Search - للبحث فى مقالات الموقع

Sunday, November 28, 2010

(Harmenszoon Van Rijn(Rembrandt) - رامبرانت


بيانات شخص
الاسمvan Rijn, Rembrandt Harmenszoon
أسماء بديلةRembrandt
وصف مختصررسام
تاريخ الميلادJuly 15, 1606
مكان الميلادلايدنهولندا
تاريخ الوفاةOctober 4, 1669
مكان الوفاةأمستردامهولندا
امبرانت   واسمه الأصلي هارمِنْستسُون فان ريين  عاش (1606أمستردام1669 م) ، هو رسَّام هولندي ، استقر في مدينة أمستردام منذ سنة 1631 م. نظرا للقوة التعبيرية الكبيرة التي تتميز بها أعماله ولوحاته الشخصية ، بالإضافة إلى معرفته العلمية بنظريات الضوء والظلال، وكذا القيم الإنسانية النبيلة لأفكاره وتأملاته الشخصية حول مصير الجنس الإنساني، كل هذه العوامل جعلته يعد ضمن كبار أساتذة فن الرسم الغربي. كان له أثناء حياته شأن كبير، واشتهر أيضا بأعماله عن طريق الرشم بماء الذهب (الأشجار الثلاثة، قطع المائة فلوران النقدية؛ يسوع يُبشر الناس).
من بين أعماله الفنية المشهورة والمحفوظة في متحف ريكسموزيوم في أمستردام: والدة رامبرانت (1660)؛ جولة في الليل (1662)؛ القديس بطرس (1660)؛ وكلاء الجواخون (1662) الخطيبة اليهودية (1665)، وأعمال أخرى محفوظة في اللوفر: على طريق عماوس (؟)؛ هندريكيه شتوفلس (ح. 1562)؛ بيتشبع أو بيت سبع (1654)؛ الثور المُشَرحْ (1655)؛ صورة شخصية ذاتية (1660).

النشأة

ولد رمبرانت في ليدن لأب طحان ثري. وهو جريت هامنز الذي أضاف إلى اسمه "فان رين" ربما لأن بيته كان يطل على نهر الراين. ولابد أن الفنان أحب أباه حباً جماً لأنه رسمه إحدى عشرة مرة أو أكثر، في قبعة وسلسلة فخمتين وكصراف نقود وكسلا في نبيل -وجه قوي حسن التقاطع يحف به الوقار-ورسمه في 1629 رجلاً علته السنون بالكآبة والإرهاق. كما رسم أمه اثني عشرة مرة ، أجدرها بالذكر لوحة "المرأة العجوز" في متحف فيينا قلقة منهوكة ونراها في متحف أمستردام منكبة على الكتاب المقدس. وإذا كانت الأم-كما يعتقد البعض-"منونية" (تنتسب إلى طائفة بروتستانتية متزمتة) فقد ندرك من هذا ميل رمبرانت إلى التوراة ، وصلته الوثيقة باليهود.
وفي سن الرابعة عشرة التحق بجامعة ليدن ولكنه أنعم النظر في أشكال أخرى غير الأفكار أو الألفاظ، وترك الجامعة بعد عام واحد ، وأقنع أباه بالسماح له بدراسة الفن. وخيراً ما فعل، فإنه في 1623 أرسل إلى أمستردام ليتتلمذ على يد بيتر لاستمان الذي كان يعتبر آنذاك آبللر (رسام إغريقي) العصر وكان لاستمان قد عاد من روما إلى هولندا بتوكيد كلاسيكي على الرسم الصحيح ويحتمل أن رمبرانت تعلم منه أن يكون مخططاً ممتازاً، ولم يكمل دراسته بالمرسم بعد ماشاهد أعمال الفنان الإيطالي كارفاجيو وانبهر بطريقته في استخدام الضوء وقدرته على توجيه الإيماءات والحركات داخل اللوحة، في حين لم ينبهر بلوحات روبنز الأرستقراطية النزعة، ولا بأسلوب لاستمان في إثارته للعواطف.

الحياة الفنية

ولكن بعد قضاء عام واحد في أمستردام عاد الشاب القلق مسرعاً إلى ليدن متلهفاً على الرسم بطريقته الخاصة. فرسم أو صور كل ما وقعت عليه عيناه تقريباً، بما في ذلك الحماقات الصاخبة والقذارات المخزية ، وتابع النهوض بفنه عن طريق تجارب عزيزة لديه في تصوير شخصه فكانت المرآة هي النموذج أمامه وترك لنا صوراً شخصية (62 على الأقل) أكثر مما ترك كثير من كبار الرسامين من صور. ومن بين هذه الصور الشخصية الأولى رأس جميل في لاهاي: وهي لوحة تمثل رمبرانت في الثالثة والعشرين، وسيماً مليحاً بطبيعة الحال (وهذا هو شأن كل المرايا-تظهرنا في أجمل صورة) يتطاير شعره هنا وهناك دون مبالاة، في ترفع الشباب عن التقاليد والأعراف، تنبئ عيناه عن اليقظة والزهو بما ثبت من قدرته وكفايته.
والحق أنه كان بالفعل قد وطد مركزه. وفي 1629 نقّده أحد الخبراء 100 فلورين أجراً لصورة-وهذا أجر مناسب لمنافس صغير في بلد كان فيه عدد الرسامين كبيراً مثل عدد الخبازين، ولكنهم لا يشبعون بطونهم مثلهم. وكانت موضوعاته-بعد شخصه ووالديه-مأخوذة من الكتاب المقدس. وفي لوحته "أرميا-يرثي لخراب أورشليم" تجلت الهالة الصوفية التي تميزت بها لوحات رمبرانت الدينية. أما لوحة "سمعان في الهيكل(127)" فإنها تعبر تعبيراً صادقاً عن روح ما جاء على لسان هذا الشيخ في الإنجيل: "الآن نطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام" (إنجيل لوقا 59:5). وكلف من أمستردام بأعمال كثيرة إلى حد أنه عاد إليها في 1638. وقضى هناك بقية أيام حياته.
وفي خلال سنة مكن وصوله إليها رسم إحدى روائع الدنيا وهي "درس التشريح للأستاذ نيقولا تولب(128)"، وكان ثمة تشريحات كثيرة في التصوير الهولندي، ولم تمتهن السوابق، أو يخدش التواضع حين كلف الجراح الممتاز الذي كان أربع مرات عمدة لمدينة أمستردام، رمبرانت أن يرسمه، وهو يقدم عرضاً في التشريح في قاعة نقابة الجراحين، معتزماً أن يهدي الصورة إلى النقابة تذكاراً لأستاذيته، وربما كان دكتور تولب هو الذي اختار سبعة من "الطلبة" ليكونوا معه في الصورة، وواضح أنهم لم يكونا طلبة، بل رجالاً ناضجين من ذوي المكانة في الطب أو في مجال آخر، وانتهز رمبرانت الفرصة، كل الفرصة، ليبرز الوجوه متألقة بالشخصية والذكاء. وتبدو الجثة منتفخة على نحو غير ملائمة، واتخذ اثنان من المتفرجين وضعا تشهده الأجيال القادمة، ويمضي دكتور توليب في عمله في هدوء رجل متمرس واثق. أما الرجلان اللذان يحدقان النظر فوق رأس الجثة فكانا يمثلان حب الاستطلاع والانتباه بأجلى معانيهما، وكان التلاعب بالضوء على اللحم والأطواق إعلاناً عن ميزة رامبت.

وانهالت الطلبات على رمبرانت، حتى بلغت أربعين في عامين. أما وقد أمتلأت الآن جيوبه بالمال، واستبد به الظمأ إلى النساء "فقد حان الأوان للزواج (1634). وكانت ساسكيا أو لنبرخ ذات وجه جميل وعينين راقصتين وشعر حريري ناعم اللون وقوام أهيف وثراء كاف، وما أجمل صورة "ساسكيا" في مدينة كاسل الألمانية، وكانت الابنة اليتيمة لمحام وقاض ثري. وربما كان عمها-وهو وسيط في تجارة التحف الفنية-هو الذي أغواها بالجلوس أمام رمبرانت ليرسمها، وكانت جلستان فقط كافيتين للتقدم لطلب يدها. وقدمت العروس صداقاً قدره أربعون ألف جيلدر، أصبح بذلك مفلس المستقبل واحداً من أغنى الفنانين في التاريخ. وأصبحت ساسكيا زوجة صالحة على الرغم من ثروتها. وتحملت في صبر وجلد عبقرية شريك حياتها المستغرقة في العمل. وجلست إليه ليرسم لها صوراً كثيرة، ولو أنها أبرزت جسمها الآخذ في التفتح والامتلاء، وكان يدثرها في أزياء غريبة ليرسم لها "فلورا آلهة الأزهار" المشرقة الباسمة الموجودة الآن في لندن، و"فلورا" الحزينة، الأبسط شكلاً، الموجودة الآن في نيويورك. وفي إحدى اللوحات في درسن نراه وقد غمرته السعادة، وهو يمسك بها وهي جالسة على ركبته، وتفيض منه الابتسامة على اللوحة، رافعاً كأساً عالية ابتهاجاً بموفور الصحة والمال.
وفي سنين اليسر هذه (1634-1642) أخرج الفنان التحفة تلو التحفة. واستمر يرسم نفسه. فنراه في "صورة الفنان" (1634) وهي الآن في اللوفر-وسيما مبتهجاً، في قبعة مزدانة بالجواهر. وسلسلة ذهبية على صدره.ورسم في السنة نفسها "الضابط(129)"- وهو فيها جميل مهيب يضع على رأسه قبعة تغزو العالم، ورسم لنفسه في 1635 صورة في قبعة رائعة يكاد ريشها يداعب السماء. وسعياً وراء الشخصية الأجمل، (1634 "السيدة العجوز" التي لا تبالي بنا وهي معلقة في المتحف الوطني بلندن في وجه ملأته السنون بالتجاعيد. وبعد ذلك بعام واحد رسم "المرأة العجوز على الكرسي ذي الذراعين" وهي موجودة في نيويورك. وعثر في خرائب أمستردام على رجل في الثمانينات، ألبسه عمامة وثياباً ورسم له لوحة "رجل شرقي(130)": وكان له ولع بجمع الثياب والمجوهرات والسيوف والقبعات والأحذية الغريبة، تستطيع أن تراها جميعاً، فيما عدا السيف في لوحة "مارتن داي(131)" بالأربطة والأشرطة على قفازه، والأهداب على ثيابه والتروس فوق حذائه. والآن أيضاً، رسم موضوعات دينية عتيقة في صورة صادقة جديدة متخذاً نماذجه من الرجال العجائز والشابات اللائى قابلهن في الشوارع-كل منها تلفت النظر في أسلوب من معالجة التفاصيل، تأخذ بالألباب في التلاعب بالضوء، وتثير المشاعر بتدفق العاطفة فيها إلى حد أن أية لوحة منها يمكن الدفع بأنها أبدع ما رسم الفنان، ومثال ذلك لوحة "تضحية إبراهيم(132)"، الملاك روفائيل يهجر طوبيا(133)". وجاءت هذه السنوات المباركة بعدد من أشهر الصور الشخصية مثل "السيدة ذات المروحة(134)"، و"الرجل ذو القفاز(135)" وكلتاهما تجل عن الوصف، وتقصر عنها أية ألفاظ.
وآخر الرسوم في هذه الحقبة، وربما أعظم إنجازات رمبرانت على الإطلاق، هي اللوحة الضخمة (14×12 قدماً) تعرف بالتاريخ باسم "حراسة الليل"، والأكثر احتمالاً أن اسمها "جماعة كابتن كوك الرماة(136)" (1643). ولا ينقص هذه الرقعة الهائلة أية تفاصيل، وليس فيها أي ظل للظلام أو أي مسقط إلا حسب حسابه، أو أي تباين في اللون إلا وهو مدروس. ويقف الكابتن المزهو في الوسط في لون أسمر وأبيض وأحمر، وإلى يساره قائمقام في أحذية عالية وسترة وقبعة صفراء ذهبية اللون، والسيوف تبرق والرماح تلمع والأعلام ترفرف، وإلى يمين الكابتن فرقة الناي والطبول. وتغادر الجماعة مقرها إلى ما يبدو واضحاً أنه عرض في أحد المهرجانات. وتعاقد رمبرانت مع كل من الأشخاص الستة عشر الذين سيصورهم، على أن يدفع كل منهم مائة فلورين. وأحس كثير منهم بأن المساواة في الأجر لم تقابلها مساواة في التألق والعظمة في اللوحة، وشكا بعضهم من أنه وضعهم في الظل ولم يسلط عليهم الأضواء، أو أنه قصر في تحديد ملامحهم حتى يسهل على أصدقائهم التعرف عليهم. ولم يشتد الطلب بعد ذلك على الصور الجماعية في مرسمه، وبدأ نجمه يأفل.
ولا بد أن المال كان وفيراً لديه في 1639 لأنه اشترى في تلك السنة داراً فسيحة في شارع جودن-يريد الذي كان يقطنه أثرياء اليهود. وكلفته الدار ثلاثة عشر ألف فلورين. وهو مبلغ ضخم لم ينجح قط في دفعه كاملاً. وربما قصد ألا تتسع لأسرته فحسب، بل لتلاميذه ولمرسمه ومجموعته المتزايدة من التحف القديمة والأشياء الغريبة والفن. وبعد دفع نصف ثمن الشراء في السنة الأولى من شغل الدار، وبقاء النصف الثاني ديناً عليه، ارتفعت فائدته التي لم تدفع إلى حد جره إلى هاوية الإفلاس.وفي الوقت عينه كانت صحة حبيبته ساسكيا آخذة في التدهور، وكانت قد أنجبت له ثلاثة أولاد، مات كل منهم في سن الطفولة. وهدت ولاتهم العسرة ونهايتهم الأليمة من كيانها. وفي 1641 أنجبت له أبناً أسماه تيتوس، وقد بقي على قيد الحياة، ولكن أمه فارقت الحياة في 1642. وأوصت بكل ما تملك إلى رمبرانت، شريطة أن تؤول بقية التركة إلى ولدها إذا تزوج والده ثانية. وبعد سنة من وفاتها رسم لها رمبرانت صورة من الذاكرة العامرة بحبها. وكدرت هذه الخسارة صفو حياته. وبدأ من ذلك الوقت أن فكرة الموت تستبد به وتقلقه. وعلى الرغم من أنه كان شديد التعلق بأسرته، فإنه كان دائماً يؤثر الوحدة على الرفقة، أما "الآن فقد" آوى إلى عزلة كئيبة.وكان وهو يرسم يصرف المشاهدين الأغرار عنه قائلاً "أن رائحة الطلاء تضر بالصحة". ولم يكن رجل الدنيا المثقف أو المهذب مثل روبنز. وقرأ قليلاً: ولم يكد يقرأ شيئاً سوى الكتاب المقدس، وعاش في مملكة اللون والظل والضوء التي لا تنبس ببنت شفق. وهي متنوعة مثل دنيا الأدب ولكنها غريبة عنها فريدة. وكان من الصعب عليه أن يقوم بالواجبات الاجتماعية إذا قدم عليه من يجلسون أمامه ليرسمهم، أو أن يتبادل معهم أحاديث قصيرة بقصد تسليتهم والاحتفاظ بسكوتهم وهدوئهم. وقل المترددون عليه حين وجدوا أن رمبرانت مثل معظم أسلافه، لم يكن يرضى أن يرسم له مرسماً تخطيطياً في جلسة أو جلستين، ثم يكمل الصورة من هذا الرسم التخطيطي، بل آثر أن يرسم على القماش، الأمر الذي يتطلب جلسات كثيرة، هذا فوق أنه كان له طريقة انطباعية في أن يرسم ما يفكر فيه أو يحس به، لا مجرد ما يرى، ولم تكن النتيجة دائماً مرضية.

رمبرانت في حي اليهود

ولم يكن عوناً له أن تقع داره في حي اليهود. وكان قد عقد منذ ذاك الوقت صداقات مع كثير منهم. وكان قد نقش صورة لمنسة بن إسرائيل (1636). والآن في 1647 حفر على الخشب الوجه الداكن للطبيب اليهودي أفرايم يونس. ولما كان الفنان محاطاً من كل جانب تقريباً، وواضح أنه أحبهم، فإنه وجد موضوعات تتزايد يوماً بعد يوم، بين اليهود الأسبان والبرتغاليين في أمستردام. وربما تعرف على باروخ سبينوز الذي عاش في هذه المدينة من 1635. وذهب بعضهم إلى أن رمبرانت نفسه كان يهودياً. وهذا غير صحيح لأنه عمد ونشأ على المذهب البروتستانتي. وكانت ملامحه تنطق بأنه هولندي، ولكن لم يعرف عنه أي تحيز ملحوظ بالنسبة للدين أو للجنس. وثمة عمق خاص لتفاهمه الموسوم بالعطف في رسومه لليهود. لقد افتتن بشيوخهم ولحاهم التي تقطر منها الحكمة وعيونهم التي تشف عن الحزن والأسى. وإنك لتجد نصف العذاب النفسي عند العبرانيين مائلاً في وجه "اليهودي العجوز" وهي اللوحة التي رسمها رمبرانت 1654 والموجود الآن في الأرميتاج (لننجراد)، وفي لوحة "الحبر" (الحاخام) (1657) في لندن وفي هذه اللوحة الأخيرة صورة الحبر الذي واسى رمبرانت بعد وقوعه في الضائقة المالية وأمده بمعونة مادية.

رسم العاريات

ونراه في 1649 يرسم "هندريكا ستفلز في المخدع" ، وندرك أنه اتخذ خليلة. وكانت وصيفة ساسيكا، وبقيت مع الفنان الأرمل وعنيت به عناية فائقة، وسرعان ما سرت بحرارة جسمها. أنه لم يتزوجها لأنه كره أن يتخلى عن تركة ساسكيا لابنه تيتس الذي كان بعد صبياً في الثامنة من العمر. وعندما رسم هندريكا 1955 ، وكانت جميلة بدرجة مقبولة ذات عينين تلازمهما لهفة مكتئبة، وربما كانت هي التي جلست أمامه مرتين لتجربة أو دراسة فن رسم العاريات: في 1654 "باشيبا في الحمام"(140) و"امرأة تخوض" وكلتاهما آية في العظمة من حيث الألوان والاتساع. وفي يولية من هذا العام دعيت للمثول أمام شيوخ الكنيسة، حيث أنبت تأنيباً قاسياً على اقترافها الزنى، وحرمت من تناول القربان المقدس. وفي أكتوبر وضعت له طفلاً اعترف رمبرانت ببنوته، ودبر أمر تعميده بسلام، وعرف كيف يحب خليلته حباً عميقاً كما احب زوجته، وإلا كيف كان يتسنى له أن يملأ وجهها بكل هذه الرقة حين صورها 1658 في رداء أحمر يلتئم مع شعرها. وكانت زوجة أب فاضلة لتيتس الذي أخذ يترعرع صبياً فاتناً. ويمكن أن تراه في متحف متربوليتان للفن، وهو في الرابعة عشرة، جميلاً كالبنت، ذا عينين تتمثل فيها حيرة الشباب، تربكه الحياة، يجد شيئاً من الطمأنينة والأمان في حب أبيه، وتراه مرة أخرى في مجموعة ولاس، وقد سلخ عاماً آخر من العمر. وقد نتصور كل التصور كيف أنه كان عزاء وسلوى لأبيه رامبرنت الذي أنصب على رأسه الكوارث المالية في هذه السنة.

وبذل الفنان جهداً جباراً ليقتصد في الإنفاق ويصل إلى الموازنة بين موارده ونفقاته. وثمة لوحات دينية عظيمة يرجع تاريخها إلى هذه الحقيقة - حقبة الزنى والديون (1649-1656) منها "يعقوب يبارك حفدته(143)"، و "المسيح عند النبع(144)"، و "المسيح وامرأة سامراً(145)"، و"النزول من الصليب(146)". ومهما يكن من آمن فإن الصور الكنسية لم تكن مطلوبة في هولندة البروتستانتية. ومن ثم جرب يده في الأساطير، ولكنه لم ينجح إلا حين استطاع أن يكسو الأشخاص. ولم تكن لوحة "داناي(147)" جذابة. أما "أتينا(148)" و"مارس(149)" فكانتا فييدتين في بابهما. وظل يرسم صور شخصية تأخذ بمجامع الألباب. فإن صورة "نيقولا برونتج" قد التقطت في لحظة مشرقة بالحياة والفكر، وصور "جان سكس(151)" تمثيل عمدة المدينة الهولندي في ذروة قوته وأسعد أوقاته، كذلك فإن رمبرانت رسم في هذه الفترة أشخاصاً غير ذوات أسماء، بعد دراسة عميقة: "الرجل ذو الخوذة الذهبية(152)"، و"الراكب البولندي"، و"كوزيليوس قائد المائة"، وتبدو معظم اللوحات الشخصية الأخرى إلى جانب هذه، ذات بريق سطحي.

إفلاس رمبرانت

وكان رمبرانت في سن الخمسين حين وقعت الكارثة. أنه قلما اهتم بأن يحسب ما له وما عليه، واشترى دون مبالاة الدار والفن، بل أسهم شركة الهند الشرقية. والآن وقد تخلفت معونات نصرائه ورعاته كثيراً عن الوفاء بمتطلباته، فإنه وجد نفسه وقد أثقلته الديون لدرجة تدعو إلى اليأس. وفي 1656، ورغبة في حماية تيتس، نقلت "محكمة الأيتام" في أمستردام، ملكية البيت الأبيض إلى الابن، ولو أنه سمح للوالد في الإقامة هناك لبعض الوقت. وفي شهر يولية أعلن إفلاس رمبرانت، وبيع أثاثه ولوحاته ورسومه ومجموعاته في عجلة كلفته كثيراً (1567-1658). ولكن العائدات كانت أقل كثيراً من أن تفي بالتزاماته. وفي 4 ديسمبر 1657 طرد من الدار، فتنقل من بيت إلى بيت حتى استقر به المقام في روزنبراخت في "حارة اليهود". وأنقذ من هذا الحطام نحو سبعة آلاف فلورين من أجل تيتس، الذي كون مع هندريكا رغبة منها في حماية رمبرانت، شركة بواسطتها بيع أعماله الباقية دون أن تؤول إلى دائنيه. ويبدو أنهما أوليا الفنان الذي تتقدم به السنون، عناية كبيرة.

واستمر رمبرانت وسط هذه البلايا والمحن ينتج الروائع: "رجل على ظهر جواد" وقد بيعت حديثاً إلى المتحف الوطني في لندن مقابل 400 ألف دولار، واللوحة العجيبة "رأس رجل عجوز(156)"-وكأنه كارل ماركس في الثمانينات متحرراً من الأوهام، واللوحة الطبيعية المفعمة بالحيوية بدرجة مدهشة "امرأة تقص أظافرها(157)"-وربما تطلبت بعض الطقوس الدينية تنظيف الجسم كله ليلة السبت. وربما رسم آنذاك أيضاً بعض صور مروعة للفنان نفسه مثل: "رمبرانت وكراسة التخطيطية" (1657)، وهي موجودة في درسدن، ثم اللوحة الأكثر شهرة التي يبدو فيها وجهه العابس المتجهم وجسمه البدين المدثر (1658) وهي في مجموعة فريك في نيويورك، وصورته بكامل جسمه (1659) وهي فيينا، وصورة الوجه يعروه القلق والهموم (1659) في واشنطن.
وفي العقد الأخير من عمره (1660-1669) سهر للإبقاء على حياته ابنه وخليلته. ولكن كان مسكنه ضيقاً ومرسمه سيئ الإضاءة، ولا بد أن يديه فقدتا بعض اتزانهما نتيجة كبر السن والشراب، فلوحة "القديس متي الإنجيلي(158)" غير مصقولة في تركيبها، ولكن الملاك الذي يهمس في أذنه لم يكن سوى تيتس الذي يلغ الآن العشرين من العمر، ولا يزال جميلاً كالعروس. ثم جاءت في تلك السنة (1661) آخر روائع الفنان: "خبراء نقابة تجار الأقمشة(159)" فإن فاحصي القماش والمراقبين كلفوا الفنان بأن يخلد ذكرهم بصورة جماعية تعلق في دار رابطتهم. وربما كنا نغتفر بعض التردد في التركيب، وبعض الفجاجة في التفاصيل وبعض التقصير في إسقاط الضوء ولكن النقد في حيرة من الأمر ليعثر على غلطة في الصورة. فأن أمامية الصورة وخلفيتها اللتين تمكن منهما تمكن منهما الرسام جعلتا الشخوص الخمسة الرئيسية تقفز إلى عين الرائي "كل منها شخص واحد منفصل"، ولكنهم جميعاً التقطوا في نفس اللحظة الحية التي التقى فيها تفكيرهم. وفي كثير من اللوحات التي رسمت في سنوات التهدم والتدهور هذه، يجد الخبراء علامات على انهيار الطاقة وانحطاط الأسلوب، بساطة الألوان، إهمال التفاصيل، العجلة في جريان الفرشاة وعدم الصقل. ولكنا، حتى في هذه الأيام نجد صوراً أخاذة، مثل "عود السخي(160)"-وهي تشخيص لا ينسى للصفح المحبب إلى النفس، و"العروس اليهودية(161)" وتلك ثمرة عجيبة مدهشة تأتي من شجرة تذوي وتذبل.

ولكنا لم نذكر شيئاً عن مناظر الطبيعة ورسومه وحفره. ولم يبرز أو يتفوق إلا القليل من المناظر الربيعية، ولكن الرسوم بلغت القمة بين مثيلاتها وثمة رسمان مشهوران: "مشهد أمستردام" بالقلم والحبر، الموجود في فيينا، و"المرأة العجوز جالسة" في برلين. ويعد إنتاجه في الحفر مضارعاً لأحسن ما أنتج في ناونج هذا الفن الشاق المجهد. وعرف أحد أعماله في هذا الفن "المسيح يشفي المرضى"، باسم "القطعة ذات المائة جيلدر" لأنها اشتريت بثمن لم يسبق له مثيل (1200 دولار؟). على أن نسخة منها على أية حال قدرت 1867 بمبلغ 35 ألف فرنك (20 ألف دولار؟).

أن 300 من أعمال الحفر، 200 من الرسوم و650 من اللوحات منجزات رمبرانت لا تزال باقية، تكاد تكون مشهورة مثل شهرة روايات شكسبير، وتكاد تكون متنوعة أصلية عميقة مثلها. وكلها تقريباً من صنع يديه. فعلى الرغم من أنه كان مساعدون، فإن أحداً منهم لم يشاركه سره في الكشف عما خفي وما لا يرى(162). وكانت بعض أعماله رديئة وبعضها منفراً، مثل "الثور المسلوخ" في اللوفر. وكان أحياناً يستنفذ كل جهده في الأسلوب الفني وفي أحيان أخرى يتجاوزه من أجل الرؤيا، أي رؤيا الفنان نفسه..وكان، مثل الطبيعة، يتخذ موقفاً محايداً بين الجمال والقبيح، لأن الصدق عنده كان قمة الجمال، وإن الصورة التي تمثل القبح حقاً هي صورة جميلة. وأبى أن يضفي أشكالاً مثالية على الشخوص في لوحاته الدينية، وأرتاب في أن يكون العبرانيون الوارد ذكرهم في التوراة على مستوى جمال اليهود في أمستردام، فصورهم على هذا النسق، ومن ثم انبعثوا من عالم الأساطير أو التاريخ إلى الحياة. وازداد شيئاً فشيئاً مع تقدمه في السن، حبه للبسطاء من الناس حوله، لا حب من جردهم السعي وراء الكسب من الروح الإنسانية. وعلى حين أن بعض الفنانين، مثل روبنز، التمسوا موضوعاتهم بين أرباب الجمال أو السعداء أو الأقوياء وأصحاب السلطان، فإن رمبرانت كان يسخو بفنه الحنون على المنبوذين والمرضى والبؤساء، حتى المشوهين ذوي العاهات، وعلى الرغم من أنه لم يسخر من الدين أو لم يهزأ به، فقد بدا أنه على غير وعي منه، يجسد موقف السيد المسيح وويتمان تجاه أولئك الذين أخفقوا، أو أبو أن يشتركوا، في صراع كل إنسان مع سائر بني الإنسان. ولنلق نظرة أخيرة عليه في صوره الشخصية في شيخوخته. وليس هنا زهواً أو خيلاء، بل على النقيض، أنها قصة حياة الفنان بفرشاته هو، في أيام الخيبة والهزيمة. أنه عندما صور نفسه 1660(163)، كان لا يزال يواجه الحياة بمزيج من الشجاعة والاستسلام، فإن الوجه القصير السمين غير الحليق كان ساخراً لم يكن حزيناً، وكان لا يزال يتحرك قدماً. ولكن في صورة أخرى(174)في نفس العام، كانت ثمة نظرة قلقة حائرة تعتم الوجه وتكسوه بالتجاعيد حول الأنف الضارب للحمرة وفي 1661 رأى نفسه(175) في نفس الحيرة والارتباك. ولكنه لم يبال بالتجاعيد بطريقة فلسفية. وصور نفسه في عامه الأخير(166)، وكأنما وجد الطمأنينة وهدوء البال في ارتضاء قيود الحياة وحدودها ومرحها الساخر. وماتت هندريكا 1662، ولكن ظل تيس يمتعه بمنظر الشباب، وفي 1668 ابتهج الشيخ العجوز بزواج ابنه. ولما لحق الابن بالخليلة في هذا العام نفسه، فقد الفنان قدرته على التشبث بالحياة. وجاء في سجل الوفيات في الكنيسة الغربية في 8 أكتوبر 1669 رمبرانت فان رين-الرسام ... يترك طفلين.

النهاية

وكاد معاصروه أن لا يلحظوا وفاته. ولم يحلم أحد منهم قط بوضعه في مرتبة روبنز، أو حتى فانديك, وكتب عنه معاصروه-جويشم (يواقيم) فون ساندرات أن ما كان يعوزه أساساً هو المعرفة بإيطاليا وغيرها من الأماكن التي تهيئ الفرص لدراسة القديم ودراسة نظرية الفن. (ويبدو لنا الآن أن هذا هو سر عظمته). ولو أنه عالج أموره بمزيد من الحزم والتعقل، وأبدى مزيداً من اللباقة في المجتمع، فلربما أصبح أكثر ثراء، ولقد عانى فنه من ميله إلى صحبة السوقة(167). واتفق رسكين مع مؤرخ الفن الألماني حيث قال: "أن الفظاظة والتبلد والتجرد من التقوى تعبر دائماً عن نفسها في الألوان السمراء والرمادية، كما هز الحال مع رمبرانت...أن هدف أحسن الرسامين أن يصوروا ما تقع عليه أعينهم في وضح النهار أو في ضوء الشمس، ولكن رمبرانت كان يسعى إلى رسم أقذر الأشياء التي يراها وأبشعها-في ضوء شمعة(168). ولكن يوجين دي لاكروا الذي عكس التطورات الديمقراطية في فرنسا قال "ربما يأتي يوم نجد فيه رمبرانت رساماً أعظم من رافاييل. وأني لأكتب الآن-دون تحيز-هذا التجديف الذي لابد سوف يسبب انتصاب شعر الأكاديميين غضباً ودهشة(169). وينزع النقاد اليوم إلى رفع رمبرانت فوق مرتبة رافلييل وفلاكويز ومساواته فقط بالفنان الجريكو(170) وإنا لندرك أن "الصدق" هو وظيفة الزمن وتابعه. أية سلسلة وأية هوة من روبنز إلى رمبرانت-بين الضوء البهيج والظل الكئيب بين الهاوية والحاشية، بين نبيل أنتورب السعيد بانغماسه في اللهو والفجور في وطنه في القصور مع الملوك، ومفلس أمستردام الذي عرف أحط الأعماق، ولازم الحزن والأسى. إنك إذ ترى هذين الرجلين على أنهما عنصري طباق في تناغم قوي، إنما تحس بطريقة أخرى بعظمة أمة صغيرة صارعت إمبراطورية عملاقة، كما تحس بتعقد المدنية التي استطاعت أن تنتج، في ناحية، ثقافة كاثوليكية تزين ابتهاج مذهبها الذي لا يرقى إليه الشك، بالأساطير وأضرحتها العزيزة عليها بالفن، وفي الناحية الأخرى ثقافة بروتستانتية استطاعت أن تفدي وتربي أعظم فنان وأعظم فيلسوف في ذاك العصر.


معرض الصور


المصادر



ول ديورانت; أرييل ديورانت. قصة الحضارة, ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. 

وصلات خارجية