بطرس باشا نيروز غالي، ولد فى بلدة الميمون بمحافظة بنى سويف سنة ١٨٤٦، وكان والده غالى بك نيروز ناظرًا للدائرة السنية لشقيق الخديو إسماعيل فى الصعيد، (1846 - 20 فبراير 1910) رئيس وزراء مصر من 12 نوفمبر 1908 إلى 1910. قبطي.
تعليمه
التحق بطرس غالى فى صغره بأحد الكتاتيب كغيره من المصريين حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة ثم التحق بالمدرسة القبطية بالقاهرة، ثم انتقل إلى مدرسة البرنس مصطفى فاضل، وكانت تلك المدرسة تهتم بتدريس اللغات فأتقن الإنجليزية والتركية. تلقى تعليمه في كلية البابا كيرلس الرابع.
عُين مدرسًا بالمدرسة القبطية بالقاهرة، لكنه سافر بعد ذلك فى بعثة إلى أوروبا لتلقى تعليمه العالى هناك. عندما عاد بطرس من أوروبا عمل فى الترجمة بالإسكندرية، وعندما قامت الثورة العرابية فىمصر بقيادة أحمد عرابى كان بطرس من أنصارها ومن المنادين بالتفاوض مع الخديو، ولذا اختير ضمن وفد المفاوضة للتفاوض مع الخديو باسم العرابيين.
نشأ محبا للإنجليز مما مهد لعمله في وزارة مصطفى فهمي باشا الذي وصفه الإنجليز بأنه "إنجليزي أكثر من اللازم ومصري أقل من اللازم".
المناصب التي تولاها
كان بطرس غالى هو أول من يحصل على رتبة الباشاوية من الأقباط. صعد نجم بطرس غالى سريعًا.
فى عام ١٨٩٣ تولى نظارة المالية فى بداية عهد الخديو عباس حلمى الثانى فى نظارة رياض باشا التى استمرت حوالى عام، ثم لم يلبث أن أصبح ناظرًا للخارجية، فى النظارة الثالثة التى شكلها مصطفى فهمى باشا الذى كان يعتبر رجل الإنجليز فى مصر، واستمر فى نظارة الخارجية ثلاثة عشر عامًا من ١٢ نوفمبر١٨٨٥ حتى ١١ نوفمبر ١٩٠٨ وهى أطول فترة يشغلها ناظر فى هذا المنصب الكبير.
كوزير للخارجية صاغ ووقع على إتفاقية الحكم الثنائي الإنجليزي المصري للسودان عام 1899.
كرئيس وزراء، وافق على تمديد إمتياز شركة قناة السويس 40 عاماً إضافية من 1968 إلى 2008 في نظير 4 مليون جنيه تدفع على أربع أقساط. تمكن محمد فريد من الحزب الوطني من الحصول على نسخة من المشروع في أكتوبر 1909 ونشرها في جريدة اللواء،
وطالبت اللجنة الإدارية للحزب الوطني بعرض المشروع على الجمعية العمومية، فاضطر المسئولون تحت الضغط إلى دعوة الجمعية التي رفضت المشروع.
أتهامه
اتهم بمحاباة الإنجليز حين صادق، كوزير العدل المؤقت، على أحكام محكمة دنشواي بإعدام 6 فلاحين مصريين تحرشوا بجنود بريطانيين كانوا قد قتلوا عجوز مصرية أثناء صيدهم للحمام.
كان بطرس باشا غالى رجل دولة تحمل على عاتقه فترة من أصعب فترات التاريخ المصرى فى ظل غطرسة الاحتلال البريطانى، فقد فاوض الإنجليز على تخفيف أحكام دنشواى وحمل أوزار قدرته على مواجهة الإنجليز بالتفاوض أو المراوغة، طبقًا لما أشارت له الوثائق الإنجليزية التى جرى الإفراج عنها، إلا أن تصدره المشهد السياسى جعله فى واجهة الحياة السياسية، وتعاون معه وطنيون كسعد زغلول، وشُهد له بالكفاءة فى إدارة النظارات (الوزارات) التى أسندت له، وبالكفاءة كرجل دولة تولى رئاسة الوزارة، ولم يلق اختياره كرئيس للوزراء أى اعتراض بوصفه قبطيا بل لقى ترحيباً من كل المصريين،
عندما عهد الخديو عباس حلمى الثاني لبطرس باشا غالى برئاسة النظارة في 12 نوفمبر1908، نوقش فى كونه قبطيًا وهذا قد يثير اعتراض المسلمين، فأجاب الخديو على الفور بأن مصر شهدت نوبار باشا رئيسًا للوزارة وقد كان مسيحيًا وأجنبيًا، أما بطرس غالى فهو على الأقل مصرى، كما كان بطرس غالى رجل سلم وعمل، نشط فى مجال السلم والوساطة. لكن شابت علاقته بالحركة الوطنية خاصة الحزب الوطنى شوائب أثرت بالسلب على صورته منها اضطراره لتوقيع اتفاقية السودان في 19 يناير 1899، وترؤسه لمحكمة دنشواى الخاصة التى انعقدت يوم 23 نوفمبر عام ١٩٠٦، بعث قانون المطبوعات ٢٥ مارس ١٩٠٩، دوره فى مشروع مد امتيازقناة السويس.
اغتياله
مع تنامي الحركة الوطنية بمصر تحت شعار "مصر للمصريين"، أصبحت سياسات بطرس غالي شديدة الولاء لبريطانيا بؤرة لنقمة الوطنيين المصريين. وفى الساعة الواحدة بعد الظهر يوم ٢٠ فبراير١٩١٠، خرج بطرس غالى من غرفته فى ديوان الخارجية بصحبة حسين باشا رشدى ناظر الحقانية، وفتحى باشا زغلول (وكيل الحقانية)، وعبدالخالق ثروت (النائب العمومى)، وأرمولى بك التشريفاتىبالخارجية، ثم فارق من كانوا معه عند السلم الخارجى، وبينما هو يهم بركوب عربته اقترب منه هذا الفتى ابراهيم نصيف الورداني، الصيدلي الشاب العائد حديثا من انجلترا بإغتيال بطرس غالي، متظاهرًا بأنه يريد أن يرفع له عريضة وأطلق عليه رصاصتين أصابته إحداهما فى صدره، وما كاد يلتفت خلفه ليرى صاحب هذه الفعلة حتى أطلق عليه الفتى ثلاث رصاصات أخرى أصابت عنقه من الخلف واثنتين فى كتفه، وأطلق رصاصة سادسة أصابت ثيابه.
علاجه
استدعى الدكتور سعد بك الخادم فأخذ يسعفه ويخرج الرصاصات من العنق والكتف، وأفاق قليلاً وكان فى النزع الأخير، فحمل إلى مستشفى الدكتور ملتون بباب اللوق، وفور وصول بطرس باشا غالى إلى المستشفى اجتمع حوله ١٥ طبيبًا من كبار الأطباء فى مصر، وقد رأوا فى بادئ الأمر عدم إجراء عملية له لكن فى النهاية تم إجراؤها لإخراج الرصاصات الباقية.
ولما وقف الخديو عباس حلمى الثانى على هذا النبأ بلغ منه التأثر ومن رجال الحاشية مبلغه نظرًا لما كان يتمتع به بطرس باشا من ثقة الجناب العالى ومحبته له، وأصدر سموه أوامره فى الحال تليفونيًا إلى فتحى باشا زغلول باتخاذ جميع الوسائل الممكنة بكل سرعة للعناية به، وقد زار سموه بطرس غالى، ودخل عليه فى غرفته وقبله فى وجهه والدموع تملأ عينيه، وكان بطرس باشا قد تنبه قليلاً، فجعل يقول: «العفو يا أفندينا.. متشكر.. العفو يا أفندينا.. متشكر». وأمر الخديو أن تبلغ له الأخبار لحظة بلحظة.
وفاته
بعد انتهاء العملية لإخراج الرصاص ارتاح بطرس غالى نوعًا ما، ولكن الألم ازداد بعد قليل وارتفعت حرارته، وأصبح فى خطر قريب، ولم تأت الساعة الثامنة والربع مساء حتى أسلم الروح بين بكاء الحاضرين فى الساعة السابعة والدقيقة ٤٥ من صباح يوم الاثنين ٢١ فبراير سنة ١٩١٠ ثم عقد مجلس النظار برئاسة الجناب العالى فى سراى عابدين وقرر تعطيل نظارات الحكومة وجميع مصالحها والمدارس الأميرية إلى أجل غير مسمي. وكذلك تنكيس الأعلام على الثكنات العسكرية ودور الحكومة حدادًا على فقيد مصر العظيم.
ظروف الحادث ودوافع الاغتيال
يعد حادث اغتيال بطرس غالى هو الأول من نوعه فى مصر منذ أكثر من قرن عندما قتل سليمان الحلبى كليبر، ولذلك لابد أن نشير إلى الأحداث السياسية التى مرت بها مصر قبل وقوع الحادث وأدت إلى توتر علاقته بالحركة الوطنية خاصة الحزب الوطنى، وكان لها عميق الأثر على وقوع حادث الاغتيال منها اضطراره لتوقيع اتفاقية السودان ١٩ يناير ١٨٩٩، ودوره فى محكمة دنشواى الخاصة التى انعقدت يوم ٢٣ نوفمبر عام ١٩٠٦، وبعث قانون المطبوعات ٢٥ مارس ١٩٠٩، بالإضافة إلى دوره فى مشروع مد امتياز قناة السويس.
وكان الحزب الوطنى يرى أن بطرس غالى هو عضد الخديو الأيمن فى سياسته الجديدة. فهو الذى سافر معه إلى لندن فى صيف سنة ١٩٠٨ حين كان وزيرًا للخارجية فى وزارة مصطفى فهمى، وتفاهم مع الإنجليز على السياسة الجديدة. وقد كان من قبل مستشاره وسفيره فيما كان ينشب بينه وبين كرومر من خلاف.
وقد رشحه الخديو عباس لرئاسة الوزارة، وضمنه عند جورست حين سأله: «ألا يحصل انتقاد من الأهالى بتعيين رئيس قبطى؟»، فرد عليه عباس قائلاً: «إنه قبطى ولكنه مصري، أما نوبار فلم يكن مصريًا». ووقع حادث الاعتداء على بطرس باشا غالى أثناء نظر الجمعية العمومية لمشروع امتياز قناة السويس واضطرت وزارة بطرس باشا غالى إلى دعوة الجمعية العمومية للانعقاد لإحالة مشروع مد امتياز قناة
السويس إليها.
اعتراف إبراهيم ناصف الوردانى
اعترف الجانى (إبراهيم الوردانى) بجرمه، وبرر إقدامه على قتل بطرس باشا غالى بأنه وقع اتفاقية السودان فى ١٩ يناير عام ١٨٩٩، بالنيابة عن الحكومة المصرية باعتباره وزير خارجيتها، وكان ضمن تشكيل محكمة دنشواى، وإعادته العمل بقانون المطبوعات القديم فى ٢٥ مارس عام ١٩٠٩، وقانون النفى الإدارى فى ٤ يوليو من نفس العام، كان له دور فى محاولة مد مشروع امتياز قناة السويس. كما اعترف أنه قصد قتل بطرس باشا غالى منذ زمن.
أسباب أغتياله
وقع بطرس باشا غالى اتفاقيتى الحكم الثنائى للسودان فى ١٩ يناير عام ١٨٩٩ بالنيابة عن الحكومة المصرية باعتباره وزير خارجيتها، واللورد كرومر بالنيابة عن الحكومة الإنجليزية، وبموجب تلك الاتفاقية أصبح لانجلترا رسميًا حق الاشتراك فى إدارة شؤون الحكم بالسودان، ورفع العلم الإنجليزى إلى جانب العلم المصرى فى أرجائه كافة، وتعيين حاكم عام للسودان بناء على طلب الحكومة البريطانية، وأصبح المصريون غرباء عنه أو خداما للإنجليز فيه.
ولم يذع أمر الاتفاقية إلا عقب إمضائها، وكانت الصحف تجهل أمرها، ولم تنشر شيئًا عن مقدماتها، ولم تحصل مفاوضات ما بصددها، وإنما هى إرادة اللورد كرومر أملاها على وزارة مصطفى فهمى، فقبلتها بلا مناقشة، كل ما حصل من المفاوضة بشأنها أن اللورد كرومر سلم بطرس باشا غالى مشروع الاتفاقية كما وضعته وزارة خارجية انجلترا، فأخبر بطرس باشا غالى الوزراء بالأمر، فقبلوا المشروع دون أن يطلع أكثرهم عليه.
هذه الاتفاقية جعلت لبريطانيا حقًا مشروعًا وأعطتها نفوذًا لم تكن تحلم به، فمن الناحية الفعلية فصل هذا الاتفاق السودان عن مصر، وأصبحت جميع السلطات فى يد حاكم عموم السودان وهو بريطاني، كما أن موافقة الحكومة المصرية عليه تتم فى صورة شكلية، وتشريعات القطر المصرى لا تسرى على السودان.
غير أن الواقع بالنسبة للاتفاق الثنائى يخالف الجانب الرسمى له كل المخالفة، فقد انفردت بريطانيا وحدها بمهمة وضع الاتفاق، وكان دور مصر شكليًا بحتًا، لم يزد على توقيع الاتفاق حين قدم لها.
وفى ١٣ يونيو عام ١٩٠٦، كانت جماعة من الضباط الإنجليز تقوم برحلة صيد حمام بجوار قرية دنشواى بالمنوفية بدعوة من عبدالمجيد بك سلطان أحد أعيان القرية، وفى أثناء الصيد شب حريق فى أحد الأجران بفعل البارود المشتعل، فهاج الفلاحون وهجموا على الشباب الإنجليز، وفى الهرج أطلق أحد الضباط الإنجليز خرطوشة أصابت امرأة فسقطت جريحة، فهجم أهلها على الضباط وأوسعوهم ضربًا، وفى أثناء فرار أحدهم أصيب بضربة شمس ولقى مصرعه واتهم أحد الفلاحين بقتله.
وطبقًا للقانون العرفى الصادر فى عام ١٨٩٥ لحماية أرواح قوات الاحتلال البريطانى، وبناء على قرار الاتهام المقدم من محمد شكرى باشا مدير المنوفية، شكلت محاكمة خاصة يوم الأحد ٢٣ نوفمبر عام١٩٠٦، كان قضاتها بطرس باشا غالى ناظر الحقانية بالنيابة، وفتحى بك زغلول رئيس المحاكم الأهلية، ومستر هيتر المستشار القضائى بالنيابة، ومستر بوند نائب رئيس المحاكم، وكان القاضى العسكرى الكولونيل لدلو يمثل جيش الاحتلال، أما سلطة الاتهام المصرية، فكان يمثلها إبراهيم بك الهلباوى.
وقد صدر الحكم بإعدام أربعة من أهالى دنشواى وهم (حسن محفوظ، يوسف سليم، السيد عيسى سالم، محمد درويش زهران)، كما قضت بالأشغال الشاقة مددًا مختلفة على ١٢ متهمًا وبالجلد خمسين جلدة لكل منهم.
بعض الحقائق
كانت رئاسة بطرس باشا غالى لتلك المحكمة من الأمور التى أخذت عليه، وكانت ذريعة لمهاجمته واتهامه بممالأة الإنجليز، وبنظرة متمعنة فى الحادث وتفاصيل المحاكمة تتضح الكثير من الحقائق التى غابت عن دور بطرس باشا غالى فى المحاكمة، أهمها أن دور بطرس غالى كان شكليًا حيث عقدت المحكمة المخصوصة برئاسة بطرس باشا غالى بصفته قائمًا بعمل ناظر الحقانية، فإن القدر وضعه فى رياسة هذه المحكمة نتيجة لظروف إدارية بحتة وهى غياب ناظر الحقانية آنذاك إبراهيم فؤاد باشا الموكل إليه أساسًا رئاسة المحاكمة بحكم قانون عام ١٨٩٥،
وهذا ما جعل بطرس غالى المسؤول عن المحاكمة، وكان من الممكن أن يلعب نفس الدور أى ناظر يتولى أى نظارة أخرى فى تلك الفترة. أضف إلى ذلك، أن الحكم الصادر هو حكم سياسى أملته السلطة الإنجليزية التى أمرت بإرسال المشانق إلى دنشواى قبل أن يصدر الحكم. ولم يكن دور هيئة الدفاع عن المتهمين نفى التهمة عن المتهمين أو التقليل من عددهم وإنما حاولت تخفيف حدة الاتهام من القتل العمد إلى
ضرب أدى إلى الوفاة.
وقال المستر بوند- وكيل محكمة الاستئناف الأهلية والعضو بالمحكمة المذكورة- إن هيئة المحكمة كانت مصممة على إعدام خمسة لولا إصرار بطرس غالى الذى لم يوافق على إعدام أحدهم، وقال إن ضميرى غير مرتاح لإعدامه، ولذلك فقد سعى عقب الحادثة فى مفاوضة الحكومة الإنجليزية، ووافقت الحكومة الإنجليزية على العفو الذى أصدره الجناب العالى الخديو رسميًا يوم عيد جلوسه عام ١٩٠٧، ظن الوطنيون أن هياجهم وحده هو الذى أرجف الإنجليز فأصدروا أمرهم بالعفو عن المسجونين مع أن الفضل الأكبر فى العفو عنهم يرجع إلى تدخل الخديو عباس حلمى الثانى ووزيره بطرس باشا غالى كما يستدل على ذلك من الوثائق البريطانية
والمصرية التى لم ينشر منها سوى القليل إلى اليوم.
وفى ٢٥ مارس ١٩٠٩ أصدر مجلس النظار قرارًا بإعادة العمل بقانون المطبوعات، وكان الهدف منه مصادرة الحريات ومصادرة الصحف الوطنية وإغلاقها خاصة بعد أن أخذت تهاجم الخديو عباس حلمى الثانى نتيجة لسياسة الوفاق التى اتبعها مع الإنجليز، فضاق الخديو بهذه الحملات، وكلف بطرس غالى بإعادة إصدارقانون المطبوعات ١٨٨١ الصادر فى ٢٦ نوفمبر عام ١٨٨١ إبان الثورة العرابية.
واعتبر هذا الإجراء بمثابة لطمة كبيرة وجهت إلى الحركة الوطنية، وهو أحد الدوافع المهمة التى اعترف الوردانى بأنه أقدم بسببها على اغتياله لبطرس غالى حيث اعتبره البعض بمثابة وضع القيود على الأقلام وتكميم أفواه الصحافة، وعم الدوائر الوطنية الغضب خاصة الشباب الذى نظم مظاهرات صاخبة، وكانت هذه المظاهرات شيئًا جديداً فى الحياة السياسية المصرية منذ الاحتلال البريطانى.
وقد زاد هذا القانون من سخط الوطنيين على الحكومة، ولذا اعتبر البعض أن بطرس غالى مسؤول مسؤولية تاريخية عما حل بالصحافة الوليدة من كبت لحرياتها ومصادرة للصحف، وبلغ من غضب الوطنيين على هذا القرار أن قام «محمد فريد» زعيم الحزب الوطنى بالذهاب إلى الخديو عباس حلمى فى نفس اليوم الذى صدر فيه ذلك القانون بعريضة احتجاج على ما قامت به نظارة بطرس غالى، وقامت المظاهرات الرافضة لهذا التضييق والكبت لحريتها.
وفى أواخر سنة ١٩٠٩ وأوائل سنة ١٩١٠، شغلت الرأى العام مسألة كبرى، تتصل بحياة البلاد المالية والسياسية، ونعنى بها مشروع مد امتياز قناة السويس، والذى حاول به الاستعمار تثبيت أقدامه فى البلاد، وإطالة عمر الاستعمار الاقتصادى والاستراتيجى، وفحوى هذا المشروع أن المستشار المالى البريطانى مستر بول هارفى أخذ يفكر فى وسيلة يسد بها حاجة الحكومة إلى المال، فدخل فى مفاوضة مع شركة قناة السويس، لمد امتيازها أربعين عامًا، تلقاء أربعة ملايين من الجنيهات تدفعها الشركة للحكومة، وجانب من الأرباح من سنة ١٩٢١ إلى سنة ١٩٦٨.
وبذلك ارتبط اسم بطرس غالى بمشكلة مد امتياز قناة السويس، فلقد تحدد للجمعية العمومية يوم ٩ فبراير ١٩١٠ للاجتماع والنظر فى مشروع مد الامتياز الذى تقدمت به شركة قناة السويس إلى الجمعية العمومية المصرية، فدعا بطرس كلاً من سعيد ورشدى إليه وأطلعهما على المذكرة الموضوعة بشأن القناة، وتضمنت توزيع الأرباح بين الحكومة والشركة مناصفة، وأن تكون المناصفة فى بداية الامتداد التالى لنهاية الامتياز الحالى.
وقد كان بطرس باشا غالى خلال مناقشة المشروع فى الجمعية العمومية من مؤيدى المشروع على الرغم من اعتراض العديد من الشخصيات السياسية المصرية، خاصة قيادات الحزب الوطنى بزعامةمحمد فريد، وبالتالى ظل هذا المشروع محل تكتم مدة عام كامل حتى استطاع الزعيم الوطنى محمد فريد الحصول على نسخة من مشروع القانون، وقام بنشرها فى جريدة اللواء فى أكتوبر ١٩٠٩، ثم قفى على إثرها ببيان أسرار المشروع وأسبابه، ومبلغ الضرر الذى سيصيب مصر من ورائه، خاصة أن إعطاء الامتياز كان يعنى أن تترك الشركة القناة لمصر سنة ٢٠٠٨.
وبدأت حملة من الحركة الوطنية وعلى رأسها الحزب الوطنى فى تعبئة المصريين ضد هذا القانون، وربما يرجع تأييد بطرس باشا غالى للمشروع لحاجة الحكومة المصرية الحصول على أربعة ملايين جنيه على أربعة أقساط متساوية من ديسمبر ١٩١٠إلى ديسمبر عام ١٩١٣.
كما كان لهذا الحادث الخطير أثره فى تاريخ الحزب الوطنى ذاته، فقد خفت حدة أقلام كتابه فى الصحف نظرًا لهول الحادث وخوفًا من لصق تهمة تدبيره بالحزب، إلا أن الصحف القبطية والأجنبية اعتبرت أن تحريض صحف الحزب المستمر قد ساهم على الأقل فى تهيئة أسباب الاغتيال.
ولذلك زادت مطاردة الحكومة لنشاط الحزب ومبادئه. وقال صحيفة الايجيبسيان فى عددها بتاريخ ٨ يناير ١٩١١ أن: «الوردانى وهو يقتل بطرس غالى كان يجهز فى الوقت نفسه على الوطنية المصرية فى مصر». كما اندفعت الحكومة المصرية تقبض على الناس وتفتش البيوت لاستكشاف جمعيات ومؤامرات سرية، لذلك لم تبدأ محاكمة الوردانى إلا بعد شهرين من وقوع الحادث، أى فى ٢١ أبريل
أبناء بطرس غالي الجيل الثاني من الخونة :
« ظل نجيب غالي المسئول عن الخارجية المصرية طوال فترة الحماية البريطانية على مصر ، ومن أجل عيون الاحتلال ، كان عينًا لهم بين صفوف الوطنيين ، وكان عونًا لهم على تمثيل مصر في المحافل الدولية المشاركة في التآمر على تاريخ مصر .
ثم جاء شقيقه واصف بطرس غالي أفندي ، ليشغل المناصب التالية على الترتيب في نفس التخصص :
- وزيرًا للخارجية في وزارة سعد زغلول باشا الأول .
(18 يناير 1924 ـ 24 نوفمبر 1924) .
ولقد لعب دورًا ضخمًا في تحقيق أهداف الإنجليز لدى وزارة سعد الوفدية ، والتي تمثلت في الاعتراف بوجود بريطاني فعال في مصر عن طريق المفاوضات ؛ إذ أن مثل هذا الاعتراف أدى بشكل قوي إلى تحقيق مرمى الاستراتيجية البريطانية حينذاك في تثبيت دعاماتها بأرض مصر .
- وزيرًا للخارجية في وزارة النحاس باشا الأولى .
( 16 مارس 1928- 25 يونيه 1924) .
- وزيرًا للخارجية في وزارة النحاس باشا الثانية .
( 1 يناير 1930- 19 يونيه 1930) .
- وزيرًا للخارجية في وزارة النحاس باشا الثالثة .
( 9 مايو 1936- 31 يوليو 1937 ) .
- وزيرًا للخارجية في وزارة النحاس باشا الرابعة .
( أغسطس 1937- 30 ديسمبر 1937 ) .
ويلاحظ أن واصف بطرس غالي كان أول وزير خارجية ممثلًا لحزب الوفد مع سعد زغلول في وزارته الأولى ، ثم اختفى ليعود ثانية ملازمًا للتشكيلات الأربع لوزارات النحاس ، ثم انتهى بانتهاء النحاس ولم يُسمَع له صوتٌ بعد ذلك .
ولم يحتفظ له التاريخ بسطر واحد ، يمكن أن يشهد له أنه كان لمصر قبل الإنجليز ، أو أنه تمثل موقفًا وطنيًّا أعلن من خلاله رفضه للاحتلال والوصاية .
وحتى لا تترك أسرة غالي مجالًا لتَلَمُّس براءتها من هذه الأدوار المشبوهة في تاريخ مصر ، أصدر ( متري بطرس غالي ) عام 1938 كتابًا على غاية من الخطورة في تلك الحقبة الخطرة ، تحت عنوان ( سياسة الغد ) وضع فيه الخطوط العريضة للسياسة الوطنية المصرية تجاه الوجود الاستعماري ، ظهرت من خلال سطوره ، روح تعاونية مع البريطانيين ، ثم تَذَمَّرَ من اهتمام المصريين وقادتهم ، بالاستقلال والوطنية .
.تولى ابنان له الوزارة هما
( نجيب غالي )
( وواصف غالي )
كما تولى ثلاثة من أحفاده الوزارة أيضًا وهم
( مريت نجيب بطرس غالي )
( وبطرس بطرس غالي )
حفيده بطرس بطرس غالي أصبح نائب رئيس وزراء لمصر ثم أصبح سكرتيرا عاما للأمم المتحدة.
( ويوسف بطرس غالي )
( يوسف رؤوف يوسف بطرس غالي )
( وبطرس باشا غالي هو الجد السابع لوزير المالية السابق والمطلوي القبض عليه يوسف بطرس غالي )
، وكان أحد أبنائه من أقطاب الوفد وهو ( واصف غالي ) .