افتتحت هذه الدار في أحد قصور شقيق الخديوي إسماعيل - مصطفى فاضل باشا - في درب الجماميز في الثلاثين من نيسان عام 1870، يوم كان علي مبارك يتولى منصب وزير المعارف في مصر، وقد عُرف عنه اهتمامه الكبير بالكتب والمعارف، وله يعود الفضل في إصدار قانون «الكتبخانة». فكانت محط إقبال القراء، يغترفون العلمَ والمعرفةَ مما تحتويه من كتب وإصدارات وما يرد إليها من جديد ومفيد، وهي التي عُرفت بأقسامها الأربعة، حتى إذا ما بلغت من العمر ما يقارب العقدين، ومع ازدياد رصيدها من الكتب والمجاميع، ضاقت الأرض المخصصة لها، واستبدّ القلق بالمسؤولين والمشرفين عليها من آثار التلف إثر تسرب الرطوبة إليها، وكإجراء مؤقت، نقل قسم كبير منها إلى أماكن أخرى من القصر، مقابل الشروع ببناء دار خاصة تتسع لما طرأ عليها من تغيير وتطوير، وكان ذلك في عام 1889م.
صار الإشراف على بناء المكتبة الجديدة بأقسامها المتطورة من اختصاص المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية، الذي انبثق في ضوء القرار الداعي إلى تبني مشروع إحياء الآداب العربية، في هذه الأثناء كانت الاستعدادات على قدم وساق لإنشاء مطبعة تابعة لدار الكتب مباشرة، الأمر الذي أدى فيما بعد إلى الانفصال عن مطبعة بولاق ونقل القسم الأدبي منها والمباشرة في نشر المطبوعات الصادرة عن دار الكتب، إضافة إلى الكتب التي يرغب الجمهور بطبعها على نفقتهم الخاصة.
وفي عام 1911 طرأت تعديلات على لائحة الدار، وبموجب تلك التعديلات، صارت إدارتها تابعة لوزارة المعارف العمومية. ومنذ ذلك الحين، تمّ اعتماد مجلس أعلى للدار من سبعة أعضاء، مهمته الإشراف والتخطيط للنهوض بمهام هذه الدار. وقد عقد هذا المجلس أولى جلساته في الحادي والثلاثين من تشرين الأول عام 1911م. وقد أولت الدار اهتماماً ملحوظاً بتقديم الخدمات المكتبية للأطفال، ويذكر أن أحد أقسامها قد أطلق عليه «مكتبة التلميذ» إسهاماً في تلبية حاجات التلاميذ من مختلف المدارس. كان إقبال النساء على القراءة في أواخر العشرينات والثلاثينات قليلاً، ومع انتشار التعليم ودخول المرأة في ميادين العمل، صار إقبال النساء، وخصوصاً الطالبات، ملحوظاً وملموساً على هذه الدار.
كانت الشروط تقتضي ألا يتردد على هذه الدار إلا من كان قد بلغ سنَّ الرشد، والتزم شروط الاستعارة، وحافظ على محتويات المكان.
في مطلع الأربعينات، برزت الحاجة من جديد إلى مكان أوسع، وبما يتماشى وينسجم مع التطور الحاصل في الإقبال على هذه الدار، أو في آلية الخدمات المكتبية وإدارتها. وكان أن تمت الاستعانة بأحد القصور القديمة في القلعة.
ومع مرور الأيام والأعوام، لم تعد الدار تناسب التطورات التي شهدها المجتمع المصري بما فيها الزيادة السكانية وازدياد دور المكتبة في حياة المجتمع.. فقررت الجهات المعنية، في الثالث والعشرين من تموز عام 1961، وضع حجر الأساس لمبناها الجديد الحالي على كورنيش النيل. وبعد مرور خمسة أعوام على ذلك صدر قرار ينص على إنشاء دار الوثائق التاريخية والقومية.ثم لم تلبث طويلاً إلى أن صارت دار الكتب والوثائق القومية.
أعقب ذلك في عام 1971 قرار صادر عن رئاسة الجمهورية ينص على ضم الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر إلى دار الكتب والوثائق القومية، ولتكونان بعد دمجهما: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
كان للدار أهدافها ومهامها من أجل خدمة التراث الوطني وجمع الإنتاج القومي وغير ذلك من المهام عن طريق:
ـ تيسير الاطلاع في إحياء الإنتاج الفكري وتعميم المكتبة.
ـ الإسهام في إحياء التراث الفكري وتيسير دراسته والفائدة منه.
ـ جمع المخطوطات والمصورات والسجلات وحفظها وتحقيقها وتهيئتها للانتفاع بها.
ـ جمع الوثائق التي تعدّ مادة للتاريخ وحفظها وجعلها في خدمة المستفيدين.
ـ تأليف وترجمة الكتب القومية والثقافية والعلمية والسياسية والاجتماعية والعالمية، وطبعها ونشرها وتوزيعها في الداخل والخارج.
أقسامها
اشتمل المبنى الحديث على الأقسام الآتية: إدارة التزويد، وإدارة الفهارس والببليوغرافيات، إدارة خدمات القراء، إدارة الدوريات، المخطوطات، مكتبة الموسيقى، إدارة مطبوعات الأمم المتحدة.
وقد أثرت هذه الدار في إحياء التراث الفكري ورفد الثقافة الوطنية التقدمية التي تلبي حاجة الباحثين والمختصين والقراء على حد سواء.
تولّى إدارة هذه الدار مديرون أجانب حتى سنة 1914، ومنهم برناردو موريتيز، وكان أول مدير مصري تولى إدارتها هو أحمد لطفي السيد، فتوفيق الحكيم، فمنصور فهمي، فحافظ إبراهيم. محتوياتها
يُذكر أن هذه الدار منذ عام 1929 وصلتها إهداءات كثيرة من الكتب، بل إن بعض الأمراء والشخصيات المعروفة والوجوه الاجتماعية أهدت مكتباتها كاملة لدار الكتب، منها:
ـ مكتبة الأمير إبراهيم حليم، ويُقدّر عدد مخطوطاتها بـ 641 مجلداً.
ـ مكتبة خليل آغا، وعدد مخطوطاتها 686.
ـ مكتبة الإمام الشيخ محمد عبده، وعدد مخطوطاتها 108 مجلدات.
ـ مكتبة أحمد طلعت بك المتوفى في 1927، والتي تضم 9549 مجلداً.
إضافة إلى مكتبة قونة التي أنشأها محمد علي باشا في مدينة قونة - مسقط رأسه - وعدد مجلداتها 2440 مجلداً.
وكذلك المكتبة التيمورية نسبة إلى تيمور باشا، وعدد مخطوطاتها 8673 مجلداً، والمكتبة الزكية نسبة إلى أحمد زكي باشا وعدد مخطوطاتها 1482 مجلداً.
ولابد من الإشارة إلى أن نظام التقنيات الحديثة - الحاسوب قد تمّ اعتماده عام1992 بهدف تطوير الخدمات المكتبية، ولحفظ المخطوطات العربية، وإعداد قاعدة بيانات كاملة تعرّف بهذا الرصيد الهام.
ـ خيال محمد مهدي الجواهري، من تاريخ المكتبات في البلدان العربية (وزارة الثقافة، دمشق 1992م) .
ـ أيمن فؤاد سيد، دار الكتب المصرية: تاريخها وتطورها (الدار العربية، القاهرة 1996م)