أُطلق اسم حرب المئة عام على سلسلة من الحروب التي حدثت في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، أي بين عامي1337 و1453م بين إنكلترا وفرنسا، لأن العداء ظل يسود العلاقات الفرنسية - الإنكليزية على جانبي بحر المانش منذ الغزو النورمندي لإنكلترا عام1066م.
كان هناك سببان رئيسيان لحرب المئة عام في القرن الرابع عشر هما:
1- المطالبة بعرش فرنسا من قبل الملك إدوارد الثالث Eduard III ملك إنكلترا وحفيد الملك الفرنسي فيليب الجميل Philippe le bel من جهة أمه.
2- رغبة الملك الإنكليزي إدوارد الثالث في ضم مدن الفلاندر الغنية والمرتبطة بتجارة الصوف البريطانية. وهكذا فإن السبب الرئيس لهذه الحرب يكمن في النزاع حول أملاك العرش الإنكليزي وادعاءاته في عرش فرنسا، إضافة إلى وجود بعض الأسباب الثانوية الأخرى، أهمها التنافس الاقتصادي وتعارض مصالحهما السياسية في القارة الأوربية، كل هذه الأمور أدت إلى سلسلة من الحروب بين الدولتين في نهاية العصور الوسطى استمرت أكثر من مئة عام.
معركة كريسي عام 1346 |
وفيها استطاع الإنكليز بقيادة الملك إدوارد الثالث |
هزم الفرنسيين هزيمة ساحقة (مكتبة المخطوطات،تولوز) |
قسم المؤرخون حرب المئة عام إلى ثلاث مراحل، تخللتها فترات سلم طويلة من وقت لآخر، وذلك تسهيلاً لدراستها وتمييزها. بدأ الدور الأول لهذه الحرب عندما قطع الملك إدوارد الثالث علاقاته بالملك الفرنسي فيليب السادس (1328-1350)، واشتبك الطرفان في الحرب، حيث هُزم الفرنسيون هزيمة منكرة في معركة كريسي Crécy عام 1346، ونتيجة لها استطاع الإنكليز السيطرة على ميناء كاليه Calais المطل على بحر المانش عام 1347.
تولى المُلك بعد فيليب السادس الملك جان الثاني Jean II «الطيب Le Bon» من عام1350 إلى عام1364، وإضافة إلى المشكلات الداخلية في بداية حكمه، فإن مملكته تعرضت لهجوم الأمير الأسود (الأمير إدوارد ابن الملك إدوارد الثالث) الإنكليزي الذي انتصر على الملك الفرنسي جان الثاني الطيب في معركة بواتيه Poitiers عام 1356، وأسره وعاد به إلى لندن، حيث عامله هناك معاملة حسنة، فوضع تحت تصرفه قصراً وسمح له بممارسة الرياضة والصيد. وفي أثناء أسره في إنكلترا حدثت محاولة ثورة في مدينة باريس بقيادة إتيين مارسيل Etienne Marcel. وفي عام 1359 قام الملك إدوارد الثالث بحملة عسكرية ضد فرنسا، لكن حملته تعرضت لصعوبات جمة، ومع ذلك فقد أجبر الفرنسيين على توقيع معاهدة بريتيني Brétignyالتي كانت كارثة لفرنسا، ومعاهدة كاليه عام1359، نزل فيها الملك الإنكليزي عن مطالبته بعرش فرنسا مقابل اعتراف فرنسا له بملكية غاسكونية وكاليه وغيين Guyenne وبونتيو Ponthieu، وعلى أثر توقيع الملك الفرنسي الأسير على ما جاء في المعاهدتين عام1360، أُطلق سراحه مقابل فدية وعاد إلى فرنسا بعد أن ترك وراءه في لندن ولديه رهينةً لدفع الفدية، لكنه سئم الحياة في فرنسا بسبب كثرة المشكلات التي تعرض لها، فقفل عائداً إلى لندن بعد تذرعه ببعض الأسباب، وبقي في إنكلترا حتى وفاته عام1364.
وعلى إثر ذلك تولى الملك في فرنسا شارل الخامس Charles V من 1364 إلى1380، الذي استطاع بمساعدة أحد كبار النبلاء الفرنسيين من ذوي الإرادة والعزيمة، وهو برتراند جيسكلن Br.Guesclin، من إعادة النظام والأمن إلى فرنسا بعد إخضاع الجنود المرتزقة الأجانب.
في عام 1369 عاد الأمير الأسود الإنكليزي إلى فرنسا وحاول الاستيلاء على مقاطعة ليموزان Limousan الفرنسية، لكنه قوبل وجيشه الإنكليزي بسياسة الأرض المحروقة من قبل سكان هذا الإقليم الذين انسحبوا إلى القلاع والحصون. وبالرغم من كل ذلك حقق بعض الانتصارات على الفرنسيين، أما القائد العسكري الفرنسي جيسكلن فقد تحاشى الدخول في معركة فاصلة مع الأمير الأسود، واكتفى بمهاجمة منطقة غيين الخاضعة للحكم الإنكليزي. وفي عام 1372، دُمر الأسطول الإنكليزي من قبل الأسطول الفرنسي المتحالف مع أسطول قشتالة الإسباني بالقرب من ميناء لاروشيل La Rôchelle الفرنسي المطل على المحيطالأطلسي. وعلى إثر ذلك ساء وضع القوات الإنكليزية مما اضطرها إلى الانسحاب والعودة عام 1373 إلى إنكلترا، وبعد هدنة قصيرة بين الجانبين (1374-1377) عادت الحرب من جديد بعد وفاة إدوارد الثالث عام 1377، حيث استطاع شارل الخامسوقائد جيشه جيسكلن السيطرة على الوضع العسكري تقريباً. وعند وفاتهما عام 1380 كانت فرنسا تسيطر على كل الأقاليم عدا عدة موانئ مثل كاليه وبوردو وغيين التي بقيت تحت الاحتلال الإنكليزي.
بدأت المرحلة الثانية من حرب المئة عام بين عامي 1380 و1415، وتخللها فترات طويلة من الهدوء والسلام بين الجانبين بالرغم من بعض المناوشات. وصل شارل السادس إلى الحكم عام 1380، وعمره لا يتجاوز الثانية عشرة، وهذا ما أوقع فرنسا في الفوضى من جديد بسبب الخلاف بين الأوصياء عليه مما أدى إلى حرب أهلية، وهذا ما سهل تقدم القوات الإنكليزية التي أحرزت نصراً ساحقاً على الفرنسيين في معركة أزينكور Azincourt عام 1415، وبالتالي دخلت حرب المئة عام المرحلة الثالثة والأخيرة (1415-1453).
بعد انتصار أزينكور فرضت إنكلترا على فرنسا عام 1422 معاهدة تروى Troyes، حيث فقد الملك الفرنسي شارل السادس الكثير من سلطته واحترامه من قبل الشعب الفرنسي، لأنه اعترف فيها بادعاءات إنكلترا وملكها هنري الخامس في ملكيتهم لبعض مناطق فرنسا. لقد سيطرت إنكلترا هي وحلفاؤها البورغنديون وفقاً لمعاهدة «تروى» على مناطق نورمندي La Normandie، وشمبانيه La Champagne وتورين Touraine، وجزيرة فرنسا Ile de France أي المنطقة الباريسية، ولم يبق لفرنسا شمال نهر اللوار سوى إقليم أنجو Anjou وبعض المدن الصغيرة وأهمها مدينة أورليان Orléans.
معركة فورمينيي 15 نيسان 1450 |
التي قادها الملك شارل السابع على الإنكليز |
(المكتبة الوطنية - باريس) |
توفي الملك الفرنسي شارل السادس في العام نفسه الذي توفي فيه الملك الإنكليزي هنري الخامس (1422)، فخلفه ولي العهد شارل السابع Charles VII في أورليان ملكاً على فرنسا. لكن الإنكليز وحلفاءهم عينوا من جانبهم هنري السادس ملكاً، وأدى هذا الوضع إلى ظهور شارل السابع أمام مواطنيه بمظهر الملك الضعيف، بعد أن قام الجيش الإنكليزي بمحاصرة عاصمته أورليان عـام1428، على أمل احتلال ما تبقى من أقاليم فرنسا الشمالية التي كانت خارج نطاق سـيطرتهم. في هذا الوقت الصعـب جـداً، ظهـرت جـان دارك[ر] Jean d’Arc ت(1431-1412) وادعت بأنها مرسلة لنصرة الملك شارل السابع من أجل تحرير فرنسا من الغزاة الإنكليز، فسلمها الملك قيادة جيش صغير ازداد عدده مع اقترابها من مدينة أورليان المحاصرة من قبل الجيش الإنكليزي. استطاعت جان دارك وجيشها دخول أورليان المحاصرة عن طريق نهر اللوار، وإجبار الإنكليز على رفع الحصار عن المدينة والانسحاب بعد تكبيدهم خسائر فادحة، ثم تمكنت عام 1429 من إنزال هزيمة ساحقة بالإنكليز في معركة باتي Patay، وعلى أثرها توج الملك شارل السابع ملكاً على فرنسا في مدينة ريمس Reims في 17تموز 1429. تابعت جان دارك المعركة ضد الإنكليز، إلا أنها أخفقت هي وجيشها في دخول مدينة باريس التي يسيطر عليها البورغنديون الذين استطاعوا الانتصار عليها في معركة كومبيين Compiêgne في شمال مدينة باريس وأسرها في 23أيار 1430 ثم إعدامها.
إن إعدام البطلة جان دارك شحذ همم الفرنسيين ضد إنكلترا فاستطاعوا بقيادة الملك شارل السابع إنزال الهزيمة بالإنكليز في معركة فورمينيي Formigney عام 1450، وفي كاستيون Castillon عام 1453، كما طردوهم من بوردو عاصمة الجيرونديين في العام نفسه، بعد أن قام الإنكليز بمحاولات يائسة للاحتفاظ بالمدينة. وبذلك تكون حروب المئة عام قد انتهت، والفضل يعود إلى الصحوة الفرنسية التي سببها إحراق جان دارك التي كان نتيجتها تحرير فرنسا من الاحتلال الإنكليزي نهائياً عام 1453، ولم يبق سوى ميناء كاليه تحت الاحتلال والذي سيعود إلى الوطن الأم نهائياً عام 1558.