Search - للبحث فى مقالات الموقع

Saturday, February 19, 2011

الشريعة أو التعاليم الدينية اليهوديه - Torah التوراة



التوراة Torah كلمة عبرية تعني الشريعة أو التعاليم الدينية، وهو كتاب سماوي أنزله الله تعالى على موسى عليه السلام [ر. موسى (النبي ـ)]، وقد كتب على ألواح حجرية أو طينية،}إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور{ (المائدة 43). ويتضمن الشريعة، والمعاملة، والعقائد والأخلاق اليهودية. والتوراة جزء من العهد القديم في الكتاب المقدس، ويشمل أسفاراً خمسة Pentateuchهي: التكوين ـ الخروج ـ اللاويين (الأحبار) ـ العدد ـ التثنية، وتعرف عادة بأسفار موسى عليه السلام.

التسمية

"التوراة : اسم عبراني ، وقد تكلف النحاة في اشتقاقها وفي وزنها وذلك بعد تقرير النحاة أن الأسماء الأعجمية لا يدخلها اشتقاق ، وأنها لا توزن ، يعنون اشتقاقاً عربياً.
فأمّا اشتقاق : التوراة ، ففيه قولان : أحدهما : إنها من : ورى الزند يري ، إذا قدح وظهر منه النار ، فكأن التوراة ضياء من الظلال ، وهذا الاشتقاق قول الجمهور.
وذهب أبو فيد مؤرج السدوسي إلى أنها مشتقة من : ورَّى ، كما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً ورى بغيره ، لأن أكثر التوراة تلويح.
وأما وزنها فذهب الخليل ، وسيبويه ، وسائر البصريين إلى أن وزنها : فوعلة ، والتاء بدل من الواو ، كما أبدلت في : تولج ، فالأصل فيها ووزنه : وولج ، لأنهما من ورى ، ومن ولج.
فهي : كحوقلة ، وذهب الفراء إلى أن وزنها : تفعلة ، كتوصية.
ثم أبدلت كسرة العين فتحة والياء ألفا.
كما قالوا في : ناصية ، وجارية : ناصاه وجاراه.
وقال الزجاج : كأنه يجيز في توصية توصاه ، وهذا غير مسموع.
وذهب بعض الكوفيين إلى أن وزنها : تفعلة ، بفتح العين من : وريت بك زنادي ، وتجوز إمالة التوراة.
تاريخ التوراة

يذكر الكتاب المقدس أن موسى بعد تلقيه أوامر ربه في سيناء، كتب هذه الأوامر وسلمها إلى «اللاويين» لحفظها في تابوت العهد في «شيلوه»، وأمرهم بقراءتها أمام كل بني إسرائيل بعد سبع سنوات، في «عيد المظال» (الخروج 25: 21). وقام خليفته يشوع بتنفيذ ذلك الأمر، ومن ثم حفظ نسخة التوراة الوحيدة. وفي أثناء الحرب مع الفلسطينيين اصطحب اليهود توراتهم المحفوظة في تابوت العهد للتبرك بها والحفاظ عليها. ونتيجة الحرب استولى الفلسطينيون على التابوت والتوراة، وأخذوهما معهم إلى مدينة أشدود، واحتفظوا بهما سبعة أشهر انقطع فيها ذكر التوراة (صموئيل ج41-11). وبعد سقوط مملكة إسرائيل، أخذت مملكة يهوذا تعاني صوراً من الاضطراب والفوضى، وتميل نحو الزندقة، وتدهور العقيدة القومية. وقبيل سقوطها تولى الحكم الملك يوشيا (629-598ق.م)، الذي وجد في التوراة منقذاً لمملكته من الدمار، فاستغل ذلك أحد الكهنة المعاصرين واسمه حلقيا وادعى، بعد ثمانية عشر عاماً من حكم يوشيا، أنه وجد نسخة التوراة في بيت المقدس، واستغرب الملك يوشيا حينما قرأ سفر التثنية، لأنه رأى شيئاً جديداً، لكن النبية خلدة أقنعته وأكدت له أن هذه هي توراة الرب، فدعا كبار القوم إلى الهيكل وتلا عليهم فيه سفر الشريعة. (الملوك الثاني :22)
والواقع أن الكاهن حلقيا هو من كتب هذه النسخة في تلك المرحلة، فالثابت ضياع التوراة. والتوراة التي تنسب إلى موسى عليه السلام، والأسفار الخمسة المسماة بالتوراة، والموجودة اليوم ليست مما أوحي إلى موسى، وليست من كتابته أو إملائه، بل هي من تأليف كتّاب متأخرين. والوصايا العشر أو بعضها هي كل ما تبقى من توراة موسى. والكثير من الآيات التي وردت في أسفار موسى (التثنية 34: 5، 15؛ التكوين 36:31)  تؤكد خطأ نسبة هذه الأسفار إلى موسى. وهذه حقيقة أقرها معظم الباحثين الغربيين أمثال سميث J.Smith وغيره، كما أكدوا نسبة بقية أسفار العهد القديم إلى غير مؤلفيها الحقيقيين.
وبعد خراب بيت المقدس بنحو سبعين عاماً، خرج المدعو عزرا الكاهن يزعم عثوره على الأسفار التي تمسك بها اليهود. والصحيح أنه جمع من أحبار اليهود بعد عودتهم من الأسر البابلي عدداً من الكتب والروايات المقدسة التي سمعها أو اطّلع عليها، وقام بإعداد أول نسخ التوراة المكتوبة، التي سميت فيما بعد بالعهد القديم، وقد رتب عزرا الأسفار فيها، وقسمها إلى ثلاثة أقسام: القانون، والأنبياء، والكتابات المقدسة. ويتكون القسم الأول من أسفار التكوين والخروج واللاويّين والعدد والتثنية (أسفار موسى). والثاني من أسفار يشوع والقضاة مع راعوث والملوك وصموئيل وأشعيا وأرميا، مع المراثي وحزقيال ودانيال والاثني عشر نبياً الآخرين وأيوب وعزرا ونحميا وأستير. ويتضمن القسم الثالث أسفار المزامير والأمثال ونشيد الأناشيد والجامعة (العهد القديم). ولهذا ارتبط اسم عزرا بتدوينه التوراة. فتوراة موسى ضاعت، لكن عزرا كتبها بالإلهام. وبسبب دعوى الإلهام هذه، وجهود عزرا لإعادة بناء الهيكل سمّى اليهود عزرا النبي «ابن الله».
وقد اعترف مجمع يامينا عام 90م. بمعظم أسفار العهد القديم المعروفة اليوم. بيد أن هناك إشارات عابرة إلى ضياع بعض الأسفار، ومنها سفر سليمان وسفر توراة موسى وغيرها. ويعتقد كثير من المؤرخين أن التوراة المعاصرة ليست التوراة الأصلية، أو أنها، على أفضل تقدير، التوراة مع كثير أو قليل من الإضافات. وهذا ما يثبته تاريخ التوراة.
إذ يسلّم العهد القديم بضياع التوراة : «زال المجد من إسرائيل لأن تابوت الله قد أخذ» (صموئيل الأول 4: 21-22). كما يتهم بعض علماء اليهود، أمثال العالم «سيلفر»، التوراة بالتزوير والتحريف. ويؤكد «أن التوراة الحالية لا تمثل توراة موسى الأصلية في أية ناحية، وحتى الوصايا العشر التي يكاد العلماء يجمعون أنها الشيء الوحيد المتبقي من التوراة الأصلية، لم تكن في شكلها ومضمونها الحاليين كتلك التي أتى بها موسى». ويقول العالم الألماني «مور تكارت» على أنه لا يمكن الاعتماد من الناحية العلمية على أساطير التوراة، إذ برهنت الأبحاث الأثرية على عدم صحة أكثر تلك الأساطير، التي وردت فيها، كما توجد أبحاث تبرهن على عكس هذه الأساطير.
وقد أحس بعض كتّاب المسيحية، أمثال الأب اسطفان شربنتيه صاحب «دليل إلى قراءة الكتاب المقدس»، بما في العهد القديم من تعارض وتناقض واضح. وأكدوا أنه لا يمكن أن يكون من كلام الله، وأن كتبته قد اختلفوا فيما بينهم، حتى إنهم لم ينقلوا عن نص واحد وإنما عن نصوص مختلفة.
فلم يكن هناك في البدء (ق 3ق.م) نص واحد، بل على الأقل ثلاث مدونات للنص العبري للتوراة: النص المسوري، والنص الذي استخدم جزئياً على الأقل في الترجمة إلى اليونانية، والنص المعروف بالسامري، أو أسفار موسى الخمسة، ثم بعد ذلك في القرن الأول ق.م، تم تدوين نص واحد، ولكن نص الكتاب المقدس لم يتم إلا في القرن الأول بعد الميلاد، باستثناء بردية الوصايا العشر.
أسفار التوراة
السفر الأول: سفر التكوين Genesis، وعدد إصحاحاته (50). ويشمل قصة خلق العالم، وخلق الإنسان الأول، وقصة الخطيئة التي ارتكبها آدم، ونزوله الأرض عقاباً له، ثم حياة ذريته، فقصة الطوفان ونشأة الشعوب بعده، وقصة إبراهيم وتجواله ونسله إلى إسحاق ويعقوب وقصة يوسف، وبموته ينتهي هذا السفر.
السفر الثاني: سفر الخروج Exodus، وعدد إصحاحاته (40). ويتناول قصة بني إسرائيل بعد يوسف، ومعاناتهم من الفراعنة، وظهور موسى وخروجه بهم من مصر، وتاريخ بني إسرائيل حتى يصل بهم إلى شرق الأردن. كما يحتوي هذا السفر الوصايا العشر التي أعطاها الله لموسى. ويهتم أيضاً بكثير من الأحكام التشريعية الخاصة بالقتل والسرقة والزنى؛ وكذلك التعاليم الدينية الخاصة بيهوه إله بني إسرائيل، ومنها وصف خيمة الاجتماع، وتابوت العهد، وما حدث لبني إسرائيل في غيبة موسى عليه السلام.
السفر الثالث: اللاويين أو الأحبار Leviticus، وعدد إصحاحاته (27). وقد سمي كذلك نسبة إلى أسرة لاوي أوليفي. ويتناول هذا السفر كثيراً من التشريعات والأحكام التي تتصل بالقرابين والطقوس والأعياد والنذر والمحرّقات والطهارة وكفارات الذنوب، والأطعمة المحرمة، والأنكحة المحرمة. كما يحتوي الأمور ذات الصلة بالعادات والأوامر الدينية التي يستحق من اتبعها الثواب ومن خالفها العقاب.
السفر الرابع: سفر العدد Numeri، وعدد إصحاحاته (36)، ويحفل بالعد والإحصاء والتقسيم لأسباط بني إسرائيل، وفيه ترتيب لمنازلهم حسب أسباطهم وإحصاء الذكور منهم. كما يشمل هذا السفر سيرة بني إسرائيل في برية سيناء وما بعدها. وفيه أيضاً أحكام تخص الموتى والطهارة والنذر، وكذلك أحكام حول شريعة الغيرة واللعن والاعتراف والتطهير. وأحكام حول الخطايا المدنسة: أمثال اعتبار الخطيئة والحيض والولادة دنس يتطلب تطهيراً ذا مراسم وتقاليد وتضحية وصلاة على يد الكهنة، بعد الاعتراف الكامل بما ارتكب الإنسان من إثم. ويعد هذا السفر استمراراً لما ورد في سفر الخروج، وفيه الكثير من التنظيمات والتعاليم الطقوسية والكهنوتية والاجتماعية والمدنية.
السفر الخامس: سفر التثنية Deuteronomium، أي تثنية الشريعة، وعدد إصحاحاته (34). وهو إعادة وتكرار للتشريعات والتعاليم والعبادات والصلوات التي وردت  في الأسفار السابقة، وخاصة سفر العدد، مع وجود بعض الخلافات بينهما والتي تدل على عدم معرفة المؤلفين بعضهما، وعدم اجتماعهما للتنقيح، وإلا لما وقعا في مثل هذا التناقض. إضافة إلى استحداث تشريعات أخرى فيه. كما يعرض هذا السفر الوصايا العشر عرضاً جديداً، ويرد ما ذكر عن الأطعمة الحلال والحرام، وعن نظم  القضاء والملك عند بني إسرائيل. وفيه أيضاً أحاديث عن الكهنة والنبوة، وعن انتخاب يشوع بن نون خلفاً لموسى، وينتهي السفر بخبر وفاة موسى ودفنه في جبال مؤاب، (وهذا السفر ينسب إلى الكاهن عزرا، ويرتكز إليه قسم المشنا في التلمود[ر] Talmud).
وتدل مطالعة الأسفار الخمسة التي نسبت لموسى، أنه ليس هناك أي إشارة إلى بناء هيكل أو مكان للعبادة، وإنما كانت هنالك خيمة للاجتماع، ومات موسى وهارون دون وجود بيت للعبادة خاص، وكل ما نسب إلى موسى تابوت العهد وخيمة الاجتماع، وقد ورد وصف مفصل في سفر اللاويين والخروج لتابوت العهد وخيمة الاجتماع، لكن خيمة الاجتماع لم تكن للعبادة، ولم يشر إلى ذلك موسى وهارون وحتى يشوع الذي نسبت إليه التوراة فتوحات كثيرة، ثم طالوت من بعد عهد القضاة ولا واحد منهم فكر في بناء بيت الله أو هيكل للعبادة.
كما أنه ليس هناك أي إشارة خلال الفترة التي مرت من الخروج حتى عهد داوود (تقريباً) إلى مكان خاص للعبادة. وهذا يعني أن موسى وهارون لم يخصصا أو يطلبا من بني إسرائيل تشييد مكان لعبادة الله. وكذلك الملك داوود نفسه الذي ظل أربعين عاماً حاكماً على إسرائيل، لم يبنِ بيتاً لله، حتى جاء سليمان، وبنى بيتاً للرب، وصار مكاناً للعبادة وبدؤوا يجتمعون فيه كل سنة أياماً معدودات، ثم يتفرقون [ر:الحج]، ومع انقسام الدولة، حسب تعبير الكتاب المقدس، لم يعد للبيت أي أهمية لبني إسرائيل، ولم يعد الاجتماع فيه ضرورياً ومهماً، وإنما صار لكل حزب هيكل جديد وعبادة جديدة، فسمح له الرب ببناء البيت.
وقد اختلف كتاب التوراة اختلافاً كبيراً حول بناء الهيكل، بعضهم قرر أن الهيكل قد بناه سليمان فوق قمة صهيون، وهو الجبل الذي أمروا بمباركته (الخروج 20: 3-4)، لهذا يعد هيكل القدس أساساً لعبادات اليهود، يحجون إليه كل عام، ويدعون القدس «بأرض الميعاد».
الوصايا العشر Ten Commandments
لم يتبقَّ من توراة موسى إلا الوصايا العشر أو بعضها، وما عداها من تشريعات هو من صنع الكهنة والرهبان من اللاويين أبناء ليفي أهل الحق في وضع الأحكام لليهود.
لقد وردت الوصايا العشر في أسفار موسى الخمسة في صيغتين، إحداهما أكثر اتصالاً بالدين والعقيدة وتهتم بالقرابين، مثل: «لا تسجد لإله آخر لأن الرب اسمه غيور .... تحفظ عيد الفطير: سبعة أيام تأكل فطيراً كما أمرتك في شهر أبيب، لأنك في شهر أبيب خرجت من مصر» (الخروج 34: 11-28)، والأخرى أكثر اتصالاً بالعادات والآداب والتشريع مثل: «لا تقتل، لا تزن، لا تشهد على قريبك شهادة زور لا تشتهِ بيت قريبك،  .... ولا شيئاً مما لقريبك» (الخروج 20: 13-17/23: 1-9؛ التثنية 5: 17-21)، وهناك في الصيغتين توافق في بعض الوصايا ثم اختلاف في بعضها الآخر.
وفي التوراة بعض التشريعات المتصلة بمسائل مهمة، كموقف اليهودية من الرق. فقد أباحت التوراة الاسترقاق بطريق الشراء أو سبياً في الحرب: «للعبري أن يستعبد العبري إذا افتقر، فيبيع الفقير نفسه للغني» (الخروج 21: 2)؛ «حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحدّ السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك» (التثنية 20).
كما شرعت التوراة الختان، ففرض على إبراهيم وهو ابن تسع وتسعين سنة، وغيّر اسمه من ابرام إلى إبراهيم «وقال الله لإبراهيم وأما أنت فتحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك.... يختن منكم كل ذكر...» (التكوين 17: 9-14؛ الخروج 62: 43-48). وارتبط الختان عند اليهود بالقربان، لأنه من قبل كان الإنسان نفسه يقدم قرباناً، ثم اكتفت الآلهة بجزء من الإنسان، وهو ما يقتطع في عملية الختان.
وأجازت التوراة تعدد الزوجات من دون حد، للأنبياء ولغير الأنبياء، وحدد الربانيون الزوجات بأربع وأطلقه القراؤون. ولا يجوز زواج اليهودي أو اليهودية من غير اليهود. وقد نصت التوراة على أنه إذا لم يكن للمتوفى ابن، فلا تصير امرأة الميت إلى رجل أجنبي، بل يتزوجها أخو زوجها، والبكر الذي تلده يسجل باسم أخيه الميت، لئلا يمحى اسمه من إسرائيل (التثنية 25: 5-6). ولا يزال الربانيون يعملون بهذا التشريع، أما القراؤون فيرون أن هذا التشريع قد نسخ من زمن ولا يزال منسوخاً.
كما غالت تشريعات التوراة في موقفها من المرأة، فجعلت منها صفقة شراء في الزواج، وعدت المتزوجة كالقاصر والصبي والمجنون، لا يجوز لها ممارسة البيع والشراء ولا يحق لها التملك أبداً. وقد أدت هذه التشريعات إلى شقاق بين الأزواج، الأمر الذي ألزم المشرعين اليهود حديثاً بوجوب الأخذ بمشروع «وقف الزوجية» الذي يضمن للزوجة حقوقها بعد الطلاق.
كما فرضت التوراة الاحتفال بالأعياد الخاصة بالأحداث التاريخية، وأهمها عيد الفصح Passover وعيد النفير (الهلال الجديد)، التكفير عن الذنوب، وعيد المظال.
 ويعد الفصح يوم الذكرى لخروج بني إسرائيل من مصر ومن العبودية التي خضعوا لها، ويصادف الأسبوع الثالث من شهر أبيب (نيسان). ولهذا اليوم طقوس محددة يجب تطبيقها، فقد فرض على اليهود أن يكون طعامهم خبزاً غير مختمر، لأن خروجهم كان سريعاً فلم يعدوا خبزهم كالعادة، وإنما أعدوه فطيراً دون أن يختمر. ويبدأ اليوم الأول من هذا الأسبوع بحفل مقدس ويختم الأسبوع بحفل مقدس أيضاً. وتتلى في هذين الحفلين الأدعية وتقام الصلوات وتحرق القرابين (الخروج 12: 15-20؛ اللاويين 23: 4-8).
أما الاحتفال بالهلال الجديد، فله أهمية كبرى لدى اليهود، ويسمى بعيد النفير لاستخدام الأبواق في الإعلام بظهوره، وتباري الناس في مراقبة الهلال والإسراع إلى بيت المقدس لإخبار الكهنة والرؤساء بذلك.
ويوم التكفير: هو يوم عبادة اليهودي لله لا كإنسان بل كملاك، فلا يأكل ولا يشرب ويعيش يومه في صوم جاد وعبادة دائمة كالملائكة، ويسبق هذا اليوم بتسعة أيام تسمى أيام التوبة، وفي اليوم العاشر تكمل طهارته وتغفر له سيئاته الماضية ويعد لاستقبال عام جديد، وتقع هذه الأيام في الشهر السابع من شهور السنة اليهودية.
أما عيد المظال: فيحتفل به اليهود في شهر تشرين الأول، ويمتد عشرة أيام. ومن طقوسه الاتجاه إلى المعبد حاملين السعف وأغصان الأشجار، ليقيموا خياماً أو أكواخاً من القش يمضون بها عدة أيام رمزاً للتاريخ الطويل الذي مر بهم وهم ضياع؛ ثم يشكرون الرب في المعبد لأنه أنهى عنهم حياة المكابدة والتطواف ومنحهم الاستقرار..
ومن أهم التشريعات الموسوية مراعاة يوم السبت وتقديسه، وتعد خطيئة عدم حفظ هذا اليوم ومخالفة حرمته إثماً عظيماً، وجريمة تعادل عبادة الأوثان. فالسبت (الراحة) هو يوم الرب، الذي استراح فيه، وأمر عباده بالاستراحة، فلا يجوز لليهودي الاشتغال فيه. وقد أوصت أسفار موسى ( الوصية الرابعة) بمراعاة حفظ يوم السبت، لأنه تشبه بالله: «تحفظون السبت لأنه مقدس لكم، من دنسه يقتل قتلاً، إن كل من صنع فيه عملاً تقطع تلك النفس من بين شعبها» (الخروج 31: 14-17). وهناك تشريعات اجتماعية بالغة الخطورة وردت في التلمود، وتشريعات سياسية مهمة وردت في بروتوكولات حكماء صهيون[ر].
التوراة والعهد القديم
العهد القديم Old Testament مقدس لدى اليهود والمسيحيين، ولكن أسفاره غير متفق عليها، فبعض أحبار اليهود يضيفون أسفاراً لا يقبلها أحبار آخرون، فبعضهم لا يوافقون على ضم سفري الجامعة ونشيد الأناشيد لأسفار العهد القديم، وآخرون من طائفة السامريين (اليهود من غير بني إسرائيل) لا يؤمنون إلا بأسفار موسى الخمسة ولا يرون غيرها كتاباً مقدساً، في حين يضيف بعضهم الآخر سفري يوشع والقضاة لأسفار موسى، ويرون في هذه الأسفار السبعة كتابهم المقدس.
وقد آمن المسيحيون بما جاء في التوراة فأضافوها إلى أسفار العهد الجديد (الأناجيل الأربعة، والرسائل، وأعمال الرسل). لكن لم يعترف بعضهم بكامل التوراة. وخالفوا اليهود في ثلاثة أمور أولها: في اعترافهم بأسفارها، وخاصة البروتستنت الذين لم يعترفوا عند نسخهم العهد الجديد بسبعة أسفار كان يهود الإسكندرية في المرحلة الرومانية وما بعدها قد اعتمدوها، كما اعتمدها الكاثوليك، وهي: طوبيا ويهوديت والحكمة ويشوع بن سيراخ ونبوءة باروك والمكابيين الأول والمكابيين الثاني، وهي الأسفار التي لم يعترف بها يهود فلسطين في ذلك الوقت. وثانيها: في تسميات بعضها الآخر، فأصبحت أسماء الأسفار عند البروتستنت: اللاويين وصموئيل الأول وصموئيل الثاني والملوك الأول والملوك الثاني، وعند الكاثوليك: الأخبار والملوك الأول والملوك الثاني والملوك الثالث والملوك الرابع، بالترتيب. وثالثها: إضافة كلمة «نبوءة» إلى أسفار الأنبياء في النسخة الكاثوليكية.
التوراة والتلمود
يعد أكثر اليهود التلمود كتاباً منزلاً ويضعونه في منزلة التوراة، ويرون أن الله أعطى موسى التوراة على طور سيناء مدونة، وأرسل معه التلمود شفاهاً. ولا يقنع بعض اليهود بهذه المكانة للتلمود، بل يضعونه في منزلة أسمى من التوراة كما فعل الفريسيون؛ ويرى بعضهم أنه لا خلاص لمن ترك تعاليم التلمود واشتغل بالتوراة فقط.
وتضطرب آراء اليهود أحياناً وهم يضعون التلمود في تلك المكانة، فبعضهم يعلن أن التلمود وإن كان أقوال الحاخامات فهو أيضاً في مكانة التوراة، لأن أقوال الحاخامات هي قول الله الحي، ومخالفة هذه الأقوال عقوبتها شديدة، وينص «الكنز المرصود في قواعد التلمود» أن من يخالف شريعة موسى خطيئته قد تغفر، أما من يخالف التلمود فيعاقب بالمثل. لكن الصدوقيين أنكروا إلزامية التلمود وقداسته، وكذلك فعل القراؤون، فاعترفوا فقط بالعهد القديم وبالتالي التوراة كتاباً مقدساً.
التوراة في المنظور الإسلامي
وصف القرآن الكريم التوراة أنها كتاب سماوي منزّل، قال تعالى: }الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزّل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه، وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس{ (آل عمران 2-3), وأنه كتاب تام كامل، فيه الموعظة وفيه التفصيل للشريعة وأمور الحياة: }وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء{ (الأعراف 145)،}وهدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون{ (الأعراف 154). واعترف الإسلام بأسفار موسى الخمسة وليس سواها من العهد القديم. كما اعترف بأنبياء بني إسرائيل: إبراهيم، إسماعيل وإسحاق، يعقوب ويوسف، موسى وهارون، داود وسليمان؛ لكنه لم يعترف بأنبيائهم: أشعيا، أرميا، حزقيال، دانيال وغيرهم.
وعلى خلاف مع كتّاب العهد القديم الذين حددوا التوراة بلوحين من الحجارة (الخروج 24: 12-13)، يحددها القرآن بكثرة الألواح (الأعراف 145)، ويصفها بالصحف: }إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى{ (الأعلى 18).
وتصرح آيات القرآن الكريم بضياع بعض من التوراة وتحريف بعضها الآخر: }يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به{ (المائدة 13)؛  وتبديل أوامر الله وعدم إطاعتها منذ عهد موسى: }فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا منهم رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون{ (البقرة 59) }وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه، من بعد ما عقلوه وهم يعلمون{ (البقرة 75).
ويؤكد الإسلام أن هذا التحريف قد ارتبط بنقض بني إسرائيل ميثاق موسى عليه السلام مرات في عهده ومرات من بعده: }فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكّروا به{ (المائدة 13). فبعد وفاة موسى صار التحريف كتابياً بعد ما كان في عهده شفويا وصار الكتّاب غير الكتّاب: }يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب، سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا{ (المائدة 41). وقد استمر هذا التحريف، حتى بعد ما ضاعت التوراة، زاعمين أن هذا من عند الله: }فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما كانوا يكسبون{ (البقرة 79). }قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل{ (المائدة 68). }مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً، بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله{ (الجمعة 5).
وأشار القرآن الكريم بصراحة إلى شرك اليهود، فلعنهم الله وباؤوا بغضب منه }قالت اليهود عزيرٌ ابن الله{ (التوبة 30)، وفي مكان آخر قالت اليهود }نحن أبناء الله وأحباؤه{. والكثير من نصوص التوراة تؤكد أن التوراة تؤمن بوجود الله وبوجود أبناء الله. وبالنتيجة ليس اليهود موحدين، وليست الديانة اليهودية، كما أقرها الكاهن عزرا، وبالشكل الذي أضاف إليها عاموس وحزقيال، توحيدية، لأنها دعوة إلى يهوه إله التوراة المزعوم الذي ظهر في التقليد اليهوي ولم يظهر في التقليد الإيلي [ر. اليهود].
مكانة التوراة وأثرها في الفكر اليهودي قديماً وحديثاً
تعد مسألة استيعاب التوراة والإلمام بها ثروة بني إسرائيل التي لا يعادلها ثمن، لأن اليهود يسمون أنفسهم شعب التوراة، ومن يلتزم بدراستها ويحافظ على تطبيق شرائعها وآدابها، ينال شرف التقدير والاحترام من المجتمع الإسرائيلي كله، كما يحظى بمكانة سامية فيه ترقى به إلى مكانة الكهنة والملوك. فالتوراة عقيدة وأخلاق وتشريع وعلم، وهي عند بني إسرائيل حياة الدنيا ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، ودراستها أهم عندهم من بناء معبد. لقد تمسك اليهود بالتوراة وأسفار موسى لأنهم وجدوا في موسى الأمل في الخروج والخلاص من الاستبداد، والمنقذ من ذل العبودية، فارتبطوا به ارتباطاً عضوياً. وارتبطوا بداوود فمجدوه وعظموه، ولم يعظموا أحداً من الملوك بعده مثله. فقد مثل لهم داوود الرمز والأمل والحب والنصر والمجد، لكنهم لم يروا فيالزبور الشريعة التي تلائم أفكارهم، فعادوا إلى التوراة ليكتبوها.
ويرى الكثير من الكتاب أنه في منتصف القرن الخامس ق.م، جمع الكهنة اليهود قوانين العهود الماضية، ونسبوها إلى موسى، فتشكل منها الكتب الخمسة التي تحتوي الأساطير، والتنبؤات، والأشعار، والقوانين المدنية والجزائية، والآداب العبرانية المعروفة ذات طابع ديني، حيث أضاف الكهنة إلى الكتب الخمسة نصوصاً كثيرة كأحاديث الأنبياء وحوليات تاريخية ومجموعة من النصائح، والأحكام والأخبار والأناشيد والأغاني. واقتبس العبرانيون الكثير من الأدب الفينيقي، ودخل في كتاباتهم، وخاصة في سفر التكوين وقصص الأنبياء. وجاءت الكتابات الأوغاريتية تكشف ذلك.
ويغالي بعض المؤرخين الملحدين بآرائهم، فيتهمون التوراة بالاقتباس من التراثين البابلي والكنعاني، ويرون أن الكثير مما ورد في التوراة من قصص وأساطير وشرائع، يرجع إلى أصل قديم وجد مثله أو ما يشابهه في المدونات السومرية والآكادية والكنعانية والبابلية والآشورية والمصرية.
ترجمة التوراة
قام ملك مصر بطلميوس فيلادلفوس (285-247ق.م) بتكليف اثنين وسبعين فقيهاً من فقهاء اليهود من بيت المقدس بجمع أسفار التوراة وترجمتها من العبرية أو الآرامية إلى اليونانية، وسميت هذه الترجمة بالترجمة السبتاغونية Septuagint أي السبعينية. وفي مستهل القرن الثاني الميلادي ترجمت التوراة إلى السريانية، وفي القرن الثالث إلى القبطية، وبعد ذلك إلى الحبشية، ثم إلى اللاتينية والعربية (718م) وإلى غيرها من اللغات.
وقد عثر الأثريون على عدد من نسخ التوراة، أو أسفارها التي كتبت في عصور مختلفة، وأحدث ما عثر عليه في عام 1951 مجموعة الأسفار في منطقة بيت لحم، وقبلها بقليل عام 1947 عثر في كهف في خربة قمران في الشمال الغربي من البحر الميت على مجموعة أخرى من المخطوطات العبرية، يعتقد أنها دونت في الفترة الهلنستية، وتضم المجموعة نصاً لسفر أشعيا وأجزاء متفرقة من أسفار أخرى.
الحفريات الاثرية تنسف قصص التوراة حول اجتياح اليهود لفلسطين
علم الاثار الحديث يعطي معلومات تسمح بإعادة النظر في اسطورة مجيء الاسرائيليين الى بلاد كنعان.
اساطير الأولين

تقول الباحثة الاكاديمية هلين صادر إن الاتجاه السائد في علم الاثار الحديث يأخذ بآراء يتناقض بعضها مع ما ورد في نصوص توراتية عن اجتياح الاسرائيليين لفلسطين وكذلك عن وجودهم التاريخي في مصر.
وقالت الدكتورة صادر استاذة علم الاثار في الجامعة الاميركية في بيروت إن الحفريات الاثرية في السنوات الثلاثين المنصرمة أدت الى معلومات جديدة سمحت بإعادة النظر في ما يسمى مجيء الاسرائيليين الى بلاد كنعان.
وتسمح هذه المعلومات كذلك "بإعادة النظر في موضوع القول بوجود الاسرائيليين في مصر كشعب واحد وانهم تركوها "بقيادة موسى ودخلوا فلسطين بقيادة يشوع بن نون كجماعة موحدة" وهم الذين يوصفون بانهم كانوا 12 قبيلة او سبطا وانهم احتلوا فلسطين في حرب واحدة.
هكذا تفسر الرواية التوراتية مجيئهم وسكنهم في بلاد كنعان. ووردت في التوراة قائمة بكل المدن التي قيل إن العبرانيين احتلوها. وقد جرب العلماء سابقا ان يجدوا اطارا تاريخيا لما ورد في التوراة فنظروا في التاريخ المصري ليروا من كان الفرعون خلال فترة بناء مدينة رعمسيس التي قالت التوراة انهم كانوا يبنونها. وقد جاء في التوراة في الاصحاح الاول من سفر "الخروج" عن الاسرائيليين أن المصريين "جعلوا عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم باثقالهم فبنوا لفرعون مدينتي مخازن فيثوم ورعمسيس." ولكن المصريين "اختشوا من بني اسرائيل فاستعبد المصريون بني اسرائيل بعنف"
وبما ان رمسيس الثاني عاش في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد ولان في التوراة ذكرا لمدينة اسمها مدينة رعمسيس التي تقول النصوص المصرية انه بناها فقد اتخذ هذا الامر اطارا تاريخيا وضعت فيه قصة خروج الاسرائيليين من مصر.
تضيف الدكتورة صادر ان هذا كان الاطار الاول وكان مقبولا في الفترة الاولى "لكننا نعرف من جهة ثانية ان "خضّة" كبيرة او أزمة شمولية.. وقعت في الشرق الادنى (سوريا ولبنان وفلسطين) انتهت على اثرها كل حضارات الالف الثاني ومنها الحثية والمسينية ودخل من سمّوا "شعوب البحر" الى مصر من فلسطين ومن البحر.. كما اسسوا مدنا في جنوب الساحل الفلسطيني".
ويقال ايضا انه في الوقت نفسه الذي هدمت هذه الشعوب حضارة الالف الثاني على الشاطىء السوري -اللبناني- الفلسطيني دخلت قبائل ارامية قديمة وأسست دويلات آرامية في سوريا وقبائل اسرائيلية دخلت فلسطين وانهت حضارة الالف الثانية الكنعانية.
اذن كان هذا هو الرأي التقليدي كما تقول الدكتورة صادر. الا أن أول اهتزاز لهذه النظرية جاء من علماء التوراة انفسهم خاصة من مدرسة المانية تقول انه يتبين لدى التعامل مع التوراة بنظرة نقدية انه لم يحدث اي غزو لارض فلسطين.
وللتوراة عدة قصص تفسر مجيء الاسرائيليين الى بلاد كنعان منها اثنتان متعاكستان.. قصة تقول ان ابراهيم جاء من أور في العراق وسكن فلسطين والثانية هي قصة "الخروج" وهذا يعني أن هناك عدة قصص جمعت في التوراة فالتوراة كما نعرفها لم يكتبها رجل واحد بل هي مجموعة وحدات جاءت على فترات مختلفة وجمعت بالشكل الحالي في القرن الثامن بعد الميلاد.
وتبين ان الكتب التوراتية خاصة سفر الخروج هي تقاليد كتبت متأخرة بعد رجوع الاسرائيليين من السبي في بابل. وكل هذه القصص كما تقول الدكتورة صادر هي أقرب الى "أسطورة" من حيث انها تسعى الى ان تفسر بعد زمن طويل ضاعت فيه الذاكرة قصة نشأة معينة او اصل معين.
وتقول "اما النصوص التاريخية فلا علاقة لها بالمعتقد الديني. العلماء الالمان كانوا اول من نظر في هذه المسألة بهذا الشكل إذ انهم رأوا ان الامر ليس أكثر من قبائل كانت تروح وتجيء متنقلة في مناطق "الاطراف" ثم استقرت. وكانت هذه اول "زعزعة" للقصة التوراتية عن تاريخ الاسرائيليين."
اما "الزعزعة" الثانية فقد صدرت عن علماء الاثار المتخصصين في موضوع التوراة من خلال سعيهم الى التأكد مما اذا كان ما ورد في التوراة قد حصل فعلا ام انه لم يحصل. وكانت حصيلة ابحاثهم انه من كل المدن والبلدات التي ورد ان الاسرائيليين احتلوها رصدت في واحدة او اثنتين مستويات من الدمار لطبقات العصر البرونزي الحديث. والمفترض ان الاسرائيليين سكنوا في تلك المدن.. لكن لم يظهر اي دمار يدل على ذلك. واعظم مثل على هذا الامر قصة "اريحا" واحتلالها وتدمير اسوارها بالطريقة التي تصفها التوراة مما لا ينطبق على الواقع. فأريحا كانت مهجورة في تلك الفترة. وكذلك ما عرف باسم خربة التل.. فانها لم تكن موجودة اساسا كي يجري احتلالها.
اما ما تسميه الباحثة الاكاديمية اللبنانية "البرهان القاطع" فقد توصل اليه العلماء الاسرائيليون بعد سنة 1967 واحتلال الضفة الغربية ووسط فلسطين. فقد اجرى هؤلاء العلماء مسحا شاملا لفلسطين كلها.. منطقة السهول التي كان الكنعانيون فيها وكذلك منطقة الجبال الوسطى. ونتج عن ذلك اكتشاف مئات المواقع الاثرية الصغيرة التي هي اقرب الى مستوطنات او مواقع ريفية ولم تكن مدنا كبيرة.
ونتيجة الحفريات التي اجروها في هذه المستوطنات "اتضح ان كل طرق الحياة لم تتغير عما كانت عليه قبلا وان الناس كانوا هم الناس انفسهم دون ان يجري اي انقطاع حضاري بل جاءت الامور تكملة لما كانت عليه في السابق. الحياة المدنية توقفت لمدة قرنين وازدهرت بدلا منها المستوطنات الريفية. الا ان اهل المستوطنات كانوا يعرفون الزراعة اي ان اغلبهم لم يكونوا بدوا بل من سكان تلك الارض. وقيل ان المستوطنات جمعت شرائح اجتماعية متعددة.. قسما من البدو او شبه البدو وقسما من الحضر.. سكنت فيها وتعايشت في فترة من انعدام الاستقرار".
والاستنتاج الذي خرج به هؤلاء العلماء هنا هو ان هذا الشعب نفسه اكمل حياته ولم يدخل عليه اناس من الخارج حاملين معهم حضارة جديدة. بعد ذلك عاد الاستقرار الى هذه المستوطنات وتدريجيا اخذت تنشأ مدن بدلا منها واحدة تلو اخرى.
وتتحدث التوراة عن وجود الاسرائيليين في مصر لعدة اجيال. "اما تاريخيا فليس هناك نص مصري يذكر وجود الاسرائيليين. هناك نص واحد هو نصب ملكي للفرعون "ميرنبتاح" الذي عاش في القرن 12-13 وقد جاء فيه انه تغلب على "اسرائيل" لكن كلمة اسرائيل هنا تتضارب فيها التفسيرات فالبعض يعتبرها إشارة الى شعب ويعتبرها البعض الاخر منطقة. بقية النصوص المصرية لا تذكر بني اسرائيل. ومع ان العلاقات بين فلسطين ومصر قامت من الاف السنين فليس هناك ما يدل على وجود الاسرائيليين في مصر.
العلماء الاسرائيليون -خاصة علماء جامعة تل ابيب- على اساس ابحاثهم الاثرية ونتائجها توصلوا الى نتيجة هي انه لم يكن هناك غزو لفلسطين كما جاء في التوراة وليس هناك من دلائل سوى تلك التي تشير الى استمرارية الحضارة في فلسطين لكن في اوضاع اقتصادية واجتماعية مختلفة. وبعد هذه الفترة الانتقالية نشأت مملكتان -هما يهودا واسرائيل- لاشك في تاريخيتهما إذ ذكرتا في نصوص غير توراتية منها نصوص آشورية وبابلية وغيرها. واهلهما ساميون عبدوا آلهة متعددة. اما التوحيد فقد توصلوا اليه في فترة متأخرة.
ويستمد من نصوص مختلفة ان فكرة اله خاص بالجماعة انتشرت في الجنوب في مملكة يهودا فتكونت ديانة التوحيد في القرن السادس وتأصلت بعد السبي الى بابل حيث صار العائدون يكتبون قصص التوراة. والان هناك فريقان من العلماء.. فريق يأخذ بهذه النظرية وفريق آخر يرفضها ويقاومها ويبقى متمسكا بالنظرة التقليدية في هذا المجال.



الموضوعات ذات الصلة:

الأنبياء ـ التلمود ـ الصهيونية ـ العهد القديم ـ الكتاب المقدس ـ موسى (النبي ـ) ـ اليهود.

مراجع للاستزادة:

ـ محمود مصطفى، التوراة موضع خلاف (بيروت 1972).
ـ علي عبد الواحد وافي، اليهودية واليهود (القاهرة 1970).
ـ التوراة السامرية، النص الكامل باللغة العربية، ترجمة الكاهن السامري أبو الحسن إسحاق الصوري، نشرها وعرف بها أحمد حجازي السقا (دار الأنصار، القاهرة).
- Y.M.K.Adams , Ancient Records and the Bible (Oxford Press, Oxford 1946).
- C.Marston, The Bible Is True (London 1973).
- W.S.Auchincloss, Chronology of the Holy Bible (New York 1911).