمناقشة.
يتلخص المشروع الإصلاحي لآية الله الخميني في المحافظة على الانتماء الإسلامي لإيران، وإبقائها في دائرة الحضارة الإسلامية، معتقداً أن الذي تعرّضت له إيران منذ بداية توغّل النفوذ الغربي يستهدف إلى فصل هذا البلد عن انتمائه إلى دائرة الحضارة الإسلامية، وربطه قومياً وتاريخياً وثقافياً بما قبل الإسلام، وسياسياً بمصالح القوى المسيطرة. وكان لهذا المشروع مراحل هي:
المحافظة على مكانة الحوزة العلمية:
فهذه الحوزة - بما تخرّجه من العلماء والدعاة والكتّاب والباحثين في حقول العلوم الإسلامية - تشكل في رأي آية الله الخميني قاعدة الانتماء الإسلامي لإيران، ولذلك اتجهت جهود القوى الطامعة إلى تفتيت هذه الحوزة، وعزلها عن الجماهير، وسلبها مكانتها الاجتماعية والدينية. ومن الطبيعي أن تعتمد هذه القوى على عناصر داخلية، وكان أبرز هذه العناصر رضا شاه والد الشاه الأخير. والواقع أن خطة رضا شاه كانت واسعة تشمل تغيير الخط العربي وإزالة المفردات العربية من اللغة الفارسية وتغيير الزيّ للرجال والنساء، ومنع جميع المظاهر الدينيّة، ومن ثم ربطّ إيران بدائرة المصالح الغربيّة، وإزالة كل الموانع من أمام هيمنة الغرب.
وثارت الحوزة العلمية بوجهه، لكنه مارس تجاهها أشدّ ألوان البطش، وأوشك أن ينهيها تماماً، لولا أن حافَظَ على تماسكها رجل عالم حكيم هو الشيخ عبد الكريم الحائري أستاذ الخميني.
وفي الأعوام التالية عصفت بإيران أحداث جسام منها تعرّضُ البلد إلى احتلال الحلفاء (1941)، ونزول رضا شاه عن العرش، وتتويج ابنه محمد رضا بضغط من القوى الأجنبية، ثم الحركة الوطنية وتأميم النفط، واضطرار محمد رضا بهلوي إلى الخروج من إيران وإعادته بانقلاب عسكري مدعوم من أمريكا، ثم سيطرة أمريكا على مقاليد الحكم في إيران، وتغلغل الصهاينة تحت المظلّة الأمريكية في أجهزة الدولة الحساسة.
كان آية الله يراقب كل هذه الأوضاع بدقّة، لكنه كان يواصل عملية الإعداد للانتفاضة عن طريق صيانة الحركة العلمية والتربوية في الحوزة، ونشر الوعي بين الصفوة.
التحرك السياسي:
 بدأ صوته يرتفع بإدانة مثلث الشاه وإسرائيل وأمريكا، وفي سنة 1963 طرح الشاه لائحة الإصلاح الزراعي للاستفتاء الشعبي وأسماها «الثورة البيضاء»، وأسماها الإمام في بياناته بالثورة السوداء، معتقداً أنها مشروع لتثبيت نظام الشاه تحت المظلة الأمريكية والإسرائيلية. وأمام موقف الإمام هذا، ومعه جلّ العلماء والطلبة، قرّر نظام الشاه سحق هذه المعارضة.
اعتقل نظام الشاه الإمام الخميني، وشاع خبر الاعتقال بين الناس، فخرجت الجماهير يوم 5 حزيران 1963 في انتفاضة عارمة واجهت قمعاً، سقط على إثره آلاف القتلى. أطلق الشاه سراح الإمام لتهدئة الموقف، لكن تلك الانتفاضة أنذرت ببداية حتميّة لسقوط نظام الشاه. في سنة 1964 صادق نظام الشاه بضغط أمريكي على قانون «الحصانة السياسية والدبلوماسية للمواطنين الأمريكيين في إيران». ومرة أخرى ثارت ثائرة الإمام، وأصدر البيانات التي تفضح التدخّل الأمريكي والإسرائيلي في إيران، وعلى أثر ذلك أقدم نظام الشاه على نفي الإمام إلى تركيا التي ظلّ فيها أحد عشر شهراً، ثم نُفي إلى العراق، وأقام فـــي مدينة النجف الأشرف مدة 14 عاماً.
كانت أحداث إيران التي تَلَت نفي الإمام تسير في اتجاه تصفية كل معارضة، وتثبيت سلطة الشاه بحماية أمريكية وإسرائيلية، ومحاربة جميع ما يرمز إلى ارتباط إيران بدائرة الحضارة الإسلامية، وهي أحداث ألقت اليأس في نفوس كثير من دعاة الإصلاح، لكنّ الإمام الخميني كان يرى في هذه الأوضاع مؤشراً لبدايات انفجار مرتقب، لذلك راح يعمل منذ سنة 1965 على التنظير العلمي والفقهي للدولة البديلة لنظام الشاه ضمن بحوث «ولاية الفقيه».
كانت البيانات المكتوبة والمسجلة على أشرطة الكاسيت تصل من منفى الإمام لتنتشر في كلِّ أرجاء إيران، عن طريق طلبة الجامعات والحوزات العلميّة، ومع كل أساليب البطش التي مارسها الساواك (الاسم المختصر لمنظمة أمن الشاه)، كانت المعارضة الشعبية تُعرب عن نفسها في الخفاء عن طريق نشر بيانات التنديد، وفي العلن أحياناً عن طريق المظاهرات الطلابية الصغيرة، أو إلقاء الخطب المعارضة، مما جعل سجون الشاه ومنافيه تمتلئ بالمعارضين السياسيين.
في سنة 1976 وصل الديمقراطيون إلى البيت الأبيض الأمريكي، وكانت سياستهم تقوم على أساس منح شعوب البلدان التابعة لأمريكا شيئاً من الجو السياسي المفتوح كي يحولوا دون انفجار هذه الشعوب ضد أمريكا.
وبعد قراءة دقيقة للأوضاع الجديدة، وضع الإمام خطة تصعيد الثورة في إيران، واتفق أن توفي السـيد مصطفى الخميني نجـل الإمام الأكبـر سنة 1977 فكانت الشرارة التي أشعلت فتيل الثورة. فتحولت مجالس التأبين التي عقدت في إيران للسيد مصطفى إلى تجمّعات ثائرة واجهت القمع والقتل، وتوالت مجالس التأبين للمقتولين، وسَرَت في كل المدن الإيرانية موجة عارمة من التحرك الشعبي المضاد لنظام الشاه، والإمام يوجّه بياناته مركزاً على:
1- الانضباط التام في التحرك والحذر من أي أعمال تخريبيّة.
2- المواصلة واستغلال الفرصة المتاحة حتى تحقيق النصر النهائي.
3- رفض الحلول الوسط والإصرار على إسقاط نظام الشاه.
4- اللجوء إلى كل السبل للضغط على نظام الشاه لإسقاطه، ومن ذلك المسيرات والإضرابات.
5- عدم التصدّي للجيش حتى لو أطلق الرصاص على المتظاهرين، ونثر الزهور على القوات المسلّحة التي تطوّق المظاهرات.
واستجاب الشعب لنداءات الإمام، وتوالت عمليات الضغط الشعبي على نظام الشاه، وتحوّلت إيران بأجمعها إلى مسيرات وإضرابات.
في أيلول 1978 اضطر الإمام الخميني إلى أن يترك منفاه في النجف، فغادر العراق إلى باريس، وأقام في ضاحية «نوفل لو شاتو» يواصل منها قيادة الثورة، رافضاً كل الوساطات التي حاولت إقناع الإمام بحلّ وسط للوضع القائم في إيران.
في 16 كانون الأول 1978 هرب الشاه من إيران مع أسرته، وفي مطلع شباط 1979 عاد الإمام الخميني إلى طهران، على ظهر طائرة خاصة من باريس، واستُقبل استقبالاً شعبياً تاريخياً. في 5 شباط عيّن المهندس بازركان رئيساً للحكومة المؤقتة، وبدأت معسكرات الجيش تعلن ولاءها للثورة، وفي 11 شباط أعلن الإمام الخميني سقوط نظام الشاه وانتصار الثورة الإسلامية.
إقامة الدولة
بعد سقوط نظام الشاه واجهت الإمام الخميني ثلاث مسؤوليات جسام هي:
1- إقامة الدولة
2- إرساء قواعد المجتمع المدني
3- المحافظة على المكتسبات
ففي حقل الدولة دفع الحكومة المؤقتة ومجلس قيادة الثورة والجماهير إلى إجراء استفتاء لتعيين نوع النظام، فصوّت 98.2 من الشعب الإيراني لصالح نظام الجمهورية الإسلامية في الأول من نيسان 1979، ثم توالت الانتخابات: انتخاب مجلس وضع الدستور وإقراره، وانتخاب مجلس الشورى الإسلامي، وانتخاب رئيس الجمهورية، وبذلك وطّد بسرعة مذهلة أسس الدولة الحديثة التي تستمد منهجها من الشريعة الإسلامية.
وعلى الجانب الشعبي شجّع الإمام المساجد لتكون مركز النشاط الجماهيري لإدارة المجتمع، فتأسست فيها اللجان الثورية التي نهضت بأعباء أمنية وسياسية واقتصادية وثقافية، وتأسست مراكز «جهاد البناء» من الشباب المتخصّصين المتطوّعين لإعمار القرى والأرياف ومساعدة المناطق الفقيرة، وتأسّس الحزب الجمهوري لتعبئة الجماهير في مختلف مجالات متطلبات الثورة والدولة.
ولعلّ قيادة الإمام الخميني برزت أكثر ما برزت في صيانة مكتسبات الثورة، إذ تعرّضت إيران منذ الأيام الأولى لانتصارها إلى تآمر داخلي وإقليمي ودولي واسع النطاق، تمثل في إثارة النزاعات القومية والطائفية، وفي حصار اقتصادي، وفي حرب استمرت ثماني سنوات، وفي عمليات إرهابية فجّرت المؤسسات واغتالت كبار الشخصيات القيادية، وفي مؤامرات عسكرية و كان كل واحد منها كافياً للقضاء على النظام الفتيّ، لكن قيادة الإمام الخميني المنبثقة من إرادة الجماهير والمتفاعلة مع عواطف الشعب وفكره وعقيدته جعلت إيران تحافظ على تماسكها وتدافع عن سيادتها وتخرج من كل هذه الأزمات بنجاح.
وبقي يواصل قيادة الثورة والدولة بوصفه «الولي الفقيه» حتى حزيران 1989م، إذ توفاه الله.
من أفكار الإمام الخميني:
ـ الاعتقاد بشمولية الإسلام واستيعابه لحياة الفرد والجماعة، لتوجيه البشرية نحو الكمال الإنساني المنشود.
ـ إيمانه بضرورة اتحاد كل الشعوب المقهورة في العالم (المستضعفين) لينالوا حقوقهم التي اغتصبتها القوى المقتدرة الظالمة (المستكبرون).
ـ تأكيده المستمر ضرورة وحدة المسلمين، ونبذ أي تفرقة طائفية أو قومية أو إقليمية بينهم.
ـ ضرورة إخلاص العمل لله وحده دون سواه على المستوى الفردي والاجتماعي.
ـ ضرورة اهتمام القيادة والمسؤولين بمصالح الناس وصيانتهم عزّة الأفراد، لأنّ هدف الأديان هو إنقاذ البشر من كل ما يهين كرامتهم.
ـ إيمانه بالمنهج العرفاني الجهادي الذي يؤكد مراقبة النفس والتخلّص من الذاتيات والأنانيات، ليتحوّل الإنسان إلى عطاء مستمر في ساحات هدم الباطل وإقامة معايير الحق والعدل.
ـ ضرورة دخول المرأة ساحة العمل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي مع المحافظة على أصالتها، وتأكيد أهمية المرأة في نشأة المجتمع الصالح.