فرض واقع الغزو الصهيوني لفلسطين، تورط الدول العربية ودول الطوق (المواجهة) خاصة في صراع طويل الأمد مع الكيان الإسرائيلي من أجل الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.
وكانت محصلة هذا الصراع حروباً واعتداءات إسرائيلية متكررة صُنفت في خمس أو ست حروب رئيسة، سميت الحروب العربية الإسرائيلية، كان أولها حرب عام 1948 فحرب السويس أو العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، فحرب 1967 (حرب الأيام الستة) فحرب الاستنزاف (1970-1972)، فحرب تشرين التحريرية[ر] عام 1973، ثم الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982. ولا يمكن فصل هذه الحروب إحداها عن الأخرى، إذ إن وقائع هذا الصراع المسلح، يمثل حرباً واحدة، لم تكتمل فصولها ولم تنته إلى غايتها.
أولاً - نكبة فلسطين وحرب عام 1948
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أوصت بقرارها رقم 181 في 29/11/1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، وفرض نظام دولي خاص بمدينة القدس، وكان ملوك ورؤساء الدول العربية المؤسسون لجامعة الدول العربية، وهم سبعة، قد عقدوا مؤتمر قمة في بلدة أنشاص في مصر (28-29/5/1946)، رفضوا فيه قرار التقسيم[ر. فلسطين]. غير أن الحركة الصهيونية المدعومة من الدول الغربية وخاصة بريطانيا التي كانت تحتل فلسطين وتتحكم في أمورها، قد عمدت إلى شن حرب سمتها «حرب الاستقلال»، في حين عمدت الدول العربية، ولاسيما سورية ومصر والأردن، إلى إرسال المتطوعة ودعم المقاومة في فلسطين لردع الصهاينة. وبعد أن أعلنت بريطانيا عزمها الانسحاب من فلسطين، سعت إلى تقوية الجانب اليهودي، بالتخلي له عن قواعدها ومستودعاتها وذخائرها، وظلت تشدد الحصار على الجانب العربي حتى لحظة مغادرة قواتها أرض فلسطين.
تقسم وقائع حرب 1948 إلى أربع مراحل: مرحلة القتال الأولى (15أيار-10حزيران1948): بعد أن أعلنت بريطانيا انسحابها من فلسطين، أعلن الصهاينة إقامة دولة إسرائيل، وسارعت قواتهم إلى احتلال أكبر مساحة من فلسطين بمدنها وقراها، وطردت ما يزيد على أربعمئة ألف فلسطيني من ديارهم، وأرسلت ست دول عربية هي: مصر والعراق وسورية والأردن ولبنانوالمملكة العربية السعودية، قوات نظامية بقيادة موحدة، واشتبكت قواتها في معارك متفرقة مع منظمات يهودية محاربة، اتحدت في جيش واحد سُمي جيش الدفاع الإسرائيلي، تحت قيادة فعلية واحدة.
لم تكن الجيوش العربية تتمتع باستقلالية التحرك والعمل، ولم تكن لديها خطة استراتيجية شاملة، وكانت قد سعت إلى التسلح حديثاً، وشرعت في توسيع ملاكاتها من دون أن تنجزها، ولذلك اختلفت التقديرات الخاصة بحجوم القوات المسلحة العربية والإسرائيلية التي اشتركت في حرب 1948. ويمكن القول إنه في هذه المرحلة الأولى من القتال كان هناك نحو 20ألف مقاتل عربي نظامي وغير نظـامي مقابل 67 ألف جنـدي إسـرائيلي، وفي المـرحلـة الثـانية من القتـال (9-17/7/1948)كان هناك نحو 40 ألف مقاتل عربي نظامي وغير نظامي مقابل 106 آلاف جندي إسرائيلي.
توقف القتال بموجب هدنة مؤقتة قررها مجلس الأمن مدة أربعة أسابيع، تبدأ في 11/6 وتنتهي في 8/7/1948، وتقيدت بها الجيوش العربية ولم يتقيد بها الصهاينة، وبعد تجدد القتال، تمكن الصهاينة من تحقيق بعض النجاحات المحدودة، غير أن مجلس الأمن فرض هـدنة ثانية غير محددة، أنهت حرب 1948. وفي 13/1/1949 دخلت الدول العربية والكيان الإسرائيلي في مفاوضات منفردة للهدنة الدائمة في جزيرة رودوس، وتم توقيع اتفاقيات منفردة بين «إسرائيل» وكل من مصر ولبنان والأردن وسورية، وزادت بموجبها مساحة «إسرائيل» أكثر من الثلث على ما كان مخصصاً لها في قرار التقسيم، وأصبحت مساحة الأراضي المحتلة 20900كم2 من مجموع مساحة فلسطين البالغة 26323كم2، في حين كانت المساحة المقررة لها سابقاً14500كم2، وكانت المساحة المقررة للدولة العربية في فلسطين11800كم2، فأصبحت مساحتها الواقعية 5500كم2.
ثانياً - العدوان الثلاثي وحرب 1956
(وتسمى أيضاً حرب السويس). كانت مصر بعد ثورة تموز (يوليو) 1952 قد عقدت مع بريطانيا في 19/10/1954 اتفاقية جلاء عن قناة السويس، وتحرر مصر من أي نفوذ بريطاني. وعمدت مصر من أجل إعادة تسليح الجيش المصري بسلاح حديث وكسر احتكار السلاح إلى عقد صفقة أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا في ربيع 1955، ووجدت «إسرائيل» في ذلك تغيراً في موازين القوى، وزاد في شحن الأجواء بالتوتر انعقاد مؤتمر باندونغ[ر] بإندونيسيا (نيسان 1955) وبروز دور مصرفي حركة عدم الانحياز، وفي الجهود المبذولة لتحرير إفريقيا من الاستعمار. اتجهت مصر إلى تنمية مواردها من جميع الأوجه، فخططت لبناء السد العالي بتمويل من البنك الدولي والدول الغربية، غير أن الولايات المتحدة سحبت عرضها المالي، وكذلك فعلت بريطانيا والبنك الدولي، فأعلن الرئيس جمال عبد الناصر يوم 26/7/1956 تأميم الشركة العالمية لقناة السويس لتمويل مشروع السد، مستعيداً بذلك حقوق مصر القومية، وأزعج هذا التأميم الحكومتين البريطانية والفرنسية وهددتا باللجوء إلى القوة، في حين دأبت إسرائيل على اختلاق الذرائع للتوسع في فلسطين والاعتداء على الدول العربية المجاورة، وزادت في ضغوطها على الدول الأوربية، من أجل الحصول على أسلحة حديثة ومساعدات مالية ضخمة. وفي مطلع عام 1956 خططت للقيام بحرب وقائية تدمر فيها القدرات القتالية لمصر ودول الجوار، بموجب خطة دُعيت «خطة قادش». وهكذا توافرت الأسباب لتتفق مصالح كل من بريطانيا وفرنسا و«إسرائيل»، واتفقت فيما بينها على خوض الحرب، فحشدت بريطانيا في قبرص ومالطا وليبيا وعدن أكثر من 125ألف جندي، واستدعت فرنسا50 ألف جندي من الاحتياط، وعبأت إسرائيل قواتها كاملة، فبلغت 18 لواءً. وكانت القوات المصرية تتألف من 16 لواءً و3 مجموعات مدرعة، وبذلك كان لقوات العدوان الثلاثي تفوق كبير على مصر في القوات والأسلحة.
بدأت الحرب في الساعة 17 يوم 29/10/1956 بغزو إسرائيلي يدعمه الطيران، استهدف ممرات سيناء ومدن القناة، وتصدت لها القوات المصرية الموجودة في سيناء وغزة، وعززتها مجموعة مصرية اجتازت القناة يوم 30/10/1956. وكانت خطة العدوان الثلاثي التي دعيت «موسكتير» تقضي بمشاركة «إسرائيل» في الحرب لاستدراج الجيش المصري إلى سيناء، ثم توجيه إنذار يتبعه احتلال بريطاني - فرنسي، وقدمت كل من بريطانيا وفرنسا إنذاراً مشتركاً ومهلة 12 ساعة إلى مصرو«إسرائيل» في مساء يوم 30/10 لوقف جميع العمليات الحربية وسحب قواتهما إلى مسافة 16 كم شرق قناة السويس وغربها، وقبول مصر احتلال بور سعيد والإسماعيلية والسويس مؤقتاً لضمان حرية الملاحة في القناة. رفضت مصر الإنذار وقبلته «إسرائيل»، غير أن الخشية من وقوع القوات المصرية في فخ التطويق من الخلف دفعت القيادة المصرية في الساعة 22 يوم 31/10 لسحب قواتها كافة من سيناء وتجميعها غربي القناة، الأمر الذي أتاح «لإسرائيل» احتلال سيناء كلها حتى القناة، في حين نزلت القوات البريطانية في بور سعيد تحت غطاء جوي وبحري كثيف. ودارت معارك شديدة في داخل المدينة وضواحيها. وفي يوم 2/11 صدر قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الغازية من الأراضي المصرية، على أن تنسحب القوات الإسرائيلية إلى ما وراء خطوط الهدنة، بيد أن أطراف العدوان تلكأت في تنفيذ القرار، فاقترح الاتحاد السوڤييتي (سابقاً) على الولايات المتحدة يوم 5/11 القيام بعمل عسكري مشترك، وقابلت الولايات المتحدة الاقتراح بالرفض، فأنذرت موسكو كلاً من بريطانيا وفرنسا و«إسرائيل» بضرورة تنفيذ قرار الأمم المتحدة وإلا استخدمت القوة لسحق المعتدين وضرب لندن وباريس بالصواريخ. اضطرت بريطانيا وفرنسا و«إسرائيل» إلى الرضوخ ووقف إطلاق النار، الذي بدأ تنفيذه في الساعة 2 من صباح 7/11، وحلت قوة طوارئ دولية للفصل بين القوات المتحاربة. وهكذا انتهت حرب 1956، وتم جلاء القوات البريطانية والفرنسية في 22/12/1956، والقوات الإسرائيلية من قطاع غزة وسيناء في 6/3/1957.
وكانت القيادة المصرية قد طلبت من كل من سورية والأردن عدم التدخل بالقتال، غير أن القيادة السورية اتخذت التدابير الضرورية لمواجهة أي عدوان محتمل، وقامت مفارز من المتطوعة بنسف خط أنابيب النفط التابع لشركة نفط العراق IPC. وخرجت مصر من حرب 1956 منتصرة سياسياً، وخرجت «إسرائيل» من سيناء وقطاع غزة من دون أن تحقق نتائج سياسية حاسمة، باستثناء ضمان الولايات المتحدة حرية الملاحة في مضائق تيران بعد انسحاب القوات الإسرائيلية منها عام 1957.
ثالثاً - حرب 1967
بدأت «إسرائيل» تخطط لحرب جديدة تدمر بها القوة العسكرية المتنامية لدول الطوق، وبدأت بتنفيذ مخططاتها باصطناع نوع من التوتر على خطوط الهدنة مع سورية وحشد قواتها عند ذلك الخط والتهديد باحتلال دمشق. وكان من الطبيعي أن ترد سورية على العدوان المحتمل بما يحفظ سلامتها وسيادتها، وأن تهب مصر لنجدتها، لوجود معاهدة ثنائية للدفاع المشترك (4/11/1966). فأمرت القيادة العسكرية المصرية بعض وحداتها بالتوجه إلى سيناء يوم 15/5/1967، وأن تطلب من قوات الطوارئ الدولية إخلاء بعض المواقع المصرية هناك. وانصاعت هذه القوات للطلب يوم 23/5/1967، كذلك أعلنت مصرإغلاق مضائق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، وشرعت بدعوة الاحتياطي العام. وفي يوم 24/5 وصلت إلى مصر وحدات عسكرية كويتية وجزائرية وسودانية، وأعلن الأردن أنه أنجز تعبئة قواته، وعن وصول قوات سعودية لدعمه، في حين أعلنت «إسرائيل» أن إغلاق المضائق عمل عدواني. فأرسل الرئيس الأمريكي ليندون جونسون رسالة إلى الرئيس عبد الناصر يطلب فيها عدم البدء بالقتال، وإلى الرئيس السوڤييتي يقترح أن يشترك الاتحاد السوڤييتي مع الولايات المتحدة وفرنساوبريطانيا في تشكيل قوة بحرية تسعى إلى رفع الحصار عن مضائق تيران.
في 30/5/1967 وقعت مصر والأردن معاهدة دفاع مشترك، وفي 26/5 أبلغت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIAالرئيس جونسون أن «إسرائيل» أتمت استعداداتها للهجوم على مصر. وشهدت الفترة بين حربي 1956 و1967 تحولاً مهماً في نضال الشعب الفلسطيني، فبرزت إلى الوجود منظمة التحرير الفلسطينية إثر مؤتمر القمة العربي (القاهرة، 13-17/1/1964) وولدت منظمات جديدة، قامت بعمليات فدائية كثيرة اتخذتها إسرائيل ذريعة لشن عدوانها عام 1967، واستثمرت الظروف والعوامل الإقليمية والدولية للعدوان على الدول العربية المجاورة، وخاصة بعد أن اطمأنت إلى توافر الدعم السياسي العسكري من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وانشغال مصر في الصراع الدامي في اليمن.
تعد حرب 1967 نموذجاً جيداً لالتقاء مصالح الإمبريالية، وخاصة الولايات المتحدة و«إسرائيل» لمقاومة حركة التحرر العربي، والحد من نمو القدرة العسكرية لدول الطوق وإنشاء القيادة العربية الموحدة، وتصفية القضية الفلسطينية. كانت القوات المسلحة المصرية تتألف من 230 ألف جندي، والأردنية من 55 ألف جندي، والسورية من 110 آلاف جندي، أما القوات المسلحة الإسرائيلية فكانت تتألف من 264 ألف جندي.
بدأت الحرب بهجوم جوي مباغت، شنته «إسرائيل» على القواعد الجوية المصرية الساعة 8.45 من صباح 5/6/1967 ونجحت في تدمير 14 مطاراً، و305 طائرات، أي 85% من القوة الجوية المصرية، وبعد السيطرة على الجوابتدأت القوات البرية الإسرائيلية عملياتها معتمدة على الثنائي الدبابة+الطائرة، وواجهت القيادة المصرية العدوان بسحب قواتها من سيناء إلى غرب القناة خشية تدميرها. وصدر الأمر بذلك في الساعة 20 يوم 6/6 على أن يتم الانسحاب وإخلاء سيناءفي ليلة واحدة، وأعلنت مصر مساء 7/6 قبولها قرار وقف إطلاق النار الذي أصدره مجلس الأمن.
على الجبهة الأردنية عمدت «إسرائيل» إلى احتلال القدس والضفة الغربية بهجوم مباغت يوم 5/6، وكانت سيطرة سلاح الطيران الإسرائيلي مطلقة لعدم امتلاك القوات الأردنية أسلحة مضادة للطائرات، وبعد انتهاء العمليات في الجبهتين المصرية والأردنية دفعت «إسرائيل» بعض قواتها إلى الجبهة السورية لدعم حشودها هناك. وفي يوم 9/6 باشرت هجومها على الجبهة السورية، في شروط سيئة للجيش السوري، بسبب الصدمة التي أحدثها انهيار الجبهتين المصرية والأردنية واستقالة الرئيس جمال عبد الناصر، وبعد أن احتلت «إسرائيل» معظم الجولان السوري اتجهت إلى مدينة القنيطرة بهدف تطويق القوات السورية فيها، فصدر الأمر إلى هذه القوات بالانسحاب ودخلت «إسرائيل» المدينة يوم 10/6/1967، وتوقف القتال نحو الساعة 18 من اليوم ذاته.
أرادت «إسرائيل» من عدوانها عام 1967 أن تكون هذه الحرب خاتمة الحروب، وأن يكون لها تفوق نوعي، وأن تكون قواتها المسلحة القوة الوحيدة في المنطقة قبل أن تتدخل القوى الدولية، فاعتمدت ثلاثة مبادئ هي: السرعة والمرونة ومداومة الضغط على الخصم حتى شل قدرته القتالية، إلى جانب التدابير الخداعية.
أما القيادات العربية، فمع اتفاقها في مؤتمرات القمة التي سبقت حرب 1967 على إقامة قيادة عربية مشتركة ومعالجة الخلافات فيما بينها، فقد سيطر على الفكر الاستراتيجي العربي مفهوم استراتيجي ثابت، هو الدفاع من دون أن تكون هناك قيادة واحدة للجبهات العربية، وبذلك خاضت القوات العربية منفردة ثلاث معارك منفصلة ومتتابعة زمنياً على ثلاث جبهات مدة ستة أيام، حتى بدت كأنها تقاتل في ثلاث حروب منفصلة.
وكانت مصر قد تبنت الخطة الدفاعية «قاهر» وشقها الجوي «فهد»، وبدأت بتنفيذها وإعادة تجميع قواتها يوم 14/5/1967، حتى إن وحدات عدة غيرت مواقعها في سيناء غير مرة، وكانت الخطة تعدل أو تلغي ما سبقها.
بلغت الخسائر العربية نحو 80% من أسلحتها وعتادها إضافة إلى احتلال «إسرائيل» الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وبعض الأراضي الأردنية إضافة إلى أراضي فلسطين كلها، وكانت هزيمة العرب في عدوان 1967 صدمة قوية أصابت الوجدان والفكر العربي، وفتحت «إسرائيل» الملاحة في مضائق تيران، واحتلت منابع النفط في سيناء، ووصلت إلى خطوط دفاعية طبيعية.
لقد مهد عدوان 1967 لحرب الاستنزاف (1968-1970) ومن ثم لحرب تشرين التحريرية[ر] عام 1973.
جمال عبد الناصر على الجبهه
الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس الاركان المصرى
الذى استشهد اثناء اعداد الجيش فى حرب الاستنزاف
حرب تشرين أكتوبر
التحريرية
الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة
الشاذلى قائد حرب اكتوبر حكم عليه السادات بالسجن كيدا لتصديه لخاينه السادات للجيش
واتفاقيه كامب ديفيد ونفى ثم حبسه مبارك
وتوفى يوم خلع مبارك
أُطلق على الحرب المعلنة الرابعة من الحروب العربية الإسرائيلية[ر] اسم حرب تشرين التحريرية نسبة إلى شهر تشرين الأول أكتوبر سنة 1973 الذي دارت معاركها إبانه، ولأنها هدفت إلى تحرير الأرض العربية المغتصبة التي احتلتها القوات الإسرائيلية عام 1967، وسُميت كذلك حرب رمضان لأن وقائعها بدأت في العاشر من شهر رمضان سنة 1393هـ، وأطلق عليها الإسرائيليون اسم «حرب الغفران» لأنها بدأت يوم عيد الغفران عند اليهود. وقد انتقلت المبادأة في هذه الحرب من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب العربي أول مرة، منذ الحرب الأولى بتنسيق وتعاون وثيق بين القوات المسلحة العربية السوريةوالمصرية وإسهام قوات من الدول العربية الشقيقة، وفيها قوات مغربية وكويتية وسعودية وعراقية وأردنية، مؤكدة قومية المعركة المصيرية مع العدو الصهيوني.
الأسباب المباشرة لحرب تشرين التحريرية
نتيجة لحرب حزيران 1967 (الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة)، لحقت بالقوات المسلحة المصرية والقوات الأردنية وقسم هام من القوات المسلحة السورية خسائر جسيمة، مقابل خسائر ضئيلة في القوات المسلحة الإسرائيلية، وأدى ذلك إلى اختلال الميزان العسكري الاستراتيجي العربي الإسرائيلي، فقد وصلت القوات الإسرائيلية إلى مناطق طبيعية يسهل الدفاع عنها، واحتلت مساحات واسعة من الأرض العربية، زادت في تحسين دفاعاتها (قناة السويس وصحراء سيناء ووادي الأردنومرتفعات الجولان السورية)، وقد منحت هذه المساحات الواسعة إسرائيل حرية المناورة على خطوطها الداخلية بكفاءة أكبر، كما صار في وسع الطيران الإسرائيلي العمل بحرية أكبر، مكّنه من كشف أهدافه في العمق العربي على جميع الاتجاهات ومهاجمتها، كذلك غنمت إسرائيل أعتدة حربية كثيرة طورتها وأدخلتها في تسليح قواتها، وزودتها حقول النفط المصرية في سيناءبما تحتاجه من النفط. وقد أتاح هذا الوضع الجديد لإسرائيل إقامة دفاع استراتيجي عميق بإنشاء خط بارليف المحصن على امتداد قناة السويس، وخط آلون المحصن على جبهة الجولان، وضمن لها حرية الملاحة في مضائق تيران والبحر الأحمر.
وقد عمدت الدولة الصهيونية بعد حرب حزيران 1967 وصدور قرار مجلس الأمن رقم 242 بتاريخ 22/11/1967 القاضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها وتجميد الوضع الراهن، إلى التهرب من تطبيق ذلك القرار بالتسويف والمماطلة أطول مدة ممكنة، بهدف تهويد أكبر مساحة من الأرض العربية، وإقامة أكبر عدد من المستوطنات فيها لهضمها واستثمار ثرواتها. واستندت إسرائيل في تهربها من تنفيذ القرار 242 بتلاعبها اللفظي في النص المكتوب باللغة الإنكليزية، ومؤداه أن القرار ينص على «الانسحاب من أراضٍ احتُلت» في حين كان النص الفرنسي (وكذلك الروسي والصيني والإسباني) صريحاً وواضحاً بوجوب الانسحاب «من الأراضي التي احتُلت» وهو ما يتفق مع ميثاق ومبادئ الأمم المتحدة، وأكدت إسرائيل نواياها التوسعية بإعلانها ضم مناطق عربية معينة إلى الأراضي التي كانت تحتلها قبل عام 1967، ومنها القدس والجولان وقسم من الضفة الغربية وقطاع غزة. ورفضت وساطة الدول الأربع الكبرى، ممثلة بمشروع «غوناريارينغ» لتنفيذ قرار مجلس الأمن 242، كما عرقلت تنفيذ مشروع روجرز الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية في 19/6/1970، وتنكرت لجميع الجهود التي بذلتها الدول الإفريقية (لجنة الحكماء) عام 1971، واستمرت بالمراوغة والتهرب من التزاماتها.
ونتيجة لهذا التعنت الإسرائيلي أخذت مصر وسورية تعدان العدة لاسترجاع أراضيهما المحتلة بالقوة، فعوضتا خسائرهما وركزتا جهودهما على إعادة القدرة القتالية لقواتهما وزيادة تسليحها، ودخلتا في صراع مسلح مكشوف ومحدود لإنهاك القوات الإسرائيلية وإجبارها على التخلي عن المناطق المحتلة في معارك محلية وقصف جوي ومدفعي على طول الجبهتين الشمالية والجنوبية فيما سمي «حرب الاستنزاف»، وقد دخلت مصر هذه الحرب يوم 8/3/1969، في حين لم تتوقف أصلاً على الجبهة السورية منذ حرب حزيران 1967. ونشطت في هذه الأثناء أعمال المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج، وبرزت قوة فاعلة أدهشت المراقبين وأنعشت آمال الأمة العربية، وأصبح الجو مهيأً لجولة تحرير جديدة هي حرب تشرين أكتوبر 1973.
المجموعه 39 قتال من قوات الصاعقه المصريه التى ارعبت اليهود فى سيناء
المشير المصرى احمد اسماعيل على وزير الدفاع فى حرب اكتوبر 1973
قرار الحرب
بدأت القيادتان السورية والمصرية باتخاذ خطوات مهمة لتحويل الاتفاقات المكتوبة إلى آمال إيجابية. وفي يوم 26/11/1970 وقّعت الحكومتان المصرية والسورية اتفاقية عسكرية، حددت أهداف الصراع المقبل وأعمال التنسيق بين القيادتين. وفي اجتماع تاريخي ضم الرئيسين حافظ الأسد وأنور السادات في 25/2/1973، اتخُذ قرار الحرب بهدف تحرير الأراضي العربية المغتصبة. وبُلغ القرار إلى قيادة القوات المشتركة التي شرعت في التخطيط لها، وتقرر أن تكون ساعة الصفر في الساعة 14 من يوم السبت في 6/10/1973، ومن أجل ضمان نجاح عمليات الهجوم والعبور اتخذت القيادتان مجموعة إجراءات واسعة النطاق لتحقيق المفاجأة الاستراتيجية والعملياتية، ولم تتمكن المخابرات الإسرائيلية من اكتشاف أي استعدادات للهجوم على كلتا الجبهتين إلا في يوم بدء الحرب.
بدء الحرب على الجبهتين
وفي الوقت المحدد، انطلقت على الجبهة المصرية أكثر من مئتي طائرة قاذفة ومقاتلة، موجهة الضربة الجوية الأولى إلى القوات الإسرائيلية في الجبهة والعمق، وإلى المطارات والمؤخرات وخطوط المواصلات الإسرائيلية، وتلاها قصف مدفعي مكثف، وانطلقت عمليات عبور قناة السويس واختراق خط بارليف، ولم يظهر أي رد فعل إسرائيلي إلا بعد 40دقيقة من بدء الهجوم، تمثل بنشاط كثيف للطيران الإسرائيلي، غير أن قوات الدفاع الجوي المصرية تمكنت من إسقاط 3طائرات إسرائيلية من كل 5طائرات مهاجمة، اضطرت القيادة الإسرائيلية إلى إبعاد طيرانها عن القناة، مما ساعد في نجاح عملية العبور. وعلى الجبهة السورية انطلقت في الوقت المحدد نفسه 140طائرة قاذفة ومقاتلة، موجّهة الضربة الجوية الأولى السورية إلى القوات الإسرائيلية على جبهة الجولان وفي العمق الإسرائيلي، ثم تلاها تمهيد مدفعي عنيف، انطلقت إبانه القوات السورية إلى الهجوم بحسب الخطط الموضوعة.
الحرب على الجبهة السورية
شهدت جبهة الجولان معارك ضارية |
بالدبابات والمشاة |
كان الدفاع الإسرائيلي (خط آلون) على خط وقف إطلاق النار في الجولان يتألف من مواقع محصنة ومصاطب رمي للدبابات، ونقاط استناد شديدة التحصين، ويمتد هذا الخط الدفاعي من جبل الشيخ شمالاً إلى منطقة العال جنوباً، وأمامه خندق متصل مضاد للدبابات بعرض 8أمتار وعمق 3أمتار، تحفه من الأمام والخلف حقول الألغام والحواجز والأسلاك الشائكة، تدعمه نقاط الاستناد المحصنة. ويعتمد هذا الدفاع في الجولان، كما في قناة السويس، في الأساس على تشكيلات الدبابات المتمركزة خلف نقاط الاستناد والقادرة على التحرك والمناورة على جميع الاتجاهات لصد أي هجوم محتمل.
حطمت حرب تشرين التحريرية أسطورة التفوق الجوي |
الإسرائيلي (حطام طائرة إسرائيلية) |
وقد نجحت القوات السورية إبان التمهيد المدفعي في اقتحام مرصد جبل الشيخ بمجموعة من القوات الخاصة، وفي اقتحام خط آلون، وطمر أجزاء كبيرة من الخندق، باتجاه القنيطرة وباتجاه الخشنية (العال). وتمكنت هذه القوات من اقتحام الدفاع الإسرائيلي في أكثر من قطاع، وشهدت جبهة الجولان على مدى ثلاثة أيام معارك ضارية بالدبابات والمشاة استمرت ليلاً نهاراً، ووصلت الدبابات السورية إلى كفر نفاخ وجسر بنات يعقوب وشارفت على طبرية، في حين تمكنت قوات أخرى من دخول القنيطرة بعد أن تكبد الطرفان خسائر فادحة. غير أن الكفة أخذت ترجح لصالح الجانب الإسرائيلي (على الرغم من وصول تعزيزات من القوات العربية: عراقية وأردنية)، نتيجة التعزيزات الضخمة التي بدأت تصل إلى ميدان المعركة. وقد ركزت القيادة الإسرائيلية جهودها الاستراتيجية على جبهة الجولان لتقديرها أن الهجوم السوري يهدد مصير إسرائيل كله، وقد أتاح هذا التركيز للقيادة المصرية فرصة إكمال عبور القناة بنجاح.
استمر الهجوم المعاكس الإسرائيلي بفضل الجسر الجوي الأمريكي الذي عوض إسرائيل عن خسائرها الكبيرة، وزودها بأسلحة جديدة متطورة، ونجحت القوات الإسرائيلية في الوصول إلى خط وقف إطلاق النار السابق، ومتابعة تقدمها مستغلة فترة الهدوء النسبية التي كانت القيادة السورية تستعيد فيها توازن وحداتها وتعوضها عن الخسائر وتحشد وحدات جديدة، ومستفيدة من الهدوء على جبهة سيناء (10-14 تشرين) وبعد معارك ضارية تمكنت القوات الإسرائيلية من خرق الجبهة السورية باتجاه دمشق والسيطرة على جيب سعسع، إلا أن القوات السورية نجحت في إيقاف القوات الإسرائيلية عند خط تل الشمس - بيت جن، وكانت القيادة السورية في هذه الفترة قد عوضت قسماً كبيراً من خسائرها وأعادت تجميع قواتها الرئيسة استعداداً لمعاودة الهجوم، ولكن الهجوم لم ينفذ لصدور قرار دولي بوقف إطلاق النار اعتباراً من 23/10/1973.
القتال على جبهة القناة
واجهت القوات المصرية مشكلة حقيقية عند التخطيط للهجوم من أجل عبور قناة السويس واختراق خط بارليف، لذلككان الحل الأمثل بالنسبة لها دفع قوات المشاة لعبور القناة على شكل موجات، والتوغل إلى عمق 4كم، تعززها وحدات الصاعقة المسلحة بالقذائف الصاروخية الموجهة والأسلحة الخفيفة المضادة للدبابات لأعداد كبيرة،
القوات المصريه بعدالاقتحام تكمل مهمتها بحريه بعد السيطره
التامه على ضفتى القناه
الدبابات الاسرائيليه المدمره فى سيناء هزيمه كامله لليهود
وتبقى تحت تغطية نيران المدفعية والدبابات والصواريخ والطيران، بهدف منع دبابات العدو من الاقتراب من نقاط العبور، وقد نُفذت هذه الخطة بنجاح وتوغلت قوات الصاعقة حتى 8كم، وهاجمت الدبابات الإسرائيلية في مناطق حشودها. لم تتمكن الدبابات المصرية من العبور إلا ابتداءً من منتصف ليلة 6-7، وتمكنت صباح 7تشرين الأول من تعزيز رؤوس الجسور والاستعداد لصد الهجمات المعاكسة الإسرائيلية.
الاسرائلين فى اسر القوات المصريه
حاول الإسرائيليون شن هجمات معاكسة بالاحتياط المدرع، ولكن القوات المصرية استطاعت تدمير القسم الأعظم من هذا الاحتياط وإيقاف الهجوم المعاكس، ولم تغتنم القيادة المصرية هذه الفرصة لمتابعة الهجوم واستثمار النصر، فتوقفت عند الخطوط التي احتلتها مدة خمسة أيام متواصلة بحجة إعادة التجميع، وهذا ما أتاح للقيادة الإسرائيلية نقل ثقلها النوعي واحتياطيها الاستراتيجي إلى الجهة الشمالية، حيث القوات السورية، وعززت قواتها في الجنوب بما يكفل وقف تقدم القوات المصرية. ولكن عندما قررت القيادة المصرية متابعة الهجوم في 14/10، اصطدمت بمقاومة إسرائيلية عنيفة وكمائن للدبابات، وحاولت القيادة الإسرائيلية شن هجوم معاكس على عدة قطاعات، واشتبكت في معارك ضارية من دون تحقيق نتائج تذكر، إلا أن التفوق أصبح في صالح القوات الإسرائيلية نتيجة للجسر الجوي الأمريكي، ودارت في هذه المنطقة أكبر معارك الدبابات شاركت فيها نحو
2000دبابة، واستخدم الإسرائيليون فيها أول مرة حوامات مضادة للدبابات مزودة بالصواريخ الموجهة، فكانت مفاجأة الحرب في جبهة سيناء، وكان أثرها حاسماً في صد الهجوم المصري. ووضعت الحكومة الأمريكية وسائط الاستطلاع الأمريكية ووسائل التجسس في خدمة إسرائيل، وكشفت وجود ثغرة غير محمية بين الجيشين الثاني والثالث، بعرض 25كم، ووجدت فيها القيادة الإسرائيلية فرصتها فدفعت عبر البحيرات المرة ثلاث مجموعات ألوية، تمكن بعضها من السيطرة على منطقة العبور بعد أن تكبدت خسائر فادحة، ونصب جسر طوفي لعبور الدبابات الرئيسية التي تدفقت من الثغرة، وباشرت الانتشار بكل الاتجاهات الممكنة، وسيطرت على منطقة واسعة امتدت إلى تخوم مدينة السويس، واستغلت القوات الإسرائيلية قرار وقف إطلاق النار لضرب قواعد الصواريخ المصرية وتوسيع الممر الجوي لطائراتها، من أجل دعم قواتها التي سيطرت على طريق السويس - القاهرة، وقطعت طرق الإمداد المصرية.
شارون بعد ادعائه الاصابه وانساحبه لعلمه بمصير ونهايته فى الثغره
القوات المصريه المنتصره على ضفه القناه
قاده اسرائيل يتلقون خبر هزيمه وتدمير جيش اسرائيل فى سيناء فى 1973
نتائج حرب تشرين التحريرية
1- النتائج العسكرية: أحدثت حرب تشرين تبدلاً حقيقياً في مفهوم الصراع المسلح الدولي والمحلي، وتداعى الخبراء والمنظرون العسكريون والسياسيون من الشرق والغرب لدراستها واستخلاص الدروس المستفادة منها، وما أحدثته من تغيرات في مفاهيم الاستراتيجية والتكتيك والتسليح.
اتصفت المعارك التي دارت على الجبهتين السورية والمصرية بضراوتها وسرعة تبدل المواقف واستمرارها ليلاً نهاراً من دون توقف، وقد استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة التقليدية والمتطورة. ومن أهم سمات تلك الحرب اقتحام المانع المائي في قناة السويس وخرق المنطقة المحصنة في الجولان، وكذلك انتقال زمام المبادأة إلى الجانب السوري المصري لأول مرة بعد حرب 1948.
وأثبتت حرب تشرين ما يتمتع به الجندي العربي من شجاعة وخبرة ومهارة في استخدام الأسلحة المعقدة واستعداد للتضحية في سبيل قضية عادلة، كما أسقطت الأسطورة التي روجها العدو عن جيشه الذي لايقهر. وقد هزت الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بإسرائيل كيانها بعنف وأصابتها بصدمة مازالت آثارها حتى اليوم، رغم الدعم الأمريكي غير المحدود، وبرهنت عن أن هزيمة إسرائيل وإجبارها على التقيد التام بقرارات الأمم المتحدة والتخلي عن الأراضي التي تحتلها لاتتحقق إلا بحرب استنزاف طويلة الأمد تستنزف طاقتها البشرية والمادية والمعنوية.
2- النتائج السياسية: أكدت حرب تشرين قومية الصراع مع إسرائيل والصهيونية العالمية، وأن طريق تحرير الأرضهو توحيد كلمة العرب في خندق الصراع، وأسهمت في زيادة ثقة الشعوب العربية بكيانها ورفع معنوياتها وأزالت نكسة حزيران 1967، وأثبت سلاح النفط العربي الذي استخدم في المعركة فاعليته وتأثيره في الاقتصاد العالمي عامة والأمريكي خاصة، كما برهنت مساهمات الدول العربية في الحرب عن الطاقات الكامنة غير المحدودة للأمة العربية وحاجتها إلى التنسيق والتنظيم وتجنيد تلك الطاقات ضمن استراتيجية عربية واحدة توفر للشعوب العربية الأمن والسلام، وتضمن لها استعادة حقوقها المغتصبة وتحرير الأرض العربية والإنسان العربي.
رابعاً - حرب لبنان 1982
رابعاً - حرب لبنان 1982
كانت حرب لبنان أطول الحروب العربية الإسرائيلية، وأكثرها تأثيراً في الكفاح المسلح الفلسطيني، ذلك لأن إسرائيل هدفت منها إلى ضرب عدوها التاريخي وحركته الوطنية وقيادة نضاله، وسعت إلى أن تكرر بطريقة أخرى ما قامت به في حرب 1948 بشأن اجتثاث الشعب الفلسطيني وإبادة أكبر قسم منه.
سبقت الحرب عمليتان كبيرتان ضد المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان وقعتا في عامي 1978 و1981 وكانتا في منزلة المقدمة لحرب1982، وقد احتلت «إسرائيل» في هذه الحرب نحو نصف مساحة لبنان، وظلت فيه ثلاث سنوات، واستمر النضال فيها ضد قوات الاحتلال بطرق متعددة، وإلى أن انتهى اندحار تلك القوات وانسحابها من الأراضي اللبنانية في حزيران 1985، مع احتفاظها بشريط متاخم للحدود في الجنوب، ثم أكملت «إسرائيل» انسحابها من جنوب لبنان، اندحاراً في أيار سنة 2000، غير أنها أبقت مزارع شبعا اللبنانية تحت سيطرتها بذريعة أن احتلالها تم في حرب 1967، وأن الانسحاب منها رهن بالمفاوضات مع سورية.
لم تحقق «إسرائيل» الأهداف التي حددتها لنفسها من هذه الحرب، إذ فوجئت بعنف الرد الفلسطيني والسوري واللبناني الوطني. وكان مجلس الأمن قد أصدر يوم 5/6/1982 قراره رقم 508 الذي نص على وقف النشاطات العسكرية كافة داخل الأراضي اللبنانية وعبر الحدود. بيد أن «إسرائيل» لم تتقيد بهذا القرار، ولا بالقرارات التي صدرت بعده، وساعدتها الولايات المتحدة الأمريكية على تعطيل قرارات المجلس باستخدام حق النقض (الفيتو) أكثر من مرة. وحمل صيف 1982 معه وضعاً عربياً ودولياً ملائماً للعدوان الإسرائيلي على قواعد منظمة التحرير الفلسطينية والمخيمات الفلسطينية في لبنان، فقد كانت الدول العربية منشغلة بحرب الخليج الأولى (ما بين العراق وإيران)، وكانت مصر قد خرجت من دائرة العمل العربي بسبب اتفاقيات كامب ديفيد (معاهدة السلام بين مصر و«إسرائيل») ونقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس، في حين حصلت «إسرائيل» على دعم الولايات المتحدة باتفاقية تعاون استراتيجي 1981 وأطلقت يدها ضمنياً. وقد أفادت مصادر الأمم المتحدة أن «إسرائيل» خرقت المجال الجوي اللبناني في المدة من 24/7/1981 إلى 4/6/1982 نحو 2125 مرة.
اتخذت «إسرائيل» من وجود قوات الردع العربية، وخاصة القوات السورية، ذريعة لعدوانها على لبنان وعدته خطراً استراتيجياً عليها. وكانت المقاومة الفلسطينية تحتل في الساحة اللبنانية وزناً نضالياً فعالاً ومؤثراً، وتضم ما لا يقل عن 12 إلى 14 ألف مقاتل مزودين بدبابات ومدافع متنوعة ومخزون كبير من الذخائر. وكانت ميليشيا «القوات اللبنانية» المؤلفة من نحو 25 ألف مقاتل على عداء مع المقاومة الفلسطينية. وطال الاعتداء ثلاثة أطراف عربية في آن واحد هي: لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية وقوات الردع العربية، وامتد أمد الحرب أكثر من المعتاد بمقاييس الصراع العربي الإسرائيلي.
وقد مُنيت «إسرائيل» نتيجة هذه الحرب بعزلة دولية واضحة، وحاولت الولايات المتحدة تخفيف هذه العزلة بمد «إسرائيل» بالمساعدات العسكرية والمالية وتوسيع إطار تعاونها الاستراتيجي والسياسي معها. وكانت قوات الردع العربية -وهي سورية في معظمها - تتألف من فرقة مدرعة معززة، قوامها نحو 30 ألف جندي، وإلى جانبها قوات مشتركة لبنانية تضم فئات وطنية مختلفة، وكانت نسبة هذه القوى العددية في مواجهة قوات العدو تعادل 1 إلى 12-15، أما الدبابات فكانت نسبتها 1 مقابل 50 لدى العدو الإسرائيلي، وكانت القوات الإسرائيلية عشية الحرب تتألف من 169 ألف جندي وأكثر من 3200 دبابة و700 طائرة، أما القوات التي شاركت في الغزو فعلاً فبلغت نحو 125 ألف جندي وجميع القوات الجوية والبحرية.
تقسم حرب 1982 إلى مرحلتين أساسيتين، تفصل بينهما واقعة خروج القوات الفلسطينية من بيروت، استمرت المرحلة الأولى نحو 3 أشهر (من 6/6 حتى 31/8/1982). وقد تذرعت «إسرائيل» بمحاولة اغتيال سفيرها في لندن، فقامت بقصف الساحل اللبناني من البر والبحر والجو، وفي يوم 6/6 شرعت القوات الإسرائيلية بالتقدم براً من جهة الساحل ومتابعة مسيرها شمالاً على الرغم من المقاومة الفلسطينية واللبنانية والسورية.
وقد تمكن المبعوث الأمريكي من إقناع جيش الغزو بعدم التعرض للقوات السورية بدءاً من ظهر 11/6/1982. ومع إعلان «إسرائيل» عدم نيتها الاصطدام بالقوات السورية، وأن غرضها إبعاد القوات الفلسطينية إلى مسافة 40ـ45كم عن الحدود الإسرائيلية الشمالية، إلا أنها هاجمت القوات السورية في البقاع، وتابعت تقدم قواتها في مختلف المناطق وعلى جميع المحاور نحو بيروت. وكانت العاصمة اللبنانية (عشية الغزو) مقسمة بين «القوات اللبنانية (بيروت الشرقية) والقوى الوطنية (بيروت الغربية) ومعها القوات الفلسطينية والسورية». استمرت معركة بيروت 65 يوماً وقسمت إلى خمس مراحل:
1- التقدم من جنوب خلدة إلى المطار.
2- تطويق بيروت.
3- التقدم إلى تخوم المناطق الآهلة.
4- الاستنزاف المتبادل.
5- التورط في القتال في المناطق الآهلة. وإزاء الإخفاق الذي منيت به القوات الإسرائيلية في احتلال بيروت كلها، قبلت وقف إطلاق النار الذي أقره مجلس الأمن يوم 12/8/ 1982 بالقرار 518.
بدأت المرحلة الثانية (أيلول 1982 حتى حزيران 1985) باستقرار الوجود العسكري الإسرائيلي في المناطق التي احتلتها. وفي 14/1/1985 قررت «إسرائيل»، تحت ضغط المقاومة اللبنانية وتعاظم الخسائر التي نزلت بها، سحب قواتها من لبنان باستثناء الشريط الحدودي، وأُنجز الانسحاب قبل مطلع حزيران 1985.
ودخلت الحكومة اللبنانية و«إسرائيل» في مفاوضات متعددة الأطراف إلى أن توصلت إلى مشروع اتفاقية 17 أيار 1983 التي أسقطتها المقاومة. وقد نص قرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن على إرسال قوات متعددة الجنسيات للفصل بين الطرفين، وتألفت هذه القوات من وحدات من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا (نحو 3800فرد) بدأت بالوصول إلى بيروت في 21/8/1982، وبعد أن تم انسحاب القوات الفلسطينية والسورية من بيروت غادرت القوات المتعددة الجنسيات لبنان (10 إلى 13/9/1982). غير أن اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميّل في 14/9/1982، حفز «إسرائيل» على متابعة غزو بيروت وضربت طوقاً على مخيمي صبرا وشاتيلا، وخططت لمذبحة تقوم بها القوات اللبنانية بإشراف وزير الدفاع الإسرائيلي إرئيل شارون الشخصي، وتم تنفيذ العملية في 16-18/9/1982، ووقع ضحية المذبحة 3297شهيداً، وكان ذلك سبباً في عودة القوات المتعددة الجنسيات بناءً على طلب رئيس الجمهورية اللبنانية الجديد، فوصلت طلائعها إلى بيروت يوم 21/9، في حين أخذت القوات الإسرائيلية تنسحب من بيروت حتى أخلتها يوم 29/9، ونهجت القوة الأمريكية على التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية والانحياز إلى طرف دون آخر. فقاومتها المقاومة الوطنية اللبنانية، وفجرت يوم 18/4/1983 السفارة الأمريكية في بيروت، فقُتل نحو 80 شخصاً، كما قُتل نحو 239جندياً أمريكياً بقصف مدفعي على قيادة القوة الأمريكية في جوار مطار بيروت يوم 23/10، كذلك تعرضت الوحدات والمؤسسات الفرنسية لبعض ما تعرضت له الوحدات والمؤسسات الأمريكية، فقررت هذه القوات الانسحاب من لبنان في 22/2/1984، وأنهت انسحابها في 13/3، في حين تركزت عمليات المقاومة الوطنية اللبنانية على «حرب استنزاف» للعدو الإسرائيلي، ألحقت به خسائر كبيرة، واضطرت الحكومة الإسرائيلية أخيراً إلى سحب قواتها من لبنان بقرار من جانب واحد مقرة بتورطها الاستراتيجي وإخفاقها فيلبنان.
خامساً - النتائج والأوضاع الراهنة
تعكس قرارات مؤتمرات القمة العربية منذ بدء انعقادها عام 1946 حتى اليوم، نتائج الحروب العربية الإسرائيلية، فقمة أنشاص جعلت فلسطين «القلب في المجموعة العربية» وربطت مصيرها بمصير دول الجامعة العربية كافة. وقد تحقق للقمة أن الصهيونية خطر داهم، ليس لفلسطين وحدها بل للبلاد العربية والشعوب الإسلامية جميعاً.
وبعد عدوان 1967، قررت القمة الرابعة في الخرطوم (29/8 حتى 1/9/1967) عدم الصلح مع «إسرائيل» أو الاعتراف بها، والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في وطنه، غير أن مقررات القمة الأخيرة التي عقدت في بيروت في 28/4/2002 نصت بالإجماع على قبول مبادرة السلام، وعدّ النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً، وعقد اتفاقيات سلام معها مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين وفقاً لقرار الجمعية العمومية رقم 194، فردت «إسرائيل» في اليوم التالي بإعادة احتلال ما تحرر من فلسطين.
وإزاء تسارع وتيرة الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، تبقى المقاومة العربية هي الأهم والشكل الأسمى لإرادة الشعب في التحرر والاستقلال. في حين تجد الصهيونية في الظروف الإقليمية والدولية ما يساعدها على الانتقال بالمشروع الصهيوني من مرحلة إلى مرحلة. وإذا كانت الدول العربية لم تستطع أن تردف الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بالأسلحة والأعتدة اللازمة، واكتفت بالدعم السياسي المعنوي، فإن الأمة العربية في جميع أقطارها ظلت على مؤازرتها الشعب الفلسطيني وإرادته في مقاومة الاحتلال، وتجد في السلام خياراً استراتيجياً عربياً، ولكنها لم تستطع حتى اليوم تحديد الوسائل اللازمة لبناء هذا السلام، أو أن توفر له الأسباب والوسائل التي تفرضها أحكام معاهدة الدفاع المشترك عام 1952 في مثل هذه الحال.