Search - للبحث فى مقالات الموقع

Saturday, February 19, 2011

تيمور بن طرغاي برلاس


تيمورلنك
(736ـ807هـ/1336ـ1405م)

تيمور بن طرغاي برلاس مؤسس دولة امتدت بين نهر الفرات غرباً إلى ما وراء نهر سيحون (سيردارية) شمالاً بشرق. ورافقت قبيلة «برلاس» Barlas الغزو المغولي بقيادة جنكيزخان من منغولية إلى ما وراء النهر، ونزلت حول بلدة «كِش» في جنوب سمرقند، وطرأ على هذه القبيلة المغولية في مقامها الجديد، بعد امتزاجها بالعناصر التركية من سكان البلاد مظاهر التترك، فنبذت على مر الأيام التحدث بالمغولية إلى التركية الجغتائية، التي كان يتحدث بها سكان الجزء الغربي من خانية جَغَتاي بن جنكيزخان (منطقة ما وراء النهر). بينما ظل القسم الشرقي من هذه الخانية «مغولستان» (حوضا نهري إيلي وجو) محافظاً على اللغة المغولية. وانتشر الإسلام في قبيلة برلاس منذ أيام سيدها «قراجار»، الذي قادها من منغولية إلى منازلها الجديدة، مثلما انتشر في غيرها من القبائل المغولية المتتركة في ما وراء النهر.
ولد تيمور في قرية «خواجه إيلغار» في ضواحي كِش، ويعني اسم تيمور بالتركية «الحديد». وأما لفظة «لنك» التي تُلحق به فهي فارسية وتعني «أعرج»، وقد أطلقها عليه أعداؤه في إيران، لعرج نزل به من سهم أصاب فخذه الأيمن في إحدى المعارك، وهو في الثامنة والعشرين من العمر.
وكان أول ظهور لتيمور في الحياة العامة، عندما ألحقه حاكم البلاد الأمير التركي الجغتائي «قازغن» (757هـ /1356م) في حاشيته، وكان قازغن قد نجح في انتزاع السلطة من الخان المغولي سليل أسرة جغتاي بن جنكيزخان، الحاكم الشرعي للبلاد، وبرزت في تلك المرحلة من حياة تيمور سماته الشخصية التي كان من أهمها الجرأة والحماسة وحضور البديهة والمقدرة العسكرية والخبرة بأحوال البلاد.
وكان اغتيال قازغن سنة 759هـ/1358م سبباً في دخول تيمور في مرحلة جديدة من حياته، وهي مرحلة المغامرة التي استمرت اثني عشر عاماً انتهت بوصوله إلى حكم البلاد حيث تمت المناداة بتيمور حاكماً للبلاد في اجتماع عام في بلخ في 12 رمضان 771هـ/16 أيار 1370م.
اتخذ تيمور سمرقند عاصمة له، ولم يتجاسر بادئ الأمر أن يظهر بمظهر المنفرد بالحكم فأقام إلى جانبه خاناً «دُميه» من بيت جنكيزخان، وعلى الرغم من إعلانه الشريعة الإسلامية أساساً للحكم فقد كانت هذه الشريعة منطلقاً نظرياً، وظل يُقدم عليها في الإدارة والجيش شريعة «الياسا» التي وضعها جنكيزخان وما أضافه تيمور عليها من أحكام وقواعد ودعاها توذوكات Tuzukat.
انصرف تيمور في السنوات العشر الأولى من حكمه إلى تأمين حدود دولته من الغرب مع خوارزم، ومن الشمال الشرقي مع المغول الذين تدعوهم المصادر التيموريـــة (الجتا-الجتة) وتعني اللصوص، ثم استدار بعد ذلك نحو الداخل الإيراني المتحضر ولاسيما بعد سقوط الدولة الإيلخانية التي كانت تحكمه فقضى على آل كرت في خراسان الشرقية ودخل عاصمتهم هرات 783هـ /1381م، وقضى على آل السربدار في خراسان الغربية 785هـ /1383م، ثم انعطف جنوباً في العام نفسه فاجتاح سجستان ودخل عاصمتها زَرَنج، وتمكن في آخر هذه الحملات من احتلال مازندران ودخول عاصمتها أستراباذ 786هـ /1384م.
وفي سنة 788هـ/1386م طرد تيمورلنك الجلائريين من أذربيجان ودخل تبريز، وانطلق من هناك لاجتياح بلاد الكرج (جورجية)، ولما تم له ذلك تحوَّل نحو أرمينية حيث تنزل عشائر القره قوينلو (الشاة السوداء) التركمانية، وأجبر زعماءها على الاحتماء بالجبال، ولما آب ثانية إلى إيران ارتكب وهو في طريقه لإخضاع آل المظفر في فارس مذبحة في أصفهان. ثم قام بحملته الكبرى على القفجاق سنة 793هـ /1391م وانتصر على توقتميش في معركة قندروجة بالقرب من أحد روافد الفولغا في مجراه الأعلى.
في سنة 794هـ/1292 أكمل تيمور إخضاع آل المظفر ودخل عاصمتهم شيراز، ثم توجه إلى العراق ودخل بغداد للمرة الأولى سنة795هـ/1393م بعد فرار حاكمها أحمد جلاير، ثم انسحب منها بعد شهرين شمالاً إلى بلاد الجزيرة فأرمينية الشرقية إلى بلاد الكرج، لينطلق من أذربيجان في حملة اجتياح كبرى ثانية للقفجاق سنة 797هـ/1395م رداً على غزوة تحرش قام بها توقتميش لهذه المنطقة وبلغ في هذه المرة ضواحي موسكو، ثم استدار جنوباً إلى القرم وأحرق المستعمرة الجنوية «تانا» ثم عاد شمالاً على ضفاف الفولغا حتى سراي عاصمة القفجاق وأحرقها، ثم عاد إلى بلاده عن طريق شمال إيران، ويطلق المؤرخ التيموري «يزدي» على حروب تيمور هذه تعبير «حروب السنوات الخمس» (بين رجب 794 وشوال 798هـ/حزيران 1392 وتموز 1396).
وبعد أن أمضى تيمور في سمرقند أطول مدة استجمام منذ وصوله إلى الحكم، امتدت زهاء عام ونصف، خرج في رجب 800هـ/ نيسان 1398 لغزو الهند، بدافع الطمع بما في هذه البلاد من كنوز وخيرات وتحت ستار جهاد الكفار متذرعاً بتقاعس حكام الهند من آل تُغلُق وانشغالهم بمنازعاتهم. وبعد أن عبر تيمور نهر السند اجتاح مدن سهل السند الغانجي متجهاً إلى العاصمة دلهي، ونجح في اقتحام المدينة على الرغم من الفيلة التي كانت في جيش أعدائه وعيَّن على دلهي حاكماً من قِبله ثم بدأ رحلة العودة إلى الوطن يجر الأسرى ويحمل الغنائم.
كانت أهم حروب تيمور الأخيرة هي تلك التي خاضها ضد العثمانيين والمماليك، وقد بدأت المرحلة الأولى من الصراع مع السلطان العثماني بايزيد الأول    (793-805هـ/1387-1400م) عندما هدد حاكم أرزنجان (في شرق الأناضول) الموالي لتيمور الذي اندفع غرباً في أملاك بايزيد واحتل سيواس في المحرم 803هـ/آب 1400م. ولكن تيمور ترك القتال في الأناضول لقتال المماليك في بلاد الشام.
لم تستطع قوات نواب السلطان فرج بن برقوق في الشام التي تجمعت في حلب صدَّه عنها فاكتسح المدينة بعد حصارها في ربيع الأول 803هـ/تشرين الأول 1400م، واستسلمت القلعة ونكل الغزاة بالسكان، ثم اجتاح الغزاة حماة ولم يتعرضوا لحمص بذريعة الحرمة لقبر خالد بن الوليد، والتقوا بقوات السلطان فرج في ضواحي الكسوة في 18 جمادى الأول/5 كانون الثاني 1401م، حيث هزموا جيش السلطان واندفعوا إلى دمشق في إثر المنهزمين، ولما أدرك السلطان عجز قواته انسحب سراً من المدينة بأغلب قواته، وبعد مفاوضات مع وفد من علماء دمشق تقرر تسليم المدينة.
فرض تيمور على السكان ضرائب باهظة، وقاتل حامية القلعة حتى أجبرها على الاستسلام، وجرت له مع العلماء مناظرات في جامع دمشق، حول علي ومعاوية وولديهما الحسين ويزيد، ثم أطلق جنده للنهب العام والتنكيل بالسكان وأحرق المدينة وجامع دمشق.
انسحب تيمور من دمشق بعد ثلاثة أشهر من الاحتلال، وجرَّ في ركابه أعداداً من السكان وجلهم من أرباب الحرف، أسرى إلى سمرقند، وأغار في أثناء عودته من الشام على العراق عن طريق الجزيرة، وحوصرت بغداد في شوال 803هـ/أيار 1401م وسقطت بعد أربعين يوماً، وحل بها الدمار وأقيمت في ظاهرها أبراج الرؤوس البشرية.
ولما بلغ تيمور منتجعه في قره باغ (شمالي أذربيجان) أخذ يستعد للجولة الثانية مع بايزيد، وبعد سلسلة من المراسلات مع بايزيد لم تنته إلى نتيجة توغل تيمور بقواته داخل الأناضول، وكان اللقاء الحاسم قرب أنقرة في ذي الحجة 804هـ/تموز 1402م، وانتهت المعركة بهزيمة العثمانيين وأُسر السلطان العثماني الذي توفي بعد مدة وجيزة من الغم، وأعقب نصر أنقرة عمليات اكتساح واسعة لما تبقى من أملاك الدولة العثمانية الآسيوية.
كان لهزيمة العثمانيين صداها في أوربة، فأرسل ملكا فرنسة وإنكلترة التهاني لتيمور وأوفد الملك الإسباني بعثة سفيره «كلا فيخو» Clavijo الشهيرة إلى سمرقند، وكانت فرنسة تتوق منذ أمد إلى عقد تحالف مع تيمور ضد العثمانيين والمماليك، ووجد تيمور بعد نصر أنقرة أن يستجيب لذلك فأوفد بعثة زارت باريس ثم لندن (805هـ/1402م).
توفي تيمورلنك وهو في طريقه لغزو الصين عند مدينة «أوترار» على نهر سيحون لإكثاره من تجرع الخمر المقطر الممزوج بالتوابل لاتقاء البرد وهو في الحادية والسبعين من العمر. وقد كشفت حروبه عن عبقرية عسكرية في التخطيط والتعبئة والاستراتيجية والحرب النفسية. وفاق تيمور جنكيزخان في عمليات القتل العام والتدمير الشامل التي قام بها.
كان تيمور يقضي أوقات الاستراحة في سمرقند في الإشراف على بناء عدد من المباني، فاقت في حجمها مثيلاتها في البلاد الأخرى، ولذلك كانت أهم منشآته في سمرقند وضواحيها، ونادراً ما قام بالبناء في مناطق أخرى. وأهم هذه الأبنية المسجد الجامع، ثم مقبرته هناك. وقد تحول أغلب مباني تيمور إلى أطلال اليوم.