Search - للبحث فى مقالات الموقع

Sunday, February 6, 2011

Tiananmen Massacre! -بوابة السلام السماوي (تيانانمنْ) المذبحه فى الميدان




File:200401-beijing-tianan-square-overview.jpg

كان نشر المذكرات السرية المسجلة بصوت رائد إصلاح الحزب الشيوعي الراحل زهاو زيانج، الذي سعى إلى "استئصال الخلل من جسم النظام الاقتصادي الصيني" ثم توفى تحت الإقامة الجبرية نتيجة لجهوده، كان سبباً في اشتعال النقاش من جديد حول التركة المعقدة التي خلفتها احتجاجات ميدان السلام السماوي التي اندلعت في عام 1989. ومع تزايد حجم الصين في الاقتصاد العالمي فمن الجدير بنا أن نتذكر أن جمهورية الصين الشعبية كانت على وشك الانهيار منذ عشرين عاماً تقريباً. ذلك أن حركة الاحتجاج التي احتشدت في ميدان السلام السماوي في ذلك العام كانت تشكل خطراً هدَّد وجود دولة الحزب الشيوعي التي أعلن ماو تسي تونج عن ميلادها في نفس البقعة منذ أربعين عاماً.
وكان ذلك التهديد يأتيها من اتجاهين ـ من جانب أعلى المستويات القيادية في الحزب، حيث تسببت الخلافات الإيديولوجية بشأن الإصلاح في انقسام القيادة السياسية الحاكمة، ومن جانب الجماهير من سكان المناطق الحضرية، الذين وقفوا في الطليعة مع طلبة جامعة بكين في ثورة سلمية صريحة ضد سلطة الدولة.
ومن العجيب في الأمر أن الحزب خرج من الأزمة موحداً حول رؤية دنج شياو بينج التي تمحورت حول "اقتصاد السوق الاشتراكي"، ونجح في استعادة شرعيته لدى سكان المناطق الحضرية من خلال تنفيذ هذه الرؤية. ولقد استعاد الحزب وحدته استناداً إلى برنامج للنمو المتكامل القائم على قوى السوق، وتم تنفيذ ذلك البرنامج دون وساطة من "معبودة الطلبة" الديمقراطية، وبفوائد مادية ملموسة عادت على سكان المدن.
لا أحد يستطيع أن يشكك في تسارع التنمية الحضرية والاستثمار ونمو الناتج المحلي الإجمالي طيلة عقد التسعينيات، غير أن الفجوة بين الفائزين في المناطق الحضرية والخاسرين في المناطق الريفية كانت أيضاً في اتساع. لقد تشتتت طاقة الاحتجاج التي أشعلت أحداث ميدان السلام السماوي إلى خارج المدن وانتشرت عبر المناطق الريفية. في خضم البداية الحماسية لمظاهرات عام 1989، سار أكثر من ثمانين ألف طالب عبر شوارع بكين مطالبين بحكومة أكثر استجابة لمطالبهم. وبحلول عام 2005 كان عدد الاضطرابات الشعبية المسجلة عبر البلاد قد تجاوز ثمانين ألفاً ـ ولكن أغلب هذه الاضطرابات لم يكن في المدن الساحلية المزدهرة، وليس في جامعات النخبة الوطنية بكل تأكيد.
كان العمال المسرحون، والمزارعون الذين انتزعت ملكيتهم، وأتباع حركة فالون جونج، وأهل التبت الغاضبون ينظمون الاحتجاجات طيلة العشرين عاماً الماضية. ولكن لم تقع أية احتجاجات حضرية يقودها الطلبة على غرار تلك التي شهدها ميدان السلام السماوي في عام 1989.
إن الازدهار الاقتصادي في عهد الرئيس جيانج تسه مين وخلفه هيو جينتاو، وهو الازدهار الذي نجح في توجيه تمرد الشباب إلى قنوات المشاريع التجارية والنجاح المهني، لم يكن ممكناً إلا بفعل نجاح دنج في منع قيادة الحزب من التفتت أثناء احتجاجات الطلبة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي ووسط ردود الفعل المحافظة في أوائل التسعينيات. ومع بداية اندلاع الاحتجاجات كان زهاو زيانج، وهو الخليفة الذي اختاره دنج، يميل إلى استخدام الحركة الجماهيرية كقوة دافعة للمزيد من الضغط في اتجاه إصلاح السوق، بل وربما الإصلاح السياسي. ولو كانت الصين لتحظى برجل مثل ميخائيل جورباتشوف لكان ذلك الرجل هو زهاو.
كان دنج يؤيد حملة زهاو لتحرير الاقتصاد، وذلك على الرغم من النتائج المختلطة التي أدت إليها هذه الحملة في العامين 1988 و1989، مع ارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة وتفشي المخاوف الاقتصادية. ولكن دنج الذي كان متأثراً بعقود من الماوية، وخاصة الفوضى التي أطلقتها الثورة الثقافية، لم يكن ليتسامح كثيراً مع عدم الاستقرار السياسي. وكان تسامح زهاو مع المتظاهرين سبباً في انقسام المكتب السياسي إلى فصائل. وعلى هذا فقد قرر دنج إلقاء زهاو إلى سِـباع الحزب الأشد تحفظاً.
خرج المتشددون ظافرين في أعقاب حملة فرض النظام. وفي نظرهم فإن الاضطرابات التي شهدها عام 1989 أثبتت أن "الإصلاح والانفتاح" كانا يقودان البلاد إلى الفوضى والانهيار. ثم انسحب دنج مؤقتاً، مفسحاً المجال أمام المخططين المركزيين الملتفين حول كبير الحزب تشن يون لإبطاء التحول نحو نظام السوق ومواجهة العزلة الدولية في أعقاب أحداث ميدان السلام السماوي.
ولكن مع جولته الجنوبية الشهيرة في مطلع عام 1992، بدأ دنج في قيادة عملية التخلص من الفصيل المحافظ المناهض للسوق. وفي مدينة تشنجين المزدهرة رفع دنج إصبعه في الهواء أمام كاميرات التلفزيون محذراً حزبه: "إذا تقاعست الصين عن ممارسة الاشتراكية، ولم تواصل خطوات الإصلاح والانفتاح والتنمية الاقتصادية، ولم تعمل على تحسين المستويات المعيشية للناس، فلسوف ننتهي إلى طريق مسدود أياً كان الاتجاه الذي سنسلكه".
بعد أن عمل دنج على تطهير الإصلاحيين في عام 1989، عاد في عام 1992 إلى انتهاز الفرصة لتهميش المخططين المركزيين، والاستعانة ببطل الليبراليين الجدد تشو رونجي الذي عمل على إعادة تشغيل محركات الاقتصاد. لقد حكم دنج على مزاج الأمة بقدر عظيم من الفطنة: إذ كان الشعب الصيني على استعداد في ذلك الوقت للاقتناع بأن إصابة الثراء أمر مجيد. ولم تتراجع قيادة الحزب الجديدة أثناء تسعينيات القرن العشرين وسنوات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عن الخط الذي سار عليه دنج: التوسعة المضطردة لإصلاحات السوق، والمشاركة الفعّالة في التجارة الدولية، والتوسع في التنمية الحضرية، والإخلاص التام لوحدة الحزب.
إن يوم الرابع من يونيو/حزيران، وهو اليوم الذي أخرجت فيه قوات جيش التحرير الشعبي الطلاب وأنصارهم من ميدان السلام السماوي، يتذكره الغرب باعتباره مثالاً مأساوياً لعنف الدولة ضد المواطنين العزل، ودليلاً على تطلع الشعب الصيني المكبوت إلى الحرية والديمقراطية. ولكن في نظرة التاريخ الباردة إلى الأمور فإن حركة 1989 وما أعقبها من أحداث ربما تُـعَد بمثابة "اللحظة المكيافيللية" بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، حين صمد دنج في وجه شبح فناء جمهوريته، وأدرك متطلبات النجاة: التي تمحورت حول وحدة الحزب واستندت إلى النمو الحضري.
وبإعادة توحيد قيادة الحزب وإعادة ترسيخ التضامن بين الحزب وسكان المناطق الحضرية، نجحت الأزمة في تعزيز حكم الحزب الشيوعي الصيني، وعملت على التعجيل باندفاعة الصين على مسارها الحالي من النمو الاقتصادي السريع. في الدراسة التقليدية التي أجرتها هانا أرينت تحت عنوان "عن الثورة"، ذكرت على نحو لا يخلو من الحزن: "إن أي قدر من التضامن الأخوي بين البشر كان منبعه الأصلي قتل الأخ لأخيه، وأي قدر من التنظيم السياسي تمكن البشر من إنجازه فإن أصوله راجعة إلى الجريمة". وتبعاً لهذا المنظور فربما كان ميدان السلام السماوي الملطخ بالدماء في صباح الرابع من يونيو/حزيران 1989 محل ميلاد الصين الجديدة في مرحلة ما بعد الثورة

بدأت الأحداث في مايو 1989 بمظاهرة قوامها 150 ألف طالب عقب جنازة (هو ياو بانج) أحد الساسة الداعين إلى الإصلاح، وسرعان ما تحولت المظاهرة إلى احتلال ميدان (السلام السماوي) أكبر ميادين بكين والاعتصام به. وبالرغم من أنه قد جرت العادة على تصوير الانتفاضة على أنها حركة طلابية، إلا أن ذلك غير صحيح بالمرة. فالانتفاضة بالفعل بدأت بالطلاب، ولكنها سرعان ما جذبت إليها ملايين من العمال، وبعد مدة قليلة من بدء الاعتصام حاول حكام الصين إعادة إرساء دعائم حكمهم وسيطرتهم على العاصمة التي بدأت تشهد حركات تضامن من المواطنين مع الطلبة، فأعلن رئيس الوزراء (لي بنج) الأحكام العرفية وأمر بإرسال قوات الجيش لقمع الاعتصام يوم 19 مايو. ولكن أتى ذلك بنتيجة عكسية إذا اشتعلت الأحداث على أثر ذلك.
وبدأت الطبقة العاملة الصينية في التحرك، فأضرب جزء كبير من عمال مصانع العاصمة وفي طليعتهم عمال مصانع الحديد والصلب البالغ عددهم 70 ألف عامل. وقام عمال مترو الأنفاق بقطع الكهرباء عن المترو حتى لا تستخدمه قوات الجيش، ولعب العمال دورا حيويا في بناء الحواجز حول المدينة. لم تصمم تلك الحواجز لوقف الجنود بل لتعطيلهم وإبطاء تقدمهم حتى يمكن للعمال والطلبة الاتصال بهم ومحاولة كسبهم لصفوف الانتفاضة. وبالفعل نجح العمال والطلبة في كسب قطاعات واسعة من الجنود، وكانت هذه نقطة تحول خطيرة، فقد بدا لأول مرة إمكانية تحول الانتفاضة إلى ثورة جماهيرية حقيقية.
ويصف أحد شهود العيان الأحداث بقوله "لقد امتلكت الجماهير زمام الأمور في مدينة بكين لمدة 48 ساعة، ووقع قلب المدينة تحت سيطرة العمال والطلبة، ويتحدث البعض عن خروج خمسة ملايين مواطن في الشوارع، والجميع آخذ في إنشاد نشيد الأممية بلا توقف."
بدأت المظاهرات العمالية تشتعل في أرجاء المدن الصينية للتضامن مع عمال وطلبة بكين. وفي هونج كونج قام أكثر من مليون مواطن (أي سدس سكان المقاطعة) بمسيرة تضامنية. ولكن للأسف لم تكن لدى المنتفضين استراتيجية واضحة لدفع الحركة للأمام. بل عارض قادة الطلبة قيام العمال بإضراب عام لتعارضه مع "مصلحة الصين القومية"! ورفضوا قيام الجنود بتسليح العمال.
لم يكن ممكنا أن يبقى الأمر ساكنا على ما هو عليه، فإما التقدم لانتزاع السلطة من البيروقراطية الصينية وإقامة سلطة العمال، أو التراجع والسماح لحكام الصين بانتهاز الفرصة والسيطرة على الوضع مرة أخرى، وهذا ما حدث للأسف.
File:Tiananmen Square protests.jpg
إن فشل قادة الحركة في التقدم بها في منحى ثوري وفشلهم في استغلال الإمكانيات الجبارة المتاحة لهم والتي وضحت جليا عندما نجحوا في كسب الجنود لصفوفهم، سهل على حكام الصين قمع الحركة مستخدمين موجات جديدة من القوات. وفي 3 يونيو بدأت مذابح بكين باقتحام دبابات الجيش للحواجز المحيطة بالعاصمة، ويصف مراسل جريدة التايمز ذلك المشهد بقوله: "إن أبسط ما يقال عن الأساليب التي اتبعت أنها وحشية، فقد شكلت العربات المدرعة الحاملة للجنود رأس الحربة في الهجوم، يتبعها جنود مترجلين يفتحون النار على الجانبين."
ورغم ذلك، لم يستطع الجيش تحطيم مقاومة العمال إلا بعد 4 أيام كاملة، نتج عنها مقتل الآلاف. وكان من أشهر رموز المقاومة وقوف (وانج وايلن) البالغ من العمر 19 عاما - وهو ابن لعامل صناعي - في وجه طابور من المدرعات ليسد طريقهم، وقد تم اعتقاله وإعدامه لاحقا في سرية تامة. وفي النهاية نجح حكام الصين في استعادة زمام الأمور مستخدمين قوات من مناطق ريفية لم تتأثر بعواقب النمو السريع للاقتصاد الصيني.
الآن تدخل الصين أزمة اقتصادية أخرى مع تضاؤل قدرة الطبقة الحاكمة على تقديم إصلاحات للجماهير. وتحاول الحكومة الآن تخفيض إنتاجها الصناعي بصورة مرعبة، فطبقا لمجلة (تشاينا إيكونوميك تايمز) الاقتصادية يصل "فائض الإنتاج" إلى ما يعادل 67% من المنتجات الصناعية الصينية، ويعني ذلك انعدام ربحية تلك المنتجات. ولذا تخطط الحكومة لإغلاق 25800 منجم فحم مما سيؤدي لفقدان 400 ألف عامل لوظائفهم، كما سيتم إغلاق العديد من مصانع الغزل والنسيج والأسمنت والزجاج. وتتعرض مكاسب العمال الاجتماعية مثل التأمين الصحي والخدمات المقدمة للأمهات العاملات وأطفالهن لتخفيض شديد. وتقول إحدى الصحف العمالية المستقلة بهونج كونج: "إن نتائج الأزمة ستؤدي إلى جعل الصراع الطبقي حقيقة يومية واضحة في الصين. ويطل صيف غاضب بسبب الضغوط الداخلية والخارجية على الاقتصاد الصيني ذات التأثير المدمر على الطبقة العاملة الصينية."

وفي حين يرزح الملايين من العمال الصينيين تحت نير الأزمة تختلف الصورة تماما إذا نظرنا إلى قمة المجتمع، فحكام الصين "الشيوعيون" في حقيقتهم يمثلون طبقة حاكمة مثلهم مثل أي طبقة حاكمة في باقي أنحاء العالم، يعيشون حياة رغدة ومرفهة، ويمتصون دماء الكادحين من العمال والفلاحين، بالإضافة إلى تورط معظمهم في شبكات فساد لا نهاية لها. أما أبناء القادة السياسيين وجنرالات الجيش ورؤساء شركات القطاع العام فيعيشون حياة ماجنة ويحصلون على عمولات ضخمة من الشركات الغربية لتسهيل دخولهم السوق الصينية.



Tiananmen Square Images
وبالرغم من الظروف القمعية الشديدة بدأت تلوح في الأفق مؤخرا علامات تشير إلى تصاعد التحركات الاحتجاجية الجماهيرية. ويشير تقرير الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية إلى نمو متصاعد في عدد الإضرابات العمالية منذ عام 1994. وطبقا لتقرير رسمي من وزارة العمل ووزارة الأمن العام، شهد العام الماضي 216750 إضرابا ومظاهرة، وشهدت مدينة جواندونج وحدها 740 ألف يوم إضراب، وأصيب أكثر من 2230 شخص في 459 صداما عنيفا مع الشرطة. وفي مقاطعة (هونان) خرج مئات العمال من مصانع حكومية في مسيرة بشوارع العاصمة رافعين شعارات "نريد أن نأكل" و "نريد أن نعيش"، وسدوا الطريق لمدة ساعتين، كما انضم إليهم العديد من العمال الذين فقدوا وظائفهم بدون تعويض.
 Tiananmen Square  Images
وقد تأثرت المناطق الريفية بدورها من وقع الأزمة، وتشير بعض التقارير إلى قيام الفلاحين بشن هجمات ضد مفتشي الضرائب الحكوميين. كما أن ملايين الفلاحين يهاجرون إلى المدن باحثين عن عمل ومستوى حياة أفضل، ولكنهم ينضمون لجيش العاطلين وفقراء المدن، وقد شهد الشهر الماضي اعتصاما سلميا قام به 10 آلاف شخص أمام مبنى قيادة الحزب الشيوعي الصيني.
ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بشكل أو موعد انفجار الغضب الجماهيري في الصين، وعن إمكانية تحوله في المستقبل القريب إلى انتفاضة ثورية، ولكن هذا السيناريو لا يمكن استبعاده أو إهماله، وهو الكابوس الذي يؤرق مضاجع حكام الصين.