ثيوفراستوس
(372 ـ 287ق.م)
ثيوفراستوس Theophrastus عالم وفيلسوف إغريقي تتلمذ لأرسطو[ر] وخلفه في رئاسة مدرسة المشّائين Peripatetic Schoolالأرسطوطالية. ولد في جزيرة لسبوس Lesbos اليونانية وقصد أثينا طلباً للعلم، فاستمع أولاً إلى أفلاطون[ر] ثم تعرف إلى أرسطو وصار أشهر تلامذته، وهو الذي أطلق عليه لقب «ثيوفراستوس» (أي: المتكلم الإلهي)، أما اسمه الحقيقي فكان تيرتانوس. يقول عنه ابن أبي أصيبعة[ر] في «عيون الأنباء في تاريخ الأطباء»: كان ثيوفراستوس (أحد تلاميذ أرسطوطاليس وابن خالته، وأحد الأوصياء الذين وصى إليهم أرسطوطاليس وخلفه على دار التعليم بعد وفاته). وفي الحقيقة عندما أُجبر أستاذه على ترك أثينة لميوله المقدونية، تسلم ثيوفراستوس رئاسة مدرسة اللوكيون Lykeion على مدى خمس وثلاثين سنة وصلت خلالها أعداد طلابه ومستمعيه إلى ذروتها. أشهر تلامذته دِمِتريوس الفاليري Demetrius of Phelerun الذي تولى حكم أثينة (317-307ق.م) وصار فيما بعد مؤسساً لمكتبة الإسكندرية. وكانت تربطه صداقة قوية بملوك عصره: كساندروس في مقدونية وبطلميوس في مصر.
كان ثيوفراستوس أحد كبار العلماء في العصور القديمة، استوعب كل أنواع المعارف والفكر الأرسطوطالي وشجع بأبحاثه كثيراً من العلماء، وكان يدعو إلى التخصص في مجال العلوم. أسس لتاريخ الفلسفة بمجموعة مؤلفة من ثمانية عشر كتاباً عن «آراء الفلاسفة الطبيعيين». كما طور طريقة النقاش العلمي من خلال تقديمه آراء الخصوم قبل أن يبدأ بنقدها وتفنيدها. أما في مجال العلوم الطبيعية فقد وضع مجموعة من الأسس والمفاهيم المتعلقة بتصنيف الحجارة والنبات والحيوان والإنسان وتوصيفها.
ألف عدداً كبيراً من الكتب والبحوث في مجال الفلسفة والعلوم والبلاغة والشعر والموسيقى والسياسة وسواها، أورد ديوغنيس لائرتيوس سرداً بها في تاريخ الفلسفة، ولكن لم يبق منها سوى القليل وأهمها:
1- تاريخ النبات Peri phytõn historia في تسعة كتب يتحدث فيها عن أوصاف النبات وتصنيفها.
2- أسباب النبات Peri phytõn aitiõn في ستة كتب تبحث في نشأة النبات وتشريحه.
اعتمد ثيوفراستوس في هذين المؤلفين الكبيرين على مبادئ أرسطو البيولوجية ولكنه جعل منها للمرة الأولى في تاريخ العلم نظاماً متكاملاً لعلم النبات. وقسم النباتات جميعها إلى أشجار وشجيرات وأعشاب وحشائش وميّز أجزاء النبات وقسمها إلى جذر وساق وأغصان وأوراق وأزهار وفاكهة، وهو تقسيم لم يدخل عليه أي تحسين حتى عام 1561؛ ويقول في ذلك: «للنبات قدرة على التوالد سارية في جميع أجزائه، لأن فيه حياة تسري فيها جميعاً... وطرق توالد النبات هي الطريقة التلقائية من بذرة أو جذر...». وقد سار على نهج البابليين فوصف عمليتي التلقيح والتختين، وبحث في التوزع الجغرافي للنبات وفي فوائده الصناعية، ودرس التفاصيل الجزئية لنحو خمسمئة من أنواع النبات دراسة دقيقة مدهشة وتلخص كل معارف الإغريق عن خواص النبات.
3- كتاب الطبائع Charaktëres ويصف فيه ثلاثين نموذجاً للطبائع البشرية وسلوكها ومثالبها، كان لها تأثير كبير في شعراء الملهاة (الكوميديا) القدماء، وفي الفكر الأوربي من خلال ترجمة الشاعر الفرنسي لابرويير[ر] (1699م).
كان ثيوفراستوس باحثاً وعالماً أكثر منه فيلسوفاً نظرياً. قام بأبحاثه على الأسس الموضوعية والمنهجية لأستاذه أرسطو، وكان أشهر الفلاسفة المشائين وأغزرهم إنتاجاً بعد معلمه، وأثر في عدد من المفكرين الإغريق والرومان مثل شيشرون[ر] وسنيكا[ر] وبلوتارخُس[ر] وبورفوريوس وشراح أرسطو. ولذلك فقد استأثر باهتمام العلماء والمفكرين الحديثين الذين كتبوا عنه الكثير، وترجمت مؤلفاته إلى كثير من اللغات الحديثة.