الرادار RADAR هو نظام إلكتروني يسهم في كشف الأجسام العاكسة للإشعاعات الكهرمغنطيسية كالطائرات والغواصات والسفن والأشخاص أو في تحديد طبيعة التضاريس الأرضية وشكلها وأبعادها أو في تحديد وجود الغيوم وكثافتها. واشتق اسمه من جميع الأحرف الأولى للكلمات الإنكليزية radio detection and ranging.
وجد هذا النظام في بدايات القرن العشرين عندما أثبت هرتز Heinrich Hertz أن للإشعاعات الكهرمغنطيسية خواص الانتشار والانعكاس نفسها التي كانت معروفة بالنسبة للإشعاعات الضوئية المرئية، إذ وضع ماركوني Marconi عام 1922 أول نظام راداري يعمل على الأمواج القصيرة. وتطور هذا النظام ليؤلف نظاماً هاماً لكشف الطائرات عام 1936 بإشراف مجموعة من العلماء يرأسها واتسون Watson وليكوِّن في عام 1939 وسيلة مهمة للكشف الليلي يركَّب على الطائرات المقاتلة بعد أن تم تطوير العنصر الأساسي لتوليد إشارة الإرسال وهو الماغنيترون ذو الحجرات الرنينية. ومنذ عام 1940 حتى اليوم لا يزال التطور يسير بشكل متسارع لإيجاد أنظمة رادارية معقدة الوظائف وخفيفة الوزن وذات فعالية عالية جداً في الكشف أو الملاحقة أو التصوير.
مكونات نظام الرادار
يتكون النظام الراداري من جهاز إرسال للإشارات الراديوية (وفي بعض التطبيقات إشارات بترددات صوتية أو إشارات بترددات فوق صوتية) والتي هي عادة إشارات تكون على هيئة نبضات متكررة، ومن جهاز استقبال يكشف ارتداد هذه الإشارات المرسلة بعد انعكاسها عن جسم ما له معامل انعكاسية مناسب ومقطع عاكس يتناسب مع شكل ونوع الجسم وطول موجة الإشارة المرسلة. تؤدي هذه العملية الرادارية إلى كشف وجود هذا الجسم في مسار إرسال الإشارات المرسلة، كما تؤدي إلى تحديد بعده الشعاعي عن موقع هوائي الإرسال من خلال حساب التأخير الزمني بين لحظة إرسال النبضة الراديوية ولحظة استقبالها آخذين بالحسبان سرعة انتشار الأمواج الراديوية في وسط الانتشار (التأخير الزمني يقابل مسير الإشارة الراديوية ضعف المسافة بين الهوائي والجسم). وتمكِّن هذه العملية الرادارية أيضاً في نظم الرادار الحديثة من حساب محدِّدات الجسم المختلفة كالأبعاد وسرعة الحركة النسبية.
يسمى الجسم الذي تنعكس عنه الموجة الراديوية بالهدف target إذا كان كشف هذا الجسم هو المقصود من العملية الرادارية، ويسمى بالعوائق clutter إذا كان الجسم غير مقصود في عملية الكشف.
|
الشكل (1) مخطط يبيّن مبدأ عمل الرادار |
يمكن أن يستخدم الرادار هوائياً خاصاً للإرسال وآخر للاستقبال، ولكن يستخدم عادة هوائي واحد للإرسال والاستقبال وذلك لتمكين نظام الرادار من تحريك الهوائي في فضاء البحث المطلوب (الشكل -1).
يستخدم نموذج الإشعاع المروحي لهوائيات رادارات الكشف (زاوية إشعاع ضيقة في الاتجاه وعريضة في الارتفاع) ونموذج إشعاع قلمي لهوائيات رادارات ملاحقة الأهداف (زاوية إشعاع مخروطية صغيرة).
يحكم العملية الرادارية علاقة رياضية نسميها بمعادلة الرادار الأساسية تعتمد على محدِّدات مختلفة منها استطاعة المرسل ونمط ربح الهوائي والمقطع الراداري الفعال للجسم ومسافته المائـلة عن موقـع هوائي الرادار. كمـا أن تغيـر مواصفات تردد الإشارة المرسلة عند استقبالها يعطي دلالة عن سرعة الجسم بالاعتماد على خاصية دوبلر (تغير تردد الإشارة المنعكسة عن جسم ما نتيجة حركته).
إن الإشارات الراديوية المرسلة هي عادة إشارات كهرومغنطيسية توصف على شكل حامل ذي موجة جيبية عند الترددfc مع تعديل أحد معاملاتها أو عدد منها كالمطال وفرق الصفحة والتردد.
إن التغير الذي يلاحظ على الإشارات المرتدة من الهدف يمكن أن يزود المستقبل الراداري بمعلومات عن موضع الهدف أو يمكن أن يعطي معلومات تمكِّن من تحديد طبيعته. وبعبارة بسيطة فإن التأخير الزمني للإشارة المرتدة يعطي دلالة على قيمة مدى الهدف R كما أن الانزياح الترددي (انزياح دوبلر) يعطي دلالة على معدل تغير المسافة (سرعة الهدف). كما أن اتجاه الهوائي الذي يعطي القيمة الأعظمية للإشارة المرتدة يعطي زاوية الهدف بالسمت والاتجاه (يمكن استخدام مدلولات أخرى لهذه الغاية) وبالتالي نلاحظ إمكانية رسم مسار الهدف من أخذ هذه المعلومات بشكل تتابعي مع الزمن.
التأخير الزمني والمدى
إن العلاقة التي تربط بين قيمة التأخير الزمني ومدى الهدف R (المسافة الشعاعية بين الهدف وهوائي الرادار) هي:
حيث تمثل: Cp سـرعـة الانتـشار،
إن العـامـل ناتج من أن الإشارة تقطع المدى مرتين بالذهاب والإياب. إن سرعة انتشار الموجة الراديوية في الغلاف الجوي تقارب سرعة الضوءC ، كما أن الانتشار لا يكون تماماً وفق خطوط مستقيمة، غير أنه وبتقريب جيد تستخدم قيمة سرعة الانتشار بقيمة سرعة الضوء ويعد الانتشار وفق خطوط مستقيمة. يعرَّف انزياح دوبلر fD بأنه الفرق الترددي بين تردد الإشارة المرسلة fT والإشارة المرتدة fR أي:
يمكن أن يعطى هذا الانزياح بالعلاقة الآتية بإهمال الأثر الناتج من الدرجة الثانية (مثل أثر التسارع والنسبية وغيرها) وذلك بدلالة معدل تغير المدى R’:
حيث تمثل λ طول موجة التردد الحامل للإشارة الرادارية أي:
إن تردد الإشارة الرادارية المرسلة لا يكون عادة تردداً وحيداً، وذلك لأن أي إشارة تتضمن عرض مجال ترددي ما. فمن أجل إشارة رادارية ذات عرض مجال ترددي ضيق فإن عدّها وكأنها التردد الحامل فقط يمكن أن يكون مقبولاً، بينما في حالة الإشارة الرادارية ذات المجال العريض فإن الإشارة المرتدة بانزياح دوبلر ستكون إشارة معقدة ويجب أخذ ذلك بالحسبان.
معادلة الرادار
إن قيمة مدى الهدف وسرعته واتجاهه يمكن قياسها من خلال معلومات الإشارة المرتدة وذلك في حال كون نسبة الإشارةS إلى الضجيج N عالية ، كما يمكن الكشف عن هذه المحدِّدات خلال نوافذ زمنية وسرعية في حال قيم أخفض لهذه النسبة.
|
الشكل (2) كثافة الاستطاعة المنتشرة من الرادار |
تمثل معادلة الرادار العلاقة الأساسية التي تحسب هذه المحدِّدات آخذة بالحسبان الإشارة الرادارية المرتدة ونسبة الإشارة للضجيج. إذ يرسل الرادار إشارة نبضية باستطاعة PT للبحث عن هدف على مسافة R (الشكل -2)، ولأن توجيه الإشعاع للهوائي في الاتجاهات كافة متماثل فإن هذه الاستطاعة ستنتشر بشكل متناظر في سائر الاتجاهات وتعطى كثافة الاستطاعة بواحدة المساحة على مسافة قدرها R بالعلاقة الآتية:
وبفرض أن نمط ربح الهوائي المستخدم G وهو موجَّه باتجاه الهدف فإن كثافة الاستطاعة عند الهدف تكون مساوية كثافة الاستطاعة السابقة مضروبة بالربح G.
وحيث إن الهدف يعكس إلى هوائي الاستقبال استطاعة تتناسب مع السطح العاكس الفعال لهذا الهدف فإن الاستطاعة المنعكسة عن الهدف تصبح مساوية:
وحيث إن الاستطاعة المنعكسة عن الهدف عديمة الاتجاه خلال انتشارها، فإن كثافة الاستطاعة المنعكسة تصبح:
وإذا كان لهوائي الرادار سطح فعال يساوي A فإن الاستطاعة التي تصل إلى الهوائي تصبح:
وحيث إن السطح الفعال لهوائي ما يتعلق بالربح وطول موجة الإشارة الرادارية وفق العلاقة:
وبإدخال العلاقة (9) في العلاقة (8) نجد معادلة الرادار الأساسية وهي:
تسمى قيمة السطح الفعال المكافىء σ المقطع الراداري، وهي تختلف عن قيمة السطح الفيزيائي للهدف. تعطي أغلب الأهداف سطوحاً رادارية σ متغيرة مع زاوية توضُّع الهدف والتردد المستخدم للإشارة الرادارية. يبين الجدول (1) قائمة بالقيم النظامية للمقطع الراداري σ لعدد من الأهداف:
نوع الهدف | σ المقطع الراداري (m2) |
حشرات | m10-5 |
طيور | m10-2 |
صاروخ صغير | m0.1 |
إنسان | m1 |
طائرة صغيرة | m2 |
طائرة مقاتلة كبيرة | m10 |
طائرة تجارية كبيرة | m40 |
الجدول (1) |
أنواع النظم الرادارية
آ - مؤشر الهدف المتحرك moving target indicator: هناك تطبيقات كثيرة للرادار تكون فيها العوائق الأرضية ثابتة بالنسبة للرادار نفسه بينما تكون الأهداف متحركة. مثال ذلك رادار التحكم بحركة الطيران ATC ورادارات قياس سرعة المركبات. في هذه الرادارات يمكن إزالة معظم استطاعة إشارة العوائق المرتدة من خلال ترشيح طيف دوبلر لها القريب من الصفر. عادة لا يكون طيف العوائق متمركزاً حول تردد دوبلر الصفري فقط، لكنه ينتشر لترددات أعلى.
هناك أسباب كثيرة لانتشار طيف العوائق أولها الحركة الفعلية للعائق،عادة بسبب الرياح (أمواج البحر، حركة الأشجار…) كما يعد التعديل المطالي للإشارة المرتدة من الهدف في حزمة هوائي المسح مصدراً آخر لانتشار الطيف ويعطى الانحراف المعياري لتردد دوبلر بسبب هوائي المسح بفتحة متجانسة بعرض D بالعلاقة:
حيث تمثل معدل مسح الهوائي مقدراً بالواحدة (راديان/ثا).
ب - رادارات الملاحقة tracking radar: يحدد النظام الراداري عادة زاوية اتجاه الهدف من خلال محور زاوية إشعاع الهوائي الذي من أجله تكون الإشارة المرتدة أعظمية. يستخدم هذا المبدأ بشكل كبير في رادارات الكشف، أما في رادارات الملاحقة فإن المسألة تكون مختلفة إذ إن متطلبات تحديد زوايا الهدف تكون بدقة أكبر. ولما كان الهوائي يشير دوماً إلى نقطة وجود الهدف فإن إشارات الخطأ يمكن أن تولِّد نتيجة حركة الهدف وتستخدم لإتمام عمليات الملاحقة له.
ج - رادار الفتحة الصنعية synthetic aperture radar: تعد تقانة الفتحة الصنعية إحدى تقانات الرادار المستخدمة في الرادارات المحمولة في الطائرات أو المركبات الفضائية، ويتم بوساطتها الحصول على فتحة صنعية للهوائي أكبر بكثير من الفتحة الحقيقية له، إذ يشترط لهذه التقانة أن يكون الرادار متحركاً. يستخدم رادار الفتحة الصنعية للحصول على صور للأرض عالية المقدرة التمييزية. وتحل الصور الرادارية هذه محل التصوير الضوئي المرئي أو بالأشعة تحت الحمراء، وذلك لتطبيقات التصوير في مختلف الشروط المناخية. ولما كان مبدأ عمل رادار الفتحة الصنعية يعتمد على انزياحات بترددات دوبلر للإشارة المنعكسة والمتغيرة وفقاً لموقع الإشارة ضمن حزمة الهوائي، فإن الأهداف المتحركة ستولد انزياحاً ترددياً وفق مبدأ دوبلر أيضاً مما يسبب خللاً في عمل الفتحة الصنعية مع انزياح دوبلر الناتج من حركة الرادار نفسه، لذلك فإن الأهداف المتحركة باستخدام SAR هي أهداف صعبة الحل.
تطبيقات النظم الرادارية
آ - رادارات التفتيش search radar: يُمسح في رادارات التفتيش الفضاء المحيط بهوائي الرادار ذي حزمة الإشعاع المروحية من خلال تحريكه بشكل نوسي أو دوراني، إذ يتكامل نظامان راداريان أحدهما للتفتيش بالاتجاه والآخر في الارتفاع لإعطاء صورة فراغية لتوضُّع الأهداف. من هذه الرادارات:
ـ رادار الأحوال الجوية weather radar: يستخدم في الطائرات لإعطاء وضع الطقس أمام مسار الطائرة منها وجود الغيوم وكثافتها وسرعة حركتها ومسافتها. كما يمكن استخدامه من متن السواتل[ر] لمسح وضع الطقس على سطح الكرة الأرضية لتحديد مجرى الرياح أو مواقع الضغط المنخفض والعالي وغير ذلك من المعطيات المفيدة.
ـ رادار المراقبة البحرية sea surveillance radar: يستخدم هذا الرادار لكشف المسار أمام البواخر، وذلك لتفادي الاصطدام فيما بين البواخر أو بين البواخر ورصيف الميناء. وتكون مقدرة التمييز لهذه الرادارات عالية وتعمل عادة لمسافات لا تتجاوز عشرات الكيلومترات.
ب - رادارات الملاحقةtracking radar : يتم في هذه الرادارات متابعة مسار الهدف خلال حركته عن طريق استخدام نموذج إشعاع للهوائي قلمي مع استخدام نظريات خاصة للملاحقة تعتمد على حساب خطأ الانزياح الزاوي سواء في الاتجاه أو الارتفاع. من هذه الرادارات:
ـ رادار توجيه الطائرات guidance radar: يستخدم سواء في المطارات أو على متن الطائرة، وذلك لتوجيه الطائرة خلال سيرها أو في مرحلة هبوطها.
ـ رادار التحكم بالنيران fire control radar: يستخدم هذا الرادار لملاحقة الأهداف من أجل الرماية عليها بالصواريخ أو المدفعية، ويتبع هذا النظام عادة نظام معالجة خاص يتعامل مع المحدِّدات الخارجية كالحرارة وسرعة الريح ونوع القذيفة.
ـ الرادار الفلكي astronomy radar: يستخدم هذا الرادار حزمة إشعاع للهوائي قلمية ضيقة جداً وذلك للتمكن من متابعة مسار الكواكب وتحديد حركتها وقياس البعد فيما بينها أو بعدها عن الأرض.
ج - رادارات التصوير: هي رادارات ذات مقدرة تمييز resolution عالية تركب على متن الطائرات أو السواتل وتستخدم حزمة إشعاع مروحية تغطي خطاً من المساحة المطلوب تصويرها، كما تستخدم حركة الطائرة أو الساتل لتكوين تراكب لخطوط المسح، وبالتالي إعطاء الصورة الرادارية للمساحة المطلوب تصويرها. تراوح دقة التصوير بين عدة سنتيمترات وعدة أمتار، وتستخدم نظم معالجة إلكترونية ورقمية عالية المستوى للحصول على دقة التصوير المطلوبة.
المراجع
- WILEY, G.RICHARD, Electronic Intelligence: The Interception of Radar Signals (Artech 1985).
- S.SWORDS, Technical History of The Biginnings of Radar ed. By S,Bowers (Institute of Electrical & Electronics Engineers 1986).
- NADAV, LEVANON, Radar Principles (Wiley 1988).