البلوغ
البلوغ puberty مرحلة زمنية في حياة الإنسان تفصل بين مرحلتي الطفولة والكهولة. لها مظاهر خاصة تنجم عن تبدلات هرمونية في كل من الذكور والإناث. وسيتناول البحث فيما يلي البلوغ من الناحيتين الطبية والنفسية.
البلوغ من الناحية الطبية
تبدأ حوادث البلوغ في الجنسين بتنبه الوطاء hypothalamus الذي كان مثبطاً في مرحلة الطفولة. ويؤدي تنبه الوطاء إلى انطلاق هرمونين نخاميين يفرزهما الفص الأمامي من الغدة النخامية هما: الهرمون المحرض للجريبات follicle stimulating hormone (FSH) والهرمون المحرض للجسم الأصفر luteinizing hormone (LH). ففي الذكور يؤثر الهرمون الأول في خلايا سرتولي Sertoli في الخصية وينظم تكون الأنيبيبات الناقلة للمني seminiferous tubules وتكون النطف وتنمو لذلك الخصية بتكاثر الأنيبيبات ونموها. أما الهرمون الثاني فيحرض خلايا لايديغ Leydig التي تشكل الغدة الخلالية في الخصية والتي تركب التستوسترون من الكولسترول.
أما في الإناث فتنبه الوطاء يؤدي إلى إفراز الهرمون المحرر لموجهات المنسل gonadotrophin releasing hormone (GnRH) الذي يحرض النخامى على إفراز الهرمونين FSH وLH اللذين يحرضان الغدد التناسلية الأنثوية (المبيضين) على إفراز الاستراديول والبروجسترون اللذين يزدادان تدريجياً ويؤديان إلى حدوث البيض وتطور بطانة الرحم الذي ينتهي بحدوث الطمث العلامة الأكيدة الدالة على البلوغ، وتستمر الغدد التناسلية الأنثوية في إفراز هذين الهرمونين بعد البلوغ وفق نظام خاص يؤدي إلى حدوث الدورات الطمثية، وتنشط هرمونات أخرى في الجنسين كالهرمونات الجسدية somatotropin التي تؤثر في ازدياد الطول وموجهات قشرة الكظر corticotropin التي تؤثر في الكظرين وتحرضهما على إفراز الهرمونات المؤثرة في بعض حوادث الاستقلاب ونمو الجسم ونمو الأشعار، وموجهات الدرق وغيرها، وعلى عكس هذا كله تتراجع غدة التوتة thymus في طور البلوغ فينقص وزنها تدريجياً حتى الضمور.
تؤدي المفرزات الهرمونية المختلفة إلى حدوث ظواهر عضوية ونفسية منها نمو الجسم وظهور الرغبة الجنسية لدى الجنسين، كما تؤدي إلى ظهور الأعراض والعلامات الثانوية التي تميز أحد الجنسين من الآخر.
ففي الذكور يغلظ الصوت وتنمو الخصيتان ويصبح جلد الصفن رقيقاً وأحمر ثم يثخن بعد مدة ويتجعد ويصطبغ ببعض الأصباغ ويرافق ذلك نمو القضيب، وتنمو أشعار الوجه والإبطين والعانة التي تبدأ في قاعدة القضيب طويلة متفرقة ثم تتجعد وتقسو وتمتد إلى ارتفاع العانة ثم إلى إنسي الفخذين وعلى طول «الخط الأبيض» linea alba، وحين يكتمل نمو الأشعار يبدو مجموعها بشكله البيضوي المتميز. يرافق المراحل الأخيرة حدوث ميل إلى الجنس الآخر والاحتلام والانتعاظ أحياناً، والميل إلى السيطرة والتشبه بالرجال.
أما في الإناث فينمو جسم الرحم ليصير مساوياً في طور البلوغ طول عنق الرحم ثم يستمر في النمو ليصبح طوله في سن النشاط التناسلي مثلي طول العنق، وتنمو بطانة الرحم لتبلغ نضجها حين ظهور أول طمث، ثم تتتالى التبدلات الدورية بعد ذلك، ومخاطية المهبل تصير وردية اللون، وتبدو في المهبل بعض المفرزات البسيطة، ويظهر فيه مولد سكر العنب وعصيات دودرلاين Doderlein وهي عصيات جرثومية غير متحركة تأخذ ملون «غرام» Gram وهي ضيف عادي للمهبل تنتج فيه حمض اللبن، فتضمن له بذلك الوقاية من كثير من الجراثيم، وتكون مخاطية المهبل حامضية التفاعل، وتظهر في اللطاخات المهبلية الأشكال الدالة على التشرب الإستروجيني، وينمو غشاء البكارة والشفران الكبيران اللذان تظهر عليهما الأشعار التي تكون في البدء طويلة غير متجعدة ثم تكثف وتتجعد وتثخن وتمتد فوق ارتفاق العانة ثم إلى الفخذين، ويكون شكلها حين اكتمالها بشكل المثلث المقلوب، وتظهر الأشعار كذلك تحت الإبطين، وينمو الثديان، ويصير شكلهما مخروطياً ثم كروياً وتبرز حلمتاهما، وتظهر الأرتاج الثديية حين ظهور أول طمث.
يرافق كل ذلك تبدلات نفسانية تترك معها الفتاة ألعاب الطفولة وتستفيق الغريزة لديها، وتصير عاطفية تميل إلى المرح والتشبه بالنساء.
هذه التبدلات الجذرية في الجنسين وخاصة استفاقة الغريزة الجنسية تجعل مرحلة البلوغ مرحلة حرجة يجب فيها توجيه الذكور والإناث على حد سواء الوجهة الصحيحة في حياتهم، ومراقبة كل تصرفاتهم مراقبة دقيقة لتجنب الانحرافات التي قد يصابون بها وتؤثر في مستقبل حياتهم كلها.
سن البلوغ
تختلف السن التي تبدأ فيها حوادث البلوغ باختلاف البيئات، وهي وسطياً بين ثماني سنوات وأربع عشرة سنة في الإناث وأكثر من ذلك بسنتين في الذكور وتمتد مرحلة اكتمال البلوغ في الجنسين من ثلاث سنوات إلى أربع. وإذا كان تحديد تمام النضج ممكناً عند الإناث بظهور الطمث فإنه غير ممكن في الذكور، وعدم ظهور الطمث لا يعني عدم البلوغ فقد تكون هناك أسباب تمنع من ظهوره مع أن البلوغ مكتمل.
ويتعلق سن البلوغ بمؤثرات وراثية وبيئية وغذائية، وقد تبين أن سن البلوغ تدنت تدريجياً بدءاً من أوائل القرن التاسع عشر في بعض البلدان نتيجة تحسن الشروط الغذائية فيها، وينبه بعضهم على علاقة الوزن بالبلوغ، فإن البنات الصحيحات الجسم يرين الطمث حين يصير وزنهن 48كغ مهما كانت سنهن، أما النحيلات فيتأخر لديهن ظهور الطمث أحياناً.
فتحديد سن البلوغ تحديداً دقيقاً غير ممكن على أن بعض التشريعات القضائية أو الشرعية تتطلب هذا التحديد، وهذا ما تقرره بعض المذاهب الدينية التي تحدد سن البلوغ بنهاية الخامسة عشرة من العمر في الجنسين، في حين يحدد غيرها سن الثامنة عشرة للذكور والسابعة عشرة للإناث.. وإذا كان لهذا التحديد قيمة من الوجهة الشرعية فإنه غير ممكن من الوجهة العملية. وهناك حالات يتقدم فيها البلوغ أو يتأخر لأسباب مرضية غدية أو عضوية.