_____________________
معاهدة سايكس ـ بيكو
(في المحرم 1334 هـ= نوفمبر 1915 م)
_____________________
عينت الحكومة الفرنسية المسيو "فرانسوا جورج-پيكو" قنصلها العام السابق في بيروت مندوباً ساميًا لمتابعة شؤون الشرق الأدنى، ومفاوضة الحكومة البريطانية في مستقبل البلاد العربية، ولم يلبث أن سافر إلى القاهرة، واجتمع بالسير "مارك سايكس" المندوب السامي البريطاني لشئون الشرق الأدنى، بإشراف مندوب روسيا، أسفرت عن اتفاقية عُرفت باسم "اتفاقية القاهرة السرية"، ثم انتقلوا إلى مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، وأسفرت هذه المفاوضات عن اتفاقية ثلاثية لتحديد مناطق نفوذ كل دولة على النحو التالي:
استيلاء فرنسا على غرب سوريا ولبنان وولاية أضنة.استيلاء بريطانيا على منطقة جنوب وأواسط العراق بما فيها مدينة بغداد، وكذلك ميناء عكا وحيفا في فلسطين.استيلاء روسيا على الولايات الأرمنية في تركيا وشمال كردستان. واعترفت المعاهدة كذلك بحق روسيا في الدفاع عن مصالح الأرثوذكس في الأماكن المقدسة في فلسطين.المنطقة المحصورة بين الأقاليم التي تحصل عليها فرنسا، وتلك التي تحصل عليها بريطانيا تكون اتحاد دول عربية أو دول عربية موحدة، ومع ذلك فإن هذه الدولة تقسم إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية، ويشمل النفوذ الفرنسي شرق سوريا وولاية الموصل، بينما النفوذ البريطاني يمتد إلى شرق الأردن والجزء الشمالي من ولاية بغداد وحتى الحدود الإيرانية.يخضع الجزء الباقي من فلسطين لإدارة دولية.يصبح ميناء الإسكندرونة حرًا.وهكذا تم تقسيم المنطقة العربية بين الدول الاستعمارية الكبرى، بمقتضى هذه الاتفاقية التي وصفها بعض المؤرخين الأوروبيين بأنها "ليست صورة للجشع فحسب، بل صورة مرعبة للمخادعة"؛ إذ عملت على تفتيت رقعة المنطقة العربية وتقسيمها، كما أنها حوت على متناقضات بين مختلف المعاهدات السرية التي أُبرمت في ذلك الوقت، فمثلا اتفاق "الحسين – مكماهون" الذي تعهدت بريطانيا فيه بجعل فلسطين جزءًا من الدول العربية أهمل وأغفل، وأصبحت فلسطين بمقتضى "سايكس – بيكو" تحت إدارة دولية، وإمعانًا في التناقض وعدت بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهذا يؤكد أن الحكومة البريطانية لم تكن جادة في التقيد بهذه الوعود، فهي لم تقدم عليها إلا كجزء من مجهودها الحربي ضد الدولة العثمانية، ولكن هدفها الحقيقي هو فرض سيطرتها التامة على المنطقة.
ومن المتناقضات الأخرى أن الاعتراف بدولة عربية مستقلة يتعارض مع السيطرة البريطانية والفرنسية؛ إذ كان سكان سوريا والعراق أكثر تطورًا من المناطق الداخلية التي ستقام فيها الدولة العربية، وهو ما كانت تدركه فرنسا؛ إذ إن استقلال هذه الدولة سيحدث تأثيرًا عميقًا في المناطق الساحلية، ويثير عددًا من المشاكل في إدارتها، كما أنه من الطبيعي أن تطالب حكومة الداخل بالمنطقة الساحلية، خاصة أن جميع سكانها من العرب، ومن جهة ثانية فإن سكان الساحل سيعمدون إلى المطالبة بتأسيس حكومة مستقلة ويطالبون بالاستقلال، وكان ذلك وراء محاولات فرنسا للتخلص من هذه الاتفاقية.
النص الكامل اتفاقية سايكس - بيكو 9 أيار (مايو) 1916
المادة الأولى: إن فرنسا وبريطانيا العظمى مستعدتان أن تعترفا وتحميا دولة عربية برئاسة رئيس عربي في المنطقتين "آ" (داخلية سوريا) و"ب" (داخلية العراق) المبينة في الخريطة الملحقة بهذا الاتفاق. يكون لفرنسا في منطقة (آ) ولإنكلترا في منطقة (ب) حق الأولوية في المشروعات والقروض المحلية، وتنفرد فرنسا في منطقة (آ) وإنكلترا في منطقة (ب) بتقديم المستشارين والموظفين الأجانب بناء على طلب الحكومة العربية أو حلف الحكومات العربية.
المادة الثانية: يباح لفرنسا في المنطقة الزرقاء (سوريا الساحلية) ولإنكلترا في المنطقة الحمراء (منطقة البصرة) إنشاء ما ترغبان به من شكل الحكم مباشرة أو بالواسطة أو من المراقبة، بعد الاتفاق مع الحكومة أو حلف الحكومات العربية.
المادة الثالثة: تنشأ إدارة دولية في المنطقة السمراء (فلسطين)، يعين شكلها بعد استشارة روسيا وبالاتفاق مع بقية الحلفاء وممثلي شريف مكة.
المادة الرابعة: تنال إنكلترا ما يلي:
1- ميناءي حيفا وعكا.
2- يضمن مقدار محدود من مياه دجلة والفرات في المنطقة (آ) للمنطقة (ب)، وتتعهد حكومة جلالة الملك من جهتها بألا تتخلى في أي مفاوضات ما مع دولة أخرى للتنازل عن جزيرة قبرص إلا بعد موافقة الحكومة الفرنسية مقدماً.
المادة الخامسة: تكون اسكندرونة ميناء حراً لتجارة الإمبراطورية البريطانية، ولا تنشأ معاملات مختلفة في رسوم الميناء، ولا تفرض تسهيلات خاصة للملاحة والبضائع البريطانية. وتباح حرية النقل للبضائع الإنكليزية عن طريق اسكندرونة وسكة الحديد في المنطقة الزرقاء، سواء كانت واردة إلى المنطقة الحمراء أو إلى المنطقتين (آ) و(ب) أو صادرة منهما. ولا تنشأ معاملات مختلفة مباشرة أو غير مباشرة على أي من سكك الحديد أو في أي ميناء من موانئ المناطق المذكورة تمس البضائع والبواخر البريطانية.
تكون حيفا ميناء حراً لتجارة فرنسا ومستعمراتها والبلاد الواقعة تحت حمايتها، ولا يقع اختلاف في المعاملات ولا يرفض إعطاء تسهيلات للملاحة والبضائع الفرنسية، ويكون نقل البضائع حراً بطريق حيفا وعلى سكة الحديد الإنكليزية في المنطقة السمراء (فلسطين)، سواء كانت البضائع صادرة من المنطقة الزرقاء أو الحمراء، أو من المنطقتين (آ) و(ب) أو واردة إليها. ولا يجري أدنى اختلاف في المعاملة بطريق مباشر أو غير مباشر يمس البضائع أو البواخر الفرنسية في أي سكة من سكك الحديد ولا في ميناء من الموانئ المذكورة.
المادة السادسة: لا تمد سكة حديد بغداد في المنطقة (آ) إلى ما بعد الموصل جنوباً، ولا إلى المنطقة (ب) إلى ما بعد سامراء شمالاً، إلى أن يتم إنشاء خط حديدي يصل بغداد بحلب ماراً بوادي الفرات، ويكون ذلك بمساعدة الحكومتين.
المادة السابعة: يحق لبريطانيا العظمى أن تنشئ وتدير وتكون المالكة الوحيد لخط حديدي يصل حيفا بالمنطقة (ب)، ويكون لها ما عدا ذلك حق دائم بنقل الجنود في أي وقت كان على طول هذا الخط. ويجب أن يكون معلوماً لدى الحكومتين أن هذا الخط يجب أن يسهل اتصال حيفا ببغداد، وأنه إذا حالت دون إنشاء خط الاتصال في المنطقة السمراء مصاعب فنية أو نفقات وافرة لإدارته تجعل إنشاءه متعذراً، فإن الحكومة الفرنسية تسمح بمروره في طريق بربورة- أم قيس- ملقا- إيدار- غسطا- مغاير إلى أن يصل إلى المنطقة (ب).
المادة الثامنة: تبقى تعريفة الجمارك التركية نافذة عشرين سنة في جميع جهات المنطقتين الزرقاء والحمراء في المنطقتين (آ) و(ب)، فلا تضاف أية علاوة على الرسوم، ولا تبدل قاعدة التثمين في الرسوم بقاعدة أخذ العين، إلا أن يكون باتفاق بين الحكومتين. ولا تنشأ جمارك داخلية بين أي منطقة وأخرى في المناطق المذكورة أعلاه، وما يفرض من رسوم جمركية على البضائع المرسلة يدفع في الميناء ويعطى لإدارة المنطقة المرسلة إليها البضائع.
المادة التاسعة: من المتفق عليه أن الحكومة الفرنسية لا تجري مفاوضة في أي وقت للتنازل عن حقوقها، ولا تعطي ما لها من الحقوق في المنطقة الزرقاء لدولة أخرى سوى للدولة أو لحلف الدول العربية، بدون أن توافق على ذلك مقدماً حكومة جلالة الملك التي تتعهد بمثل ذلك للحكومة الفرنسية في المنطقة الحمراء.
المادة العاشرة: تتفق الحكومتان الإنكليزية والفرنسية، بصفتهما حاميتين للدولة العربية، على أن لا تمتلكا ولا تسمحا لدولة ثالثة أن تمتلك أقطاراً في شبه جزيرة العرب، أو تنشئ قاعدة بحرية على ساحل البحر المتوسط الشرقي، على أن هذا لا يمنع تصحيحاً في حدود عدن قد يصبح ضرورياً بسبب عداء الترك الأخير.
المادة الحادية عشرة: تستمر المفاوضات مع العرب باسم الحكومتين بالطرق السابقة نفسها لتعيين حدود الدولة أو حلف الدول العربية.
المادة الثانية عشرة: من المتفق عليه ما عدا ذكره أن تنظر الحكومتان في الوسائل اللازمة لمراقبة جلب السلاح إلى البلاد العربية.