لماذا بـُنيت قـبـة الصـخـرة بهذه الفخامة؟
تعتبر قبة الصخرة من أهم المعالم الإسلامية في فلسطين، لمكانتها الدينية والتاريخية، وقد بنى قبة الصخرة المباركة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، حيث بدأ العمل في بنائها سنة 66هـ/685م، وتم الفراغ منها سنة 72هـ/691م. وقد اشرف على بنائها المهندسان العربيان رجاء بن حيوة وهو من بيسان فلسطين ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو من القدس.
لأهمية القدس عند المسلمين فقد أراد الخليفة عبد الملك بن مروان أن يكون فيها مسجداً للمسلمين لا يقل فخامة عن كنيسة القبر المقدس حين جددت بعد أن دمرها كسرى أبرويز، فاستخدم خراج مصر في تشييد عدة صروح تعرف في مجموعها باسم الحرم الشريف، وشيد في الطرف الجنوبي من المدينة (691-694) المسجد الأقصى. وقد دمر زلزال هذا المسجد في عام 746، ثم أعيد بناؤه في عام 785، وأدخلت عليه فيما بعد تعديلات كثيرة، ولكن القبلة لا تزال كما كانت في أيام عبد الملك، كما أن معظم العمد مأخوذ من بازيليكا جستنيان التي كانت قائمة في القدس. ويرى المقدسي أن بيت المقدس أجمل من المسجد الأموي العظيم المقام في دمشق. ويؤمن المسلمون إن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد التقى فيهِ بإبراهيم، وموسى، وعيسى، وأنه صلى فيه معهم، وانه رأى بالقرب منه الصخرة (التي يعتقد بنو إسرائيل أنها "سرة الدنيا") والتي أراد إبراهيم أن يضحي عندها بإسحق (حسب المعتقد اليهودي)، والتي شاد عندها سليمان وهيرود هيكلهما. ويؤمن المسلمون أن النبي محمد أسري به عندها إلى السماء، بل ويعتقد بعض المسلمين أن الإنسان لو أوتي إيماناً قوياً لأبصر في الصخرة أثار قدميه. وما أن استولى عبد الله بن الزبير، في عام 684، على مكة وما يدخل فيها من إيراد الحج، أراد عبد الملك أن يجتذب إلى الشام أموال الحج، وأن يحج الناس إلى الصخرة بدلاً من أن يحجوا إلى الكعبة، فأقام صناعه على بناء هذه التحفة التاريخية (691) "قبة الصخرة" الشهيرة على الطراز البيزنطي-السوري، وسرعان ما أضحت هذه القبة "رابعة عجائب العالم الإسلامي" (والثلاث الأخرى هي مساجد مكة والمدينة ودمشق). فلو أجرينا حسابات للمبالغ الطائلة التي أنفقت لبناء هذا المعلم الحضاري، والذي رصد لبنائه خراج أكبر ولاية إسلامية (مصر) ولمدة سبع سنوات فإننا سنجدها اليوم تقدر بملايين الدولارات. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الاستقرار والرخاء الذي كان يعم الخلافة الإسلامية في الفترة الأموية والتي تعكس تأثير القوة الاقتصادية لهذه الخلافة الإسلامية الحديثة أمام الإمبراطوريتين العظميين البيزنطية والفارسية في ذلك الوقت .
وقد أخفق عبد الملك فيما كان يسعى من إحلال هذه الصخرة عند المسلمين محل الكعبة. ويقول ول ديورانت في قصة الحضارة: "ولو أنه نجح فيما كان يبتغيه لأضحى بيت المقدس مركز الأديان الثلاثة التي كانت تتنافس في الاستحواذ على روح الإنسان في العصور الوسطى