(1188-1267هـ/1774-1850م)
( جامع الحيدر خانة )
وهو من جوامع بغداد القديمة وبني قبل 180 سنة .
يقع في جانب بغداد ( الرصافة )
ويقع حاليا في شارع الرشيد التاريخي
بين ساحة الرصافة وساحة الباب المعظم
وشارع المتنبي ( الشهير ) قريبا منه
بناه الوالي العثماني ( داود باشا )
عام 1234 هــ الموافق 1819 م
ومنه انطلقت الشرارة الأولى لثورة العشرين الباسلة
ضد الاحتلال البريطاني للعراق
داود باشا والي بغداد، من مماليك الكرج، قدم به أحد النخاسين إلى بغداد، وهو في الحادية عشرة من عمره، فاشتراه مصطفى الربيعي، الذي قام ببيعه إلى والي بغداد في حينه سليمان باشا، فأولاه من الرعاية والاهتمام الشيء الكثير، وقام بتربيته، وتعليمه القرآن الكريم، والكتابة، وأنواعاً مختلفة من العلوم المعروفة وقتذاك، برع داود في ذلك، وأظهر نجابة وميلاً للعلم والتعلّم، وغدا علماً من أعلام وقته، وقد ساعده على ذلك عدد كبير من العلماء الأعلام المشهورين كلٌّ في ميدانه، وبسبب ما تمتع به من نجابةٍ وذكاء، أسند إليه ولي نعمته سليمان باشا والي بغداد، مهمة الخازندارية في عام 1215هـ/1800م، وهو في السابعة والعشرين من العمر. ظلَّ في عمله حتى آلت مقاليد الولاية في بغداد إلى سعيد باشا بن سليمان باشا في عام 1228هـ/1813م، الذي عيّن داود باشا في عام 1229هـ/1813-1814م، رئيساً للعسكر، فقام بأداء تلك المهمة على أكمل وجه، وخاصة، بعد أن تزايدت الاعتداءات التي كانت تقوم بها القبائل البدوية في سائر أرجاء البلاد، وعلى رأسهم، خزاعة، زبيد، شمّر، وآل الظفير، والمحاولات الجادة والمتتالية التي كانوا يقومون بها للخروج على السلطة، بامتناعهم عن تسديد الخراج، بل وتماديهم في أعمالهم التخريبية، فقاموا بنهب القرى، وقطعوا الطرق، وازداد بعضهم في شططه وغيّه حيث عمدوا إلى محاصرة جموع الزائرين للأماكن الدينية المقدسة في كربلاء، وتحاشياً من مغبة ما قد تؤدي إليه مثل تلك الأعمال من أضرارٍ على الزوار من جهة، وعلى سمعة الوالي والولاية، ومن ثمَّ الدولة العثمانية، من جانب آخر، فقد قاد داود باشا جيشاً أعدّه خصيصاً لهذه المهمة، ونزل به مدينة الحلّة، ودارت اشتباكات بين القبائل المعتدية وجيش الولاية، حاقت الهزيمة بالقبائل المعتدية، وتابع مهمته بإرسال قوات كبيرة لمدينة كربلاء لتأمين الحماية والأمن للزائرين فيها، وتعزيز الطمأنينة في نفوس الجميع، وفي الوقت نفسه، تابع غاراته على القبائل البدوية في سعي منه لوضع حدٍ لاعتداءاتها، ومحاولات العصيان من جديد، وهكذا تمكن داود باشا من السيطرة على المتمردين ودانت له وللولاية القبائل البدوية كافة.
عززت الانتصارات التي حققها داود باشا على العصاة والمتمردين من سمعته، ومكانته، وحظي بمحبة الناس، إلا أنها من جانب آخر، أثارت حفيظة الحاقدين، الذين سرعان ما وجدوا في تلك النجاحات تهديداً مباشراً أو غير مباشر لمصالحهم، فعمدوا لبث الإشاعات والوقيعة بين الوالي، وداود باشا، فأوحوا إلى الوالي أن هناك مساعي حثيثة وشخصية يقوم بها داود باشا لقتله، ومن ثم الاستيلاء على الولاية، وقد آتت تلك الدسائس أكلها، فحاول الوالي اعتقال داود، إلا أن بعضاً من المقربين إليه حذروه من مغبة ما يدبر له في الخفاء، عندها غادر بغداد إلى منطقة كركوك، مع نفرٍِ قليل من المقربين إليه، وأقام هناك حيناً من الزمان، وأرسل في الوقت نفسه رسالةً مؤثرة لمقام السلطان العثماني، يشرح فيها حقيقة الموقف في العراق، ونوايا سعيد باشا، وسلبيته تجاه بعض القبائل، وقد حظيت تلك الرسالة باهتمام السلطان، فأصدر فرماناً يقضي بتعيين داود باشا، والياً على بغداد، خلفاً لسعيد باشا.
دخل الوالي الجديد عام 1232هـ/1816م ، وقدمت إليه جموع كثيرة من أبناء البلاد مهنئين له، وقصدته جماعات من الشعراء والأدباء والعلماء، وخاصة أن داود باشا كان من أهل الفضل والأدب، ومحباً للاختلاط بالعلماء والشعراء، ويكن لهم الاحترام، حتى إنه لُقَّب بوزير العلماء وعلاّمة الوزراء.
قام داود باشا بالكثير من التدابير والإجراءات التي وجد أنها ضرورية لفرض النظام والرهبة في نفوس القبائل، وإعادة الاعتبار والهيبة للدولة العثمانية، وللولاية سمعتها، وللوالي مكانته، ومن أهم تلك الأعمال:
ـ إنشاء قوات عسكرية منظمة تمكن بها وأد نار الفتنة التي حاولت بعض القبائل البدوية إشعالها، وقد بلغ تعداد تلك القوات وفقاً للتقديرات نحو مائة ألف مقاتل.
ـ وضع حد للقبائل المتمردة والثورات وأعمال الشغب.
ـ تحجيم الدور الكبير الذي كانت تحظى به قبيلة المنتفق وشيخها حمود الذي كان يُعدُّ الوالي الفعلي في عهد سعيد باشا.
ـ إرساء جذور الأمن والأمان في المجالات والميادين بالولاية كافة.
ـ استقدام مجموعة من أصحاب المهن والحرف من الدول الأوربية وغيرها، لتطوير البلاد وإقامة نواة صناعية فيها.
ـ إنشاء مصانع للأسلحة، ولاسيما المدفعية والبنادق، لكي تُصنع وفق أحدث طراز.
وقد سار داود باشا في ولايته سيرة حسنة، قرّبته لقلوب الرعية، وأخذ يعمل جاهداً لتحسين وضع الولاية، وإصلاح ما أفسدته أيدي العابثين، فقرّب إليه العلماء والأدباء، وبنى المعاهد العلمية والمدارس والجوامع في بغداد، وغيرها، وعمد إلى توسيع نطاق التجارة والزراعة، فأحيا نهر عيسى المعروف اليوم باسم أبي غريب، والذي احتفره الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، وكذلك عمل على إعادة الحياة إلى النهر المنسوب للحجاج بن يوسف الثقفي، وكلا هذين النهرين يخرجان من نهر الفرات، وتمت في عهده عملية قضاء الدولة على الانكشارية، تلك الخطة التي نفذها السلطان محمود الثاني، فقام داود باشا بتطهير العراق منهم أيضاً.
كانت تساور داود باشا نوازع استقلالية، وأطماع وآمال، وكان يحلم بإقامة دولة قوية، موحدة مستقلة، تماماً كما كان يعمل في تلك المرحلة تقريباً والي مصر محمد علي باشا، إلا أن السلطان محمود الثاني بعد أن تواردت أنباء تلك المحاولات الاستقلالية، وجه إليه حملة عسكرية قوية، بقيادة علي رضا باشا اللازر في عام 1246هـ/1830م، فاستسلم داود باشا وسير إلى الأستانة حيث عاش مكرّماً معززاً لم يمسسه سوء. أرسله السلطان عبد المجيد شيخاً على الحرم النبوي الشريف في عام 1260هـ/1844م، وتفرّغ هناك للعبادة، وأفاد الكثير من الناس، وسعى لإنشاء مدرسة في المدينة المنورة، إلا أن الأجل لم يمهله حتى ينجز حلمه، فتوفى قبل أن يرى مشروعه النور، ودفن بالبقيع تجاه قبر عثمان بن عفان رضي الله عنه.
من أهم آثاره بالمدينة المنورة، البستان المعروف بالداودية خارج المدينة، قريباً من منهل عين الزرقاء. أحبه الشعراء والأدباء فكانت داره مقصداً ومجمعاً لرهطٍ كبيرٍِ منهم، مدحه الكثير من الشعراء بالقصائد الجميلة، أمثال الشاعر صالح التميمي، والشاعر عبد الباقي العمري، وغيرهما، وضعت عنه بعض الكتب، فقد كتب عثمان بن سند البصري كتاباً عن حياة داود باشا أسماه: «مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود»، وقام أمين بن حسن الحلواني باختصاره مع إضافات على الأصل، وقد طبع المختصر وترجم صديقه الشاعر صالح التميمي في: «وشاح الرَّوْد والجوهر والعقود في نظم الوزير داود»، لعدد من شعراء داود باشا، وأورد فيه شيئاً من شعر الوزير نفسه، الذي يساجل الشعراء بالكثير من القصائد.